المكانية الرقمية

عودة للموسوعة

المكانية الرقمية: أهمية المسقط في عالم متشابك (بالإنجليزية: Net Locality: Why Location Matters in a Networked World)‏ كتاب من تأليف إريك جوردون وأدريانا دي سوزا إي سيلفا. ترجمه للعربية محمد حامد درويش وراجعه أحمد شكل.

عمل المؤلِّفَان جميع واحدٍ منهما في قارةٍ منفصلةٍ، وخطا كتابًا عن أهمية المسقط الجغرافي؛ فبوجود أحدهما في بوسطن وتنقُّل الآخَر بين مدينة رالي عاصمة ولاية كارولاينا الشمالية ومدينة كوبنهاجن بالدنمارك، لاقَيَا التحديات التي يمكن حتى يفرضها التباعد الجغرافي. ومع ذلك فقد عملا معًا — من خلال تويتر والمراسلة الفورية والبريد الإلكتروني وسكايب، وغيرها من التكنولوجيات المتنوعة والمتنوعة — على كتابة كتابٍ يمثِّل تحليلًا وشهادة في آنٍ واحدٍ لقوة المسقط الجغرافي ومرونته في عالم مترابط شبكيًّا.

مقدمة

في شباط / يناير عام 2010 بدأت جوجل في دمج بيانات المسقط الجغرافي في جميع بحث؛ فمسقطُ عنوان بروتوكول الإنترنت (عنوان الآي بي) الخاص بكمبيوتر مخطي، أوإحداثيات النظام العالمي لتحديد المواقع لهاتفٍ ما، صارت عواملَ مؤثرةً في نتائج البحث. ويستفهم الكثير من تطبيقات آي فون من المستخدِم عن مسقطه قبل البدء، وحتى لولم يوجد استخدامٌ فوري واضح للمسقط فإن البيانات تُجمَع تحسُّبًا لوجودِ قيمةٍ مستقبلية لها. الحقيقةُ المجردة حتى البيانات المستخدَمة في سياق محلي مفيدة وعملية؛ فهي تُحوِّل الصلة التي كانت مجازية فحسب فيما مضى إلى صلة طبيعية. إنها تأخذ الشبكة العنكبوتية العالمية بكل اختلافها وتضعها حيثما تكون أنت؛ فلا حاجةَ للولوج إلى الشبكة العنكبوتية العالمية أوحتى الذهاب إلى مكانٍ ما للوصول إليها. هذه هي «المكانية الرَّقْمِيَّة». تنطوي الْمَكَانِيَّة الرَّقْمِيَّة على شيوع المعلومات الشبكية؛ وهي مقارَبة ثقافية نحوشبكة المعلومات عندما تتناغم بحميميةٍ مع حقائق الحياة اليومية المدرَكة حسيًّا. لم نَعُدْ نَلِجُ إلىالشبكة العنكبوتية العالمية، ولكن الشبكة العنكبوتية العالمية صارت حولنا في جميع مكان. وهذا أمر جذَّاب، فهويُمنِّي بتجاوُز مشكلات الازدواجية؛ حيث نقضي أيامَ العمل الأسبوعية في عالَمنا المادي، والعطلات الأسبوعية في العالَم الافتراضي.

إمكانيةُ الدخول إلى شبكة عالمية للمعلومات مع التواجُد في شارعٍ محليٍّ، أوحي سكني، أوبلدة، أومدينة؛ يمكن حتى تُعِيد ترتيبَ كيفية تعامُل الفرد مع نطاق خبرة المستخِدم. لم يَعُدِ الشارع محدودًا بالأفق المُدرَك حسيًّا للشخص الذي يسير فيه؛ إذ إذا شبكة المعلومات التي يمكن الدخول إليها من جهازٍ محمولٍ تضيف إليه الكثير، ومن الممكن لمدينة ريفية صغيرة، منعزلة جغرافيًّا عن بقية العالم، حتى تكون عالميةً بسبب دمج المعلومات بشوارعها. وعلى ذلك، فالكيفية التقليدية التي أدرَكَ بها الجغرافيون مفهومَ النطاق لم تَعُدْ دقيقةً. المكانيةُ الرَّقْمِيَّة تجعل الجغرافيا أكثرَ سلاسةً، دون حتى تمحوأبدًا أهميتَها، مثلما كان يُخْشَى في تسعينيات القرن الماضي.

وبالمثل، تصبح الجغرافيا المنطقَ التنظيمي الشبكة العنكبوتية العالمية؛ فيمكن لفضاءات تفاعُلِنا حتى تَنشأ ضمن نطاقات متعددة ومتزامنة. فتطبيق مثل يِلب (خدمة درس وتعليق معتمدة على المسقط) — على سبيل المثال — يربط بين الأشخاص والأمور القريبة منهم بشبكةٍ معلوماتيةٍ ممتدة، يمكن حتى تكون عالميةً. وبينما يعطي أولويةً للمكان في نتائج البحث — مثلما قد يعطي المرءُ أولويةً للثمن عند إجراء بحثٍ تقليديٍّ على الشبكة العنكبوتية العالمية — فهويُمَكِّن المستخدِم من الحركة بسلاسةٍ بين ما قريب عمليًّا وما هوقريب نظريًّا؛ فإيجادُ متجرٍ قريب لبيع الكعك يقبع على بُعْدِ نقرةٍ واحدة من القراءة حول متجرٍ للكعك في الطرف الآخر من العالم. يحدث هذا التصغير للنطاق في عددٍ من الجبهات: من تصفُّح الشبكة العنكبوتية العالمية، إلى حضورِ اجتماعٍ في الحي، حتى استخدام تطبيقٍ للواقع المعزَّز لرؤية الشارع الذي سرتَ فيه مئات المرات بصورةٍ مختلفة بعض الشيء عمَّا مضى.

تعتمد المكانيةُ الرَّقْمِيَّة بوجهٍ عامٍّ على الأدوات التكنولوجية التي تجعلها ممكنةً، ولكن الأدوات نتاجٌ للاحتياجات الاجتماعية ولا شك؛ عملى سبيل المثال: لم تكن المطرقة لتوجد لولا الحاجة إلى دقِّ المسامير في الخشب. وعلى غرار ذلك، استُخدِم النظام العالمي لتحديد المواقع، وتحديد الهُوِيَّة بالموجات الراديوية، وتحديد المواقع عبر الواي فاي وتكنولوجيات تحديد المواقع الأخرى لتخزين المعلومات على الإنترنت واسترجاعها، بسبب الرغبة الاجتماعية لتحديد مسقطنا بالنسبة إلى المعلومات. ومن المؤكَّد أنه عندما تُبتكَر الأدوات، تأتي باحتمالاتِ استخدامٍ جديدة. فلم يكن من الممكن تطوير لعبة تعتمد على المسقط، مثل فورسكوير، لولا وجود الجي بي إس، والبحث عبر الإنترنت، والهواتف الحديثة، والأجهزة المماثلة. يتقدَّم الإدراك المكاني بالتوازي مع التكنولوجيات التي تُتِيحه، وهوسببٌ ونتيجةٌ لاستخدام هذه التكنولوجيات على حدٍّ سواء.

ومع ذلك، فعندما تَجُول فكرةُ الْمَكَانِيَّة الرَّقْمِيَّة بأذهان غالبية الناس، فإنها تستدعي صورةَ عالَمٍ بائس من المراقبة والترصُّد أكثر ممَّا تستدعي صورة التطورات المفيدة للمجتمع. وقلَّمَا نُبْدِي أيَّ انزعاجٍ تجاهَ إعلانات جوجل الموجَّهة المستندة إلى عمليات البحث السابقة، ولكنْ حينما يُنْقَل هذا الإعلانُ المُلِم بالبيئة المحيطة إلى العالَم المادي، فإنه يعكس على نحوٍ ما اختراقًا مُقلِقًا لفضائنا الشخصي المُتصوَّر. إذا تفاصيل هذا المشهد لم تَعُدْ خيالًا فهميًّا، ولكنها صارت واقعًا؛ فالتقنياتُ القادرة على ابتكار هذا النوع من اللوحات التفاعلية متاحةٌ تمامًا، ولكنها تظل محصورةً في الإطار النظري فقط لكونها تخرق إدراكَنا المكاني الحالي، وتطلب منَّا حتى نَقْبَل بشيوع الأمكنة الرَّقْمِيَّة.

تنظيم الشبكة العنكبوتية العالمية

ياهوو! جيوسيتيز

أنشأ ديفيد بونيت وجون ريزنر عام 1994 شركةَ استضافةِ مواقع إنترنت تُدعَى بيفرلي هيلز إنترنت. والذي بدأ بفكرةٍ مبتكرة، وهي استعمال أسماء الأحياء السكنية لتنظيم وتصنيف صفحات الإنترنت؛ فالمستخدمون، أوكما كان يُطلَق عليهم «مُلَّاك العقارات السكنية»، كان بمقدورهم إقامة صفحاتِهم على الشبكة العنكبوتية العالمية مجانًا داخل الحي السكني الافتراضي الذي يختارونه، وأُعطِيَت كلُّ صفحة ويب عنوانًا إلكترونيًّا (يوآر إل) فريدًا، ضم اسمَ الحي السكني وعنوانَ الشارع، وحملت الأحياء الأولى أسماءً مثل: «كولسيوم»، و«هوليوود»، وروديودرايف، و«صنست ستريب»، ووول ستريت، وويست هوليوود. كانت الفكرة هي حتى ينجذب المستخدمون إلى اسم الحي الذي يعكس اهتماماتهم على أفضلِ نحوٍ؛ عملى سبيل المثال: المسقط الإلكتروني الترفيهي سيكون في «هوليوود»، والمسقط الإلكتروني المالي في وول ستريت، والمسقط الإلكتروني الموسيقي في «صنسيت ستريب». والواقع حتى تلك «الأحياء» بدأت تصبح ذاتَ أهميةٍ للناس خلال معاناتهم لإيجاد مكانٍ على الويب لصفحاتهم الرئيسية. وفي كانون الأول / ديسمبر 1995، توسَّعَتْ شركة بيفرلي هيلز إنترنت إلى ١٤ حيًّا، ضمت «طوكيو» و«باريس» و«سيليكون فالي»، وتغيَّرَ اسمها رسميًّا ليصبح جيوسيتيز.

سيارة خرائط جوجل، باريس مايو2014

أدَّت جوجل دورًا فعَّالًا في إعادة إنتاج هذه الكمية الضخمة من البيانات المتاحة؛ حيث ساهَمَ محركُ البحث في تحويل الشبكة العنكبوتية العالمية من قاعدة بيانات غير عملية من المعلومات المصنفة بعنايةٍ، إلى كومةٍ من المعلومات المتفرِّقة يمكن تجميعها بمرونة؛ فمثلًا: لم يَعُدْ ضروريًّا حتى تقبع صفحاتُ الشبكة العنكبوتية العالمية الشخصية التي تحتوي صورًا للقطط وحدثات الأغاني المفضَّلة داخل حي «سيليكون فالي»، ولكن أصبح بالإمكان العثور عليها بالبحث عن «قطط» أواسم مؤلِّفك الموسيقي المفضَّل. جعلَتْ جوجل كوْنَ المعلومات متفرقاتٍ أمرًا مقبولًا، حيث جعلت غياب التصنيف للمعلومات أمرًا لا مناصَ منه.

وعلى مدى 15 عامًا منذ تطوير جيوسيتيز، تغيَّرَت الشبكة العنكبوتية العالمية تغيُّرًا كبيرًا؛ فزاد تواصُل الأشخاص اجتماعيًّا، واستهلاكُهم المواد الترفيهية والأخبار، وبحْثُهم عن المعلومات على الإنترنت. لم نَعُدْ نزور المواقعَ الإلكترونية عمليًّا، بل صرنا نزور الشبكة العنكبوتية العالمية نفسها ببساطة. وبسبب الانتشار الكبير للشبكة العنكبوتية العالمية، نجد أنه لم يَعُدْ بَنَّاءً حتى نميز بين الشبكة العنكبوتية العالمية (التي تُفهَم بين مستخدِمِي الشبكة العنكبوتية العالمية عادة على أنها المحتوى الكائن داخل المتصفحات) وبين الإنترنت؛ وهي البنية التحتية للشبكات التي تجعلها جميعًا ممكنة. فجميع ما تجاوز هوالشبكة العنكبوتية العالمية. ومثلما يظل البرنامج التليفزيوني برنامجًا تليفزيونيًّا حتى إنْ عُرِض على الشبكة العنكبوتية العالمية، فإن الشبكة العنكبوتية العالمية تجاوَزَت عتادها المادي وبرمجياتها، وأصبحت تدل على شبكة المحتوى التي تسود ساحةَ اتصالنا.

تمتد الشبكة العنكبوتية العالمية الآن إلى المواقع المادية. عندما تتاح للناس فرصةُ إدراجِ بياناتٍ أولية في خرائط مجمَّعة ، والدخول إلى الشبكة العنكبوتية العالمية من هواتفهم المحمولة ذات الإدراك المكاني، فثمة مُجددًا تغييرٌ هائلٌ في كيفية تنظيم المعلومات: من «أرضٍ قاحلةٍ مليئة ببيانات غير مُنقَّحة» يُشار إليها عادةً ب «الفضاء الرقمي»، إلى خريطةٍ للمعلومات موضوعةٍ في سياق مادي. فالمنطق التنظيمي الجديد للشبكة العنكبوتية العالمية صار يعتمد على المسقط المادي، وصارَتْ أشكالُ المعلومات التي نجدها ونصل إليها على الشبكة تعتمد بقدر متزايد على مكاننا.

