الحياة الإجتماعية في الصين

عودة للموسوعة

الحياة الإجتماعية في الصين

بعدمل تغلبت الكنفوشية وعبادة الأسلاف على كثير من الديانات المنافسة لها في الصين ، وقاومتا هجمات كثير من أعدائهما ، وخرجتا ظافرتين من صراع دام عشرين قرناً ، لأن الصينيين يشعرون بأنهما لا غنى عنهما للاحتفاظ بالتنطقيد القوية السامية التي أقامت الصين عليها حياتها. وكما كانت هاتان الديانتان هما الضمانتين الدينيتين لهذه الحياة ، فكذلك كانت الأسرة هي الوسيلة الكبرى لدوام هذا التراث الأخلاقي. فقد ظل الأبناء يتوارثون عن الآباء قانون البلاد الأخلاقي جيلا بعد جيل حتى أصبح هذا القانون هوالحكومة الخفية للمجتمع الصيني من حتى يحتفظ بنظامه رغم ما انتاب الدولة غير المستقرة من نوائب وما احتاجها من أعاصير سياسية.


القانون الأخلاقي

في ذلك يقول فولتير: "إن خير ما يعهده الصينيون ، وأكثر ما يغرسونه في نفوس أبنائهم ، وما بلغوا به ذروة الكمال ، هوقانونهم الأخلاقي". ويقول كنفوشيوس في هذا المعنى نفسه: "إذا قام البيت على أساس سليم أمن العالم وسلم". وكان الصينيون يفترضون حتى الغرض الذي يهدف إليه القانون الأخلاقي هوحتى يحول فوضى العلاقات الجنسية إلى نظام ثابت مقرر يهدف إلى تنشئة الأبناء. فالطفل هوعلة وجود الأسرة ،

ويرى الصينيون حتى أطفال الأسرة مهما كثروا لا يمكن حتى يزيدوا على الحد الواجب المعقول: ذلك حتى الأمة معرضة على الدوام لهجمات الغزاة فهي في حاجة إلى من يحميها ، وإن الأرض خصبة غنية يجد ملايين الناس فيها كفايتهم ؛ وإذا فرض حتى اشتد تنازع البقاء بين الناس في الأسر الكبيرة والبيئات المزدحمة فإن هذا التنازع نفسه سيقضي على أضعفهم ويحتفظ بأقدرهم على الحياة ، فيتضاعف عددهم ليكونوا نادىمة قوية للأمة ومصدرا لعزة آبائهم وكرامتهم ، يرعون قبور أسلافهم الرعاية الدينية الواجبة.

ولقد صاغت عبادة الأسلاف من الأجيال المتعاقبة سلسلة قوية لا آخر لها كثيرة الحلقات تربط الأجيال بعضها ببعض وتضاعف قوتها. فكان على الزوج حتى يلد أبناء ليقربوا له القربان بعد وفاته وليواظبوا في الوقت نفسه على تقريب القربان لأسلافه. وفي ذلك يقول منشيس: "ثلاثة أشياء لا يليق صدورها من الأبناء ، وشرها كلها ألاقد يكون لهم أبناء". وكان الآباء يدعون في صلواتهم حتى يرزقوا أبناء ؛

وكان من أشد مسببات المذلة الدائمة للأمهات ألاقد يكون لهن أبناء ذكور لأن هؤلاء أقدر من البنات على العمل في الحقول وأثبت منهن جنانا في ميدان القتال ؛ وكان من الشرائع المتبعة في البلاد- ولعل هذا الاعتقاد قد روعي في وضعها- ألا يسمح لغير الذكور بتقريب القربان إلى الآباء والأسلاف.

وكانت البنات تعد عبئا على الآباء لأنهم يربونهن ويصبرون على تربيتهن ولا ينالهم من ذلك إلا حتى يبعثوا بهن متى كبرن إلى بيوت أزقابلن ليعملن فيها ويلدن أبناء يكدون لأسر غير أسرهم. وإذا ولد للأسرة بنات أكثر من حاجتها وصادفت الأسرة الصعاب في إعالتهن هجرتهن في الحقول ليقضي عليهن صقيع الليل أوالحيوانات الضارية دون حتى تشعر بشيء من وخز الضمير.

وكان من بقي على قيد الحياة من الأبناء والبنات بعد أخطار الطفولة وأمراضها ينشئون بحنان عظيم ؛ وكانت القدوة الحسنة تحل في تربيتهم محل الضرب واللكم ، وكان الأقارب يتبادلون الأبناء في بعض الأحيان حتى لا يتلفهم حب الآباء وحنانهم.

وكان الأطفال يهجرون في المنزل في الجناح الخاص بالنساء ، وقلما كانوا يختلطون بالكبار من الذكور حتى يبلغوا السابعة من العمر ، وبعدها يرسل الأولاد إلى المدارس إذا كانت موارد الأسرة تكفي لتعليمهم ويفصلون عن البنات فصلا تاما ، حتى إذا بلغوا العاشرة لم يسمح لهم بأن يختاروا لهم رفقاء من غير الرجال والمحاظي. ولكن انتشار اللواط جعل هذا الاختيار صوريا.

وكانت العفة تعد من الفضائل السامية ، وكان الآباء يحرصون عليها أشد الحرص في بناتهم ، وقد نجحوا في غرس هذه الفضيلة في البنات نجاحا منبتر النظير ، يشير عليه حتى البنات الصينيات كن في بعض الأحيان يقتلن أنفسهن إذا اعتقدن حتى شرفهن قد تلوث بأن مسهن رجل مصادفة. غير أنهم لم يبذلوا أي مجهود يرمى إلى حتى يحتفظ غير المتزوج بعفته ، بل كان يعد من الأمور العادية المشروعة حتى يتردد على المواخير ، وكان الزنا عند الرجال من الشهوات المألوفة الواسعة الانتشار ، يستمتع به الرجل كما يشتهي من غير حتى يناله من ورائه أي عار إلا ما ينال المفرط في أية عادة من العادات.

وكان إعداد النساء لإشباع هذه الشهوات من النظم المقررة في الصين من زمن بعيد. من ذلك حتى الوزير الشهير جوان جونج وزير ولاية تشي أعد مقرا للقوادات تؤخذ فيه من التجار القادمين من الولايات الأخرى مكاسبهم قبل حتى يعودوا إلى أوطانهم. ويقول ماركوبولوأنه شاهد في عاصمة كوبلاي خان من العاهرات ما لا يحصى عددهم وما لا يتصور العقل جمالهن. وهؤلاء البغايا مرخص لهن بمزاولة مهنتهن ، وتنظم الدولة أمورهن وتراقبهن من الوجهة الطبية ، وتقدم أجملهن دون أجر إلى أعضاء السفارات الأجنبية.

