ديوان الإنشاء

ديوان الإنشاء أوالرسائل هوديوان يتولَّى تحرير خط الخليفة وأوامره إلى الولاة والقوَّاد وكبار الموظَّفين، وخط التقليد والرسائل السياسية، وأصل التسمية مأخوذ من الإنشاء والابتداء.

يقول القلقشندي : " مصدر أنشأ الشيء ينشئه إذا ابتدأه واخترعه، وحينئذ فإضافة الديوان للإنشاء تحتمل أمرين: أحدهما: حتى الأمور السلطانية من الممحررات والولايات تنشأ عنه وتبدأ منه، والثاني: حتى المحرر ينشئ لكل واقعة منطقاً، وقد كان هذا الديوان في الزمن المتقدم يعبر عنه بديوان الرسائل تسمية له بأشهر الأنواع التي تصدر عنه لأن الرسائل أكثر أنواع كتابة الإنشاء وأعمها، وربما قيل ديوان الممحررات. ثم غلب عليه هذا الاسم وشهر به.

تاريخه

في العهد النبوي:

يعد دوان الإنشاء أول ديوان وضع في الإسلام، وذلك في زمن النبي محمد صلى الله عليه وسلم، إلا أنه لم يكن معروفاً بهذا الاصطلاح الذي عهد به فيما بعد كديوان مستقل له أهمية في إدارة شؤون الدولة، إذ كان الني صلى الله عليه وسلم يملي على بعض الخطة من الصحابة نصوص المعاهدات والصلح التي يجريها بينه وبين اليهود في المدينة، أوبينه وبين قريش كصلح الحديبية، وكرسائله بعد ذلك إلى من حوله من الملوك يدعوهم فيها إلى دين الإسلام، كالنجاشي ملك الحبشة، وكسرى ملك الفرس، وهرقل ملك الروم، والمقوقس صاحب مصر، وغيرهم، كما كان النبي صلى الله عليه وسلم يمحرر ولاته وأمراءه على السرايا ويمحررونه، وعليه فإن ديوان الرسائل يعتبر عربياً منذ نشأته.

وكان النبي صلى الله عليه وسلم يختم مراسلاته بعد حتى أبلغ حتى ملوك العجم لا يقبلون كتاباً إلا حتىقد يكون مختوماً، فاتخذ خاتماً من فضة ونقش عليه "محمد رسول الله"، وتختم به من بعده أبوبكر وعمر وعثمان ثم سقط من يد عثمان في بئر أريس.

في العهد الراشدي: وكما كان عليه ديوان الإنشاء في العهد النبوي من البساطة فإن أمره لم يختلف كثيراً زمن العهد الراشدي، فلم يكن هنالك ديوان خاص بالرسائل الا أنهم كانوا يتخذون الكتاب، ويبعثون بالخط إلى الولاة وقادة الجيوش بالتوجيه والمشورة، فخط لأبي بكر الصديق عثمان بن عفان، وزيد بن ثابت، وخط لعمر بن الخطاب زيد بن ثابت وعبد الله بن خلف الخزاعي، وخط لعثمان بن عفان مروان بن الحكم، وخط لعلي بن أبي طالب عبد الله بن رافع وسعيد بن نجران الهمداني، ثم انقضى العهد والكتابة منحصرة في واحد يضبط حساب الديوان من أعطيات الجند، ويخط المراسلات، وربما كانا اثنين معاً، يتولى الثاني كتابة بيت المال.

في العهد الأموي: تطور الأمر زمن الأمويين، إذ كانت الحاجة لكُتَّاب الإنشاء أشدَّ من ذي قبل، حيث اتسعت رقعة الخلاقة الإسلامية، وتعدَّدت مصالح الدولة ومراسلات الخليفة لعماله وولاته، وصارت، فظهرت كتابة الإنشاء بشكل واضح جلي، وصارت الكتابة منصبًا من مناصب الدولة لا يستغنى عنه فأنشأ لها ديوان مستقل بذاته عن غيره من الدواوين كديوان الخراج وديوان الجند ، إضافة إلى محرر الشرطة ومحرر القاضي، وقد يسمى هذا الديوان في العهد الأموي بمحرر السر، لكونه يعتبر يد الخليفة ومحرر سره. ومن أبرز من أشتهر من الكتاب في هذا العهد روح بن زنباع وأبوالزعيزعة مولىعبد الملك بن مروان .

في العهد العباسي: ثم تطور الأمر في زمن العباسيين فأصبح لديوان الإنشاء اختصاصات أخرى وإضافات تزيده قوة وأهمية، كالتوقيع على الرقاع أوالرسائل التي تحمل للخليفة، وهوبمثابة ملخص أومختصر لما هومكتوب في الرقعة أوالرسالة، يتولى ذلك في الغالب الحاجب أومن يعينه لهذا الأمر من ذوي الفصاحة والبلاغة، قد بلغت هذه التوقيعات أقصى ما يمكن حتى تبلغه من الاختصار والبلاغة، وإظهار ذكاء مُوَقِّعِها، وقدرته على حسن الفصل وإصابة الغرض، ومن أشهرهم الربيع بن يونس وزير المنصور، ويحيى بن خالد البرمكي، وابنه جعفر بن يحيى البرمكي وزير الرشيد، الذي كان على درجة عالية في أساليب البلاغة وفنونها، وكان البلغاء يتنافسون في تحصيل توقيعاته، حتى قيل: "إن جميع توقيع منها كان يُباع بدينار" ، كما حتى من شأن المحرر حتى يتلقى توجيهات الخليفة فيخطها بأبلغ تعبير وأوجزها، يقول ابن خلدون : "ومن خطط الكتابة التوقيع، وهوحتى يجلس المحرر بين يدي السلطان في مجالس حكمه وفصله، ويسقط على القصص المرفوعة اليه أحكامها، والفصل فيها متلقاة من السلطان بأوجز لفظ وأبلغه.

وفي أواخر العهد العباسي استقلت الكتابة، وعهد فيها إلى غير الوزراء، وكانوا ببغداد ينطق لهم كتاب الإنشاء، وكبيرهم يدعى رئيس ديوان الإنشاء أومحرر السر، كما سمي أيضاً بالديوان العزيز، هوالذي يخاطبه الملوك في ممحررات الخلفاء.