الأدب الفرنسي في القرن السابع عشر

عودة للموسوعة

خُطّ الأدب الفرنسيّ في القرن السابع عشر خلال ما يُسمّى  بالقرن الرفيع في فرنسا، المُمتدّ من حكم ملك فرنسا هنري الرابع، ووصاية ماري دي ميديشي على العرش، وملك فرنسا لويس الثالث عشر، ووصاية ملكة النمسا آن (والحرب الأهليّة التي تدعى حرب الفروند) وحكم ملك فرنسا لويس الرابع عشر. كثيرًا ما ترادف الأدب في هذه الفترة مع الكلاسيكية مع فترة حكم لويس الرابع عشر الطويلة، والذي قادت خلالها فرنسا أوروبا في النهضة السياسيّة والثقافيّة؛ عَرضَ كُتّاب هذه الفترة المثاليات الكلاسيكية، مثل الانضباط والوضوح والانسجام والذوق الجيّد. في الواقع، ينطوي الأدب الفرنسي في القرن السابع عشر على أكثر بكثير من الروائع الكلاسيكية  لجان راسين ومدام دي لا فايت.

المجتمع والأدب في القرن السابع عشر في فرنسا

في النهضة الفرنسية، كان الأدب (في معناه الأوسع) نتاج الموسوعيّة الإنسانية إلى حد كبير، وتضمّن أعمالًا  لكُتّاب الطبقة المثقّفة ذوي الخلفيات الدينيّة والقانونيّة. بدأ مفهوم حديث للنبالة - على نمط النهضة الإيطالية للبلاط الملكيّ وتصوّرها لحاشية البلاط الملكي المثالية - بالتطوّر في الأدب الفرنسي. خلال القرن السابع عشر، حوّل هذا المفهوم الجديد صورة النبيل القاسي إلى صورة الرجل الصالح أوذي الروح اللطيفة، الذي تكون مزاياه الرئيسية: الحديث الفصيح والمهارة في الرقص والأخلاق الرفيعة وتقدير الفنون والفضول الثقافيّ والفطنة والتوجّه الروحيّ أوالأفلاطوني (العذري) تجاه الحب والقدرة على كتابة الشعر.

كانت الصالونات والأكاديميات الأدبيّة عنصرًا أساسيًا في هذا التحوّل الأدبي، والتي ازدهرت خلال العقود الأولى من القرن السابع عشر؛ وكانت رعاية النبلاء لهذا الأمر كبيرةً جدًا أيضًا. اعتُبر إنتاج الأعمال الأدبيّة، مثل القصائد والمسرحيات والأعمال النقديّة أوالأعمال ذات التأثير الأخلاقيّ، ممارسةً ضروريةً من قِبل النبلاء، وكان خَلقُ الفن (أورعايته) بمثابة وسيلة للتقدّم الاجتماعي للأفراد من غير النبلاء وللنبلاء المهمّشين. في أواسط القرن السابع عشر، كان هناك نحو2,200 محرر في فرنسا (أغلبهم من النبلاء ورجال الدين)، يخطون للعامّة القارئة التي تتألف من بضعة عشرات الآلاف. بموجب الكاردينال ريشيليو، أصبحت تتزايد رعاية الأسرة المالكة لأكاديميّات الفن والأدب.

الصالونات والأكاديميّات

اعتُبر بلاط الملك هنري الرابع من قبل المعاصرين بلاطًا فظًا، ينقصه الرقيّ الإيطالي الموجود في بلاط ملوك الفالوا. تنقصه ملكةٌ أيضًا، وهي بمثابة راعية لكُتّاب وشعراء البلد كما جرت العادة. انحصرت أذواق هنري الأدبية في رواية أماديس دي جاولا ذات الطابع الفروسيّ. في غياب الثقافة الأدبيّة المحليّة، كان هنالك الصالونات الخاصّة التي شكّلتها نساء الطبقة العليا مثل ماريا دي ميديشي  ومارغريت دي فالوا، إذ كرّسن أنفسهنّ لمناقشات الأدب والمجتمع. في عشرينيّات القرن السابع عشر، كان الصالون الأشهر مُقامًا في أوتيل دي رامبوييه من قبل السيدة رامبوييه؛ كان هناك تجمّع غريم تنظمه مادلين دي سكوديري.

