الماهوية، هي وجهة النظر القائلة إذا لكل كينونة مجموعة من السمات الضرورية لهويتها ووظيفتها. افترضت المثالية الأفلاطونية -بوصفها جزءًا من الفكر الغربي المبكر- حتى لجميع الأمور «ماهية»، أي «فكرة» أو«صورة». اقترح أرسطوفي كتابه المقولات رأيًا مماثلًا مقترحًا وجود جوهر لجميع الأمور، أومثلما نطق جورج لاكوف: «هوما يجعل الشيء شيئًا، ودونه لاقد يكون». ينكر الرأي المعاكس -اللاماهوية- ضرورة افتراض «ماهية» كهذه.

اتسمت الماهوية بجدليتها منذ بدايتها. يصور أفلاطون في حوار بارمينيدس سقراط مشككًا في المفهوم وملمحًا بأننا إذا قبلنا الفكرة القائلة بامتلاك الأمور الجميلة أوالأفعال المنصفة جوهرًا ما يجعل منها جميلةً أومنصفةً، عملينا حتى نقبل أيضًا «وجود جوهر مختلف لكل من الشعر والطين والتراب». قدمت الماهوية الأساس المنطقي لفهم التصنيف ضمن مجال فهم الأحياء والعلوم الطبيعية الأخرى، وذلك أقله حتى عصر تشارلز داروين. ما يزال دور الماهوية وأهميتها في فهم الأحياء موضع نقاش.

في الفلسفة

تحدد الماهية معالم الجوهر أوالصورة، بالمعنى المقصود بالصور والمثل في المثالية الأفلاطونية. تتسم الماهية بديمومتها، وعدم قابليتها للتغيير، وأبديتها، ووجودها في جميع عالم ممكن. تطرح الإنسانية الكلاسيكية مفهومًا ماهويًا للإنسان، فهي تؤيد مفهوم الطبيعة البشرية الأبدية وغير المتغيرة. انتقد هذا الرأي جميع من كيركغور وماركس وهايدغر وسارتر وغيرهم من المفكرين الوجوديين والماديين.

تطرح فلسفة أفلاطون (لا سيما محادثة طيماوس وحوار فيليبوس) الفكرة المتمثلة بأن الأمور تدخل حيز الوجود من خلال ممارسات الديميورغوس (خالق الكون المادي) الذي يعمل على تحويل العماء إلى كينونات منظمة. تحاكي الكثير من تعريفات الجوهر الفهم اليونانية القديمة الهيلومورفية المتعلقة بتكوين الأمور. وبذلك، يُمكن فهم بنية أي شيء ووجوه الحقيقي من خلال تشبيهه ببترة أثرية من خلق حرفي ما. يحتاج الحرفي إلى هيولى (خشب أوحطب)، ونموذج، وخطة أوفكرة في مخيلته، ثم يستخدم جميع ذلك لإعطاء الخشب معالمه المحددة أوصورته. يُعتبر أرسطوأول من استخدم مصطلحي هيولى وصورة. تمتلك جميع الكينونات جانبين وفقًا لتفسير أرسطو: «المادة» و«الصورة»، إذ تمنح الصورة المعينة المفروضة المادة هويتها، أي ماهيتها أو«لبّها» (أوما يجعل المادة مادةً).

اعتُبر أفلاطون أحد أوائل الماهويين الذين افترضوا مفهوم الصور المثلى، أوالكينونة المجرّدة التي تكون فيها المواضيع المنفردة مجرد نسخ طبق الأصل عن بعضها البعض. على سبيل المثال، تتمثل الصورة المثلى للدائرة في الدائرة المثالية التي لا يمكن تجسيدها ماديًا، لكن تشهجر الدوائر التي نرسمها ونراها في فكرة مشهجرة بالتأكيد، ألا وهي الصورة المثلى. افترض أفلاطون حتى هذه الأفكار أبدية ومتفوقة على تجلياتها إلى حد كبير، وأضاف أننا نفهم هذه التجليات في العالم المادي من خلال مقارنتها بصورتها المثالية وربطها بها. تُعتبر الصور الأفلاطونية بمثابة الأساس الذي بُني عليه المبدأ الماهوي، ويعود السبب في ذلك إلى كون هذه الصور مثالًا على ما ذاتي وغير سياقي في المواضيع، أوالخصائص المجردة التي تجعل المواضيع مواضيعًا.

