الألفة من الصفات والأخلاق الحميدة، والألفة هي من طبيعة الإنسان السوي لأنه بطبيعته اجتماعي، وأساس العلاقات الاجتماعية هوحتى يحصل ألفة فيها، فالإنسان ينجذب لمن يشبهه، ويصادق من يظن أنه قريب من اهتماماته واعتقاداته.

ولا تعني الألفة حتىقد يكون الشخص كالآخرين وينسف شخصيته تماماً، بل حتى يوائم الآخرين ويجاريهم بألا يخلق تنافر بينه وبينهم، وأن يصبح قريباً منهم ومن قلوبهم، دون حتى ينسى نفسك أوحتى يغيرها.

وقد حث الإسلام الناس على التمسك ببواعث المحبة والألفة بينهم، حتى تكون لحمة المجتمع مترابطة ومتماسكة ويسهل عليها التعاون والعمل المشهجر والعيش بحياة سوية متزنة مطمئنة وبسلام.

تعريف الألفة

الأُلْفَة لغةً من: ألِفته إلفًا وألفته أنِسْت به، ولزمته وأحببته، والاسم الأُلفة بالضمِّ، والأُلفة أيضًا اسم من الائتلاف، وهوالالتئام والاجتماع فهومُؤْلَفٌ ومأْلُوفٌ وأَلَّفْتُ بينهم تأْلِيفًا إذا جَمَعْتَ بينَهم بعد تَفَرُّقٍ .

والأُلْفَة في الاصطلاح قيل هواتِّفاق الآراء في المعاونة على تدبير المعاش . ونطق الراغب الأصفهاني: (الإلْفُ هواجتماع مع التئام، وينطق: أَلَّفْتُ بينهم ومنه: الأُلْفَة) .

الألفة في القرآن

•  وَاعْتَصِمُواْ بِحَبْلِ اللّهِ جَمِيعًا وَلاَ تَفَرَّقُواْ وَاذْكُرُواْ نِعْمَةَ اللّهِ عَلَيْكُمْ إِذْ كُنتُمْ أَعْدَاء فَأَلَّفَ بَيْنَ قُلُوبِكُمْ فَأَصْبَحْتُم بِنِعْمَتِهِ إِخْوَانًا وَكُنتُمْ عَلَىَ شَفَا حُفْرَةٍ مِّنَ النَّارِ فَأَنقَذَكُم مِّنْهَا كَذَلِكَ يُبَيِّنُ اللّهُ لَكُمْ آيَاتِهِ لَعَلَّكُمْ تَهْتَدُونَ   [آل عمران: 103] .

-نطق الراغب الأصفهاني: (قوله : " وَلاَ تَفَرَّقُواْ " حث على الأُلْفَة والاجتماع، الذي هونظام الإيمان واستقامة أمور العالم، وقد فضَّل المحبَّة والأُلْفَة على الإِنصاف والعدالة، لأنَّه يحُتاج إلى الإِنصاف حيث تفقد المحبَّة، ولصدق محبَّة الأب للابن صار مؤتمنًا على ماله، والأُلْفَة أحد ما شرَّف الله به الشَّريعة سيَّما شريعة الإسلام) . -نطق الزَّمخشريُّ في قوله تعالى:(وَاذْكُرُواْ نِعْمَةَ اللّهِ عَلَيْكُمْ إِذْ كُنتُمْ أَعْدَاء فَأَلَّفَ بَيْنَ قُلُوبِكُمْ فَأَصْبَحْتُم بِنِعْمَتِهِ إِخْوَانًا)، نطق: (كانوا في الجاهليَّة بينهم الإحَن والعداوات والحروب المتواصلة، فألَّف الله بين قلوبهم بالإسلام، وقذف فيها المحبَّة، فتحابوا وتوافقوا وصاروا إخوانًا متراحمين متناصحين مجتمعين على أمرٍ واحد، قد نظم بينهم وأزال الاختلاف، وهوالأخوَّة في الله) . -ونطق السيوطي: (إذ كنتم تذابحون فيها، يأكل شديدكم ضعيفكم، حتى اتى الله بالإسلام فآخى به بينكم وألف به بينكم، أما والله الذي لا إله إلَّا هوإنَّ الأُلْفَة لرحمة، وإنَّ الفُرْقَة لعذاب) .

