سياقية وظيفية

عودة للموسوعة

السياقية الوظيفية هي فلسفة علوم حديثة متجذرة في البراغماتية الفلسفية والسياقية. ينشط تطور السياقية الوظيفية في مجال العلوم السلوكية عمومًا، وفي مجال التحليل السلوكي وعلوم السلوكيات السياقية خصوصًا. تمثل السياقية الوظيفية أساسًا لنظرية اللغة المعروفة باسم نظرية الإطار العلائقي، التي يُعتبر العلاج بالتقبل والالتزام أحد أبرز تطبيقاتها. يُعتبر الأمر امتدادًا وتفسيرًا سياقيًا للسلوكية الراديكالية التي طورها بورهوس فريدريك سكينر، والتي تجاوز وتحدث عنها للمرة الأولى ستيفن سي. هايز؛ إذ شدد على أهمية التنبؤ بالأحداث النفسية والتأثير عليها (بما في ذلك الأفكار والمشاعر والسلوكيات) بدقة وامتداد وعمق، وذلك من خلال الهجريز على المتغيرات القابلة للتحوير في سياقها.

السياقية

يصف الفيلسوف ستيفن سي. بيبر شكل السياقية التي تفرعت منها السياقية الوظيفية، وذلك في كتابه فرضيات كونية: دراسة في الأدلة. لاحظ بيبر في كتابه ميلَ الأنظمة الفلسفية إلى التجمع حول «الفرضيات الكونية» المميزة والنادرة أو«الرؤيا الكونية». تتميز جميع رؤية كونية بامتلاكها لمجاز جوهري تجذيري ومقياس للحقيقة. تستند المجازات الجوهرية التجذيرية إلى الأمور والأفكار اليومية المفهومة والمنطقية، التي تُعتبر القياسَ الأساسي الذي يستخدمه المحلل لفهم العالم. يتوافق المجاز الجوهري التجذيري للرؤية الكونية مع افتراضاتها الوجودية عمومًا، أومع الرؤيا المرتبطة بطبيعة الكينونة أوالوجود (على سبيل المثال، ما إذا كان الكون حتميًا أم لا). ترتبط مقاييس الحقيقة ارتباطًا وثيقًا مع المجازات الجوهرية التجذيرية الخاصة بها، فهي التي توفر أساسًا لتقييم صحة التحليلات. ترتبط مقاييس الحقيقة الخاصة بالرؤية الكونية مع افتراضاتها الإبستمولوجية (المعهدية) عمومًا أومع الرؤيا المرتبطة بطبيعة الفهم والحقيقة (على سبيل المثال، إذا كانت مُكتشفة أومبنية).

يُعتبر «العمل في السياق» المجاز الجوهري التجذيري للسياقية، إذ يُفسر أي وقع على أنه عمل مستمر وغير منفصل عن السياق الحالي والتاريخي. يُطلق على مقياس الحقيقة الخاص بالسياقية غالبًا «العمل الناجح»، إذ يكمن جميع من حقيقة ومعنى فكرة ما في وظيفتها وفائدتها لا في جودة التعبير عنها لتعكس الواقع. يُعتبر التحليل في نطاق السياقية حقيقيًا أوسليمًا طالما أنه يؤدي إلى تحقيق عمل فعال أوبعض الأهداف. يستخدم بيبر مصطلح السياقية ليعبّر عن البراغماتية الفلسفية التي طورها شارل ساندرز بيرس، وويليام جيمس، وجون ديوي، وآخرون.

الأنواع المتنوعة من السياقية

تُعتبر الأهداف التحليلية ذات أهمية كبيرة للرؤية الكونية السياقية، وذلك بسبب اعتماد الأدوات التحليلية السياقية (المجاز الجوهري التجذيري ومقاييس الحقيقة) على الغرض من التحليل، إذ لا يمكن النهوض بها بشكل فعال دون وجود هدف تحليلي محدد بوضوح. يصبح مقياس الحقيقة البراغماتية المتمثل بـ«العمل الناجح» عديم المعنى عند التحليل دون وجود هدف واضح، لأنه لا يمكن قياس «النجاح» إلا في إطار علاقته بتحقيق بعض الأهداف.

بالمثل، يُصبح المجاز الجوهري التجذيري الخاص بـ«العمل في السياق» عديم المعنى في التحليل الذي لا يمتلك هدفًا صريحًا، وذلك لأنه لنقد يكون هناك أساس لتقييد التحليل بمجموعة فرعية من السياقات التاريخية والبيئية اللامتناهية للعمل. يستطيع السياقي تحليل السياقات اللامتناهية لعمل ما إلى الأبد طالما عدم وجود هدف تحليلي واضح، وذلك دون حتى يعهد السياقي متى يصبح التحليل كاملًا أوجيدًا بما يكفي ليُعتبر «حقيقيًا» أو«مفيدًا». يصعب على السياقي بناء الفهم أوتبادلها دون وجود هدف صريح.