يقسّم كارل بوبر مصطلح الواقعية الغامض إلى الماهوية والواقعية، إذ يستخدم مصطلح الماهوية للإشارة إلى نقيض الممضى الأسمي، بينما يستخدم مصطلح الواقعية للإشارة إلى نقيض المثالية. يُعتبر بوبر واقعيًا وغير مثاليًا، لكنه في الوقت ذاته أسميًا منهجيًا لا ماهويًا. على سبيل المثال، ينبغي قراءة تعبير مثل «الجروهوكلب صغير» من اليسار إلى اليمين إذا كانت هذه العبارة جوابًا عن سؤال «ماذا يمكننا حتى نسمي الكلب الصغير؟»، فإن قرأناها من اليمين إلى اليسار فستكون إجابة عن سؤال «ما هوالجرو؟».

الماهوية الميتافيزيقية

تضم الماهوية بمعناها الأوسع أي فلسفة مسلّمة بأسبقية الماهية، أي على عكس الوجودية التي تفترض «الوجود» واقعًا أساسيًا. ينبغي تناول الأنطولوجيا الماهاوية من منظور ميتافزيقي. تُستمد الفهم التجريبية من تجربة الكون العلائقي الذي تُحدّد مكوناته وسماته وتُقاس من حيث القوانين المبنية فكريًا. وبذلك، يتقصّى العالِم الواقع باعتباره نظامًا تطوريًا مؤلفًا من كينونات متنوعة، ويحدد مبدأ السببية كيفية ترتيبها.

اعتقد أفلاطون حتى الكون قد كان كاملًا في الماضي، قبل حتى تنبثق عيوبه الإشارة من إدراك الإنسان المحدود له. يؤمن أفلاطون بوجود واقعين: «الماهوي» أوالمثالي، و«المُدرك». استخدم أرسطو(384- 322 قبل الميلاد) مصطلح الماهية فيما يتعلق بالعوامل المشهجرة بين فئة من الأمور، والتي بدونها لا يُمكن حتى تكون هذه الأمور جزءًا من تلك الفئة (على سبيل المثال، العقلانية هي ماهية الإنسان، ودونها لا يمكن للكائن حتىقد يكون إنسانًا). اتى في نقد بيرتراند راسل لفلسفة أرسطوحتى مفهوم الأخير حول الماهية لم ينقل إلى الميتافيزيقيا سوى ما كان مجرد تسهيلًا لفظيًا، وأضاف أنه خلط بين خصائص اللغة وخصائص العالم. في واقع الأمر، تتمثل «ماهية» الشيء في تلك الخصائص المميزة التي لا يمكن استعمال الاسم ذاته للدلالة على الشيء دونها. أصبح مفهوم الماهية جزءًا من جميع فلسفة حتى العصر الحديث على الرغم من كونه «مشوشًا إلى درجة ميؤوس منها».

أدخل الفيلسوف المصري المولد أفلوطين (204- 270 بعد الميلاد) المثالية إلى الإمبراطورية الرومانية على هيئة الأفلاطونية المحدثة، جنبًا إلى جنب مع المفهوم المتمثل بأن جميع ما موجود منبثق عن «الماهية الأولية» وأن للعقل دور فعال في تشكيل مواضيع الإدراك أوترتيبها، فهوليس متلقيًا سلبيًا للبيانات التجريبية وحسب.

عزّز الأكاديميون في مجال العلوم وفلسفة الجمال وفهم الاستنباط وفهم النفس والدراسات الاجتماعية الجنسانية قضاياهم تحت مظلة الماهوية، وذلك على الرغم من الأساس الميتافيزيقي لهذا المصطلح. قد يُعتبر تعريف المدافعة عن حقوق المثليين/ المثليات ديانا فوس أوضح تعريف لهذه الفلسفة، إذ خطت: «غالبًا ما تُفهم الماهوية باعتبارها إيمانًا بالماهية الحقيقية والواقعية للأشياء، والخصائص الثابتة وغير المتقلبة التي تحدد «لبّ» كينونة معينة». تتعارض الماهوية الميتافيزيقية مع الواقعية الوجودية تعارضًا تامًا، وذلك في الفكرة القائلة إذا الوجود المحدود ليس سوى ظاهر متمايز، في حين يُعتبر «الواقع غير المحدود» ماهيةً مطلقةً.

في فهم النفس

هناك فرق بين الماهوية الميتافيزيقية والماهوية النفسانية، فالأخيرة لا تشير إلى انادىء عملي بشأن العالم بل إلى انادىء بشأن كيفية تمثيل الكينونات في المعارف (ميدين، 1989). تُعتبر سوزان جيلمان إحدى المؤثرات في هذا المجال، إذ لخصت الكثير من المجالات التي يفسر فيها الأطفال والبالغون فئات من الكينونات -لا سيما الكينونات البيولوجية- من حيث الماهية، أي كما لولديهم ماهية كامنة وثابتة يُمكن استخدامها للتنبؤ بأوجه التشابه غير الإشارة بين مكونات هذه الفئة (توسي & أمبادي، 2011). تُعتبر هذه العلاقة السببية أحادية الاتجاه، فالسمة الإشارة لكينونة ما لا تحدد ماهيتها الضمنية (دار نمرود & هاينا، 2011).

