استبصار

ينطوي مصطلح الاستبصار (بالإنجليزية: insight)‏ في فهم النفس على معانٍ عدة من أهمها: النظر إلى الوضع بوصفه كلاً، وتبين العلاقات في هذا الكل، وإدراك الروابط بين الوسائل والهدف، والاستفادة من تلك الوسائل في الوصول إلى الهدف، والتفهم أوالفهم الواضح والمباشر للوضع من دون استخدام سلوك المحاولة والخطأ على نحوظاهر. ولعل المعنى الأكثر شيوعاً لهذا المصطلح في نظرية التفهم هوالمعنى القائل: إنه الإدراك المفاجئ للروابط المفيدة بين عناصر في البيئة. والاستبصار بوصفه حلاً لمشكلة ما يتبع عادة عدداً من المحاولات غير الناجحة لإيجاد الحل. ففي الفترة التالية لتلك المحاولات غير الناجحة تدرك عناصر الموقف في روابط (علاقات) مختلفة. وإذا انطوت إحدى هذه الروابط على حل للمشكلة، فسرعان ما يؤخذ بهذا الحل.

ويعود تأكيد أهمية الدور الذي يؤديه الاستبصار في عملية التفهم إلى فهماء النفس الشكليين من أتباع الغشتالت (Gestalt) وتعني الحدثة بالألمانية «الشكل أوالصيغة». والحق حتى الكثير من الفهم الفهمية حول ظاهرة الاستبصار مستمدة من أعمال عالم النفس الألماني الشكلي كوهلر وبحوثه حول تفهم الحيوان. فقد عمد كوهلر في إحدى تجاربه التي أجراها على الشمبانزي الجائع «سلطان» إلى وضع موزة خارج القفص ووضع له داخل القفص عصوين قصيرتين لا توصل إحداهما إلى الموزة الموجودة خارج القفص، ولكن وصلهما معاً في عصا واحدة يجعل الطول مناسباً لسحب الموزة من خارج القفص إلى داخله. ولقد قام الشمبانزي «سلطان» بتجريب جميع من هاتين العصوين من دون حتى يحقق النجاح بل استخدم إحداهما لدفع الأخرى لكي تمس الموز. وفجأة جمع «سلطان» العصوين معاً لكي تؤلفا عصا واحدة، وجذب بهذه العصا الطويلة الموزة باتجاهه. ولقد ظهر هذا الحل فجأة حين تكررت المشكلة، إلا حتى هذه النتيجة تنطوي على شيء من الغموض، فالكثير من الاستجابات المتفهمة سابقاً، يظهر أنها استخدمت في حل المشكلة فأمكن استخدام المهارات الحركية الضرورية (بإعادة هجريب العصوين) لحل المشكلة.

وتم اختبار الاستبصار في التفهم الإنساني، على غرار ما كان عليه الحال مع «سلطان»، ولكن اقتصر على المواقف والأوضاع التي أمكن فيها استخدام المهارات المتفهمة سابقاً، وبعد إعادة ترتيب خصائص الموقف.

وما من شك في حتى تأكيد أهمية الدور الذي يؤديه الاستبصار في عملية التفهم كان من العوامل التي أسهمت في التخفيف من غلواء المدرسة السلوكية التي نظرت إلى عملية التفهم برمتها في صيغة «مثير ـ استجابة» أو«مثير واستجابة وتعزيز». ويرى فهماء نفس التفهم حتى التفهم لدى الفقاريات العليا ينطوي في معظمه على الاستجابات المعتادة التي تقوم على المحاولات السابقة كما يقترح السلوكيون وعلى الاستبصار الذي يقوم على فهم الموقف الكلي، كما يقترح الشكليون.

إضافة إلى ما تجاوز يستخدم مصطلح الاستبصار في نظرية الشخصية للدلالة على فهم المرء لأفكاره ومشاعره الخاصة وسلوكه. وفي العلاج النفسي يشير هذا المصطلح إلى فهم العصابي أوالمضطرب نفسياً أوالمريض نفسياً، كما يمكن حتى يشير إلى اكتشاف المريض للروابط بين سلوكه من جهة وبين الذكريات والمشاعر والدوافع المحبطة من جهة أخرى. ومن هذا المنظور يعد الاستبصار جوهرياً لطرائق معينة في العلاج النفسي وخاصة تلك الطرائق التي تعتمد التحليل النفسي في العلاج إذ يمثل الوصول إلى فهم حديث للدوافع اللاشعورية وخلفيات الاضطرابات النفسية خطوة مهمة نحوالعلاج. ومن هذه الجهة يتيح الاستبصار للمتعالج رؤية مشكلاته الخاصة بصورة أكثر واقعية والتفكير بها بطريقة بناءة مما يتيح في النهاية تعديل السلوك أوتغييره.