ونشأت فيما بعد طائفة خاصة من الفاتنان يعهدن "بالبنات المغنيات" مهنتهن حتى يتحدثن حديثا مهذبا مثقفا إلى الشبان إذا أرادوا أويستخدموهن في بيوت الأزواج لتسلية الضيوف. وكثيرا ما تكون هؤلاء الفتيات من البارعات في الأدب والفلسفة وممن يجدن الموسيقى والرقص. وقد كان الرجال يستمتعون بحرية واسعة في صلاتهم بالنساء قبل الزواج ،

كما كانت صلات النساء المحترمات بالرجال قبل زقابلن مقيدة بأشد القيود ، وكان من نتائج هذه الحرية الواسعة من جهة وهذا التقييد الشديد من جهة أخرى حتى الفرصة لم تتح كثيرا لنشأة الحب العاطفي السامي. على أنه قد ظهرت كتابات تصف هذا الحب العاطفي في عهد أسرة تانج ؛ وفي وسعنا حتى نرى شواهد دالة على وجود هذه العاطفة منذ القرن السادس قبل الميلاد في سيرة واي شنج.

فقد تواعد هووفتاة حتى يلتقيا تحت قنطرة ، وظل هوينتظرها هناك بلا جدوى وإن كان الماء قد علا فوق رأسه وأغرقه. وما من شك في حتى واي شنج كان أعهد بحقائق الأمور مما يظهر في هذه السيرة ، ولكن الشاعر الذي نظمها يظن هووأمثاله من الشعراء أنه قد لا يعهد ، وفي هذا الظن ما فيه من الدلالة.وقصارى القول حتى الحب بوصفه عاطفة رقيقة وهياما بالمحبوب وتعلقا به كان بين الرجال بعضهم بعضا أقوى منه بين الرجال والنساء ؛ والصينيون في هذا أشبه الناس باليونان. ولم يكن للزواج صلة كبيرة بالحب.


الزواج

لما كان الغرض من الزواج هوربط زوجين أصحاء بعضهما ببعض لكي تنشأ من ارتباطهما أسرة كبيرة ، فإن هذه الرابطة لم يكن يصح في اعتقاد الصينيين حتى تهجر لحكم العواطف القائم على غير أساس من العقل.

ومن أجل هذا كان الآباء يحرصون على فصل الذكور عن الإناث حتى يبحثوا هوعن زوجات لأبنائهم أوأزواج لبناتهم. وكانوا يعدون امتناع الرجل عن الزواج عيبا خلقيا ، كما كانت العزوبة جريمة في حق الأسلاف وفي حق الدولة وفي حق الجنس لا تغتفر حتى لرجال الدين ، وكان الصينيون في أيامهم الأولى يعينون موظفا خاصا عمله حتى يتأكد من حتى جميع إنسان في الثلاثين من عمره متزوج وأن جميع امرأة قد تزوجت قبل العشرين. وكان الآباء ينظمون خطبة أبنائهم وبناتهم بمعونة وسطاء محترفين (ماي- رن = وسطاء) ، وكانوا يعملون هذا عقب بلوغهم الحُلُم وقبله أحيانا وقبل حتى يولدوا في بعض الأحيان.

وكان ثمة قيود تفرض على الزواج بين الأقارب وأخرى على الزواج من غير الأقارب تحد من هذا الاختيار ، منها: حتى الزوج يجب حتىقد يكون من أسرة معروفة من زمن بعيد للأب الذي يبحث عن زوجة لابنه ولكنها بعيدة النسب عنه بعدا يجعلها خارج دائرة عشيرته. وهذا القول نفسه يصدق على الزوجة. وكانت طريقة الخطبة حتى يرسل والد الخطيب هدية قيمة إلى والد الفتاة ، ولكن الفتاة كان ينتظر منها هي الأخرى حتى تأتي ببائنة قيمة إلى زوجها تكون في الغالب على شكل متاع أوبضاعة ، كما كانت الأسرتان تتبادلان في العادة كثيرا من الهدايا ذات الشأن وقت الزواج.

وكانت البنت تظل في عزلة شديدة عن خطيبها حتى تزف إليه ، فلم يكن زوجها المرتقب يستطيع رؤيتها إلا إذا احتال على ذلك احتيالا- ولقد كان الاحتيال مستطاعا في بعض الأحيان ، ولكنه في كثير من الحالات كان يراها أول مرة حين يحمل النقاب عن وجهها في حفلة الزفاف. وكانت هذه الحفلة من الطقوس الرمزية المعقدة ، أبرز ما فيها حتى يحتسي العريس من الخمر ما يكفي لأن يزيل ما عساه حتى ينتابه من حياء يعد في عهد الصينيين جريمة لا تغتفر. أما البنت فكانت تتدرب على حتى تكون حيّة ومطيعة في وقت واحد.

وكانت الزوجة تعيش بعد الزواج مع زوجها في بيت أبيه أوبالقرب منه ، حيث تكدح كدحا في خدمة زوجها وأمه حتى يحين الوقت الذي يحررها فيه الموت من هذا الاسترقاق ، ويهجرها على استعداد لأن تفرضه هي نفسها على زوجات أبنائها.

وكان الفقراء يكتفون بزوجة واحدة ، ولكن حرص الصينيين على إنجاب أبناء أقوياء كان من القوة بحيث يجعلهم يسمحون عادة للقادرين منهم بأن يتخذوا لهم سراري أو"زوجات من الدرجة الثانية". أما تعدد الزوجات فكان في نظرهم وسيلة لتحسين النسل ؛ وحجتهم في هذا حتى من يستطيعون القيام بنفقاته منهم هم في العادة أكثر أهل العشيرة قدرة على إنجاب الأبناء.

وكانت الزوجة الأولى إذا ظلت عاقرا تحث زوجها على حتى يتخذ له زوجة ثانية ؛ وكثيرا ما كانت هي نفسها تتبنى ابن إحدى المحاظي. وكثيرا ما كان يحدث حتى الزوجات اللاتي يرغبن في حتى يحتفظن بأزقابلن داخل بيوتهن يطلبن إليهم حتى يتزوجوا بالمحاظي اللاتي يؤثرونهن بالعناية وبالصلات الجنسية ، وأن يأتوا بهن إلى منازلهم ويتخذونهم فيها زوجات من الدرجة الثانية. ومن أجل ذلك نرى القصص والأخبار الصينية تثنى على زوجة الإمبراطور جوانج تشوأطيب الثناء لأنها نطقت: "لم أكف قط عن إرسال الرسل إلى المدن المجاورة للبحث عن النساء الجميلات لأجعلهن خليلات لمولاي".