في فهم النفس التنموي

برزت الماهوية باعتبارها مفهومًا مهمًا في فهم النفس، لا سيما في فهم النفس التنموي. تفهم جميع من كريمر وجيلمان (1991) مدى إظهار الأطفال الذين تتراوح أعمارهم بين 4-7 سنوات للماهوية. استطاع الأطفال تحديد سبب بعض السلوكيات لدى الكائنات الحية وغير الحية. استوعب الأطفال حتى الماهية الضمنية تتنبأ بسلوكيات قابلة للملاحظة. استطاع المشاركون وصف سلوكيات الكائنات الحية بصورة سليمة على أنها ذاتية الاستدامة، بالإضافة إلى وصف سلوكيات الأجسام غير الحية على أنها ناجمة عن تأثير إنسان بالغ. يُعتبر هذا الأسلوب طريقةً بيولوجيةً لتمثيل السمات الماهوية في المعارف. يشير فهم الآلية السببية الضمنية للسلوك على امتلاك تفكير ماهوي (رانغيل وكيلر، 2011). لم يتمكن الأطفال الأصغر سنًا من تحديد الآليات السببية للسلوك، بينما استطاع الأطفال الأكبر سنًا القيام بذلك. يشير هذا الأمر إلى تجذر الماهاوية في النموالمعهدي. يمكن القول إنه يوجد تحول في الكيفية التي يمثل الأطفال من خلالها الكينونات، أي تحول من عدم القدرة على فهم الآلية السببية للماهية الضمنية إلى إظهار الفهم الكافي لهذه الآلية (ديمولين ولينز وإيزربت، 2006).

المراجع

  1. ^ Cartwright, Richard L. (1968). "Some Remarks on Essentialism". The Journal of Philosophy. 65 (20): 615–626. doi:10.2307/2024315. JSTOR 2024315.
  2. ^ Janicki (2003), p. 274
  3. ^ "Plato's Parmenides". Stanford Encyclopedia of Philosophy. جامعة ستانفورد. 30 July 2015. مؤرشف من الأصل في 12 فبراير 2020.
  4. ^ Ereshefsky (2007), p. 8
  5. ^ Hull (2007)
  6. ^ The Open Society and its Enemies, passim.
  7. ^ Bertrand Russell, A History of Western Philosophy, London: Routledge, 1991
  8. ^ Fuss (2013), p. xi
  9. ^ Medin, D. L. (1989). "Conceptes and conceptual structure". American Psychologist. 44 (12): 1469–1481. doi:10.1037/0003-066X.44.12.1469.
  10. ^ Gelman, S. The essential child: Origins of essentialism in everyday thought. New York: Oxford University Press.
  11. ^ Dar-Nimrod, I.; Heine, S. J. (2011). "Genetic essentialism: On the deceptive determinism of DNA". Psychological Bulletin. 137 (5): 800–818. doi:10.1037/a0021860. PMC 3394457. PMID 21142350.
  12. ^ Gelman, S. A.; Kremer, K. E. (1991). "Understanding natural causes: Children's explanations of how objects and their properties originate". Child Development. 62 (2): 396–414. doi:10.2307/1131012. JSTOR 1131012. PMID 2055130.
  13. ^ Rangel, U.; Keller, J. (2011). "Essentialism goes social: Belief in social determinism as a component of psychological essentialism". Journal of Personality and Social Psychology. 100 (6): 1056–1078. doi:10.1037/a0022401. PMID 21319911.


تاريخ النشر: 2020-06-01 22:27:13
التصنيفات: شكلتة, فلسفة الحياة, ما وراء الطبيعة, نظريات علم الجمال, نظريات ميتافيزيقية, مقالات يتيمة منذ مايو 2020, جميع المقالات اليتيمة, جميع المقالات التي بحاجة لصيانة, بوابة فلسفة/مقالات متعلقة, بوابة علم الاجتماع/مقالات متعلقة, بوابة علم الأحياء/مقالات متعلقة, جميع المقالات التي تستخدم شريط بوابات, صفحات تستخدم خاصية P244

مقالات أخرى من الموسوعة

سحابة الكلمات المفتاحية، مما يبحث عنه الزوار في كشاف:

