الحياء لغةً:

الحشمة، وضدها الوقاحة. وقد حيي منه حياء واستحيا واستحى فهوحَيِيٌّ، وهوالانقباض والانزواء .

والحَيَاء اصطلاحًا:

• هو: (انقباض النَّفس مِن شيءٍ وهجره حذرًا عن اللَّوم فيه).

• ونطق ابن حجر: (الحَياء خُلُقٌ يبعث صاحبه على اجتناب القبيح، ويمنع مِن التقصير في حقِّ ذي الحقِّ) .

• وقيل هو: (تغيُّر وانكسار يعتري الإنسان مِن خوف ما يُعَاب به ويُذَمُّ، ومحلُّه الوجه.

أنواع الحياء

والحياء نوعان:

1. نفساني: وهوالذي خلقه الله في النفوس كلها كالحياء من كشف العورة، والجماع بين الناس.
2. إيماني: وهوحتى يمتنع المؤمن عن عمل المعاصي خوفا من الله تعالى.

نطق أبوحاتم:

وقيل:

ونطق أحد الحكماء:

أخرج الترمذي في السنن: عن عبد الله بن مسعود نطق: نطق رسول الله : «استحيوا من الله حق الحياء»، نطق: قلنا: يا رسول الله إنا نستحيي والحمد لله، نطق: «ليس ذاك ولكن الاستحياء من الله حق الحياء حتى تحفظ الرأس وما وعى والبطن وما حوى ولتذكر الموت والبلى، ومن أراد الآخرة هجر زينة الدنيا فمن عمل ذلك فقد استحيا من الله حق الحياء».

الفرق بين الحياء والخجل

(الخجل: معنىً يظهر في الوجه لغمٍّ يلحق القلب، عند ذهاب حجَّةٍ، أوظهور على ريبة، وما أشبه ذلك، فهوشيء تتغير به الهيبة.

والحَيَاء: هوالارتداع بقوَّة الحَيَاء، ولهذا يُقَال: فلانٌ يستحي في هذا الحال حتى يعمل كذا، ولا ينطق: يخجل حتى يعمله في هذه الحال؛ لأنَّ هيئته لا تتغيَّر منه قبل حتى يعمله، فالخَجَل ممَّا كان والحَيَاء ممَّاقد يكون. وقد يُسْتَعمل الحَيَاء موضع الخَجَل توسُّعًا،

ونطق الأنباري: أصل الخَجَل في اللُّغة: الكَسَل والتَّواني وقلَّة الحركة في طلب الرِّزق، ثمَّ كثر استعمال العرب له حتى أخرجوه على معنى الانقطاع في الكلام.

وفي الحديث: ((إذا جعتنَّ سقطتنَّ، وإذا شبعتنَّ خجلتنَّ))، «سقطتنَّ» أي: ذللتنَّ، و«خجلتن»: كسلتن. ونطق أبوعبيدة: الخَجَل هاهنا الأَشَر، وقيل هوسوء احتمال العناء. وقد اتى عن العرب الخَجَل بمعنى: الدَّهش.

نطق الكُمَيْتُ:

أي لم يبقوا دهشين مبهوتين).

اشتقاق

الحياء ممدود الاستحياء والاسم حيي.

تقسيم

باعتبار الإضافة

وينقسم الحياء إلى ثلاثة أقسام:

1. الحياء من الله: فقد روي في الحديث عن علقمة بن علاثة نطق: يارسول الله عظني، فنطق رسول الله : «استح من الله استحياءك من ذوي الهيبة من قومك».
2. الحياء من الناس: روي عن حذيفة بن اليمان قوله:
   «لا خير فيمن لا يستحي من الناس.»
3. الحياء من النفس: وهوحياء النفوس الشريفة، فالإنسان المؤمن يستحي من نفسه حتى يأتي بالنقص أوبما يخل الشرف أوالكرامة، وهذا أكمل أنواع الحياء لأن من استحى من نفسه كان استحياؤه من غيره أجدر.

