الصحوة الوطنية في بلغاريا

عودة للموسوعة

الصحوة الوطنية في بلغاريا


جزء من عن


 •
 •
 •

بلغاريا العصور الوسطى


 •



 •

بلغاريا العثمانية




 •




1893–1945

 •


كانت القومية البلغارية آخر قوميات البلقان التي حققت إستقلالها عن الدولةالعثمانية في القرن التاسع عشر, وكان تأخرها يكمن في مجمل ظروف المنطقة التي تجاوز دراستها, لعل أبرزها وجود بلغاريا بالقرب من استانبول ومن ثم سهولة إبقائها تحت السيطرة, فضلاً عن حتى البلغاريين أنفسهم دون شعوب البلقان كانوا يعانون بشدة من إختفاء القانون من حياتهم أواخر القرن الثامن عشر ومطلع القرن التاسع عشر.ففي خلال تلك الفترة كانت عصابات الإنكشارية, والعساكر الرديف (المسرحون من الخدمة), وقطاع الطرق يجوبون أفاق المنطقة من مرتفعات البلقان وحتى سهول الدانوب. وقد رأينا حتى بشفان أوغلوجمع حوله عدداً كبيراً من هؤلاء الخارجين على القانون في فيدين حيث يقيم فتحولت أجزاء كثيرة من شمالي بلغاريا على أيديهم إلى أرض خراب, وأجبروا سكانها على الهروب إلى سفوح التلال والجبال.

ومن ناحية أخرى كانت أراضي بلغاريا شأن أراضي إمارتي الدانوب (ولاشيا ومولدافيا-رومانيا) مسرحاً لمعارك الحروب بين روسيا والدولة العثمانية بين عامي 1806-1812, ثم عامي 1828-1829. وفي هذه المعارك إنضم بعض البلغار للجيش اروسي على أمل حتى إنتصار روسيا قد يحقق لهم مكسباً سياسياً. لكن روسيا كما سبقت الإشارة كانت مهتمة بالدرجة الأولى بالصرب وإمارتي الدانوب ولهذا خلت معاهدات الصلح بين الدولتين من أية مواد تتعلق بالبلغار من قريب أوبعيد. ومع هذا كان زعماء القومية البلغارية يرون في روسيا خلال القرن التاسع عشر أفضل قوة بين القوى الخارجية يمكن التعويل عليها في تحقيق أمالهم.

والحاصل أنه بعد إنتهاء الحروب النابليونية وشيوع حالة من الإستقرار العام في أنحاء الدولة العثمانية بدأت الحياة في بلغاريا في التحسن. وكان أغلب البلغار شأن اليونانيين والصربيين فلاحون في قرى شأن شعوب البلقان الأخرى تحت سيطرة سادتهم النبلاء الذين كانوا يعهدون آنذاك بالشروبجية. وكان لرجال الكنيسة والفناريين اليونانيين وهم جزء من نظام الدولةالعثمانية مصلحة في المحافظة على وحدة الدولة العثمانية ومن ثم أبدوا إهتمامات كبيرة بحركة الإحياء القومي والثقافة القومية التي تسود أنحاء البلقان, ولكنهم كانوا مترددين في إتخاذ مواقف راديكالية لتحقيق التحرر السياسي وينبغي التأكيد هنا على حتى الوظائف العليا بالكنيسة والمؤسسات التعليمية القائمة كانت تحت سيطرة اليونانيين وبالتالي كان على البلغار التخلص من نفوذ أولئك اليونانيين قبل الشروع في أية تحركات سياسية مناجل تحقيق أهدافهم القومية.

على حتى وضع البلغار تحسن كثيراً نتيجة للثورة اليونانية والتغيرات التي طرأت على وضع إمارتي الدانوب (ولاشيا ومولدافيا) حيث تم إبعاد سيطرة النفوذ اليوناني من استانبول وأصبح اليونانيين موضع شك بشكل عام, ومن هنا إنتهز التجار البلغار الفرصة لتقوية مكانتهم في استانبول على حساب تدهور نفوذ اليونانيين (الفناريون) مثلما عمل الأرمن من قبل.وبإنتهاء حق الدولة العثمانية في الإستحواذ على منتجات إمراتي الدانوب في 1829 جعل السلطان العثماني يركز إهتمامه على بلاد البلغار لإمداده بالتموين اللازم للدولة وللجيش الجديد الذي كان السلطان محمود الثاني قد شرع في تكوينه عام 1826, ومن مث أصبحت بلغاريا مصدر التموين الأساسي لإحتياجات هذا الجيش من طعام وملابس وبطاطين وخلافه. إلى غير ذلك وخلال المدة من 1830-1878 أمدت بلغاريا الدولة العثمانية بإحتياجاتها من الحبوب والشمع والحرير والمواشي والنبيذ, ومنتجات الجلود وخاصة الأحذية وايضاً الملابس والحديد والمعادن والمنسوجات الصوفية التي كانت تتم في القرى الجبلية.ورغم أنه بعد عام 1856 بدأت بوادر تدهور الصناعات البلغارية بسبب تغلغل المنتجات الأجنبية في أنحاء الإمبراطورية, إلا حتى إنتعاش ثروة بلغاريا نسبياً خلال تلك الفترة (1830-1878) كان له فضل توفير الأساس المادي للحركة القومية.

وأكثر من هذا فرغم إستمرار شكوى الفلاحين من نظام الضرائب ومصاريف الزراعة, إلا أنهم شعروا بتحسن أحوالهم, وكان الأحرار منهم شأن قرى البلاقن الأخرى يعيشون بشكل عام في الأنطقيم الجبلية وعند التلال وفي ظروف حياة أفضل من ألئك الذين يعيشون في جفالك الإقطاع التي تقع في أكثر الأراضي خصوبة. غير حتى نظام الجفالك كان يتعرض بدروه للتغيير فقد استوعب صاحب الجفلك حتى الأرض لم تعد مريحة بتأثير المنافسة الإقتصادية من البلاد المجاورة وبالتالي كان يرغب في بيعها للفلاح. وعن هذا الطريق إنتقلت أراضي كثيرة إلى ملاك صغار بعكس ما وقع في رومانيا. كما يلاحظ أ، الفترة التي شهدت هذه التحولات تزامنت مع الإصلاحات العثمانية المعروفة بالتنظيمات. ورغم حتى قوانين التنظيمات لم تنفذ بأريحية, إلا حتى المناخ العام تحسن بل لقد شارك الفلاحون البلغار في الأعمال الثورية لكن لم تحدث مشاركة شعبية عامة في الثورة مثلما وقع في اليونان والصرب كما يفترض أن نرى.