آخر الأخبار حول العالم

بالصور: “مخمور” يهشم زجاج سيارات بمراكش

المصدر: كِشـ24 - المغرب التصنيف: سياسة
تاريخ الخبر: 2022-06-09 12:15:24
مستوى الصحة: 37% الأهمية: 46%

الذهب يستقر تحت ضغط عوائد السندات

المصدر: صحيفة اليوم - السعودية التصنيف: مجتمع
تاريخ الخبر: 2022-06-09 09:26:37
مستوى الصحة: 38% الأهمية: 48%

اليورو يصعد والين يتعثر والأنظار على اجتماع المركزي الأوروبي

المصدر: صحيفة اليوم - السعودية التصنيف: مجتمع
تاريخ الخبر: 2022-06-09 09:26:29
مستوى الصحة: 44% الأهمية: 49%

مشاركة واسعة في النسخة الخامسة لملتقى الطب التجميلي بالرياض

المصدر: اليوم - السعودية التصنيف: سياسة
تاريخ الخبر: 2022-06-09 09:25:17
مستوى الصحة: 56% الأهمية: 63%

المغرب يحتضن مؤتمرا دوليا حول “حوار الأديان” بمشاركة إسرائيل

المصدر: كِشـ24 - المغرب التصنيف: سياسة
تاريخ الخبر: 2022-06-09 12:15:22
مستوى الصحة: 36% الأهمية: 42%

تجارة نجران تحرر 7 مخالفات تجارية وتغلق منفذ بيع

المصدر: اليوم - السعودية التصنيف: سياسة
تاريخ الخبر: 2022-06-09 09:25:05
مستوى الصحة: 51% الأهمية: 51%

نمو صادرات الصين في مايو مع تخفيف قيود كوفيد-19

المصدر: صحيفة اليوم - السعودية التصنيف: مجتمع
تاريخ الخبر: 2022-06-09 09:26:35
مستوى الصحة: 43% الأهمية: 49%

لباس نجمة مصرية بمراكش يشعل الجدل بين المغاربة والتونسيين +صور

المصدر: كِشـ24 - المغرب التصنيف: سياسة
تاريخ الخبر: 2022-06-09 12:15:26
مستوى الصحة: 39% الأهمية: 35%

إصابات كورونا العالمية تتجاوز 530.24 مليون

المصدر: اليوم - السعودية التصنيف: سياسة
تاريخ الخبر: 2022-06-09 09:25:07
مستوى الصحة: 59% الأهمية: 68%

إطلاق البرنامج التأهيلي لأطباء وطبيبات الامتياز بجامعة نجران

المصدر: اليوم - السعودية التصنيف: سياسة
تاريخ الخبر: 2022-06-09 09:25:10
مستوى الصحة: 53% الأهمية: 59%

تحصين أكثر من 890 ألف رأس ضد «القلاعية» بالشرقية

المصدر: اليوم - السعودية التصنيف: سياسة
تاريخ الخبر: 2022-06-09 09:25:03
مستوى الصحة: 51% الأهمية: 52%

ينبع .. اختتام مسابقة «سطور» للصفوف الأولية

المصدر: اليوم - السعودية التصنيف: سياسة
تاريخ الخبر: 2022-06-09 09:25:26
مستوى الصحة: 51% الأهمية: 61%

الجزائر تتجاوز تنزانيا بثنائية نظيفة

المصدر: صوت الشلف - الجزائر التصنيف: مجتمع
تاريخ الخبر: 2022-06-09 09:26:14
مستوى الصحة: 56% الأهمية: 51%

سحب رعدية ممطرة على عسير

المصدر: اليوم - السعودية التصنيف: سياسة
تاريخ الخبر: 2022-06-09 09:25:12
مستوى الصحة: 47% الأهمية: 63%

ارتفاع مؤشر الرقم القياسي للإنتاج الصناعي لأبريل بنسبة 26.7%

المصدر: صحيفة اليوم - السعودية التصنيف: مجتمع
تاريخ الخبر: 2022-06-09 09:26:33
مستوى الصحة: 31% الأهمية: 42%

هل ينجح المبعوث الأممي في فتح طرق تعز ؟ - أخبار السعودية

المصدر: صحيفة عكاظ - السعودية التصنيف: مجتمع
تاريخ الخبر: 2022-06-09 09:23:17
مستوى الصحة: 47% الأهمية: 54%

مقتل 7 أشخاص جراء حريق في مبنى بكوريا الجنوبية

المصدر: اليوم - السعودية التصنيف: سياسة
تاريخ الخبر: 2022-06-09 09:25:00
مستوى الصحة: 54% الأهمية: 55%

تحميل تطبيق المنصة العربية