الإنسان مدني بالطبع تعبير عن نسبة الإنسان إلى المدينة. والمدينة لغة المقام من مدن بالمكان إذ أقام به. نطق صاحب المستدرك، تمدن الرجل تخلق بأخلاق أهل المدن وانتقل من حالة الخشونة والبربرية والجهل إلى حالة الظرف والأنس والفهم. ونطق، والمدينة عند الفلاسفة موضع اجتماع الناس.

مذاهب الفهماء

ابن العربي

نطق الفقيه ابن العربي: «فنقول: لما كان الإنسان مدنيا بالجبلة، مفتقرا إلى الصحبة بالضرورة، لأنه خلق خلقا لا يستقل بمعاشه ولا يستبد بمنافعه بل هومفتقر في ذلك إلى غيره، وكان ذلك الغير إما مجتمعا معه وإما مباينا عنه، والمنفعة التي يفتقر إليها إما حاضرة وإما غائبة.»

ابن تيمية

نطق ابن تيمية: «إذ كان الإنسان مدنيا بالطبع، لا تتم مصلحته إلا ببني جنسه، يعاونونه على جلب المنفعة ودفع المضرة،» ويقول أيضا: «الإنسان مدني من طبيعة الحال لا يستقل بتحصيل مصالحه، فلا بد لهم من الاجتماع للتعاون على المصالح.» ونطق ابن القيم: «إن الإنسان مدني بالطبع، لا بد له حتى يعيش مع الناس.»

الرازي

ويقول الفخر الرازي عند قوله تعالى: {والنهار مبصرا : «افهم حتى الإنسان مدني بالطبع، ومعناه أنه ما لم يحصل مدينة تامة لم تنتظم مهمات الإنسان في مأكوله ومشروبه وملبسه ومنكحه، وتلك المهمات لا تحصل إلا بأعمال كثيرة» ويقول عند قوله تعالى: {فاحكم بين الناس بالحق : «وافهم حتى الإنسان خلق مدنيا بالطبع، لأن الإنسان الواحد لا تنتظم مصالحه إلا عند وجود مدينة تامة، حتى حتى هذا يحرث وذلك يطحن وذلك يخبز وذلك ينسج وهذا يخيط، وبالجملة فيكون جميع واحد منهم مشغولا بمهم، وينتظم من أعمال الجميع مصالح الجميع. فثبت حتى الإنسان مدني بالطبع.»

ابن خلدون

ونطق ابن خلدون في مقدمته (341:2): «إنك تسمع في خط الحكماء قولهم: «إن الإنسان مدني الطبع،» يذكرونه في إثبات النبوات وغيرها، والنسبة فيه إلى المدينة، وهي عندهم كناية عن الاجتماع البشري، ومعنى هذا القول: أنه لا تمكن حياة المنفرد من البشر، ولا يتم وجوده إلا مع أبناء جنسه، وذلك لما هوعليه من العجز عن استكمال وجوده وحياته، فهومحتاج إلى المعاونة في جميع حاجاته أبدا بطبعه، وتلك المعاونة لا بد فيها من المفاوضة أولا، ثم المشاركة وما بعدها، وربما تفضي المعاملة عند اتحاد الأغراض إلى المنازعة والمشاجرة، فتنشأ المنافرة والمؤالفة، والصداقة والعداوة، وتؤول إلى الحرب والسلم بين الأمم والقبائل، وليس ذلك على أي وجه اتفق، كما بين الهمل من الحيوانات، بل البشر بما جعل الله فيهم من انتظام الأفعال وترتيبها بالفكر كما تقدم، جعل ذلك منتظما فيهم، ويسرهم لإيقاعه على وجوه سياسية وقوانين حكمية، ينكبون فيها عن المفاسد إلى المصالح، وعن الحسن إلى القبيح (كذا في النص المطبوع، ولعله يريد: من القبيح إلى الحسن)، بعد حتى يميزوا القبائح والمفسدة بما ينشأ عن عمل ذلك عن تجربة سليمة، وعوائد معروفة بينهم، فيفارقون الهمل من الحيوان، وتظهر عليهم نتيجة الفكر في انتظام الأفعال وبعدها عن المفاسد. هذه المعاني التي يحصل بها ذلك لا تبعد عن الحس جميع البعد، ولا يتعمق فيها الناظر، بل كلها تدرك بالتجربة وبها يستفاد، لأنها معان جزئية تتعلق بالمحسوسات، وصدقها وكذبها يظهر قريبا في الواقع، فيستفيد طالبها حصول الفهم بها من ذلك، ويستفيد جميع واحد من البشر القدر الذي يسر له منها، مقتنصا له بالتجربة بين الواقع في معاملة أبناء جنسه، حتى يتعين له ما يجب، وينبغي عملا وهجرا، وتحصل بملابسته الملكة في معاملة أبناء جنسه».

المناوي

ونطق الإمام المناوي في شرحه لحديث (المؤمن للمؤمن كالبنيان): «والمراد بعض المؤمنين لبعض كالحائط، لا يتقوى في أمر دينه ودنياه إلا بمعونة أخيه كما حتى بعض البنيان يقوى ببعضه، (يشد بعضه بعضا) بيان لوجه التشبيه،» وزاد «وفيه تفضيل الاجتماع على الانفراد، ومدح الاتصال على الانفصال، فإن البنيان إذا تفاصل بطل وإذا اتصل ثبت الانتفاع به بكل ما يراد منه.» وينسب للراغب الأصفهاني قوله: «إنه لما قاسي على جميع أحد حتى يحصل لنفسه أدنى ما يحتاج إليه إلا بمعاونة غيره له، فلقمة طعام لوعددنا تعب تحصيلها من غرس وطحن وخبز وصناع آلاتها لصعب حصره، فلذلك قيل الإنسان مدني بالطبع، ولا يمكنه التفرد عن الجماعة بعيشه، بل يفتقر بعضهم لبعض في مصالح الدارين، وعلى ذلك نبه بهذا الحديث».

