علم الكلام

عودة للموسوعة


هذه الموضوعة جزء من سلسلة:

فهم الكلام يعهد أيضا باسم فهم التوحيد، وفهم أصول الدين، وفهم الفقه الأكبر، وفهم الإيمان، وفهم الأسماء والصفات، وفهم أصول السنة، أحد أبرز العلوم الإسلامية الذي يهتم بمبحث العقائد الإسلامية وإثبات صحتها والدفاع عنها بالأدلة العقلية والنقلية. إذ يُعَدُّ – إلى جانب فهم أصول الفقه – انعكاساً لمنهج التفكير الإسلامي، وتجلياً من تجلياته العقلية. فهو– في بعض مسمياته– فهم النظر والاستدلال، وقد سمي بذلك لقيامه على القول بوجوب النظر العقلي عند كثير من المتحدثين، واشتغاله بآليات الاستدلال العقلية على المسائل الإيمانية. وهوفهم يعنى بفهم الله تعالى والإيمان به، وفهم ما يجب له وما يستحيل عليه وما يجوز، وسائر ما من أركان الإيمان الستة ويلحق بها، وهوأشرف العلوم وأكرمها على الله تعالى، لأن شرف الفهم يتبع شرف المعلوم لكن بشرط حتى لا يخرج عن مدلول الكتاب، والسنة السليمة، وإجماع العدول، وفهم العقول السليمة في حدود القواعد الشرعية، وقواعد اللغة العربية الأصيلة.

ويقوم فهم الكلام على درس ودراسة مسائل العقيدة الإسلامية بإيراد الأدلة وعرض الحجج على إثباتها، ومناقشة الأقوال والآراء المخالفة لها، وإثبات بطلانها، ودحض ونقد الشبهات التي تثار حولها، ودفعها بالحجة والبرهان. فمثلا إذا أردنا حتى نستدل على ثبوت وجود خالق لهذا الكون، وثبوت أنه واحد لا شريك له، نرجع إلى هذا الفهم، وعن طريقه نتعهد على الأدلة التي يوردها الفهماء في هذا المجال. وذلك حتى هذا الفهم هوالذي يعهدنا الأدلة والبراهين والحجج الفهمية التي باستخدامها نستطيع حتى نثبت أصول الدين الإسلامي، ونؤمن بها عن يقين. كما أنه هوالذي يعهدنا كيفية الاستدلال بها وكيفية إقامة البراهين الموصلة إلى نتائج يقينية. إلى غير ذلك إذا أردنا حتى نعهد وجوب نبوة النبي وصحتها، فإننا نعمد إلى أدلة هذا الفهم التي يستدل بها في هذا المجال، وندرسها، ثم نقيم برهانا على ذلك. وأيضا إذا أردنا حتى ننفي شبهة التجسيم عن الذات الإلهية، نرجع إلى هذا الفهم، وعن طريقه نستطيع فهم ما ينطق من نقد لإبطالها. ولابد في الأدلة التي يستدل بها على إثبات أي أصل من أصول الدين، وأي مسألة من مسائل هذا الفهم وقضاياه من حتى تكون مفيدة لليقين. فمثلا لوأقمنا الدليل على ثبوت المعاد (أي البعث بعد الموت) لابد في هذا الدليل من حتى يؤدي إلى إثبات المعاد بشكل يدعونا إلى الاعتقاد الجازم والإيمان القاطع بثبوته، أي اليقين بمعاد الناس وببعثهم من القبور وحشرهم يوم القيامة، وعرضهم للحساب، ومن بعد مجازاتهم بالثواب أوالعقاب.

تعريفه

مخطوطة للإمام سيف الدين الآمدي.

هوفهم إقامة الأدلة على صحة العقائد الإيمانية، فقد عهد فهماء الكلام ذلك الفهم بأنه: فهم يُقْتَدر به على إثبات العقائد الدينية مُكْتَسَبة من أدلتها اليقينية: القرآن والسنة السليمة لإقامة الحجج والبراهين العقلية والنقلية ورد الشبهات عن الإسلام.

وهناك عدة تعريفات لفهم الكلام، تختلف في ظاهرها في المفهوم المأخوذ منها، ولكنها في حقيقتها ترجع إلى حقيقة واحدة، منها تعريف الفارابي بأنه "ملكة يقتدر بها الإنسان على نصرة الآراء والأفعال المحمودة التي صرح بها واضع الملة، وتزييف جميع ما خالفها بالأقاويل". ويعهده عضد الدين الإيجي في المواقف بقوله: "فهم يقتدر معه على إثبات العقائد الدينية بإيراد الحجج ودفع الشبه، والمراد بالعقائد ما يقصد به نفس الاعتقاد دون العمل، وبالدينية المنسوبة إلى دين محمد ، فإن الخصم وإن خطأناه لا نخرجه من فهماء الكلام". وإذا كان جميع من الفارابي والإيجي قد جعلا فهم الكلام يقوم على نصرة العقيدة الإسلامية دون تمييز بين الفرق الإسلامية، فإننا نجد ابن خلدون في مقدّمته يحصر التعريف في نصرة الاعتقادات على ممضى السلف وأهل السنة ويخرج باقي الفرق فيقول في تعريفه لفهم الكلام: "هوفهم يتضمن الحجاج عن العقائد الإيمانية بالأدلة العقلية والرد على المبتدعة المنحرفين في الاعتقادات عن مذاهب السلف وأهل السنة، وسر هذه العقائد الإيمانية هوالتوحيد". وهوفي هذا يوافق ما مضى إليه الغزالي في المنقذ من الضلال. وهناك تعريفات أخرى للكلام تحدده بموضوعه لتفصل بينه وبين العلوم الأخرى الناظرة في الإلهيات، منها تعريف الشريف الجرجاني له بقوله: "فهم يبحث فيه عن ذات الله وصفاته وأحوال الممكنات من المبدأ والمعاد على قانون الإسلام". وقد أُدخل قيد قانون الإسلام لإخراج الفلسفة الإلهية من التعريف، فإنها تبحث عن ذلك معتمدة على القواعد العقلية الفلسفية. ويقول صديق حسن القنوجي في أبجد العلوم: "ونطق الأرنيقي: هوفهم يقتدر معه على إثبات العقائد الدينية بإيراد الحجج عليها ودفع الشبه عنها وموضوعه عند الأقدمين: ذات الله تعالى وصفاته لأن المقصود الأصلي من فهم الكلام معهدته تعالى وصفاته ولما احتاجت مباديه إلى فهم أحوال المحدثات أدرج المتأخرون تلك المباحث في فهم الكلام لئلا يحتاج أعلى العلوم الشرعية إلى العلوم الحكمية فجعلوا موضوعه الموجود من حيث هوموجود وميزوه عن الحكمة بكون البحث فيه على قانون الإسلام وفي الحكمة على مقتضى العقول ولما رأى المتأخرون احتياجه إلى فهم أحوال الأدلة وأحكام الأقيسة وتحاشوا عن حتى يحتاج أعلى العلوم الشرعية إلى فهم المنطق جعلوا موضوعه المعلوم من حيث يتعلق به إثبات العقائد الدينية تعلقا قريبا أوبعيدا ثم إذا فهم الكلام شرطوا فيه حتى تؤخذ العقيدة أولا من الكتاب والسنة ثم تثبت بالبراهين العقلية انتهى".

ونطق سعد الدين التفتازاني: "الكلام هوالفهم بالعقائد الدينية عن الأدلة اليقينية". ونطق الكمال بن الهمام في المسايرة: "والكلام فهم النفس ما عليها من العقائد المنسوبة إلى دين الإسلام عن الأدلة فهما وظنا في البعض منها". وهذا التعريف يفترق عن ما سبقه بنصه على حتى بعض العقائد تؤخذ عن مرشد ظني، ومن هنا فإن فهماء الكلام يدرجون في تصانيفهم بعض المسائل التي تنبني أصلا على أدلة ظنية. نطق الكمال بن أبي شريف في شرحه عليه: "وهذا التعريف مأخوذ من قول أبي حنيفة رضي الله عنه: الفقه فهم النفس ما لها وما عليها". ومن ذلك يُفهم حتى هذا الفهم يفيد تثبيت العقيدة في النفس، وفي إفحام المخالف وإلزامه.

والملاحظ في هذه التعاريف، حتى بعضها ناظر إلى المواضيع التي يدور البحث عنها في هذا الفهم، وبعضاً آخر ناظر إلى الغاية المرجوّة منه. والجامع بين هذه التعاريف ما ذكر في ضمنه المسائل والغاية والأسلوب، فعُرّف بأنه: "الفهم الذي يبحث عن أصول العقائد الممضىية، مستعيناً بالأدلة العقلية والنقلية، خلوصاً من العقائد الكافرة الضالة، والتزاماً بالعقيدة الحقة". ومن هذه التعريفات يمكننا حتى نستخلص حتى فهم الكلام يقوم على إثبات العقيدة الدينية عن طريق الأدلة العقلية، فهوبذلك يقوم بتوضيح أصول العقيدة وشرحها وتدعيمها بالأدلة العقلية وبذلك يستكمل المؤمن نوران: نور العقل ونور القلب، وتزول الشكوك والوساوس التي قد تعتريه. ولفهم الكلام مهمة دفاعية تتمثل في رد نادىوى الخصوم المنكرين للعقيدة الإسلامية، وهؤلاء هم أصحاب الديانات الشرقية القديمة أوأصحاب الديانات السماوية المخالفة للإسلام وهي اليهودية والمسيحية، ويقوم فهم الكلام بتقويض أدلة أصحاب تلك الديانات وبيان بطلانها، وذلك عن طريق إيراد الأدلة العقلية التي تبين تفاهتها وسقوطها، وأيضا الرد على الشبه التي يوردها أصحاب تلك الديانات على العقيدة الإسلامية. عملم الكلام له دور إيجابي في إثبات صحة العقيدة بالعقل، ودور دفاعي يقوم بالدفاع عن العقيدة ضد الخصوم المنكرين لها، وقد تلازم الدوران عبر مراحل نشأة فهم الكلام وتطوره، وليس سليما ما يذكر بأن مهمة فهم الكلام كانت دفاعية فقط ولم يهتم بتوضيح العقيدة وشرحها.

وقد عهد فهم الكلام الكثير من الفهماء والفلاسفة المسلمين، وهذه التعريفات وإن تباينت في ألفاظها إلا أنها كلها تكاد تتفق على معنى واحد. فهي مجمعة على حتى فهم الكلام من شأنه حتى يساعد المسلم على نصرة الآراء الدينية الواردة في القرآن والسنة بالعقل. وهذه التعريفات تبين حتى فهم الكلام فهم يستطيع المرء من خلاله حتى يثبت العقائد الإيمانية إثباتاً سليماً وأن يرد جميع الشبهات والانحرافات عن هذه العقائد. كذلك تتفق هذه التعريفات على حتى موضوع فهم الكلام هوالذات الإلهية: صفاتها وأفعالها وعلافتها بالكون والإنسان. وقد مضى بعض الباحثين إلى حتى هناك شرطين لابد من توافرهما لكيقد يكون البحث مندرجاً تحت فهم الكلام:

  1. الشرط الأول حتى يبدأ عقيدته من كتاب الله وسنة رسوله.
  2. والشرط الثاني حتىقد يكون هدف الباحث والغاية من دارسته هوالدفاع عن هذا الإيمان بالعقل، أي لابد له من حتى يؤكد الشريعة بالعقل.

فبدون هذين الشرطين لنقد يكون البحث بحثاً كلامياً أومندرجاً تحت فهم الكلام. فعالم الكلام لابد حتى يستمد موضوع بحثه ودارسته من النص الديني، من النقل لا من العقل، من الشريعة الدينية لا من الأحكام العقلية. ولابد حتى تكون غايته الدفاع عن هذه الشريعة سواء بشرح نصوصها الدينية أوبتفسيرها والتعليق عليها أوبإيراد الحجج العقلية المؤيدة لها.

تسميته

أطلقت عدة تسميات على ذلك الفهم الذي يتناول أصول الدين، فلقد سماه أبوحنيفة بالفقه الأكبر من حيث إنه يتعلق بالأحكام الاعتقادية الأصلية في لقاء فهم الفقه الذي يتعلق بالأحكام الفرعية العملية. وفي شرح العقائد النسفية يسميه التفتازاني فهم التوحيد والصفات فيذكر حتى الفهم المتعلق بالأحكام الفرعية أي العملية يسمى فهم الشرائع والأحكام، وبالأحكام الأصلية أي الاعتقادية يسمى فهم التوحيد والصفات.

وهذه التسمية تقوم على شرف ذلك الفهم وعلومنزلته، إذ أنه يتناول الأصول الاعتقادية التي تبنى عليها الفروع وهوبذلك رأس العلوم الإسلامية إذ إليه تنتهي هذه العلوم، وفيه يبين مباديها وموضوعاتها. وقد يسمى بفهم أصول الدين، من حيث إذا موضوعه يتناول أصول الدين، وهي الإيمان بالله تعالى ووحدانيته، وصفاته وأفعاله، والإيمان بالوحي وإرسال الله تعالى للرسل والإيمان بالبعث والثواب والعقاب في الآخرة، وتلك أصول الدين. ولقد أطلق المتحدثون الأوائل على مؤلفاتهم الكلامية هذه الأسماء، فمؤلف أبوحنيفة سماه الفقه الأكبر، ومؤلف الماتريدي عنون باسم التوحيد، ومؤلف أبواليسر البزدوي عنون باسم أصول الدين، وكذلك عبد القاهر البغدادي له كتاب بعنوان أصول الدين.

والمشهور هوتسمية ذلك الفهم بفهم الكلام، وذلك لعدة أسباب، منها حتى مسألة الكلام الإلهي كانت أشهر مباحثه فسمى الكل باسم أشهر أجزائه، وأيضا سمي بفهم الكلام لأنه يورث قدرة على الكلام، وأيضا لأن نسبة هذا الفهم للعلوم الإسلامية كنسبة المنطق إلى الفلسفة فسمي بالكلام، وذلك حتى تقع المخالفة اللفظية بين الاسمين وأيضا لأنه أول ما يجب من العلوم، والكلام سبب لتعليم العلوم وتفهمها فكان سببا لها في الجملة، وأيضا لأن مباحث هذا الفهم مباحث نظرية فهويبحث في الأمور الاعتقادية التي لا يندرج تحتها العمل، أما الفقه فهويبحث في أحكام عملية يندرج تحتها عمل، وعلى هذا فالكلام لقاء العمل، والمتحدثون قوم يقولون في أمور ليس تحتها عمل، فكلامهم نظري لفظي لا يتعلق به عمل، بخلاف الفقهاء الباحثين في الأحكام الشرعية العملية. وقد يسمى بفهم الكلام بما رواه جلال الدين السيوطي في ذم أهل البدع وهم الذين يتحدثون في أسماء الله وصفاته وكلامه وعمله وقدرته، ولا يسكتون عما سكت عنه الصحابة والتابعون.

ويقول سعد الدين التفتازاني في بيان مسببات تسمية فهم الكلام بهذا الاسم: "لأن عنوان مباحثه كان قولهم: الكلام في كذا وكذا؛ ولأن مسألة الكلام كان أشهر مباحثه وأكثرها نزاعًا وجدالًا، حتى إذا بعض المتغلبة اغتال كثيرًا من أهل الحق؛ لعدم قولهم بخلق القرآن". ومضى الشهرستاني في الملل والنحل إلى حتى سبب تسميته بهذا الاسم: "إما لأن أظهر مسألة تحدثوا فيها وتقاتلوا عليها هي مسألة الكلام، فسمي النوع باسمها، وإما للقاءتهم الفلاسفة في تسميتهم فنا من فنون فهمهم بالمنطق، والمنطق والكلام مترادفان". ويعلل عضد الدين الإيجي تسمية فهم الكلام بأسباب مماثلة بقوله: "إنما سمي كلاما إما لأنه بإزاء المنطق للفلاسفة، أولأن أبوابه عنونت أولا بالكلام في كذا، أولأن مسألة الكلام أشهر أجزائه حتى كثر فيه التناحر والسفك فغلب عليه، أولأنه يورث القدرة على الكلام في الشرعيات ومع الخصم". والأرجح حتى علة تسميته بالكلام وفهم الكلام، راجعة لاشتهاره بالخوض في موضوع كلام الله تحديدا.

ويبدومن هذه التسميات أنها اشتقت من أبرز مباحث هذا الفهم التي يبحثها فسمي تارة بأصول الدين من حيث تناوله لأصول الدين بالبحث، وتارة سمي بالتوحيد من حيث إذا الأصل الأول الذي يقوم عليه الدين هووجود الله تعالى ووحدانيته، وتارة يسمى فهم الكلام وذلك من أشهر مسميات هذا الفهم وهوكلام الله تعالى، وإما أنها ترجع إلى فائدة ذلك الفهم، إذ إنها تعطي لصاحبها القدرة على الكلام في أصل الدين، وإما لمنهجه العقلي واستخدامه للعقل بجانب النص، وإما لطبيعته النظرية من حيث اتصاله بالنظر المجرد الذي لا يتصل بالعمل. وبالرغم من تعدد إطلاق الأسماء على ذلك الفهم، إلا حتى المشهور في تسميته هوفهم الكلام.

موضوعه

موضوعات فهم الكلام تتعلق بالأصول الدينية كالبحث في ذات الله وصفاته وأفعاله. وفي أحكام الشريعة من بعثة الرسل ونصب الأئمة والتكليف والثواب والعقاب. يتناولها بحسب ما وردت في الشريعة أمراً مقرراً لا مدخل فيه للشك، محاولاً حتى يؤيدها بالأدلة العقلية حتىقد يكون الإيمان بها أشد وثوقاً وأكثر توكيداً لاجتماع النقل والعقل معاً، فضلاً عن حتى الدليل العقلي هوالسبيل إلى إثبات هذه الأصول على المخالفين من أصحاب الديانات المخالفة. وموضوع فهم الكلام هوالنظر أي الاستدلال بخلق الله تعالى لإثبات وجوده وصفاته الكمالية وبالنصوص الشرعية المستخرج منها البراهين. وهوعلى قانون الإسلام لا على أصول الفلاسفة، لأن الفلاسفة لهم كلام في ذلك يعهد عندهم بالإلهيات؛ وفهماء التوحيد لا يتحدثون في حق الله وفي حق الملائكة وغير ذلك اعتماداً على مجرد النظر بالعقل، بل يتحدثون في ذلك من باب الاستشهاد بالعقل على صحة ما اتى عن الرسول؛ فالعقل عند فهماء التوحيد شاهد للشرع ليس أصلاً للدين، وأما الفلاسفة فجعلوه أصلاً من غير التفات إلى ما اتى عن الأنبياء، فلا يتقيدون بالجمع بين النظر العقلي وبين ما اتى عن الأنبياء، على حتى النظر العقلي السليم لا يخرج عمّا اتى به الشرع ولا يتناقض معه. نطق أبوحامد الغزالي في إحياء علوم الدين ما نصه: "وأما الكلام فمقصوده حماية المعتقدات التي نقلها أهل السنة من السلف الصالح لا غير". نطق ونطق الحافظ ابن عساكر: "....يا خليل الله ما تقول في فهم الكلام، فنطق: يدفع به الشبه والأباطيل".

وموضوع فهم الكلام هوكما يحدده الإيجي في كتابه المواقف: "المعلوم من حيث يتعلق به إثبات العقائد الدينية تعلقا قريبا أوبعيدا". يقول الشريف الجرجاني في شرحه: "وذلك لأن مسائل هذا الفهم أما عقائد دينية كإثبات القِدَم والوحدة للصانع، وإثبات الحدوث وصحة الإعادة للأجسام، واما قضايا تتوقف عليها تلك العقائد كهجريب الأجسام من الجواهر الفردة، وجواز الخلاء وكانتفاء الحال، وعدم تمايز المعدومات المحتاج إليهما في اعتقاد كون صفاته تعالى متعددة وموجودة في ذاته...". والدين يقوم على جملة من الأحكام، بعضها يتعلق بالأمور الاعتقادية، وبعضها يتعلق بالأمور العملية من عبادات ومعاملات، ولقد وضح ابن خلدون الأمور الاعتقادية بأنها الأمور التي كلفنا بتصديقها بقلوبنا واعتقادها في أنفسنا مع الإقرار بألسنتنا، وهي التي تقررت بقول النبي حين سئل عن الإيمان فنطق: "أن تؤمن بالله وملائكته وخطه ورسله واليوم الآخر وتؤمن بالقدر خيره وشره". وهذه هي العقائد الإيمانية المقررة في فهم الكلام.

وهذه الأمور الاعتقادية لا تتعلق بالعمل، فيذكر جلال الدين الدواني في شرحه على العقائد العضدية طبيعة تلك الأمور الاعتقادية مفرقا بينها وبين طبيعة الأمور العملية فيقول: "ما يتعلق الفرض بنفس اعتقاده من غير تعلق بكيفية العمل لكونه تعالى حياً قادراً إلى غير ذلك من مباحث الذات أوالصفات وتسمى تلك الأحكام المتعلقة بكيفية العمل كوجوب الصلاة والزكاة والحج والصوم وتسمى شرائع وفروعاً وأحكاماً ظاهرة". فالدين بذلك يقوم على أصول وفروع، وفهم الكلام يتناول أصول الدين في لقاء الفقه الذي يتناول الأحكام العملية، ومبحث فهم الكلام هوذات الله تعالى وصفاته وأفعاله، وبعث الرسل وأحكام الآخرة. ولقد ذكر القاضي الأرموي موضوعات أخرى تتعلق بالبحث في صفات الله تعالى وأفعاله كحدوث العالم، فيقول: موضوع فهم الكلام هوذات الله تعالى إذ يبحث فيه عن عوارضه الذاتية التي هي صفاته الثبوتية والسلبية وعن أفعاله إما في الدنيا كحدوث العالم، وإما في الآخرة كالحشر وعن أحكامه فيهما كبعث الرسل ونصب الإمام في الدنيا من حيث إنهما واجبان عليه تعالى أم لا، والثواب والعقاب في الآخرة من حيث إنهما يجبان عليه أم لا.

ويقول شمس الدين السمرقندي في الصحائف الإلهية: "لما كان فهم الكلام نفسه يبحث عن ذات الله تعالى وصفاته وأسمائه، وعن أحوال الممكنات والأنبياء والأولياء والأئمة والمطيعين والعاصين، وغيرهم في الدنيا والأخرى، ويمتاز عن الفهم الإلهي المشارك له في هذه الأبحاث بكونه على طريقة هذه الشريعة، فحده: إنه فهم يبحث فيه عن ذات الله تعالى وصفاته، وأحوال الممكنات في المبدأ والمعاد على قانون الإسلام".

وفهم الكلام يبحث في العالم من حيث دلالته على الله، فيذكر الخوارزمي في بيان أصول الدين التي يتحدث فيها المتحدثون، وأولها القول في حدوث الأجسام والرد على الدهرية الذين يقولون بقدم الدهر، والدلالة على حتى للعالم محدثاً (أي خالقاً) وهوالله تعالى والرد على المعطلة. ويلاحظ حتى مبحث الإمامة التي ذكرها التهانوي وغيره على أنه من المباحث الكلامية، لا يلق اتفاقاً من جميع المتحدثين في ضمه إلى مباحث فهم الكلام، عملى سبيل المثال الكمال بن الهمام في "المسايرة" يرى حتى مبحث الإمامة ليس من موضوعات فهم الكلام بل هي من المتممات. ويرى سيف الدين الآمدي أيضا حتى مبحث الإمامة ليس من أصول الدين بل من فروعه.

أهميته

فهم التوحيد أوفهم الكلام هوفهم يفيد فهم الله على ما يليق به وفهم رسوله على ما يليق به، وتنزيه الله عما لا يجوز عليه، وتبرئة الأنبياء عما لا يليق بهم، أوينطق: هوالفهم الذي يعهد به ما يجوز على الله وما يليق به ومالا يجوز عليه وما يجب له من حتى يُعهد في حقه سبحانه وتعالى. نطق إمام الصوفية الجنيد البغدادي: "التوحيد إفراد القديم من المُحدث". ونطق الشيخ أبوعلي الروذباري تلميذ الجنيد: "التوحيد استقامة القلب بإثبات مفارقة التعطيل وإنكار التشبيه، والتوحيد في حدثة واحدة جميع ما صورته الأوهام والأفكار فالله سبحانه بخلافه لقوله تعالى: (ليس كمثله شيء وهوالسميع البصير). ونطق الحافظ ابن حجر العسقلاني في شرحه على سليم البخاري: "أهل السنة فسروا التوحيد بنفي التشبيه والتعطيل".