باعتبار الجهة

وهناك من الفلاسفة من يقسم الحياء إلى فطري ومكتسب، فالإنسان يولد بالفطرة يستحي ثم يكبر ويتفهم ويختلط بالناس فيقل أويزيد حياءه، حيث نطق القرطبي:

وهذا قول سليم ومعلوم بالتجربة في مجال التربية فإن المتربي قد يحدث في بدايته لا يملك حياءً غريزيًا أوحتى عنده حياءً غريزيًا ناقصًا ثم ينشأ في جوينمي بواعث الحياء في قلبه ويدله على خصال الحياء فإن هذا المتربي سيكتسب الحياء شيئًا فشيئًا ويقوى الحياء في قلبه بالتوجيه والتربية حتى يصبح الحياء خلقًا ملازمًا له، وقد نطق بعض الحكماء:

وهذا الكلام بديع المعنى بعيد الفقه..حيث حتى كثرة مجالسة من لا يستحيا منه لوضاعته أوحقارته أوقلة قدره ومروءته تخلق في النفس نوع التجانس معهم ثم إذا قلة قدرهم عنده تجعله لا يستحي منهم فيصنع ما يشاء بحضرة هذه الجماعة فتضعف عنده خصلة الحياء شيئًا فشيئًا فيعتاد حتى يصنع ما يشاء أمام الناس جميعًا، أما مجالسة من يستحيا منه لصلاحه وعلوقدره فإنها تحيي في القلب الحياء فيظل الإنسان يراقب أفعاله وأقواله قبل صدورها حياء ممن يجالسه فيكون هذا خلقًا له ملازمًا فتعتاد نفسه إتيان الخصال المحمودة ومجانبة الخصال المذمومة وكراهيتها.

ذكر الحياء والترغيب به في القرآن

نطق تعالى (في سورة الأعراف:26) : ((وَلِبَاسُ التَّقْوَىَ ذَلِكَ خَيْرٌ))

فُسِّر لباس التَّقوى بأنَّه الحَيَاء كما رُوِي عن الحسن، ومعبد الجهني .

نطق مجاهد: (يعْني: واضعةً ثوبها على وجهها ليست بخرَّاجةٍ ولا وَلَّاجةٍ)

ونطق الطبري: (فأَتَتْهُ تَمْشِي عَلَى اسْتِحْيَاءٍ)، وهي تسْتَحْيِي منه)

نطق ابن كثير: (قيل: المراد أنَّ دخولكم منزله بغير إذنه، كان يشُقُّ عليه ويتأذَّى به، لكن كان يكره حتى ينهاهم عن ذلك مِن شدَّة حَيَائه عليه السَّلام، حتى أنزل الله عليه النَّهي عن ذلك).

ونطق الشوكاني: (أي:يسْتَحْيِي حتى يقول لكم: قوموا، أواخرجوا) .

الحياء في السنة والحث عليه

يقول عن أبي هريرة نطق: نطق رسول الله :

الإيمان بضع وسبعون -أوبضع وستُّون- شعبة، أعلاها: قول: لا إله إلَّا الله. وأدناها: إماطة الأذى عن الطَّريق. والحياء شعبة مِن الإيمان

نطق الخطابي: (معنى قوله: ((الحَيَاء شعبة مِن الإيمان)) أنَّ الحَيَاء يبتر صاحبه عن المعاصي ويحجزه عنها، فصار بذلك مِن الإيمان) .

ونطق السفيري: (إنَّما أفرد هذه الخصلة مِن خصال الإيمان في هذا الحديث، وخصَّها بالذِّكر دون غيرها مِن باقي شعب الإيمان؛ لأنَّ الحَيَاء كالدَّاعي إلى باقي الشُّعب، فإنَّ صاحب الحَيَاء يخاف فضيحة الدُّنْيا والآخرة فيأتمر وينزجر، فلمَّا كان الحَيَاء كالسَّبب لعمل باقي الشُّعب؛ خُصَّ بالذِّكر ولم يذكر غيره معه)

