ملكة سبأ في القصص القرآني

عودة للموسوعة

ملكة سبأ في القصص القرآني

تنسب الملكة بلقيس إلى الهدهاد بن شرحبيل من بني يعفر [1]، وهناك اختلاف كبير بين المراجع التاريخية في تحديد اسم ونسب هذه الملكة الحِمْيَرية اليمانية، كما أنه لا يوجد تأريخ لسنة ولادتها ووفاتها.


حُكمهــــــــــا

كانت بلقيس سليلة حسبٍ ونسب، فأبوها كان ملكاً، وقد ورثت الملك بولاية منه؛ لأنه على ما يظهر لم يرزق بأبناء بنين. لكن أشراف وعلية قومها استنكروا توليها العرش وقابلوا هذا الأمر بالازدراء والاستياء، فكيف تتولى زمام الأمور في مملكة مترامية الأطراف مثل مملكتهم امرأة[2]، أليس منهم رجلٌ رشيد،يا ترى؟ وكان لهذا التشتت بين قوم بلقيس أصداء خارج حدود مملكتها، فقد أثار الطمع في قلوب الطامحين الاستيلاء على مملكة سبأ، ومنهم الملك "عمروبن أبرهة" الملقب بذي الأذعار. فحشر ذوالأذعار جنده وتوجه ناحية مملكة سبأ للاستيلاء عليها وعلى ملكتها بلقيس، إلا حتى بلقيس فهمت بما في نفس ذي الأذعار فخشيت على نفسها، واستخفت في ثياب أعرابي ولاذت بالفرار. وعادت بلقيس بعد حتى عم الفساد أراتى مملكتها فقررت التخلص من ذي الأذعار، فدخلت عليه ذات يوم في قصره وظلت تسقيه الخمر وهوظانٌ أنها تسامره وعندما بلغ الخمر منه مبلغه، استلت سكيناً وذبحته بها[3]. إلا حتى رواياتٍ أخرى تشير إلى حتى بلقيس أوفدت إلى ذي الأذعار وطلبت منه حتى يتزوجها بغية الانتقام منه، وعندما دخلت عليه عملت عملتها التي في الرواية الأولى[4]. وهذه الحادثة هي دليلٌ جليّ وواضح على رباطة جأشها وقوة نفسها، وفطنة عقلها وحسن تدبيرها للأمور، وخلصت بذلك أهل سبأ من شر ذي الأذعار وفساده.

وازدهر زمن حكم بلقيس مملكة سبأ أيمّا ازدهار، واستقرت البلاد أيمّا استقرار، وتمتع أهل اليمن بالرخاء والحضارة والعمران والمدنية. كما حاربت بلقيس الأعداء ووطدت أركان ملكها بالعدل وساست قومها بالحكمة. ومما أذاع صيتها وحببها إلى الناس قيامها بترميم سد مأرب الذي كان قد نال منه الزمن وأهرم بنيانه وأضعف أوصاله[5]. وبلقيس هي أول ملكة اتخذت من سبأ مقراً لحكمها.



سيرة بلقيس في القرآن

ورد ذكر الملكة بلقيس في القرآن الكريم، فهي صاحبة الصرح المُمَرد من قوارير وذات السيرة المشهورة مع النبي سليمان بن داود - عليه السلام - في سورة النمل.

وقد كان قوم بلقيس يعبدون الأجرام السماوية والشمس على وجه الخصوص، وكانوا يتقربون إليها بالقرابين، ويسجدون لها من دون الله، وهذا ما لفت انتباه الهدهد الذي كان قد بعثه سليمان - عليه السلام- ليبحث عن موردٍ للماء. وبعد الوعيد الذي كان قد توعده سليمان إياه لتأخره عليه بأن يعذبه إذا لم يأت بعذرٍ مقبول عاد الهدهد وعذره معه “أحطت بما لم تحط به وجئتك من سبأ بنبأ يقين”[6]، فقد عثر الهدهد حتى أهل سبأ على الرغم مما آتاهم الله من النعم إلا أنهم” يسجدون للشمس من دون الله “[7].