وكانت الأسر ينافس بعضها بعضا في حتى ينلن شرف الحظوة بإرسال إحدى بناتها إلى حريم الإمبراطور. وكان من حق الإمبراطور حتى يتخذ له ثلاثة آلاف من الخصيان ليحرسوا له حريمه وليعنوا ببعض الشؤون الأخرى في بلاطه ، وكان هؤلاء الخصيان يخصيهم آباؤهم في سن الثامنة ليضمنوا لهم الحصول على رزقهم. ولم تكن الزوجات الثانيات في جنة الذكور هذه يفترقن كثيرا عن الإماء ، كما لم تكن الزوجات الأوليات إلا رئيسات هيئة لإنتاج الأبناء والبنات ، تعتمد مكانتهن في الأسرة اعتمادا يكادقد يكون تاما على عدد من يلدن من الأبناء وعلى جنسهن. ولما كانت الزوجة قد نشئت على الرضا بسيادة زوجها عليها فقد كان في وسعها حتى تنعم بقسط متواضع من السعادة بالاندماج ببطء ويسر في النظام الرتيب الذي هيئت له والذي ينتظره الناس كلهم منها.

وإذ كانت النفس البشرية كما نفهم جميعا سريعة القبول لما تنشا عليه فإن الرجل والمرأة المرتبطين برباط الزوجية في تلك البلاد كانا يعيشان كما يظهر لنا عيشة راضية سعيدة لا تقل في ذلك عن عيشة الزواج التي تعقب الحب الروائي في البلاد الغربية. وكان في وسع الرجل حتى يطلق الزوجة لأي سبب كان ، لعقمها أولثرثرتها ، ولم يكن من حقها هي حتى تطلق زوجها ، بل كان لها حتى تغادر داره وتعود إلى دار أبويها وإن كان هذا لا يحدث إلا في القليل النادر. على حتى الطلاق كان مع ذلك قليلا ، ويرجع بعض السبب في هذا إلى ما كان ينتظر المطلقة من مصير أسوأ من حتى تستطيع التفكير فيه ، وبعضها إلا حتى الصينيين فلاسفة بطبيعتهم يرون الألم أمرا طبيعيا وإنه من مقتضيات النظام العام. وأكبر الظن حتى الأم قبل أيام كنفوشيوس كانت محور الأسرة لأنها مصدر وجودها وسلطانها.

وكان الناس في أول عهودهم كما تجاوز القول "يعهدون أمهاتهم ولا يعهدون آباءهم" ، ولا يزال اللفظ الدال على اسم أسرة الرجل مكونا من الأصل الذي اشتق منه لفظ "امرأة" ، واللفظ الصيني اللقاء لحدثة الزوجة معناه "المساوي" ، وكانت الزوجة تحتفظ باسمها بعد زقابلا.

وكانت النساء حتى القرن الثالث بعد الميلاد يشغلن في البلاد مناصب إدارية وتطبيقية رفيعة ، وقد وصل بعضهن إلى حتى يكن حاكمات للبلاد ؛ ولم تكن "الإمبراطورة الأم" حين قبضت بيدها على شئون الدولة إلا متتبعة لخطى الإمبراطورة "لو" التي حكمت الصين حكما صارما دام من عام 195 إلى عام 180 ق.م.

وكانت "لو" قاسية لا تلين قناتها ، قتلت منافسيها وأعداءها أوقضت عليهم بالسم ، وكانت تغتبط بتقتيلهم وتسميمهم اغتباط آل ميديشي ، وكانت تتخذ الملوك وتخلعهم عن عرشهم وتصلم آذان محظيات زوجها وتفقأ عيونهن ثم تلقيهن في المراحيض.

التعليم

كان التعليم منتشرا بين نساء الطبقات العليا في الأيام القديمة وإن كان عدد من يعهدون القراءة والكتابة من الصينيين في أيام المنشولا يكاد يبلغ واحدا في جميع عشرة آلاف. وكان كثيرات من النساء يقرضن الشعر ، ولقد أتمت بان جاوأخت المؤرخ بان كوالموهوبة (حوالي عام 100م) تاريخه بعد وفاته ونالت حظوة كبيرة عند الإمبراطور. ولعل قيام نظام الإقطاع في الصين قد قلل من منزلة المرأة السياسية والاقتصادية في تلك البلاد ، واتى معه بنمط صارم من الأسرة الأبوية.

ذلك حتى الأبناء الذكور هم وزوجاتهم وأطفالهم كانوا يعيشون في العادة مع أكبر رجال الأسرة. ومع حتى الأسرة كلها كانت تمتلك أرضها امتلاكا مشهجرا فإنها كانت تعترف للأب بالسلطان الكامل على الأسرة وعلى أملاكها.

العادات والتنطقيد الإجتماعية

ولما حتى حل عهد كنفوشيوس كان سلطان الأب يكاد حتىقد يكون سلطانا مطلقا في جميع الأمور ، فكان في وسعه حتى يبيع زوجته وأبناءه ليكونوا عبيدا ، وإن لم يعمل هذا إلا إذا ألجأته إليه الضرورة القصوى ؛ وكان يستطيع إذا شاء حتى يقتل أبناءه لا يحول بينه وبين هذا إلا حكم الرأي العام. وكان يتناول طعامه بمفرده لا يدعوزوجته ولا أبناءه إلى المائدة معه إلا في أوقات قليلة نادرة ، وإذا توفي كان ينتظر من أرملته ألا تتزوج بعده ،

وكان يطلب إليها في بداية الأمر حتى تحرق نفسها تكريما له ، وظلت حوادث من هذا النوع تقع في الصين إلى أواخر القرن التاسع عشر بعد الميلاد. وكان الصيني يجامل زوجته كما يجامل جميع إنسان سواها ، ولكنه كان في حياته بعيدا جميع البعد عن زوجته وأبنائه كأنه من طبقة غير طبقتهم. وكان النساء يعشن في أقسام خاصة من المنزل ، وقلما كن يختلطن فيه بالرجال ، وكانت الحياة الاجتماعية كلها مقصورة على الرجال إلا إذا كانت النساء من الطبقات التي يسمح لأفرادها بالاختلاط بالرجال كالمغنيات والمحدثات ومن إليهن.

وكان الرجل لا يفكر في زوجته إلا بوصفها أم أبنائه ولا يكرمها لجمالها أولثقافتها بل لخصوبتها وجدها وطاعتها ؛ يشهد بذلك ما خطته السيدة بان هو- بان إحدى بنات الطبقة العليا في رسالة ذائعة الصيت بعبارات غاية في التواضع والخضوع تصف فيها المكانة الحقة للمرأة: نشغل نحن النساء آخر مكان في الجنس البشري ، ونحن أضعف قسم من بني الإنسان ، ويجب حتىقد يكون من نصيبنا أحقر الأعمال. وما أعدل ما يقوله في حقنا كتاب قوانين الجنسين وأصدقه: وإذا كان للمرأة زوج يرتضيه قلبها وجب حتى تظل معه طيلة حياتها ؛ وإذا كان للمرأة زوج لا يرتضيه قلبها وجب حتى تظل معه أيضا طيلة حياتها".