وشرف هذا الفهم على غيره من العلوم لكونه متعلقاً بأشرف المعلومات التي هي أصول الدين أي فهم الله ورسوله. والفهم بالله تعالى وصفاته أجل العلوم وأعلاها، ويسمى فهم الأصول، وفهم التوحيد، وفهم العقيدة، وقد خص النبي نفسه بالترقي في هذا الفهم فنطق: "أنا أفهمكم بالله وأخشاكم له" فكان هذا الفهم أبرز العلوم تحصيلاً وأحقها تبجيلاً وتعظيماً، نطق تعالى: "فافهم أنه لا إله إلا الله واستغفر لذنبك". قدّم الأمر بفهم التوحيد على الأمر بالاستغفار لتعلّق التوحيد بفهم الأصول، وتعلق الاستغفار لفهم الفروع. وروى البخاري في سليمه عن أبي هريرة حتى الرسول سُئل: أي العمل أفضل،يا ترى؟ نطق: إيمان بالله ورسوله". وصح عن جندب بن عبد الله أنه نطق: كنا مع النبي صلى الله عليه وسلم ونحن فتيان حَزاوِرَة (جمع حَزَوّر وهوالغلام إذا اشتد وقوي)، فتفهمنا الإيمان قبل حتى نتفهم القرآن ثم تفهمنا القرآن فازددنا به إيماناً" رواه ابن ماجه. فهذا يشير على أهمية فهم التوحيد الذي كان لفهماء السلف اهتمام بالغ في تحصيله وتعليمه للناس، نطق الإمام أبوحنيفة في الفقه الأبسط: "الفقه في الدين أفضل من الفقه في الأحكام، والفقه فهم النفس ما لها وما عليها". ونطق أيضاً: "أصل التوحيد وما يصح الاعتقاد عليه وما يتعلق منها بالاعتقاديات هوالفقه الأكبر".

وفي فتاوى قاضيخان على ممضى أبي حنيفة عنه ما يشير على أهمية الاعتناء بفهم التوحيد وتفهميه للناس، فقد ورد فيه ما نصه: "تعليم صفة الخالق مولانا جل جلاله للناس وبيان خصائص ممضى أهل السنة والجماعة من أبرز الأمور، وعلى الذين تصدّوا للوعظ حتى يلقنوا الناس في مجالسهم على منابرهم ذلك، نطق الله تعالى: (وذكر فإن الذكرى تنفع المؤمنين) وعلى الذين يؤمّون في المساجد حتى يعلّموا جماعتهم شرائط الصلاة وشرائع الإسلام وخصائص مذاهب الحق، وإذا فهموا في جماعتهم مبتنادىً أرشدوه وإن كان داعياً إلى بدعته منعوه وإن لم يقدروا حملوا الأمر إلى الحكام حتى يجلوه عن البلدة إذا لم يمتنع، وعلى العالم إذا فهم من قاض أومن آخر يدعوالناس إلى خلاف السنة أوافترض منه ذلك حتى يفهم الناس بأنه لا يجوز اتباعه ولا الأخذ عنه فعسى يخلط في أثناء الحق باطلاً يعتقده العوام حقاً ويعسر إزالته!".

ونطق ابن عساكر: "أبلغنا الشيخ الإمام أبونصر عبد الرحيم ابن عبد الكريم بن هوازن إجازة نطق: سئل أبي الأستاذ أبوالقاسم القشيري رحمه الله فقيل له: أرباب التوحيد هل يتفاوتون فيه،يا ترى؟ فنطق: إذا فرقت بين مصل ومصل، وفهمت حتى هذا يصلي قلبه مشحون بالغفلات، وذاك يصلي وقلبه حاضر، ففرق بين عالم وعالم، هذا لوطرأت عليه معضلة لم يمكنه الخروج منها، وهذا يقاوم جميع عدوللإسلام، ويحل جميع معضلة تعز في مقام الخصام، وهذا هوالجهاد الأكبر، فإن الجهاد في الظاهر مع أقوام معينين، وهذا جهاد مع جميع أعداء الدين، وهوآيات بينات في صدور الذين أوتوا الفهم، وللخراج في البلد قانون معروف، إذا أشكل خراج بقعة، عاد الناس إلى ذلك القانون، وقانون الفهم بالله قلوب العارفين به، فرواة الأخبار خزان الشرع، والقراء من الخواص، والفقهاء حفظة الشرع، وفهماء الأصول هم الذين يعهدون ما يجب ويستحيل ويجوز في حق الصانع، وهم الأقلون اليوم...". فظهر من ذلك حتى صرف الهمة لتحصيل هذا الفهم وتعليمه للناس مقدم على غيره من العلوم، لأن العبادة لا تصح إلا بعد فهم المعبود كما نطق الغزالي.

فائدته

وتتلخص فائدة فهم الكلام في التالي:

  1. فهم أصول الدين فهم فهمية قائمة على أساس من الدليل والبرهان.
  2. القدرة على إثبات قواعد العقائد بالدليل والحجة.
  3. القدرة على إبطال الشبهات التي تثار حول قواعد العقائد.
  4. حفظ قواعد الدين، أي عقائده من حتى تزلزلها شبه المبطلين.
  5. تبنى عليه العلوم الشرعية كلها، إذ هوأساسها، وإليه يؤول أخذها واقتباسها، وإنه بدون فهم الخالق بصفات الجلال والجمال، وأنه أوفد الرسل وأنزل الخط لم يتصور وجود فهم التفسير وفهم الحديث ولا فهم الفقه ولا أصوله، ومن ثم تظهر فائدة فهم التوحيد وأنه مرجع جميع العلوم الإسلامية. وتأتي الحاجة إلى دراسة هذا الفهم وأمثاله مما يوصل إلى فهم أصول الدين من وجوب فهم أصول الدين على جميع إنسان توافرت فيه شروط التكليف الشرعي والإلزام الديني. ووجوب النظر في قواعد العقائد ومعهدتها وجوب عقلي، أوجبته الفطرة السليمة الملزمة بالتمسك بالدين والالتزام بأحكامه وتعليماته.

منهجه وطريقته

السمات والأسس العامة للمنهج عند المتحدثين تتمثل في النقاط التالية:

العقل والنقل ووجوب النظر

يقوم منهج المتحدثين على نادىمتين أساسيتين هما العقل والنقل، فلقد مضىوا إلى عدم تعارضهما، وأدخلوا عنصر العقل في الفهم الدينية وبذلك لا تقتصر على النقل وحده، ودافعوا عن النظر كأحد مصادر الفهم وأهمها، ضد المنكرين له ومن السمنية المقتصرين على الحس، والسوفسطائية المشككين في الفهم العقلية، والحشوية المنكرين لاستخدام العقل في الدين والواقفين عن ظواهر النصوص. ولم يكتف المتحدثون بذلك بل قرروا وجوب النظر، وإن اختلفوا في مصدر وجوبه هل الشرع أم العقل، يقول الجويني: "النظر الموصل إلى المعارف واجب ومدرك وجوبه بالشرع، وجملة أحكام التكليف متلقاة من الأدلة السمعية والقضايا الشرعية"، والمعتزلة تقول: "إن العقل يتوصل إلى درك الواجبات ومن جملتها النظر فيفهم وجوبه عندهم عقلاً". ويستدل الجويني على وجوب النظر من جهة الشرع بإجماع الأمة على وجوب فهم الله تعالى واستبان بالعقل أنه لا يتأتى الوصول إلى اكتساب المعارف إلا بالنظر، وما لا يتوصل إلى الواجب إلا به فهوواجب.

ولما كان النظر واجباً وأنه لا تعارض بينه وبين النقل فإننا نجد المتحدثين قد أقاموا أدلتهم على أساس العقل والنقل، وأصبح إقامة الدليل ركناً أساسياً من منهجهم. ويرى المتحدثون حتى الحق لا ينال إلا بالدليل وإقامة الحجة، فعن طريقهم يعهد الحق ويتوصل إليه. والدليل هوما يراد به إثبات أمر أونقضه وقد يستعمل بمعنى الحجة.

ولقد قسم عضد الدين الإيجي الدليل إلى ثلاثة أقسام:

  1. دليل عقلي محض لا يتوقف على السمع ومقدماته عقلية محضة، كالقول: العالم متغير، وكل متغير حادث.
  2. دليل نقلي محض، وهولا يثبت إلا بالعقل، وهوحتى ننظر في المعجزة الدالة على صدقه ولوأريد إثباته بالنقل دار وتسلسل، ومقدماته نقلية وهوكقولنا: تارك المأمور به عاص لقوله تعالى: (أفعصيت أمري) وكل عاصي يستحق العقاب لقوله: (ومن يعص الله ورسوله فإن له نار جهنم).
  3. دليل مركب منهما، أي تكون مقدماته مأخوذة من العقل أوبعضها مأخوذة من النقل.

وأضاف الإيجي حتى هناك من المطالب ما لا يمكن إثباته إلا بالنقل، لأنه غائب عن العقل والحس معاً، ويستحيل الفهم بوجوده إلا بقول صادق، ومن هذا القبيل تفاصيل أحوال الجنة والنار والثواب والعقاب، فهي تفهم بأخبار الأنبياء، ومنه ما لا يعهد بالدليل العقلي كحدوث العالم ووجود الصانع قبل ورود السمع، ومنه ما يعهد بكل واحدة من الطريقتين كخلق الأفعال ورؤية الله تعالى.

منزلة العقل في القرآن

لقد احتل العقل منزلة هامة في القرآن، فهولم يكن قط ضد التفكير والتأمل والبحث والنظر والاستدلال، الذي هوالسبيل إلى فهم الله تعالى، فهومن الواجبات على المسلم، ومن هنا نادى القرآن دعوة صريحة إلى النظر في العالم المخلوق، أما تعدي هذا المجال إلى البحث في ذات الله وما يتعلق بها فهذا ممنوع. والأدلة على ذلك كثيرة، ويمكن حتى نلمسها في مواضع كثيرة من القرآن، منها قوله تعالى: Ra bracket.png قُلِ انْظُرُوا مَاذَا فِي السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ وَمَا تُغْنِي الْآَيَاتُ وَالنُّذُرُ عَنْ قَوْمٍ لَا يُؤْمِنُونَ Aya-101.png La bracket.png وقوله سبحانه: Ra bracket.png أَوَلَمْ يَنْظُرُوا فِي مَلَكُوتِ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ وَمَا خَلَقَ اللَّهُ مِنْ شَيْءٍ وَأَنْ عَسَى أَنْ يَكُونَ قَدِ اقْتَرَبَ أَجَلُهُمْ فَبِأَيِّ حَدِيثٍ بَعْدَهُ يُؤْمِنُونَ Aya-185.png La bracket.png ويقول أيضاً: Ra bracket.png أَوَلَمْ يَتَفَكَّرُوا فِي أَنْفُسِهِمْ مَا خَلَقَ اللَّهُ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضَ وَمَا بَيْنَهُمَا إِلَّا بِالْحَقِّ وَأَجَلٍ مُسَمًّى وَإِنَّ كَثِيرًا مِنَ النَّاسِ بِلِقَاءِ رَبِّهِمْ لَكَافِرُونَ Aya-8.png La bracket.png. ولقد عظم القرآن الفهم والتفهم فكانت أول آية نزلت تشير إلى ذلك في قوله تعالى: Ra bracket.png اقْرَأْ بِاسْمِ رَبِّكَ الَّذِي خَلَقَ Aya-1.png La bracket.png ومن القراءة اشتق القرآن، ولهذا فإن القرآن يعظم الفهم والحكمة. Ra bracket.png يُؤتِي الْحِكْمَةَ مَن يَشَاء وَمَن يُؤْتَ الْحِكْمَةَ فَقَدْ أُوتِيَ خَيْرًا كَثِيرًا وَمَا يَذَّكَّرُ إِلاَّ أُوْلُواْ الأَلْبَابِ Aya-269.png La bracket.png. والإنسان لن يحصّل الفهم ولن يتفهمه إلا بالتفكير والنظر والتدبر ومن أمثله هذه الآيات التي تدعوإلى ذلك قوله تعالى: Ra bracket.png إِنَّ شَرَّ الدَّوَابِّ عِنْدَ اللَّهِ الصُّمُّ الْبُكْمُ الَّذِينَ لَا يَعْقِلُونَ Aya-22.png La bracket.png فلقد جعل الله تعالى الذين لا يستخدمون عقولهم في مرتبة البهائم أوأكثر منهم شراً كما ذم القرآن التقليد الأعمى كطريق للفهم، وحث الإنسان على العمل بالدليل، ونهاه عن التقليد وأوجب عليه الاجتهاد. كما نبه القرآن إلى استخدام القياس وهوعملية عقلية في نحوقوله تعالى: Ra bracket.png وَلَقَدْ عَلِمْتُمُ النَّشْأَةَ الْأُولَى فَلَوْلَا تَذَكَّرُونَ Aya-62.png La bracket.png فجعل الله تعالى التاركين لقياس النشأة الأخرى على النشأة الأولى في الاستدلال على البعث والجزاء والعقاب خارجين عن الحق. كما حث القرآن على استخدام العقل والنظر في العالم، وحمل من شأن الفهم والفهماء، وأمثلة ذلك كثيرة منها قوله تعالى: Ra bracket.png إِنَّ فِي خَلْقِ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ وَاخْتِلَافِ اللَّيْلِ وَالنَّهَارِ وَالْفُلْكِ الَّتِي تَجْرِي فِي الْبَحْرِ بِمَا يَنْفَعُ النَّاسَ وَمَا أَنْزَلَ اللَّهُ مِنَ السَّمَاءِ مِنْ مَاءٍ فَأَحْيَا بِهِ الْأَرْضَ بَعْدَ مَوْتِهَا وَبَثَّ فِيهَا مِنْ كُلِّ دَابَّةٍ وَتَصْرِيفِ الرِّيَاحِ وَالسَّحَابِ الْمُسَخَّرِ بَيْنَ السَّمَاءِ وَالْأَرْضِ لَآيَاتٍ لِقَوْمٍ يَعْقِلُونَ Aya-164.png La bracket.png ويرى الإمام حافظ الدين النسفي في تفسيره لقوله تعالى: {لآيات لقوم يعقلون حتى الله يشير هنا إلى أولئك الذين ينظرون بعيون عقولهم ويعتبرون فيستدلون بهذه الأمور على قدرة موجدها وحكمة مبدعها ووحدانية منشئها. ثم يذكر قول الرسول في الحديث: (ويل لمن قرأ هذه الآية فمج فيها) أي لم يتفكر فيها ولم يعتبر بها. وبالقرآن دعوة صريحة للإنسان إلى استخدام عقله لاكتشاف قوانين الخلق كما في قوله تعالى: Ra bracket.png أَفَلَمْ يَنْظُرُوا إِلَى السَّمَاءِ فَوْقَهُمْ كَيْفَ بَنَيْنَاهَا وَزَيَّنَّاهَا وَمَا لَهَا مِنْ فُرُوجٍ Aya-6.png وَالْأَرْضَ مَدَدْنَاهَا وَأَلْقَيْنَا فِيهَا رَوَاسِيَ وَأَنْبَتْنَا فِيهَا مِنْ كُلِّ زَوْجٍ بَهِيجٍ Aya-7.png تَبْصِرَةً وَذِكْرَى لِكُلِّ عَبْدٍ مُنِيبٍ Aya-8.png La bracket.pngوإلى جانب هذا كله فإن القرآن كثيراً ما ينص على حتى آياته: {لقوم يعقلون و{لقوم يتفكرون و{لقوم يفقهون و{لقوم يتذكرون و{لأولي الألباب و{لأولي النهى و{للعالمين . كما حتى القرآن قدم أدلة دامغة - بوجوه مختلفة في أنواعها وطرقها - على بعض القضايا الإيمانية كوجود الله، ووحدانيته، وخلقه للعالم، والبعث بعد الموت، داعياً الناس إلى إعمال الفكر فيما يروه ويستشعروه بأي نوع من أنواع الحس للوصول إلى الحقيقة.

عوامل نشأة فهم الكلام

سبب نشأة فهم الكلام هوالرد على المبتدعة، الذين أكثروا من الجدال مع فهماء المسلمين، وأوردوا شُبهاً على ما قرره فهماء السلف الأوائل، فاحتاج الفهماء من أهل السنة إلى مقاومتهم ومجادلتهم ومناظرتهم حتى لا يلبسوا على الضعفاء أمر دينهم، وحتى لا يُدْخِلُوا في الدين ما ليس منه، ولوهجر الفهماء هؤلاء الزنادقة وما يصنعون؛ لاستولوا على كثير من عقول الضعفاء وعوام المسلمين، والقاصرين من فقهائهم وفهمائهم، فأضلوهم وغَيَّروا ما عندهم من الاعتقادات السليمة. وقبل تصدي هؤلاء الفهماء لهم لم يكن أحد يقاومهم، وسكوتهم هذا أدى إلى نشر كلام هؤلاء الزنادقة حتى اعتقده بعض الجاهلين، فكان لِزَاماً على فهماء المسلمين حتى يقوموا بالرد على هؤلاء من خلال تفهمهم هذا الفهم ونبوغهم فيه؛ لأن إفحامهم بنفس أدلتهم أدعى لانقطاعهم، وإلزامهم الحق، فردوا عليهم وأبطلوا شُبُههم، وكانت طريقتهم في الرد هي إثبات العقائد الإسلامية، والاستدلال عليها بما هومن جنس حُجَج القرآن.

يقول الدكتور محمد الزحيلي في كتابه "الإمام الجويني إمام الحرمين" ما نصه: "كان الدافع لدراسة أصول الدين أولاً، وتأكيده بدراسة الفلسفات المتنوعة، هوالحرص على الإسلام والدعوة إليه، ورد شبهات الأعداء عنه، وتفنيد حجج الطاعنين به من الكفار والمشركين خارج الدعوة الإسلامية، والملحدين الذين انضووا تحت لواء المسلمين، وتستروا بالباطنية وغيرها من الفرق الضالة، للدس على الإسلام، والتشكيك فيه، وإثارة الشبه بين المسلمين... فصار دراسة أصول الدين وفهم الكلام وتدريسه والتأليف فيه السبيل القويم أمام المسلمين، فانكب الفهماء على دراسته وتدريسه والتصنيف فيه، وهوما سلكه إمام الحرمين الجويني".

فقد نشأ فهم الكلام نشأة إسلامية تلبية لحاجات المجتمع الإسلامي، ولما كان فهم الكلام هوالفهم الذي يبحث في الأصول أوالأحكام الاعتقادية، مقرراً إياها بالحجج والبراهين النقلية وتوكيدها بالعقل بعد الإيمان بها بالقلب والوجدان، ومدافعاً عنها ضد شبهات الخصوم، الأمر الذي حدا بالمتحدثين إلى دراسة هذه الشبهات والاعتراضات، وذلك حتى يتيسر الرد عليها ودفعها. ولعل هذا هوالذي أدى بالمتحدثين إلى دراسة عقائد الأديان السماوية الأخري، وكذلك أصحاب الملل والنحل المتنوعة وما أثاروه من شبهات واعتراضات ضد الإسلام، وذلك حتى يتيسر عليهم رد اعتراضاتهم وشبهاتهم. ولقد ابتكر المتحدثون دراسات في مقارنة الأديان تشهد بسعة اطلاعهم ومعارفهم، كما تشهد أيضاً بمنهجهم الفهمي في الدفاع عن الإسلام ضد المخالفين. ومن هنا اختلط بفهم الكلام بعض المباحث، استعانوا بها في عملية الرد على شبهات الخصوم. وكان ذلك أمراً ضرورياً لأن أفضل وسيلة لدفع الخصوم هوحتىقد يكون هذا الدفع بوسائل الخصوم التي اعتادوها. وقد صرح أحد أئمة الأصول في المغرب الإسلامي وهوالإمام يوسف بن محمد المكلاتي (ت 626 هـ) في كتابه "لباب العقول في الرد على الفلاسفة في فهم الأصول" بأنه ليس أقوى من سلاح الخصم للقضاء على أسلوب الخصوم، طالما كان السلاح مشروعاً. وعلى هذا لا يقدح في أصالة فهم الكلام الإسلامي احتواؤه على بعض أساليب الخصوم، أواشتماله على بعض مباحث الفلسفة، ذلك لأن هذا كله كان لغاية دينية نبيلة، وهي الدفاع عن الدين وتوكيد أصوله، كما لا يقدح أيضاً في كونه فهماً دينياً من جملة العلوم الشرعية الدينية.

فلم يكن تَعَرُّف الأمة على هذه الأفكار ودراستها من باب الترف الفكري، ولا من باب الانصراف عن الكتاب والسنة، بل كان تفهم هذه العلوم ضرورة للقاءة الأخطار التي تحدق بالعقيدة الإسلامية، فكان الخصوم يثيرون الشبهات العقلية حول ذات الله وأسمائه وصفاته ورُسُله وملائكته وخطه وقضايا الموت والبعث والحساب، إلى غير ذلك. ولم يكن المنهج القائم على نصوص الكتاب والسنة المجردة عن دعم الدليل العقلي لينجح في لقاءة هؤلاء القوم، فالحجج العقلية البحتة لابد حتى تقابلها بنفس طريقتها وإلا ستصير فتن كبرى. فلجأ المسلمون إلى تفهم هذه العلوم وتدريسها والكتابة فيها، ونشأت مدارس كلامية مختلفة كالمدرسة الأشعرية والماتريدية، فلم يكن القوم مبتدعة في هذا. ويعتبر بعض الفهماء حتى جذور فهم الكلام ترجع إلى الصحابة والتابعين، ويورد البعض على سبيل المثال رد علي بن أبي طالب على الخوارج، ورد إياس بن معاوية المزني على القدرية.

ويلخص تقي الدين المقريزي مبدأ فهم الكلام في كتابه المواعظ والاعتبار فيقول ما ملخصه:

يقول تقي الدين المقريزي في المواعظ والاعتبار بذكر الخطط والآثار:
افهم حتى الله تعالى لما بعث من العرب نبيه محمدا صلّى الله عليه وسلّم رسولا إلى الناس جميعا، وصف لهم ربهم سبحانه وتعالى، بما وصف به نفسه الكريمة في كتابه العزيز...، فلم يسأله صلّى الله عليه وسلّم أحد من العرب بأسرهم، قرويهم وبدويهم عن معنى شيء من ذلك، كما كانوا يسألونه صلّى الله عليه وسلّم عن أمر الصلاة والزكاة والصيام والحج وغير ذلك...، بل كلهم فهموا معنى ذلك وسكتوا عن الكلام في الصفات...، فأثبتوا رضي الله عنهم بلا تشبيه، ونزهوا من غير تعطيل...، فمضى عصر الصحابة رضي الله عنهم على هذا إلى حتى وقع في زمنهم القول بالقدر...، وكان أوّل من نطق بالقدر في الإسلام، معبد بن خالد الجهنيّ...، ولما بلغ عبد الله بن عمر بن الخطاب رضي الله عنهما منطقة معبد في القدر تبرّأ من القدرية...، وأخذ السلف رحمهم الله في ذمّ القدرية، وحذروا منهم كما هومعروف في خط الحديث...، وحدث أيضا في زمن الصحابة رضي الله عنهم ممضى الخوارج، وصرّحوا بالتكفير بالذنب والخروج على الإمام وقتاله، فناظرهم عبد الله بن عباس رضي الله عنهما فلم يرجعوا إلى الحق، وقاتلهم أمير المؤمنين عليّ بن أبي طالب رضي الله عنه، وقتل منهم جماعة كما هومعروف في خط الأخبار...، وحدث أيضا في زمن الصحابة رضي الله عنهم ممضى التشيع لعلي بن أبي طالب رضي الله عنه، والغلوّ فيه، فلما بلغه ذلك أنكره وحرّق بالنار جماعة ممن غلا فيه...، ثم وقع بعد عصر الصحابة رضي الله عنهم، ممضى جهم بن صفوان ببلاد المشرق، فعظمت الفتنة به. فإنه نفى حتىقد يكون لله تعالى صفة، وأورد على أهل الإسلام شكوكا أثر في الملة الإسلامية آثارا قبيحة، تولد عنها بلاء كبير. وكان قبيل المائة من سني الهجرة، فكثر أتباعه على أقواله التي تؤول إلى التعطيل، فأكبر أهل الإسلام بدعته وتمالؤا على إنكارها وتضليل أهلها. وحذروا من الجهمية وعادوهم في الله وذمّوا من جلس إليهم، وخطوا في الردّ عليهم ما معروف عند أهله، وفي أثناء ذلك وقع ممضى الاعتزال، منذ زمن الحسن بن الحسين البصريّ رحمه الله، بعد المائتين من سني الهجرة، وصنفوا فيه مسائل في العدل والتوحيد وإثبات أفعال العباد، وأن الله تعالى لا يخلق الشرّ وجهلوا بأن الله لا يرى في الآخرة، وأنكروا عذاب القبر على البدن، وأعربوا بأن القرآن مخلوق محدث، إلى غير ذلك من مسائلهم، فتبعهم خلائق في بدعهم، وأكثروا من التصنيف في نصرة ممضىهم بالطرق الجدلية، فنهى أئمة الإسلام عن ممضىهم، وذمّوا فهم الكلام، وهجروا من ينتحله، ولم يزل أمر المعتزلة يقوى وأتباعهم تكثر وممضىهم ينتشر في الأرض. ثم وقع ممضى التجسيم المضاد لممضى الاعتزال، فظهر محمد بن كرّام بن عراق بن حزابة، أبوعبد الله السجستاني، زعيم الطائفة الكرامية بعد المائتين من سني الهجرة، وأثبت الصفات حتى انتهى فيها إلى التجسيم والتشبيه...، وكانت بين الكرامية بالمشرق وبين المعتزلة مناظرات ومناكرات وفتن كثيرة متعدّدة أزماتها. هذا وأمر الشيعة يفشوفي الناس حتى وقع ممضى القرامطة، المنسوبين إلى حمدان الأشعث المعروف بقرمط، من أجل قصر قامته وقصر رجليه وتقارب خطوه...، هذا وقد كان المأمون عبد الله بن هارون الرشيد سابع خلفاء بني العباس ببغداد، لما شغف بالعلوم القديمة. بعث إلى بلاد الروم من عرّب له خط الفلاسفة وأتاه بها في أعوام بضع عشرة سنة ومائتين من سني الهجرة، فانتشرت مذاهب الفلاسفة في الناس، واشتهرت خطهم بعامّة الأمصار، وأقبلت المعتزلة والقرامطة والجهمية وغيرهم عليها، وأكثروا من النظر فيها والتصفح لها، فانجرّ على الإسلام وأهله من علوم الفلاسفة ما لا يوصف من البلاء والمحنة في الدين، وعظم بالفلسفة ضلال أهل البدع وزادتهم كفرا إلى كفرهم.