لكن الثروة المتزايدة بين البلغار وما صاحبها من زيادة القلق السياسي أدى إلى صراع المصالح بين الطبقات الإجتماعية والمجموعات القومية مثلما كان الحال في جميع بلاد البلقان. ولقد كان على البلغار لكي يحققوا قوميتهم شأن الرومان (ولاشيا ومولدافيا) حتى يتخلصوا من سيطرة اليونانيين أولاً على حياتهم التعليمية والكنسية وكذا التحرر من الهيمنة السياسية للدولةالعثمانية. وفي هذا الخصوص نشطت دوائر معينة داخل البلاد لتحقيق الأهداف القومية وفي مقدمتها التجار الذين أصبحوا أكثر إهتماماً بشخصيتهم المستقلة في إطار تنافسهم مع اليونانيين, وأيضاً طوائف الحرف التي كانت تمثل الطوائف الأوروبية في التنظيم كانت تساند المشروعات التعليمية والثقافية لتنمية الشخصية البلغارية.

إلى غير ذلك كانت المستوى الأولى الكبرى التي كان على البلغاريين إتخاذها في حركتهم القومية إقامة مؤسسات تعليمية فهمانية (مدنية) متحررة من سيطرة الكنيسة اليونانية,ذلك حتى التعليم في بلغاريا في مطلع القرن التاسع عشر كان شأن بلاد البلقان مرتبطاً ارتباطاً وثيقاً بالكنيسة. ورغم حتى التعليم العالي كان يونانياً صرفاً, إلا حتى المدارس البلغارية الصغيرة التي تشبه الكتاتيب في العالم الإسلامي كانت موجودة في كنائس معينة وفي بعض الأديرة حيث يتفهم الصبية الصغار قراءة الأعمال الدينية بالسلافية والكتابة بها. ويبدوواضحاً حتى هذا النوع من المدارس لم يكن سقمياً بالنسبة لسكان تتوسع أنشطتهم الإقتصادية وأصبحوا أكثر إهتماماً بعالم أوسع من عالمهم. وكانت أبرز المؤسسات اليونانية قاطبة المدارس الهللينية-البلغارية التي قام بتأسيسها التجار اليونانيين في المدن التجارية الرئيسية, وكان التعليم فيها يركز على الموضوعات الضرورية لأعمال التجارة مثل الحساب واللغة الفرنسية والتاريخ والجغرافيا. وقدجذبت هذه المدارس عدداً من البلغاريين وعن طريقها تم الإتصال بالفكر السياسي الأوروبي الخاص بالثورة الفرنسية على وجه الخصوص. وشاعت الأفكر الليبرالية والقومية.

ويرجع الفضل في تأسيس أول مدارس بلغارية حديثة إلى جهود ڤاسيل أپريلوڤ Vasil Aprilov وكان هذا الرجل قد نشأ يتيماً وأخذه إخوته التجار إلى موسكووأدخلوه مدرسة يونانية وأصبح بالتالي محباً لليونانيين. وفي عام 1831 قرأ كتاب "البلغاريون القدماء والمحدثون" بقلم إنسان أوكراني يدعى يوري فينيلين Iuri Venlin نبهه إلى معنى القومية البلغارية,ومن ثم أصبح رجلاً وطنياً بلغارياً ووجه إهتمامه لتعليم أبناء بلده لحب قوميتهم, ورأى في تأسيس نظام تعليمي قومي خطوة أساسية على طريق تحقيق الإستقلال السياسي لبلاده. وعلى هذا قام بتأسيس أول مدرسة مماثلة افتتحت في مدينة جابروفوGabrovo عام 1835 أصبحت فيما بعد نموذجاً لمدارس مماثلة افتتحت في جميع من كازانليك Kazanlik, وكالوفير Kalofer, وتريافنا Triavana, وصوفيا, وباناجيوريشت Panaguirishte, وكوبريفيشتيتسا Koprivshtitsa, وفي غيرها من المدن التي كانت مراكز للتجارة أوالصناعات الحرفية.

غير حتى تلك المدارس الحديثة شأن المدارس في الصرب وسائر بلاد البلقان كان ينقصها المدرسون الأكفاء, إذ كان التعليم في معظمها يقوم على طريقة بل-لانكستر Bell-Lancaster حيث يقوم أفضل تلاميذ الفصل بمهمة التدريس للأخرين. وفي الوقت نفسه التحق بعض شباب البلغار- كما وقع في بلاد أخرى – بجامعات وسط أوروبا أوفي فرنسا, وتلقى آخرون منحاً دراسية من روسيا. ولهذا يفترض أن نلاحظ حتى غالبية القيادات الثورية التي ظهرت فيما بعد تلقت تعليمهما في مدارس يونانية أوفي مؤسسات خارجية خارج البلاد.

ولم تقتصر مشكلات التعليم على توفير المدرسين الأكفاء, بل لقد كان ينقص التلاميذ وسائل التعليم اللازمة والخط الدراسية المكتوبة بلغتهم القومية. وكانت الخط البلغارية تطبع في بوخارست واستانبول أكثر من مدن بلغاريا نفسها بإستثناء بعض الخط التي طبعت في بلغاريا في حرب القرم. وآنذاك كان الوقت يستدعي بناء مستوى معين من اللغة يستخدمه الجميع في الكتابة غير النموذج اليوناني والسلافية التي تستخدمها الكنيسة رغم إرتباطها الوثيق بالتاريخ القومي للبلاد. ولأن غالبية أفضل المؤلفين والكتاب اتىوا من شرق بلغاريا فقد أصبحت لهجة أبناء تلك المنطقة هي لغة الكتابة والأدب.

لكن الملاحظ حتى الحياة القومية في بلاد البلقان كانت ما تزال تختنق بسبب ضعف بطريركية استانبول على الكنائس المحلية في تلك البلاد, ومن هنا كان تأسيس كنيسة محلية (قومية) خطوة منطقية وضرورية حدثت في جميع من بلاد الصرب واليونان وإمارتي الدانوب (رومانيا) على طريق تحرير المؤسسات من السيطرة الخارجية وخاصة بعد التوصل إلى إقامة حكومات ذاتية في تلك البلاد. لكن في بلغاريا وقع العكس إذ بدأت خطوة إنشاء الكنيسة المحلية قبل التوصل إلى وضع سياسي أفضل في العلاقة مع الدولة العثمانية حيث بذل البلغاريون جهوداً إشارة إبتداء من الربع الأخير من القرن التاسع عشر لإعادة تأسيس كنيستهم المستقلة في أوهريد Ohrid التي كانت قد ألغيت في 1767.