ظهرت حدثة صالون لأول مرة في فرنسا عام 1664 من الحدثة الإيطاليّة سالا، قاعة الاستقبال الكبيرة في المنزل. قبل عام 1664، كانت اللقاءات الأدبيّة تدعى غالبًا باسم المكان الذي تُعقد به، على سبيل المثال حدثة رويل مستمدة من اللقاءات الأدبية التي تعقد في غرفة النوم، وهوأمر رائج حتى مع الملك لويس الرابع عشر. كان النبلاء، مستلقين على أسرّتهم، يأتي إليهم الأصدقاء المقربون ويجلسون على كراسٍ تحيط بالسرير. تشير حدثة رويل («الزقاق») إلى المساحة الموجودة بين السرير والجدار في غرفة النوم؛ أصبحت اسمًا لهذه التجمّعات (والحلقات الأدبية والفكرية التي نشأت عنها)، التي كانت تجري غالبًا تحت رعاية نساء متفهمات في النصف الأول من القرن السابع عشر.

في سياق المفهوم الفرنسي للبحث، كانت الأكاديميات تعبير عن مجمّعات بحثية، تابعت وشجّعت ونقدت الثقافة الفرنسية. ظهرت الأكاديميّات لأول مرة في فرنسا خلال عصر النهضة، عندما أنشأ جان أنطوان دي باف أكاديميّة مخصصة للشعر والموسيقا، ومُستلهمة من أكاديمية مارسيليوفيسينوالإيطالية. شهد النصف الأول من القرن السابع عشر نموًا مُذهلًا للأكاديميّات الخاصة، التي ينظمها عدد من الأشخاص، يلتقون بشكل منتظم. كانت الأكاديميات بشكل عام رسميّة  ومركّزة على النقد والتحليل أكثر من الصالونات، التي كانت تُشجع النقاشات الممتعة حول المجتمع. على أية حال، كانت بعض الصالونات (مثل التي كانت تنظمها مارغريت دي فالوا) أقرب للطابع الأكاديمي.

في أواسط القرن السابع عشر، خضعت الأكاديميّات بالتّدريج لسيطرة الحكومة ورعايتها الماديّة، وأخذ عدد الأكاديميّات الخاصّة بالتناقص. كانت أوّل أكاديميّة خاصّة تقع تحت سيطرة الحكومة هي الأكاديميّة الفرنسية، وما تزال أكثر أكاديميّة حكوميّة مرموقة في فرنسا. أسسها الكاردينال ريشيليوعام 1634، تهتم الأكاديمية الفرنسية باللغة الفرنسية.

الأصول الأرستقراطيّة

في بعض الأحيان، لعبت قيم النبالة الخاصة بالقرن السابع عشر  دورًا هامًا في أدب ذلك العصر. أبرز تلك القيم هي الهوس الأرستقراطي بالعظمة والمهابة. يمكن لمشهد القوة والهيبة والترف الموجود في أدب القرن السابع عشر حتىقد يكون كريهًا أوحتى مُهينًا. صُنّف أبطال المحرر كورني، على سبيل المثال، من قِبل النُقّاد الحديثين، على أنهم متغطرسون ومسرفون ومتفاخرون؛ بيد أنّه، رأى القراء الأرستقراطيون المعاصرون هذه الشخصياّت (وأفعالها) كتمثيلٍ للنبالة.

قصر فرساي، حفلات الباليه الراسيرة في البلاط الملكيّ، لوحات البورتريه الخاصة بالنبلاء وأقواس النصر – كانت جميع هذه تمثيل للعظمة والهيبة. لم تكن فكرة العظمة (سواء فنيًا أوعسكريًا) للزهوأوالتبجّح أوالغطرسة وإنما ضرورة أدبيّة للأرستقراطيّة. كان على النبلاء حتىقد يكونوا كرماء وشهماء وأن ينفّذوا أعمالهم بلا مبالاة (بزهد) (لأن مكانتهم تتطلب ذلك، دون أيّ تطلعاتٍ لكسب ماديّ أوسياسيّ)، ويتحكّموا بمشاعرهم (خصوصًا الخوف والغيرة والرغبة بالانتقام).

تتطلّب مكانة النبيل في العالم تجسيدًا علنيًا لائقًا (أو"استهلاكًا ملفتًا للنظر"). أُثقل النبلاء بالديون لبناء قصور متحضرة مهيبة وشراءِ ملابسَ ولوحاتٍ وأوانيَ فضيّةٍ وأطباقٍ ومفروشاتٍ أخرى تليق بمستواهم. كان عليهم أيضًا حتى يُظهروا الكرم عن طريق استضافة حفلاتٍ باذخة وتمويل الفنون. وفي اللقاء، انتُقد حديثوالثراء بشدّة، الذين أخذوا الزخارف الخارجيّة للطبقة النبيلة (مثل ارتداء السيف)، إذ رُفعت عليهم أحيانًا نادىوٍ قضائية (وُجدت القوانين المهتمّة باللباس الفاخر الذي يلبسه البرجوازيون منذ العصور الوسطى). بدأت هذه القيم الأرستقراطية تُنتقد في أواسط القرن السابع عشر؛ على سبيل المثال، عرض بليز باسكال تحليلًا هجوميًا حول مظهر القوّة، ويرى فرنسوا دولاروشفوكوبأنّه لا يمكن اعتبار أنّ هنالك عمل بشري لا مبالٍ (زاهِد) – مهما ظهر كرمه.