•  وَإِنْ يُرِيدُوا أَنْ يَخْدَعُوكَ فَإِنَّ حَسْبَكَ اللَّهُ هُوَ الَّذِي أَيَّدَكَ بِنَصْرِهِ وَبِالْمُؤْمِنِينَ  وَأَلَّفَ بَيْنَ قُلُوبِهِمْ لَوْ أَنْفَقْتَ مَا فِي الْأَرْضِ جَمِيعًا مَا أَلَّفْتَ بَيْنَ قُلُوبِهِمْ وَلَكِنَّ اللَّهَ أَلَّفَ بَيْنَهُمْ إِنَّهُ عَزِيزٌ حَكِيمٌ  [الأنفال: 62-63].

-نطق السعدي في قوله تعالى: "وَأَلَّفَ بَيْنَ قُلُوبِهِمْ" أي فاجتمعوا وائتلفوا، وازدادت قوَّتهم بسبب اجتماعهم، ولم يكن هذا بسعي أحد، ولا بقوَّة غير قوَّة الله، فلوأنفقت ما في الأرض جميعًا مِن مضى وفضَّة وغيرهما لتأليفهم بعد تلك النُّفرة والفُرقة الشَّديدة، "مَّا أَلَّفَتْ بَيْنَ قُلُوبِهِمْ" لأنَّه لا يقدر على تقليب القلوب إلَّا الله تعالى، "وَلَـكِنَّ اللّهَ أَلَّفَ بَيْنَهُمْ إِنَّهُ عَزِيزٌ حَكِيمٌ" ومِن عزَّته حتى ألَّف بين قلوبهم، وجمعها بعد الفرقة) .

-ونطق القرطبي في قوله تعالى: "وَأَلَّفَ بَيْنَ قُلُوبِهِمْ" أي جمع بين قلوب الأوس والخزرج، وكان تألُّف القلوب مع العصبيَّة الشَّديدة في العرب مِن آيات النَّبيِّ ومعجزاته؛ لأنَّ أحدهم كان يُلْطَم اللَّطمة فيقاتل عنها حتى يستقيدها. وكانوا أشدَّ خَلْق الله حميَّة، فألَّف الله بالإيمان بينهم، حتى قاتل الرَّجل أباه وأخاه بسبب الدِّين. وقيل: أراد التَّأليف بين المهاجرين والأنصار. والمعنى متقارب .

الألفة في السنة

نطق المناوي في شرح قوله: "المؤمن يأْلَف" نطق: (لحسن أخلاقه وسهولة طباعه ولين جانبه. وفي رواية: (إلْفٌ مَأْلُوفٌ). والإلْف هواللَّازم للشَّيء، فالمؤمن يأْلَف الخير، وأهله ويألفونه بمناسبة الإيمان، نطق الطِّيبي وقوله "المؤمن إلْفٌ " يحتمل كونه مصدرًا على سبيل المبالغة، كرجل عدل، أواسم كان، أي:قد يكون مكان الأُلْفَة ومنتهاها، ومنه إنشاؤها وإليه مرجعها، "ولا خير فيمن لا يأْلَف ولا يُؤْلَف" لضعف إيمانه، وعُسْر أخلاقه، وسوء طباعه.

والأُلْفَة سببٌ للاعتصام بالله وبحبله، وبه يحصل الإجماع بين المسلمين وبضِدِّه تحصل الـنُّفْرة بينهم، وإنَّما تحصل الأُلْفَة بتوفيقٍ إلهي، ومِن التَّآلف: هجر المداعاة والاعتذار عند توهُّم شيء في النَّفس، وتَــرْك الجدال والمراء وكثرة المزاح).

- عن عبد الله بن زيد بن عاصم نطق: ((لـمَّا أفاء الله على رسوله صلى الله عليه وسلم يوم حنين قسم في النَّاس في المؤلَّفة قلوبهم، ولم يعطِ الأنصار شيئًا، فكأنَّهم وجدوا إذ لم يصبهم ما أصاب النَّاس، فخطبهم فنطق: يا معشر الأنصار، ألم أجدكم ضُلَّالًّا فهداكم الله بي، وكنتم متفرِّقين فألَّفكم الله بي، وعالة فأغناكم الله بي،يا ترى؟ ..)) إلى أخر الحديث.