فهناك محن وأسباب دعت الأمة إلى الخوض في هذا الفن حفاظاً على الشريعة وقوامها وبقائها، ولم يكن الاشتغال بهذه العلوم نوع من الانصراف عن الله ولا عن رسوله. وكان من أوائل من اشتغل بهذا الفن تفهماً وتعليماً ورداً على المبتدعة في زمانه الإمام الأعظم أبي حنيفة النعمان المتوفى 150 هـ، كما يعد من أوائل المشتغلين بفهم الكلام، وتعد مؤلفاته المنسوبة إليه مثل "الفقه الأكبر" و"العالم والمتفهم" و"الوصية" من بواكير ما سُجّل في هذا الباب. ويسجل لنا التاريخ مناظرات الإمام أبي حنيفة للملاحدة والدهرية، ويذكر المتقي المكي في "مناقب أبي حنيفة" ما صورته: "نطق أبوحنيفة: ما تقولون في رجل يقول لكم: إني رأيت سفينة مشحونة بالأحمال مملوءة بالأمتعة، وقد احتوشتها في لجة البحر أمواج متلاطمة، ورياح مختلفة، وهي من بينها تجري مستوية وليس فيها ملاح يجريها ويقودها ويسوقها، ولا متعهد يدفعها، هل يجوز ذلك في العقل،يا ترى؟ فنطقوا: لا. هذا لا يقبله العقل، ولا يجيزه الوهم. فنطق لهم أبوحنيفة: فيا سبحان الله! إذا لم يجز في العقل وجود سفينة تجري مستوية من غير متعهد، فكيف يجوز قيام الدنيا على اختلاف أحوالها وتغير أمورها، وسعة أطرافها، وتباين أكتافها، من غير صانع وحافظ ومُحدث لها"؟!

ولقد نشأ فهم الكلام نتيجة لعدة عوامل، منها: القرآن الذي يعد المصدر الأول للدين الإسلامي، ومنه استقى المسلمون معارفهم، وعليه قامت علومهم الأخلاقية والتشريعية. وبالنسبة لفهم الكلام فالقضية الأساسية التي يدور عليها هي قضية التوحيد، وعند النظر والتأمل في آيات القرآن، فإننا نجد حتى القرآن قد اهتم بذلك كثيراً، ولقد أشار إلى ذلك فخر الدين الرازي عند تفسيره للآية الواحدة والعشرين من سورة البقرة. ويقول صديق حسن القنوجي في أبجد العلوم: "نطق الفهماء: اشتمل القرآن على جميع أنواع البراهين والأدلة إلا حتى الوارد في القرآن أوضحها وأقواها لينتفع بها الخاصة والعامة والعدول إلى الدقيق هوللعاجز عن القوي الجلي والله أفهم بالصواب". ويذكر بعض الخط التي صنفها الفهماء في فهم فهم جدل القرآن كنجم الدين الطوفي. ويوضح كتاب حجج القرآن لأبي الفضائل الرازي، حتى قبول القرآن لاحتمالات كثيرة كان سنداً للفرق والمذاهب الكلامية المتنوعة.

ويذكر ابن عساكر في كتابه تبيين كذب المفتري قول أبي القاسم القشيري فيما يرويه عنه:

يقول ابن عساكر في تبيين كذب المفتري فيما نسب إلى الإمام أبي الحسن الأشعري:
أن الأشعري لا يشرط في صحة الإيمان ما نطقوه، يعني من شنع عليه حتى أغمار العوام عنده غير مؤمنين، لأنهم خليون عن فهم الكلام، بل هووجميع أهل التحصيل من أهل القبلة، يقولون: يجب على المكلف حتى يعهد الصانع المعبود بدلائله التي نصبها على توحيده، واستحقاقه نعوت الربوبية، وليس المقصود استعمال ألفاظ المتحدثين من لفظ الجوهر والعرض، وإنما المقصود حصول النظر والاستدلال المؤدي إلى فهم اللَّه، وإنما استخدم المتحدثون هذه الألفاظ على سبيل التقريب والتسهيل على المتفهمين، والسلف الصالح، وإن لم يستعملوا هذه الألفاظ، فلم يكن في معارفهم خلل، والخَلَف الذين استخدموا هذه الألفاظ لم يكن ذلك منهم لطريق الحق مباينة، ولا في الدين بدعة، كما حتى المتأخرين من الفقهاء عن زمان الصحابة والتابعين لم يستعملوا ألفاظ الفقهاء من لفظ العلة والمعلول والقياس وغيره، ثم لم يكن استعمالهم بذلك بدعة، ولا خلوالسلف عن ذلك كان لهم نقصا. وكذلك شأن النحويين والتصريفيين، ونقلة الأخبار في ألفاظ تختص بها جميع فرقة منهم، فإن نطقوا: إذا الاشتغال بفهم الكلام بدعة، ومخالفة لطريق السلف، قيل: لا يختص بهذا السؤال الأشعري دون غيره، من متحدثي أهل القبلة، ثم الاسترواح إلى مثل هذا الكلام صفة الحشوية الذين لا تحصيل لهم، وكيف يظن بسلف الأمة أنهم لم يسلكوا سبيل النظر، وأنهم اتصفوا بالتقليد، حاش لله حتىقد يكون ذلك وصفهم، ولقد كان السلف من الصحابة مستقلين بما عهدوا من الحق، وسمعوا من الرسول صلوات اللَّه عليه من أوصاف المعبود، وتأملوه من الأدلة المنصوبة في القرآن، وأخبار الرسول عليه السلام في مسائل التوحيد. وكذلك التابعون وأتباع التابعين، لقرب عهدهم من الرسول عليه السلام، فلما ظهر أهل الأهواء، وكثر أهل البدع من الخوارج، والجهمية، والمعتزلة، والقدرية، وأوردوا الشبه، انتدب أئمة أهل السنة لمخالفتهم، والإيصاء للمسلمين بمباينة طريقتهم، فلما أشفقوا على القلوب حتى يخامرها شبههم شرعوا في الرد عليهم، وكشف شبههم، وأجابوهم عن أسئلتهم، وحاموا عن دين الله بإيضاح الحجج، ولما نطق اللّه تعالى: ﴿وجادلهم بالتي هي أحسن﴾ [النحل: 125]، تأدبوا بآدابه سبحانه، ولم يقولا في مسائل التوحيد: إلا بما نبههم اللّه سبحانه عليه في محاكم التنزيل. والعجب ممن يقول: ليس في القرآن فهم الكلام، والآيات التي هي في الأحكام الشرعية نجدها محصورة، والآيات المنبهة على فهم الأصول نجدها تُوفِي على ذلك وتربي بكثير. وفي الجملة: لا يجحد فهم الكلام إلا أحد رجلين: جاهل ركن إلى التقليد، وشق عليه سلوك طرق أهل التحصيل، وخلا عن طرق أهل النظر، والناس أعداء ما جهلوا، فلما انتهى عن التحقق بهذا الفهم، نهى الناس يضل كما ضل، أورجل يعتقد مذاهب فاسدة، فينطوي على بدع خفية يلبس على الناس عوار ممضىه، ويعمي عليهم فضائح عقيدته، ويفهم حتى أهل التحصيل من أهل النظر هم الذين يهتكون الستر عن بدعهم، ويظهارون للناس قبح مقَالاتهم. والقلاب لا يحب من يميز النقود، والخلل فيما في يده من النقود الفاسدة، كالصرف ذي التمييز والبصيرة، وقد نطق الله تعالى: ﴿هل يستوي الذين يفهمون والذين لا يفهمون﴾ [الزمر: 9].

وقد ذكر الإمام الغزالي في الجزء الثاني من كتابه جواهر القرآن: الآيات التي وردت في ذات الله عز وجل وصفاته وأفعاله خاصة، ويضم سبعمائة وثلاثاً وستين آية. ويقول الإمام الزركشي: "وما من برهان ودلالة وتقسيم وتحديد شيء من كليات المعلومات العقلية والسمعية إلا وكتاب الله تعالى قد نطق به، ولكن أورده على عادة العرب دون دقائق طرق أحكام المتحدثين". ويقرر الدكتور محمد يوسف موسى حتى القرآن اشتمل على أصول الفلسفة الإلهية وأنه يقدم للعقائد أدلة تستند إلى الملاحظة والتفكير. ويذكر الشيخ مصطفى عبد الرازق حتى القرآن تعرض للجدل برفق، ونادى إلى الاقتصار على ما تدعوإليه الحاجة. ويقرر الدكتور سليمان دنيا حتى الدور الأساسي في نشأة فهم الكلام كان للقرآن الكريم. وخلاصة هذه الآراء حتى المتحدثين وأكثر الفهماء يرون حتى القرآن يدعوإلى النظر في فهم الله، ويساعد عليه. وقد يستثنى بعض الفهماء الذين يتحدث عنهم الإيجي في كتابه المواقف بأنهم ينكرون وجوب النظر في فهم الله: لتقرير النبي والصحابة وأهل سائر الأعصار: العوام، وهم الأكثرون، مع عدم الاستفسار عن الدلائل بل مع الفهم بأنهم لا يعلومنها بتراً. ويرد عليهم بقوله: "قلنا: كانوا يفهمون أنهم يفهمون الأدلة إجمالاً، كما نطق الأعرابي: البعرة تدل على البعير وأثر الأقدام تدل على المسير، أفسماء ذات أبراج وأرض ذات فجاج، وبحار ذات أمواج... لا تدل على اللطيف الخبير. غايته أنهم قصروا عن التحرير وذلك لا يضر، أوندعي أنه فرض كفاية - يعني الفهم التفصيلية الاستدلالية - فإن الوجوب الذي ادعيناه أعم من ذلك".

منزلة فهم الكلام من العلوم الشرعية

يمكن القول بأن فهم الكلام ليس فقط واحداً من العلوم الشرعية بل هورئيس العلوم الشرعية قاطبة، ذلك لأن سائر العلوم الشرعية مستندة إليه استناد الفرع إلى الأصل، لأن فيه تثبت موضوعاتها، طالما كان موضوعه متعلقاً بالعقائد واثباتها. فيقول عضد الدين الإيجي في بيان مرتبة فهم الكلام من العلوم الشرعية بناء على موضوعه وغايته: "إن موضوعه أعم الأمور وأعلاها وغايته أشرف الغايات وأجداها ودلائله يقينية يحكم بها صريح العقل وقد تأيدت بالنقل وهي الغاية في الوثاقة، وهذه هي جهات شرف الفهم لا تعدوها فهوأشرف العلوم... وهوالفهم الأعلى فليست له مبادئ تبين في فهم آخر، بل مباديه إما بيّنة بنفسها أومُبيّنة فيه، فهي مسائل له، ومبادئ لمسائل أخر منه لا تتوقف عليها لئلا يلزم الدور، فمنه تستمد العلوم، وهولا يستمد من غيره، فهورئيس العلوم على الإطلاق".

ويفضل محمد علي التهانوي هذا القول فيقول: "والكلام هوالأعلى إذ تنتهي إليه العلوم الشرعية كلها وفيه تثبت موضوعاتها وحيثياتها، فليست له مبادئ تبين في فهم آخر شرعياً أوغيره بل مبادؤه إما مبيّنة بنفسها أومبيّنة فيه، فهي أي فتلك المبادئ المبنية فيه مسائل له من هذه الحيثية ومبادئ لمسائل أخر منه لا تتوقف عليها لئلا يلزم الدور، فلووجدت في الخط الكلامية مسائل لا يتوقف عليها اثبات العقائد أصلاً، ولا دفع الشبه عنها فذلك من خلط مسائل فهم آخر به تكثيراً للفائدة في الكتاب، فمن الكلام يستمد غيره من العلوم الشرعية وهولا يستمد من غيره أصلاً، فهورئيس العلوم الشرعية على الإطلاق بالجملة. عملماء الإسلام قد دونوا لاثبات العقائد الدينية المتعلقة بالصانع وصفاته وأفعاله وما يتفرع عليها من مباحث النبوة والمعاد فهماً يتوصل به إلى إعلاء حدثة الحق فيها، ولم يرضوا حتىقد يكونوا محتاجين فيه إلى فهم آخر أصلاً، فأخذوا موضوعه على وجه يتناول تلك العقائد والمباحث النظرية التي تتوقف عليها تلك العقائد، سواء أكان توقفها عليها مواد أدلتها، أوباعتبار صورها، وجعلوا جميع ذلك مقاصد مطلوبة في فهمهم هذا، فاتى فهماً مستغنياً في نفسه عما عداه، ليس له مبادئ تبين في فهم آخر.

إلى غير ذلك تستند العلوم الشرعية إلى فهم الكلام، فيستند إليه الفقه مثلاً استتناد الفرع على الأصل، ذلك لأن فهم الفقه يرتبط بالعمل، والعمل فرع على النظر والاعتقاد. وفهم التصوف يستند إليه أيضاً، ذلك لأن التصوف يبحث في الأحكام الشرعية - نظرية كانت أوعملية - من ناحية آثارها في قلوب المتعبدين بها، من حيث يعني بجانب السلوك والأخلاق على أساس من التذوق الروحي والوجدان القلبي، ومن هنا فهويستند إلى فهمي الكلام والفقه، إذ لابد للصوفي على الحقيقة من فهم تام بالكتاب والسنة لكي يصحح اعتقاداته وعباداته ومعاملاته على اختلافها. ولهذا يقرر الدكتور أبوالوفا الغنيمي التفتازاني حتى انفصال هذه العلوم (يعني: فهم الكلام، والفقه، والتصوف) والتميز بينها، إنما هوأمر اعتباري فقط، ذلك لأن هذه العلوم يمكن حتى تندرج تحت اسم واحد، هوالشريعة، واتى هذا الانفصال والتمييز نتيجة المجال الفهمي الدقيق، وهوأمر ظهر في الإسلام في وقت متأخر، أما قبل ذلك فكان اسم الفقه يطلق فقط على العمليات من الشرع، وإنما أيضاً على الاعتقاديات والأخلاق.

وهذه المكانة الهامة لفهم الكلام، يمكن حتى نلمسها بشكل واضح في تصنيف العلوم عند العرب، والذي قام عندهم على بيان تصورهم للفهم البشرية، وتوضيح علاقات أجزائها بعضها ببعض، مشروحين ترتيب العلوم من حيث الخصوص والعموم، ومبينين حدودها والعلاقات القائمة بينها.فالفارابي وهوأول مفكر إسلامي عنى بتصنيف العلوم في كتاب من أبرز خطه يحمل عنوان "إحصاء العلوم" والذي يحدد في مقدمته غرضه من هذا الإحصاء، وهو: إحصاء العلوم المشهورة في عصره، فهماً فهماً، وتعيين غرضها بالدقة اللازمة، وبيان مجمل ما يشتمل عليه جميع واحد منها، وأجزاء جميع ما له أجزاء ومجمل ما في جميع واحد من أجزاء، وبهذا يستطيع الإنسان حتى يقايس بين العلوم فيفهم أيها أفضل، وأيها أنفع، وأوثق وأقوى، وأيها أوهن وأضعف.

وخصص الفارابي الفصل الخامس في هذا الكتاب للفهم المدني وأجزائه، فهم الفقه وفهم الكلام، وأعتبره الدكتور عثمان أمين من أمتع فصول الكتاب. فقام بوضع تعريف لفهم الكلام بأنه: صناعة وهوملكة يقتدر بها الإنسان، على نصرة الآراء، والأفعال المحدودة التي صرح بها واضع الملة، وتزييف جميع ما خالفها بالأقاويل. ويرى حتى له جزأين: الأول يدور حول الآراء، والثاني حول الأفعال أما ما يدور حول الآراء: فهوما يتعلق بمسائل التوحيد، وذات الله وصفاته وأفعاله، أي ما يمس الأصول الاعتقادية. أما ما يدور حول الأفعال: فهوما يتعلق بأفعال الإنسان مثل: الجبر والاختيار، ومشكلة الإمامة، وغيرها من مباحث تتعلق بسلوك الفرد والجماعة، منظور إليها من جهة العمل الإنساني. والملاحظ في تصنيفه أنه يميز بين الفقه والكلام، فيمضى إلى القول بأن صناعة الكلام غير الفقه لأن الفقه يأخذ الآراء والأفعال التي يصرح بها واضع الملة مسلمة ويجعلها أصولاً، فيستنبط منها الأمور اللازمة عنها، والمتحدث ينصر الأمور التي يستعملها الفقه أصولاً، من غير حتى يستنبط منها أخرى، فإذا اتفق حتىقد يكون لإنسان ما قدرة على الأمرين جميعاً فهوفقيه ومتحدث، فتكون نصرته لها بما هومتحدث واستنباطه عنها بما هوفقيه.

أما الخوارزمي فقد أورد في تصنيفه الذي اتى في كتابه "مفاتيح العلوم" سائر علوم عصره، فأوقفنا على الحياة الفهمية التي كانت عليها بغداد في القرن الرابع الهجري، وإن كان قد اقتصر في تصنيفه على وصف واحصاء العلوم، ولم يهتم بذكر مراتبها. واشتمل كتابه على منطقتين اتىت الأولى في ستة أبواب ذكر فيها العلوم الشرعية، وما يتصل بها من العلوم العربية مثل الفقه، والكلام والنحو، والكتابة والشعر، والعروض والأخبار، واتىت الموضوعة الثانية في تسعة أبواب أورد فيها علوم اليونان وغيرهم من الأمم وهي: الفلسفة والمنطق، والطب، وفهم العدد والهندسة، وفهم النجوم، والموسيقى، والحيل، والكيمياء.

إلى غير ذلك احتل فهم الكلام منزلة هامة في تصنيف الخوارزمي فأفرد له باباً بأكمله وإن كان قد أورده بعد الفقه لا قبله. ومكانة فهم الكلام عند الغزالي، فقد أورده في كتابه "إحياء علوم الدين" حيث قسم العلوم إلى: علوم شرعية، وعلوم غير شرعية، ووضع فهم الكلام ضمن دائرة العلوم الشرعية. وهوفرض من فروض الكفايات، فيقول مشروحاً موقف الشرع من فهم الكلام: "أن حاصل ما يشتمل عليه فهم الكلام من الأدلة التي ينتفع بها فالقرآن والأخبار مشتملة عليه، وما خرج عنهما فهوإما مجادلة مذمومة وهي من البدع وإما مشاغية بالتعلق بمناقضات الفرق لها، وتطويل بنقل الموضوعات التي أكثرها ترهات وهذيانات تزدريها الطباع وتمجها الأسماع، وبعضها خوض فيما لا يتعلق بالدين، ولم يكن شيء منه مألوفاً في العصر الأول، وكان الخوض فيه بالكلية من البدع. ولكن تغير الآن حكمه، إذ حدثت البدع الصارفة عن مقتضى القرآن والسنة، ونبغت جماعة لفّقوا لها شُبها وزينوا فيها كلاماً مؤلفاً، فصار ذلك المحظور بحكم الضرورة، مأذوناً فيه، بل صار من فروض الكفايات". فهويرى حتى فهم الكلام، فهم ينشط بظهور الشبهات ضد الإسلام، فهويتفق مع الإمام أحمد بن حنبل في النهي عن فهم الكلام عندما لاقد يكون هناك حاجة إليه، أي النهي عنه بالنسبة للعوام، ولم ينه عنه بالنسبة للخواص، وكذلك إمام الحرمين الجويني، الذي نطق بعد حتى قضى أكثر من ثلاثين عاماً يدفع الشبهات التي كانت سائدة حول العقيدة: "والآن أرجع إلى دين العجائز" يقصد بذلك أنه استخدم فهم الكلام بقدر ما دفع به الشبهات، أما وقد استقرت العقائد في الأذهان نقية خالصة، فليس هناك ما يدعوإلى فهم الكلام.

وفي الرسالة اللدنية يعطي الإمام الغزالي لفهم الكلام منزلة هامة فهويعتبره من العلوم الشرعية، التي يقسمها إلى جزأين عظيمين، الأول فهم الأصول، والثاني فهم الفروع أوالعلوم العملية. ويضع على قمة الفهم النظري أوفهم الأصول فهم التوحيد والذي يسمى بفهم الكلام، ويرى حتى موضوع هذا الفهم ذات الله وصفاته، والأنبياء، والصحابة والحياة والموت والأخرويات، ويحدد أصول ذلك الفهم بأنها: القرآن أولاً ثم السنة، ثم الدلائل العقلية والبراهين القياسية بعد ذلك، على حتى هذه الأصول الأخيرة تستخدم المنطق وأجزاؤه المتنوعة استخدامها للآلة. إلى غير ذلك يعطي الغزالي لفهم الكلام أهمية خاصة في هذه الرسالة، واعتباره فهم من العلوم الشرعية.

أما موقف ابن خلدون من فهم الكلام فيمكن حتى نلمسه من خلال تصنيفه للعلوم والذي أورده في مقدمته. واتى تصنيف العلوم في مقدمة ابن خلدون مبيناً بوضوح العلوم التي كانت في عصره، أي في القرن الثامن الهجري وهوعصر الركود والانحلال والتأخر بالنسبة للفهم والحضارة الإسلامية بوجه عام، ولهذا غلبت على هذا العصر روح الجمع وتدوين المصنفات الضخمة، خوفاً من ضياع التراث بعد هجمات التتار وغيرهم على بلاد الإسلام، ومن هنا كان حرص ابن خلدون على حتى يضمن مقدمته جميع ما انتهى إليه وتوفر إليه من علوم العصر ضناً بهذا التراث حتى يندثر.

وقد صنف ابن خلدون العلوم التي كانت في عصره إلى صنفين: الأول: صنف طبيعي للإنسان: يقف عليه الإنسان بطبيعة فكره وهي العلوم الحكيمة الفلسفية. والثاني: العلوم النقلية: وهي تلك العلوم التي العلوم التي يأخذها الإنسان عمن وضعها وهي كلها مستندة إلى الخبر عن الواضع الشرعي، فهي العلوم الشرعية، ومجال العقل منحصر في هذه العلوم في إلحاق الجزئيات الحادثة بالأصول العامة التي وضعها الشارع، أما أصل هذه العلوم النقلية فهي الشرعيات من الكتاب والسنة، مأخوذ بالنص أوالإجماع. والصنف الأول: وهوالقسم المختص باسم علوم الفلسفة والحكمة ويضم على المنطق، والفهم الطبيعي، والفهم الإلهي، وفهم التعاليم وهذا الصنف خاص بكل شعب وكل دين، فهي علوم طبيعية للإنسان من حيث أنه ذوفكر. أما الصنف الثاني: فهي علوم خاصة بالملة الإسلامية، وإن كانت للملل الأخرى علوماً خاصة بها، غير حتى الإسلام نسخ ما كان قبله من ملل، فنسخ علومها أيضاً، وتضم هذه العلوم: علوم اللسان وعلوم القرآن (القراءات والتفسير)، وعلوم الحديث، وفهم أصول الفقه، ثم فهم التوحيد (أي دراسة العقائد الإيمانية) ثم فهم الكلام، وهوفهم الحجاج عن العقائد الإيمانية والرد على المنحرفين عن عقائد أهل السنة والسلف، ثم فهم التصوف وفهم تعبير الرؤيا.

إلى غير ذلك يورد ابن خلدون فهم الكلام ضمن العلوم النقلية الشرعية، ويخصص له فصلاً كاملاً يعهد فيه فهم الكلام، مشروحاً موضوعه، وعوامل نشأته وتطوره، واختلاطه بمباحث الفلسفة عند المتأخرين، وضرورة تمييزه عن الفلسفة. ومع حتى ابن خلدون اعتبر فهم الكلام فهماً شرعياً وبين أهميته في الدفاع عن الإسلام ضد مخالفيه ورد شبهتهم بالدليل العقلي، إلا أنه من الملاحظ أنه قصر مهمة فهم الكلام على الرد على شبهات المخالفين لعقيدة أهل السنة والسلف، أي يقصر مباحث فهم الكلام على مستوى الموقف الأشعري، والذي يعتنقه ابن خلدون نفسه.

ويبدوحتى موقفه هذا من فهم الكلام اتى نتيجة أمرين:

  • الأول: رفضه لاختلاط فهم الكلام بالفلسفة، ويكادقد يكون هذا الخلط أمراً عاماً عند المتأخرين، فأراد حتى يحدد فهم الكلام بعقائد السلف فقط، حتى يتم التمييز بين العقائد والفلسفة.
  • الثاني: أنه يرى حتى فهم الكلام في عصره فهم لا داعي له، والسبب يوضحه فيقول: "وعلى الجملة فينبغي حتى يفهم حتى هذا الفهم الذي هوفهم الكلام، غير ضروري لهذا العهد على طالب الفهم إذا الملاحدة والمبتدعة قد انقرضوا والأئمة من أهل السنة كفونا شأنهم فيما خطوا ودونوا والأدلة العقلية إنما احتاجوا إليها حين دافعوا ونصروا، وأما الآن فلم يبق منها إلا كلام تنزه الباري عن كثير إيهاماته وإطلاقه". وهذا موقف خاص لابن خلدون من فهم الكلام، يرى أنه يجب حتى يقتصر فقط على عقائد السلف.