الكلاسيكيّة

في محاولة لتقييد انتشار المراكز الخاصّة ذات الطابع الثقافيّ أوالأدبيّ ( لفرض البلاط الملكي كمركز فنيّ لفرنسا)، أخذ الكاردينال ريشيليوتجمعًا أدبيًا موجودًا أساسًا (كان يجري في منزل فالنتين كونرارت) وأسماه الأكاديمية الفرنسيّة الرسميّة عام 1634. من بين الأعضاء الأصليّين جان ديسماريت وجان أوغيير دوغومبولد وجان شابلان وفرانسوا لوميتيل وفرانسوا ماينارد ومارين لوروي ونيكولا فاريت؛ من بين الأعضاء الذين انضمّوا خلال تشكيله الرسمي جان لويس غيز كلود فافر وفينسينت فواتور. توسّعت عملية السيطرة الحكومية هذه على الفنون والأدب أكثر خلال فترة حكم لويس الرابع عشر.

تنطوي «الكلاسيكيّة» (بالنسبة للأدب) على معنى الانضباط والوضوح والهدف الأخلاقي والذوق الجيد. استُلهمت الكثير من هذه المفاهيم من أعمال أرسطووهوراس، ومن الروائع الكلاسيكية اليونانية والرومانية.

في المسرح، يجب حتى تتبع المسرحيّة هذه الوحدات الثلاث:

  • وحدة المكان: يجب ألا يتغيّر المسقط. وعلى العادة، أدّى هذا لتكرار مسقط «القلعة، الداخل». كانت تجري المعارك خارج خشبة المسرح.
  • وحدة الزمان: وعلى نحومثاليّ، يجب حتى تجري المسرحيّة كلها في إطار زمني مدته 24 ساعة.
  • وحدة القصّة: يجب حتىقد يكون هناك قصّة واحدة محوريّة، وترتبط جميع الحبكات الثانوية بها.

المراجع

  1. ^ Alain Viala, Naissance de l'écrivain,, Paris: Minuit, 1985, p.145 and pp.240-246.
  2. ^ Solnon, Jean-François. La Cour de France. Paris: Fayard, 1987. Chapter VIII.
  3. ^ Dandry, op. cit., 1149-1142.
  4. ^ Viala. op.cit. Viala's first chapter is entirely devoted to these academies. By his count, 70 were created during the 17th century.
  5. ^ This kind of expenditure mandated by social status has been studied by sociologists such as نوربيرت إلياس (The Court Society. First English language edition: Oxford: Blackwell, 1983.); there are also many links to the theories of sociologist مرسيل موس on the "gift". Another key analysis of these values can be found in the work of باول بنيشو(Morales du Grand siècle. Paris: Gallimard, 1948.).
تاريخ النشر: 2020-06-01 18:25:49
التصنيفات: أدب فرنسي, أدب فرنسي في القرن 17, بوابة مسرح/مقالات متعلقة, بوابة شعر/مقالات متعلقة, بوابة أدب فرنسي/مقالات متعلقة, بوابة أدب/مقالات متعلقة, جميع المقالات التي تستخدم شريط بوابات, صفحات تستخدم خاصية P244

مقالات أخرى من الموسوعة

سحابة الكلمات المفتاحية، مما يبحث عنه الزوار في كشاف:

آخر الأخبار حول العالم

الكلية التطبيقية تشارك في معرض ومؤتمر التعليم الدولي - أخبار السعودية

المصدر: صحيفة عكاظ - السعودية التصنيف: مجتمع
تاريخ الخبر: 2022-05-11 21:22:42
مستوى الصحة: 49% الأهمية: 50%

مسكنات تفقد عشرينية أسنانها السعودية

المصدر: جريدة الوطن - السعودية التصنيف: إقتصاد
تاريخ الخبر: 2022-05-11 21:22:47
مستوى الصحة: 55% الأهمية: 68%

وزير الدفاع الأميركي: بوتين لا يريد مواجهة عسكرية مع حلف الأطلسي

المصدر: ألشرق الأوسط - السعودية التصنيف: سياسة
تاريخ الخبر: 2022-05-11 21:22:36
مستوى الصحة: 89% الأهمية: 98%