هذا الارتباط مع المواقع المادية لا يمثِّل فقط منطقًا جديدًا لتنظيم المعلومات على الشبكة، ولكن يمثِّل أيضًا تغيُّرًا جذريًّا في طريقةِ فهمنا للشبكة العنكبوتية العالمية ذاتها. مثَّلَتْ جيوسيتيز أسلوبًا للتفكير في الشبكة العنكبوتية العالمية وَضَعَ عالَمَ المعلومات بمعزل عن العالَم المادي. وبالصياغة الشهيرة لنيكولاس نيجروبونتي (١٩٩٥)، كان يوجد اختلاف جَلِيٌّ «بين الذرَّات والبِتَّات»؛ فما كان ممكنًا في عالَم المعلومات الخالصة كان شديدَ الاختلاف عمَّا هوممكنٌ في عالمنا المادي الذي تحكمه قوانين الفيزياء. أما الآن، فما يجري تنظيمه ليس فقط المعلومات، ولكن أيضًا العالَم المادي الذي يحتويها.

توسيع نطاق الشبكة العنكبوتية العالمية

كان الاعتقادُ بأن عالم الذرات مختلف عن عالم البِتَّات ناتجًا إلى حد ما عن التقنيات التي كنا نستخدمها للاتصال بالشبكة العنكبوتية العالمية؛ فاستخدام كمبيوتر مخطي ثابت «للولوج» إلى الشبكة العنكبوتية العالمية كان يعني عادةً حتميةَ أنْقد يكون المستخدمون جالسين أمام شاشةٍ، وهووضعٌ حالَ دون الكثير من الأنشطة في العالم المادي. وإضافةً إلى ذلك، فإن خبرة تصفُّح الشبكة العنكبوتية العالمية غالبًا ما كانت خبرةً فرديةً. وحتى لوكان الغرض من دخول الشبكة العنكبوتية العالمية هوالانخراط اجتماعيًّا مع الآخرين، فإن انتشار العوالم الافتراضية وغرف المحادثات على الإنترنت، قاد الكثيرين إلى الاعتقاد بأننا قد ينتهي بنا الحال إلى التواصل فيما بيننا في المقام الأول في فضاءات رقمية. قاد ذلك إلى الاعتقاد بأنه لواستطاعت الشبكة العنكبوتية العالمية حتى تعطينا إحساسَ «التواجُد في مكانٍ ما»، فلن توجد حاجةٌ إلى الخروج للفضاءات العامة والتواصُل اجتماعيًّا مع الآخرين وجهًا لوجه.

بعد مرور خمس سنوات على اختراع أول عالَمٍ افتراضيٍّ على الإنترنت — «الزنزانة المتعدِّدة المستخدمين» (إم يودي) التي ابتكَرَها ريتشارد بارتل وروي ترابشو— وصفَتْ روايةُ الخيال الفهمي «نيورومانسر» (١٩٨٤) لويليام جيبسون عالَمًا معلوماتيًّا يُدعَى المصفوفة، ويتصل به المستخدمون بواسطة شرائح عصبية مزروعة فيهم. في هذا العالَم، يستطيع الأشخاص حرفيًّا أنْ «يُجْرُوا عمليةَ تنزيلٍ رقمية لأدمغتهم»، وأن يتخلَّوْا عن أجسادهم المادية. الشخصية الرئيسية في هذه الرواية وهي «كيس» تنال عقابًا في بداية السيرة؛ فلا يعود في استطاعتها الاتصال بالفضاء الرقمي، وتظل حبيسَة جسدها المادي. وثمة شخصيةٌ أخرى هي «بوف» ليست سوى وجهةَ نظرِ، وتتكون كليًّا من بياناتٍ، وهي متحررة تمامًا من جسدها المادي. استمر هذا التصور طوال تسعينيات القرن العشرين، وجُسِّد في خطٍ مثل «مايند تشيلدرن» لهانز مورافيتش، وأفلامٍ مثل ترون (كوشنر وستيفن ليزبرجر، 1983)، وماتريكس (أوزبورن واتشوسكي وواتشوسكي، 1999)، وفيلم الطابق الثالث عشر (إيميريش وآخرين، 1999). وباقتران هذه المراجع الروائية مع المجال الأكاديمي الناشئ لدراسات الإنترنت أسَّسا نموذجًا للتفكير بشأن الشبكة العنكبوتية العالمية، كان كامنًا بشدةٍ في مفهوم حتى الشبكات الرَّقْمِيَّة تمضي بالتوازي مع «الحياة الحقيقية»، ولكنها تظل منفصلةً عنها.

دفعت إمكانية التواصل اجتماعيًّا مع الناس عن طريق الشبكة بعضَ الأشخاص للقلق من احتمالية اختفاء الفضاءات العامة النابضة بالحياة؛ فلوأنَّ في استطاعة المرء أنْ ينجز كلَّ شيء عن طريق الإنترنت — كالعمل والتسوق والمعاملات البنكية وطلب الطعام — فما الداعي لمغادرة المنزل،يا ترى؟ ولا شك حتى استعمال الهواتف المحمولة والاتصال بالإنترنت من خلالها ساهَمَا في تحرير الناس من فضاءات أعمالهم الثابتة وقيامهم بأنشطة أثناء الحركة مثل: الحديث، والتسوق، والتنسيق مع الآخرين. لهذه الأسباب، كثيرًا ما كان يُنظَر إلى الهواتف المحمولة أيضًا على أنها تفصل الناسَ عن أماكنهم المادية، والأهم من ذلك أنها تفصلهم عن التفاعل الاجتماعي في تلك الأماكن. في فترةٍ ما شعر كلُّ شخصٍ منَّا بالانزعاج من استخدام الهواتف المحمولة في المطاعم ووسائل المواصلات العامة وفي الفضاءات العامة.

ولكن الأمر يتعدَّى مجرد الإزعاج؛ فقد غيَّرَ ذلك طريقةَ تفكيرنا في الشبكة العنكبوتية العالمية؛ فلم تَعُدِ البياناتُ متفرقة فقط، ولكنها أصبحت واسعةَ الانتشار ومحدَّدةَ المسقط أيضًا، وتغيَّرَتِ الفكرةُ الرئيسية السائدة بشأن الشبكة العنكبوتية العالمية؛ من الافتراضية إلى الحركية. عكست الدراساتُ الجديدة الطرقَ المتغيِّرة التي يستطيع بها المستخدمون التفاعُلَ مع شبكة الاتصال، وفيما بينهم. وبالرغم من كون القدرة على عمل أشياء (كالتواصُل مع الآخرين والوصول للبيانات) أثناء الحركة ليسَتْ أثرًا مباشرًا لرواج الهواتف ذات الإدراك المكاني، فإنها تحدَّتْ الِافتراضاتِ القديمةَ عن حالة الفضاءات المادية ومفهوم الشبكة العنكبوتية العالمية. ما أُطلِق عليه نموذجُ الحركيات لا يختصُّ بالشبكة العنكبوتية العالمية وحدها، ولكن هجريزه على الفضاءات المادية والقدرة على الاتصال هيَّأَ الأجواءَ أمام طريقةٍ جديدة للتفكير بشأن ثنائية الافتراضي/المادي. لوحتى الاتصال بالشبكة العنكبوتية العالمية خلال تسعينيات القرن العشرين كان يعني التحديقَ في شاشة ثابتة، فاليومَ صار الاتصالُ يعني بصورةٍ متزايدة السيْرَ في فضاءات عامة، ومشاهدة شاشات إعلانية مختلفة، وشراء ملابس، والتحدُّث إلى شخصٍ ما على هاتف محمول.

أغلقَتْ «جيوسيتيز» أبوابها رسميًّا في ٢٦ تشرين الأول / أكتوبر 2009، وتنحَّى جانبًا تصوُّرُ الشبكة بوصفها مدينة رمزية، وترَكَ الساحةَ لواقعية الشبكة العنكبوتية العالمية بوصفها «جزءًا» من المدينة. حدثا واصلت معلومات العالَم طريقَها نحوالارتباط بالمسقط والقابلية للبحث، وازدادت سرعة الشبكات ذات النطاق العريض والشبكات الخلوية، وارتفع «ذكاء» الأجهزة المحمولة؛ فقَدَت الشبكة العنكبوتية العالمية انفصالَها عن العالَم الذي سعت إلى تصنيفه. «لم تَعُدِ الإشاراتُ إلى الفضاءات المادية على الشبكة العنكبوتية العالمية (مثل: هوليوود وسيليكون فالي) إشاراتٍ رمزيةً إلى المعلومات الرَّقْمِيَّة، بل صارت الفضاءات المادية هي سياق هذه المعلومات.» لم يَعُدْ بمقدورنا الحديث عن حياتنا «الحقيقية» وحياتنا الرَّقْمِيَّة، يمكننا فقط الحديث عن القابلات البينية التي تتجمع خلالها قنوات اتصالنا المتعددة (وجهًا لوجه، والرسائل الإلكترونية، والرسائل النصية القصيرة، ووسائل أخرى كثيرة). في تسعينيات القرن العشرين سيطرَتْ فكرةُ «المدينة الافتراضية» على أخيلة الناس، أما في وقتنا الحاضر، فلا توجد مدينة شبكة عنكبوتية عالمية رقمية، وبدلا من ذلك، بالنسبة إلى غالبية الناس، لا توجد مدينة مادية دون الشبكة العنكبوتية العالمية.

الإدراك المكاني

شَكِّلت الخدمات المعتمدة على المسقط القطاعَ الأسرع نموًّا في مجال تكنولوجيات الشبكة العنكبوتية العالمية. ومن بين الخدمات المعتمدة على المسقط، تُعَدُّ الملاحةُ الشخصية (وهي خدمات تتيح للمستخدِمين الوصولَ إلى المسقط والبيانات ومشاركتهما مع الأصدقاء) الأسرعَ نموًّا، وكل المؤشرات تدل على حتى دمج بيانات المسقط في التطبيقات الاجتماعية والتجارية لن يتباطأ. قاد توافُر بيانات المسقط إلى ظهور تطبيقاتٍ مثل: «جيوتشيرب» أو«تويتر ماب» الذي يضع التغريدات في سياقٍ يعتمد على الإحداثيات الجغرافية، أو«تويت أراوند»، وهوخريطة واقع معزَّز تمزج بين خاصية الكاميرا في الهاتف الذكي والتغريدات المرتبطة بالمسقط.

المسقط المكاني شكلٌ متزايد النفع لتجميع البيانات لمتصفِّح الشبكة العنكبوتية العالمية على الأجهزة الثابتة، ولكنه «أساسي» بالنسبة إلى تطبيقات الأجهزة المحمولة. ولا شك في حتى من خصائص الهواتف المحمولة (الذكية) الرئيسية قدرتها على تحديد مكان الشخص ووضع سياقٍ لتعامُله مع الشبكة العنكبوتية العالمية عملى سبيل المثال: تتيح الشبكات الاجتماعية المعتمدة على المسقط، مثل فورسكوير ولوبت، للمستخدمين رؤيةَ مكانِ تواجُد «أصدقائهم» على شاشات هواتفهم المحمولة. وبالمثل، يمكن الإعلانَ المعتمِد على المسقط إيصال قسائم شرائية أينما كان المستخدِم في نطاقٍ محدَّدٍ لمتاجر بعينها، ٥ وتسمح تطبيقات الأجهزة المحمولة التي تتيح التعليقات التوضيحية — مثل «ويكي مي»، و«جيوجرافيتي»، و«مازجات خرائط جوجل» — للأفراد بالوصول إلى المعلومات الخاصة بالأماكن وتحميلها. ولأنه باستطاعة المستخدمين تخصيص المعلومات التي يرغبون في التفاعل معها (أيًّا من الأصدقاء يرغبون في رؤيتهم، وأيَّ قسائم شرائية يرغبون في الحصول عليها، وأيَّ بياناتٍ يرغبون في الوصول إليها)، فالآن يستطيع الناسُ استخدامَ تلك الأجهزة لإضفاء طابعٍ شخصيٍّ على خبراتهم مع الفضاءات المادية والتحكم في تلك الخبرات؛ فالعالم المادي مليء بالمعلومات، ويستطيع مستخدموالويب تنظيمَ تلك المعلومات في الأماكن التي قد يتواجدون بها.

تحيط قاعدةُ البيانات بنا من كلِّ مكان، وبينما يفتح هذا التصورُ البابَ أمام بعض الاحتمالات المشوِّقة لصِيَغ جديدة من التفاعل مع العالم وفيما بيننا، فليس صعبًا تخيُّل الأخطار الموازية؛ فإحدى عواقب قدرة المرء على تحديد مسقط الأمور والأشخاص هي أنه تقدر أنت نفسك تحديد مسقطك، وقد تكرَّرَتْ كثيرًا نظرةُ الشك والخوف من التكنولوجيات ذات الإدراك المكاني بدعوى التهديدات المحتملة للخصوصية الشخصية والمراقبة العليا والموازية الوشيكة.

ومع ازدياد تَقبُّل الناس لفكرة السماح لأجهزتهم بتتبُّع إحداثياتهم المكانية، ومع تنامي اعتيادهم على تأثير مسقط عنوان بروتوكول الإنترنت الخاص بهم على نتائج البحث، ومع تسقطاتهم برؤية إعلانات مرتبطة بالمسقط، أصبحوا منفتحين على البيئة المحيطة. المراقبةُ أكثر من مجرد كاميرا مخبَّأة وضابطِ شرطةٍ متخفٍّ، فالبيئاتُ المحيطة تتعقَّبُنا من خلال البيانات الشخصية التي نكشفها طوعًا. عندما قدَّمَ روجر كلارك مفهومَ رصد البيانات في عام 1998 ، كان يشير في الأغلب إلى تعقُّب البيانات الشخصية خلسةً باستخدام آلات مركزية، أما في وقتنا الحاضر، فقد جعلَتِ الأجهزةُ ذات الإدراك المكاني رصْدَ البيانات أمرًا طبيعيًّا، بل مكوِّنًا ضروريًّا أيضًا لتعاملاتنا اليومية مع الشبكة العنكبوتية العالمية. فتُعَدُّ مشاركتنا للبيانات أمرًا ضروريًّا لكي نحسن «استخدام» الشبكة العنكبوتية العالمية.