ويغني فوشوان قائلا:


ألا ما اتعس حظ المرأة‍

ليس في العالم كله شيء أقل قيمة منها.

إن الأولاد يقفون متكئين على الأبواب ،

كأنهم آلهة سقطوا من السماء ،

تتحدى قلوبهم البحار الأربعة ،

والرياح والتراب آلاف الأميال ؛

أما البنت فإن أحدا لا يسر بمولدها ،

ولا تدخر الأسرة من ورائها شيئا ،

وإذا كبرت اختبأت في حجرتها ،

تخشى حتى تنظر إلى وجه إنسان ،

ولا يبكيها أحد إذا اختفت من منزلها -

على حين غفلة كما تختفي السحب بعد هطول الأمطار ،

وهي تطأطأ رأسها وتجمل وجهها

وتعض بأسنانها على شفتيها ،

وتنحني وهجرع مرارا يخطئها الحصر.


قد يحدث في هذه المقتبسات ظلم للبيت الصيني ؛ نعم قد كان فيه خضوع ومذلة ، وكثيرا أقام فيه النزاع بين الرجل والمرأة وبين بعض الأطفال ، ولكن كان في البيت أيضا كثير من الحب والحنان ، وكثير من التعاون والتآزر في الأعمال المنزلية ، مما يجعل البيت مكانا طبيعيا ومستقرا صالحا للأسرة.

وكانت المرأة رغم خضوعها للرجل من الناحية الاقتصادية تنصت بكامل حقها في استخدام لسانها ، وكان في وسعها حتى تؤنب الرجل حتى يرهبها أويفر من وجهها كأحسن ما تستطيعه المرأة الغربية في هذه الأيام. هذا وجدير بنا حتى نقول حتى الأسرة ذات النظام الأبوي ليس في مقدورها حتى تكون أسرة ديمقراطية ، وهي أشد من ذلك عجزا عن حتىقد يكون جميع أفرادها متساوين في الحقوق ،

وذلك لأن الدولة كانت تهجر للأسرة مهمة القيام على النظام الاجتماعي ، ولأن المنزل كان مربى للأطفال ومدرسة ومصنعا وحكومة في وقت واحد. ولم يتراخ نظام الأسرة في أمريكا إلا بعد حتى ضعف شأن المنزل في المدينة وقلت أهميته بانتنطق واجبات الأسرة إلى المدرسة والمصنع والدولة.

ولقد أثنى كثير من الرحالة أجمل ثناء على الخلق الذي كان ثمرة هذه النظم المنزلية. فإذا صرفنا النظر عن الحالات الشاذة الكثيرة التي تضعف جميع حكم عام يمكن حتى يصدره الإنسان على أي نظام اجتماعي ، استطعنا حتى نقول حتى الصيني العادي كان مثلا يحتذى في طاعة الأبناء للآباء وإخلاصهم ووفائهم لهم وفي احترام الصغار للكبار وعنايتهم بهم عن رضا واختيار.

وكان الصيني يقبل الحكم الأخلاقية التي اتىت في اللي- شي أوكتاب الحفلات ويعمل بما فيها من آداب اللياقة رغم مشقتها ، وينظم جميع ناحية من نواحي حياته حسب ما فيها من قواعد المجاملة العاطفية التي أكسبت أخلاقه من الرقة والسهولة والاتزان والكرامة ما لم ينله أمثاله من الغربيين- فقد يظهر الحمّال الذي ينقل الأقذار في الطرقات من الأدب وحسن التربية واحترام النفس أكثر مما يظهره التاجر الأجنبي الذي باعه الأفيون.

ولقد تفهم الصيني فن التراضي والمصالحة واستطاع بذلك حتى يستل ضغينة عدوه المغلوب. ولقد كان في بعض الأحيان عنيفا في قوله ، وكان على الدوام ثرثارا ، وكثيرا ما تراه قذرا أوثملا يدمن القمار ويلتهم الطعام التهاما ، ويميل إلى ابتزاز الأموال العامة وإلى سؤال الناس في غير إلحاف ، يعبد إله المال عبادة وثنية مسرفة في صراحتها ، ويجري وراء المضى جري الأمريكي كما نراه في صوره الساخرة، يستطيع أحيانا حتىقد يكون قاسيا فظا غليظ القلب ،

إذا توالت عليه المظالم ثار أحيانا وأقدم على ضروب من السلب والتقتيل في جماعات كبيرة. ولكنه في جميع أحواله تقريبا رجل مسالم رحيم ، كثير الاستعداد لمساعدة جيرانه ، يحتقر المجرمين والمحاربين ، مقتصد مجد مثابر على عمله وإن كان لا يعجل فيه ، سهل في أسلوب حياته لا يحب التظاهر والتصنع ، شريف إلى حد كبير في معاملاته التجارية والمالية. وكان من عادته الصبر على النوائب ، يستقبل النعم والنقم على السواء بحكمة ووداعة ،

ويتحمل الحرمان والعذاب دون حتى يفقد سلطانه على نفسه ، ويصبر عليهما صبر من يرى حتى جميع شيء مقدر عليه في الأزل ، ولا يعطف قط على من يتأفف منهما على مسمع من الناس ، يحزن حزنا صادقا طويلا على من يموت من أقاربه ، وإذا عجز عن الفرار من الموت بجميع ما لديه من الوسائل قابله وهوصابر صبر الفلاسفة ؛ وكان مرهف الشعور بالجمال بقدر ما كان قليل الشعور بالألم ، وكان يزين مدائنه بالنقوش الملونة ويتنعم في حياته بأرقى أنواع الفن.

وإذا شئنا حتى نفهم هذه الحضارة حق الفهم كان علينا حتى ننسى ، ولوإلى حين ، ما تردت فيه البلاد من فوضى وعجز بسبب ضعفها في الداخل ، واحتكاكها بمدافع الغرب وآلاته الضخمة القوية ، وأن نراها في فترة من فترات عزها ومجدها في عهد أمراء جوأوفي عهد منج هوانج أوهواي دزونج أوكانج شي. ذلك حتى الصيني في تلك الأيام أيام حب الجمال كان يمثل بلا ريب أرقى المدنيات وأنضج الثقافات اللتين شهدتهما آسية أوإذا شئت فقل أية قارة من القارات.

إن أكثر ما يروعنا في هذه الحضارة هونظام حكومتها. وإذا كانت الدولة المثالية هي التي تجمع بين الديمقراطية والأرستقراطية فإن الصينيين قد أنشأوا هذه الدولة منذ ألف عام أوتزيد ؛ وإذا كانت خير الحكومات هي أقلها حكما ، فقد كانت حكومة الصين خير حكومات العالم على الإطلاق.