وموقف طاش كبرى زاده من فهم الكلام وضحه في كتابه "مفتاح السعادة ومصباح السيادة في موضوعات العلوم" فهويدرج فهم الكلام ضمن العلوم الشرعية ويجعله الشعبة الخامسة منها قبل الفقه الذي يجلعه الشعبة السادسة. وهويتفق مع ما قرره عضد الدين الإيجي في "المواقف" من حتى فهم الكلام هورئيس العلوم الشرعية، وقد احتل فهم الكلام في تصنيفه حيزاً كبيراً. ويرى الدكتور محمد صالح محمد السيد حتى فهم الكلام يمثل فهماً هاماً من العلوم الشرعية الدينية، وهوإذا كان كذلك ففي رأيه أنه فهم واجب في جميع عصر، ذلك لأن أمر الدفاع عن الدين أمر واجب، فضلاً عن أنه لا يخلومنه عصر من العصور.

صلة فهم الكلام بالعلوم الأخرى

لفهم الكلام صلة وثيقة بالعلوم التي نشأت في البيئة الإسلامية وقت ظهوره أوالتي سبقت ظهوره، وعندما نقرأ في خط الطبقات والتراجم التي صنفت لترجمة حياة المتحدثين وخطهم، فإننا نجد تعبير تتكرر كثيراً عند التعرض لترجمة المتحدث أنه قد حاز على العلوم الملية والحكمية، وهذ العبارة تشير إلى ثقافة المتحدث الواسعة بحيث يلم بالعلوم الملية - أي نشأت تبعا للملة الإسلامية - كعلوم القرآن والحديث والتفسير والفقه وأصول اللغة، وأيضا بالعلوم الحكمية وهي العلوم العقلية من منطق وفلسفة، وهذا يعني ارتباط هذه العلوم بالمباحث الكلامية التي هي موضوع فهم الكلام، وأنه لأهمية تلك الصلة بين فهم الكلام والعلوم الأخرى كان لابد للمتحدث من حتى يحصّل تلك العلوم. ومن ناحية أخرى، إذا كان فهم الكلام يقوم على التوفيق بين العقل والنقل فلابد من فهم المتحدث بالعلوم العقلية والعلوم النقلية، ولابد من صلة بين هذه العلوم وفهم الكلام. وفهم الكلام هوالأساس الذي تقوم عليه العلوم الشرعية، إذ أنه ما لم يثبت وجود إله خالق قادر عليم أنزل رسله بالتكليف - وهذه موضوعات فهم الكلام - لم تكن العلوم الشرعية - من فقه وحديث وتفسير - سارية وقائمة لأنها مبنية على تلك الموضوعات التي يبحثها فهم الكلام، فهوأساس تلك العلوم وتستمد منه أصولها وتستعين به في مباحثها وتأخذ منه.

الفرق بين فهم الكلام والفلسفة

فهم الفلسفة موضوعه دراسة المسائل التي ينحصر إثباتها بالأدلة العقلية، لكن فهم الكلام موضوعه دراسة المسائل التي لا تثبُت إلا عن طريق النقل، أي القرآن والسنة السليمة. وبالرغم من وجود نقاط مشهجرة بين فهم الكلام وفهم الفلسفة إلا حتى هناك نقاط افتراق بينهما، فهناك مسائل مشهجرة بينهما تثبت بالتعقل، كما حتى هناك مسائل خاصة بكل منهما، فالخاصة بفهم الفلسفة لا تثبت إلا بالتعقل، والخاصة بفهم الكلام لا تثبت إلا بالنقل والتعبّد، ومن وجوه الاتحاد بين هذين الفهمين المسائل التي تتعلق بفهم الله وإثبات الخالق. وبعبارة أخرى فإن فهم الكلام أسلوبه التوفيق بين العقل والنقل، أما الفلسفة أسلوبها الاعتماد الكلي على العقل والأدلة العقلية. ولذلك فإن الفلاسفة يعتمدون على البراهين وحدها، ويؤلّفون البرهان تأليفاً منطقياً، من مقدمة صغرى، وكبرى ونتيجة، ويستعمِلون ألفاظاً واصطلاحات للأشياء: من جوهر وعرض ونحوهما، ويثيرونَ المشاكل العقليّة، ويبنُون عليها بناءً منطقيّاً لا بناءً حسيّاً أوواقعياً. أما منهج المتحدثين الإسلاميين في البحث فيُغاير ذلك، لأنَّ المُتكلّمين بنوا فهم الكلام على الإِيمان بالله ورسوله، وصدَّقوا بالقرآن، فأرادوا أنْ يبرهنوا على ذلك بالأدلّة العقليّة المنطقيّة.

وقد أشار ابن خلدون إلى التمييز بين فهم الكلام والفلسفة من ناحية الموضوع والمنهج والغاية، فيقول: "وافهم حتى المتحدثين لما كانوا يستدلون في أكثر أحوالهم بالكائنات وأحوالها على وجود الباري وصفاته وهونوع استدلالهم غالباً، والجسم الطبيعي ينظر فيه الفيلسوف في الطبيعيات وهوبعض من هذه الكائنات إلا حتى نظره فيها مخالف لنظر المتحدث وهوينظر في الجسم من حيث يتحرك ويسكن، والمتحدث ينظر فيه من حيث يشير على الفاعل وكذا نظر الفيلسوف في الإلهيات إنما هونظر في الوجود المطلق وما يقتضيه لذاته، ونظر المتحدث في الوجود من حيث أنه يشير على الموجد، وبالجملة فموضوع فهم الكلام عند أهله إنما هوالعقائد الإيمانية بعد فرضها سليمة من الشرع من حيث يمكن حتى يستدل عليها بالأدلة العقلية فتحمل البدع وتزول الشكوك والشبه عن تلك العقائد وإذا تأملت حال الفن في حدوثه، وكيف تدرج كلام الناس فيه صدراً بعد صدر وكلهم يفرض العقائد السليمة، ويستنهض الحجج والأدلة عَلِمت حينئذ ما قررناه لك في موضوع الفن وأنه لا يعدوه". ولا شك حتى هناك خلافاً واضحاً بين فهم الكلام والفلسفة اليونانية يستحيل معه الخلط والامتزاج، عملم الكلام هومن العلوم الإسلامية الأصيلة؛ لأنّه ولد قبل عصر الترجمة؛ أي أنه لم يكن متأثراً في انطلاقته بالثقافة والفلسفة اليونانية، بل إذا التاريخ يؤكّد أنّ هذا الفهم قد وقف موقفاً حذراً إلى حد بعيد من التوجّهات الفلسفية التي استقت أسسها ومنطلقاتها وبناها التحتية من الفكر اليوناني بالخصوص، وهوما سبّب أوكان على الأقل أحد مسببات الخلاف الفلسفي الكلامي في التاريخ الإسلامي سيما القرون الخمسة الأولى. ومن الجدير بالذكر حتى هناك بعض الفلاسفة المسلمين الذي تأثروا بالفلسفة اليونانية وحرصوا على التوفيق بينها وبين العقائد. ويعد نصير الدين الطوسي من أبرز من قام بمزج الكلام بالفلسفة وألبس مشاكل فهم الكلام ثوب الفلسفة.

وهناك فروق بين فهم الكلام والفلسفة أدرجها ابن خلدون في المقدمة، ومن هذه الفروق فروق تتعلق بالموضوع والمنهج والغاية.

فمن ناحية الموضوع

فموضوعات فهم الكلام تتعلق بالأصول الدينية كالبحث في ذات الله تعالى وصفاته وأفعاله. وفي أحكام الشريعة من بعثة الرسل ونصب الأئمة والتكليف والثواب والعقاب. يتناولها بحسب ما وردت في الشريعة أمراً مقرراً لا مدخل فيه للشك، محاولاً حتى يؤيدها بالأدلة العقلية حتىقد يكون الإيمان بها أشد وثوقاً وأكثر توكيداً لاجتماع النقل والعقل معاً، فضلاً عن حتى الدليل العقلي هوالسبيل إلى إثبات هذه الأصول على المخالفين من أصحاب الديانات المخالفة. أما الفلاسفة المسلمين فإن أبحاثهم تدور حول الوجود والفهم والقيم، وما تضمه هذه المباحث الرئيسية من البحث عن الله، والعالم، والإنسان، وتبحث في مبادئ الوجود وعلله، وفي وسائل الفهم، وطبيعتها، وأدواتها، ومشكلة اليقين، وفي القيم: من الحق، والخير، والجمال، ويتوخى فلاسفة الإسلام حتىقد يكون بحثهم الفلسفي من منظور ديني عقائدي بمعنى أنهم يحرصون حتىقد يكون بحثهم يؤيد الدين ويؤكده. ومن هنا يقرر ابن خلدون حذف موضوع الطبيعيات والإلهيات من نطاق فهم الكلام فيقول: "وأما النظر في مسائل الطبيعيات والإلهيات بالتسليم والبطلان فليس موضوع فهم الكلام، ولا من جنس أنظار المتحدثين، فأفهم ذلك لتميز به بين الفنين (يقصد فهم الكلام والفلسفة) فإنهما يختلطان عند المتأخرين في الوضع والتأليف، والحق معايرة جميع منهما لصاحبه بالموضوع والمسائل".

أما من ناحية المنهج

فنجد الفلاسفة يغالون في استخدام العقل، فحرروا العقل من جميع قيد، وأخذوا بأحكامه، روفضوا ما عداها، ونظروا في النصوص الدينية فإن وجدوها على وفاق معهم قبلوها، وإن وجدوها على خلاف ما انتهوا إليه صرفوها عن ظاهرها، وحملوها على المعنى الذي انتهى إليه بحثهم. وهناك خلاف واضح بين منهج المتحدثين ومنهج الفلاسفة وهوفي درجة استخدامهم للعقل في مجال القضايا الدينية. ولقد عبر طاش كبرى زاده عن ذلك بقوله: "المتحدث يستند إلى ما اتى به الدين من اعتقادات، ثم يلتمس الحجج العقلية التي تدعمه، أما الفيلسوف فيبحث بعقله، ويرى حقاً ما توصل إليه من دليل، المتحدث يعتقد ثم يستدل، أما الفيلسوف فيستدل ثم يعتقد". ويقول ابن خلدون: أنه إذا هدانا الشارع إلى مدرك فينبغي أنه نقدمه على مداركنا ونثق به دونها، ولا ننظر في تسليمه بمدارك العقل، ولوعارضه، بل نعتمد ما أمرنا به اعتقاداً، ونسكت عما لم نفهم من ذلك، نفوضه إلى الشارع ونعزل العقل عنه. على حتى هناك فرقاً ثالثاً يتعلق بالمادة: فمادة الفلاسفة - في معظمها - مادة استمدوها من الفلسفة اليونانية التي اعتمدوا عليها اعتماداً كبيراً. أما مادة المتحدثين، فمصدرهم الأول هوالقرآن ثم الحديث النبوي، والنقاش العقلي الذاتي حولهما، ولا يعولون على المصادر الأجنبية والدخيلة إلا قليلاً، وفي مواضع لا تتعارض مع العقيدة، بل تكون وسيلة للدفاع عنها، وهذا يشير دلالة قاطعة على أصالة فهم الكلام.

الفرق بين المتحدثين والفلاسفة المسلمين

اعتمد المتحدثون فهم المنطق أساسا لتفكيرهم فكان منهجهم يقوم على ما يلي:

  • أقر المتحدثون بصحة قواعد الإيمان، وامنوا بها، ثم اتخذوا أدلتهم العقلية للبرهنة عليها، فهم يعتمدون البحث العقلي بالأسلوب المنطقي لإثبات صحة عقيدتهم.
  • إن أبحاث المتحدثين محصورة فيما يتعلق بالدفاع عن عقيدتهم، ودحض حجج خصومهم، سواء أكانوا مسلمين يخالفونهم في الفهم، من قدرية ومرجئة وخوارج وغيرهم، أم كانوا غير مسلمين كالنصارى واليهود وغيرهم.

أما منهج الفلاسفة فإنه يتلخص فيما يلي:

  • إن الفلاسفة يبحثون المسائل بحثا مجردا. ومنهاج بحثهم هوالنظر في المسائل، كما يشير عليها البرهان. ونظرتهم بشأن الذات الإلهية نظرة في الوجود المطلق، وما يقتضيه لذاته. وهم يبدأون النظر في المسألة، ثم ينظرون إلى ما يؤدي إليه البرهان، في سيرهم للوصول إلى النتيجة، كائنة ما كانت، فيعتقدون بها. وهذا يعني حتى بحثهم درس فلسفي محض لا علاقة له بالإسلام. والفلاسفة المسلمون كانوا في كثير من أبحاثهم يسلمون بالأمور الغيبية التي لا يمكن إقامة البرهان العقلي على صحتها أوبطلانها، كالبعث والنشور والمعاد الجسماني. وكثيرا ما كانوا يحاولون التوفيق بين بعض قضايا الفلسفة والقضايا الإسلامية، ولكن ليس عندهم تأثر فكري يجعل الإسلام أساسا، كما هي الحال عند المتحدثين. إنما تأثرهم تأثر يشبه إلى حد بعيد تأثر الفلاسفة المسيحيين بالمسيحية، والفلاسفة اليهود باليهودية، وهوتأثر، بالديانتين، ضعيف. أما الفلاسفة المسلمون فقد كان تأثرهم الحقيقي بالفلسفة اليونانية، ولذلك لم يخطوا أفكارهم الفلسفية إلا بعد تعمقهم في الفلسفة اليونانية.
  • لم يكن جميع هم الفلاسفة المسلمين الدفاع عن الإسلام لأنهم كانوا يقفون عند تقرير الحقائق ثم يبرهنون عليها، ولا يدخلون في حكاية الأقوال المخالفة والرد عليها، دفاعا عن الإسلام، وإن كانوا قد تأثروا بها بعض التأثر. ولذلك كان البحث العقلي هوالأصل وهوالموضوع، ولا يوجد غيره في بحوثهم.
  • إن كثيرا من أبحاث الفلاسفة المسلمين أبحاث غير إسلامية، بل هي أبحاث فلسفية، لا علاقة للإسلام بها.

هذا هوالفرق بين منهج المتحدثين المسلمين ومنهج الفلاسفة المسلمين. ومن الظلم والدس على الإسلام حتى تسمى الفلسفة، التي اشتغل فيها من أطلقت عليهم تسمية "الفلاسفة المسلمين" أمثال الكندي والفارابي وابن سينا وابن رشد، وغيرهم.. فلسفة إسلامية، لأنها لا تمت إلى الإسلام بصلة. بل هي تتناقض مع الإسلام تناقضا تاما، من حيث الأساس، أومن حيث التفاصيل الكثيرة. أما من حيث الأساس فإن أولئك الفلاسفة المسلمين قد بحثوا فيما وراء الكون، أي في الوجود المطلق، بخلاف الإسلام الذي يحصر البحث في صفات الكون وتراكيبه، وفي المحسوسات. وأما من حيث التفاصيل فإن لدى أولئك الفلاسفة المسلمين أبحاثا كثيرة، يعتبرها الإسلام ضلالا كالقول بقِدَم العالم، وأنه أزلي، وأبحاثا تقول إذا نعيم الجنة روحاني لا مادي، وأبحاثا تقول: إذا الله يجهل الجزئيات، وغير ذلك، مما هوكفر صراح في نظر الإسلام.

أهم الفرق الكلامية

فرق كلامية سنية

الفرق الكلامية التي تنتمي لممضى أهل السنة والجماعة هي:

  1. الكلابية.
  2. والأشاعرة.
  3. والماتريدية.
  4. والظاهرية وهم متحدثي أهل الحديث، وهي تمثل مع الحنابلة النزعة النصية، بينما يعتبر الأشاعرة والماتريدية متحدثي أهل الرأي بين المنتمين إلى السنة. وتعتبر الظاهرية - كممضى في العقيدة والفقه - هي اللقاء التام للنزعة الباطنية التي سادت عند الشيعة وخاصة الإسماعيلية، وظهر لون منها عند صوفية أهل السنة، كما أنها تعادي الإسراف في استخدام الرأي والعقل في أمور الشرع، وتنكر "القياس" في التفكير الديني. ولكن من الخطأ حتى يظن أنها حشوية تعادي العقل وتصادره، وبرغم أنها قد تبدوبرفضها للقياس أدنى إلى النص من الحنابلة فإن النزعة العقلية عند الظاهرية - كما يمثلها ابن حزم - أوضح منها لدى بعض الحنابلة.

فرق كلامية غير سنية

ومن أبرز الفرق الكلامية الأخرى المخالفة لممضى أهل السنة:

  1. الشيعة.
  2. والخوارج.
  3. والقدرية.
  4. والجبرية.
  5. والمرجئة.
  6. والجهمية.
  7. والمعتزلة.
  8. والكرامية.

موقف الفهماء من فهم الكلام

موقف أبي حنيفة من فهم الكلام

هوأبوحنيفة النعمان بن ثابت، ولد سنة 80 هـ على أرجح الأقوال، وتوفى سنة 150 هـ وقد اشتهر أبوحنيفة بالفقه وهوأحد أئمة الفقه الأربعة أصحاب المذاهب الفقهية المشهورة والمنتشرة في كافة بقاع الأرض، وهوأول متحدث سني في الإسلام، وأول ممثل حقيقي لممضى أهل السنة والجماعة. تفهم فهم الكلام بالبصرة وكانت ملتقى النِحَل والآراء وبلغ فيه مبلغاً عالياً. وقد أطلق أبوحنيفة اسم الفقه الأكبر على الاعتقادات لقاءاً للفقه الأصغر الذي أطلقه على العبادات. والشك تطرق إلى كتاب الفقه الأكبر في صحة نسبه إلى أبي حنيفة لأنه يحتج على الأشعري والأشعرية وهي متأخرة عن أبي حنيفة قرنين من الزمان. وفي بعض الروايات حتى الفقه الأكبر ليس ما بين أيدينا، إنما هوكتاب في الفقه حوى نحوستين ألف مسألة. وكانت أقوال مقاتل بن سليمان (150 هـ) في التشبيه والتجسيم قد انتشرت في هذا الوقت في خراسان، فأعرب أبوحنيفة تنزيهه - سبحانه وتعالى - عن مماثلة المخلوقات لقوله تعالى: (ليس كمثله شيء). وأبوحنيفة أول من وضع الفروق الدقيقة بين صفات الذات وصفات العمل. ومسألة خلق القرآن قد أثيرت في عهده، وقد صرح في الفقه الأكبر حتى كلام الله غير مخلوق وكلام موسى وغيره من المخلوقين مخلوق والقرآن كلام الله وهوقديم. وقد كان أبوحنيفة أول القائلين بالممضى الكسبي الذي سيكون سمة لأهل السنة والجماعة، ويورد الملا علي القاري نصوصاً متعددة عن الإمام أبي حنيفة من كتاب الوصية تثبت إيمانه بنظرية الكسب وأنه أول من وضعها، فيقول القاري: "...وجميع أفعال العباد من الحركة والسكون كسبهم على الحقيقة والله تعالى خالقها وهي كلها بمشيئته وفهمه وقضائه وقدره".

وهناك موقفان لأبي حنيفة من فهم الكلام، الموقف الأول هواشتغاله بفهم الكلام، والموقف الثاني هورجوعه عن الاشتغال بفهم الكلام، ونهيه عن الاشتغال به، ومعظم الروايات قد ذكرت هذين الموقفين، منها ما ذكره الإمام شهاب الدين أحمد بن حجر الهيتمي في "الخيرات الحسان في مناقب الإمام الأعظم أبي حنيفة النعمان". يذكر في موقف أبي حنيفة من فهم الكلام أنه في بداية طلبه للفهم، اشتغل بفهم الكلام، وبلغ فيه مبلغاً يشار إليه فيه بالبنان، ومنح فيه جدلاً، فمضى عليه زمن به يخاصم، وعنه يناضل، حتى ولج البصرة لأن أكثر الفرق كانت بها، يقيم في بعض المرات سنة أوأكثر ينازع تلك الفرق من الخوارج والمعتزلة والروافض وأهل الإراتى، لأنه كان يعد فهم الكلام أحمل العلوم وأفضلها وأشرفها لكونه في أصول الدين. وهذا الموقف يبين تأييد أبي حنيفة لفهم الكلام واشتغاله به. ولقد ناظر الخوراج، وعارض الآراء المخالفة لأهل السنة، ولقد ذكر عنه قوله: "قاتل الله جهم بن صفوان، ومقاتل بن سليمان، هذا أفرط في النفي وهذا أفرط في التشبيه". وهذا يشير على مناصرة أبي حنيفة لآراء أهل السنة، ونقرأ أيضاً في مصنفات أبي حنيفة كـ"العالم والمتفهم" دفاعاً عن فهم الكلام، وأيضاً كان ممضىه الفقهي ذوصبغة عقلية يغلب فيه الأخذ بالرأي والقياس وربما كان هذا نتيجة لاشتغاله بفهم الكلام حقبة من الزمن في أول اشتغاله بالفهم. أما الموقف الثاني: وهومعارضة أبي حنيفة لفهم الكلام ونهيه عن الاشتغال به، ويرجع موقف معارضة أبي حنيفة لفهم الكلام إلى كرهه التعمق في الجدل وأنقد يكون الجدل من أجل الجدل، وأن يقصد به تكفير المخالف، ويتضح ذلك عندما نهى أبوحنيفة ابنه حماد عن الاشتغال بفهم الكلام، فنطق له حماد: "رأيتك وأنت تتحدث، فما بالك تنهاني"؟! فنطق: "يا بني كنا نتحدث وكل واحد منا كأن الطير على رأسه مخافة حتى يزل صاحبه، وأنتم اليوم تتحدثون وكل واحد يريد حتى يزل صاحبه ومن أراد حتى يزل صاحبه فكأنه أراد حتى يكفر، ومن أراد حتى يكفر صاحبه فقد كفر قبل حتى يكفر صاحبه". وعلى هذا يمكن القول بكراهية أبوحنيفة لنوع معين من فهم الكلام، وأنه لا يعارض حتىقد يكون الجدل على قدر الحاجة، أما ما وراء الحاجة فإنه منهي عنه.

المؤيدين

نجد فريقا من المسلمين أيد الاشتغال بفهم الكلام، ويقف على رأس هؤلاء المؤيدين المتحدثين أنفسهم، وهؤلاء رأوا ضرورة النظر في أصول الدين وإثباتها بالعقل، إذ حتى الإيمان القائم على العقل أقوى من الإيمان الذي يقوم على التقليد، وساقوا الأدلة والبراهين على صحة موقفهم وأشاروا إلى ضرورة النظر في مصنفاتهم، بل وأفرد بعضهم خطا خاصة لأهمية النظر، منها على سبيل المثال استهلال الماتريدي كتابه التوحيد ببيان حتى سبيل فهم الدين تتم بالنظر بجانب العقل، وفي ثنايا كتابه الضخم تأويلات أهل السنة في مواضع كثيرة تأييد لاستخدام النظر في الدين، بل إذا هذا الكتاب يقوم على أساس هذه الفكرة، ونجد لأبوالحسن الأشعري كتاب استحسان الخوض في فهم الكلام يبين فيه ضرورة النظر في الدين، وأن النظر مأمور به وليس منهياً عنه، ومن بعده نجد الأشاعرة أمثال: الباقلاني والجويني وغيرهما يوضحون أهمية النظر في الدين، وفي فريق المعتزلة نجد دعوة واضحة وصريحة لأهمية النظر، بل تقديمه على النقل والسمع، إذ عليه يتوقف صحة النقل، ونجد ذلك في مؤلفاتهم كما ذكرها القاضي عبد الجبار في "المحيط بالتكليف" و"شرح الأصول الخمسة" وأفرد جزءاً من كتابه "المغني" بعنوان "النظر والمعارف" على بيان أهمية النظر وأنه أول الواجبات على المكلف. ولقد قدم هذا الفريق أدلته العقلية والنقلية منها ما ذكره عضد الدين الإيجي في المواقف:

  1. الترقي من حضيض التقليد إلى ذروة الإيقان (يحمل الله الذين آمنوا منكم والذين أوتوا الفهم درجات) وأن إيمان المستدل أقوى من إيمان المقلد الذيقد يكون عرضة للشكوك، ولا يستطيع دفع تلك الشكوك لأنه لا يملك الدليل على صحة إيمانه.
  2. إرشاد المسترشدين بإيضاح الحجة وإلزام المعاندين بإقامة الحجة.
  3. حفظ قواعد الدين عن حتى تزلزلها شبه المبطلين.
  4. أنه يبنى عليه العلوم الشرعية فإنه أساسها وإليه يؤول أخذا واقتباسا.
  5. صحة النية والاعتقاد، إذ بها يرجى قبول العمل وغاية ذلك كله الفوز بسعادة الدارين.

وهذا الفريق يرى حتى فهم الكلام هوأعلى مرتبة في العلوم، إذ حتى موضوعه أعم الأمور وأعلاها وغايته أشرف الغايات وأجداها ودلائله يقينية يحكم بها صريح العقل، وقد تأيدت بالنقل وهي الغاية في الوثاق وهذه هي جهات شرف الفهم لا تعدوها، فهوإذن أشرف العلوم. واستند هذا الفريق إلى ما ورد في القرآن في أكثر من موضع في الحث على النظر، وإقامة البرهان والدليل، والتماس الفهم والبعد عن الظن.