فما كان من سليمان –عليه السلام- المعروف بكمال عقله وسعة حكمته إلا حتى يتحرّى صدق كلام الهدهد، فنطق: " سننظر أصدقت أم كنت من الكاذبين"[8]، وأوفد إلى بلقيس ملكة سبأ بكتابٍ يتضمن دعوته لهم إلى طاعة الله ورسوله والإنابة والإذعان، وأن يأتوه مسلمين خاضعين لحكمه وسلطانه، ونصه "إنه من سليمان وإنه بسم الله الرحمن الرحيم* ألا تعلوا علي وأتوني مسلمين" [9].

كانت بلقيس حينها جالسة على سرير مملكتها المزخرف بأنواع من الجواهر واللآلئ والمضى مما يسلب الألباب ويمضى بالمنطق والأسباب[10]. ولما عُرف عن بلقيس من رجاحة وركازة العقل فإنها جمعت وزراءها وعلية قومها، وشاورتهم في أمر هذا الكتاب. في ذلك الوقت كانت مملكة سبأ تشهد من القوة ما يجعل الممالك الأخرى تخشاها، وتحسب لها ألف حساب. فكان رأي وزرائها “ نحن أولوا قوةٍ وأولوا بأس شديدٍ “[11] في إشارةٍ منهم إلى اللجوء للحرب والقوة. إلا حتى بلقيس صاحبة الفهم والحكمة والبصيرة النافذة ارتأت رأياً مخالفاً لرأيهم، فهي تفهم بخبرتها وتجاربها في الحياة حتى “ الملوك إذا دخلوا قريةً أفسدوها وجعلوا أعزة أهلها أذلة وكذلك يعملون”[12]. وبصرت بما لم يبصروا ورأت حتى ترسل إلى سليمان بهديةٍ مع علية قومها وقلائهم، عله يلين أويغير رأيه، منتظرةٌ بما يرجع المرسلون. ولكن سليمان –عليه السلام- رد عليهم برد قوي منكر صنيعهم ومتوعد إياهم بالوعيد الشديد قائلاً: “أتمدونن بمال فما آتاني الله خير مما آتكم، بل أنتم بهديتكم تفرحون”[13].

عندها أيقنت بلقيس بقوة سليمان وعظمة سلطانه، وأنه لا ريب نبي من عند الله –عز وجل-، فجمعت حرسها وجنودها واتجهت إلى الشام حيث سليمان –عليه السلام-.

وكان عرش بلقيس وهي في طريقها إلى سليمان –عليه السلام- مستقراً عنده، فقد أمر جنوده بأن يجلبوا له عرشها، فأتاه به رجلٌ عنده فهم الكتاب قبل حتى يرتد إليه طرفه. ومن ثم غّير لها معالم عرشها، ليفهم أهي بالذكاء والفطنة بما يليق بمقامها وملكها[14].

ومشت بلقيس على الصرح الممرد من قوارير والذي كان ممتداً على عرشها، إلا أنها حسبته لجةً فكشفت عن ساقيها وكانت مخطئة بذلك عندها عهدت أنها وقومها كانوا ظالمين لأنفسهم بعبادتهم لغير الله –تعالى- وأسلمت مع سليمان لله رب العالمين.

وتقول المراجع التاريخية حتى سليمان –عليه السلام- تزوج من بلقيس، وأنه كان يزورها في سبأ بين الحين والآخر. وأقامت معه سبع سنين وأشهراً، وتوفيت فدفنها في تدمر[15].وتعلل المراجع سبب وفاة بلقيس أنها بسبب وفاة ابنها رَحْـبَم بن سليمان[16].

وقد ظهر تابوت بلقيس في عصر الخليفة الأموي الوليد بن عبد الملك وعليه كتابات تشير إلى أنها ماتت لإحدى وعشرين سنة خلت من حكم سليمان. وفتح التابوت فإذا هي غضّة لم يتغير جسمها، فحمل الأمر إلى الخليفة فأمر بهجر التابوت مكانه وبنى عليه الصخر[17].