والحقيقة حتى صدور خط شريف مولخانة في 1839 كان أمراً له مغزى كبير بالنسبة للمسألأة الدينية في البلقان عموماً. ورغم أنه كان يستهدف المساواة بين المسيحيين والمسلمين فقد رأى البلغاريون فيه أنه يؤكد المساواة بينهم وبين اليونانيين الأرثوذكس. وعلى هذا وبعد عام 1845 بدأت محاولة إنشاء كنيسة بلارية مستقلة بجهود جميع من نيوفيت بوزفيلي Neofit Bozveli, وإيلاريون مكاريوبولسكي Ilarion Makrio Polski في مدينة Turnovo أولاً ثم في استانبول حيث كانت تقيم فيها جالية بلغارية من التجار غاية في الثراء والإزدهار وععد كبير منهم يرغب في الإسهام في هذا المشروع. وكان المطلب الأول في هذا الشأن حتىقد يكون للبلغاريين أساقفة منهم يختارونهم بأنفسهم ويكون لهم ممثلاً لدى الباب العالي فضلاً عن رغبتهم في بناء كنيسة لهم في استانبول وإصدار صحيفة تعبر عنهم.

ولما كانت روسيا بإعتبارها أكبر أمة أرثوذكسية تعارض إقامة رهبنة ديرية وكنيسة بلغارية مستقلة عن البطريركية العامة في استانبول بدعوى حتى ذلك من شأنه حتى يضعف الكنيسة العامة وسبق حتى عملت ذلك من قبل في 1833, فكان هذا يعني حتى أي صراع تتورط فيه بطريركية استانبول سيتدعي تدخل روسيا بالضرورة. وعلى هذا وافقت روسيا على إتخاذ إجراء قوي ضد المحاولات التي يقوم بها جميع من نيوفيت وإيلاريون إلا في عام 1850. ورغم ذلك إلا حتى زعماء البلغار لم يتوقفوا عن المحاولة حتى نجحوا في حتى يستصدروا من السلطان العثماني في 1849 فرماناً بالسماح "لملة البلغارية" بإفتتاح كنيسة لهم في استانبول,وكان هذا في حد ذاته يعني الأعتراف لأول مرة بوجود أمة بلغارية منفصلة.

على حتى صدور خط شريف همايون في 1856 شد من إصرار البلغار على حصولهم على وضع متساومع اليونانيين.ورغم إختلاف الرأي بين زعماء البلغار فيما يتعلق بالمدى الذي ينبغي الوصول إليه في هذا الطريق, إلا أنهم كانوا متفقون كلية على مبدأ تلك المحاولات أصر من جانبه على المحافظة على ما تحت يده من مؤسسات. ولهذا ففي 1858 نادى مجلس الكنائس للإجتماع ونادى للجلسة الأولى ثلاثة عضواً (إستمرت الجلسات حتى 1842) حيث تم رفض مطلب البلغاريين بتعيين أساقفة منهم في الأسقفيات البلغارية أوالمطرانيات. وتمت الموافقة فقط على تعيين أسقفاً واحداً بلغارياً وهوإيلاريون مكاريوبولسكي الذي كان قد أفرج عنه في 1850 كما سبقت الإشارة. ورغم حتى إيلاريون لم يكن راضياً عن تلك الترتيبات إلا أنه خطا خطوة درامية إشارة عندما أقام شعائر عيد القيامة لعام 1860 دون موافقة البطريرك, وإستبدل بإسم البطريرط إسم السلطان العثماني في الصلاة كإشارة منه الإنفصال كنيسته عن دائرة البطريرك وولايته.

ولقد أجاب البطريرك على تصرف إيلاريون هذا بدعوة مجلس الكنائس لجلسة ثانية حضرها بطاركة القدس وأنطاكية واللإسكندرية حيث تم لعن إيلاريون وحرمان مؤيديه من رحمة الكنيسة. غير حتى قوة المعارضة البلغارية أكسبتها تنازلات أكثر من جانب خصومها فقد أصبح من حق الأساقفة البلغار حتى يخطوا بلغتهم, وأن يطبعوا ما يخطون من مادة دينية في بلغاريا بعد موافقة البطريرك أولاً على المحتوى. وإستمر إيلاريون رغم لعنته وإنكاره يقوم بالخدمات والطقوس الدينية بمساندة جماعته. ولم يكن من الممكن حتى يصبر بطريرك استانبول على هذا الوضع طويلاً فما لبث حتى أرغم إيلاريون وإثنين آخرين من قيادات كنيسة بلغارية على مغادرة البلادد إلى المنفى.

وفي تلك الأثناء وقع تغير في موقف روسيا التقليدي تجاه وجود كنيسة بلغارية منفصلة ساعد البلغاريين في قضيتهم من أجل إنشاء كنيسة خاصة بهم. والحاصل حتى حركة التوحيد الكنسي التي كانت تسعى لأن يقبل الأرثوذكس رئاسة بابا روما لفتت نظر البلغاريين بشكل ملحوظ. ورغم حتى تلك الحركة وكذا البعثات البروتستانتية الأمريكية التي كانت نشطة بدورها في بلغاريا لم تكن تمثل تهديداً حقيقاً للأرثوذكسية لك نشاط تلك الجماعات كان يضيق بشدة الأسقف فيلاريه Filaret من كنيسة موسكوفأصبح من ثم يؤيد تأسيس كنيسة بلغارية وطنية بدلاً من حتى تظل في وحدة مع بطريركية استانبول.

وفي 1864 قامت روسيا بتعيين الكونت إجناتيف N. P. Ignative سفيراً لها في استانبول وبإعتباره مؤيداً للرابطة السلافية سعى للإبقاء على وحدة الشعوب الأرثوذكسية عن طريق تقديم حل وسط بين الأوضاع اليونانية والبلغارية. وفي هذا الخصوص حصل على تأييد البلغاريين بعد حتى أكد لهم عودة إيلاريون وزميلاه من منفاهم الذي مضىوا إليه عام 1861. لكنه لم يظفر بتعاون حقيقي من بطريرك استانبول الذي كان يشعر بأن مصالحه في طول بلاد البلقان تتعرض للتهديد خاصة وأن حكومة رومانيا إستولت في ذلك العام نفسه (1864) على أراضي أديرة الرهبان في بلادها, وإنعقدت ثلاثة مجالس كنيسة لمناقشة المشكلة البلغارية في أعوام 1863, 1864, 1866 ولم يتحقق إلا تقدماً ضئيلاً. إلى غير ذلك وفي 1866 تصرف زعماء الكنيسة البلغارية بسخط شديد وأقدموا على طرد الأساقفة اليونانيين من بلادهم وكان هذا يعني في جميع الأحوال حتى سلطة البطريركية لم يعد لها وجود في بلغاريا من الناحية العملية De facto وأصبحت المشكلة تكمن في كيفية الحصول على إعتراف شرعي بهذا الموقف.