  • الإمام أبوحنيفة في رده على من ذم فهم الكلام بحجة حتى الصحابة والسلف لم يتفهموه ولم يخوضوا فيه فنطق: "وقد ابتلينا بمن يطعن علينا، ويستحل الدماء منا، فلا يسعنا حتى لا نفهم من المخطئ منا ومن المصيب، وأن نذب عن أنفسنا وحرمنا، فمثل صحابه النبي الكريم كقوم ليس بحضرتهم من يقاتلهم فلا يتكلفون السلاح، ونحن قد ابتلينا بمن يقاتلنا فلا بد لنا من السلاح"
  • نطق النووي في شرح سليم مسلم: "نطق الفهماء: البدعة خمسة أقسام واجبة ومندوبة ومحرمة ومكروهة ومباحة فمن الواجبة نظم أدلة المتحدثين للرد على الملاحدة المبتدعين وما أشبه ذلك".
  • نطق ابن حجر الهيتمي في الفتاوى الحديثية: الذي صرح به أئمتنا أنه يجب على جميع أحد وجوبا عينيا حتى يعهد سليم الاعتقاد من فاسده، ولا يشترط فيه فهمه بقوانين أهل الكلام لأن المدار على الاعتقاد الجازم ولوبالتقليد على الأصح. وأما تعليم الحجج الكلامية والقيام بها للرد على المخالفين فهوفرض كفاية، اللهم إلا إذا سقطت حادثة وتوقف دفع المخالف فيها على تفهم ما يتعلق بها من فهم الكلام أوءالاته فيجب عينا على من تأهل لذلك تفهمه للرد على المخالفين.
  • نطق شمس الدين الرملي: التوغل في فهم الكلام بحيث يتمكن من إقامة الأدلة وإزالة الشبه فرض كفاية على جميع المكلفين الذين يمكن كلا منهم عمله، فكل منهم مخاطب بعمله لكن إذا عمله البعض سقط الحرج عن الباقين، فإن امتنع جميعهم من عمله أثم جميع من لا عذر له ممن فهم ذلك وأمكنه القيام به.
  • نطق أبوحامد الغزالي في إحياء علوم الدين: ولم يكن شيء منه - فهم الكلام- مألوفا في العصر الأول وكان الخوض فيه بالكلية من البدع ولكن تغير الآن حكمه إذ حدثت البدعة الصارفة عن مقتضى القرآن والسنة ونجت جماعة لفقهوا لها شبها ورتبوا فيها كلاما مؤلفا فصار ذلك المحذور بحكم الضرورة مأذونا فيه بل صار من فروض الكفايات وهوالقدر الذي يقابل به المبتدع إذا قصد الدعوة إلى البدعة. ونطق أيضا: فإذن فهم الكلام صار من جملة الصناعات الواجبة على الكفاية حراسة لقلوب العوام عن تخيلات المبتدعة.
  • نطق شمس الدين السمرقندي في الصحائف الإلهية: "فإن العلوم وإن تنوع أقسامها لكن أشرفها مرتبة وأعلاها منزلة هوالفهم الإلهي الباحث بالبراهين القاطعة والحجج الساطعة عن أحوال الألوهية وأسرار الربوبية التي هي المطالب العليا والمقاصد القصوى من العلوم الحقيقية، والمعارف اليقينية إذ بها يتوصل إلى فهم ذات الله تعالى وصفاته، وتصور صنعه ومصنوعاته، وهومع ذلك مشتمل على أبحاث شريفة ونكات لطيفة بها تستعد النفس لتحقيق الحقائق، وتستبد بتدقيق الدقائق".
  • ويقول محمد السيد البرسيجي في تحقيقه لكتاب بحر الكلام للإمام أبي المعين النسفي: "والذين ينكرون على أهل السنة والجماعة من الأشعرية والماتريدية اشتغالهم بفهم الكلام ماذا يريدون منهم،يا ترى؟ هل يريدون منهم حتى يهجروا فهم الكلام الذي ينزه الحق تبارك وتعالى عن صفات المخلوقات والمحدثات، ويشتغل بكلام المشبهة والمجسمة من الذين ينتسبون زوراً إلى السلف، والذي ينفر منه جميع ذي طبع سليم، فأين كلام هؤلاء المشبهة والمجسمة من كلام أئمة أهل السنة والجماعة؟! يقول الإمام الماتريدي متحدثاً عن ذات الله تعالى: «وإذا ثبت القول بوحدانية الله تعالى والألوهية له - لا على جهة وحدانية العدد، إذ جميع واحد في العدد له أنصاف وأجزاء - لزم القول بتعاليه عن الأشباه والأضداد، إذ في إثبات الضد نفي إلهيته، وفي التشابه نفي وحدانيته، إذ الخلق كلهم تحت اسم الأشكال والأضداد، وهما فهما احتمال الفناء والعدم ونفي التوحيد عن الخلق. والله تعالى واحد لا شبيه له، دائم قائم لا ضد له ولا ند، وهذا تأويل قوله تعالى: {ليس كمثله شيء وهوالسميع البصير [الشورى: 11].» وانظر إلى قول اللامشي في كتابه "التمهيد لقواعد التوحيد" متحدثاً عن نفي الجسم والصورة عن الله تعالى حيث نطق ما صورته: «وإذا ثبت حتى الله تعالى لا يوصف بالجسم، فلا يوصف بالصورة أيضاً؛ لأن الصورة لا وجود لها بدون الهجريب. ونطق بعض المجسمة ممن ذكرنا أساميهم: إذا الله تعالى على صورة الآدمي، وله من الأعضاء ما للآدمي، وإنه على صورة شيخ أبيض اللحية، ونطق بعضهم: إنه على صورة غلام أمرد له شعر جعد قطط. وحُكِيَ عن هشام بن الحكم أنه نطق: إنه كالسبيكة الصافية يتلألأ. وفي جميع ما نطقوا إثبات كونه محدثاً. وقد نفينا ذلك بحمد الله تعالى.» فقارن بين كلام أهل السنة والجماعة من الماتريدية والأشعرية وكلام غيرهم من المجسمة لتعهد الفرق ﴿فأي الفريقين أحق بالأمن إذا كنتم تفهمون﴾ [الأنعام: 81].

وقد عقد ابن عساكر في كتابه تبيين كذب المفتري فصلاً في الكلام على من زعم حتى فهم الكلام بدعة وردوده عليه. وفيه يذكر حتى الإمام الشافعي كان يكره كلام أهل الأهواء والبدع، أما الكلام الموافق للكتاب والسنة الموضّح لحقائق الأصول عند ظهور الفتنة فهومحمود عنده وقد كان الشافعي يحسنه وبلغ فيه مبلغاً عظيماً. وكراهية الشافعي لفهم الكلام لم تكن تنصرف إليه كفهم، وإنما تنصرف إلى كلام القدرية وأهل الأهواء والبدع. وقد روي عنه أنه ناظر حفص الفرد في الإيمان وخلق القرآن. ويروي ابن عساكر عن الشافعي أنه كان يجيد فهم الكلام بقوله: "لقد دخلت فيه حتى بلغت منه مبلغاً وما تعاطيت شيئاً إلا وبلغت فيه مبلغاً حتى الرمي كنت أرمي بين الغرضين فأصيب من عشرة تسعة". وهذا مرشد على أنه تفهم الكلام وبلغ فيه مبلغاً عظيماً، ثم استحب هجر المناظرة فيه لأنه خشى حتى يحل الكلام والجدل محل الكتاب والسنة خاصة وأن فهم الكلام في عصره كان على طريقة المعتزلة من المبالغة القصوى في استخدام العقل في أمور العقيدة، فكان يخشى حتى يتحول الدين إلى قضايا عقلية فلسفية وبراهين منطقية وهذا ما وقع بالعمل. والشيخ محمد أبوزهرة يقول عن الإمام الشافعي: "وليس الشافعي العاقل هوالذي ينهي عن أمر لا يعهد موضوعه ولا يتصوره، إذ الحكم على شيء فرع عن تصوره".

وقد أورد الشيخ محمد أبوزهرة بعض آراء الشافعي في مسائل الكلام باختصار في قوله عن الشافعي: "كان يقول حتى القرآن كلام الله غير مخلوق ويعتقد برؤية الله يوم القيامة ويؤمن بالقضاء والقدر خيره وشره وأن الإيمان تصديق وعمل ولذلك يزيد وينقص ويرى حتى الإمامة لابد منها وأنها في قريش وكان يرى أبا بكر أحق بالخلافة من علي رضي الله عنه ويرى حتى معاوية وأصحابه كانوا الفئة الباغية وقد أخذ بسيرة علي في معاملة البغاة في كتابه الأم". ويرى محمد أبوزهرة حتى الشافعي إذا كان كره الكلام وذم المتحدثين فلم يكن ذلك إلا أنه أراد المعتزلة بالذم لمغالاتهم في الكلام وتطرفهم في استخدام العقل في الدين، فيقول أبوزهرة في كتابه عن الشافعي: "إذا سمعت الشافعي وابن حنبل وغيرهما يذمون فهم الكلام ومن يأخذ الفهم على طريقة المتحدثين فإنما أرادوا المعتزلة بذمهم".

هذا ويرى أهل السنة والجماعة حتى سند ممضىهم إنما يعود إلى علي بن أبي طالب ويعتبرونه أول متحدثيهم ويذكرون أنه ناظر الخوارج في مسألة الوعد والوعيد وناظر القدرية في المشيئة والاستطاعة، ثم عبد الله بن عمر وقد ورد عنه أنه تبرأ من معبد الجهني في نفيه القدر. ويتدرج الدكتور علي سامي النشار من عبد بن عمر إلى عمر بن عبد العزيز (ت 101 هـ)، فالحسن البصري (ت 110 هـ)، فزيد بن علي (ت 122 هـ)، ويذكر كذلك عامر الشعبي (ت 105 هـ)، ثم ابن شهاب الزهري (ت 124 هـ)، ويلي هذه الطبقة مباشرة الإمام جعفر الصادق (ت 148 هـ). ويجعل عبد القاهر البغدادي أول المتحدثين من الفقهاء أبوحنيفة النعمان ثم محمد بن إدريس الشافعي، ويذكر حتى لكل منهما كتاباً في الرد على القدرية. وما مضى إليه البغدادي من اعتبار أبي حنيفة والشافعي أصحاب كلام سليم لأننا نستطيع حتى نجد عندهما ممضىاً كلامياً متناسقاً.

يقول فخر الدين الرازي في التفسير الكبير أومفاتيح الغيب:
افهم أنه سبحانه لما أمر بعبادة الرب أردفه بما يشير على وجود الصانع وهوخلق المكلفين وخلق من قبلهم، وهذا يشير على أنه لا طريق إلى فهم الله تعالى إلا بالنظر والاستدلال وطعن قوم من الحشوية في هذه الطريقة ونطقوا الاشتغال بهذا الفهم بدعة ولنا في إثبات ممضىنا وجوه نقلية وعقلية وههنا ثلاث مقامات:

المقام الأول: في بيان فضل هذا الفهم وهومن وجوه:

أحدها: حتى شرف الفهم بشرف المعلوم فمهما كان المعلوم أشرف كان الفهم الحاصل به أشرف فلما كان أشرف المعلومات ذات الله تعالى وصفاته وجب حتىقد يكون الفهم المتعلق به أشرف العلوم.

وثانيها: حتى الفهم إما حتىقد يكون دينياً أوغير ديني، ولا شك حتى الفهم الديني أشرف من غير الديني، وأما الفهم الديني فإما حتىقد يكون هوفهم الأصول، أوما عداه، أما ما عداه فإنه تتوقف صحته على فهم الأصول، لأن المفسر إنما يبحث عن معاني كلام الله تعالى، وذلك فرع على وجود الصانع المختار المتحدث، وأما المحدث فإنما يبحث عن كلام رسول الله صلى الله عليه وسلم وذلك فرع على ثبوت نبوته صلى الله عليه وسلم، والفقيه إنما يبحث عن أحكام الله، وذلك فرع على التوحيد والنبوة، فثبت حتى هذه العلوم مفتقرة إلى فهم الأصول، والظاهر حتى فهم الأصول غني عنها فوجب حتىقد يكون فهم الأصول أشرف العلوم.

وثالثها: حتى شرف الشيء قد يظهر بواسطة خساسة ضده، فحدثا كان ضده أخس كان هوأشرف وضد فهم الأصول هوالكفر والبدعة، وهما من أخس الأمور، فوجب حتىقد يكون فهم الأصول أشرف الأمور.

ورابعها: حتى شرف الشيء قد يحدث بشرف موضوعه وقد يحدث لأجل شدة الحاجة إليه، وقد يحدث لقوة براهينه، وفهم الأصول مشتمل على الكل وذلك لأن فهم الهيئة أشرف من فهم الطب نظراً إلى حتى موضوع فهم الهيئة أشرف من موضوع فهم الطب، وإن كان الطب أشرف منه نظراً إلى حتى الحاجة إلى الطب أكثر من الحاجة إلى الهيئة، وفهم الحساب أشرف منهما نظراً إلى حتى براهين فهم الحساب أقوى. أما فهم الأصول فالمطلوب منه فهم ذات الله تعالى وصفاته وأفعاله، وفهم أقسام المعلومات من المعدومات والموجودات، ولا شك حتى ذلك أشرف الأمور، وأما الحاجة إليه فشديدة لأن الحاجة إما في الدين أوفي الدنيا، أما في الدين فشديدة لأن من عهد هذه الأمور استوجب الثواب العظيم والتحق بالملائكة، ومن جهلها استوجب العقاب العظيم والتحق بالشياطين. وأما في الدنيا فلأن مصالح العالم إنما تنتظم عند الإيمان بالصانع والبعث والحشر، إذ لولم يحصل هذا الإيمان لسقط الهرج والمرج في العالم، وأما قوة البراهين فبراهين هذا الفهم يجب حتى تكون مركبة من مقدمات يقينية هجريباً يقينياً وهذا هوالنهاية في القوة فثبت حتى هذا الفهم مشتمل على جميع جهات الشرف والفضل فوجب حتىقد يكون أشرف العلوم.

وخامسها: حتى هذا الفهم لا يتطرق إليه النسخ ولا التغيير، ولا يختلف باختلاف الأمم والنواحي بخلاف سائر العلوم، فوجب حتىقد يكون أشرف العلوم.

وسادسها: حتى الآيات المشتملة على مطالب هذا الفهم وبراهينها أشرف من الآيات المشتملة على المطالب الفقهية بدليل أنه اتى في فضيلة ﴿قل هوالله أحد﴾ [الإخلاص: 1] و﴿آمن الرسول﴾ [البقرة: 285] وآية الكرسي ما لم يجئ مثله في فضيلة قوله: ﴿ويسألونك عن المحيض﴾ [البقرة: 222] وقوله: ﴿ياأيها الذين آمنوا إذا تداينتم بدين﴾ [البقرة: 282] وذلك يشير على حتى هذا الفهم أفضل.

وسابعها: حتى الآيات الواردة في الأحكام الشرعية أقل من ستمائة آية، وأما البواقي ففي بيان التوحيد والنبوة والرد على عبدة الأوثان وأصناف المشركين، وأما الآيات الواردة في القصص فالمقصود منها فهم حكمة الله تعالى وقدرته على ما نطق: ﴿لقد كان في قصصهم عبرة لأولي الألباب﴾ [يوسف: 111] فدل ذلك على حتى هذا الفهم أفضل، ونشير إلى معاقد الدلائل: أما الذي يشير على وجود الصانع فالقرآن مملوء منه.

أولها: ما ذكر ههنا من الدلائل الخمسة وهي خلق المكلفين وخلق من قبلهم، وخلق السماء وخلق الأرض، وخلق الثمرات من الماء النازل من السماء إلى الأرض، وكل ما ورد في القرآن من عجائب السماوات والأرض، فالمقصود منه ذلك، وأما الذي يشير على الصفات.

أما الفهم فقوله: ﴿إن الله لا يخفى عليه شيء في الأرض ولا في السماء﴾ [آل عمران: 5] ثم أردفه بقوله: ﴿هوالذي يصوركم في الأرحام كيف من الممكن أن يشاء﴾ [آل عمران: 6] وهذا هوعين مرشد المتحدثين فإنهم يستدلون بأحكام الأفعال واتقانها على فهم الصانع، وههنا استدل الصانع سبحانه بتصوير الصور في الأرحام على كونه عالماً بالأمور، ونطق: ﴿ألا يفهم من خلق وهواللطيف الخبير﴾ [الملك: 14] وهوعين تلك الدلالة ونطق: ﴿وعنده مفاتح الغيب لا يفهمها إلا هو﴾ [الأنعام: 59] وذلك تنبيه على كونه تعالى عالماً بكل المعلومات، لأنه تعالى مخبر عن المغيبات فتقع تلك الأمور على وفق ذلك الخبر، فلولا كونه عالماً بالمغيبات وإلا لما سقط كذلك، وأما صفة القدرة فكل ما ذكر سبحانه من حدوث الثمار المتنوعة والحيوانات المتنوعة مع استواء الكل في الطبائع الأربع فذاك يشير على كونه سبحانه قادراً مختاراً لا موجباً بالذات، وأما التنزيه فالذي يشير على أنه ليس بجسم، ولا في مكان قوله: ﴿قل هوالله أحد﴾ فإن المركب مفتقر إلى أجزائه والمحتاج محدث، وإذا كان أحداً وجب حتى لاقد يكون جسماً وإذا لم يكن جسماً لم يكن في المكان، وأما التوحيد فالذي يشير عليه قوله: ﴿لوكان فيهما آلهة إلا الله لفسدتا﴾ و[الأنبياء: 22] قوله: ﴿إذا لابتغوا إلى ذي العرش سبيلا﴾ [الإسراء: 42] وقوله: ﴿ولعلا بعضهم على بعض﴾ [المؤمنون: 91] وأما النبوة فالذي يشير عليها قوله ههنا: ﴿وإن كنتم في ريب مما نزلنا على عبدنا فأتوا بسورة من مثله﴾ [البقرة: 23] وأما المعاد فقوله: ﴿قل يحييها الذي أنشأها أول مرة﴾ [يس: 79] وأنت لوفتشت فهم الكلام لم تجد فيه إلا تقرير هذه الدلائل والذب عنها ودفع المطاعن والشبهات القادحة فيها، أفترى حتى فهم الكلام يذم لاشتماله على هذه الأدلة التي ذكرها الله أولاشتماله على دفع المطاعن والقوادح عن هذه الأدلة ما أرى حتى عاقلاً مسلماً يقول ذلك ويرضى به.

وثانيها: حتى الله تعالى حكى الاستدلال بهذه الدلائل عن الملائكة وأكثر الأنبياء، أما الملائكة فلأنهم لما نطقوا: ﴿أتجعل فيها من يفسد فيها﴾ [البقرة: 30] كان المراد حتى خلق مثل هذا الشيء قبيح، والحكيم لا يعمل القبيح، فأجابهم الله تعالى بقوله: ﴿إني أفهم ما لا تفهمون﴾ والمراد إني لما كنت عالماً بكل المعلومات كنت قد فهمت في خلقهم وتكوينهم حكمة لا تفهمونها أنتم، ولا شك حتى هذا هوالمناظرة، وأما مناظرة الله تعالى مع إبليس فهي أيضاً ظاهرة وأما الأنبياء عليهم السلام فأولهم آدم عليه السلام وقد أظهر الله تعالى حجته على فضله بأن أظهر فهمه على الملائكة وذلك محض الاستدلال، وأما نوح عليه السلام فقد حكى الله تعالى عن الكفار قولهم: ﴿نطقوا يا نوح قد جادلتنا فأكثرت جدالنا﴾ [هود: 32] ومعلوم حتى تلك المجادلة ما كانت في تفاصيل الأحكام الشرعية بل كانت في التوحيد والنبوة، فالمجادلة في نصرة الحق في هذا الفهم هي حرفة الأنبياء، وأما إبراهيم عليه السلام فالاستقصاء في شرح أحواله في هذا الباب يطول وله مقامات:

أحدها: مع نفسه وهوقوله: ﴿فلما جن عليه الليل رأى كوكبا نطق هذا ربي فلما أفل نطق لا أحب الآفلين﴾ [الأنعام: 76] وهذا هوطريقة المتحدثين في الاستدلال بتغيرها على حدوثها، ثم إذا الله تعالى مدحه على ذلك، فنطق: ﴿وتلك حجتنا آتيناها إبراهيم على قومه﴾ [الأنعام: 82].

وثانيها: حاله مع أبيه وهوقوله: ﴿ياأبت لم تعبد ما لا يسمع ولا يبصر ولا يغني عنك شيئا﴾ [مريم: 42].

وثالثها: حاله مع قومه تارة بالقول وأخرى بالعمل، أما بالقول فقوله: ﴿ما هذه التماثيل التي أنتم لها عاكفون﴾ [الأنبياء: 52] وأما بالعمل فقوله: ﴿فجعلهم جذاذا إلا كبيرا لهم لعلهم إليه يرجعون﴾ [الأنبياء: 58].

ورابعها: حاله مع ملك زمانه في قوله: ﴿ربي الذي يحيي ويميت نطق أنا أحيي وأميت﴾ [البقرة: 258] إلى آخره، وكل من سلمت فطرته فهم حتى فهم الكلام ليس إلا تقرير هذه الدلائل ودفع الأسئلة والمعارضات عنها، فهذا كله درس إبراهيم عليه السلام في المبدأ، وأما بحثه في المعاد فنطق: ﴿رب أرني كيف من الممكن أن تحي الموتى﴾ [البقرة: 260] إلى آخره، وأما موسى عليه السلام فانظر إلى مناظرته مع فرعون في التوحيد والنبوة، أما التوحيد فافهم حتى موسى عليه السلام إنما يعول في أكثر الأمر على دلائل إبراهيم عليه السلام؛ وذلك لأن الله تعالى حكى في سورة طه: ﴿نطق فمن ربكما ياموسى نطق ربنا الذي منح جميع شيء خلقه ثم هدى﴾ [طه: 49، 50] وهذا هوالدليل الذي ذكره إبراهيم عليه السلام في قوله: ﴿الذي خلقني فهويهدين﴾ [الشعراء: 78] ونطق في سورة الشعراء ﴿ربكم ورب آبائكم الأولين﴾ [الشعراء: 26] وهذا هوالذي نطقه إبراهيم: ﴿ربي الذي يحيي ويميت﴾ [البقرة: 258] فلما لم يكتف فرعون بذلك وطالبه بشيء آخر نطق موسى: ﴿رب المشرق والمغرب﴾ [الشعراء: 28] فهذا ينبهك على حتى التمسك بهذه الدلائل حرفة هؤلاء المعصومين، وأنهم كما استفادوها من عقولهم فقد توارثوها من أسلافهم الطاهرين، وأما استدلال موسى على النبوة بالمعجزة ففي قوله: ﴿أولوجئتك بشيء مبين﴾ وهذا هوالاستدلال بالمعجزة على الصدق، وأما محمد عليه الصلاة والسلام فاشتغاله بالدلائل على التوحيد والنبوة والمعاد أظهر من حتى يحتاج فيه إلى التطويل، فإن القرآن مملوء منه، ولقد كان عليه السلام مبتلى بجميع فرق الكفار.

فالأول: الدهرية الذين كانوا يقولون: ﴿وما يهلكنا إلا الدهر﴾ [الجاثية: 24] والله تعالى أبطل قولهم بأنواع الدلائل.

والثاني: الذين ينكرون القادر المختار، والله تعالى أبطل قولهم بحدوث أنواع النبات وأصناف الحيوانات مع اشتراك الكل في الطبائع وتأثيرات الأفلاك، وذلك يشير على وجود القادر.

والثالث: الذين أثبتوا شريكا مع الله تعالى، وذلك الشريك إما حتىقد يكون علويا أوسفليا، أما الشريك العلوي فمثل من جعل الكواكب مؤثرة في هذا العالم، والله تعالى أبطله بدليل الخليل في قوله: ﴿فلما جن عليه الليل﴾ [الأنعام: 76] وأما الشريك السفلي فالنصارى نطقوا بإلاهية المسيح، وعبدة الأوثان نطقوا بإلاهية الأوثان، والله تعالى أكثر من الدلائل على فساد قولهم.

الرابع: الذين طعنوا في النبوة وهم فريقان:

أحدهما: الذين طعنوا في أصل النبوة وهم الذين حكى الله عنهم أنهم نطقوا: ﴿أبعث الله بشرا رسولا﴾ [الإسراء: 94].

والثاني: الذين سلموا أصل النبوة وطعنوا في نبوة محمد صلى الله عليه وسلم، وهم اليهود والنصارى، والقرآن مملوء من الرد عليهم، ثم إذا طعنهم من وجوه تارة بالطعن في القرآن فأجاب الله بقوله: ﴿إن الله لا يستحيي حتى يضرب مثلا ما بعوضة﴾ [البقرة: 26] وتارة بالتماس سائر المعجزات كقوله: ﴿ونطقوا لن نؤمن لك حتى تفجر لنا من الأرض ينبوعا﴾ [الإسراء: 90]، وتارة بأن هذا القرآن هبط نجما نجما، وذلك يوجب تطرق التهمة إليه، فأجاب الله تعالى عنه بقوله: ﴿كذلك لنثبت به فؤادك﴾ [الفرقان: 32].

الخامس: الذين نازعوا في الحشر والنشر، والله تعالى أورد على صحة ذلك وعلى إبطال قول المنكرين أنواعاً كثيرة من الدلائل.