يوفِّر رسم خرائط للمعلومات والناس البنيةَ التحتية التي يمكن من خلالها وضع المستخدم على مسافة نسبية من جميع مكان في العالم. ولكننا لا نقول إذا المستخدمِين يشعرون بالضرورة بأنهم قد صاروا أقربَ إلى العالم المرسوم في الخرائط؛ فقد أشار الفيلسوف مارتن هايدجر في عام 1971 إلى حتى المذياع في خمسينيات القرن العشرين لم يقرِّب بين أناتى العالَمَ؛ فالاستماع إلى صوت المذيع، بينما يظهر شديدَ القرب كما لوكان بالغرفة ذاتها، ليس في واقع الأمر سوى الفهم الخاطئ لانعدام المسافة. عادةً ما يُشَغِّل الناس المذياع عندما يشعرون بالوحدة، ولكن لا يوجد أي حميمية في الاستماع إلى ذلك الصوت، فقط يوجد انطباعٌ بوجودِ حميميةٍ، وهذه الحميمية في جانبٍ كبيرٍ منها مصطنعة.

في الممارسة العملية، للقُرْب المادي والقُرْب عن طريق وسيطٍ، تأثيراتٌ متباينة على سلوك الناس؛ فإذا تصوَّرْنا — مثلًا — شخصين يجلسان متجاورين في حافلة ركاب، فإن لكل منهما مسئوليةً تجاهَ الآخر ليسَتْ موجودةً لدى شخصٍ يستمع إلى آخَر عبر المذياع. فلوجرح الشخصُ الجالس بجوارك ذراعه أثناء جلوسه، فستسأله على الأرجح عمَّا به، أما لووصَفَ الصوتُ الذي تنصت إليه في المذياع إصابتَه بشيءٍ مماثل، فمن المستبعد تمامًا حتى تتصل بمحطة الإذاعة لتسأل عن حالته. تتضح المسافة عندما نتذكر وجودنا في المسقط المادي.

ولكن مع تغيير تكنولوجيات الإدراك المكاني وممارساته الكيفية التي يدرك بها الناس مسقطهم المادي، يضيق تدريجيًّا الفارقُ بين القُرْب وانعدام المسافة. يصطنع الإعلامُ المسموع إحساسًا بالحميمية بجعل الأمر يظهر وكأنَّ المذيعَ موجودٌ معك في الغرفة نفسها ويتحدَّث إليك، وهذا الأمر يحدث من طرفٍ واحدٍ فقط؛ فالراجح حتى المذيعَ لن يبادِلَ كلَّ مَن يستمع إلى برنامجه هذا الشعورَ نفسه. ولكنْ حتى يضع المرءُ نفسَه في مسقطٍ يربطه ببقية العالَم، فإن في ذلك تحدِّيًا للتمايُز الصارم بين ما يظهر قريبًا من خلال وسيطٍ وبين ما قريب حقًّا. عندما يصبح المرء مُدْرَجًا على خريطة، وموضوعًا في علاقةٍ جغرافيةٍ مع أشياء محددة على الخريطة، فإن ذلك يُوجِد نوعًا من الإحساس بانعدام المسافة، وكأنَّ هناك وصولًا عالميًّا لكل شيء، ولكنْ يوجد مع ذلك شعورٌ بالقرب، وفي هذه الحالة فإنَّ كلَّ شيء يُقاس بالمسافة العملية بينه وبين المراقب.

لم يَعُدْ تحديدُ المرء لمسقطه مجردَ صورةٍ من المشاركة، مثل إضافةِ تعليقٍ إلى مدونة أونشرِ تعقيبٍ على يِلب، بل صار يهيِّئ عمليًّا ظروفَ التفاعل ويوفِّر السياقَ الذي تُؤَوَّل المعلومات وتُستخدَم من خلاله؛ ولذلك فإن للمسقط أهميةً أكبر مما لبقية صور الهُوِيَّة الشبكية. يَبْني اسمُ المستخدم والصورة التي ترمز إليه (الأفاتار) الهُوِيةَ أما المسقط فيَبْني الإطار الذي يمكن من خلاله للهُوِيَّة حتى تتشكَّل؛ فهويحدِّد موضعَ المستخدم في شبكةٍ ما، ليس فقط بوصفه عضوًا في مجتمعٍ على الإنترنت، ولكن في علاقته بالشبكة عمومًا. يخلق الوضوحُ الجذري للبيانات المحددة المسقط للمستخدمين «إمكانيةَ» حتى يختبروا قُرْبًا ذا مغزًى من الأمور والأشخاص. إذا تحوُّلَ التفاعل الاجتماعي عبر الوسيط من مجرد انعدام المسافة — كما وصفه هايدجر — إلى القُرْب هومسألة ممارسة.

الخرائط

أعرب ليور رون — مدير إنتاج جيوسيرش في شركة «جوجل» — في مؤتمر «أين 2.0» الذي عُقِد في أيار / مايوعام 2008 أننا يجب حتى نتوقف عن التفكير في تطبيق خرائط جوجل، وأوضح بفخرٍ أننا بدلًا من ذلك نحتاج إلى التفكير في البحث باستخدام جوجل على الخرائط. تشير هذه العبارة إلى الانتنطق من تطبيق ويب منفرد له وظيفة محددة إلى طريقة جديدة تمامًا للتفكير في البحث؛ فمعظم المعلومات هي محددة المكان أوقابلة لتحديد مكانها، والخريطة — وفقًا لما نطقه رون — يمكن حتى تصبح القابلة العالمية التي نصل من خلالها إلى تلك المعلومات. وقد أوضح فكرتَه بالإعلان عن ثلاث سمات جديدة لخرائط جوجل وهي: روابط لعرض منطقات ويكيبيديا، والصور، والمصادر الإخبارية. بتشغيل هذه السمات، تتحوَّل الخريطة عمليًّا من أداة للملاحة إلى قابلةِ بحثٍ.

وكانت هذه هي فقط أول قطرة من الغيث؛ فقد أعلَنَ رون للحضور أنه بازدياد الإنتاج التلقائي لمعلومات المواقع بواسطة تكنولوجيات الجي بي إس، أوالواي فاي، لن تصبح المعلومات غير محددة المسقط هي القاعدة. وبالعمل فإن معظم الصور الرَّقْمِيَّة موسومةٌ\ بإحداثيات الطول والعرض على مواقع مثل فليكر وبيكاسا، والموضوعات الإخبارية مربوطةٌ بمدن وأحياء، بل مربوطة حتى بمربعات سكنية معينة، والتدوين الرقميات محدَّد بها مكانَا التحميل والمحتوى، كما هي حال معظم المدونات التي تتبع أسلوبَ التدوين الرقمي عبر الأجهزة المحمولة (أوما يُطلَق عليه «موبلوج»).

وفي الآونة الأخيرة، قدَّمَ بليز أغويرا إي أركاس عام 2010 — مصمِّم خرائط بينج الخاصة بشركة مايكروسوفت — تطبيقًا لرسم الخرائط يُحوِّل الخرائط الإلكترونية إلى مشاهدَ ثلاثيةِ الأبعاد اعتمادًا على مستوى التكبير الخاص بالمستخدِم. أما الابتكار الحقيقي في خرائط بينج فهوأنها لا تسمح للمستخدم فقط بالحصول على أي نوع من البيانات الموسومة جغرافيًّا (أيْ محددة المسقط الجغرافي) — كما هومعتاد مع خرائط جوجل — ولكنها تسمح له أيضًا بالوصول إلى البث الحي من كاميرات الشوارع. كما تتيح خرائط بينج أيضًا للمستخدمين الوصولَ إلى بثٍّ حيٍّ من الكاميرات الداخلية في المنازل؛ ومن ثَمَّ لم تَعُدِ الفضاءات الخارجية فقط هي التي تُرسَم لها خرائط، ولكن أيضًا الأماكن الداخلية. وبينما يتواصل تطوير البنية التحتية لتكنولوجيا تحديد المواقع، يصبح المسقط وسيلةً عالمية للبحث عن بيانات العالم.

ثمة صناعة متنامية تتمحور حول عملية تحديد مواقع المعلومات. أُقِيم مؤتمر أين ٢٫٠ — أحد أبرز مُلتقَيات العاملين في هذه الصناعة — في عام 2005 برعاية شركة أورايلي ميديا، ليكون وسيلة لحشد الطاقات الصناعية وراء الإمكانات الجديدة التي انفتحَتْ نتيجةَ التقاء تكنولوجيات المسقط والشبكة العنكبوتية العالمية. لعقودٍ عديدة، كان مجالُ تحديد المسقط الجغرافي مُرَكِّزًا على تطوير برنامجِ نظامِ معلوماتٍ جغرافية متطوِّرٍ من أجل أبحاث السوق والأبحاث الاجتماعية، وكذلك من أجل الأغراض العسكرية. ولكن، عندما أُطلِقت خرائط جوجل في شباط / فبراير عام 2005، وأصبحَتْ قابلةُ برمجة التطبيقات الخاصة بها متاحةً للعامة بعد ذلك ببضعة شهور فقط، صار النطاقُ المتخصِّص لمبرمجي نظام المعلومات الجغرافية نطاقًا متوافرًا لكل المستخدمين العاديين.

ونطق الجغرافي مايكل جودتشايلد عن برنامج جوجل الجديد: «إن تأثيره يشبه تأثيرَ الكمبيوترات الشخصية في سبعينيات القرن العشرين؛ حيث لم يكن يوجد قبل ذلك من مستخدمي الكمبيوتر إلا نخبة قليلة. وتمامًا مثلما أشاع الكمبيوتر الشخصي استخدامَ الكمبيوتر، فإن أنظمةً مثل تلك ستجعل نظام المعلومات الجغرافية شعبيًّا. وصار إدراجُ المعلومات على الخرائط أمرًا معتادًا. ومنذ اللحظة التي أطلقَتْ فيها جوجل قابلةَ برمجةِ التطبيقات الخاصة بها، بدأَتِ الخرائطُ تنتشر في أنحاء الشبكة العنكبوتية العالمية عن جميع شيءٍ، من الجريمة إلى العقارات وحتى الترفيه. وبالرغم من حتى جوجل لم تكن أول من يدخل مجال الخرائط الإلكترونية، فإنها كانت ناجحةً في تحفيز تعميم ممارسات إعداد الخرائط.

ما بدأ بوصفه أداةً مفيدة، ثم استمرَّ بوصفه ممارسةً للهواة، تحوَّلَ إلى صناعة ضخمة؛ فصناعة تحديد المسقط الجغرافي — التي هجرَّزَتْ في السابق على أدواتِ رسمِ خرائط معلومات لأغراض محددة فحسب — تحوَّلَتْ إلى أدواتٍ تجعل المستخدمين يقدِّمون تلقائيًّا بياناتٍ وصفية مسقطية حول جميع المعلومات — أوتشجعهم على ذلك — بحيث يمكن حتى تكون للخرائط وظيفة ذات مجالات أكثر تنوعًا. فالصناعة الجديدة مبنية على فرضية حتى رسم الخرائط على الشبكة العنكبوتية العالمية هومستقبلُ البحث المرتبط بالمكان؛ مستقبلٌ قائمٌ على فرضية حتى تصبح إحداثيات الطول والعرض شيئًا مألوفًا مثل أسماء الملفات.

اسْتُخدِمَت مصطلحات عديدة لوصف هذه الظاهرة: «الويب الجغرافية المكانية» «الجغرافية الجديدة» ، «صنع الخرائط على الويب 2.0». ولكن هذه المصطلحات تُستخدَم عادةً لوصف التكنولوجيات أوالأهداف الفريدة لاستخدامها، لا لوصف العمليات الاجتماعية والظواهرية للتفاعُل مع فضاءات مترابطة شبكيًّا. يصف مصطلحُ «الويب الجغرافية المكانية» البنيةَ الأساسية اللازمة لصنع الخرائط على الشبكة العنكبوتية العالمية، ويصف مصطلحُ «الجغرافية الجديدة» مدى انتشار الممارسات التي تُكَوِّن الشبكةَ الجغرافية المشهجرة، ويسعى مصطلح «إعداد الخرائط على الويب 2.0» للجمع بين هذه الأمور لتحديد آليات العرض في أداة ناشئة. أما ما لم يُتناوَل كما يجب، فهوكيف من الممكن أن حتى هذا السياق الجديد لإنتاج الفهم الجغرافية من خلال خلق الخرائط على الويب يعمل ما أكثر من تغييرِ ممارسات خلق الخرائط؛ فهويُحدِث تغييرًا في الاتصال على نحوٍ أكبر. توحي المكانية الرَّقْمِيَّة بطريقة مختلفة لفهم الفضاء المكاني والخبرة به، ولا تقتصر على أداةٍ مختلفةٍ لإظهاره.