قراءةٌ في شخصية الملكة بلقيس

ذكر بلقيس في القرآن الكريم

إن بلقيس لم تكن امرأة عادية، أوملكة حكمت في زمن من الأزمان ومر ذكرها مرور الكرام شأن كثير من الملوك والأمراء. ومرشد ذلك ورود ذكرها في القرآن. فقد خلد القرآن الكريم بلقيس، وتعرض لها دون حتى يمسّها بسوء ، ويكفيها شرفاً حتى ورد ذكرها في كتابٍ منزلٍ من لدن حكيم عليم، وهوكتاب لا يأتيه الباطل من بين يديه ولا من خلفه، ولم ولن يعتريه أي تحريف أوتبديل على مر الزمان، لأن رب العزة –جل وعلا- تكفل بحفظه وصونه “إنا نحن نزلنا الذكر وإنّا له لحافظون"[18]. فذِكر بلقيس في آخر الخط السماوية وأعظمها وأخلدها هوتقدير للمرأة في جميع زمان ومكان، هذه المرأة التي استضعفتها الشعوب والأجناس البشرية وحرمتها من حقوقها، وأنصفها الإسلام وكرمها أعظم تكريم. وهذا في مجمله وتفصيله يصب في منبع واحد، ألا وهوحتى الملكة بلقيس كان لها شأنٌ عظيم جعل قصتها مع النبي سليمان –عليه السلام- تذكر في القرآن الكريم .


رجاحة عقل بلقيس، وبليغ حكمتها، وحسن مشاورتها

إن الملكة بلقيس ما كان لها هذا الشأن العظيم لولا اتصافها برجاحة العقل وسعة الحكمة وغزارة الفهم. فحسن التفكير وحزم التدبير أسعفاها في كثيرٍ من المواقف الصعيبة والمحن الشديدة التي تعرضت لها هي ومملكتها؛ ومنها قصتها مع الملك ذي الأذعار الذي كان يضمر الشر لها ولمملكتها، ولكن دهاءها وحنكتها خلصاها من براثن ذي الأذعار وخلص قومها من فساده وطغيانه وجبروته.

كما أنها عهدت بحسن المشاورة إلى جانب البراعة في المناورة، فهي لم تكن كبقية الملوك متسلطة في أحكامها، متزمتة لآرائها، لا تقبل النقاش أوالمجادلة، بل كانت كما أجرى الله على لسانها “ نطقت أيها الملأ أفتوني في أمري ما كنت قاطعة أمراً حتى تشهدون [19]، وذلك على الرغم من أنه كان بمقدورها حتى تكتفي برأيها وهي الملكة العظيمة صاحبة الملك المهيب . فهي ببصيرتها النيّرة كانت ترى أبعد من مصلحة الفرد، فهّمها كان فيما يحقق مصلحة الجماعة.


ذكاء بلقيس وفطنتها

كانت بلقيس فطينة رزينة، وكانت فطنتها نابعة من أساس كونها امرأة، فالمرأة خلقها الله –عز وجل- وجعلها تتمتع بحاسة تمكنها من التبصر في نتائج الأمور وعواقبها. والشاهد على ذلك أنه كان لبلقيس –كعادة الملوك- عدد كبير من الجواري اللاتي يقمن على خدمتها، فإذا بلغن استدعتهن فرادى، فتحدث جميع واحدة عن الرجال فإن رأت حتى لونها قد تغير فطنت إلى حتى جاريتها راغبة في الزواج، فتُزوجها بلقيس رجلاً من أشراف قومها وتكرم مثواها. أما إذا لم تضطرب جاريتها ولم تتغير تعابير وجهها، فطنت بلقيس إلى أنها عازفة عن الرجال، وراغبة في البقاء عندها ولم تكن بلقيس لتقصر معها. ومن أمارات فطنتها أيضا أنه لما ألقي عليها كتاب سليمان فهمت من ألفاظه أنه ليس ملكاً كسائر الملوك، وأنه لا بد وأنقد يكون رسول كريم وله شأنٌ عظيم؛ لذلك خالفت وزراءها الرأي عندما أشاروا عليها باللجوء إلى القوة، وارتأت بأن ترسل إلى سليمان بهدية، وكان المراد من وراء هذه الهدية ليس فقط لتغري وتلهي سليمان – عليه السلام - بها، وإنما لتعهد أتغير الهدية رأيه وتخدعه،يا ترى؟ ولتتفقد أحواله وتعهد عن سلطانه وملكه وجنوده. ومن علامة ذكائها أيضا حتى سليمان – عليه السلام - عندما نطق لها متسائلاً “ أهكذا عرشك،يا ترى؟ نطقت: كأنه هو"[20]، ولم تؤكد أنه هولفهمها أنها خلفت عرشها وراءها في سبأ ولم تفهم حتى لأحد هذه القدرة العجيبة على جلبه من مملكتها إلى الشام. كما أنها لم تنفِ حتىقد يكون هو؛ لأنه يشبه عرشها لولا التغيير والتنكير الذي كان فيه[21].