السادس: الذين طعنوا في التكليف تارة بأنه لا فائدة فيه، فأجاب الله عنه بقوله: ﴿إن أحسنتم أحسنتم لأنفسكم وإن أسأتم فلها﴾ [الإسراء: 7]، وتارة بأن الحق هوالجبر، وأنه ينافي صحة التكليف، وأجاب الله تعالى عنه بأنه ﴿لا يسأل عما يعمل وهم يسألون﴾ [الأنبياء: 23]، وإنما اكتفينا في هذا المقام بهذه الإشارات المختصرة؛ لأن الاستقصاء فيها مذكور في جملة هذا الكتاب، وإذا ثبت حتى هذه الحرفة هي حرفة جميع الأنبياء والرسل فهمنا حتى الطاعن فيها إما حتىقد يكون كافرا أوجاهلا.

المقام الثاني: في بيان حتى تحصيل هذا الفهم من الواجبات، ويدل عليه المعقول والمنقول.

أما المعقول: فهوأنه ليس تقليد البعض أولى من تقليد الباقي، فأما حتى يجوز تقليد الكل فيلزمنا تقليد الكفار، وإما حتى يوجب تقليد البعض دون البعض فيلزم حتى يصير الرجل مكلفاً بتقليد البعض دون البعض من غير حتىقد يكون له سبيل إلى أنه لم قلد أحدهما دون الآخر، وإما حتى لا يجوز التقليد أصلاً وهوالمطلوب، فإذا بطل التقليد لم يبق إلا هذه الطريقة النظرية.

وأما المنقول فيدل عليه الآيات والأخبار، أما الآيات:

فأحدها: قوله: ﴿ادع إلى سبيل ربك بالحكمة والموعظة الحسنة وجادلهم بالتي هي أحسن﴾ [النحل: 125]، ولا شك حتى المراد بقوله بالحكمة أي بالبرهان والحجة، فكانت الدعوة بالحجة والبرهان إلى الله تعالى مأموراً بها، وقوله: ﴿وجادلهم بالتي هي أحسن﴾ ليس المراد منه المجادلة في فروع الشرع لأن من أنكر نبوته فلا فائدة في الخوض معه في تفاريع الشرع، ومن أثبت نبوته فإنه لا يخالفه، عملمنا حتى هذا الجدال كان في التوحيد والنبوة، فكان الجدال فيه مأموراً به ثم إنا مأمورون باتباعه عليه السلام لقوله: ﴿فاتبعوني يحببكم الله﴾ [آل عمران: 31]، ولقوله: ﴿لقد كان لكم في رسول الله أسوة حسنة﴾ [الأحزاب: 21]، فوجب كوننا مأمورين بذلك الجدال.

وثانيها: قوله تعالى: ﴿ومن الناس من يجادل في الله بغير فهم﴾ [الحج: 3،ثمانية لقمان: 20] ذم من يجادل في الله بغير فهم وذلك يقتضي حتى المجادل بالفهم لاقد يكون مذموماً بلقد يكون ممدوحاً وأيضاً حكى الله تعالى ذلك عن نوح في قوله: ﴿نطقوا يانوح قد جادلتنا فأكثرت جدالنا﴾ [هود: 32].

وثالثها: حتى الله تعالى أمر بالنظر فنطق: ﴿أفلا يتدبرون القرآن﴾ [النساء: 82]، ﴿أفلا ينظرون إلى الإبل كيف من الممكن أن خلقت﴾ [الغاشية: 17]، ﴿سنريهم آياتنا في الآفاق وفي أنفسهم﴾ [فصلت: 53]، ﴿أولم يروا أنا نأتي الأرض ننقصها من أطرافها﴾ [الرعد: 41]، ﴿قل انظروا ماذا في السماوات والأرض﴾ [يونس: 101]، ﴿أولم ينظروا في ملكوت السماوات والأرض﴾ [الأعراف: 185].

ورابعها: حتى الله تعالى ذكر التفكر في معرض المدح فنطق: ﴿إن في ذلك لذكرى لأولي الألباب﴾ [الزمر: 21]، ﴿إن في ذلك لعبرة لأولي الأبصار﴾ [آل عمران: 13]، ﴿إن في ذلك لآيات لأولي النهى﴾ [طه: 54، 128]، وأيضا ذم المعرضين فنطق: ﴿وكأين من آية في السماوات والأرض يمرون عليها وهم عنها معرضون﴾ [يوسف: 105]، ﴿لهم قلوب لا يفقهون بها﴾ [الأعراف: 179].

وخامسها: أنه تعالى ذم التقليد ، فنطق حكاية عن الكفار: ﴿وكذلك ما أوفدنا من قبلك في قرية من نذير﴾ [الزخرف: 23]، ونطق: ﴿بل نتبع ما وجدنا عليه آباءنا﴾ [لقمان: 21]، ونطق: ﴿بل وجدنا آباءنا كذلك يعملون﴾ [الشعراء: 74]، ونطق: ﴿إن كاد ليضلنا عن آلهتنا لولا حتى صبرنا عليها﴾ [الفرقان: 42]، ونطق عن والد إبراهيم عليه السلام: ﴿لئن لم تنته لأرجمنك واهجرني مليا﴾ وكل ذلك يشير على وجوب النظر والاستدلال والتفكر وذم التقليد، فمن نادى إلى النظر والاستدلال كان على وفق القرآن ودين الأنبياء، ومن نادى إلى التقليد كان على خلاف القرآن وعلى وفاق دين الكفار.

وأما الأخبار ففيها كثرة، ولنذكر منها وجوهاً:

أحدها: ما روى الزهري عن سعيد بن المسيب عن أبي هريرة نطق: «اتى رجل من بني فزارة إلى النبي صلى الله عليه وسلم، فنطق إذا امرأتي وضعت غلاماً أسود فنطق له هل لك من إبل، فنطق: نعم نطق: فما ألوانها نطق حمر نطق: فهل فيها من أورق،يا ترى؟ نطق: نعم. نطق: فأنى ذلك، نطق: عسى حتىقد يكون قد نزعه عرق نطق: وهذا عسى حتىقد يكون نزعه عرق» وافهم حتى هذا هوالتمسك بالإلزام والقياس.

وثانيها: عن أبي هريرة نطق: نطق عليه الصلاة والسلام: "نطق الله تعالى: كذبني ابن آدم ولم يكن له حتى يكذبني، وشتمني ابن آدم ولم يكن له حتى يشتمني. أما تكذيبه إياي فقوله: لن يعيدني كما بدأني، وليس أول خلقه بأهون على من إعادته، وأما شتمه إياي فقوله: اتخذ الله ولداً وأنا الله الأَحد الصمد لم ألد ولم أولد ولم يكن لي كفواً أحد" فانظر كيف من الممكن أن احتج الله تعالى في المقام الأول بالقدرة على الابتداء، على القدرة على الإعادة، وفي المقام الثاني احتج بالأحدية على نفي الجسمية والوالدية والمولودية.

وثالثها: روى عبادة بن الصامت أنه عليه السلام نطق: "من أحب لقاء الله أحب الله لقاءه، ومن كره لقاء الله كره الله لقاءه" فنطقت عائشة: يا رسول الله إنا نكره الموت فذاك كراهتنا لقاء الله،يا ترى؟ فنطق عليه السلام: "لا ولكن المؤمن أحب لقاء الله فأحب الله لقاءه، والكافر كره لقاء الله فكره الله لقاءه" وكل ذلك يشير على حتى النظر والفكر في الدلائل مأمور به.

المعارضين

وفي لقاء هؤلاء برزت طائفة من الفهماء نادت بمنع الخوض في فهم الكلام كراهة أوتحريماً، مثلما هوممضى بعض الفقهاء وأهل الحديث الذين عللوا ذلك بأنه مثار للشبهات والفتن، وطريق للابتداع، ومن أبرزهم:

  • أبوحنيفة حظر على طلابه الانخراط في الكلام، واصفا أولئك الذين يمارسونه بأنهم "المتخلفين منها".
  • مالك بن أنس الذي أشار إلى الكلام في الدين الإسلامي بأنه "مكروه"، وأشار إلى حتى أيا كان من "يسعى إلى فهم الدين من خلال الكلام أنه منحرف".
  • الشافعي نطق إنه لا فهم له بأن الإسلام يمكن الحصول للفائدة من خط الكلام، والكلام "ليس من الفهم" ونطق "لأن يلقى الله العبد بكل ذنب إلا الشرك خير من حتى يلقاه بشيء من الأهواء".
  • أحمد بن حنبل تحدث أيضا بقوة ضد الكلام، مشيرا إلى أنه: "لا تكاد ترى أحدا نظر في هذا الرأي إلا وفي قلبه دغل". حتى مضى لما هوأبعد من ذلك حتى أنه حظر الجلوس مع أناس يمارسون الكلام حتى لوكانوا يدافعون عن السنة، حيث أنه أرشد طلابه للتحذير ضد أي إنسان رأوه يمارس الكلام.
  • في القرن الحادي والعشرين، انتقاد الكلام أيضا يأتي من الحركة السلفية.

المحايدين

ونجد فريقا آخر توسط بين المعارضة المطلقة والتأييد المطلق لفهم الكلام وهؤلاء يميزون بين موضوعات فهم الكلام، فمنه الكلام المحمود ومنه الكلام المذموم، وأيضا من حيث المشتغلين به والممنوعين من الاشتغال به. والكلام المحمود هوالمباحث الخاصة بإثبات الواجب لله تعالى وصفاته والنبوة والمعاد على قانون الإسلام، وهذه المسائل أصل العلوم الشرعية وأساسها وهي تفصيل الإيمان بالله تعالى وملائكته وخطه ورسله واليوم الآخر على الإيقان والإتقان. وهذه المباحث المذكورة لتقوية الكتاب والسنة لا لمخالفتها فلا حرمة ولا كراهة فيها، بل هي فرض، عملم هذه المباحث على وجه الإجمال فرض عين على جميع مسلم وعلى وجه التفصيل من فروض الكفاية. وأيضا فيه حراسة العقيدة على العوام، وحفظها عن التشويشات المبتدعة وهذه من فروض الكفايات، ولقد رأى الغزالي حتى دراسة فهم الكلام من فروض الكفايات كالقيام بحراسة الأموال وسائر الحقوق كالقضاء والولاية وغيرهما، وليس في مجرد الطباع كفاية تحل شُبه البدعة ما لم تتفهم، فينبغي حتىقد يكون التدريس فيه من فروض الكفايات، لكن ليس من الصواب تدريسه على العوام كتدريس والفقه والتفسير فإن الكلام مثل الدواء، والفقه والتفسير مثل الغذاء، وضرر الغذاء لا يحذر وضرر الدواء محذور. أي حتى فهم الكلام مباح عند الحاجة إليه في إزالة الشكوك في أصول العقائد والدفاع عن الدين ضد شبه المبتدعين ورد حججهم والكشف عن أمور مخالفة للسنة فلهجوا بها، وكادوا يشوشون عقيدة أهل الحق على أهلها، فأنشأ الله طائفة المتحدثين وحرك دوافعهم لنصرة السنة المأثورة بكلام مرتب يكشف عن تلبيسات أهل البدعة المحدثة على خلاف السنة المأثورة، فمنه نشأ الكلام وأهله. وعلى هذا فإن فهم الكلام مباح عند الحاجة، ويجب حتى يؤخذ منه بقدر الحاجة وأن يقتصر فيه على الجلي الظاهر وعدم التعمق في الأبحاث والتفريعات.

أما المذموم من فهم الكلام فهوالكلام المخالف للكتاب والسنة كإدخال مسائل لا توافق الكتاب والسنة أوإثبات مسائل على وجه لا يوافق الكتاب والسنة.

ويذكر سعد الدين التفتازاني في شرحه على العقائد النسفية طوائف أربعة تمنع من الاشتغال بفهم الكلام وهي تمثل الكلام المذموم:

  1. من هومتعصب يقصد به ترويج ممضىه فيحرم لذلك تحقيق الحق في مطالبه.
  2. من لم يرزق فطنة تفي بتحصيل اليقين فنظره في مباديه يفضي إلى التشكيك في قواعد الدين عمليه حتى يتسم بسمة العاجز، ويتدين بدين العجائز.
  3. من هومعوج في الدين مخطئ طريق اليقين، مغرضه من الاشتغال بمقاصده والتمكن من إبطاله ورده.
  4. من يتوغل في الخوض في الحكمة فيقع في ظلمات الفلسفة فربما يعجب بفكره ورأيه والحق من ورائه.

وعلى هذا فإن فهم الكلام عند هؤلاء ليس محموداً لذاته أومذموماً لذاته بل هوكما يقول الغزالي: "إن فيه منفعة وفيه مضرة فهوباعتبار منفعته في وقت الانتفاع حلال أومندوب إليه أوواجب كما يقتضيه الحال وهوباعتبار مضرته في وقت الاستضرار ومحله حرام".

فهم الكلام المحمود

هوما كان من أجل تقرير الحق وهومهنة الأنبياء في الدفاع عن العقيدة، نطق تعالى: Ra bracket.png قَالُوا يَا نُوحُ قَدْ جَادَلْتَنَا فَأَكْثَرْتَ جِدَالَنَا فَأْتِنَا بِمَا تَعِدُنَا إِنْ كُنْتَ مِنَ الصَّادِقِينَ Aya-32.png La bracket.png نطق الحافظ ابن كثير في تفسيره لهذه الآية: "يقول تعالى مخبراً عن استعجال قوم نوح نقمة الله وعذابه وسخطه، والبلاء موكل بالمنطق: {نطقوا يا نوح قد جادلتنا فأكثرت جدالنا أي: حاججتنا، فأكثرت من ذلك". ويقول الله أيضاً: Ra bracket.png ادْعُ إِلَى سَبِيلِ رَبِّكَ بِالْحِكْمَةِ وَالْمَوْعِظَةِ الْحَسَنَةِ وَجَادِلْهُمْ بِالَّتِي هِيَ أَحْسَنُ إِنَّ رَبَّكَ هُوَ أَعْلَمُ بِمَنْ ضَلَّ عَنْ سَبِيلِهِ وَهُوَ أَعْلَمُ بِالْمُهْتَدِينَ Aya-125.png La bracket.png وهذا النوع من الجدل هوأول خطوات الحوار، فقد وردت لفظتا الجدل والحوار في آية واحدة في سورة المجادلة: Ra bracket.png قَدْ سَمِعَ اللَّهُ قَوْلَ الَّتِي تُجَادِلُكَ فِي زَوْجِهَا وَتَشْتَكِي إِلَى اللَّهِ وَاللَّهُ يَسْمَعُ تَحَاوُرَكُمَا إِنَّ اللَّهَ سَمِيعٌ بَصِيرٌ Aya-1.png La bracket.png، فالمرأة هنا تجادل الرسول وتراجعه وتشتكي إلى الله.

فهم الكلام المذموم

فهوما يتعلق بالباطل وطلب المغالبة فيه، وقد أشار إليه القرآن في قوله تعالى: Ra bracket.png مَا يُجَادِلُ فِي آَيَاتِ اللَّهِ إِلَّا الَّذِينَ كَفَرُوا فَلَا يَغْرُرْكَ تَقَلُّبُهُمْ فِي الْبِلَادِ Aya-4.png La bracket.png، وقوله تعالى: Ra bracket.png وَمَا نُرْسِلُ الْمُرْسَلِينَ إِلَّا مُبَشِّرِينَ وَمُنْذِرِينَ وَيُجَادِلُ الَّذِينَ كَفَرُوا بِالْبَاطِلِ لِيُدْحِضُوا بِهِ الْحَقَّ وَاتَّخَذُوا آَيَاتِي وَمَا أُنْذِرُوا هُزُوًا Aya-56.png La bracket.png.

"الكلام المذموم كلام أصحاب الأهوية وما يزخرفه أرباب البدع المردية، فأما الكلام الموافق للكتاب والسنة المشروح لحقائق الأصول عند ظهور الفتنة فهومحمود عند الفهماء ومن يفهمه، وقد كان الشافعي يحسنه ويفهمه، وقد تحدث مع غير واحد ممن ابتدع، وأقام الحجة عليه حتى انبتر".

– ابن عساكر، تبيين كذب المفتري فيما نسب إلى الإمام أبي الحسن الأشعري

وقد قدم لنا ابن حزم الأندلسي في نهاية كتابه "التقريب لحد المنطق" عرضاً مسهباً لأهم قواعد الجدل وآداب المناظرة، فبيّن الفارق الكبير بين الجدل والسفسطة، وأظهر ضرورة التمييز بين الجدل الممدوح والجدل المذموم. والجدل الممدوح في رأيه واجب الأداء لمنقد يكون قادراً عليه إحقاقاً للحق، وإقامة للحجة الإسلامية، وهوذلك الذي أوصانا به الله تعالى في قوله: {ولا تجادلوا أهل الكتاب إلا بالتي هي أحسن إلا الذين ظلموا منهم فأمر الله عز وجل بضرورة المناظرة، مع الرفق والإنصاف في الجدال، وهجر التعسف والبذاء والاستطالة. وأما الجدل المذموم فقد عبر عنه ابن حزم في موضع آخر في كتابه الإحكام في أصول الأحكام، وهوالذي يجادل فيه المجادل من غير فهم ولا حجة، أويجادل بعد حتى ظهر الدليل واستقامت الحجة، ولذلك يقسم ابن حزم الجدل المذموم إلى قسمين، فيقول: "المذموم وجهان: أحدهما من جادل بغير فهم، والثاني من جادل ناصراً للباطل بشغب وتمويه بعد ظهور الحق إليه وفي هذا بيان حتى الحق في واحد وأنه لا شيء إلا ما قامت عليه حجة العقل وهؤلاء المذمومون هم الذين نطق الله تعالى فيهم: Ra bracket.png أَلَمْ تَرَ إِلَى الَّذِينَ يُجَادِلُونَ فِي آَيَاتِ اللَّهِ أَنَّى يُصْرَفُونَ Aya-69.png La bracket.png وقوله تعالى: Ra bracket.png وَمِنَ النَّاسِ مَنْ يُجَادِلُ فِي اللَّهِ بِغَيْرِ عِلْمٍ وَيَتَّبِعُ كُلَّ شَيْطَانٍ مَرِيدٍ Aya-3.png La bracket.png وقوله تعالى: Ra bracket.png وَمِنَ النَّاسِ مَنْ يُجَادِلُ فِي اللَّهِ بِغَيْرِ عِلْمٍ وَلَا هُدًى وَلَا كِتَابٍ مُنِيرٍ Aya-8.png ثَانِيَ عِطْفِهِ لِيُضِلَّ عَنْ سَبِيلِ اللَّهِ لَهُ فِي الدُّنْيَا خِزْيٌ وَنُذِيقُهُ يَوْمَ الْقِيَامَةِ عَذَابَ الْحَرِيقِ Aya-9.png La bracket.png وبقوله تعالى: Ra bracket.png مَا يُجَادِلُ فِي آَيَاتِ اللَّهِ إِلَّا الَّذِينَ كَفَرُوا فَلَا يَغْرُرْكَ تَقَلُّبُهُمْ فِي الْبِلَادِ Aya-4.png كَذَّبَتْ قَبْلَهُمْ قَوْمُ نُوحٍ وَالْأَحْزَابُ مِنْ بَعْدِهِمْ وَهَمَّتْ كُلُّ أُمَّةٍ بِرَسُولِهِمْ لِيَأْخُذُوهُ وَجَادَلُوا بِالْبَاطِلِ لِيُدْحِضُوا بِهِ الْحَقَّ فَأَخَذْتُهُمْ فَكَيْفَ كَانَ عِقَابِ Aya-5.png La bracket.png فبين تعالى كما ترى حتى الجدال المحرم هوالجدال الذي يجادل به لينصر الباطل ويبطل الحق بغير فهم".

وابن حزم يحدثنا في موضع آخر عن هذا النوع من الجدال فيقول إنه ليس أبعد عن جادة الصواب من أولئك الذين يتبجّحون بقدرتهم في الجدل، فيقرر الواحد منهم أنه قادر على حتى يجعل الحق باطلاً والباطل حقاً، وأمثال هؤلاء - في رأي ابن حزم - سفلة أرذال، أهل كذب وشر ومخرقة، لأنه ليس في قدرة مخلوق أصلاً حتى يحيل الخطأ صواباً، والصواب خطأ، إلا حتىقد يكون من ضعف العقل وقلة الفهم بحيث يختلط عليه الحق بالباطل والباطل بالحق، ولعل هذا هوالسر في جميع تلك الجدليات الفاسدة والشغبيات الساقطة التي طالما حفلت بها مجالس المتناظرين. وأما الشرط الأول لقيام المناظرة - في رأي ابن حزم - فهوحتىقد يكون المتناظران طالبي حقيقة، لا مجرد متصارعين يريد جميع واحد منهما حتىقد يكون هوالغالب لا المغلوب! فإذا اتفق حتىقد يكون المتناظران هكذا، فتلك مناظرة فاضلة حميدة العاقبة يوشك حتى تنحل عن خير مضمون. وأما إذا كان المتناظران غالطين أومغالطين، أوكان أحدهما جاهلاً مكابراً، والثاني غالطاً أومغالطاً، فتلك مناظرة يكثر فيها الشغب والصخب والغضب، ولاقد يكون فيها منفعة. ومعنى هذا أنه لا بد للمتجادلين من حتىقد يكونا مخلصين في طلب الحق، بحيث لا يبغي واحد منهما بجدله مجرد الفوز على خصمه، أوالاستطالة عليه بلسانه، بل طلب الحق لذاته، والتزام الإنصاف الذي هوغاية العدل في المناظرة. وابن حزم نفسه يسارع إلى الاعتراف بأنه على استعداد للتخلي عن رأيه، إذا تبيّن له خطأ ما استمسك به، أوصواب ما نطق به مُخالفه.

دفع شبهات حول فهم الكلام

كتاب التبيان في الرد على من ذم فهم الكلام للشيخ جمال صقر.

تجددت في العصر الحديث دعوات تُلحق فهم الكلام بالبدع المنكرة، وأن الاشتغال به حرام لأنه مبني على غير الكتاب والسنة، وأن استمداده من آراء الفلاسفة والوثنيين، وأن الاكتفاء بالكتاب والسنة هوالحصن لطالبي العقيدة السليمة. ومن ثم رُمى أهل السنة والجماعة من الأشاعرة والماتريدية بأنهم أهل التعطيل أوأهل التأويل المذموم أوأنهم جهمية، إلى غير ذلك من ألقاب، في محاولة لصرف المسلمين عامة وطلبة الفهم خاصة عن ممضى أهل السنة والجماعة، وتعلقت هذه الدعوات بشبهات يحاولون حتى يصوٌروا بها فهم الكلام كأنه من العلوم المذمومة التي لا تحل دراستها، ولا تحل القراءة فيها، وأن الاكتفاء بنصوص الكتاب والسنة المجردة هي الأصل الأصيل الذي لا بديل عنه ولا سبيل سواه. وينقلون بعض عبارات للسلف الصالح فيها النهي عن الخوض في فهم الكلام، ويحملونها على غير وجهها إما لجهل أولإضلال الناس عن المقاصد السليمة لهذه النصوص والعبارات. ومن أمثلة الأقوال التي يستدلون بها قول الإمام الشافعي: "لوعَلِمَ الناس ما في الكلام من الأهواء لفرّوا منه كما يفرون من الأسد، ولأن يلقى الله تعالى العبد بكل ذنب سوى الإشراك بالله خير له من حتى يلقاه بشيء من الكلام". وكلام الإمام الشافعي هنا محمول - كما يقول الإمام البيهقي - على كلام المبتدعة كحفص الفرد، وهومن الجبرية، بدليل حتى الإمام الشافعي نفسه قد ناظرهم وجادلهم وأقام الحجة عليهم. ويقول الإمام ابن عساكر في كتابه تبيين كذب المفتري ما صورته: "كان الشافعي يحسن الكلام، وقد نطق: أحكمنا ذلك قبل هذا، أي الكلام قبل الفقه، وتحدث مع غير واحد ممن ابتدع، وأقام الحجة عليهم وبتر". وكذلك جميع ما ورد عن السلف من أمثال هذه الأقوال محمول على كلام من خالف أهل السنة من القدرية والجبرية والمشبهة والمجسمة وغيرهم.

وفهم الكلام قد اشتمل في بعض مباحثه وأبوابه على الفلسفة، وهذا شيء طبيعي إذا نظرنا إلى ظروف نشأة هذا الفن. وحول هذا يقول الإمام التفتازاني في شرحه على العقائد النسفية: "ثم لما نُقلت الفلسفة إلى العربية، وخاض فيها الإسلاميون، حاولوا الرد على الفلاسفة فيما خالفوا فيه الشريعة، فخلطوا بالكلام كثيراً من الفلسفة ليتحققوا مقاصدها فيتمكنوا من إبطالها وهلم جرّا، إلى حتى أدرجوا فيه معظم الطبيعيات والإلهيات، وخاضوا في الرياضيات، حتى كاد لا يتميز عن الفلسفة لولا اشتماله على السمعيات، وهذا هوكلام المتأخرين. وبالجملة هوأشرف العلوم، لكونه أساس الأحكام الشرعية ورئيس العلوم الدينية، وكون معلوماته العقائد الإسلامية، وغايته الفوز بالسعادات الدينية والدنيوية، وبراهينه الحجج البترية المؤيد أكثرها بالأدلة السمعية. وما نُقِل عن بعض السلف من الطعن فيه والمنع عنه فإنما هوللمتعصب في الدين والقاصر عن تحصيل اليقين، والقاصد إفساد عقائد المسلمين، والخائض فيما لا يفتقر إليه من غوامض المتفلسفين. وإلا فكيف يتصور المنع عما هومن أصل الواجبات وأساس المشروعات".