لكن الخرائط ليسَتْ شيئًا جديدًا؛ فحتى قبل حتى تدخل الأماكن ضمن الشبكة، كانت الخرائط تُستخدَم لفهم المعلومات في الفضاءات المادية. خط بطليموس — الفيلسوف عالم الرياضيات اليوناني الذي ظهر في القرن الثاني الميلادي — معلنًا في السطور الأولى من كتابه الجغرافيا حتى الخرائط هي «تمثيلٌ مصوَّر لمجمل العالَم المُدرَك وما يحتوي عليه من ظواهر». لم تكن الخرائط مجرد رسوم مسطَّحة للفضاء، بل كانت تمثيلًا لكل شيء يمكن تحديد مكانه. ولكنْ من طبيعة الحال لم يمتلك رسَّاموالخرائط الأدواتِ الضروريةَ لإدراك هذا التصوُّر. وحتى تمثيل الحدود الجغرافية بدقةٍ كان في حد ذاته عمليةً صعبة تستلزم استخدامًا مكثفًا للأيدي العاملة، وتتطلَّب رحلاتِ استكشافٍ طويلة وأعدادًا كبيرة من الناس. وكان رسم خرائط للواقع المتغير للتجارة أوالعلاقات المتشابكة بين البشر أيضًا؛ أمرًا يفوق ما تستطيع الخرائط عمله. ومع ذلك، فإن التطورات التكنولوجية — وخاصةً تلك التي سقطت خلال القرن الماضي — قد دفعَتْ خلق الخرائط ليغدوأقرب إلى قلب الحياة اليومية. وبينما كان يوجد دومًا اضطرار إلى تنظيم المعلومات وفقًا للأماكن المادية، فإن هذا الأمر قد تجسَّدَ تجسدًا واضحًا في الآونة الأخيرة فحسب. والآن، بعد حتى صرنا محاطين بالبيانات، نجد حتى الخريطة هي أكثر الأُطر المنطقية التي يمكن من خلالها فهم البيانات. سنتحدث في هذا الفصل عن كيفية تغيُّر الخرائط من أدوات ملاحية ذات وظيفة واحدة، إلى أدوات متعددة الوظائف للملاحة الشخصية عبر المجتمع والسياسة والثقافة.

صنع خرائط المعلومات الاجتماعية

الخريطة الأصلية للطبيب جون سنوتظهر مجموعات من حالات الكوليرا «المشار إليها بالمستطيلات المكدسة» في وباء لندن عام 1854. تقع المضخة الملوثة في تقاطع برود ستريت وكامبردج ستريت «الآن شارع ليكسينغتون»، ويمر إلى شارع ليتل ويندميل.

في عام 1854، عانَتْ لندن من التفشي الأكثر جسامةً لوباء الكوليرا. كان مئات الناس يسقمون ويموتون بالأحياء في جميع أنحاء المدينة. وأثناء الهلع، سادت نظرية الهواء الملوَّث: كان الهواء الملوَّث الذي ينبعث من المجازر أوالمصانع المنتنة يسبِّب تعرُّضَ الناس للعدوى المعوية، وكانت الروائح الكريهة مكافِئةً للهواء الموبوء. إلا حتى طبيبًا يُسمَّى جون سنوشكَّكَ في هذه النظرية، مدَّعِيًا بدلًا من ذلك حتى جراثيمَ في ماء الشرب كانت تسبِّب تفشِّيَ الكوليرا. حاوَلَ في البداية حتى يُثبِت هذه النظرية بالتعرُّف على هذه الجراثيم المجهرية، ولكن تحليله تحت المجهر لم يكن حاسمًا. وعلى الرغم من منطقيةِ مزاعِمِه، لم تَحْظَ نظريةُ الجرثومة بجاذبيةٍ كبيرةٍ لدى غالبية المجتمع الفهمي.

أبدَتْ قلة من الناس استعدادها للتخلِّي عن نظرية الهواء الملوَّث، ولكن سنوكان شديدَ التيقُّن حتى السببَ ماء الشرب، حتى إنه أقدَمَ على جهدٍ غير مسبوق لإثبات نظريته؛ إذ غامَرَ بالدخول في «الهواء الموبوء» وإلى جانبه القسُّ الموقَّر هنري وايتهيد، وطرَقَ الأبوابَ ليستفهم عن المكان الذي حصل منه الناس على مياه شربهم. وبعد الطواف في أراتى الحي، شرع وايتهيد وسنوفي تسجيل بياناتهم على خريطةٍ للمدينة. لاحَظَ أنه كان يوجد هجرُّز ملحوظ لحالاتٍ على مقربة من بئرٍ في شارع برود. الأهالي الذين كانوا يستخدمون هذه البئرَ للحصول على مياه شربهم كان احتمالُ تعرُّضهم للسقم أعلى بكثير. نجحَتِ الخريطةُ فيما فشل فيه المِجهر، وهوتوفير دليلٍ حاسم، وأجبر هذا المجلسَ المحلي (الذي كان أعضاؤه حتى ذلك الوقت مدافعِين ثابتِين عن نظرية الهواء الملوث) على تعطيل البئر بإزالة الذراع المستخدمة لاستخراج الماء منها.

تمكَّنَ سنوووايتهيد — من خلال التمثيل المرئي المكاني للمعلومات الاجتماعية — من إقناع جمهورٍ ومجتمعٍ فهمي متشككين بالتفكير بطريقةٍ مختلفة تمامًا. دُفِعت الخريطة إلى دائرة الضوء بصفتها أداة للتفاهم الاجتماعي، وشجَّع هذا فهمُ الأوبئة الوليد، وأرسى استخدامًا جديدًا لفهم رسم الخرائط. وأثبتَتِ الخرائطُ جدواها في تحديد العلاقات، وليس مجرد تحديد الاتجاهات. ضُمِّنت البيانات في إحداثيات جغرافية، وما إذا وُضِعَتْ حتى أوضحَتِ التجاوُرَ بين نقطة وأخرى.

ومع وجود نظامِ صرفٍ تحت الأرض ممتدٍّ مثل نظام الصرف في لندن، الذي كان يحتوي على وصلات دائرية بين المصادر والأنابيب والآبار، كانت الإشارة بإصبع الاتهام إلى بئر شارع برود عملًا بارعًا. بَيَّنت خريطة سنوكيف من الممكن أن حتى الحيَّ كان مقسَّمًا بين آبارٍ كثيرة مختلفة، وأن القرب من بئر شارع برود كان أمرًا تخمينيًّا، ولم يكن حاسمًا فيما يختصُّ بالوفيات نتيجة للسقم. اكتشف سنوووايتهيد بالتحدث إلى الأهالي من بيت إلى بيت حتى بعضهم — وحتى هؤلاء الذين سكنوا قريبًا للغاية من بئر شارع برود — من الممكن كانوا يجلبون مياهَهم من مكانٍ آخَر إذا كان ذلك أكثر ملاءَمةً للعمل أوللأسرة. فلم يكن تحديد أماكن الوفيات وحده هوما جعل الخريطة شديدةَ الأهمية، بل رسم خريطة للمعلومات الاجتماعية — التي جُمِعت وعُرِضت بعنايةٍ — هوما أطلق حقبةً جديدةً من فهم رسم الخرائط.

ومنذ ابتكار سنو، صار خلق خرائط للمعلومات الاجتماعية أوالبيئية ممارَسةً شائعة في المجالات الآخِذة في التطوُّر؛ كفهم الأوبئة، وتصميم المناظر الطبيعية، والتخطيط العمراني، وصور أخرى من الأبحاث الاجتماعية والطبيعية. ببساطةٍ أثبَتَ تراكُبُ البيانات فوق تمثيل جغرافي — وهوما أصبح معروفًا باسم «طبقات الكعكة» — جدواه وتلبيته عددًا من الأغراض. وكانت إحدى اللحظات الاستثنائية في رسم الخرائط المتعددة الطبقات حينما استخدم جون كيه رايت تعليقاتٍ مركبة لرسم خرائط للكثافات السكانية في منطقة كيب كود بولاية ماساتشوستس (1936). استطاع رايت — بجمع بيانات التعداد إلى جانب بيانات من وكالة المسح الجيولوجي بالولايات المتحدة — تحديدَ ملامح في الأراضي غير المأهولة في الكيب من شأنها حتى تساعد على تحديد انعكاساتها البيئية والاجتماعية. هذا العمل الأولي قاد رايت إلى حتى يفكِّر في أهمية الجمع بين الخرائط والمعلومات الاجتماعية.

في منطقة ترجع إلى عام 1947، عَرَّفَ رايت ما يُسمَّى «الجيوسوفيا الخرائطية» قائلًا: «تضم المقاربة الخرائطية إلى الحكمة الجغرافية (الجيوسوفيا) صنْعَ الخرائط التي تقدِّم معلوماتٍ عن توزيع الفهم الجغرافية. من الواضح حتى جميع خريطة تخبرنا شيئًا في هذا الشأن؛ فالخريطة الجيوسوفية هي خريطة مصمَّمة تحديدًا لهذا الغرض.» كان المفهوم القائل بأن بعض الخرائط أُنْتِجت بصفة أساسية لإضفاء الصبغة المكانية على المعلومات — عوضًا عن تقديم معلومات عن الفضاء المكاني — مهمًّا إلى حدٍّ بعيد في تطوُّر فهم رسم الخرائط؛ فوضْعُ الكثافات السكانية على خريطة من أجل تحديدِ توزيعاتِ الدخْلِ الفردي، شديدُ الاختلاف عن وضْعِ مواضع الأنهار والمجاري المائية؛ فالنوعُ الأول يستخدم العدسة الجغرافية لإبراز مجموعة البيانات، والثاني يستخدم البيانات لإبراز الجغرافيا. بعد ذلك، قسَّمَ رايت دراسةَ الجيوسوفيا الخرائطية إلى فئتين: الأولى هي خريطة تقدِّم المعلومات عما هومعلوم أوما كان معلومًا عن مناطق جغرافية مختلفة — ومن ذلك شيء مثل المسح الجغرافي للكثافة السكانية الذي ذكرناه آنفًا — أوحتى أبحاث الرأي، وهذا هوما نطلق عليه رسم خرائط للمعلومات الاجتماعية.

أما الفئة الثانية فكانت نظرية، وربما تضم الوضْعَ الكلي للآراء والاتجاهات، التي لا تُستخرَج فيها بياناتُ المستخدم بواسطة متخصِّص، ولكن ينتجها المستخدمون بأنفسهم. أما بالنسبة إلى راسمي الخرائط والمرسوم على الخريطة، فالفارق يكمن في التفاعل مع المعلومات غير المعروفة بعدُ، التي تظهر للوجود من خلال العملية الجماعية لرسم الخرائط. ولكن رايت استنتَجَ أنه «سواء أكانت هذه الخريطة الجيوسوفية تحديدًا أمرًا مستطاعًا أومرغوبًا أم لا، فإن الخرائط الجيوسوفية بوجهٍ عام تُظهِر بجلاء التباينَ بين ظلمة الجهل ونور الفهم». بعبارة أخرى، الخرائط لا توضِّح فقط ما نعهده بالعمل، ولكنها تقدِّم أيضًا الظروفَ لإعادة صياغة الأسئلة. هذه الفئة الثانية من الخرائط الجيوسوفية ليست وثيقة منتهية، ولكنها فترة يدخل فيها راسِمُ الخرائط والمرسوم على الخريطة في حوارٍ مستمرٍّ حول موضوع محدَّد بفضاء جغرافي. كان هذا المفهوم أساسيًّا في توجيه تطور الخرائط للدخول في بيئات الحوسبة. وفي ستينيات القرن العشرين، أعادت قدرةُ أجهزة الكمبيوتر المركزية الهائلة على معالجة البيانات تشكيلَ معنى الخريطة حرفيًّا.

نظام المعلومات الجغرافية: ملاقاة الخرائط والحواسيب

التمثيل المرئي للمواضيع في نظام المعلومات الجغرافية

في أوائل ستينيات القرن العشرين، أُسِندت إلى روجر توملينسون — وهورسام خرائط كان يعمل لحساب وزارة الاستصلاح والتطوير الزراعي الكندية — مهمةُ أتمتة خدمات رسم الخرائط الخاصة بها. ساعَدَ توملينسون — بالاشتراك مع شركة «آي بي إم» — في تطوير نظام المعلومات الجغرافية الكندي. كان هذا أول تطبيقٍ لما يُطلَق عليه في وقتنا الحالي «نظام المعلومات الجغرافية». كان دافع توملينسون لتطوير نظامٍ كهذا بسيطًا؛ إذ كان للخرائط الورقية أوجه قصورٍ كبيرة، أولها إمكانية عرْضِ قدرٍ معين فقط من البيانات الوصفية على خريطة واحدة. وفقًا لتوملينسون : «محتوى بيانات الخرائط الورقية محدود بحجم الورقة التي تُسجَّل عليها المعلومات، وبالحيز الذي يحتاجه جميع بند من البيانات ليظل مقروءًا». يستطيع الكمبيوتر تغيير جميع هذا: إذ يوفر مرونةً غير محدودة في العرض، وفي نفس الوقت بتشفيره لتحليل البيانات من خلال معاملَيْ خط الطول وخط العرض. بالإضافة إلى ذلك يجب حتى تُقرَأ الخريطة الورقية وتُحلَّل بواسطة إنسان. ويضيف توملينسون: «كي تخزِّن مقدارًا كبيرًا من البيانات على الخرائط، يجب حتى تنشئ عددًا كبيرًا من الخرائط. واستخراج المعلومات على نحوٍ مرئي من عددٍ هائل من الخرائط يمثل مهمةً صعبة فيما يتعلَّق بالقراءة والقياس». يمكن للكمبيوتر حتى يُحَلِّل البيانات آليًّا؛ موسِّعًا نطاق مجموعات البيانات التي يمكن رسم خرائط لها توسيعًا هائلًا.