وعند ذلك المنعطف إهتمت الحكومة العثمانية إهتماماً عميقاً بالمشكلة خاصة وقد بدت إشارات هنا وهناك تنبئ بقيام إنتفاضة مسيحية من حديث في إنحاء البلقان, ففي 1867 إضطرت السلطات العثمانية في الصرب لهجر مواقعها هناك كأحد نتائج قصف بلجراد في 1862. وفي 1866 أصبحت كريت مسرحاً لإنتفاضة كبيرة مرة أخرى. وبالتالي كان من الطبيعي حتى تعمل الحكومة العثمانية على الحيلولة دون حتى تصبح بلغاريا مسرحاً للتمرد والعصيان. وعلى هذا طلبت إختيار من يقوم بدور الوساطة بينها وبين خصومها على حتى تحتفظ لنفسها بالإجراء النهائي. وتحول الموضوع من مجرد تأسيس كنيسة بلغارية إلى تحديد المناطق التي ستكون تحت ولايتها. والحقيقة حتى الموقف برمته كان مشحوناً بورطات سياسية كبيرة, وإدراكاً من بطريرك استانبول والحكومة اليونانية حتى إمتداد سلطة الكنيسة البلغارية إكليروسيا على مناطق بعينها يفترض أن يعتبر رمزاً لهيمنة سياسية في النهاية فقد رأى جميع منهما تضييق مجال همينة الكنيسة البلغارية قدر الإمكان.

وأمام تشابك النافس الديني مع السياسي لم يكن بإمكان الهيئتين الدينيتين (الكنيسة البلغارية وبطريركية استانبول) تسوية مشكلاتهما وحدهما, فبلغاريا كانت ما تزال آخر المصادر الكبرى لدخل البطريركية فضلاً عن حتى حكومة اليونان والبطريركية كانتا لا ترحبان بالتخلي عن المستعمرات اليونانية الكبيرة في بلاغريا وخاصة في جميع من بلوفديف Plovdiv, وفارنا رغم حتى المناطق الريفية المحيطة بتلك المستعمرات مناطق بلغارية تماماً. كما حتى الكنيسة اليونانية لم تكن ترغب في التنازل عن أسقفية فيليس Veles في مقدونيا. وما لبث الموقف حتى تعقد تماماً عندما دخلت حكومة رومانيا في الصراع بإنادىء حقها في أسقفيتي بيش Pec وأوهريد اللتان كانتا مركزاً بلغارياً كنسياً تاريخياً. ولعل هذه المرارة التاريخية تفسر لنا لما عجزت المجالس البلغارية-اليونانية التي أنشاها الباب العالي عن الوصول إلى تسوية للأمور. ولأن الحكومة العثمانية كانت تدرك حتى موضوع الكنيسة البلغارية موضوعاً سياسياً أكثر منه دينياً, وجدنا حتى السلطان العثماني يصدر فرماناً في 1870 بإنشاء وظيفة "نائب بلغاري لبطريرك استانبول" تحددت ولايته الدينية قانوناً على بلاد ضمت بلوفديف وفارنا على طريق تسوية المشكلات الرئيسية.وأكثر من هذا فقد نصت المادة العاشرة من الفرمان على أنه إذا كان ثلثا سكان أي منطقة أوحي يرغبون في التبعية للنائب الكنسي فسوفقد يكون لهم هذا. ولقد فتحت هذه المادة الباب على مصراعية لصراع مكثف ومرير ودموي إنفجر في مقدونيا بين جميع من اليونانيين والصرب والبلغار.

على حتى فرمان 1870 لم ينه الصراع الكنسي ذلك حتى التنطقيد الأرثوذكسية تقتضي ضرورة تصديق البطريركية على إنشاء كنيسة جديدة.وظل أطراف الصراع عاجزين على مدى عامين من الجدل والنقاش عن تسوية المسائل الدينية والسياسية المتعلقة برسم حدود الولاية الشرعية لكل منهم. وعندما فشل التفاوض في تسوية الأمر بدأ البلغاريون في التصرف بمفردهم, ففيستة يناير 1872 وفي إبيفاني Epiphany تم قبول فرمان السلطان كاملاً في محاولة من البطريرك وإجناتيف إنهاء الموقف ولكنهما لويوفقا في غلق ملف الموضوع. وسرعام ما إنعقد المجلس البطريرك السادس الذي قرر حرمان الأسقف إيلاريون البلغاري وعدداً كبيراً معه من رحمة الكنيسة. وفي مارس 1872 تم تعيين أنتيم الأول Antim نائباً للبطريرك في بلغريا, لكن أول إجراء رسمي قام به كان قراءة تصريح يعلن إستقلال كنيسة بلغاريا فما كان كم البطريرك إلا حتى أعرب حتى نائبه آنتيم الأول منشق.وبينما لم تقبل هذا الحكم جميع من الكنيسة الروسية والرومانية والصربية ورفضه بطريرك القدس, صادق عليه بطاركرة الكنائس الأخرى بما فيهم الكنيسة اليونانية.

ورغم الخلاف الذي وقع بين زعماء بلغاريا حول مسألة تأسيس كنيسة بلغارية مستقلة لها ولاية على أنطقيم واسعة, إلا حتى إنشاء الكنيسة في النهاية أكسبهم وجوداً ذاتياً لبلدهم بفضل مساندة الحكومة العثمانية التي كانت ترغب في الإحتفاظ بولاء هذا الجزء من ممتلكاتها,وأيضاً بفضل موافقة روسيا مرغمة على إنشاء منصب نائب البطريرك. أما فيما يتعلق بمسألة تحقيق وضع سياسي منفصل لبلغاريا فلم يحدث إتفاق في الرأي حوله فلقد توازى مع جهود إنشاء منصب نائب البطريرك ظهور جماعات تعمل من أجل ضمان إقامة حكومة ذاتية بلغارية ذات علاقة مع الدولة العثمانية. على حتى أغلب العناصر بين الجماعتين كانت تفضل العمل الثوري لتحقيق الإستقلال بدلاً من الإجراءات التفاوضية البطيئة ولوأنها حققت إنتصاراً ما بالنسبة لوضع الكنيسة.