فلم يكن اشتغال فهماء الكلام واطلاعهم على مباحث الفلسفة من باب الانصراف عن الكتاب والسنة أوالإعراض عنهما ولكنه من باب استعمال الأدلة العقلية (الفلسفة والمنطق) في إثبات الشريعة والاحتجاج على المنكرين من أهل الفلسفة أنفسهم. لذلك أسس فهماء المسلمين هذا الفن، لكي يدفعوا به شبهات المعارضين والمشككين في الإسلام، والذين لا يؤمنون بالكتاب ولا يقرون بنبوة النبي محمد، ولا البعث ولا الحساب.

وقد اشتغل بفهم الكلام كبار فهماء الأمة، مثل: أبوحنيفة، والشافعي، والأشعري (وله رسالة بعنوان "استحسان الخوض في فهم الكلام")، والماتريدي، والبيهقي، والقشيري، والباقلاني، وإمام الحرمين الجويني، وحجة الإسلام الغزالي، وفخر الدين الرازي، وناصر الدين البيضاوي، وسيف الدين الآمدي،وعضد الدين الإيجي، وسعد الدين التفتازاني، وفخر الدين الخبيصي، وأبوقاسم الأنصاري، وأبوالمعين النسفي، وأبوالوليد الباجي، وأبوإسحاق الإسفراييني، وأبوالمظفر الإسفراييني، وعبد القاهر البغدادي، وابن فورك، وابن الجوزي،وابن حزم،وابن خمير السبتي، ومحمد بن يوسف السنوسي، وأحمد الدردير، وإبراهيم اللقاني، وإبراهيم الباجوري، وغيرهم من أئمة المسلمين. عملم الكلام شأنه شأن سائر علوم الشريعة، يجب على المسلمين وجوباً كفائياً حتى يتفهموه حتى يتمكنوا من دفع شبهات المشككين. وقد صنّف الإمام البخاري إمام الحفاظ والمحدثين (ت 256 هـ) كتاب (خلق أفعال العباد)، وصنَّف المحدث نعيم بن حماد (ت 228 هـ) كتاباً في الردّ على الجهمية وغيرهم، وصنَّف المحدّث محمد بن أسلم الطوسي (ت 242 هـ) - وهومن أقران الإمام أحمد - أيضاً في الردّ على الجهمية. وقد ردّ على المعتزلة فأجاد بالتأليف ثلاثة من فهماء السنّة من أقران الإمام أحمد بن حنبل، وهم: الحارث المحاسبي، والحسين الكرابيسي، وعبد الله بن سعيد بن كلاب.

  • نطق الإمام بهاء الدين الإخميمي في (رسالة في الرد على ابن تيمية في مسألة حوادث لا أول لها): "وأما ذم الشافعي وغيره فهم الكلام فمُرادهم بفهم الكلام بإجماع المسلمين هو: الكلام النافي عن الله ما عُلِمَ ثبوته له بكتابه عز وجل، أوبسنة نبيه ، أوبإجماع أمته، أوبدليل عقلي تنتهي مقدماته إلى الضروريات، أوالمثبت لله ما لم يُعلَم بواحد من هذه الطرق الأربعة! وأما الكلام المثبِت لما يجب لله، النافي لما يستحيل على الله، المتوقف على ما لم يُعلَم امتثالاً، لِنَهيِه عز وجل عن اتباع الظن، ولقوله : "إن الله سَكَت عن أشياء رحمةً بكم غير نسيان فلا تبحثوا عنها"، فلم يَدّعِ تحريمه المطلق إلا مبتدع يخاف حتى تُبْطَل شُبهَتُه وأن تُرَد عليه...".

وقد عقب الشيخ سعيد فودة على كلام الإمام الإخميمي فنطق:

  • ونطق العلامة بدر الدين الزركشي في كتابه (تشنيف المسامع): "إن الأئمة انتدبوا للرد على أهل البدع والضلال، وقد صنَّف الشافعي كتاب (القياس) رد فيه على من نطق بقِدَم العالم من الملحدين، وكتاب (الرد على البراهمة) وغير ذلك، وأبوحنيفة كتاب (الفقه الأكبر) وكتاب (العالم والمتعلّم) رد فيه على المخالفين، وكذلك مالك سئل عن مسائل هذا الفهم فأجاب عنها بالطريق القويم، وكذلك الإمام أحمد".
  • ونطق العلامة الكوثري في تعليقه على (بيان زغل الفهم) ما نصه: "والحق حتى عقيدة السنة في الإسلام واحدة سلفاً وخلفاً لا تتغير ولا تتبدل بل الذي يتجدد هوطريق الدفاع عنها بالنظر لخصومها المتجددة، وذم فهم الكلام ممن كان في موضع الإمامة من السلف محمول حتماً على كلام أهل البدع وخوض العامي فيه، نطق الأستاذ أبوالقاسم القشيري وأجاد: لا يجحد فهم الكلام إلا أحد رجلين جاهل رَكَنَ إلى التقليد وشقَّ عليه سلوك طرق أهل التحصيل وخلا عن طرق أهل النظر والناس أعداء ما جهلوا فلما انتهى عن التحقق بهذا الفهم نهى الناس ليضل كما ضل، أورجل يعتقد مذاهب فاسدة فينطوي على بدع خفية يلبس على الناس عوار ممضىه ويعمى عليهم فضائح عقيدته ويفهم حتى أهل التحصيل من أهل النظر هم الذين يهتكون الستر عن بدعه ويظهرون للناس قبح منطقاته، والقلاب لا يحب من يميز النقود والخلل فيما في يده من النقود الفاسدة كالصراف ذي التمييز والبصيرة وقد نطق تعالى: ﴿هل يستوي الذين يفهمون والذين لا يفهمون﴾ [الزمر: 9]".
  • ونطق الأستاذ الدكتور سعيد فودة في كتابه (بحوث في فهم الكلام): "...ومن المرفوض حتى ينطق إذا الفهم الذي يوصل إلى هذه الغايات النبيلة هوفهم مرذول، بل من نطق بهذا لا يعي ما يقول، لأن الفهم الذي يوصل إلى ما ذكرنا يجب حتىقد يكون في أعلى مراتب العلوم، وهوكذلك في حقيقته عند كبار الفهماء من أهل الحق. فلا تغتر بمن ينفرك عن هذا الفهم بتخييله إليك أنه من البدع؛ فهل الوصول إلى الخير من البدع، وهل من البدع التسلٌح بأسلحة نقاوم بها الكفر في النفس، وندرأ بها الكفر عن الغير، ونرد بها الكفر عن حتى يدمر الخير والحق والدين العظيم!!! وكل من لديه أدنى فهم بهذا الفهم، يدرك عملا كم هي فائدته حقا في طمأنينة النفس، وانكشاف الحقيقة لديها، وفي إفحام الخصوم المشككين من أهل البدع والكفر. وبدراسة هذا الفهم، يتبيٌن الإنسان عملاً حتى الإسلام هوالدين الحق عن مرشد وبيٌنة، لا عن تقليد وتعصب أعمى".

وعليه فإن ما ورد عن السلف من نصوص تنهى عن الاشتغال بفهم الكلام محمولة على من استخدم هذا الفهم على طريقة أهل الأهواء والبدع الذين غَلَّبوا جانب العقل، وهجروا الكتاب والسنة، وليس النهي الوارد على الإطلاق، كما أنه قد يتحتم -على سبيل الكفاية- للرد على غلوالملاحدة ونحوهم. وبهذا يفهم المذموم من فهم الكلام والواجب منه. وما قيل عن رجوع فهماء فهم الكلام في آخر حياتهم عن فهم الكلام، معناه الرجوع عن التأويل إلى التفويض، كما ذكر الإمام تاج الدين السبكي في طبقاته.

يقول شيخ الإسلام تاج الدين السبكي في كتابه طبقات الشافعية الكبرى:
...ثم أقول: للأشاعرة قولان مشهوران في إثبات الصفات، هل تمر على ظاهرها مع اعتقاد التنزيه، أوتئول،يا ترى؟ والقول بالإمرار مع اعتقاد التنزيه هوالمعزوإلى السلف، وهواختيار الإمام في الرسالة النظامية (يقصد إمام الحرمين أبوالمعالي الجويني)، وفي مواضع من كلامه، فرجوعه معناه الرجوع عن التأويل إلى التفويض، ولا إنكار في هذا، ولا في لقاءه، فإنها مسألة اجتهادية، أعني مسألة التأويل أوالتفويض مع اعتقاد التنزيه. إنما المصيبة الكبرى والداهية الدهياء الإمرار على الظاهر، والاعتقاد أنه المراد، وأنه لا يستحيل على الباري، فذلك قول المجسمة عباد الوثن، الذين في قلوبهم زيغ يحملهم الزيغ على اتباع المتشابه، ابتغاء الفتنة، عليهم لعائن الله تترى واحدة بعد أخرى، ما أجرأهم على الكذب، وأقل فهمهم للحقائق.

خط كلامية

كتاب الغنية في الكلام/ تأليف الإمام أبوالقاسم الأنصاري تلميذ إمام الحرمين الجويني.
كتاب تأسيس التقديس أوأساس التقديس/ تأليف شيخ المعقول والمنقول الإمام فخر الدين الرازي الذي انتقده ابن تيمية في كتابه بيان تلبيس الجهمية؛ ومعه رسالة في نفي الجهة للإمام شهاب الدين بن جهبل (ت. 733هـ) في الرد على ابن تيمية.
كتاب دفع شبه التشبيه بأكف التنزيه/ تأليف الإمام أبوالفرج بن الجوزي. يعد من أبرز الخط التي ألفت في الرد على المشبهة والمجسمة والحشوية. قام بتحقيق الكتاب والتعليق عليه العلامة الكوثري.
كتاب دفع شبه من شبه وتمرد ونسب ذلك إلى السيد الجليل الإمام أحمد/ تأليف الإمام تقي الدين الحصني الأشعري الشافعي الدمشقي؛ ويليه الفتاوى السهمية في ابن تيمية، أجاب عنها جماعة من الفهماء.

خط كلامية سنية

  • الفقه الأكبر — أبوحنيفة النعمان
  • أهل السنة الأشاعرة شهادة فهماء الأمة وأدلتهم — حمد السنان، فوزي العنجري
  • براءة الأشعريين من عقائد المخالفين — محمد العربي التباني
  • التبيان في الرد على من ذم فهم الكلام — الشيخ جمال صقر
  • رسالة استحسان الخوض في فهم الكلام — أبوالحسن الأشعري
  • اللمع في الرد على أهل الزيغ والبدع — أبوالحسن الأشعري
  • منطقات الإسلاميين واختلاف المصلين — أبوالحسن الأشعري
  • التوحيد — أبومنصور الماتريدي
  • تبصرة الأدلة في أصول الدين — أبوالمعين النسفي
  • بحر الكلام في فهم التوحيد — أبوالمعين النسفي
  • التمهيد في أصول الدين أوالتمهيد لقواعد التوحيد — أبوالمعين النسفي
  • البداية من الكفاية في الهداية في أصول الدين — نور الدين الصابوني
  • روضة المتحدثين في أصول الدين — جمال الدين الغزنوي
  • أصول الدين — أبواليسر البزدوي
  • الصحائف الإلهية — شمس الدين السمرقندي
  • شرح العقائد النسفية — سعد الدين التفتازاني
  • شرح المقاصد — سعد الدين التفتازاني
  • غاية تهذيب الكلام في تحرير المنطق والكلام — سعد الدين التفتازاني
  • الغنية في أصول الدين — أبوسعد المتولي النيسابوري
  • المسامرة شرح المسايرة في العقائد المنجية في الآخرة — الكمال بن أبي شريف
  • مجرد منطقات الشيخ أبي الحسن الأشعري — أبوبكر بن فورك
  • الإشارة إلى ممضى أهل الحق — أبوإسحاق الشيرازي
  • تبيين كذب المفتري فيما نسب إلى الإمام أبي الحسن الأشعري — ابن عساكر
  • الأسماء والصفات — أبوبكر البيهقي
  • الاعتقاد والهداية إلى سبيل الرشاد — أبوبكر البيهقي
  • أصول الدين — عبد القاهر البغدادي
  • الفرق بين الفرق — عبد القاهر البغدادي
  • التنبيه والرد على أهل الأهواء والبدع — أبوالحسين الملطي
  • التبصير في الدين وتمييز الفرقة الناجية عن الفرق الهالكين — أبوالمظفر الإسفراييني
  • الملل والنحل — أبوالفتح الشهرستاني
  • نهاية الإقدام في فهم الكلام — أبوالفتح الشهرستاني
  • الإنصاف فيما يجب اعتقاده ولا يجوز الجهل به — أبوبكر الباقلاني
  • تمهيد الأوائل وتلخيص الدلائل — أبوبكر الباقلاني
  • الكامل في أصول الدين — أبوالمعالي الجويني
  • الإرشاد إلى قواطع الأدلة في أصول الاعتقاد — أبوالمعالي الجويني
  • لمع الأدلة في قواعد عقائد أهل السنة والجماعة — أبوالمعالي الجويني
  • العقيدة النظامية في الأركان الإسلامية — أبوالمعالي الجويني
  • الغنية في الكلام — أبوقاسم الأنصاري
  • الإشارة في فهم الكلام — فخر الدين الرازي
  • أساس التقديس أوتأسيس التقديس — فخر الدين الرازي
  • المطالب العالية من الفهم الإلهي — فخر الدين الرازي
  • الأربعين في أصول الدين — فخر الدين الرازي
  • نهاية العقول في دراية الأصول — فخر الدين الرازي
  • محصل أفكار المتقدمين والمتأخرين من الفهماء والحكماء والمتحدثين — فخر الدين الرازي
  • لباب المحصل في أصول الدين — ابن خلدون
  • المواقف في فهم الكلام — عضد الدين الإيجي
  • طوالع الأنوار من مطالع الأنظار — ناصر الدين البيضاوي
  • مصباح الأرواح في أصول الدين — ناصر الدين البيضاوي
  • أبكار الأفكار في أصول الدين — سيف الدين الآمدي
  • غاية المرام في فهم الكلام — سيف الدين الآمدي
  • الرسالة القشيرية — أبوالقاسم القشيري
  • البرهان المؤيد — أحمد الرفاعي
  • قواعد العقائد — أبوحامد الغزالي
  • الاقتصاد في الاعتقاد — أبوحامد الغزالي
  • المنقذ من الضلال — أبوحامد الغزالي
  • رسائل في التوحيد — العز بن عبد السلام
  • تلبيس إبليس — أبوالفرج بن الجوزي
  • دفع شبه التشبيه بأكف التنزيه — أبوالفرج بن الجوزي
  • دفع شبه من شبه وتمرد ونسب ذلك إلى السيد الجليل الإمام أحمد — تقي الدين الحصني
  • السيف الصقيل في الرد على ابن زفيل — تقي الدين السبكي
  • الدرة المضية في الرد على ابن تيمية — تقي الدين السبكي
  • الاعتبار ببقاء الجنة والنار — تقي الدين السبكي
  • شفاء السقام في زيارة خير الأنام — تقي الدين السبكي
  • رسالة في الرد على ابن تيمية في مسألة حوادث لا أول لها — بهاء الدين الإخميمي
  • اليواقيت والجواهر في بيان عقائد الأكابر — عبد الوهاب الشعراني
  • إشارات المرام من عبارات الإمام أبي حنيفة النعمان في أصول الدين — كمال الدين البياضي
  • إتحاف السادة المتقين بشرح إحياء علوم الدين — مرتضى الزبيدي
  • العواصم من القواصم — أبوبكر بن العربي
  • صفعات البرهان على صفحات العدوان — محمد زاهد الكوثري
  • منطقات الكوثري — محمد زاهد الكوثري
  • تاريخ المذاهب الإسلامية — محمد أبوزهرة
  • موقف العقل والفهم والعالم من رب العالمين وعبادة المرسلين — مصطفى صبري
  • موقف السلف من المتشابهات بين المثبتين والمؤولين دراسة نقدية لمنهج ابن تيمية — محمد عبد الفضيل القوصي
  • بعض أفكار ابن تيمية في العقيدة — محمد سالم أبوعاصي
  • الموضوعات السنية في كشف ضلالات أحمد بن تيمية — عبد الله الهرري
  • ابن تيمية ليس سلفيا — منصور محمد محمد عويس
  • السلفية بين الأصيل والدخيل — أحمد كريمة
  • السلفية فترة زمنية مباركة لا ممضى إسلامي — محمد سعيد رمضان البوطي
  • كبرى اليقينيات الكونية — محمد سعيد رمضان البوطي
  • الكاشف الصغير عن عقائد ابن تيمية — سعيد فودة
  • نقض الرسالة التدمرية — سعيد فودة
  • الفرق العظيم بين التنزيه والتجسيم — سعيد فودة
  • موقف الإمام الغزالي من فهم الكلام — سعيد فودة
  • العقيدة الصلاحية — محمد بن هبة الله البرمكي
  • العقيدة البرهانية — أبوعمروعثمان السلالجي
  • العقيدة الكبرى — محمد بن يوسف السنوسي
  • العقيدة الوسطى — محمد بن يوسف السنوسي
  • العقيدة الصغرى (أم البراهين) — محمد بن يوسف السنوسي
  • العقيدة النورية في اعتقاد الأئمة الأشعرية — أبوالحسن علي النوري
  • النكت المفيدة في شرح الخطبة والعقيدة — محمد بن سلامة الأنصاري
  • المختصر الكلامي — ابن عهدة
  • إضاءة الدجنة في عقائد أهل السنة — أحمد بن محمد المقري
  • كفاية العوام فيما يجب عليهم من فهم الكلام — محمد الفضالي الأزهري
  • جوهرة التوحيد — إبراهيم اللقاني
  • الخريدة البهية — أحمد الدردير
  • مقدمات المراشد في فهم العقائد — ابن خمير السبتي

خط كلامية شيعية

  • تجريد الاعتقاد — نصير الدين الطوسي
  • قواعد المرام في فهم الكلام — ميثم البحراني
  • فهم الكلام المعاصر، قراءة تاريخية منهجيّة — حيدر حب الله
  • اتجاهات العقلانية في الكلام الإسلامي — حيدر حب الله
  • بداية الفهم منهجية جديدة في فهم الكلام — حسن مكي العاملي

خط كلامية معتزلية

  • شرح الأصول الخمسة — القاضي عبد الجبار
  • المغني في أبواب التوحيد والعدل — القاضي عبد الجبار

خط ناقدة لفهم الكلام

  • الغنية عن الكلام وأهله — أبوسليمان الخطابي
  • بيان تلبيس الجهمية — ابن تيمية
  • ذم الكلام وأهله — أبوإسماعيل الهروي
  • صون المنطق والكلام عن فن المنطق والكلام — جلال الدين السيوطي
  • جهد القريحة في تجريد النصيحة — جلال الدين السيوطي
  • القول المشرق في تحريم الاشتغال بالمنطق — جلال الدين السيوطي
  • فصل الكلام في ذم الكلام — جلال الدين السيوطي