بينما قدَّمَ نظامُ المعلومات الجغرافية الكندي إمكانيةَ التكامل بين الكمبيوترات والخرائط، فإن قدرًا كبيرًا من الابتكار في هذا المجال نبع من الجامعات. ونخصُّ بالذكر هنا عملَ هوارد فيشر الذي أضفى الشرعيةَ على مجال الدراسة هذا؛ فعندما كان فيشر مهندسًا معماريًّا في شيكاجوفي ستينيات القرن العشرين، عمل مع بعض مبرمجي الكمبيوتر لإنتاج أداةِ رسمِ خرائط ترابطية (سايماب)، وهي نظامٌ بإمكانه استيعاب النقاط والخطوط والمساحات بوصفها مُدخَلات، وإنتاج خريطة تفاعلية. وبعد حصوله على دعمٍ مالي كبير من مؤسسة فورد كي يستمر في العمل على مشروعه، انتقل في عام ١٩٦٥ إلى كامبريدج بولاية ماساتشوستس لينشئ معملَ رسوم الكمبيوتر في كلية الدراسات العليا للتصميم بجامعة هارفرد. أصبح هذا المركز مركزًا لرسم الخرائط باستخدام الكمبيوتر، مع وجود عشرات من طلبة الدراسات العليا وأعضاء هيئة التدريس الذين عملوا على حمل كفاءة نظام «سايماب»، إلى جانب تطوير أنظمة أخرى. وبنهاية ستينيات القرن العشرين، كان هذا النظام موزعًا على نطاقٍ واسعٍ على الكثير من المعاهد والجامعات والمؤسسات في القطاعَيْن العام والخاص. وفي ذلك الوقت، كانت الجامعات في أنحاء أمريكا الشمالية والمملكة المتحدة — ومنها وحدة رسم الخرائط التجريبية بالكلية الملكية للفنون وجامعة أوريجون وجامعة كانساس — توجِّه جهودَها نحوَ إنتاجِ أنظمةٍ جديدة أتاحَتْ تقدُّمًا كبيرًا في المسح التصويري والتحليل الطوبوغرافي، فضلًا عن أنها غرسَتِ الجوانب المنهجية للجغرافيا الكمية، ويضم ذلك ما أصبح معروفًا بالإحصاء الجغرافي. كان نظام المعلومات الجغرافية متطورًا تطورًا كافيًا فيما يختصُّ بتكنولوجيات ومنهجيات استخراج البيانات لكيقد يكون له حضور قوي في المجالات المكانية، مثل: التخطيط العمراني، وفهم الأوبئة، والهندسة المعمارية، والجغرافيا، وفهم البيئة. ولكنه بالتأكيد لم يكن مقصورًا على العمل الأكاديمي؛ فمع حلول ثمانينيات القرن العشرين، أدَّتِ احتياجات المجالس البلدية وباحثي السوق والجيش إلى تحويل نظام المعلومات الجغرافية إلى صناعةٍ بمليارات الدولارات.

نظام المعلومات الجغرافية على الشبكة العنكبوتية العالمية

في أواخر تسعينيات القرن العشرين، غيَّرَتِ القدرةُ على تقديم أدواتِ [[نظم المعلومات الجغرافية|نظام المعلومات الجغرافية]] أومنتجاته عبر الشبكة العنكبوتية العالمية من الجدوى الاجتماعية لرسم الخرائط. فما كان يُعْتَبَر أداةً للاختصاصيين لمعالجة مجموعات البيانات المجمَّعة باحترافيةٍ بهدف التحليل المتخصِّص، صار ممكنًا نشْرُه حينئذ على نطاقٍ واسعٍ على الشبكة العنكبوتية العالمية . طُرِح برنامج زيروكس بارك ماب فيووَر عام 1993، وأتاح استخراجَ الخرائط المحلية من خلال روابط تشعبية. استمرَّتِ التطبيقاتُ المتخصصة في الظهور، وفي منتصف تسعينيات القرن العشرين أرست منظمة أوبن جيوسبيشال كونسورتيوم قواعِدَ لتَوَافُقِيَّةِ رسم الخرائط، كي يتمكَّن مختلف مطوِّري نظام المعلومات الجغرافية على الشبكة العنكبوتية العالمية من مشاركة البيانات الجغرافية. وكانت شركاتٌ مثل إيزري — مستغِلَّةً مصادر البيانات المفتوحة حديثًا — محوريةً في الانتشار الواسع لنظام المعلومات الجغرافية على الشبكة العنكبوتية العالمية. وسرعان ما استخدمَتِ المنظماتُ العامة والحكومات هذه الأدوات لإتاحة البيانات لمجتمعاتها الانتخابية. وتواجدت سوق محدَّدة للخدمات المكانية؛ فلم يكن الأمر بمنزلة فرض هذه التكنولوجيا على العامة، بل إذا العامة أنفسهم أرادوا فهمَ مكانِ تواجُد الأمور. على سبيل المثال: فُتِحت قواعدُ البيانات الخاصة بالبلديات في أونتاريوبكندا، وفي كاليفورنيا بالولايات المتحدة لاستخدام العامة، فأتاح ذلك للناس الوصول إلى الخرائط الرسمية لحدود المِلكية ومسارات مرافق الخدمات.

وفي عام 1997 جعلَتْ مدنُ صناعة النسيج بمقاطعة كاباروس بولاية كارولينا الشمالية كلَّ سجلات الأراضي العامة متاحةً على الشبكة العنكبوتية العالمية؛ فصار باستطاعة المستخدمين البحثُ عن أيِّ بترة أرض، واستخراج سجلات تاريخ ملكيتها وتقسيماتها، بالإضافة إلى سجلات الضرائب. يَسَّرَ النشرُ عبر الشبكة العنكبوتية العالمية وصولَ المستخدمين التقليديين إلى الأمور العالية القيمة المُكوِّنة لعمليات نظام المعلومات الجغرافية. وكما ذكر كريستيان هاردر، فإن هذا التحول في الانتشار قد تكون له تداعيات مهمة على المجتمع. وردًّا على أولئك الذين يدَّعُون حتى الشبكة العنكبوتية العالمية لا تغيِّر السمةَ الأساسية لنظام المعلومات الجغرافية، وأنه جعلها فقط متصلة بالشبكة، يفنِّد هاردر هذا الادِّعاء قائلًا إنه: «يماثل القولَ بأن آلة الطباعة لا تغيِّر السمة الأساسية للكتاب؛ فقيمةُ المعلومات الجغرافية (مثل جميع أشكال المعلومات الرَّقْمِيَّة) وقوةُ تطبيقات نُظُم المعلومات الجغرافية في حل المشكلات متناسبتان مع إمكانية الوصول إليهما»

أتاحت الشبكة العنكبوتية العالمية للناس في المنازل والممحرر في جميع أنحاء العالم الوصولَ إلى خرائط مُنتَجة بالكمبيوتر للتعرُّف على مُدُنِهم وأحيائهم، أوالحصول على إرشاداتِ الطرق لقيادة سياراتهم، أوليصمِّموا شبكاتٍ اجتماعيةً. وأيًّا ما كان محتوى هذه الخرائط، فإن الإمكانية اللامحدودة للتوزيع عبر الإنترنت قد تُعِيد صياغة السجال الدائر حول نظام المعلومات الجغرافية مرةً أخرى. إمكانيةُ الوصول لا تختصُّ فقط بعدد الناس الذين يحصلون على نوع محدد من التكنولوجيا، ولكنها ترتبط أيضًا بكيفية تغيير التكنولوجيا للممارسات الاجتماعية والثقافات المحلية. وفي دراستها المستفيضة لأثر آلات الطباعة في أوروبا الحديثة، تشير المؤرخة إليزابيث آيزنشتاين إلى حتى سهولة النشرِ أسفَرَت عن أعدادٍ هائلةٍ من الخط بلغات غير اللاتينية؛ وهذا ما أسهَمَ في نهاية الأمر في اعتماد الكثير من المقاطعات العامية المحلية لغةً رسمية. ونتيجةً لذلك، صار ممكنًا تعليم القراءة لعددٍ أكبر من الناس، وأدى هذا إلى زيادةِ عددِ مَن يعهدون القراءة والكتابة. بالإضافة إلى ذلك، كان للقدرة على الوصول إلى نسخ عدة (متعارضة) من الأعمال نفسها أثرٌ في تطوُّر العلوم الحديثة (وتبع ذلك ثقافة تقوم على الشك في جميع شيء والتجريب)، وقاد ذلك أخيرًا إلى الإصلاح البروتستانتي. وعلى المنوال نفسه، فإن ازدياد سهولة الوصول إلى نظام المعلومات الجغرافية عن طريق الشبكة العنكبوتية العالمية لم يغيِّر فقط طبيعةَ فهمنا لنظام المعلومات الجغرافية، ولكنه غيَّرَ طبيعةَ نظام المعلومات الجغرافية ذاته بوصفه قابلة تفاعلية، وهذا ما يُشكِّل طرقًا جديدة نتفاعل من خلالها مع البيانات المكانية.

لم يعتبر الجميع هذا النشرَ الواسعَ النطاق لنظام المعلومات الجغرافية شيئًا جيدًا . شكَّك بعض النقاد في حتى ينتج من هذا الشكل الكمبيوتري لرسم الخرائط أيُّ نموٍّ معهدي. وبينما أكثر مناصِرونُظُم المعلومات الجغرافية من استخدام تعبيراتٍ مثل: حرية، وفرصة، وتمكين، وتواصُل، وديمقراطية، ليدلِّلوا على إيمانهم المستمر بالدور الحسن لهذه التكنولوجيا؛ استخدم المعارضون تعبيرات مثل: سيطرة، واستغلال، وتقييد بغيض ومبهم ونخبوي. كانت القوة المركزية للنقد تنبع من أنه من خلال إدراج المعلومات الاجتماعية آليًّا على الخرائط، فإن الذوات التي أنتجت البيانات الأصلية قد شُيِّئت واخْتُزِلَت إلى مجرد مجموعات بيانات. وادَّعَى النقادُ حتى نظام المعلومات الجغرافية يعمل عن طريق اختزال الذاتية البشرية المعقَّدة داخل آلةٍ لتعالَج وتعمَّم؛ ولهذا فإنها تناهض الفرضيات المؤسِّسة للديمقراطية الليبرالية. ومع حتى الانعكاسات العملية لهذا النقد لم يَبْدُ أنها تؤثِّر تأثيرًا كبيرًا على صناعة نظام المعلومات الجغرافية المزدهرة، فإنها أفادت في تأطير الجدال الأكاديمي بشأن نظام المعلومات الجغرافية حول مسألتَي الديمقراطية والنزعة الإنسانية. ما الذي يصير على المحك عندما تُجَمَّع بيانات المرء الشخصية وتُدْرَج في صورة تمثيل للفضاء المكاني،يا ترى؟ وإذا كان من الممكن رسم خرائط للمكونات الخاصة بحياة المرء — كالعِرْق، والدخل المادي، والمعتقدات السياسية — بطرقٍ لا حصرَ لها لإثبات نقاط متباينة، فما السلطة التي يضحِّي بها المرءُ عندما يجعل بياناته متاحةً،يا ترى؟ هل تحطَّمَتْ قوة الفاعلية الشخصية نتيجةَ إمكانيةِ خلق الخرائط الكمبيوترية،يا ترى؟ هل يزيد هذا من الفجوة بين من يصنع الخريطة ومن يُدْرَج في الخريطة،يا ترى؟ ولكن الشبكة العنكبوتية العالمية تعهَّدَت بأنْ تبدِّد الكثيرَ من هذه المخاوف؛ فلم تَعُدْ هناك حاجة إلى حتى يُحَلِّل مجموعة من الخبراء مستندًا ما، فخريطةُ نظام المعلومات الجغرافية المنتجة بالكمبيوتر يمكنها حتى تتواصل على مدًى واسع؛ فانتقلَتْ من كونها وثيقةً فهميةً وأصبحت منطقًا ثقافيًّا، وأزالت المسقطَ من نطاق الخبراء ووضعَتْه في أيدي العامة.

يصف ياسِك مالتشفسكي ثلاث مراحل رئيسية لتطوُّر نظام المعلومات الجغرافية: الأولى: هي فترة الأبحاث الأولية في فترة خمسينيات وستينيات القرن العشرين. والثانية: هي فترة الاندماج التي وُظِّفَ فيها نظام المعلومات الجغرافية للأغراض العامة في الكثير من السياقات الفهمية، وكان ذلك في عقدي السبعينيات والثمانينيات من القرن العشرين. والفترة الثالثة: هي فترة الانتشار التي يميِّزها التحوُّل إلى نظام معلومات جغرافية عبر الشبكة العنكبوتية العالمية، موجَّه إلى المستخدِم، وذلك في تسعينيات القرن العشرين. وبالعمل، بحلول عام 1998، كان البحث عن اتجاهات القيادة على الطرق، أوتحديد مسقطِ شركة ما، أوتتبُّع الأحوال الجوية؛ من أكثر الأمور شيوعًا في استخدام الاتصال الشبكي.