ولقد تجاوز النشاط الثوري الكبير الذي وقع في النصف الثاني من القرن التاسع عشر من أجل الإستقلال عدة تحركات صغيرة بدأت بتأسيس منظمة خيتا Cheta في برايلا Braila بولاشيا بفهم فاسيل هادزيفولكوف Vasil Hadzivulkov ومعه الكابتن الصربي فلاديسلاف تاتيش Tatic وكانت منظمة مسلحة صغيرة العدد. وفي 1841 عبرت هذه الجماعة نهر الدانوب وإستقرت في بلغاريا بأمل المشاركة في التمرد العام. ورغم أنها فشلت شأن المنظمات التي أعقبتها, إلا أنها ظلت تمثل ملامح النشاط البلغاري الثوري حتى عام 1868 عندما تأكدت ضرورة حتى يعتمد النشاط الثوري في بلغاريا على البلغاريين أنفسهم أكثر من مشاركة منظمات أوجماعات أخرى من خارجها.

وفي تلك الأثناء أيضاً أظهر الفلاحون البلغار في الجفالك ضيقهم ليس بسبب قضية الإستقلال وإنما بسبب نظام الضرائب وأحوال معيشتهم فقاموا بعدة إنتفاضات هنا وهناك أبرزها إنتفاضة في شمال غرب بلغاريا (1835), وفي إقليم فيدين (1841), وفي باريلا Barila (1841-1842), ثم في فيدين مرة أخرى (1850). ولأن تلك الحركات كانت ضعيفة التنظيم فكان من السهل سحقها على يد السلطات العثمانية.

وبعد حرب القرم بدت ظواهر لتجديد النشاط الثوري مرة أخرى حيث أقنعت حوادث الحرب وخاصة هزيمة روسيا زعماء بلغاريا بالتصرف منفردين دون حتى ينتظروا مساعدة خارجية لتحقيق الإستقلال. يضاف إلى هذا حتى تمتع الصرب وإمارتي الدانوب (رومانيا) بإستقلال أوبحكم ذاتي كان في حد ذاته إغراء للبلغاريين بالنضال لتحقيق هدف مماثل. لكن الصعوبة كانت تكمن في الإتفاق على الطريق الذي يمكن إتباعه لتحقيق هذا الأمل, فآنذاك كانت البلاد تتمتع برخاء إقتصادي نسبي, والمنتفعون منه من التجار والحرفيين والشوربجية كانوا راغبين عن المخاطرة بمصالحهم بطبيعة الحال, وكانوا يفضلون تحقيق المكاسب السياسية عن طريق الدبلوماسية والتفاوض في إطار الدولة العثمانية. وبمعنى آخر كانوا يرغبون في إستخدام الطرق نفسها التي أثبتت نجاحها في حصول إمارتي الدانوب على الحكم الذاتي, ولمقد يكونوا يريدون ثورة على نمط ما وقع في اليونان والصرب.

لكن كان هناك آخرون يرفضون هذا الطريق وهم أولئك الشباب أبناء كبار التجار والمهنيين الذين توفرت لهم فرص السفر لإستكمال تعليمهم خارج البلاد شأن مجموعة ال48 في مولدايفا وولاشيا (رومانيا) التي سبقت الإشارة إليها. وقد تأثروا شأن نظرائهم من الرومانيين بالإيديولوجيا السياسية الأوروبية, وبالتالي لمقد يكونوا "رجال الشعب" شأن جميع من كاراديورديه,وفلاديميرشكو, وكولوكوترونيس ومن شابههم من زعماء الفلاحين, بل كانوا مثقفون صاغوا أفكارهم على أساس ما تفهموه ودرسوه وليس من خلال تجاربهم الميدانية.

وبينما تشكلت أفكار شباب الرومانيين بتعليمهم الفرنسي تأثر البلغاريون بدراستهم في المدارس اليونانية والمعاهد الروسية وفي مدارس الإرساليات الأمريكية البروتستنتية في بلغاريا واستانبول إلى حد ما. وفي تلك المعاهد تعرضوا للإيدولوجيا السياسية الليبرالية-القومية. أما الذين تفهموا في روسيا فقد مضىوا إليها من خلال منح دراسية خصصتها منظمة سلافية تكونت في موسكوعام 1858 بإسم "الجمعية الخيرية الموسكوية" كرست نفسها لخدمة السلاف الأرثوذكس ورفاهيتهم. وقد وقع حتى إتصل هؤلاء الشباب بحركة الشباب الروسية الراديكالية في ستينيات القرن التاسع عشر. وكانت كتابات جميع من الكسندر هرزن Herzen, وتشيرنشفسكي N.G. Chernyshvesky, ودوبروليوبوف N.A. Dobroliubov, وبيساريف D.I. Pisarev تعبر عن الشخصية البلغارية وتنتقد شخصية قيصر روسيا الأوتوقراطية ولهذا عاد هؤلاء إلى بلادهم غير معجبين بنموذج إمبراطورية القياصرة الروس, بل لقد إستقر في تفكيرهم ضرورة تبني برامج ثورية إجتماعية.


ونظراً لشدة رقابة السلطات العثمانية على الحركة في البلاد ومعارضة كثير من البلغاريين للعمل الثوري فقد تم إعداد الخطط الأولى للعمل خارج بلغاريا في جميع من الصرب وإمارتي الدانوب (رومانيا). وكانت حكومات تلك البلاد تغمض عينها عن المتآمرين البلغاريين على أرضيها أوتقدم المساعدة لهم أملاً في الحصول على منافع من وراء ذلك بطريقة أوبأخرى. غير حتى زعماء الحركة البلغارية لمقد يكونوا أبدأً متحدين في أهدافهم,وبحكم تكوينهم الإيدولوجي بددوا كثيراً من طاقاتهم في مناقشة المبادئ, وقد إنحصرت المشكلات الرئيسية التي قابلتهم في أربع مشكلات: أولها . . هل يناضلون من أجل حمك ذاتي في إطار الدولةالعثمانية أم من أجل الإستقلال التام, والثانية . . هل ينضمون إلى فيدرالية بلقانية وإذا كان ذلك كذلك فأي نوع من الفيدراليات ينضموا إليها, والثالثة . . هل يعتمدون على مساعدات خارجية أم على جهودهم الخاصة, أما المشكلة الرابعة فكانت تتعلق بنوع التنظيم الداخلي الذي يجب حتى تكون عليه دولة بلغاريا المرتقبة.