ولم يشهد التاريخ قط حكومة كان لها رعايا أكثر من رعايا الحكومة الصينية أوكانت في حكمها أطول عهدا وأقل سيطرة من تلك الحكومة. ولسنا نقصد بهذا حتى الفردية أوالحرية الفردية كان لها شأن عظيم في بلاد الصين ؛ ذلك حتى فكرة الفردية كانت ضعيفة في تلك البلاد وأن الفرد كان مغمورا في الجماعات التي ينتمي إليها. فقد كان أولا عضوا من أعضاء أسرة ، ووحدة عابرة في موكب الحياة بين أسلافه وأخلافه ؛ وكانت القوانين والعادات تحمله تبعة أعمال غيره من أفراد أسرته كما يحملون هم تبعة أعماله ؛ وكان فضلا عن هذا ينتمي عادة على جمعية سرية ، وإذا كان من سكان الحواضر فانه ينتمي إلى نقابة من نقابات الحرف. وهذه كلها أمور تحد من حقه في حتى يعمل ما يشاء.

وكان يحيط به فضلا عن هذا طائفة من العادات القديمة ويهدده رأي عام قوي بالطرد من البلاد إذا خرج على أخلاق الجماعة أوتنطقيدها خروجا خطيرا. وكانت قوة هذه النظم الشعبية التي نشأت بطبيعتها من حاجات الناس وتعاونهم الاختياري هي التي مكنت الصين من حتى تحتفظ بنظامها واستقرارها رغم ما يشوب القانون والدولة من لين وضعف.

ولكن الصينيين ظلوا أحرارا من الناحيتين السياسية والاقتصادية في داخل هذا الإطار من نظم الحكم الذاتي التي أقاموها بأنفسهم لأنفسهم. لقد كانت المسافات الشاسعة التي تفصل جميع مدينة عن الأخرى وتفصل المدن كلها عن عاصمة الإمبراطورية ، والجبال الشامخة والصحاري الواسعة والمجاري التي تتعذر فيها الملاحة أولا تقوم عليها القناطر ، وانعدام وسائل النقل والاتصال السريع وصعوبة تموين جيش كبير يكفي لفرض سلطان الحكومات المركزية على شعب تبلغ عدته أربعمائة مليون من الأنفس - كانت هذه كلها عوامل تضطر الدولة لأن تهجر لكل إقليم من أنطقيمها استقلالا ذاتيا يكاد حتىقد يكون كاملا من جميع الوجوه.

وكانت وحدة الإدارة المحلية هي القرية يحكمها حكما متراخيا رؤساء العشائر بإشراق "زعيم" منهم ترشحه الحكومة. وكانت جميع طائفة من القرى مجتمعة حول بلدة كبيرة تؤلف "بينا" أي مقاطعة بلغت عدتها في الصين نحوألف وثلاثمائة. ويتألف من جميع بينين أوأكثر تحكمهما معا مدينة "فو"، ومن جميع فوين أوثلاثة "داو" أي دائرة، ومن جميع داوين أوأكثر "شنج" أي إقليم.

وكانت الإمبراطورية في عهد المنشوتتألف من ثمانية عشر من هذه الأنطقيم. وكانت الدولة تعين من قبلها موظفا في جميع بين يدير شئونه ، ويجبى ضرائبه ، ويفصل في قضاياه ، وتعين موظفا آخر في جميع فووآخر في جميع داو؛ كما تعين قاضيا، وخازنا لبيت المال، وحاكما، ونائبا للإمبراطور أحيانا في جميع إقليم. ولكن هؤلاء الموظفين كانوا يقنعون أحيانا بجباية الضرائب والفروض الأخرى والفصل في المنازعات التي يعجز المحكمون عن تسويتها بالحسنى ، ويهجرون حفظ النظام لسلطان العادة وللأسرة والعشيرة والنقابة الطائفية.

وكان جميع إقليم ولاية شبه مستقلة لا تتدخل الحكومة الإمبراطورية في أعمالها ، ولا تفرض عليها شرائعها طالما كانت تدفع حصتها من الضرائب وتحافظ على الأمن والنظام في داخل حدودها. وكان انعدام وسائل الاتصال السهلة مما جعل الحكومة المركزية فكرة معنوية أكثر منها حقيقة واقعية. ومما جعل عواطف الأهلين الوطنية تنصرف في دوائرهم وأنطقيمهم ، ولا تتسع إلا في القليل النادر حتى تضم الإمبراطورية بوجه عام. وفي هذا البناء غير المحكم كان القانون ضعيفا ، بغيضا ، متباينا. وكان الناس يفضلون حتى تحكمهم عاداتهم وتنطقيدهم ، وأن يسووا نزاعهم بالتراضي خارج دور القضاء.

وكانوا يعبرون عن آرائهم في التقاضي بمثل هذه الحكم والأمثال القصيرة القوية: "قاض برغوثا يعضك" و"اكسب قضيتك تخسر مالك". وكانت تمر سنين على كثير من المدن التي تبلغ عدة أهلها آلافاً مؤلفة لا تحمل فيها قضية واحدة إلى المحاكم وكانت قوانين البلاد قد جمعت في عهد أباطرة تانج ولكنها كلها اقتصرت تقريبا على الجرائم ولم تبذل محاولات جدية لوضع قانون مدني. وكانت المحاكمات بسيطة سهلة لأن المحامي لم يكن يسمح له بمناقشة الخصم داخل المحكمة، وإن كان في استطاعة كتاب مرخصين من الدولة حتى يعدوا في بعض الأحيان تقارير بالنيابة عن المتقاضين ويتلوها على القاضي. ولم يكن هناك نظام للمحلفين ، ولم يكن في نصوص القوانين ما يحمي الفرد من حتى يقبض عليه موظفوالدولة على حين غفلة ويعتقلوه. وكانت تؤخذ بصمات أصابع المتهمين ، ويلجأ أحيانا إلى تعذيبهم لكي يقروا بجرائمهم ، ولم يكن هذا التعذيب الجسمي ليزيد إلا قليلا على ما يتبع الآن لهذا الغرض عينه في أكثر المدن رقيا. وكان العقاب صارما ، وإن لم يكن أشّد وحشية مما كان في معظم بلاد القارة الآسيوية ؛ وكان أوله قص الشعر ويليه الضرب ثم النفي من البلاد ثم الإعدام.

وإذا كان المتهم ذا فضائل غير معهودة أوكان من طبقة راقية جاز له حتى ينتحر. وكانت العقوبات تخفف أحيانا تخفيفا كريما ، وكان حكم الإعدام لا يصدر في الأوقات العادية إلا من الإمبراطور نفسه. وكان الناس جميعا من الناحية النظرية سواسية أمام القانون ، شأنهم في هذا كشأننا نحن في هذه الأيام. ولكن هذه القوانين لم تمنع السطوفي الطرق العامة أوالارتشاء في وظائف الدولة ودور القضاء ، غير أنها كان لها قسط متواضع في معاونة الأسرة والعادات الموروثة في حتى تهب الصين درجة من النظام الاجتماعي والأمن والاطمئنان الشخصي لم تضارعها فيها أمة أخرى قبل القرن العشرين.