ونطق السعدي: (هذا الحديث مِن جملة النُّصوص الدَّالة على أنَّ الإيمان اسمٌ يضم عقائد القلب وأعماله، وأعمال الجوارح، وأقوال اللِّسان، فكلُّ ما يقرِّب إلى الله، وما يحبُّه ويرضاه مِن واجبٍ ومستحبٍّ فإنَّه داخلٌ في الإيمان. وذكر هنا أعلاه وأدناه، وما بين ذلك وهو: الحَيَاء. ولعلَّ ذكر الحَيَاء؛ لأنَّه السَّبب الأقوى للقيام بجميع شعب الإيمان. فإنَّ مَن استحيا مِن الله لتواتر نعمه، وسوابغ كرمه، وتجلِّيه عليه بأسمائه الحسنى، -والعبد مع هذا كثير التَّقصير مع هذا الرَّبِّ الجليل الكبير، يظلم نفسه ويجني عليها- أوجب له هذا الحَيَاء التوقِّي مِن الجرائم، والقيام بالواجبات والمستحبَّات)

يقول عن أبي مسعود البدري نطق: نطق رسول الله :

إنَّ ممَّا استوعب النَّاس مِن كلام النُّبوَّة الأولى: إذا لم تستح فاصنع ما شئت ))

نطق الخطَّابي: (نطق الشَّيخ: معنى قوله ((النُّبوَّة الأولى)) أنَّ الحَيَاء لم يزل أمره ثابتًا، واستعماله واجبًا منذ زمان النُّبوَّة الأولى، وأنه ما مِن نبيٍّ إلَّا وقد نَدَب إلى الحَيَاء وبُعِث عليه، وأنَّه لم ينسخ فيما نسخ مِن شرائعهم، ولم يُبَدَّل فيما بُدِّل منها).

نطق ابن القيم: (خُلق الحَيَاء مِن أفضل الأخلاق وأجلِّها وأعظمها قدرًا وأكثرها نفعًا، بل هوخاصَّة الإنسانيَّة، فمَن لا حياء فيه، فليس معه مِن الإنسانيَّة إلَّا اللَّحم والدَّم وصورتهما الظَّاهرة، كما أنَّه ليس معه مِن الخير شيء).

نطق ابن بطَّال: (معناه أنَّ مَن استحيا مِن النَّاس حتى يروه يأتي الفجور ويرتكب المحارم، فذلك داعيةٌ له إلى حتىقد يكون أشدَّ حياءً مِن ربِّه وخالقه، ومَن استحيا مِن ربِّه فإنَّ حياءه زاجرٌ له عن تضييع فرائضه وركوب معاصيه؛ لأنَّ كلَّ ذي فطرة سليمة، يفهم أنَّ الله تعالى النَّافع له والضَّار والرَّزاق والمُحْيِي والمُمِيت، فإذا عَلِم ذلك فينبغي له حتى يستحيي منه عزَّ وجلَّ).

نطق ابن رجب: (... ((الحياء لا يأتي إلَّا بخير)): فإنَّه يكفُّ عن ارتكاب القبائح ودناءة الأخلاق، ويحثُّ على استعمال مكارم الأخلاق ومعاليها، فهومِن خصال الإيمان بهذا الاعتبار).

نطق ابن حجر: (إذا صار الحَيَاء عادة، وتخَلَّق به صاحبه،قد يكون سببًا يجلب الخير إليه، فيكون منه الخير بالذَّات والسَّبب). فالحَيَاء فضيلة مِن فضائل الفطرة، وهومادَّة الخير والفضيلة، وبهذا وصفه النَّبيُّ بقوله: ((الحَيَاء خيرٌ كلُّه)).

يقول عن أبي سعيد الخدري نطق:

((كان رسول الله أشدَّ حياءً مِن العذراء في خدرها ).

أقوال الفهماء في الحياء

(مَن قلَّ حياؤه قلَّ ورعه، ومَن قلَّ ورعه توفي قلبه). —عمر بن الخطاب

[ونطق ذوالنون المصري: (الحَيَاء: وجود الهيبة في القلب، مع وحشة ما تجاوز منك إلى ربِّك تعالى).