كان جميع من جورج راكوفسكي Rakovski, وليوبن كارافيلوف Liu Ben Karavelov, وفاسيل ليفسكي, وخريستوبوتيف Botev أبرز زعماء الثورة البلارية قاطبة, إذ كان جميع منهم يمثل فترة في تطور الحركة القومية ولاا يمكن فهم أفكارهم إلا بالرجوع لخلفية الحوادث . . فعندما كانت الصرب في مطلع ستينات القرن التاسع عشر مركزاً للنشاط البلغاري كان لراكوفسكي مقراً لعملياته في بلجراد ونوفي صاد Novi Sad, وقد ساعدته حكومة الصرب في تنظيم كتيبة بلغارية وفي طبع الخط والنشرات وفي 1861 أصدر جريدته "بجعة الدانوب" Dunavski Lebed وكان يعتقد شأن فاسيل ليفسكي فيما بعد حتى تكتيكات منظمة خيتا Cheta ليست كافية وأنه ينبغي الترتيب للقيام بثورة شاملة داخل بلغاريا نفسها. كما كان يرغب في الدخول في فيدرالية مع الصرب رومانيا وليس مع اليونان. ورغم أنه تلقى تعليمه في المدارس اليونانية, إلا أنه كان يرغب في إبعاد النفوذ اليوناني عن بلاده. والخلاصة حتى فلسفته السياسية كانت تابعة من الليبرالية البلقانية.

وفي جميع الأحوال لم يكن من الممكن حتى يتحاشى البلغاريون في نشاطهم التصادم مع المجموعات القومية الصربية, إذ سرعان ما تصادم راكوفسكي واتباعه بمؤيديهم من الصربيين حول مسألة وحدة سلاف البلقان, ذلك حتى الصرب كانت قد تبنت برنامجاً للتوسع يستهدف السيطرة على المناطق الجنوبية السلافية التي كانت في الوقت نفسه مطمعاً للبلغاريين. إلى غير ذلك وفي 1862 وبعد إنتهاء أزمة قصف العثمانيين لبلجراد إنتقل مركز الحركة البلغارية إلى بوخارست (رومانيا), وفي الوقت نفسه إحتفظ البلغار بتعاون وثيق مع الصرب وخاصة أثناء حكم الأمير ميشيل. ورغم الخلاف الذي كان قائماً بينأبناء الحركة إلا حتى الإعداد للعمل السري لثورة بلقانية عامة كان يجري متوازياً مع جهود الأمير ميشيل من أجل توحيد حكومات البلقان.

ومن ناحية أخرى قدمت رومانيا أفضل الفرص للثوار البلغار الذين يعملون من أراضيها, فمثلاً تعاطف معهم الحزب الليبراالي الحاكم ولم يكن موضوع حدود أراضي بلغاريا المرتقبة مثار خلاف مع رومانيا آنذاك من الممكن بتاثير وجود جالية كبيرة من التجار البلغار كانوا يعيشون في بوخارست ومدن موانئ الدانوب. وفي هذا المناخ المواتي واصل راكوفسكي نشاطه وفي أبريل ومايو1866 تم إيفاد مجموعتين من البلغار عبر الدانوب للعمل في إطار خطط منظمة خيتا, وعندما أخفقتا في مهمتهما أصبح التجار البلغار يعارضون تكرار إجراءات من هذا النوع مرة أخرى وتجمدت الأمور حتى توفي راكوفسكي في العام التالي.

وعلى الرغم من الفشل الذي حاق بخطط منظمة خيتا, إلا أنها ظلت تلعب دوراً رئيساً في التخطيط الثوري. ففي 1868 تم تكوين جمعيتين ثوريتين برئاسة جميع من حاجي ديميتور Hadzhi Dimitur, وغصطفان كارادجا Karadzha وهما منمنظمة خيتا وكانت خطتهما تقضي بعبور الدانوب بإتجاه ستارا بلانينا Stara Planina لتأسيس حكومة ثورية تقوم بالإعداد لإنتفاضة بلغارية عامة. إلى غير ذلك وفي يوليو1868 عبر مائة وعشرون رجلأً الدانوب غير حتى دورية هجرية من خفر السواحل إكتشفتهم وتم الإجهاز عليهم في غضون إسبوعين.

وبعد وفاة راكوفسكي تولى أمر الحركة جميع من كارافيوف, ولفسكي,وبوتيف, وكان من راي كارافيلوف وهوأكثر الثلاثة إعتدلاً حتى ترتبط بلغاريا بالدولة العثمانية على غرار إرتباط المجر بالنمسا بمقتضى تسوية أوزجليخ Ausgleich وفي هذه الحالة يصبح السلطان العثماني ملك بلغاريا. وهذا الإرتباط في رأيه يبتر الطريق على رغبة الصرب واليونان في الإستيلاء على بلغاريا التي يطالبان بها. لكنه تخلى عن هذه الخطة فيما بعد وأيد فكرة تأسيس فيدرالية البلقان ومعتقداً حتى قيام إنتفاضة عامة في البلقان أمر ضروري لحصول البلغار على حريتهم وهذه لا تتم إلا إذا بقيت الخطط الثورية قائمة. ولما كان سياسياً ليبرالياً فقد كان يتوجس خيفة من سيطرة روسية قد تحدث في المستقبل.

أما فاسيل ليفسكي فكان أكثر الثلاثة قرباً لتنطقيد ثورة الرومانيين, إذ كان يرغب في تحقيق إنفصال لبلغاريا عن الدولة العثمانية عن طريق قيام ثورة فلاحية عامة دون الإعتماد على دول اخرى. وكان يعتقد شأن راكوفسكي بأهمية تكوين شبكة ثورية في بلاد البلقان, وعلى هذا مضى إلى بلغاريا في عام 1869 لتكوين لجان تعد للثورة في المستقبل.

أما ثالث هؤلاء خريستوبوتيف فكان أعظم شعراء البلغار قاطبة,وعلى العكس من زميليه كان إشتراكي النزعة ويأمل في إمكانية قيام ثورة عامة لا تؤدي فقط إلى الإستقلال السياسي بل إلى التغيير الإجتماعي. وكان يرى بلادهخ بلغاريا في المستقبل جمهورية ترتبط بكونفدرالية بلقانية من دول حكوماتها متشابهة. ورغم أنه بلور معتقداته أثناء تفهمه في روسيا إلا أنه لم يربط نفسه بتبعية لها.