أتاحت الشبكة العنكبوتية العالمية للمستخدمين الحصولَ على المعلومات الجغرافية متى شاءوا، ولكنها لم تطرح حتى ذلك الحين الرغبةَ في تقديم المعلومات الجغرافية، أوما سمَّاه مايكل جودتشايلد «المعلومات الجغرافية المقدَّمة طوعًا». ومع ازدياد أعداد المستخدمين المتفاعلين مع الخرائط، اتضح بجلاءٍ حتى الإمكانات الحقيقية لنظام المعلومات الجغرافية تكمن في المستخدمين أنفسهم، لا في جامعي البيانات المتخصصين. وإذ غيرت الشبكة العنكبوتية العالمية هجريزَها تجاه المحتويات التي يُنشِئُها المستخدِمون، أصبح عالَم نظام المعلومات الجغرافية على الشبكة العنكبوتية العالمية يحدِّد الأُطُرَ العامة لعرض الخرائط على الإنترنت. وهذا ما يمثِّل فترةً رابعةً من مراحل تطوُّر نظام المعلومات الجغرافية، ويؤدِّي إلى سياقٍ يتخطَّى فيه رسمُ الخرائط دورَه كأداةٍ للتمثيل المرئي، ويصبح أداةً تنظيمية مركزية للاتصال الشبكي. وبصورة أكثر تحديدًا، فإن خلق الخرائط قد تغيَّرَ من شيءٍ يمكنه تحديد مكان المعلومات الاجتماعية، إلى شيءٍ يمكنه حتى يجعل المعلومات المكانيةَ اجتماعيةً. حالما يُحدَّد مسقط المعلومات جغرافيًّا، تصير هي السياق والمحتوى للتفاعُل الاجتماعي.

الْمَكَانِيَّة الرَّقْمِيَّة

كان شراء جوجل شركة خدمة خلق الخرائط الرَّقْمِيَّة كيهول عام 2004 محفزًا رئيسيًّا للتحول الحديث في أساليب رسم الخرائط. أصبح من الممكن هجريب صور الأقمار الاصطناعية التي كانت تحويها قاعدةُ بيانات كيهول معًا، بحيث يسهل تحريكها وتكبيرها، محوِّلة الخرائط الثابتة بفاعلية إلى وثائق ديناميكية مَرِنة. وبالإضافة إلى الرسوم المتجهية التي تتسم به خريطة الإنترنت المعتادة، أضفَتْ صور الأقمار الاصطناعية إحساسًا بالسلاسة والانسيابية؛ فلم تَبْدُ الخريطةُ شيئًا منفردًا، وإنما إعادة تصوير سائلة ل «حالة كوكب الأرض».

ومع حتى انسيابية قابلة جوجل التفاعلية كانت مهمة، فلم ينشأ الابتكار الحقيقي من تصميمات القابلة التفاعلية التي قدَّمَها موظفوالشركة، ولكن مما قدمه بعض مخترقي الشبكات المَهَرَة. بعدَ وقتٍ قصير من إصدار خرائط جوجل، بدأ المستخدمون استخدامَ قابلةِ التطبيق البرمجية لينتجوا تطبيقاتٍ مركَّبةً من مجموعات البيانات القائمة. أضاف أدريان هولوفاتي — وهوأحد مستكشفي جوجل القدامى — إحصائيات الجرائم الخاصة بإدارة شرطة شيكاجوإلى خريطة جوجل. وعندما نشط المسقط، كان في مقدور المستخدمين البحثُ في الجرائم وفْقَ النوع، أوالشارع، أوالتاريخ، أوقسم الشرطة، أوالرقم البريدي، أوالحي، أوالمسقط الجغرافي. وعلى الفور أضحى المسقط شهيرًا وسطَ ملَّاك العقارات السكنية أومشتري العقارات المحتمَلين الذين أرادوا تحديدَ درجةِ أمان الأحياء السكنية.

وبحلول شهر تموز / يوليومن عام 2005، قررت جوجل إتاحةَ قابلة التطبيق البرمجية الخاصة بها لمن يريدها. وكنتيجةٍ مباشِرة لذلك، اجتيحت الشبكة العنكبوتية العالمية ب «مازجات خرائط جوجل»؛ كلِّ شيءٍ، من الصور الشخصية إلى أفضل مسارات الدراجات في المدينة، إلى محتويات الأفلام والبرامج التليفزيونية. وفي العام نفسه، أنشأ مايك بيج (2005-2006) مدوَّنةً سمَّاها جوجل مابس مانيا لتكون وسيلة لمواصلة تتبُّع هذه المشاريع. وهذا المسقط في الوقت الحالي يُعَدُّ مرجعًا لآلاف الخرائط، ويحدَّث يوميًّا. الخرائط مرتبة في تصنيفات مثل: الأحداث الجارية، الانتنطق والمواصلات، والإسكان والعقارات، والطقس والأرض، والبيرة والنبيذ، والمدونات، والتليفزيون، والأفلام، والمشاهير، إلى آخر ذلك.

ما الذي يميِّز هذه الفترة إذًا من الفترة السابقة لنظام المعلومات الجغرافية؟

بينما أعطى نظام المعلومات الجغرافية على الشبكة العنكبوتية العالمية وصولًا متزايدًا إلى البيانات المكانية، فإنه لم يوفِّر المرونة للمستخدِم لاختيارِ مجموعة البيانات وإنتاجها. ومع أنه وفَّرَ بعضَ القدرة على التفاعل مع البيانات، فإنه لم يُبْنَ على أساس هذا التفاعل. في الفترة الرابعة من نظام المعلومات الجغرافية، لا تُعتبَر الخرائط مجردَ وثائق بصرية للاستخدام، بل هي قابلات يصل من خلالها المستخدِم إلى البيانات على الشبكة، ويُغيِّرها، وينشرها. فإذا كانت الوظيفةُ الرئيسية لنظام المعلومات الجغرافية هي دَمْج قواعد البيانات مع الخرائط، حيث تظهر قاعدةُ البيانات وتنعكس على الخريطة، فيمكننا حتى نبدأ في إدراك الممارسات الحالية على أنها عكس هذه الفكرة؛ «فالخريطة تنعكس في قاعدة البيانات». ودمج هذه الفترة الرابعة من نظام المعلومات الجغرافية في الكثير من جوانب البحث عبر الإنترنت غيَّرَ نهجَ المستخدم حيال البيانات على نحوٍ عام.

تمثِّل خريطة جوجل بوابةً نحوقاعدة بيانات شاسعة للمعلومات. إنها تحوي اختيارات للبحث النَّصِّي، بالإضافة إلى الاستعراض البصري للمسقط. على سبيل المثال: يجلب البحثُ عن «شيكاجو، إيلينوي» خريطة، ولكن الأهم من ذلك أنه يجلب قابلةً لإجراء عمليات درس أخرى. وتُمثَّل الصور ومقاطع الصوت والصورة من يوتيوب ومنطقات ويكيبيديا، بالإضافة إلى قوائم الأعمال ب «علامات موضعية»، ويتيح النقر على هذه العلامات الموضعية وصولًا مباشرًا إلى الوسائط والمصادر الخارجية، من خلال نافذةٍ حوارية تنبثق من الخريطة. وبينما يمكن الوصول إلى هذه البيانات من خلال قابلة جوجل النَّصِّية، تتيح الخريطة تجميعًا جغرافيًّا يختلف جوهريًّا عن قائمة البحث النَّصية. البياناتُ واحدة، ولكن مع استمرار المستخدمين في التفاعل معها، يتزايد اعتماد التوسُّعُ الضخم لبيانات الشبكة العنكبوتية العالمية على التمثيل المجازِي للفضاء المادي والمسقط النسبي للمستخدم بداخل ذلك الفضاء المجازي.

حظيت جوجل وعملية تخصيص المستخدمين لقابلة تطبيقها البرمجية الخرائطية على تأثير جوهري في تحويل رسم الخرائط من ممارسة متخصصة ومدروسة إلى عمل مِلاحة عام وضمني. وبينما لم تكن خرائط جوجل هي الوحيدة في هذا المجال، فإنها غيَّرَتْ مجريات الأمور؛ فقد أسهمت جوجل بدور أكبر مما أسهمت به أي شركة أخرى في جعل ممارسات رسم الخرائط نشاطًا طبيعيًّا. وبينما كان ذلك جزئيًّا نتيجةً لجعل قابلة التطبيق البرمجية لخرائطها «مفتوحة المصدر»، كان للأمر علاقة أوثق بجهودها لجعل البروتوكولات الجغرافية عالمية. نتيجة استحواذ جوجل على كيهول عام 2004، أسَّسَتِ الشركة لغةَ ترميز كيهول (كي إم إل)، التي توفِّر مخططًا عامًّا للتعبير عن التعليقات الجغرافية والتمثيل المرئي لقابلات الخرائط الثنائية والثلاثية الأبعاد. ولغةُ ترميز كيهول هي النسخة الجغرافية من «لغة الترميز الموسَّعة» (إكس إم إل) التي تُستخدَم في جلب البيانات المنظَّمة من تطبيقٍ إلى الآخَر، على سبيل المثال: لوحتى شخصًا أراد حتى ينقل مدوَّنةً من مسقط بلوجر إلى مسقط ورد برس، لَاحتاج فقط إلى جلب ملفٍ بلغة الترميز الموسَّعة إلى النظام الجديد. يحتوي ملف لغة الترميز الموسعة على معلوماتٍ عن التنسيق والروابط والمستخدِمين. وبالمثل، فملفٌ ب «لغةِ ترميز كيهول» يشتمل على معلومات عن عناصر مثل: العلامات الموضعية، وإحداثيات الطول والعرض، والصور، والمضلعات والنماذج الثلاثية الأبعاد. وهي تسمح لأي إنسان بأن ينقل خريطةً من نظامين مختلفين؛ فمثلًا: من نظامخرائط جوجل إلى أيِّ نظام مؤهل لاستخدام لغة ترميز كيهول. ومكَّنَتْ هذه المستوى خرائطَ جوجل من حتى تنسلَّ إلى المعلومات الخرائطية الأخرى، كي تُحسِّن من نتائج بحثها. وفي عام 2008، أعربت جوجل عن تبرعها ب لغة ترميز كيهول — التي كانت بروتوكولًا مملوكًا لها — لمنظمة أوبن جيوسبيشال كونسورتيوم. وبينما لاقَتْ تلك المستوى استحسانًا واسعًا في مجتمع مطوِّري البيانات الجغرافية المكانية، فإن رغبة جوجل لجعل لغة ترميز كيهول مفتوحةَ المصدر لم يكن دافعها خيريًّا، بل كانت دَفْعةً لتطبيع ممارسات رسم الخرائط، كوَّنَتْ كمًّا أكبر من البيانات الجغرافية المكانية المتوافقة مع قابلةِ درس جوجل المعتمِدة على المكان، إلى جانب خلق المزيد من المنافسة.

في البداية، عندما أطلقَتْ جوجل قابلةَ التطبيق البرمجية الخاصة بها، كان الابتكار الأوَّلي هوالمرونة في اختيار مجموعات البيانات. كان في مقدور المستخدمين الذين لديهم فهمٌ قليلة بالترميز أنْ يأخذوا أيَّ مجموعةِ بياناتٍ ويدرجوها في خريطة. وفي خلال بضعة أعوام، حسَّنَتْ جوجل قابلتَها لتجعل صنْعَ الخرائط في سهولة النقر على زر «خرائطي»؛ وبهذا ازدادَتْ أعدادُ الخرائط الأحادية الوظيفة على الشبكة العنكبوتية العالمية زيادةً هائلةً. كانت خرائطُ الحمامات العامة، أورموز المناطق أوالمطاعم، أومشاهَدات الأجسام الطائرة المجهولة، أوما شابَهَ ذلك؛ شائعةً. وفي الوقت ذاته، انطلَقَ عدد من المنصات الجديدة التي سعت إلى استغلال الإمكانيات المتعددة الوظائف لصنع الخرائط. وبينما تستطيع خريطةٌ من خرائط جوجل حتى تعرض مجموعة بيانات مفردة، ما لم تكن مقيدة مسبقًا، فإن القابلة مفتوحة للوصول إلى بيانات أخرى أيضًا.

كان الدافع المحفِّز للمرء على كشف مسقطه في شبكة الخرائط الآخِذة في الاتساع هوالروابط البشرية نفسها التي تَحسَّر النقاد الأوائل لنظام المعلومات الجغرافية على فقدانها. إلا إنه خلافًا للنقد الذي شُنَّ ضدَّ الإصدارات الأقدم من نظام المعلومات الجغرافية، فإنه يوجد في وقتنا الحالي خطابٌ حماسي عن النزعة الشعبية وعن تحكُّم المُستخدِم كان غائبًا تمامًا في الأجيال السابقة؛ فتحديدُ مسقطك الجغرافي ومواقع الآخَرين يمكن بالعمل حتىقد يكون مصدرَ تمكينٍ، كما أنه يمثِّل أيضًا الهدفَ التجاري الواضح للعديد من الشركات القوية التي تجني الكثير من العالم الذي يتزايد فيه تحديد المواقع. تولي جوجل اهتمامًا كبيرًا لجعل مسقط جميع شيء قابلًا للتحديد؛ فمن خلال محاولتها جعل خرائطها قابلة شفافةٍ لمجموعات البيانات الضخمة — مثلما عملَتْ مع عمليات البحث الرَّقْمِيَّة والأبجدية التصاعدية — يمكنها حتى تضع نفسها في موضع حارس البوابة للفهم الجغرافية عمومًا، بالإضافة إلى المعلومات الجغرافية أيضًا.