وكان الإمبراطور يشرف على هذه الملايين الكثيرة من فوق عرشه المزعزع. وكان يحكم من الوجهة النظرية بحقه المقدس ؛ فقد كان هو"ابن السماء" وممثل الكائن الأعلى في هذه الأرض. وبفضل سلطانه الإلهي هذا كانت له السيطرة على الفصول وكان يأمر الناس حتى يوفقوا بين أعمالهم وبين النظام السماوي المسيطر على العالم ، وكانت حدثته هي القانون وأحكامه هي القضاء الذي لا مرد له. وكان المدبر لشؤون الدولة ورئيس ديانتها ، يعين جميع موظفيها ويمتحن المتسابقين لأعلى مناصبها ويختار من يخلفه على العرش. لكن سلطانه كان يحده من الوجهة العملية القانون والعادات المرعية ، فكان ينتظر منه حتى يحكم من غير حتى يخرج على النظم التي انحدرت من الماضي المقدس. وكان معرضا في أي وقت لأن يعزَّر على يد رجل ذي مقام كبير يسمى بالرقيب ؛ وكان في واقع الأمر محوطاً بحلقة قوية من المستشارين والمبعوثين من مصلحته حتى يعمل بمشورتهم ، وإذا ظلم أوفسد حكمه خسر بحكم العادات المرعية وباتفاق أهل الدولة "تفويض السماء" ، وأمكن خلعه بالقوة من غير حتى يعد ذلك خروجا على الدين أوالأخلاق.

وكان الرقيب رئيس مجلس مهمته التفتيش على جميع الموظفين في أثناء قيامهم بواجباتهم ، ولم يكن الإمبراطور نفسه بمنجاة من إشرافه. وقد وقع مرارا في تاريخ الصين حتى عزر الرقيب الإمبراطور نفسه. من ذلك حتى الرقيب سونج أشار على الإمبراطور جياه تشنج (1196-1821) ، بالاحترام اللائق بمقامه العظيم طبعا ، حتى يراعى جانب الاعتدال في صلاته بالممثلين وبتعاطي المسكرات. فما كان من جياه تشنج إلا حتى استدعى سونج للمثول أمامه ، وسأله وهوغاضب أي عقاب يليق حتى يسقط على من كان موظفا وقحا مثله ، فأجابه سونج: "الموت بتقطيع جسمه إرباً". ولما أمره الإمبراطور باختيار عقاب أخف من هذا أجابه بقوله "إذن فليبتر رأسي" فطلب إليه مرة أخرى حتى يختار عقابا أخف فاختار حتى يقتل خنقا. وأعجب الإمبراطور بشجاعته وخشي وجوده بالقرب منه فعينه حاكما على إقليم إيلي.

وأضحت الحكومة المركزية على مر الزمن أداة إدارية شديدة التعقيد. وكان أقرب الهيئات إلى العرش المجلس الأعلى ، ويتكون من أربعة "وزراء كبار" يرأسهم في العادة أمير من أمراء الأسرة المالكة. وكان يجتمع بحكم العادة في جميع يوم في ساعات الصباح المبكرة لينظر في شؤون الدولة السياسية. وكان يعلوعنه في المنزلة ، ولكن يقل عنه في السلطان ، هيئة أخرى من المستشارين يسمون "بالديوان الداخلي". وكان يشرف على الأعمال الإدارية "ستة مجالس" للشؤون المدنية ، والدخل ، والاحتفالات ، والحرب ، والعقوبات ، والأشغال العامة ؛ وكان ثمة إدارة للمستعمرات تصرف شؤون الأنطقيم النائية مثل منغوليا ، وسنكيانج والتبت[[.]] ولكنها لم تكن لها إدارة للشؤون الخارجية لأن الصين لم تكن تعترف بأن في العالم دولة مساوية لها ، ومن أجل ذلك لم تنشئ غير ما وضعته من النظم لاستقبال البعوث التي تحمل لها الخراج.

وكان أكبر مسببات ضعف الحكومة قلة مواردها وضعف وسائل الدفاع عن أراضيها ورفضها جميع اتصال بالعالم الخارجي يعود عليها بالنفع. لقد فرضت الضرائب على أراضيها ، واحتكرت بيع الملح ، وعطلت نماء التجارة بما فرضته بعد عام 1821 من عوائد على انتنطق البضائع على طرق البلاد الرئيسية ، ولكن فقر السكان ، وما كانت تعانيه من الصعاب في جباية الضرائب والمكوس ،

وما يتصف به الجباة من الخيانة ، جميع هذا قد هجر خزانة الدولة عاجزة عن الوفاء بحاجات القوى البحرية والبرية التي كان في وسعها لولا هذا العجز حتى تنقذ البلاد من مذلة الغزووالهزيمة. ولعل أبرز مسببات هزائمها هوفساد موظفي حكومتها ؛ وذلك حتى ما كان يتصف به موظفوها من جدارة وأمانة قد ضعف في خلال القرن التاسع عشر فأضحت البلاد تعوزها الزعامة الرشيدة في الوقت الذي كانت فيه نصف ثروة العالم ونصف قواه يتجمعان لسل استقلالها وانتهاب مواردها والقضاء على أنظمتها.

بيد حتى أولئك الموظفين كانوا يختارون بوسيلة لا مثيل لها في دقتها وتعد في جملتها أجدر وسائل الاختيار بالإعجاب والتقدير ، وخير ما وصل إليه العالم من الوسائل لاختيار الخدام العموميين. لقد كانت وسيلة جديرة بإعجاب أفلاطون ، ولا تزال رغم عجزها وتخلي الصين عنها تقرب الصين إلى قلوب الفلاسفة. وكانت هذه الطريقة من الناحية النظرية توفق أحسن التوفيق بين المبادئ الأرستقراطية والديمقراطية: فهي تمنح الناس جميعا فرصة متكافئة لإعداد أنفسهم للمناصب العامة ، ولكنها لا تفتح أبواب المناصب إلا لمن أعدوا أنفسهم لها. ولقد أنتجت خير النتائج من الوجهة العملية مدى ألف عام. وكانت بداية هذه الطريقة في مدارس القرى - وهي معاهد خاصة ساذجة لا تزيد قليلا على حجرة واحدة في كوخ صغير - كان يقوم فيها مفهم واحد بتعليم أبناء أسر القرية تعليما أوليا ينفق عليه بما يؤديه هؤلاء الأبناء من أجر ضئيل. أما النصف الفقير من السكان فقد ظل أبناؤه أميين.