ابن عاشور

ونطق الطاهر بن عاشور: «والله بنى نظام هذا العالم على تعاون الناس بعضهم مع بعض، لأن الإنسان مدني بالطبع، فإذا لم يأمن أفراد الإنسان بعضهم بعضا تنكر بعضهم لبعض، وتبادروا الإضرار والإهلاك ليفوز جميع واحد بكيد الآخر قبل حتى يقع فيه، فيفضي ذلك إلى فساد كبير في العالم، والله لا يحب الفساد ولا ضر عبيده إلا حيث تأذن شرائعه بشيء.» ونطق أيضا: والإنسان قيل سمي بذلك لأنه خلق خلقة لا قوام له إلا بإنس بعضهم ببعض، ولهذا قيل الإنسان مدني بالطبع، من حيث لا قوام لبعضهم إلا ببعض، ولا يمكنه حتى يقوم بجميع أسبابه اهـ

الإيجي

ونطق عضد الدين الإيجي في المواقف: وإنما كان التعاون ضروريا لهذا النوع من حيث أنه لا يستقل واحد منهم بما يحتاج إليه في معاشه من مأكله ومشربه وملبسه دون مشاركة من أبناء جنسه في المعاملات وهوحتى يعمل جميع واحد لآخر مثل ما يعمله الآخر له والمعاوضات وهي حتى يعطي جميع واحد صاحبه من عمله بإزاء ما يؤخذ منه من عمله ألا ترى أنه لوانفرد إنسان وحده لم يتيسر أولم تحسن معيشته بل لا بد له من حتىقد يكون معه آخرون من بني نوعه حتى يخبز هذا لذلك ويطحن ذاك لهذا ويغرس لهما ثالث إلى غير ذلك فإذا اجتمعوا على هذا الوجه صار أمرهم مكفيا ولذلك قيل الإنسان مدني من طبيعة الحال فإن التمدن هوهذا الاجتماع ولا بد لهم في التعاون من معاملة ومعاوضة يجريان بينهم ولا بد فيهما من قانون عدل يحافظ عليه دفعا للظلم اهـ

التهانوي

ونطق التهانوي: السياسة المدنية من أقسام الحكمة العملية وتسمى بالحكمة السياسية وفهم السياسة وسياسة الملك والحكمة المدنية. وهوفهم تفهم منه أنواع الرئاسة والسياسات والاجتماعات المدنية وأحوالها، وموضوعه المراتب المدنية وأحكامها والاجتماعات الفاضلة والرديئة، ووجه استبقاء جميع واحد منها وعلة زواله، ووجه انتنطقه وما ينبغي حتىقد يكون عليه الملك في نفسه، وحال أعوانه وأمر الرعية وعمارة المدن. وهذا الفهم وإن كان الملوك وأعوانهم أحوج إليه فلا يستغني عنه أحد من الناس لأن الإنسان مدني من طبيعة الحال ويجب عليه اختيار المدينة الفاضلة مسكنا والهجرة عن الرديئة، وإن يفهم كيف من الممكن أن ينفع أهل مدينته وينتفع بهم، وإنما يتم ذلك بهذا الفهم. اهـ

الأحمدنكري

ونطق الأحمنكري الإنسان مدني من طبيعة الحال أي محتاج في تعيشه إلى التمدن وهواجتماعه مع بني نوعه يتعاونون ويتشاركون في تحصيل الغذاء واللباس والمسكن وغيرها انتهى. افهم حتى ما يحتاج إليه الإنسان وهوالغذاء واللباس والمسكن وغيرها من المنكح ودفع المؤذيات وجلب المنافع وأصولها هي المعاونة والمشاركة بأنواعها في تحصيل الغذاء واللباس والمسكن وغيرها وهذه الأصول موقوفة على تعريف جميع واحد صاحبه ما في ضميره والتعريف المذكور موقوف على البيان المعرب عما في القلوب فذكر البيان حيث نطق هوفهم من البيان ما لم يفهم إيماء وانتنطقا إلى أصول ما يحتاج إليه الإنسان كالانتنطق من العلة إلى المعلول والمؤثر إلى الأثر ثم العلامة نطق بعد ذلك ثم إذا هذا الاجتماع إنما ينتظم إذا كان بينهم معاملة إلى آخره. اهـ

أنواع الاجتماعات

نطق صاحب المستدرك في أنواع الاجتماعات فمنها الكاملة، ومنها غير الكاملة والكاملة ثلاث عظمى ووسطى وصغرى. فالعظمى اجتماعات الجماعة كلها في المعمورة، والوسطى اجتماع أمة في جزء من المعمورة، والصغرى اجتماع أهل مدينة في جزء من مسكن أمة. وغير الكاملة: أهل القرية، واجتماع أهل المحلة، ثم اجتماع في سكة، ثم اجتماع في منزل وأصغرها المنزل والمحلة والقرية هما جميعا لأهل المدينة، إلا حتى القرية للمدينة على إنها خادمة للمدينة والمحلة للمدينة على إنها جزؤها. والمدينة التي يقصد بالاجتماع فيها التعاون على الأمور التي تنال بها السعادة في الحقيقة، هي المدينة الفاضلة.

مراجع