ونطق أبوعثمان: (مَن تكلَّم في الحَيَاء ولا يستحي مِن الله عزَّ وجلَّ فيما يتكلَّم به، فهومُستَدرَج).

وقيل: (مِن علامات المستحي: حتى لا يُرَى بموضع يُسْتَحَيا منه)].

- ونطق أبوعبيدة الناجي: سمعت الحسن يقول: (الحَيَاء والتَّكرُّم خصلتان مِن خصال الخير، لمقد يكونا في عبد إلَّا حمله الله عزَّ وجلَّ بهما).

- وكان الرَّبيع بن خُثَيم مِن شدَّة غضه لبصره وإطراقه يَظُنُّ بعض النَّاس أنَّه أعمى، وكان يختلف إلى منزل ابن مسعود عشرين سنة، فإذا رأته جاريته نطقت لابن مسعود: صديقك الأعمى قد اتى، فكان يضحك ابن مسعود مِن قولها، وكان إذا دقَّ الباب تخرج الجارية إليه فتراه مطرقًا غاضًّا بصره.

- ونطق ربيط بني إسرائيل: (زين المرأة الحَيَاء، وزين الحكيم الصَّمت).

- نطق يزيد بن الوليد الناقص: (يا بني أميَّة إيَّاكم والغناء؛ فإنَّه ينقص الحَيَاء، ويزيد في الشَّهوة، ويهدم المروءة).

ونطق الجراح الحكمي: (هجرت الذُّنوب حياءً أربعين سنة، ثمَّ أدركني الورع).

أنواع الحياء

(ينقسم الحَيَاء باعتبار محلِّه إلى قسمين:

1- القسم الأوَّل: حياء فطريٌّ: وهوالذي يُولَد مع الإنسان متزوِّدًا به، ومِن أمثلته: حياء الطِّفل عندما تنكشف عورته أمام النَّاس، وهذا النَّوع مِن الحَيَاء منحة أعطاها الله لعباده.

2- والقسم الثَّاني: حياء مكتسب: وهوالذي يكتسبه المسلم مِن دينه، فيمنعه مِن عمل ما يُذَمُّ شرعًا، مخافة حتى يراه الله حيث نهاه، أويفقده حيث أمره.

وينقسم هذا باعتبار متعلَّقه إلى قسمين:

1- الأوَّل: الحَيَاء الشَّرعي: وهوالذي يقع على وجه الإجلال والاحترام، وهومحمود.

• من صور الحياء المحمود:

• الحَيَاء مِن الله:

عن علقمة بن علاثة نطق: يارسول الله عظني، فنطق رسول الله : «استح من الله استحياءك من ذوي الهيبة من قومك»..

وذلك بالخوف منه ومراقبته، وعمل ما أمر واجتناب ما نهى عنه، وأن يستحي المؤمن حتى يراه الله حيث نهاه، وهذا الحَيَاء يمنع صاحبه مِن ارتكاب المعاصي والآثام؛ لأنَّه مرتبطٌ بالله يراقبه في حِلِّه وترحاله.

• الحَيَاء مِن النَّاس:

روي عن حذيفة بن اليمان قوله:

والحياء من الناس دليلٌ على مروءة الإنسان؛ فالمؤمن يستحي حتى يؤذي الآخرين سواءً بلسانه أوبيده، فلا يقول القبيح ولا يتلفَّظ بالسُّوء، ولا يطعن أويغتاب أوينم، وكذلك يستحي مِن حتى تنكشف عوراته فيطَّلع عليها النَّاس.

2- الثَّاني: الحَيَاء غير الشَّرعي: وهوماقد يكون سببًا لهجر أمر شرعي، وهذا النَّوع مِن الحَيَاء مذموم، وهوليس بحياء شرعي، وإنَّما هوضعف ومهانة).

• مِن صور الحَيَاء المذموم:

• الحَيَاء في طلب الفهم:

نطق مجاهد: (إنَّ هذا الفهم لا يتعلَّمه مستحٍ ولا متكبِّرٍ).