ولم تكن الدولة هي التي تنفق على تلك المدارس ، ولم يكن الكهنة هم الذين يديرونها ، ذلك حتى التعليم قد بقى في الصين كما بقى الزواج فيه مستقلا عن الدين لا صلة بينهما سوى حتى الكنفوشية كانت عقيدة المفهمين.

وكانت أوقات الدراسة طويلة كما كان النظام صارما في هذه المدارس المتواضعة. فكان الأطفال يأتون إلى المفهم في مطلع الشمس ويدرسون معه حتى الساعة العاشرة ، ثم يفطرون ويواصلون الدرس حتى الساعة الخامسة ، ثم ينصرفون بقية النهار. وكانت العطلات قليلة العدد قصيرة الأجل ، وكانت الدراسة تعطل بعد الظهر في فصل الصيف ، ولكن هذا الفراغ الذي كان يصرف في العمل في الحقول كان يعوض بفصول مسائية في ليالي الشتاء. وكان أبرز ما يتفهمه الأطفال كتابات كنفوشيوس وشعر تانج ؛ وكانت أداة المفهم عصا من الخيزران. وكانت كيفية التعليم الحفظ عن ظهر قلب ؛ فكان الأطفال الصغار يواصلون حفظ فلسفة المفهم كونج ويناقشون فيها مدرسهم حتى ترسخ جميع حدثة من حدثاته في ذاكرتهم وحتى يستقر بعضها في قلوبهم. وكانت الصين تأمل حتى يتمكن جميع أبنائها ، ومنهم الزراع أنفسهم ، بهذه الطريقة القاسية الخالية من اللذة حتى يصبحوا فلاسفة وسادة مهذبين ،

وكان الصبي يخرج من المدرسة ذا فهم قليل وإدراك كبير ، جاهلا بالحقائق ناضج العقل. وكان هذا التعليم هوالأساس الذي أقامت عليه الصين - في عهد أسرة هان على سبيل التجربة وفي عهد أسرة تانج بصفة نهائية - نظام تولي المناصب العامة بالامتحان. ومن أقوال الصينيين في هذا: إذا من أضر الأمور بالشعب حتى يتفهم حكامه طرق الحكم بالحكم نفسه ، وإن من واجبهم حدثا استطاعوا حتى يتفهموا طرق الحكم قبل حتى يحكموا ، ومن أضر الأمور بالشعب حتى يحال بينه وبين تولي المناصب العامة وأن يصبح الحكم امتيازا تتوارثه فئة قليلة من أبناء الأمة ؛ ولكن من الخير للشعب حتى تقصر المناصب على من أعدوا لها بفضل مواهبهم وتدريبهم.

وكان الحل الذي عرضته الصين لمشكلة الحكمة القديمة المستعصية هي حتى تتيح لكل الرجال ديمقراطيا فرصة متكافئة لأن يدربوا هذا التدريب ، وأن تقصر الوظائف أرستقراطيا على من يثبتون أنهم أليق الناس لأن يتولوها. ومن أجل هذا كانت تعقد في أوقات معينة امتحانات عامة في جميع مركز من المراكز يتقدم إليها جميع من شاء من الذكور متى كانوا في سن معينة. وكان المتقدم إلى الامتحان يمتحن في قوة تذكره وفهمه لكتابات كنفوشيوس وفي مقدار ما يعهد من الشعر الصيني ومن تاريخ الصين ، وفي قدرته على حتى يخط أبحاثا في السياسة والأخلاق كتابة تدل على الفهم والذكاء.

وكان في وسع من يخفق في الامتحان حتى يعيد الدرس ويتقدم إليه مرة أخرى ، ومن نجح منح درجة شيودزاي التي تؤهله لأنقد يكون عضوا في طبقة الأدباء ولأن يعين في المناصب الصغرى في الحكومة الإقليمية ؛ وأهم من هذا حتىقد يكون من حقه حتى يتقدم إما مباشرة أوبعد استعداد حديث لامتحان آخر يعقد في الأنطقيم جميع ثلاث سنوات شبيه بالأول ولكنه أصعب منه. ومن خفق فيه أجاز حتى يتقدم إليه مرة أخرى ؛ وكان يعمل ذلك كثيرون من المتقدمين فكان يجتازه في بعض الأحيان رجال جاوزا الثمانين وظلوا طوال حياتهم يدرسون ، وكثيرا ما توفي الناس وهم يتأهبون لدخول هذه الامتحانات.

وكان الذين ينجحون يختارون للوظائف الحكومية الصغرى ، كما كان من حقهم حتى يتقدموا للامتحان النهائي الشديد الذي يعقد في بكين. وكان في تلك المدينة ردهة للامتحان العام تحتوي على عشرة آلاف حجرة انفرادية يقضى فيها المتسابقون ثلاثة أيام متفرقة في عزلة تامة ، ومعهم طعامهم وفراشهم ، يخطون منطقات أورسائل في موضوعات تفهم لهم بعد دخولهم. وكانت هذه الغرف خالية من وسائل التدفئة والراحة رديئة - الإضاءة غير صحية لأن الروح لا الجسم - في رأيهم - هي التي يجب حتى تكون موضع الاهتمام! وكان من الموضوعات المألوفة في هذه الامتحانات حتى ينشئ المتقدم قصيدة في: "صوت المجاديف والتلال الخضراء والماء" ، وأن يخط منطقا عن الفقرة الآتية من كتابات كنفوشيوس. نطق دزانج دزي: "من يك ذا كفاية ويسأل من لا كفاية له ؛ ومن يك ذا فهم كثير ويسأل من لا يفهم إلا القليل ؛ ومن يملك ثم يتظاهر بأنه لا يملك ؛ ومن يمتلئ ثم يبدي أنه فارغ" ولم يكن في أي امتحان من هذه الامتحانات حدثة واحدة عن العلوم أوالأعمال التجارية أوالصناعية ؛ لأنها لم تكن تهدف إلى تبين فهم الرجل بل ترمي إلى فهم ما له من حكم صادق وخلق قويم.

وكان كبار موظفي الدولة يختارون من الناجحين في هذا الامتحان النهائي. وتبين على مر الزمن ما تنطوي عليه هذه الطريقة من عيوب. فقد عثر الغش سبيله إلى الحكم في الامتحان ، وإن كان الغش في الامتحان أوفي تقديره يعاقب عليه أحيانا بالإعدام. وأصبح شراء الوظائف بالمال كثيرا متفشيا في القرن التاسع عشر ، من ذلك حتى موظفا صغيرا باع عشرين ألف شهادة مزورة قبل حتى يكشف أمره. ومنها حتى صورة الموضوعة التي تخط في الامتحان أصبحت صورة عادية معروفة يعد المتسابقون أنفسهم لها إعدادا آلياً.

