في نظر المسلمين حتى الله أباح للناس التداوي من الأمراض العضوية والنفسية؛ لأن الله تعالى خلق الإنسان بحكمته ضعيفاً، كثير الآفات، ولهذا اقتضت حكمته سبحانه أنه لم يضع داءً إلا وضع معه شفاء، فربط الأمور بأسبابها رحمة بعباده، ولما كان التداوي فطرة إنسانية ظهرت صور متنوعة للتداوي، بعضها مرغب فيه، وبعضها منهي عنه، وله صور وأنواع مختلفة.

مفهوم التداوي

بحسب الشريعة الإسلامية فإن مفهوم التداوي هو: استعمال ماقد يكون به شفاء السقم بإذن الله تعالى من عقار، أورقية شرعية، أوعلاج طبيعي.

التداوي في الكتاب والسنة

للتداوي أهمية في حياة المسلم لكي يعيش حياته سليم البدن والعقل؛ فيعبد الله تبارك وتعالى ويعمر الأرض بطاعته؛ لذلك اتى في الكتاب والسنة الحث على التداوي والإرشاد إليه، فمن كتاب الله قوله تعالى:  وَأَوْحَى رَبُّكَ إِلَى النَّحْلِ أَنِ اتَّخِذِي مِنَ الْجِبَالِ بُيُوتًا وَمِنَ الشَّجَرِ وَمِمَّا يَعْرِشُونَ  ثُمَّ كُلِي مِنْ كُلِّ الثَّمَرَاتِ فَاسْلُكِي سُبُلَ رَبِّكِ ذُلُلًا يَخْرُجُ مِنْ بُطُونِهَا شَرَابٌ مُخْتَلِفٌ أَلْوَانُهُ فِيهِ شِفَاءٌ لِلنَّاسِ إِنَّ فِي ذَلِكَ لَآَيَةً لِقَوْمٍ يَتَفَكَّرُونَ   [ النحل: 68-69]، ففي الآية إخبار من الله سبحانه حتى العسل شفاء للناس، والضمير في قوله تعالى (فيه) يعود إلى العسل، كما رُوى ذلك عن ابن مسعود وابن عباس، وهوقول الحسن و[[قتادة بن نادىمة|قتادة]]، ولقد بوب البخاري في سليمه: باب الدواء بالعسل، ثم ذكر قوله تعالى:  ثُمَّ كُلِي مِنْ كُلِّ الثَّمَرَاتِ فَاسْلُكِي سُبُلَ رَبِّكِ ذُلُلًا يَخْرُجُ مِنْ بُطُونِهَا شَرَابٌ مُخْتَلِفٌ أَلْوَانُهُ فِيهِ شِفَاءٌ لِلنَّاسِ إِنَّ فِي ذَلِكَ لَآَيَةً لِقَوْمٍ يَتَفَكَّرُونَ   [ النحل:69].

وأرشد النبي أمته إلى التداوي وحث عليه، اتى في سليم مسلم

.

ولقد بوب مسلم على هذا الحديث: باب لكل داء دواء واستحباب التداوي. وعن أسامة بن شريك، نطق: شهدت الأعراب يسألون النبي أعلينا حرج في كذا،يا ترى؟ أعلينا حرج في كذا،يا ترى؟ فنطق لهم: ((عباد الله، وضع الله الحرج إلا من اقترض من عرض أخيه شيئا، فذاك الذي حرج)) نطقوا: يا رسول الله، هل علينا جناح حتى نتداوى،يا ترى؟ نطق: ((تداووا عباد الله، فإن الله سبحانه لم يضع داء إلا وضع معه شفاء، إلا الهرم)). وذكر ابن القيم في الطب النبوي حتى علاجه للسقم ثلاثة أنواع أحدها: بالأدوية الطبيعية. كما اتى في حديث نافع، عن ابن عمر، حتى النبي نطق: ((الحمى من فيح جهنم فأبردوها بالماء)). والثاني: بالأدوية الإيمانية الشرعية، فقد صح عن أم سلمة، حتى النبي رأى في بيتها جارية في وجهها سفعة، ، فنطق: ((استرقوا لها، فإن بها النظرة)). والثالث بالمركب من الأمرين.

حكم التداوي عند المذاهب الإسلامية

تنازع الفقهاء رحمهم الله في حكم التداوي على أقوال متعددة، بين الإباحة والاستحباب والوجوب بعد إجماعهم على مشروعيته، فمضى الحنفيةوالمالكية إلى حتى التداوي مباح، وقيل حتى التداوي مستحب وهوممضى الشافعية ونسبه النووي لجمهور السلف وعامة الخلف، ومضى الحنابلة إلى: أنه مباح وهجره توكلاً أولى، وهوالمنصوص عن الإمام أحمد. وقد أوجبه طائفة قليلة من أصحاب أحمد والشافعي.