السجن 15 عاماً لفرنسي «قاتل ضمن مجموعة إرهابية» في سوريا

المصدر: ألشرق الأوسط - السعودية التصنيف: سياسة
تاريخ الخبر: 2022-05-11 21:22:35
مستوى الصحة: 88% الأهمية: 96%

خادم الحرمين يبعث رسالة خطية لأمير الكويت - أخبار السعودية

المصدر: صحيفة عكاظ - السعودية التصنيف: مجتمع
تاريخ الخبر: 2022-05-11 21:22:43
مستوى الصحة: 53% الأهمية: 69%

سلطات هونغ كونغ تفرج عن الكاردينال زين بعد ساعات من توقيفه

المصدر: ألشرق الأوسط - السعودية التصنيف: سياسة
تاريخ الخبر: 2022-05-11 21:22:35
مستوى الصحة: 89% الأهمية: 88%

الكافور يخفف آلام الصداع السعودية

المصدر: جريدة الوطن - السعودية التصنيف: إقتصاد
تاريخ الخبر: 2022-05-11 21:22:48
مستوى الصحة: 58% الأهمية: 65%

بسبب موجة حر شديدة... الطيور تتساقط من سماء الهند

المصدر: ألشرق الأوسط - السعودية التصنيف: سياسة
تاريخ الخبر: 2022-05-11 21:22:36
مستوى الصحة: 85% الأهمية: 87%

المخاوف تتزايد مع استمرار الحرب الروسية الأوكرانية السعودية

المصدر: جريدة الوطن - السعودية التصنيف: إقتصاد
تاريخ الخبر: 2022-05-11 21:22:45
مستوى الصحة: 49% الأهمية: 62%

مسؤولون ورؤساء جامعات يناقشون مستقبل التعليم السعودية

المصدر: جريدة الوطن - السعودية التصنيف: إقتصاد
تاريخ الخبر: 2022-05-11 21:22:45
مستوى الصحة: 49% الأهمية: 66%

ميقاتي : شاركوا في الانتخابات السعودية

المصدر: جريدة الوطن - السعودية التصنيف: إقتصاد
تاريخ الخبر: 2022-05-11 21:22:47
مستوى الصحة: 51% الأهمية: 66%

نيران تلتهم أما وأطفالها الأربعة السعودية

المصدر: جريدة الوطن - السعودية التصنيف: إقتصاد
تاريخ الخبر: 2022-05-11 21:22:48
مستوى الصحة: 47% الأهمية: 69%

أطلس أون لاين: مباراة توظيف 12 مستشارا للهاتف. آخر أجل هو 25 ماي 2022

المصدر: الوظيفة كلوب - المغرب التصنيف: وظائف وأعمال
تاريخ الخبر: 2022-05-11 21:23:07
مستوى الصحة: 61% الأهمية: 79%

انخفاض ضخ الغاز الروسي إلى أوروبا للمرة الأولى منذ بداية غزو أوكرانيا

المصدر: ألشرق الأوسط - السعودية التصنيف: سياسة
تاريخ الخبر: 2022-05-11 21:22:37
مستوى الصحة: 94% الأهمية: 89%

FutureX فرص تعلم لمواكبة احتياجات المستقبل السعودية

المصدر: جريدة الوطن - السعودية التصنيف: إقتصاد
تاريخ الخبر: 2022-05-11 21:22:45
مستوى الصحة: 57% الأهمية: 53%

بدء الترشيح لمدارس تعليم الكبار في تبوك - أخبار السعودية

المصدر: صحيفة عكاظ - السعودية التصنيف: مجتمع
تاريخ الخبر: 2022-05-11 21:22:44
مستوى الصحة: 54% الأهمية: 58%

شركة عملاقة لتصنيع أغطية مقاعد السيارات تفتتح مصنعا لها بالقنيطرة

المصدر: أخبارنا المغربية - المغرب التصنيف: سياسة
تاريخ الخبر: 2022-05-11 21:23:26
مستوى الصحة: 62% الأهمية: 72%

رونالدو يتربع عرش المنصات السعودية

المصدر: جريدة الوطن - السعودية التصنيف: إقتصاد
تاريخ الخبر: 2022-05-11 21:22:49
مستوى الصحة: 53% الأهمية: 61%

شقيقتان تتبادلان عريسيهما بالخطأ السعودية

المصدر: جريدة الوطن - السعودية التصنيف: إقتصاد
تاريخ الخبر: 2022-05-11 21:22:49
مستوى الصحة: 60% الأهمية: 51%

1900 نشاط بالشارقة القرائي للطفل السعودية

المصدر: جريدة الوطن - السعودية التصنيف: إقتصاد
تاريخ الخبر: 2022-05-11 21:22:46
مستوى الصحة: 45% الأهمية: 57%

تحميل تطبيق المنصة العربية