وعن سعيد بن المسيب: ((أنَّ أبا موسى نطق لعائشة -رضي الله عنها-: إنِّي أريد حتى أسألكِ عن شيءٍ وإنِّي أستحييك. فنطقت: لا تستحيي حتى تسألني عمَّا كنت سائلًا عنه أمَّك التي ولدتك، فإنَّما أنا أمُّك. قلت: فما يوجب الغِسل،يا ترى؟ نطقت: على الخبير سقطت، نطق رسول الله : ((إذا جلس بين شُعَبِها الأربع، ومسَّ الختانُ الختانَ فقد وجب الغسل)).

• الحَيَاء مِن الأمر بالمعروف والنَّهي عن المنكر:

نطق تعالى: ((كُنتُمْ خَيْرَ أُمَّةٍ أُخْرِجَتْ لِلنَّاسِ تَأْمُرُونَ بِالْمَعْرُوفِ وَتَنْهَوْنَ عَنِ الْمُنكَرِ وَتُؤْمِنُونَ بِاللّهِ )) ~[آل عمران:110].

فالحَيَاء لا يمنع المسلم مِن حتى يأمر بالمعروف أوينهى عن المنكر، نطق تعالى: ((وَاللَّهُ لا يَسْتَحْيِي مِنَ الْحَقِّ)) [الأحزاب:53].

وعن أبي سعيد الخدري نطق: سمعت رسول الله يقول: ((إنَّ الله ليسأل العبدَ يوم القيامة حتى يقول: ما منعك إذْ رأيتَ المنكر حتى تنكره،يا ترى؟ فإذا لقَّن الله عبدًا حجَّته نطق: يا ربِّ! رجوتُك وفَرِقْتُ مِن النَّاس)) .

• الحياء الذي يؤدي لعمل أمر نهى عنه الشَّارع:

فمَن دفعه حياؤه إلى عمل أمرٍ نهى عنه الشَّارع، أوإلى هجر واجب مرغوب في الدِّين فليس حييًّا شرعًا، وإنَّما هذا يعتبر ضعفًا ومهانة.

فليس مِن الحَيَاء حتى يهجر الصَّلاة الواجبة بسبب ضيوفٍ عنده حتى تفوته الصَّلاة. وليس مِن الحَيَاء حتى يمتنع الشَّخص مِن المطالبة بالحقوق التي كفلها له الشَّرع.

صور وأشكال الحياء

ذكر ابن القيم صورًا للحياء وقسَّمها إلى عشرة أوجه وهي:

(حياء جناية، وحياء تقصير، وحياء إجلال، وحياء كرم، وحياء حِشْمَة، وحياء استصغارٍ للنَّفس واحتقارٍ لها، وحياء محبَّة، وحياء عبوديَّة، وحياء شرف وعزَّة، وحياء المستحيي مِن نفسه.