وقيل التفصيل في المسألة: نطق ابن تيمية: "فإن الناس قد تنازعوا في التداوي، هل هومباح، أومستحب، أوواجب؟". والتحقيق: حتى منه ما محرم، ومنه ما مكروه، ومنه ما مباح؛ ومنه ما مستحب، وقد يحدث منه ما واجب وهو: ما يفهم أنه يحصل به بقاء النفس لا بغيره، كما يجب أكل الميتة عند الضرورة، فإنه واجب عند الأئمة الأربعة، وجمهور الفهماء وقد نطق مسروق: "من اضطر إلى أكل الميتة فلم يأكل حتى مات، ولج النار، فقد يحصل أحياناً للإنسان إذا استحر السقم، ما إذا لم يتعالج معه مات، والعلاج المعتاد تحصل معه الحياة، كالتغذية للضعيف، وكاستخراج الدم أحياناً".

حكم الرقية والاسترقاء (طلب الرقية)

الرُّقْية: العُوذة التي يُرْقَى بها صاحب الآفة؛ كالحمى والصرع وغير ذلك من الآفات. وهي جائزة إذا عملها الإنسان لنفسه أورقى الآخرين، إذا كانت هذه الرقية من القرآن أوالسنة، وقد حكى النووي في ذلك الإجماع. أما الاسترقاء، وهوطلب الرقية من الغير، فحكمها على قولين: القول الأول: الجواز، نطق ابن عبد البر: "ومضى آخرون من الفهماء إلى إباحة الاسترقاء والمعالجة والتداوي ونطقوا إذا من سنة المسلمين التي يجب عليهم لزومها لروايتهم لها عن نبيهم ". القول الثاني: الكراهة: وبه نطق ابن تيمية ، وابن القيم واستدلوا بحديث ((السبعين ألفاً اللذين يدخلون الجنة بغير حساب، ولا عذاب وهم الذين لا يكتوون، ولا يسترقون، ولايتطيرون، وعلى ربهم يتوكلون))، حيث حتى الاسترقاء نوع سؤال، وقد اتىت النصوص بالاستغناء عن الناس.

حكم الاكتواء

الكي: هوحتى يحمى حديد ويوضع على عضومعلول ليحرق ويحبس دمه ولا يخرج أولينبتر العرق الذي خرج منه الدم. واتى في الكي أحاديث تدل على الرخصة والإباحة، وأحاديث تدل على الكراهة، وكلاهما يحمل على مواضع. فمن أحاديث الإباحة والرخصة بالكي: مااتى عن جابر بن عبد الله رضي الله عنه نطق : "رُمِي أُبَيٌّ يوم الأحزاب على أَكْحَلِهِ فكواه رسول الله " رواه مسلم، وعن أنس حتى النبي كوى أسعد بن زرارة من الشوكة، ونطق أنس: "كويت من ذات الجنب، ورسول الله حي، وشهدني أبوطلحة وأنس بن النضر وزيد بن ثابت، وأبوطلحة كواني".

وتحمل هذه الأحاديث على من اكتوى بعد نزول البلاء ولم يقدر حتى يداوي العلة بدواء آخر فيرخص بالكي، ويدل على هذا حديث عمروبن شعيب عن أبيه عن جده نطق: اتى رجل إلى رسول الله يستأذن في الكي فنطق: ((لا تكتو)). فنطق: يا رسول الله، بلغ بي الجهد، ولا أجد بدا من حتى أكتوي. نطق: ((ما شئت، أما إنه ليس من جرح إلا وهوآتي الله يوم القيامة يدمي)). ومن أحاديث الدالة على كراهة الكي: ما اتى عن ابن عباس، عن النبي نطق: ((الشفاء في ثلاثة: في شرطة محجم، أوشربة عسل، أوكية بنار، وأنا أنهى أمتي عن الكي))، وعن عقار بن المغيرة بن شعبة، عن أبيه نطق: نطق رسول الله  : ((من اكتوى أواسترقى فقد برئ من التوكل)) أخرجه الترمذي. وتحمل هذه الأحاديث على معاني: 1- إذا كان الرجل يقدر على حتى يداوي العلة بدواء آخر لأن الكي إحراق بالنار وتعذيب بها وقد كان عليه الصلاة والسلام يتعوذ دائماً من عذاب النار. 2- أنه إذا بادر بالاكتواء ابتداء قبل حدوث العلة، فهويرى بذلك منع البلاء حتى ينزل به، فهذا ينهى عنه وهوشرك؛ لأنه يعمل عندهم لدفع قدر الله عنهم، وهوإنما أبيح للعلاج، والتداوي به إنماقد يكون عند وقوع الحاجة، ونادىء الضرورة إليه. 3- إذا كان يعظم أمر الكي، ويرى أنه يحسم الداء ويبرئه، وإذا لم يعمل هلك صاحبه، فهذا ينهى عنه، وهومخالف بأن الله هوالشافي وحده.