وهذا مِن أكبر نعم الله في بعثة رسول الله حتى ألَّف به بين قوم قويت بينهم العصبيَّات، وينبغي حتىقد يكون شأن المسلم هكذا، يؤلِّف بين المتفرِّقين ويأتلف حوله المحبون.

مقولات وحِكَم عن الألفة

الأسباب المؤدية للألفة

1- التّعارف ومعاشرة الناس: نطق رسول الله : ((الأرواح جنودٌ مجنَّدة ما تعارف منها ائتلف وما تناكر منها اختلف)).

2- التَّواضع: إنَّ خفض الجنَاح ولين الكَلِمَة وتَرْك الإغلاظ مِن أَسبَاب الأُلْفَة واجتماع الكَلِمَة وانتظام الأَمر ولهذا قيل: مَن لانت حدثته وجبت محبَّته وحَسُنَت أُحدُوثته، وظمئت الْقُلُوب إلى لقائه وتنافست في مودته) .

3- القيام بحقوق المسلمين والالتزام بها: عن أبي هريرة حتى رسول الله نطق: ((حق المسلم على المسلم خمسٌ: رد السلام، وعيادة المريض، واتباع الجنائز، وإجابة الدعوة، وتشميت العاطس)). (فهذه الحقوق التي بيَّنها النَّبيُّ كلَّها إذا قام بها النَّاس بعضهم مع بعض، حَصل بذلك الأُلْفَة والمودة، وزال ما في القلوب والنُّفوس مِن الضَّغائن والأحقاد) .

4- إفشاء السَّلام: نطق رسول الله : ((يا أيُّها النَّاس أفشوا السَّلام، وأطعموا الطَّعام، وصلوا الأرحام، وصلُّوا باللَّيل والنَّاس نيام، تدخلوا الجنَّة بسلام)).

5- زيارة المسلم وعيادته إذا سقم: فزيارة المسلم لأخيه المسلم تبعث على الحبِّ والإخاء، ولا سيَّما عند السقم، مع ما أعده الله من الأجر والثواب له نطق رسول الله : ((مَن عاد مريضًا أوزار أخًا له في الله، ناداه مناد بأن طبت وطاب ممشاك، وتبوَّأت مِن الجنَّة منزلًا)).

6- الكلام اللَّين: فالكلام اللَّين والطَّيب مِن الأسباب التي تؤلِّف بين القلوب، نطق تعالى:  وَقُلْ لِعِبَادِي يَقُولُوا الَّتِي هِيَ أَحْسَنُ إِنَّ الشَّيْطَانَ يَنْزَغُ بَيْنَهُمْ إِنَّ الشَّيْطَانَ كَانَ لِلْإِنْسَانِ عَدُوًّا مُبِينًا   [الإسراء: 53].

7- التَّعفُّف عن سؤال النَّاس: نطق رسول الله : ((وازهد فيما في أيدي النَّاس يحبَّك النَّاس)).

8- السَّعي للإصلاح بين النَّاس: نطق تعالى: يَسْأَلُونَكَ عَنِ الْأَنْفَالِ قُلِ الْأَنْفَالُ لِلَّهِ وَالرَّسُولِ فَاتَّقُوا اللَّهَ وَأَصْلِحُوا ذَاتَ بَيْنِكُمْ وَأَطِيعُوا اللَّهَ وَرَسُولَهُ إِنْ كُنْتُمْ مُؤْمِنِينَ   [الأنفال: 1].

9- الاهتمام بأمور المسلمين والإحساس بقضاياهم: نطق رسول الله : ((المؤمنون كرجل واحد، إذا اشتكى رأسه تداعى له سائر الجسد بالحمَّى والسَّهر)).

10- التَّهادي: لا شك حتى تقديم الهديَّة يزيد مِن الأُلْفَة والمحبة والتَّقارب بين المهدي والـمُهْدَى إليه، فعن أبي هريرة عن النَّبيِّ نطق: ((تهادوا تحابُّوا)).

11 – حسن الخلق: نطق الغزالي: (افهم حتى الألفة ثمرة حسن الخلق، والتفرق ثمرة سوء الخلق، فحسن الخلق يوجب التحاب والتآلف والتوافق وسوء الخلق يثمر التباغض والتحاسد والتدابر ومهما كان المُثْمِر محمودًا كانت الثمرة محمودة).

المراجع