الخرائط التمثيلية

مشروع هايدلبرغ، ديترويت الولايات المتحدة الأمريكية - صورة بانورامية لمنزل دمى الحيوانات

النظرُ إلى العلامات الموضعية على خريطةٍ شيءٌ، أما التقريبُ حتى الدخول في نطاق شوارع المدينة فذاك شيءٌ مختلف تمامًا. أطلقَتْ جوجل خاصيةَ «التجوُّل الافتراضي» (ستريت فيو) في أيار / مايو2007، وهي خاصية أخرى في الخريطة تسمح للمستخدمين حتى يقرِّبوا الصورة حتى الوصول إلى سلسلةٍ من الصور الفوتوغرافية البانورامية المتداخلة. وبالنقر على أَسْهُم الاتجاهات، يستطيع المستخدمون «السَّيْرَ» في الشارع ورؤية محيطه. قُدِّمت خاصية «التجول الافتراضي» في البداية بتغطيةٍ لخمس مدن: نيويورك، ولاس فيجاس، وسان فرانسيسكو، ودنفر، وميامي. وفي خلال ما يربوقليلًا على العام، امتدَّتِ التغطية إلى أكثر من 80 مدينة، وفي بعض الحالات تضمَّنَتِ المدنَ المحيطة والضواحي بالإضافة إلى المتنزهات العامة ومناطق الاستجمام، وذكَرَ البيانُ الرسمي للشركة أنها تنوي تغطيةَ العالَم بأسره.

إن تجربة التجول الافتراضي أكثر حميميةً من «منظور عين الطائر» الذي تتيحه صور الأقمار الاصطناعية؛ فهي تمكِّن المستخدمين من رؤية شكل المبنى أوالشارع في الواقع. وبخلاف السمات الأخرى في خرائط جوجل — التي تُجَمِّع مجموعات البيانات المتواجدة عمليًّا في قابلةٍ على هيئة خريطة — تستلزم خاصية التجول الافتراضي إجراءً مباشِرًا من جانب الشركة. تتجوَّل سياراتٌ أوشاحناتٌ مركَّب عليها كاميرات تلتقط آلافَ الصور التي تُدمَج لاحقًا في منظورٍ عالمي وتُربَط بالخريطة. والأمر الأهم هوحتى التجول الافتراضي يوصِّل إحساسًا «بالانغماس» داخل الخريطة، هذا الانغماس يمكن حتى يُوصَف بأنه حالة من «التواجد في المكان». يقلِّل هذا من المسافة المُدرَكة بين البيانات المُحدَّدة المسقط وبين المستخدِم الذي يختبر تلك البيانات، ومن المرجح حتى تطبيقات الخرائط المستقبلية ستبني على هذا الإحساس بالانغماس من أجل الربط ربطًا قويًّا بين المعلوماتِ المتاحة على الشبكة العنكبوتية العالمية بغزارةٍ وبين الفضاءات المادية المحلية.

حقَّقَ هذا الأسلوب نجاحًا كبيرًا لدرجة أنه ابتكر نوعًا من السياحة عبر الإنترنت؛ فعندما أُطلِقت خاصية التجول الافتراضي في البداية، ظهر الكثير من المواقع الإلكترونية «السياحية» المخصَّصة لإبراز الصور الجديرة بالعرض، وأطلق مسقط «وايرد» الإخباري مسابقةً لقرَّائه لتقديم صورٍ مشوِّقة؛ مبتدِئًا بسان فرانسيسكوونيويورك، ولاحقًا في لوس أنجلوس وسان دييجو. كانت النتائج مدهشة: رجل يظهر أنه يقتحم مبنًى في سان فرانسيسكو، وحوادث سيارات في مينيابوليس وفينيكس وفي أوشن سايد بولاية كاليفورنيا، ورجل يتطلَّع بشبق إلى امرأةٍ تؤدي تمرينات رياضية في سان فرانسيسكو، ومنزل لدُمى الحيوانات المحشوَّة في ديترويت، ورجل يُقبَض عليه في سان لويس. معظم هذه الصور محض فضولٍ، ولكن بعضها أشعَلَ جدلًا كبيرًا، وأثارَ قضايا شائكةً حيال الخصوصية والمراقبة.

تطرح هذه الممارساتُ السياحية بعضَ المسائل المهمة أمامنا. عندما تصبح الأمكنة موصولة شبكيًّا، تُعَدُّ الخرائطُ تمثيلاتٍ لتلك الشبكات (هذا بجانب دورها بوصفها أدوات). تسمح خاصية التجول الافتراضي للمستخدِم بأن يستكشف أمكنةً جديدة، وليس فقط تيسير التفاعل مع الأمكنة القائمة. بينما كان الاستكشاف استخدامًا شائعًا للخرائط طوال قرون، كان دورُ الخريطة في السابق تسهيلَ الاستكشاف المادي فحسب، أما في الوقت الحالي، فالخريطة تتحوَّل إلى مسقطٍ يستحِقُّ الاستكشافَ في حدِّ ذاته.

يُذكِّرنا القول السابق ظاهريًّا بما نطقه مُنَظِّر ما بعد الحداثة جان بودريار عن تأثيرات المحاكاة على العالم «الحقيقي»؛ فقد أكد أنه «لم تَعُدِ الحدودُ تسبق الخرائط، ففي زمننا المعاصر أضحَتِ الخرائطُ سابقةً للحدود». وباستخدام الأسلوب المجازي في حديثه عن التمثيلات في الثقافة المعاصرة، أشار إلى حتى التمثيلات صارت «حقيقيةً» أكثرَ من الأمور التي تمثِّلها، وأطلق على هذه الظاهرة اسم «الصورة الزائفة». فوفقًا لبودريار، قد تكون الصورةُ السياحية هي الدافع إلى تجربة زيارة المقصد السياحي وليس العكس، ومع ذلك، من الواضح أنه في الْمَكَانِيَّة الرَّقْمِيَّة، لا يحلُّ المقصدُ الرقمي بذاته محلَّ الشيء الذي يمثِّله على الخريطة، ولكنه يزيد الصلة مع ذلك المسقط المادي قوةً. في الحقيقة، يمكن للمعلومات الرَّقْمِيَّة حتى تصير جزءًا من المسقط المادي — كما سنرى في الفصل التالي — عوضًا عن حتى تدمِّره أوتحلَّ محلَّه. الخريطةُ في حدِّ ذاتها مرغوبٌ فيها، ولكن ذلك فقط لكونها تربط عالَمَ المعلومات بالعالم المادي ذاته.

يتجلى ذلك عندما ننظر لخاصية العرض الثلاثي الأبعاد للخريطة المتاحة في تطبيقات بينج وجوجل إيرث. تضيف أدواتٌ مثل جوجل إيرث والتجول الافتراضي الثلاثي الأبعاد بخاصية عين الطائر في خرائط بينج، مؤثراتٍ بصريةً تزيد من قُرْب المستخدم إلى الخريطة. عند تشغيل جوجل إيرث بصفته تطبيقًا منفردًا أوبصفته مكوِّنًا إضافيًّا على الويب، تقترب الكاميرا نزولًا من صورةٍ للكرة الأرضية برمتها إلى نماذج ثلاثية الأبعاد للشوارع، موضوعة فوق صور عالية الدقة مرسلة من الأقمار الاصطناعية.

وبمقدور المستخدمين حتى يصلوا داخل جوجل إيرث إلى المعلومات ومقاطع الصوت والصورة والصور وأن يضيفوها، كما يمكنهم أيضًا الوصول إلى نماذج ثلاثية الأبعاد للمباني، وإضافتها باستخدام تطبيق جوجل سكيتش أب. يمكن لأي نموذجٍ مبنيٍّ باستخدام سكيتش أب حتى يُوضَع في عرض الخرائط الخاصة بالمستخدم، وإنْ كان جيدًا حقًّا يمكن حتى يُرسَل إلى «مستودع النماذج» في جوجل، حيث يمكن اختيارُه ليصبح جزءًا من «السجل الرسمي». صُنِعت نماذجُ لمئاتٍ من المدن العالمية بالعمل بهذه الطريقة، وتَظهر مدنٌ جديدةٌ باستمرارٍ على الإنترنت، وييسِّر ذلك برنامجُ «مدن قيد التطوير» الموجود على مسقط جوجل إيرث الإلكتروني. يمكن لصانعي النماذج حتى يوجِّهوا نداءاتٍ لمساهمين آخَرين بعد إتمام بناء 12 نموذجًا على الأقل على نحوٍ سليم، وربطها بإحداثيات جغرافية. وتشير جوجل إلى حتى لديها أكثر من 500 ألف مستخدِم مسجَّل يضيفون بنشاطٍ محتوًى أونماذجَ طقسٍ أوصورًا أوعلاماتٍ موضعيةً إلى قاعدة بيانات العالَم الرقمي السريعة التوسُّع. شرعت مدن وبلدات في استخدام هذه النماذج للمساعدة في عملية التخطيط المجتمعي، على سبيل المثال: أصدرَتْ مدينة أميرست بولاية ماساتشوستس أمرًا ببناء مركز المدينة في عام 2007 في إطار عملية التخطيط العام للمدينة، وتم تحميل النماذج إلى مستودع النماذج الثلاثية الأبعاد، وأصبَحَت منذ ذلك الوقت جزءًا من خرائط جوجل إيرث. استخدمَتْ مدينة أميرست النماذج الثلاثية الأبعاد بطرقٍ متعدِّدة، من بينها إطلاع المجتمعات المحلية على الصورة التي يُحتمل حتى تبدوعليها التطورات المستقبلية، أوتسهيل الجولات السياحية بالمدينة. نطق نيلس لاكور الذي تزعَّمَ وأطلق مشروع «أميرست بثلاثة أبعاد» عندما كان رئيس المخططين في المدينة: «هذا هوبالضبط ما كنا نرجوحتى نحقِّقه»، «هذا المشروع وسيلةٌ لتمكين الناس من استشراف مستقبل التطور الاقتصادي الذي يتمحور حول ما يرغبون فيه حقًّا، في لقاء شيءٍ مثل مركزٍ تجاريٍّ صغيرٍ».

هل العالَم معنا بإفراط؟

تمكننا الخرائط من إدراك المعلومات الواقعة في العالم. ونتيجةً لانتشار الخرائط، فإن كلَّ ما نقوم به عادةً يعود بالفائدة عليها. نحن نبذل أقصى ما في وسعنا لتحديد مواقع الأمور، ومن ذلك: وضع إحداثيات جغرافية على صورة لمسقط فليكر للصور، وتعيين حيٍّ على فيسبوك، وتحديد مواقع الأفراد المنتمين إلى مجموعات معجبين أومنظمات متخصِّصة. ونعتقد أنه من الأفضل لنا حتى نتعهَّد الخرائط بالرعاية. ولكن هذه الممارسات — مثل معظم الأمور التي تشتمل على محتويات من نتاج المستخدم —قد يكون لها أثران: أحدهما قد يفيد المستخدم، والآخَر قد يضرُّه. كما في نقاش تريبور شولز عن الشبكة العنكبوتية العالمية بوجه عام، مثلما يُتَوقَّع من هذه الأدوات بأن تتيح لنا تحكُّمًا شخصيًّا أكبر في بيئتنا الشبكية المحيطة بنا، يُتوقَّع أيضًا حتى تكون سببًا في زيادة تحكُّم المصالح الخارجية المالية والسياسية في حياتنا. وكما نُحدِّد مواقع الآخَرين، فإننا نبيح أيضًا للآخرين حتى يحدِّدوا مواقعنا. وبينما نكتسب سيطرة على العالَم القابل للرسم في خرائط، فإننا نفقد السيطرة عندما نَعِي أننا جزءٌ من العالَم الذي سيُرسَم في الخرائط.

في قصيدة ويليام وردزورث الشهيرة التي تعود إلى عام 1807، يحذِّر الشاعر من حتى «العالم معنا بإفراط». ويرى — من منظور حقبة أوائل القرن التاسع عشر — حتى العالَم المادي الذي نشأ عن الرأسمالية قد أبعَدَنا عن روائع الطبيعة، وجعلنا غير قادرين على رؤية أشياء بالرغم من أنها نُصبَ أعيننا. نحن نفقد العالَمَ لأننا نعتقد أننا قادرون على التحكم فيه، وليس من العسير رؤية الصلة بين حدثات وردزورث القوية وتأثير الأمكنة الرَّقْمِيَّة؛ فحدثا ازداد اعتمادُنا على الخريطة لتحديد مكاننا في العالَم، ازدادَتْ صعوبةُ الاستغناء عنها. إذا العالَمَ معنا حقًّا، ولكنْ هل هومعنا بإفراط،يا ترى؟ الخريطة تصنع عالمنا، ولا تمثله فقط. لقد تشبَّعَتْ بها ثقافتنا تمامًا، حتى إذا مجرد التفكير في انتزاع الخريطة ممَّا تمثِّله قد يحدث أمرًا لا طائلَ منه. لكي نمضي قُدُمًا، نحتاج إلى فهم الأنظمة التي صنعناها وأفضل السبل لاستكشافها.