كذلك كان منهج الدراسة ينزع إلى الهبوط بالثقافة إلى الصور الشكلية دون اللباب ، ويحول دون الرقي الفكري لأن الأفكار التي كانت تتداول في هذه الموضوعات قد تحددت وتعينت خلال مئات السنين. وكان من آثارها حتى أصبح الخريجون طبقة بيروقراطية ذات عقلية رسمية متعجرفة بطبيعتها ، أنانية ، مستبدة في بعض الأحيان وفاسدة في كثير من الأحوال ؛ لا يستطيع الشعب مع ذلك حتى يعزلها أويشرف على أعمالها إلا إذا لجأ بعد يأسه إلى الطريقة الخطرة طريقة الإضراب عن طاعتها أومقاطعتها وعدم التعامل معها.

وقصارى القول حتى هذا النظام كان ينطوي على جميع العيوب الني يمكن حتى ينطوي عليها أي نظام حكومي يبتدعه ويسيره بنوالإنسان ؛ فعيوبه هي عيوب القائمين عليه لا عيوب النظام نفسه ، وليس ثمة نظام آخر لم يكن فيه من العيوب من في هذا النظام. أما مزاياه فهي كثيرة: فهوبرئ من كيفية الترشيح وما يؤثر فيها من تيارات خفية ؛ وليس فيه مجال للمساعي الدنيئة وللنفاق والخداع في تصوير النتائج ، ولا تدور فيه المعارك الصورية بين الأحزاب ، ولا يتأثر بالانتخابات الفاسدة ذات الجلبة والضجيج ، ولا يتيح الفرصة لتسلم المركز الرفيع عن طريق الشهرة الزائفة. لقد كانت الحكومة القائمة على هذا النظام حكومة ديمقراطية على الزعامة وعلى المناصب الرفيعة. وكانت أرستقراطية في أحسن صورها ،


لأنها حكومة يتولاها أقدر الرجال الذين اختيروا اختيارا ديمقراطيا من بين جميع طبقات الشعب ومن جميع جيل. وبفضل هذه الطريقة وجهت عقول الأمة ومطامعها وجهة الدرس والتحصيل، وكان أبطالها الذين تقتدي بهم هم رجال الفهم والثقافة لا سادة المال . ولقد كان جديرا بالإعجاب حتى يجرب مجتمع من المجتمعات حتى يحكمه من الناحيتين الاجتماعية والسياسية رجال أعدوا للحكم بتفهم الفلسفة والعلوم الإنسانية ، ولذلك كان من شر المآسي حتى تنقض قوى التطور والتاريخ القاسية التي لا ترحم ولا تلين على ذلك النظام الفذ وعلى جميع معالم الحضارة التي كان هوأبرز عناصرها فتدمرها تدميرا.


المصادر

ول ديورانت. سيرة الحضارة. ترجمة بقيادة زكي نجيب محمود. Unknown parameter |coauthors= ignored (|author= suggested) (help)

تاريخ النشر: 2020-06-04 04:29:00
التصنيفات: Pages with citations using unsupported parameters, حضارة صينينة

مقالات أخرى من الموسوعة

سحابة الكلمات المفتاحية، مما يبحث عنه الزوار في كشاف:

آخر الأخبار حول العالم

"فرانس برس": 10 قتلى بهجوم على موقع عسكري في بوركينا فاسو

المصدر: RT Arabic - روسيا التصنيف: سياسة
تاريخ الخبر: 2022-04-24 18:17:17
مستوى الصحة: 85% الأهمية: 85%

كيريل: بطريرك موسكو الذي يصف عهد بوتين "بالمعجزة"

المصدر: BBC News عربي - بريطانيا التصنيف: سياسة
تاريخ الخبر: 2022-04-24 18:17:02
مستوى الصحة: 87% الأهمية: 95%

الشرطة الهندية تقتل 3 مسلحين في جامو وكشمير

المصدر: RT Arabic - روسيا التصنيف: سياسة
تاريخ الخبر: 2022-04-24 18:17:15
مستوى الصحة: 83% الأهمية: 88%

للمرة الأولى.. العراق يستضيف شعلة النار المقدسة القادمة من القدس

المصدر: RT Arabic - روسيا التصنيف: سياسة
تاريخ الخبر: 2022-04-24 18:17:17
مستوى الصحة: 94% الأهمية: 90%

استقالة بوريس جونسون "قد تزعزع استقرار بريطانيا حاليا"

المصدر: BBC News عربي - بريطانيا التصنيف: سياسة
تاريخ الخبر: 2022-04-24 18:17:00
مستوى الصحة: 82% الأهمية: 99%

هل تصبح إمارة رأس الخيمة لاس فيغاس الشرق؟

المصدر: BBC News عربي - بريطانيا التصنيف: سياسة
تاريخ الخبر: 2022-04-24 18:17:01
مستوى الصحة: 82% الأهمية: 100%

مصرع 17 مهاجرا وإنقاذ 97 اثر غرق أربعة قوارب قبالة سواحل تونس

المصدر: فرانس 24 - فرنسا التصنيف: سياسة
تاريخ الخبر: 2022-04-24 18:17:09
مستوى الصحة: 88% الأهمية: 100%

الأردنيون على موعد مع أطول عطلة في تاريخ المملكة

المصدر: RT Arabic - روسيا التصنيف: سياسة
تاريخ الخبر: 2022-04-24 18:17:19
مستوى الصحة: 84% الأهمية: 97%

حالة الطقس – مراكش 24 | جريدة إلكترونية مغربية مستقلة

المصدر: مراكش 24 - المغرب التصنيف: سياسة
تاريخ الخبر: 2022-04-24 18:16:19
مستوى الصحة: 26% الأهمية: 15%

الأوكرانيون يحيون عيد الفصح في أجواء حرب

المصدر: فرانس 24 - فرنسا التصنيف: سياسة
تاريخ الخبر: 2022-04-24 18:17:09
مستوى الصحة: 86% الأهمية: 87%

سقوط قذيفة أوكرانية في قرية بمقاطعة بيلغورود الروسية

المصدر: RT Arabic - روسيا التصنيف: سياسة
تاريخ الخبر: 2022-04-24 18:17:19
مستوى الصحة: 87% الأهمية: 100%

دورة بلغراد: روبليف يسقط ديوكوفيتش في النهائي على أرضه

المصدر: فرانس 24 - فرنسا التصنيف: سياسة
تاريخ الخبر: 2022-04-24 18:17:10
مستوى الصحة: 89% الأهمية: 94%

تعرّض سيارة دبلوماسي كويتي لوابل من الرصاص في واشنطن

المصدر: RT Arabic - روسيا التصنيف: سياسة
تاريخ الخبر: 2022-04-24 18:17:16
مستوى الصحة: 83% الأهمية: 86%

تحميل تطبيق المنصة العربية