1. فأمَّا حياء الجناية: فمنه حياء آدم عليه السَّلام لما فرَّ هاربًا في الجنَّة، نطق الله تعالى: أفرارًا منِّي يا آدم،يا ترى؟ نطق: لا يا ربِّ، بل حياءً منك.
2. وحياء التَّقصير: كحياء الملائكة الذين يسبِّحون اللَّيل والنَّهار لا يفترون، فإذا كان يوم القيامة نطقوا: سبحانك! ما عبدناك حقَّ عبادتك.
3. وحياء الإجلال: هوحياء الفهم، وعلى حسب فهم العبد بربِّه،قد يكون حياؤه منه.
4. وحياء الكَرَم: كحياء النَّبيِّ مِن القوم الذين نادىهم إلى وليمة زينب وطوَّلوا الجلوس عنده، فقام واستحيى حتى يقول لهم: انصرفوا.
5. وحياء الحِشْمَة: كحياء علي بن أبي طالب رضي الله عنه، حتى يسأل رسول الله عن المذْي لمكان ابنته منه.
6. وحياء استحقار واستصغار النَّفس: كحياء العبد مِن رَبِّه عزَّ وجلَّ حين يسأله حوائجه، احتقارًا لشأن نفسه واستصغارًا لها... وقد يحدث لهذا النَّوع سببان: أحدهما: استحقار السَّائل نفسه، واستعظام ذنوبه وخطاياه. والثَّاني: استعظام مسؤوله.
7. وأمَّا حياء المحبَّة: فهوحياء المحبِّ مِن محبوبه، حتى إنَّه إذا خطر على قلبه في غيبته هاج الحَيَاء مِن قلبه، وأحسَّ به في وجهه، ولا يدرى ما سببه، وكذلك يعرض للمحبِّ عند ملاقاته محبوبه ومناجاته له روعةٌ شديدةٌ، ومنه قولهم: جمال رائع، وسبب هذا الحَيَاء والرَّوعة، ممَّا لا يعهده أكثر النَّاس. ولا ريب أنَّ للمحبَّة سلطانًا قاهرًا للقلب، أعظم مِن سلطان مَن يقهر البدن، فأين مَن يقهر قلبك وروحك إلى مَن يقهر بدنك،يا ترى؟ ولذلك تعجَّبت الملوك والجبابرة مِن قهرهم للخَلْق، وقهر المحبوب لهم وذلهم له، فإذا فاجأ المحبوب مُحِبَّه ورآه بغتةً: أحسَّ القلب بهجوم سلطانه عليه فاعتراه روعةٌ وخوف... وأمَّا الحَيَاء الذي يعتريه منه -وإن كان قادرًا عليه كأمته وزوجته- فسببه والله أفهم أنَّ هذا السُّلطان لـمَّا زال خوفه عن القلب، بقيت هيبته واحتشامه، فتولَّد منها الحَيَاء، وأمَّا حصول ذلك له في غيبة المحبوب فظاهرٌ لاستيلائه على قلبه، فوهمه يغالطه عليه ويكابره حتى كأنَّه معه.
8. وأمَّا حياء العبوديَّة: فهوحياء ممتزجٌ مِن محبَّة وخوف، ومشاهدة عدم صلاح عبوديَّته لمعبوده، وأنَّ قدره أعلى وأجلُّ منها، فعبوديتَّه له توجب استحياءه منه لا محالة.
9. وأما حياء الشَّرف والعزَّة: فحياء النَّفس العظيمة الكبيرة، إذا صدر منها ما دون قدرها مِن بذلٍ أوعطاءٍ وإحسانٍ، فإنَّه يستحيي -مع بذله- حياء شرف نفسٍ وعزَّةٍ، وهذا له سببان: أحدهما: هذا. والثَّاني: استحياؤه مِن الآخذ حتى كأنَّه هوالآخذ السَّائل، حتى إنَّ بعض أهل الكَرَم لا تطاوعه نفسه بلقاءته لمن يعطيه حياءً منه، وهذا يدخل في حياء التَّلوُّم؛ لأنَّه يستحيي مِن خَجْلَة الآخذ.
10. وأما حياء المرء مِن نفسه: فهوحياء النُّفوس الشَّريفة العزيزة الرَّفيعة مِن رضاها لنفسها بالنَّقص وقناعتها بالدُّون، فيجد نفسه مستحيًا مِن نفسه حتى كأنَّ له نفسين يستحيي بإحداهما مِن الأخرى، وهذا أكمل ماقد يكون مِن الحَيَاء؛ فإنَّ العبد إذا استحيى مِن نفسه فهوبأن يستحيي مِن غيره أجدر).

الحياء عند العرب

كان أهل الجاهليَّة يتحرَّجون مِن بعض القبائح بدافع الحَيَاء، من ذلك أنَّ هرقل سأل أبا سفيان عن رسول الله فنطق أبوسفيان: (فوالله لولا الحَيَاء مِن حتى يأثروا عليَّ كذبًا لكذبت عنه). فمنعه الحَيَاء، من الافتراء على رسول الله ؛ لئلَّا يوصف بالكذب، ويشاع عنه ذلك .

نطق عنترة بن شداد:

أشعار في الحياء

ومن الحكم التي رواها العرب وقيلت في شأن الحياء:

نطق الشاعر صالح بن عبد القدوس:

ونطق الشاعر:

ونطق العرجي:

انظر أيضًا

• خجل
• ماء الوجه

مراجع