المراجع

  1. ^ "ديفيد بوهينيت، مؤسس شركة جيوسيتيز". بودكاست تاريخ الإنترنت (باللغة الإنجليزية). مؤرشف من الأصل في 02 سبتمبر 2019. اطلع عليه بتاريخ 08 مارس 2020.
  2. ^ بيرنرز لي, تيم (2010), (باللغة الإنجليزية), مؤرشف من الأصل في 18 فبراير 2020, اطلع عليه بتاريخ 08 مارس 2020 CS1 maint: ref=harv (link)
  3. ^ ستول, كليفورد (1995-02-26). "لماذا لن تكون الشبكة العنكبوتية العالمية نيرفانا". Newsweek (باللغة الإنجليزية). مؤرشف من الأصل في 20 فبراير 2020. اطلع عليه بتاريخ 08 مارس 2020.
  4. ^ نيكولاس; نيجروبونتي (1995). (باللغة الإنجليزية). نيويورك مجموعة كنوبف دبلداي للنشر. مؤرشف من الأصل في 19 أغسطس 2011.
  5. ^ هانز بيتر مورافيتش (1988). . كامبريدج، ماساشوستس: مطبعة جامعة هارفارد. مؤرشف من الأصل فيثمانية مارس 2020.
  6. ^ ستيرنبيرغ, آدم (2019-02-04). "المصفوفة فهمت الأبطال الخارقين الطيران". Vulture (باللغة الإنجليزية). مؤرشف من الأصل في 20 ديسمبر 2019. اطلع عليه بتاريخ 08 مارس 2020.
  7. ^ "نموذج التنقل الجديد. - بوابة البحوث | جامعة لانكستر". www.research.lancs.ac.uk (باللغة الإنجليزية). مؤرشف من الأصل في 08 يوليو2017. اطلع عليه بتاريخ 08 مارس 2020.
  8. "السكن في المدينة الافتراضية: المحادثات المصورة". smg.media.mit.edu. مؤرشف من الأصل في 21 سبتمبر 2015. اطلع عليه بتاريخ 08 مارس 2020.
  9. ^ شيري; توركل (1995). . نيويورك : سيمون وشوستر. مؤرشف من الأصل فيثمانية مارس 2020.
  10. كلارك, إم جي (1998-02). "نظم المعلومات الجغرافية - ديمقراطية أم وهم؟". البيئة والتخطيط أ: الاقتصاد والفضاء (باللغة الإنجليزية). 30 (2): 303–316. doi:10.1068/a300303. ISSN 0308-518X. مؤرشف من الأصل في 08 مارس 2020.
  11. ^ وونش, ميكايلا (2016-12-10). "الفن والسياسة والحقيقة في معاداة السامية لهايدجر". Stasis (باللغة الإنجليزية). 4 (2). doi:10.33280/2310-3817-2016-4-2-132-144. ISSN 2500-0721. مؤرشف من الأصل في 28 يوليو2018.
  12. ^ ماركهام, تيم; كولدري, نك (2008-01). "التقارب المضطرب أوالمسافة الراضية،يا ترى؟ البحث في استهلاك وسائل الإعلام والتوجه العام". الإعلام والثقافة والمجتمع (باللغة الإنجليزية). 30 (1): 5–21. doi:10.1177/0163443707084347. ISSN 0163-4437. مؤرشف من الأصل في 08 مارس 2020.
  13. ^ توركل, شيري (1996). "الحياة على الشاشة: الهوية في عصر الإنترنت. نيويورك: سايمون وشوستر. 347". الدراسات المعهدية: نشرة الجمعية اليابانية للعلوم المعهدية. 3 (3): 3_99–3_100. doi:10.11225/jcss.3.3_99. مؤرشف من الأصل في 08 مارس 2020.
  14. ^ كولدري, تيم; مارخام, نك (2008-01). "التقارب المضطرب أوالمسافة الراضية،يا ترى؟ البحث في استهلاك وسائل الإعلام والتوجه العام". الإعلام والثقافة والمجتمع (باللغة الإنجليزية). 30 (1): 5–21. doi:10.1177/0163443707084347. ISSN 0163-4437. مؤرشف من الأصل في 08 مارس 2020.
  15. ^ "المتحدث : ليور رون : مؤتمر أين 2.0 (2008) -- مؤتمرات أورايلي ، 05 كانون الأول /ديسمبر 2008 ، بيرلينجام، كاليفورنيا". conferences.oreilly.com. مؤرشف من الأصل في 09 مارس 2020. اطلع عليه بتاريخ 09 مارس 2020.
  16. ^ ديكلان, باتلر (2006-02-01). "العالم على شبكة الإنترنت". ناتشر (باللغة الإنجليزية). 439 (7078): 776–778. doi:10.1038/439776a. ISSN 1476-4687. مؤرشف من الأصل في 30 مارس 2018.
  17. ^ آرنوشلار (2007). شلار, آرنو; توتشترمان, كلاوس (المحررون). . (باللغة الإنجليزية). لندن: سبرينغر فيرلاغ. ISBN . مؤرشف من الأصل في 15 ديسمبر 2017.
  18. ^ أندرو; تيرنر. (باللغة الإنجليزية). ISBN . مؤرشف من الأصل في 31 أغسطس 2019.
  19. ^ هاكلاي, موكي; سينغلتون, أليكس; باركر, كريس (2008). "صنع الخرائط على الإنترنت 2.0 : الجغرافيا الجديدة للويب الجغرافي". بوصلة الجغرافيا (باللغة الإنجليزية). 2 (6): 2011–2039. doi:10.1111/j.1749-8198.2008.00167.x. ISSN 1749-8198. مؤرشف من الأصل في 09 مارس 2020.
  20. ^ "جغرافيا بطليموس". www.wdl.org. 1478. مؤرشف من الأصل في 21 أكتوبر 2019. اطلع عليه بتاريخ 09 مارس 2020.
  21. ^ تيمريك وتوماس سي (2002). . سودبري، ماساشوستس: جونز وبارتليت ناشرون. مؤرشف من الأصل فيتسعة مارس 2020.
  22. ^ إدوارد; تافت (1997). . شيشاير، كون: صحافة الرسومات. مؤرشف من الأصل فيتسعة مارس 2020.
  23. ^ رايت, جون كيرتلاند (1947-03-01). "تيرا المتخفي: مكان الخيال في الجغرافيا". حوليات رابطة الجغرافيين الأمريكيين. 37 (1): 1–15. doi:10.1080/00045604709351940. ISSN 0004-5608. مؤرشف من الأصل في 24 مايو2019.
  24. تشونغ رين بنغ، مينغ هسيانغ تسو(2003). . هوبوكين، نيوجي: ويلي. ISBN . مؤرشف من الأصل في 09 مارس 2020.
  25. هاردر, كريستيان (1998). "تقديم الخرائط على الإنترنت". dl.acm.org. doi:10.5555/521656 تأكد من صحة قيمة|doi= (مساعدة). مؤرشف من الأصل فيعشرة مارس 2020. اطلع عليه بتاريخعشرة مارس 2020.
  26. ^ إليزابيث إل آيزنشتاين (1979). . مطبعة جامعة كامبريدج. مؤرشف من الأصل فيعشرة مارس 2020.
  27. ^ تيموثي فورسمان, المحرر (1998). . نيوجيرسي: دار برينتس. ISBN . مؤرشف من الأصل فيعشرة مارس 2020.
  28. ^ هاريس, تريفور; واينر, دانيال (1996). "نظم المعلومات الجغرافية والمجتمع: الآثار الاجتماعية لكيفية تمثيل الناس والفضاء والبيئة في نظم المعلومات الجغرافية" (باللغة الإنجليزية). مؤرشف من الأصل في 17 أكتوبر 2015.
  29. ^ مالتشيفسكي, ياسيك (2004). "تحليل ملاءمة استخدام الأراضي القائم على نظم المعلومات الجغرافية: نظرة عامة نقدية". التقدم المحرز في التخطيط: 3–65. مؤرشف من الأصل في 24 مايو2013.
  30. ^ بيترسون, مايكل (1997). "الاتجاهات في استخدام خريطة الإنترنت". أعمال المؤتمر الدولي الثامن عشر للخرائط: 1635–1642. مؤرشف من الأصل فيعشرة مارس 2020.
  31. ^ جودتشايلد, مايكل (2007). "المواطنون كأجهزة استشعار طوعية: البنية التحتية للبيانات المكانية في عالم الويب 2.0". المجلة الدولية لبحوث البنى التحتية للبيانات المكانية: 24–32. مؤرشف من الأصل فيتسعة يونيو2013.
  32. ^ ميلر, كريستوفر (2006-10-10). "وحش في الميدان: خرائط جوجل وصفة نظام المعلومات الجغرافية الثاني". رسم الخرائط: المجلة الدولية للمعلومات الجغرافية والتصور الجغرافي (باللغة الإنجليزية). doi:10.3138/J0L0-5301-2262-N779. مؤرشف من الأصل فيعشرة مارس 2020.
  33. ^ جوردون, إيريك (2007-12-01). "رسم خرائط الشبكات الرقمية من الفضاء الإلكتروني إلى جوجل". المعلومات والاتصالات والمجتمع. 10 (6): 885–901. doi:10.1080/13691180701751080. ISSN 1369-118X. مؤرشف من الأصل فيعشرة مارس 2020.
  34. ^ جوردون, إيريك; شيرا, ستيفين; هولاندر, جستين (1998). "التخطيط الغامر: نموذج مفاهيمي لتصميم المشاركة العامة مع التقنيات الجديدة". البيئة والتخطيط (ب): التخطيط والتصميم (باللغة الإنجليزية). 38 (3): 505–519. doi:10.1068/b37013. ISSN 0265-8135. مؤرشف من الأصل فيعشرة مارس 2020.
  35. ^ جان بودريار. (باللغة الإنجليزية). ISBN . مؤرشف من الأصل في 12 ديسمبر 2019.
  36. ^ شولز, تريبور (2008). "أيديولوجية السوق وأساطير الويب 2.0" (باللغة الإنجليزية). doi:10.5210/fm.v13i3.2138. ISSN 1396-0466. مؤرشف من الأصل في 11 فبراير 2020.
تاريخ النشر: 2020-06-01 20:33:20
التصنيفات: إنترنت, خرائط, نظام التموضع العالمي, إلكترونيات رقمية, إلكترونيات, جوجل ستريت فيو, جوجل, تويتر, شبكات اجتماعية, نظم المعلومات الجغرافية, صفحات بها مراجع بالإنجليزية (en), CS1 maint: ref=harv, أخطاء CS1: دوي, أخطاء CS1: دورية مفقودة, مقالات تحتوي نصا بالإنجليزية, بوابة تقنية المعلومات/مقالات متعلقة, بوابة المملكة المتحدة/مقالات متعلقة, بوابة تقانة/مقالات متعلقة, بوابة إلكترونيات/مقالات متعلقة, جميع المقالات التي تستخدم شريط بوابات

مقالات أخرى من الموسوعة

سحابة الكلمات المفتاحية، مما يبحث عنه الزوار في كشاف:

آخر الأخبار حول العالم

ماليزيا تحث الولايات المتحدة على الصدق في حل القضايا الدولية

المصدر: RT Arabic - روسيا التصنيف: سياسة
تاريخ الخبر: 2022-05-14 09:16:42
مستوى الصحة: 87% الأهمية: 97%

دول أعلنت الحداد وتنكيس الأعلام حدادا على خليفة بن زايد

المصدر: RT Arabic - روسيا التصنيف: سياسة
تاريخ الخبر: 2022-05-14 09:16:41
مستوى الصحة: 80% الأهمية: 89%

ملك الأردن يحمل إلى الولايات المتحدة شكاوى من إسرائيل

المصدر: RT Arabic - روسيا التصنيف: سياسة
تاريخ الخبر: 2022-05-14 09:16:51
مستوى الصحة: 88% الأهمية: 94%

صحيفة صينية: إجراءات روسيا المضادة وجهت ضربة قوية للدولار

المصدر: RT Arabic - روسيا التصنيف: سياسة
تاريخ الخبر: 2022-05-14 09:16:47
مستوى الصحة: 87% الأهمية: 90%

كيم جونغ أون يعلن عن "أكبر صدمة" في تاريخ كوريا الشمالية

المصدر: RT Arabic - روسيا التصنيف: سياسة
تاريخ الخبر: 2022-05-14 09:16:47
مستوى الصحة: 80% الأهمية: 95%

مولدوفا تتفق مع روسيا على دفع ثمن الغاز باليورو

المصدر: RT Arabic - روسيا التصنيف: سياسة
تاريخ الخبر: 2022-05-14 09:16:42
مستوى الصحة: 84% الأهمية: 96%

كوريا الشمالية تسجل 21 وفاة بكوفيد وتكافح تفشي الفيروس

المصدر: فرانس 24 - فرنسا التصنيف: سياسة
تاريخ الخبر: 2022-05-14 09:16:35
مستوى الصحة: 83% الأهمية: 100%

الخزانة الأمريكية تبحث مع بنوك أجنبية تشديد القيود ضد روسيا

المصدر: RT Arabic - روسيا التصنيف: سياسة
تاريخ الخبر: 2022-05-14 09:16:45
مستوى الصحة: 75% الأهمية: 89%

محاولات ألمانيا شراء الغاز القطري اصطدمت بمشكلة غير متوقعة

المصدر: RT Arabic - روسيا التصنيف: سياسة
تاريخ الخبر: 2022-05-14 09:16:51
مستوى الصحة: 84% الأهمية: 88%

صحيفة أمريكية تستخلص "العبر" من خطاب بوتين في ميونيخ عام 2007

المصدر: RT Arabic - روسيا التصنيف: سياسة
تاريخ الخبر: 2022-05-14 09:16:40
مستوى الصحة: 83% الأهمية: 95%

سفارة فلسطين في تونس تقيم بيت عزاء للصحفية شيرين أبو عاقلة (صور)

المصدر: RT Arabic - روسيا التصنيف: سياسة
تاريخ الخبر: 2022-05-14 09:16:43
مستوى الصحة: 85% الأهمية: 91%

ألمانيا تحظر مظاهرات "يوم النكبة" الفلسطيني

المصدر: RT Arabic - روسيا التصنيف: سياسة
تاريخ الخبر: 2022-05-14 09:16:44
مستوى الصحة: 79% الأهمية: 95%

أوكرانيا تعلن خطة تعبئة لتجنيد مليون شخص

المصدر: RT Arabic - روسيا التصنيف: سياسة
تاريخ الخبر: 2022-05-14 09:16:46
مستوى الصحة: 87% الأهمية: 98%

تحميل تطبيق المنصة العربية