الحياة الزوجية التقليدية.. والحب
الحياة الزوجية التقليدية.. والحب
قليل جدا من الأعمال الدرامية تناقش وتتناول موضوعات اجتماعية وتعالج مشكلات أسرية لها قيمتها.
ومن هذه الأفلام القليلة فيلم المجنون الذي عرضه التليفزيون لأول مرة في سهرة في أوائل شهر رمضان, الفيلم له طابع كوميدي صارخ يتسم بالمبالغة الشديدة التي يتحملها موضوع الفيلم وهو الحياة الزوجية التقليدية بمشاكلها المادية والعاطفية والاجتماعية.
قدم فيلم المجنون أربع أسر أو أربعة نماذج لعائلات تعيش كلها داخل عمارة واحدة, جيران متقاربون وكل نموذج يختلف اختلافا بينا عن الآخر, وربما صور المؤلف العمارة علي أنها المجتمع أو الحياة كلها, التي يعيش أيامها الجميع, ولكن كل بأسلوبه وطريقته, ثلاث أسر الزوج والزوجة يعيشان حياة تقليدية مثل آلاف الأسر وآلاف الزوجات الزوج والزوجة يعيشان حياة تقليدية تماما عن باقي الأسر تعيش حياة بعيدة تماما عن الواقع والتقليدية, حياة تعتمد علي الخيال والتصور المبالغ فيه جدا, بهدف تعميق التناقض الشديد بين حياة الواقع وحياة الخيال ومن خلال هذا التناقض والاختلافات أمكن مناقشة مشكلات الحياة الزوجية علي اختلاف أنواعها,
فالهدف أوحد داخل كل أسرة وهو السعادة الزوجية, ولكن كل أسرة تمارس وتعيش حياتها بشكل مختلف للوصول إلي هذه السعادة, كل شخصية لها طابع خاص وفكر خاص وأسلوب خاص لتحقيق هدفها في السعادة الزوجية, وكل أسرة تتصور أنها تتبع الأسلوب السليم الذي يوصلها إلي الهدف.
قدم الفيلم الأسرة الأولي, زوج وزوجة, الرجل له علاقات اجتماعية متعددة حريص علي تنميتها والاحتفاظ بها, فمن خلالها يستطيع أن يحقق مصالحة الاقتصادية, ويكسب ويرتفع مستواه ومستوي أسرته, والزوجة زوجة بسيطة ليست علي قدر من التعليم والوعي والثقافة, فهي عندما تذهب إلي حفلة ما تكون مصدر خجل وفضيحة لزوجها, تبالغ في ملبسها وماكياجها تتكالب علي أنواع المأكولات, وتنطلق في سرد حكايات غريبة ومخجلة تحط من قدرها وقدر أسرتها وقدر زوجها وهو يعرف ذلك ويدرك هذا النقص ولكنه في هذه الحفلات يحتاج أن يظهر فيها وإلي جواره زوجته, وعندما تصل الزوجة في سلوكها إلي حد الفضيحة, وتصبح مثارا لسخرية من حولها يسرع الزوج إليها محاولا إصلاح ما أفسدته بحديثها غير الواعي مدعيا أنها كانت تقص قصة فيلم أو تحكي عن دور قامت بأدائه عندما كانت تدرس في الجامعة, ولا يتغير مسلكها, ولا يرتفع وعيها أو تزيد مداركها, ولا تحاول مجرد المحاولة أن تتصرف بوعي وحكمة, والزوج يكتفي بأن يلومها ويوبخها ويتكرر كل شيء مرة ومرات, وفي الزيارات والحفلات وفي كل مكان والزوج تعيس بزوجته والزوجة تعيسة بما يوجه إليها من لوم.
نموذج آخر طبيب نفسي وزوجته يعيشان حياتهما الزوجية التقليدية الزوج الأخصائي في الأمراض النفسية يخضع كل مسلك أمامه للتحليل النفسي, ويصدر عليه أحكامه ومهما كان السلوك الذي يحدث أمامه بسيطا ولا يحتمل تلك التفسيرات والتفريعات إلا أن الزوج عالم النفس لايري ذلك وبالطبع فهذا الزوج يخضع لتصرحات زوجته لتحليلاته النفسية ويصدر عليها أحكاما علي أساس تحليله النفسي, ويخضع الآخر المحبطين من حوله لتحليلاته بحوثه واستنتاجاته النفسية, ويكون أحكامه الخاصة النابعة, في نظرته النفسية إلي الناس, الحياة معه تفقد بساطتها وطبيعتها وكل تصرف تفعله الزوجة هو نوع من دافع ما داخلها, ويدل علي شيء ما تهدف إليه, أن كل شيء في حياته الزوجية يحمله أكثر مما يحتمل.
الأسرة الثانية تضم زوجا يعمل أستاذا في الجامعة, يشغل منصبا مرموقا ومكانة كبيرة وزوجته الجميلة لايهمها إلا أن تشتري الملابس الجميلة والأكسسورات وينتهي كل مبلغ يعطيه لها زوجها, مصاريف الشهر التي يجب أن تكفي حتي يبدأ الشهر الجديد لاتفيها عدة أيام, دائما هناك مشكلات اقتصادية تثار بينهما, هو دائما مشغول بعمله والتحضير لمحاضراته التي يلقيها علي طلبته, مشغول بأبحاثه ودراساته وهي تشغل وقتها بالخروج والشراء وإنفاق النقود.