حكم التداوي عند الكهان والسحرة

يعتقد المسلمون حتى هناك أحاديث وردت للتحذير من الذهاب للكهان والتداوي، من ذلك مااتى عن رسول الله ( ) أنه نطق: ((من أتى عرافا فسأله عن شيء لم تقبل له صلاة أربعين ليلة))، ونطق ( ): ((من أتى عرافا أوكاهنا فصدقه بما يقول فقد كفر بما أنزل على محمد ))، ونطق ( ): ((ليس منا من سحر أوسحر له، أوتطير أوتطير له، أوتكهن أوتكهن له))؛ لذلك نص فهماء أهل السنة والجماعة على تحريم التداوي عندهم، بناء على هذه الأدلة، وأنه لا يجوز الذهاب إلى العرافين والسحرة والمنجمين والكهنة ونحوهم، ولا يجوز سؤالهم ولا تصديقهم، ولا يجوز التداوي عندهم؛ لأن الرسول ( ) نهى عن إتيانهم وسؤالهم وعن تصديقهم؛ فهم يدعون فهم الغيب، ويكذبون على الناس، ويدعونهم إلى مسببات الانحراف عن العقيدة.

وجه إيراد التداوي في خط العقيدة

1- أن قوما يعتقدون حتى الأدوية نافعة بطبعها لامحالة ولا يفوضون الأمر إلى لله تعالى، لاسيما والمريض يتشبث فيما يراه شفاء له؛ فناسب التأكيد على ضرورة حتى الله هوكاشف الضر وحده، نطق تعالى:  وَإِن يَمْسَسْكَ اللّهُ بِضُرٍّ فَلاَ كَاشِفَ لَهُ إِلاَّ هُوَ وَإِن يَمْسَسْكَ بِخَيْرٍ فَهُوَ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ قَدُيرٌ   [ الأنعام:17]، وأن شفاء السقيم لاقد يكون إلا بإذن من الرب تعالى؛ وهذا ماكان النبي صلى الله عليه وسلم يبينه للمريض وينص عليه. أخرج البخاري عن عائشة رضي الله عنها: حتى النبي كان يقول للمريض: ((بسم الله، تربة أرضنا، بريقة بعضنا، يشفى سقيمنا، بإذن ربنا)).

2- أن التوكل من أبرز أبواب العقيدة ويذكر معه هجر التداوي بالاسترقاء والاكتواء وغيرهما لحديث: ((السبعين ألفاً اللذين يدخلون الجنة بغير حساب، ولا عذاب وهم الذين لا يكتوون، ولا يسترقون، ولا يتطيرون، وعلى ربهم يتوكلون))، فيكون التوكل هنا هوالأصل الجامع الذي تفرعت عنه هذه الأفعال وهي هجر طلب الرقية والكي، فدل على حتى بينهما علاقة وهوحتى من كمال التوحيد هجر الاسترقاء والاكتواء؛ لأنه سؤال للناس واتىت النصوص بعدم سؤال الناس وسؤال الله وحده والتعلق به، فهجر الاستسقاء والاكتواء من كمال التوحيد.

3- أن الإرشاد إلى التداوي بالأدوية الإيمانية الشرعية يفتح باب التعبد لله والإنابة إليه وحده.

4- أن بعض الصالحين يفضل هجر التداوي رضا بأقدار الله وتسليما لربه وتعظيما لأجره، ويجعل التداوي من هذا السقم بالالتاتى إليه سبحانه والافتقار إليه والنادىء له؛ وكل من القضاء والقدر والنادىء من أبواب العقيدة. نطق ابن تيمية : "كان كثير من أهل الفضل والفهم، يفضل هجره تفضلاً، واختياراً لما اختار الله، ورضي به، وتسليماً به، وهذا المنصوص عن أحمد". ونطق الشوكاني معلقا على حديث المرأة السوداء التي كانت تصرع فسألت رسول الله حتى يدعولها فخيرها الرسول بين النادىء لها بالعافية وبين حتى تصبر لقاء الجنة؛ فاختارت الصبر فنطق الشوكاني: "وفيه حتى الصبر على بلايا الدنيا يورث الجنة، وأن الأخذ بالشدة أفضل من الأخذ بالرخصة، لمن فهم من نفسه الطاقة، ولم يضعف عن التزام الشدة. وفيه مرشد على جواز هجر التداوي، وأن التداوي بالنادىء مع الالتاتى إلى الله، أنجع وأنفع من العلاج بالعقاقير، ولكن إنما ينجع بأمرين: أحدهما من جهة العليل، وهوصدق القصد، والآخر من جهة المداوي، وهوتوجه قلبه إلى الله، وقوته بالتقوى، والتوكل على الله تعالى.

وصلات خارجية

حكم التداوي-صيد الفوائد

حكم التداوي-ملتقى أهل الحديث.

حكم التداوي بالمحرمات الحسية في الفقه الإسلامي-مسقط المسلم.

المصادر