على جميع حال ففي 1870 إتحدت الجماعات المتصارعة والزعانات المتنافسة في لجنة واحدة بغسم "اللجنة المركزية للثورة البلغارية" إجتمعت في 1872 وضمت ممثلين من بلغاريا ومن جماعات البلغار خارجها وتم الإتفاق على تبني حل وسط من مختلف البرامج الثورية للجميع يقضي بإستخدام الوسائل الثورية للتحرر من السيطرة العثمانية وليس أساليب التفاوض, وأنقد يكون الغرض الرئيسي للحركة تكوين فيدرالية تضم جميع من بلغاريا ورومانيا والصرب والجبل الأسود واليونان تتمتع جميع منها بالحكم الذاتي. غير حتى الإختلاف الكبير في وجهات النظر داخل اللجنة المركزية حال دون الإتفاق على طبيعة التنظيم الداخلي للبلاد طالما نجاح الثورة.

ورغم حتى كارافيلوف كان رئيس اللجنة المركزية, إلا أنه عهد إلى فاسيل ليفسكي ومساعده الرئيسي ديميتور اوبشتي Dimitur Obshti بالعودة إلى بلغاريا للإعداد للثورة. غير حتى هذا الترتيب إنتهى إلى كارثة ذلك حتى اوبشتي في سبيل الحصول على أموال لتمويل الثورة قام بسرقة قطار البريد الهجري دون الرجوع إلى اللجنة مما أدى إلى إعتنطقه وكشف عناصر الحركة, ولكي ينفي عن نفسه تهمة السرقة أما المحققين صرح بأنه ليس مجرماً عادياً وإنما هورجل ثورة محترم وإعترف لهم بالخطط العامة للقيام بحركة تمرد ةعصيان على السلطات العثمانية. وبهذه المعلومات تم غعتنطق ليفسكي الذي شنق زمعه اوبشتي وآخرون. وأمام هذهالتحولات التي لم تكن متسقطة هجر كارافيلوف وآخرون اللجنة المركزية في عام 1874 وأقتنعوا بأهمية وضرورة الإعتماد على مساعدة خارجية وخاصة من الصرب وجبل الأسود إذا كان عليهم تحقيق أهدافهم. كما أدركوا أيضاً أنه بتعيين العمل على تلقين زملائهم القوميين داخل بلغاريا روح النضال.

ورغم تلك الإحباطات إستمرت خطط التمرد على الحكم العثماني قائمة فعندما إنفجرت الثورة في البوسنة-هرسك عام 1875 وعجلت بنشوب أزمة كبرى أسرعت القيادة الجديدة للجنة المركزية للثورة البلغارية بقايدة خريستوبوتيف وغصطفان ستامبولوف stambolov في لإعداد لثورة تهجرز في مدن لوفش Lovech, وستارا زاجورا Stara Zagora, وسيلفن Siliven, وشومون Shumen, وتيرنوفوTurnovo, وروزيه Ruse. غير حتى الثورة قابلت نفس المصير الذي قابلته ما قبلها من ثورات وذك بسبب التسرع والتخطيط المتواضع والتوقيت السئ, وقصور التأييد الداخلي للثورة, ففي شيربان Chirpan مثلاً كانت اللجنة تنتظر تقدم ثلاثمائة متطوع لكن الذين تقدموا كانوا أربع وعشرون متطوعاً فقط. وفي روزيه بلغ عد المتطوعين خمس وعشرون, وفي شومن بلغوا ستة عشر, وبالتالي كان من السهل علىالسلطات العثمانية حتى تسحق الثورة.

ومع هذا فإن تلك الكوارث التيحاقت بالحركة الثورية لم تضعف قيادتها البلغارية في الخارج أوتجعلها تيأس, ذلك حتى إستمرار الثورات في البوسنة-هرسك والإستعداد الواضح للحرب في جميع من الصرب والجبل السود واليونان جعل فرصة القيام بثورة ناجحة تبدوماثلة. ففي تلك الأثناء كانت قبضة الحكومة العثمانية قوية في بلاد البلقان الأخرى, وبالتالي لم يكن بإمكان السلطات العثمانية تحريك قوات عسكرية إلى بلغاريا. وفي إطار تلك الظروف تم التخطيط للقايم بثورة أخرى كبيرة تحت قيادة جورج بنكوفسكي Benkoveski وتوجيهه حيث تم تجميع السلاح وسائر الإمدادات مرة أخرى في رومانيا للقيام بثورة في مايو1876. ولتنظيم الحركة تم تقسيم بلغاريا إلى أربعة أقسام لكل منها رئاسة في جميع من تيرنوفو, وسيلفن, وفراتزا Vratsa وبلوفديف. إلى غير ذلك وفي يناير 1876 عبر منظموالثورة إلى بلغاريا وإتخذوا من بلوفديف مركزاً لهم.

وفي نهاية أبريل إجتمع ممثلومجموعات الثورة وقرروا التحرك يوم 13 مايو. غير حتى السلطات العثمانية إكتشفت خطط الثورة, ولماأدرك الثوار إنكشاف أمرهم قرروا التعجيل بالتحرك قبل الموعد المحدد وذلك في الثاني من مايوفي جميع من كوبريفتشتزا ثم في باناجيورشتا Panagiuishte, وكليسورا Klisura, ودارت معارك ضخمة في المناطق الجبلية وخاصة في رودوب Rhodope, ومرة أخرى لم تكن هنهاك ثورة عامة بلغارية.

ولما كانت الحكومة العثمانية مشغولة بقواتها في جميع مكان فلم يكن بإمكانها إلا إرسال عدد محدود جداً من العساكر للقاءة المتمردين لكنها إضطرت إلى إرسال فرق عسكرية إضافية غير نظامية لقمع المتمردين. غير حتى قيام المتمردين بذبح الأتراك المدنيين المقيمون في البلاد كما وقع في باد بلقانية في ظروف مماثلة أثار خاطر العثمانيين فحدثت معارك قتالية ثقلية, وإرتكبت أعمال وحشية من الجانبيين, وشاعت في أوروبا أخبار الأعمال الإنتقامية التي قام بها العثمانيون وكذا الفظائع التي إرتكبها البلغار حيث لم تكن أوروبا تعهد طبيعة ما وقع إلا من وجهة نظر البلغاريين فقط. وفي هذا الخصوص إختلفت المصادر في تقدير عدد القتلى من البلغاريين جراء قمع ثورتهم, فالعثمانيون قدروا القتلى بنحو3100 قتيلاً, وقدرها الإنجليز بإثنى عشر ألفاً, والأمريكيون بخمسة عشر ألف, أما البلغاريون أنفسهم فقد قدروا قتلاهم ما بين ثلاثين ألف ومائة ألف.