وفي مقابل هذه الأسر الثلاث التي تعيش حياة تقليدية تماما, وتمتلئ حياتهم الزوجة بالمشكلات والجفاف العاطفي هناك الأسرة الرابعة المكونة من زوجين في حالة حب دائم, وعشق وهيام مستمر, وكلما مرت الأيام ارتفعت درجة حرارة الحب والغرام بينهما, زوجان أجلا فكرة أنجاب أطفال لعدة سنوات امتدت إلي عشر ليعيشا حياتهما ويستمتعا بها, الحياة بينهما حب وهيام فقط, لا مشاكل أو متاعب يومية, يذوب كل منهما في الآخر, عندما يذهب الزوج إلي العمل يطلب زوجته ليبثها حبه وغرامه وتطلبه الزوجة لتفعل نفس الشيء لا مشكلات مادية أو اجتماعية من أي لون, بل أن الزوجة تحادث زوجها في التليفون من الحجرة الأخري في نفس الشقة كنوع من التجديد والخيال والتحليق في التصورات, يفكر الاثنان وهما يقطنان في الدور العاشر أن يصعدا إلي شقتهما مستخدمين السلالم رغم أن المصعد غير معطل ليتبادلا كلمات الحب أثناء صعودهما يفكران في إقامة حفل في مسكنهما ويدعوان إليه الأسر الثلاثة الأخري ليشاركوهما ما السعادة ولإحساسهما بأن هذه الأسر تفتقر الحب وتعاني من الجفاف العاطفي وتعيش حياة خالية تماما من أي مشاعر جميلة, وفي الحفل يتناجي الزوجان أمام ضيوفهما, وبعد الحفل تحاول الزوجة في الأسر الثلاث أن تقلد هذه الزوجة التي تعيش في حب دائم, لكن محاولاتها تقابل بالنفور أو السخرية أو عدم التقبل من جانب الزوج.
وتستمر الحياة كل أسرة بأسلوبها وطريقتها, ولكن الطبيب النفسي لا يتصور أبدا إمكانية أن يعيش زوجان في حالة حب دائم لأكثر من عشر سنوات, إنه يري أنها حالة مرضية غير سوية وقاد حملة ضد الزوج حتي تم حمل الزوج لإيداعه مستشفي الأمراض العقلية, وينتهي الفيلم بهذه النهاية فالزوج هو المجنون والذي عرض الفيلم باسمه.
والفيلم كعمل درامي أثار الضحكة وكشف الكثير من العيوب في حياتنا الأسرية وأعتقد أنه وضع يده علي نقاط مهمة كثيرة.
أولها أننا نفهم الحب علي أنه لقاءات ومحادثات تليفونية وتنهدات وأحاديث حب وهيام ولذلك دائما يكون الحب قويا قبل وأثناء الخطوبة,لأنه حب خيالي, وبمجرد أن يرتبط الاثنان بالزواج يختفي الحب أو يموت بالسكتة.
والحقيقة أن الحب حياة كاملة ومعايشة يومية, وتعامل بين شريكين يريد كل واحد منهما أن يربط حياته بحياة الآخر ويشاركه إياها, حب واع يعرف أن الحياة الزوجية ليست هياما وكلام ونظرات, وإنما هي معايشة يومية لكل ما يعرض للزوجين من أمور حب يعرف أن الحياة الزوجية مسئوليات جسيمة, وأن الحياة الزوجية هي بناء أسرة وتحمل مسئولية بيت وإنجاب أولاد وتربيتهم مسئولية كاملة عن تنشئتهم وتعليمهم وعلاجهم, حب يجعل كلا من الزوجين علي استعداد لتحمل كل المتاعب وتقبلها, حب يخفف من عبء المسئوليات ويساعد علي تحملها هذا هو المفهوم الصحيح للحب الذي يعيش وينتعش ويكبر, ويظهر ومؤكد ذاته عند الشدائد, حب يزيد مع السنين, ويتحول إلي عشرة وتفهم وصداقة ومعزة ومشاعر جميلة تظلل الزوجين وتخفف من متاعبهما ومشكلاتهما.
واللقطة الثانية هي أننا ننسي كل المشاعر الجميلة التي تبدأ بها الحياة الزوجية وتغلبنا الأيام بمتاعبها تعيش حياة جافة قاسية, كل يوم لها مشاكلها الحادة لا مكان هناك لتبادل المشاعر والعواطف والحب. وكثير من الأزواج والزوجات يرون أن كل ذلك فترة مضت وانقضت وأنه ليس من الطبيعي استمرارها, وهذا هو الخطز القاتل الذي يسقط فيه الكثيرون.
وقد أراد المؤلف أن يؤكد علي حقيقة مهمة, وهي أن الحياة الزوجية الواقعية بلا حب تصبح قاتلة ومستحيلة وأن الحياة الزوجية التي لا تعيش إلا الحب هي حياة خيالية بعيدة عن واقع الحياة, أما الحياة الزوجية التي تسعي إلي السعادة والاستمرار فهي التي تجمع بين واقع الحياة الفعلي وبين الحب الذي يجملها ويجعلها أكثر احتمالا.