يستطيع السياقيون تبني أهداف تحليلية مختلفة، إذ يمكنهم تمييز مختلف أنواع السياقات المتنوعة من خلال أهدافهم. يمكن تقسيم النظريات السياقية إلى فئتين عامتين بناءً على أهدافها التحليلية الكاملة: «السياقية الوصفية» و«السياقية الوظيفية».

السياقية الوصفية

يسعى السياقيون الوصفيون إلى فهم الطبيعة المعقدة والثرية للحدث بأكمله، وذلك من خلال التقدير الشخصي والجمالي لخصائصه وللمشاركين فيه. يكشف هذا النهج عن التمسك القوي بالمجاز الجوهري التجذيري المتعلق بالسياقية، ويمكن تشبيهه بمبادرة التاريخ التي تُبنى فيها قصص الماضي في محاولة لفهم الأحداث برمتها. تُعتبر الفهم التي يصممها السياقي الوصفي فهمً شخصية وعابرة ومقيدة بالحدود الزمانية والمكانية. تعكس هذه الفهم الفهم الشخصي المتعمق في وقع معين (سقط سابقًا أويقع الآن) في وقت ومكان معينين، شأنها شأن الرواية التاريخية. يُعتبر معظم أشكال السياقية أمثلةً على السياقية الوصفية، بما في ذلك البنائية الاجتماعية، والدراماتورج، وفهم التأويل، والنهج السردية.

السياقية الوظيفية

من ناحية أخرى، يسعى السياقيون الوظيفيون إلى التنبؤ بالأحداث والتأثير عليها باستخدام مفاهيم وقواعد مستندة إلى التجربة. يكشف هذا النهج عن تمسك قوي بمقاييس الحقيقة المفرطة في عمليتها، إذ يمكن تشبيهه بمبادرة العلوم أوالهندسة التي تُستخدم فيها القواعد والمبادئ العامة للتنبؤ والتأثير على الأحداث. يجري تجاهل القواعد أوالنظريات التي لا تسهم في عملية تحقيق أهداف الشخص العملية أواستبعادها. تُعتبر الفهم التي تُبنى على يد السياقي فهمً عامة ومجردة وغير مقيدة مكانيًا أوزمانيًا. تُعتبر هذه الفهم قابلةً للتطبيق على جميع الأحداث المماثلة (أوالكثير منها) بصرف النظر عن الزمان أوالمكان، شأنها شأن المبادئ الفهمية.

مراجع

  1. ^ Hayes, S.C.; Barnes-Holmes, D. & Roche, B. (Eds.). (2001). Relational Frame Theory: A Post-Skinnerian account of human language and cognition. New York: Plenum Press.
  2. ^ Hayes, S.C.; Strosahl, K. & Wilson, K.G. (1999). Acceptance and Commitment Therapy: An experiential approach to behavior change. New York: Guilford Press.
  3. ^ Pepper, S.C. (1942). World hypotheses: A study in evidence. Berkeley, CA: University of California Press.
  4. ^ Dewey, J. (1953). Essays in experimental logic. New York: Dover (Original work published 1916)
  5. ^ Gifford, E.V. & Hayes, S.C. (1999). Functional contextualism: A pragmatic philosophy for behavioral science. In W. O'Donohue & R. Kitchener (Eds.), Handbook of behaviorism (pp. 285–327). San Diego: Academic Press.
  6. ^ Hayes, S.C. (1993). Analytic goals and the varieties of scientific contextualism. In S.C. Hayes, L.J. Hayes, H.W. Reese & T.R. Sarbin (Eds.), Varieties of scientific contextualism (pp. 11–27). Reno, NV: Context Press.
  7. ^ Morris, E.K. (1993). Contextualism, historiography, and the history of behavior analysis. In S.C. Hayes, L.J. Hayes, H.W. Reese & T.R. Sarbin (Eds.), Varieties of scientific contextualism (pp. 137-165). Reno, NV: Context Press.
  8. ^ Fox, E. J. (2006). Constructing a pragmatic science of learning and instruction with functional contextualism. Educational Technology Research & Development, 54 (1), 5-36.
تاريخ النشر: 2020-06-01 19:08:21
التصنيفات: ذرائعية, سلوكية, علوم سلوكية, فلسفة العلوم, نظرية المعرفة, مقالات يتيمة منذ يناير 2020, جميع المقالات اليتيمة, جميع المقالات التي بحاجة لصيانة, بوابة فلسفة/مقالات متعلقة, جميع المقالات التي تستخدم شريط بوابات

مقالات أخرى من الموسوعة

سحابة الكلمات المفتاحية، مما يبحث عنه الزوار في كشاف:

آخر الأخبار حول العالم

«الإفلات من العقاب»... معضلة ترعب الليبيات المُعنفات

المصدر: ألشرق الأوسط - السعودية التصنيف: سياسة
تاريخ الخبر: 2022-07-19 09:23:21
مستوى الصحة: 75% الأهمية: 92%

الأمم المتحدة تخفض حصة مساعداتها الغذائية لليمن

المصدر: مصراوى - مصر التصنيف: غير مصنف
تاريخ الخبر: 2022-07-19 09:22:15
مستوى الصحة: 53% الأهمية: 66%

طقس شديد الحرارة على أجزاء من منطقتي الشرقية والرياض السعودية

المصدر: جريدة الوطن - السعودية التصنيف: إقتصاد
تاريخ الخبر: 2022-07-19 09:23:30
مستوى الصحة: 51% الأهمية: 50%

زيزو ومروان حمدى فى صدارة هدافى الدوري المصرى قبل انطلاق الجولة الـ26

المصدر: اليوم السابع - مصر التصنيف: غير مصنف
تاريخ الخبر: 2022-07-19 09:22:06
مستوى الصحة: 39% الأهمية: 43%

تقرير: البيئة الأسترالية في حالة "سيئة ومتدهورة"

المصدر: مصراوى - مصر التصنيف: غير مصنف
تاريخ الخبر: 2022-07-19 09:22:34
مستوى الصحة: 55% الأهمية: 55%

الرئيسان الروسي والتركي يزوران إيران حاليا لإجراء محادثات ب

المصدر: مصراوى - مصر التصنيف: غير مصنف
تاريخ الخبر: 2022-07-19 09:22:38
مستوى الصحة: 46% الأهمية: 52%

مواعيد قطارات السكة الحديد المكيفة والروسى بالوجهين البحرى والقبلى

المصدر: اليوم السابع - مصر التصنيف: غير مصنف
تاريخ الخبر: 2022-07-19 09:22:05
مستوى الصحة: 32% الأهمية: 48%

كاف يوجه صدمة غادرة لـ «صلاح» والسبب «ماني»

المصدر: المصريون - مصر التصنيف: غير مصنف
تاريخ الخبر: 2022-07-19 09:21:51
مستوى الصحة: 45% الأهمية: 58%

«ويكيليكس المالكي» يهدد مستقبله السياسي ويعرضه لاحتمال المحاكمة

المصدر: ألشرق الأوسط - السعودية التصنيف: سياسة
تاريخ الخبر: 2022-07-19 09:23:22
مستوى الصحة: 94% الأهمية: 91%

تنسيق القبول بمدارس التعليم الفنى الصناعى بمحافظة القاهرة.. التفاصيل

المصدر: اليوم السابع - مصر التصنيف: غير مصنف
تاريخ الخبر: 2022-07-19 09:22:03
مستوى الصحة: 38% الأهمية: 42%

فيروس كورونا يؤجل زيارة الرئيس الفنزويلي الى السعودية

المصدر: مصراوى - مصر التصنيف: غير مصنف
تاريخ الخبر: 2022-07-19 09:22:27
مستوى الصحة: 47% الأهمية: 52%

الهند تسجل 15 ألفا و528 إصابة جديدة بفيروس كورونا

المصدر: مصراوى - مصر التصنيف: غير مصنف
تاريخ الخبر: 2022-07-19 09:22:30
مستوى الصحة: 48% الأهمية: 68%

موسيقية الألحان القبطية (٣٤)

المصدر: وطنى - مصر التصنيف: غير مصنف
تاريخ الخبر: 2022-07-19 09:21:44
مستوى الصحة: 59% الأهمية: 50%

سعاد ماسي لـ «الشرق الأوسط»: لماذا لا يفكر غيرنا بالهجرة؟

المصدر: ألشرق الأوسط - السعودية التصنيف: سياسة
تاريخ الخبر: 2022-07-19 09:23:24
مستوى الصحة: 91% الأهمية: 100%

صباح الخير يا مصر

المصدر: وطنى - مصر التصنيف: غير مصنف
تاريخ الخبر: 2022-07-19 09:21:45
مستوى الصحة: 47% الأهمية: 66%

سفير الصين بالقاهرة: أتمنى أداء جيدًا لجميع المشاركين في بط

المصدر: مصراوى - مصر التصنيف: غير مصنف
تاريخ الخبر: 2022-07-19 09:22:19
مستوى الصحة: 49% الأهمية: 64%

إندونيسيا: تحطم طائرة عسكرية خلال مهمة تدريبية ومقتل قائدها

المصدر: مصراوى - مصر التصنيف: غير مصنف
تاريخ الخبر: 2022-07-19 09:22:23
مستوى الصحة: 56% الأهمية: 66%

تحميل تطبيق المنصة العربية