ةفي الشهر نفسه فقد قدروا آخر محاولة بلغارية للقيام بحركة عصيان ففي نهاية مايوإستقل المركب نفسه رادتزكي Radetzky ومعه حوالي مائتين من أتباعه, ولما تحركت الكرب على سطح الدانوب سيطر الثوار عليها وأرغموا ملاحيها على إنزالهم على شاطئ بلغاريا. ومرة أخرى فهمت السلطات العثمانية بالأمر فإعتقلت بوتيف وقتلته وتشتت ضم رفاقه.

إلى غير ذلك إنتهت الحركة الثورية البلغارية إلى الفشل التام ذلك حتى الخطط الموضوعة كان يمكن حتى تنجح في تحقيق الغرض إذا ما تحرك الفلاحون في ثورة عامة فور اجتياز المجموعات الثورية الصغيرة الدانوب, أوإذا ما إتبع أغلبية البلغار توجيهات اللجان الثورية, وحينئذ كان التدخل الخارجي أمر ضروري لتحقيق الأغراض السياسية المرجوة. وعلى هذا كان على القوميين في النهاية حتى ينتظروا وقوع أحداث أوروبية عامة قد تكون مواتية لصالح أهدافهم.

ورغم إخفاق الثوار في تحقيق أي هذف سياسي لهم نحوالتحرر من الحكم العثماني, إلا حتى هدفاً دينياً قد تحقق حين أعرب في صيف 1876 عن تأسيس هيئة إكليروسية بلغارية منفصلة, وعن تعيين نائب البطريرك في بلجراد وذلك بعمل التفاوض وبمساعدة روسيا والدولةالعثمانية. ولكن وفي أثناء التفاوض مع بطريرك استانبول على المسائل الدينية إتضح الخطر على الأهداف القومية البلغارية وعلى تنظيم الجمعيات الثورية خارج البلاد. ويلاحظ أنه حتى ذلك الوقت وأثناء حوادث ثورة إستقلال اليونان وقيام الحكم الذاتي في رومانيا والصرب كان هناك ثمة مساعدات مشهجرة وتعاون بين شعوب البلقان مع قليل من الخصومات حيث لم تكن في تلك البلاد الثلاثة معضلة مناطق تختلط فيها الأعراق على حين كان هذا الأمر واضحاً في بلغاريا عند الحيدث عن تحديد ولاية نائب البطريرك علىمناطق معينة وكذا وضع الصربيين في منطقة سلافية جنوبية وغير ذلك من مسائل معقدة تارخية. وبصفة عامة كان من شأ، الشجار الذي نشأ عن هذه الأحوال والأوضاع حتى يقود شبه جزيرة البلقان إلى فترة تاريخية مختلفة.

انظر أيضاً

  • Ilinden-Preobrazhenie Uprising


تاريخ النشر: 2020-06-04 07:26:02
التصنيفات: History of Bulgaria, 19th century in Bulgaria

مقالات أخرى من الموسوعة

سحابة الكلمات المفتاحية، مما يبحث عنه الزوار في كشاف:

آخر الأخبار حول العالم

غبار وسيول وبرد على 8 مناطق السعودية

المصدر: جريدة الوطن - السعودية التصنيف: إقتصاد
تاريخ الخبر: 2023-04-03 00:29:49
مستوى الصحة: 59% الأهمية: 64%

المدير العام لشركة شباب قسنطينة بوالحبيب يصرح

المصدر: جريدة النصر - الجزائر التصنيف: سياسة
تاريخ الخبر: 2023-04-03 00:28:08
مستوى الصحة: 47% الأهمية: 61%

النجوم يشعلون أجواء بطولة عبدالله بن سعد - أخبار السعودية

المصدر: صحيفة عكاظ - السعودية التصنيف: مجتمع
تاريخ الخبر: 2023-04-03 00:29:43
مستوى الصحة: 58% الأهمية: 67%

رئيس نادي الهلال السوداني: ما حدث لنا بمصر لن يمر مرور الكرام

المصدر: صحيفة التغيير - السودان التصنيف: سياسة
تاريخ الخبر: 2023-04-03 00:27:55
مستوى الصحة: 60% الأهمية: 52%

إسرائيل تسقط «طائرة مجهولة الهوية» دخلت «من سوريا على ما يبدو»

المصدر: ألشرق الأوسط - السعودية التصنيف: سياسة
تاريخ الخبر: 2023-04-03 00:29:13
مستوى الصحة: 90% الأهمية: 88%

قيادي بارز بالمؤتمر السوداني يُعلن إنهاء صلته التنظيمية بالحزب

المصدر: صحيفة التغيير - السودان التصنيف: سياسة
تاريخ الخبر: 2023-04-03 00:27:57
مستوى الصحة: 52% الأهمية: 70%

تخفيض إنتاج النفط... قرار احترازي لمواجهة شبح الركود

المصدر: ألشرق الأوسط - السعودية التصنيف: سياسة
تاريخ الخبر: 2023-04-03 00:29:20
مستوى الصحة: 89% الأهمية: 99%

800 جولة تنشر الطيب والبخور بالمسجد النبوي السعودية

المصدر: جريدة الوطن - السعودية التصنيف: إقتصاد
تاريخ الخبر: 2023-04-03 00:29:47
مستوى الصحة: 53% الأهمية: 68%

اليابان تحتج على احتجاز الصين أحد مواطنيها السعودية

المصدر: جريدة الوطن - السعودية التصنيف: إقتصاد
تاريخ الخبر: 2023-04-03 00:29:50
مستوى الصحة: 52% الأهمية: 67%

الفنان المسرحي ''أحمد جواد'' يفارق الحياة متأثرا بحروقه - Culturedumaroc

المصدر: Culturedumaroc - المغرب التصنيف: مجتمع
تاريخ الخبر: 2023-04-03 00:28:48
مستوى الصحة: 50% الأهمية: 56%

يتعرفان على منافسيهما بعد غد: بلوزداد والقبائل في المستوى الثاني

المصدر: جريدة النصر - الجزائر التصنيف: سياسة
تاريخ الخبر: 2023-04-03 00:27:52
مستوى الصحة: 53% الأهمية: 50%

تحميل تطبيق المنصة العربية