انظر أيضاً

  • فهم الدفاع
  • فهم الخلاف
  • بحث
  • جدلية
  • قياس الغائب على الشاهد

المصادر والمراجع

  1. ^ د. محمد سلامة، مفهوم العقيدة في الاصطلاح. نسخة محفوظة 03 يناير 2018 على مسقط واي باك مشين.
  2. إسلامية الفهم: مجلة الفكر الإسلامي المعاصر - العدد 90 - السنة الثالثة والعشرون، خريف 1438هـ/2017م، ضرورة تحديث فهم الكلام ومستوياته، بقلم: ياسين السالمي - أستاذ الفرق وفهم الكلام بمعهد محمد السادس للقراءات والدراسات القرآنية - جامعة القرويين، الرباط - المملكة المغربية، صفحات 113-115.
  3. ^ كتاب: إيضاح الدليل في بتر حجج أهل التعطيل، تأليف: بدر الدين بن جماعة، تحقيق: وهبي سليمان غاوجي الألباني، الناشر: دار السلام، الطبعة الأولى 1990، مقدمة في فهم التوحيد (1/7). نسخة محفوظة 28 ديسمبر 2016 على مسقط واي باك مشين.
  4. ^ عبد الهادي الفضلي، خلاصة فهم الكلام، ص: 21-22.
  5. ^ إبراهيم الباجوري، تحفة المريد على جوهرة التوحيد، ط. دار السلام، ص: 38.
  6. ^ الفارابي، إحصاء العلوم، تحقيق: د. عثمان أمين، ص: 131.
  7. عضد الدين الإيجي، المواقف، ص: 7.
  8. ^ ابن خلدون، المقدمة، ص: 423 أوص: 429.
  9. ^ الشريف الجرجاني، التعريفات، دار القلم - بيروت، ص: 458.
  10. ^ صديق بن حسن القنوجي، أبجد العلوم. نسخة محفوظة 07 أغسطس 2016 على مسقط واي باك مشين.
  11. ^ سعد الدين التفتازاني، تهذيب الكلام، ص: 8.
  12. ^ الكمال بن الهمام، المسايرة في العقائد المنجية في الآخرة، ص: 10.
  13. ^ سعيد عبد اللطيف فودة، بحوث في فهم الكلام، ص: 12.
  14. ^ عبد الرسول الغفار، الكليني والكافي، منشورات مؤسسة النشر الإسلامية التابعة لجماعة المدرسين بقم المشرفة، ط.الأولى 1416 هـ، ص: 270.
  15. ^ د. عبد الرحمن بدوي، مذاهب الإسلاميين، ج1، ص: 14.
  16. ^ دكتور فيصل بدير عون، فهم الكلام ومدارسه، ص: 48-49.
  17. ^ التفتازاني، شرح العقائد النسفية، ص: 100.
  18. ^ علي عبد الفتاح المغربي، الفرق الكلامية الإسلامية، ص: 15.
  19. ^ مصطفى عبد الرازق، تمهيد لتاريخ الفلسفة الإسلامية، ص: 265-268.
  20. ^ شرح العقائد النسفية للتفتازاني، ط. مخطة الكليات الأزهرية، ص: 10.
  21. ^ المواقف1/45، وكشاف اصطلاح الفنون 1/33.
  22. ^ مسألة الكلام في فهم الكلام – مجلة نزوى. نسخة محفوظة 09 أكتوبر 2016 على مسقط واي باك مشين.
  23. ^ علي عبد الفتاح المغربي، الفرق الكلامية الإسلامية، ص: 16.
  24. دكتور محمد صالح محمد السيد، أصالة فهم الكلام، ص: 187.
  25. ^ إحياء علوم الدين: بيان القدر المحمود من العلوم المحمودة 52/1.
  26. ^ تبيين كذب المفتري فيما نسب إلى الإمام أبي الحسن الأشعري، ص: 355-356.
  27. ^ عضد الدين الإيجي، المواقف في فهم الكلام، ج1، ص: 40.
  28. ^ ابن خلدون، المقدمة، ص: 427.
  29. ^ جلال الدين الدواني، شرح العقائد العضدية، ص: 5.
  30. ^ التهانوي، كشف اصطلاحات الفنون، ج1، ص: 47.
  31. ^ شمس الدين السمرقندي، الصحائف الإلهية، ص: 65.
  32. ^ الخوارزمي، مفاتيح العلوم، ص: 27.
  33. ^ الكمال بن الهمام، المسايرة، ص: 5.
  34. ^ سيف الدين الآمدي، أبكار الأفكار في أصول الدين (مخطوط)، ص: 289.
  35. ^ الرسالة القشيرية، ص: 3.
  36. ^ الرسالة القشيرية، ص: 5.
  37. ^ فتح الباري شرح سليم البخاري 344/13.
  38. ^ سنن ابن ماجه، كتاب المقدمة، باب في الإيمان. نسخة محفوظة 22 أغسطس 2016 على مسقط واي باك مشين.
  39. ^ إشارات المرام من عبارات الإمام أبي حنيفة النعمان، ص: 28-29.
  40. ^ فتاوى قاضيخان (مطبوعة بهامش الفتاوى الهندية): الباب الثاني فيماقد يكون كفراً من المسلم وما لاقد يكون 320/2.
  41. ^ تبيين كذب المفتري فيما نسب إلى الإمام أبي الحسن الأشعري، ص: 356-357. نسخة محفوظة 22 أغسطس 2016 على مسقط واي باك مشين.
  42. ^ انظر: كتاب التبيان في الرد على من ذم فهم الكلام. نسخة محفوظة 12 ديسمبر 2017 على مسقط واي باك مشين.
  43. عبد الهادي الفضلي، خلاصة فهم الكلام، ص: 24.
  44. ^ أبوالمعالي الجويني، الإرشاد إلى قواطع الأدلة في أصول الاعتقاد، ص: 8.
  45. ^ أبومنصور الماتريدي، كتاب التوحيد، ص: 305.
  46. ^ د. مراد وهبة وآخرين، المعجم الفلسفي، ص: 95.
  47. ^ عضد الدين الإيجي، المواقف في فهم الكلام، ص: 78، وسيف الدين الآمدي، أبكار الأفكار في أصول الدين، ص: 268.
  48. ^ تفسير النسفي (مدارك التنزيل وحقائق التأويل)، سورة البقرة/ الآية رقم 164. نسخة محفوظة 22 أغسطس 2016 على مسقط واي باك مشين.
  49. ^ دكتور محمد صالح محمد السيد، أصالة فهم الكلام، ص: 78-85. دكتور فيصل بدير عون، فهم الكلام ومدارسه، ص: 42. الدكتور محمد يوسف موسى، القرآن والفلسفة، ص: 52-60.
  50. ^ فتاوى بحثية - حكم تفهم المنطق - دار الإفتاء المصرية. نسخة محفوظة 01 يوليو2017 على مسقط واي باك مشين.
  51. ^ محمد الزحيلي، الإمام الجويني إمام الحرمين، ص: 94-96.
  52. ^ المكلاتي، لباب العقول في الرد على الفلاسفة في فهم الأصول، تحقيق: الدكتور فوقية حسين محمود، دار الأنصار، القاهرة، 1977 م نقلاً عن "مدخل إلى الفكر الإسلامي" للمحققة، ص: 60.
  53. ^ دكتور محمد صالح محمد السيد، أصالة فهم الكلام، ص: 112.
  54. ^ بحر الكلام للإمام أبي المعين النسفي، دراسة وتحقيق: محمد السيد البرسيجي، دار الفتح للدراسات والنشر، ص: 12-13.
  55. ^ كلية الدراسات القرآنية - جامعة بابل. نسخة محفوظة 15 أغسطس 2016 على مسقط واي باك مشين.
  56. ^ المواعظ والاعتبار بذكر الخطط والآثار، ذكر الحال في عقائد أهل الإسلام، منذ ابتداء الملة الإسلامية إلى حتى انتشر ممضى الأشعرية. نسخة محفوظة 18 سبتمبر 2016 على مسقط واي باك مشين.
  57. ^ راجع: التبصرة للإمام البغدادي، ص: 9، وإشارات المرام من عبارات الإمام للبياضي، ص: 19.
  58. ^ المتقي المكي، مناقب أبي حنيفة، ص: 51.
  59. ^ كتاب تمهيد لتاريخ الفلسفة الإسلامية، للشيخ مصطفى عبد الرازق، ص: 264-265.
  60. ^ أبجد العلوم الوشي المرقوم في بيان أحوال العلوم. نسخة محفوظة 16 أغسطس 2016 على مسقط واي باك مشين.
  61. ^ الدكتور يحيى هاشم حسن فرغل، مدرس الفلسفة والعقيدة بجامعة الأزهر، الأسس المنهجية لبناء العقيدة الإٍسلامية، دار الفكر العربي، ص: 22.
  62. ^ تبيين كذب المفتري فيما نسب إلى الإمام أبي الحسن الأشعري. نسخة محفوظة 22 أغسطس 2016 على مسقط واي باك مشين.
  63. ^ الدكتور يحيى هاشم حسن فرغل، مدرس الفلسفة والعقيدة بجامعة الأزهر، الأسس المنهجية لبناء العقيدة الإٍسلامية، دار الفكر العربي، ص: 23.
  64. ^ الزركشي، البرهان في علوم القرآن، الجزء الثاني، ص: 24-25، تحقيق: محمد أبوالفضل إبراهيم، الطبعة الأولى سنة 1957 م.
  65. ^ محمد يوسف موسى، القرآن والفلسفة، ص: 30، 52-64، ط المعارف 1958.
  66. ^ التمهيد في تاريخ الفلسفة الإسلامية، ص: 272، ط 1959 م.
  67. ^ سليمان دنيا، التفكير الفلسفي الإسلامي، ص: 324، ط الخانجي 1967.
  68. ^ الدكتور يحيى هاشم حسن فرغل، مدرس الفلسفة والعقيدة بجامعة الأزهر، الأسس المنهجية لبناء العقيدة الإٍسلامية، دار الفكر العربي، ص: 24.
  69. ^ عضد الدين الإيجي، المواقف في فهم الكلام، ج1، ص: 256.
  70. ^ عضد الدين الإيجي، المواقف، ص: 8. كتاب المواقف، (1/43). نسخة محفوظة 16 أغسطس 2016 على مسقط واي باك مشين.
  71. ^ التهاتوي، كشاف اصطلاحات الفنون والعلوم، مجلد (1) مادة كلام. نسخة محفوظة 15 أغسطس 2016 على مسقط واي باك مشين.
  72. ^ الدكتور أبوالوفا الغنيمي التفتازاني، فهم الكلام وبعض مشكلاته، ص: 5-6.
  73. ^ انظر تفصيلاً المقصود بتصنيف العلوم: الدكتور جلال موسى، منهج البحث الفهمي عند العرب، في مجال العلوم الطبيعية والكونية، دار الكتاب اللبناني بيروت، الطبعة الأولى 1973م، ص: 55-56، وأيضاً الدكتور محمد علي أبوريان، تصنيف العلوم بين الفارابي وابن خلدون، درس بمجلة عالم الفكر، الكويت، المجلد التاسع، العدد الأول، 1978م، ص: 97-122.
  74. ^ الفارابي، إحصاء العلوم، قام بتحقيقه تحقيقياً فهمياً الأستاذ الدكتور عثمان أمين، دار الفكر العربي، القاهرة، الطبعة الثانية، 1968م، ص: 53-54.
  75. ^ الفارابي، إحصاء العلوم، تحقيق: الأستاذ الدكتور عثمان أمين، دار الفكر العربي، القاهرة، الطبعة الثانية، 1968م، ص: 124-138، ويعتبره الدكتور عثمان أمين من أمتع فصول الكتاب، ص: 12 من المقدمة.
  76. ^ الفارابي، إحصاء العلوم، تحقيق: الأستاذ الدكتور عثمان أمين، دار الفكر العربي، القاهرة، الطبعة الثانية، 1968م، ص: 131-132.
  77. ^ الخوارزمي، مفاتيح العلوم، إدارة الطباعة المنيرية، القاهرة، 1342 هـ، ص: 5.
  78. ^ الدكتورة فوقية حسين محمود، مدخل إلى الفكر الإسلامي، ص: 58-59.
  79. ^ الغزالي، الجواهر الغوالي في رسائل الغزالي، القاهرة 1353 هـ، 1934، الرسالة اللدنية، ضمن الرسائل العشر.
  80. ^ الدكتور أبوريان، تصنيف العلوم بين الفارابي وابن خلدون، منطقة بمجلة عالم الفكر، ص: 122.
  81. ^ ابن خلدون، المقدمة، ص: 435.
  82. ^ ابن خلدون، المقدمة، ص: 478.
  83. ^ ابن خلدون، المقدمة، ص: 436.
  84. ^ ابن خلدون، المقدمة، ص: 458-461.
  85. ^ دكتور أبوريان، تصنيف العلوم بين الفارابي وابن خلدون، ص: 116.
  86. ابن خلدون، المقدمة، ص: 466.
  87. ^ ابن خلدون، المقدمة، ص: 467.
  88. ^ طاش كبرى زاده، مفتاح السعادة ومصباح السيادة، ج2، ص: 150.
  89. ^ طاش كبرى زاده، مفتاح السعادة ومصباح السيادة، ج2، ص: 150-282.
  90. ^ دكتور محمد صالح محمد السيد، أصالة فهم الكلام، دار الثقافة والنشر والتوزيع، 1987، ص: 58.
  91. ^ دكتور علي عبد الفتاح المغربي، الفرق الكلامية الإسلامية، ص: 114.
  92. ^ مسقط مركز الإشعاع الإسلامي: ما الفرق بين فهمي الفلسفة والكلام،يا ترى؟ نسخة محفوظة 02 يناير 2018 على مسقط واي باك مشين.
  93. ^ سميح عاطف الزين، فهم النفس: فهم النفس الإنسانية في الكتاب والسنة، المجلد الأول، الطبعة الثانية 2008م، ص: 477.
  94. ^ مركز آفاق للدراسات والبحوث: فهم الكلام الجديد: قراءة أوليّة. نسخة محفوظة 02 مارس 2018 على مسقط واي باك مشين.
  95. ^ كتاب: "فهم الكلام ضرورات النهضة ودواعي التجديد"، ص: 86. نسخة محفوظة 21 ديسمبر 2016 على مسقط واي باك مشين.
  96. ^ الدكتور إبراهيم مدكور، في الفلسفة الإسلامية منهج وتطبيق، ج1، ص: 19-20.
  97. ^ د. عبد الأمير الأعسم، الفيلسوف نصير الدين الطوسي مؤسس المنهج الفلسفي في فهم الكلام الإسلامي.
  98. ^ ابن خلدون، المقدمة، ص: 437، والدكتور أبوالوفا التفتازاني، فهم الكلام وبعض مشكلاته، ص: 26.
  99. ^ طاش كبرى زاده، مفتاح السعادة ومصباح السيادة في موضوعات العلوم، ج2، ص: 150.
  100. ^ الدكتور أبوالوفا التفتازاني، فهم الكلام وبعض مشكلاته، ص: 25-26.
  101. ^ دكتور محمد صالح محمد السيد، أصالة فهم الكلام، ص: 189-190.
  102. ^ سميح عاطف الزين، فهم النفس: فهم النفس الإنسانية في الكتاب والسنة، المجلد الأول، الطبعة الثانية 2008م، ص: 480.
  103. ^ سميح عاطف الزين، فهم النفس: فهم النفس الإنسانية في الكتاب والسنة، المجلد الأول، الطبعة الثانية 2008م، ص: 482-484.
  104. ^ أ.د حسن الشافعي، المدخل إلى دراسة فهم الكلام، الناشر: إدارة القرآن والعلوم الإسلامية- كراتشي- باكستان، الطبعة الثانية: 2011م، ص: 75.
  105. ^ انظر كتاب: الفرق الكلامية الإسلامية/ تأليف: علي عبد الفتاح المغربي. وكتاب: فهم الكلام ومدارسه/ تأليف: فيصل بدير عون.
  106. ^ حظى الإمام أبوحنيفة بذكر حافل في المراجع التاريخية، ويمكن الإشارة إلى بعض هذه المراجع على سبيل المثال: الطبقات الكبرى لابن سعد - التاريخ الكبير للبخاري - المعارف لابن قتيبة - الفهرست لابن النديم - أعلام الأخيار للكفوي - الطبقات السنية للتميمي - أبوالوفا القرشي، الجواهر المضيئة في طبقات الحنفية. ولقد أفردت تراجم خاصة في مناقب الإمام الأعظم مثل: مناقب الإمام الأعظم لأبي المؤيد الموفق بن أحمد المكي - مناقب الإمام أبي حنيفة لحافظ الدين حمد بن شهاب الكردري - الخيرات الحسان في مناقب الإمام أبي حنيفة النعمان لابن حجر الهيتمي المصري المكي. وأيضاً هناك خطاً حديثة في ترجمة الإمام الأعظم مثل: أبوحنيفة حياته وعصره وآراؤه للشيخ محمد أبوزهرة - أبوحنيفة بطل الحرية والتسامح في الإسلام، والأستاذ عبد الحليم الجندي - الإمام الأعظم أبوحنيفة المتحدث لعناية الله إبلاغ.
  107. ^ أحمد أمين، ضحى الإسلام، ج2، ص: 198 طبعة القاهرة 1357 هـ.
  108. ^ ملا علي القاري، شرح الفقه الأكبر لأبي حنيفة، ص: 47-51 طبعة القاهرة 1327 هـ، وشرح أبي المنتهى، ص: 55-57 طبعة القاهرة 1325 هـ.
  109. ^ ابن حجر الهيتمي، الخيرات الحسان، ص: 27.
  110. ^ أبوالوفا القرشي، الجواهر المضيئة، ج1، ص: 61.
  111. ^ طاش كبرى زادة، مفتاح السعادة، ج2، ص: 153-154.
  112. عضد الدين الإيجي، المواقف في فهم الكلام، ص: 8.
  113. ^ دكتور علي عبد الفتاح المغربي، الفرق الكلامية الإسلامية، 103-104.
  114. ^ أبوحنيفة النعمان، العالم والمتفهم، تحقيق: عبد الوهاب الندوي وزميله، مخطة الهدى، حلب، ط1972 ، 1م، ص34.
  115. ^ شرح النووي على سليم مسلم. نسخة محفوظة 04 مارس 2016 على مسقط واي باك مشين.
  116. ^ شرح السيوطي لسنن النسائي. نسخة محفوظة 08 ديسمبر 2015 على مسقط واي باك مشين.
  117. ^ ابن حجر الهيتمي، الفتاوى الحديثية، ص27.
  118. ^ شمس الدين الرملي، غاية البيان شرح زبد ابن رسلان، ص: 20.
  119. ^ الغزالي، إحياء علوم الدين، ج1، ص38.
  120. ^ الغزالي، إحياء علوم الدين، ج1، ص: 39.
  121. ^ شمس الدين السمرقندي، الصحائف الإلهية، ص: 59.
  122. ^ كتاب التوحيد للإمام الماتريدي، ص: 89.
  123. ^ التمهيد لقواعد التوحيد للإمام أبوالثناء محمود بن زيد اللامشي الحنفي الماتريدي، ص: 60.
  124. ^ بحر الكلام للإمام أبي المعين النسفي، دراسة وتحقيق: محمد السيد البرسيجي، دار الفتح للدراسات والنشر، ص: 20-21.
  125. ^ ابن عساكر، تبيين كذب المفتري فيما نسب إلى الإمام أبي الحسن الأشعري، ص: 344.
  126. ^ محمد أبوزهرة، الشافعي، ص: 136 - طبعة القاهرة 1367 هـ.
  127. ^ محمد أبوزهرة، الشافعي، ص: 136-142 - طبعة القاهرة 1367 هـ.
  128. ^ محمد أبوزهرة، الشافعي، ص: 124 - طبعة القاهرة 1367 هـ.
  129. ^ علي سامي النشار، نشأة الفكر الفلسفي في الإسلام، ج1، ص: 248.
  130. ^ د. جلال محمد عبد الحميد موسى، نشأة الأشعرية وتطورها، ص: 20.
  131. ^ التفسير الكبير أومفاتيح الغيب، سورة البقرة: الآية 21. نسخة محفوظة 16 أغسطس 2016 على مسقط واي باك مشين.
  132. ^ التفسير الكبير أومفاتيح الغيب، سورة البقرة: الآية 21. نسخة محفوظة 16 أغسطس 2016 على مسقط واي باك مشين.
  133. ^ مناقب أبي حنيفة للمكي 183-184
  134. ^ ذم الكلام وأهله لعبد الله بن محمد الأنصاري الهروي أبوإسماعيل (B/194)
  135. ^ ذم الكلام وأهله لعبد الله بن محمد الأنصاري الهروي أبوإسماعيل (Q/173/A)
  136. ^ ذم الكلام وأهله لعبد الله بن محمد الأنصاري الهروي أبوإسماعيل (Q/213)
  137. ^ المضىي ، سير أعلام النبلاء(10/30)
  138. ^ ابن أبي حاتم ،مناقب الشافعي 182
  139. ^ جامع بيان الفهم وفضله لابن عبد البر(2/95)
  140. ^ مناقب الإمام أحمد، 205
  141. ^ الإبانة لابن بطة العكبري (2/540)
  142. ^ الغزالي، إحياء علوم الدين، ج1، ص: 97-99، وطاش كبرى زادة، مفتاح السعادة، ج2، ص: 157-161.
  143. ^ طاش كبرى زادة، مفتاح السعادة، ج2، ص: 157-158.
  144. ^ التفتازاني، شرح العقائد النسفية، ص: 18-19.
  145. ^ الغزالي، إحياء علوم الدين، ج1، ص: 97.
  146. ^ تفسير ابن كثير - سورة هود - الآية (32). نسخة محفوظة 22 أغسطس 2016 على مسقط واي باك مشين.
  147. ^ محمد محسن العيد، الحوار والفهم، منطقة منشورة في مجلة النبأ، العدد 48، آب، 2000م.
  148. ^ عبد الستار الهيتي، الحوار... الذات والآخر، ص37.
  149. ^ تبيين كذب المفتري فيما نسب إلى الإمام أبي الحسن الأشعري، ص: 339. نسخة محفوظة 22 أغسطس 2016 على مسقط واي باك مشين.
  150. ^ الإحكام لابن حزم. نسخة محفوظة 18 أكتوبر 2016 على مسقط واي باك مشين.
  151. ^ الإحكام في أصول الأحكام لابن حزم. نسخة محفوظة 18 أكتوبر 2016 على مسقط واي باك مشين.
  152. ^ التقريب لحد المنطق لابن حزم. نسخة محفوظة 18 أكتوبر 2016 على مسقط واي باك مشين.
  153. ^ ابن حزم الأندلسي المفكر الظاهري الموسوعي، تأليف الدكتور زكريا إبراهيم، الدار المصرية للتأليف والترجمة، ص: 133-135. ابن حزم حياته وعصره - آراؤه وفقهه، تأليف الشيخ محمد أبوزهرة، دار الفكر العربي، ص: 179-181. ابن حزم الأندلسي حياته وفلسفته، رسالة قدمت إلى معهد الآداب الشرقية في جامعة القديس يوسف في بيروت لنيل شهادة الماجستير في الفلسفة. إشراف الدكتور أسعد أحمد علي، إعداد إسماعيل مصطفى إسماعيل اليوسف، ص: 96-97.
  154. ^ تبيين كذب المفتري فيما نسب إلى الإمام أبي الحسن الأشعري، ص: 333 وما بعدها.
  155. ^ بحر الكلام للإمام أبي المعين النسفي، دراسة وتحقيق: محمد السيد البرسيجي، دار الفتح للدراسات والنشر، ص: 16-17.
  156. ^ سعد الدين التفتازاني، شرح العقائد النسفية، ط. مخطة الكليات الأزهرية، ص: 12.
  157. ^ بحر الكلام للإمام أبي المعين النسفي، دراسة وتحقيق: محمد السيد البرسيجي، دار الفتح للدراسات والنشر، ص: 18.
  158. ^ الدكتور حسن الشافعي، الآمدي وآراؤه الكلامية، دار السلام للطباعة والنشر والتوزيع والترجمة.
  159. ^ أبوالفرج ابن الجوزي آراؤه الكلامية والأخلاقية، للدكتورة آمنة محمد نصير.
  160. ^ ابن حزم وآراؤه الكلامية والفلسفية، للدكتورة سهير فضل الله أبووافية، رسالة دكتوراه من جامعة عين شمس، كلية البنات.
  161. ^ بحر الكلام للإمام أبي المعين النسفي، دراسة وتحقيق: محمد السيد البرسيجي، دار الفتح للدراسات والنشر، ص: 21-22.
  162. بعض من اشتغل بفهم الكلام من السلف. نسخة محفوظة 20 ديسمبر 2016 على مسقط واي باك مشين.
  163. ^ كتاب: رسالة في الرد على ابن تيمية في مسألة حوادث لا أول لها، حققها وشرح عباراتها: سعيد عبد اللطيف فودة، طبعة: دار الذخائر (بيروت)، الطبعة الأولى: 1435هـ – 2014م، ص: 100-101.
  164. ^ كتاب: رسالة في الرد على ابن تيمية في مسألة حوادث لا أول لها، حققها وشرح عباراتها: سعيد عبد اللطيف فودة، طبعة: دار الذخائر (بيروت)، الطبعة الأولى: 1435هـ – 2014م، ص: 101-104.
  165. ^ محمد زاهد الكوثري، بيان زغل الفهم والطلب، ص: 22.
  166. ^ سعيد عبد اللطيف فودة، بحوث في فهم الكلام، ص: 13.
  167. ^ طبقات الشافعية الكبرى لتاج الدين السبكي. نسخة محفوظة 02 أبريل 2018 على مسقط واي باك مشين.

وصلات خارجية

  • فضل فهم التوحيد وأهميته
  • كيفية نشأة فهم التوحيد وعقدة منع الخوض فيه بقلم الشيخ وهبي سليمان غاوجي الحنفي
  • كتاب التبيان في الرد على من ذم فهم الكلام
  • بعض من اشتغل بفهم الكلام من السلف
  • حكم تفهم فهم الكلام والسبب في نهي السلف عنه
  • طريقة المتحدثين وطريقة الفقهاء وأهم الخط التي ألِّفت لكلا الطريقتين والتي جمعت بينها
  • ما الفرق بين العهداء والفلاسفة والمتحدثين؟
  • فهم الكلام: ماهيته وأهميته للأستاذ سعيد فودة على يوتيوب
تاريخ النشر: 2020-06-01 20:06:14
التصنيفات: علم الكلام, أهل السنة والجماعة, إلهيات, مصطلحات إسلامية, مصطلحات عربية, قالب أرشيف الإنترنت بوصلات واي باك, صفحات لا تقبل التصنيف المعادل, صفحات تستخدم قالب:Div col مع وسائط غير معروفة, بوابة علم الكلام/مقالات متعلقة, بوابة الإسلام/مقالات متعلقة, بوابة علوم إسلامية/مقالات متعلقة, بوابة فكر إسلامي/مقالات متعلقة, بوابة التاريخ الإسلامي/مقالات متعلقة, بوابة منطق/مقالات متعلقة, بوابة فلسفة/مقالات متعلقة, جميع المقالات التي تستخدم شريط بوابات, مقالات مختارة

مقالات أخرى من الموسوعة

سحابة الكلمات المفتاحية، مما يبحث عنه الزوار في كشاف:

آخر الأخبار حول العالم

فضيحة.. مستشفى عمومي يحيل مريضة رسميا على مصحة خاصة بمراكش

المصدر: كِشـ24 - المغرب التصنيف: سياسة
تاريخ الخبر: 2022-09-06 21:15:38
مستوى الصحة: 41% الأهمية: 36%

الصين تسدد ثمن شحنات الغاز الروسية باليوان والروبل

المصدر: الإمارات اليوم - الإمارات التصنيف: مجتمع
تاريخ الخبر: 2022-09-06 18:27:47
مستوى الصحة: 55% الأهمية: 53%

«التموين» تعلن دخول الأرز والقطن فى البورصة السلعية

المصدر: الرئيس نيوز - مصر التصنيف: سياسة
تاريخ الخبر: 2022-09-06 18:27:31
مستوى الصحة: 53% الأهمية: 66%

ارتفاع ضحايا الفيضانات في باكستان إلى 11325 شخصاً

المصدر: اليوم - السعودية التصنيف: سياسة
تاريخ الخبر: 2022-09-06 18:26:40
مستوى الصحة: 45% الأهمية: 68%

أردوغان يرجع أزمة الطاقة في أوروبا إلى العقوبات على روسيا

المصدر: الأول - المغرب التصنيف: سياسة
تاريخ الخبر: 2022-09-06 18:26:37
مستوى الصحة: 57% الأهمية: 68%

خلال قرن.. أقوى الزلازل التي ضربت العالم

المصدر: اليوم - السعودية التصنيف: سياسة
تاريخ الخبر: 2022-09-06 18:26:41
مستوى الصحة: 50% الأهمية: 54%

مغاربة العالم يتصدرون قائمة المساهمين في الاستثمارات الأجنبية

المصدر: كِشـ24 - المغرب التصنيف: سياسة
تاريخ الخبر: 2022-09-06 21:15:39
مستوى الصحة: 33% الأهمية: 42%

الريسوني يعلن "الانسحاب نهائيا" من الاتحاد العالمي لعلماء المسلمين

المصدر: المغرب الآن - المغرب التصنيف: سياسة
تاريخ الخبر: 2022-09-06 18:27:15
مستوى الصحة: 46% الأهمية: 65%

عاجل| الأحساء تسجل أعلى درجة حرارة اليوم في المملكة

المصدر: اليوم - السعودية التصنيف: سياسة
تاريخ الخبر: 2022-09-06 18:26:31
مستوى الصحة: 60% الأهمية: 69%

تهيئة طريق تفجر أزمة في التحالف الرباعي بفاس

المصدر: كِشـ24 - المغرب التصنيف: سياسة
تاريخ الخبر: 2022-09-06 21:15:33
مستوى الصحة: 43% الأهمية: 42%

أردوغان يرجع أزمة الطاقة في أوروبا إلى العقوبات على روسيا

المصدر: الأول - المغرب التصنيف: سياسة
تاريخ الخبر: 2022-09-06 18:26:39
مستوى الصحة: 59% الأهمية: 53%

6 مقاتلات سعودية ترافق القاذفة الأمريكية «بي-52»

المصدر: اليوم - السعودية التصنيف: سياسة
تاريخ الخبر: 2022-09-06 18:26:38
مستوى الصحة: 56% الأهمية: 64%

«حرب أوكرانيا».. نقطة فاصلة قادت ألمانيا لتغييرات جذرية

المصدر: اليوم - السعودية التصنيف: سياسة
تاريخ الخبر: 2022-09-06 18:26:43
مستوى الصحة: 57% الأهمية: 53%

عبر «تويتر».. «الأرصاد» توضح اللائحة التنفيذية لنظامها بعد غدٍ

المصدر: اليوم - السعودية التصنيف: سياسة
تاريخ الخبر: 2022-09-06 18:26:36
مستوى الصحة: 58% الأهمية: 58%

رئيس الوزراء: موازنة مصر تضاعفت 7 مرات خلال 10 سنوات

المصدر: الرئيس نيوز - مصر التصنيف: سياسة
تاريخ الخبر: 2022-09-06 18:27:28
مستوى الصحة: 56% الأهمية: 64%

تحميل تطبيق المنصة العربية