إسلام الملكة بلقيس مع سليمان

كثيرةٌ هي القصص المذكورة في القرآن عن أقوامٍ لم يؤمنوا برسل الله وظلوا على كفرهم على الرغم مما اتىهم من الفهم . إلا حتى بلقيس وقومها آمنوا برسول الله سليمان –عليه السلام- ولم يتمادوا في الكفر بعدما فهموا حتى رسالته هي الحق وأن ما كانوا يعبدون من دون الله كان باطلاً. واعترفت بلقيس بأنها كانت ظالمة لنفسها بعبادتها لغير الله “ نطقت ربي إني ظلمت نفسي وأسلمت مع سليمان لله رب العالمين “[22].

تاريخ النشر: 2020-06-04 04:44:48
التصنيفات: قصص قرآني, وجهات نظر إسلامية

مقالات أخرى من الموسوعة

سحابة الكلمات المفتاحية، مما يبحث عنه الزوار في كشاف:

آخر الأخبار حول العالم

الفريق أسامة ربيع: نتوقع انتهاء التوترات في باب المندب قريبًا

المصدر: صوت الأمة - مصر التصنيف: سياسة
تاريخ الخبر: 2023-12-18 09:20:51
مستوى الصحة: 54% الأهمية: 59%

الاحتقان يتواصل.. FNE تكشف تفاصيل العرض الحكومي للتنسيق الوطني

المصدر: تيل كيل عربي - المغرب التصنيف: سياسة
تاريخ الخبر: 2023-12-18 09:10:09
مستوى الصحة: 60% الأهمية: 68%

حمد الله مرشح للرحيل عن اتحاد جدة و3 أندية تطلب وده

المصدر: الأيام 24 - المغرب التصنيف: سياسة
تاريخ الخبر: 2023-12-18 09:09:02
مستوى الصحة: 68% الأهمية: 81%

النشرة المرورية.. كثافات مرتفعة للسيارات بمحاور القاهرة والجيزة

المصدر: اليوم السابع - مصر التصنيف: غير مصنف
تاريخ الخبر: 2023-12-18 09:21:58
مستوى الصحة: 43% الأهمية: 47%

صباح الخير يا مصر

المصدر: وطنى - مصر التصنيف: غير مصنف
تاريخ الخبر: 2023-12-18 09:21:18
مستوى الصحة: 60% الأهمية: 53%

العدد الورقي الأسبوعي لجريدة وطني بتاريخ17/12/2023

المصدر: وطنى - مصر التصنيف: غير مصنف
تاريخ الخبر: 2023-12-18 09:21:16
مستوى الصحة: 52% الأهمية: 53%

القاهرة الإخبارية: 5 شهداء فى استهداف الاحتلال مدخل مستشفى الشفاء

المصدر: اليوم السابع - مصر التصنيف: غير مصنف
تاريخ الخبر: 2023-12-18 09:21:56
مستوى الصحة: 32% الأهمية: 35%

أسعار الذهب اليوم الاثنين 18-12-2023 مع بداية التعاملات - اقتصاد

المصدر: الوطن - مصر التصنيف: سياسة
تاريخ الخبر: 2023-12-18 09:20:41
مستوى الصحة: 56% الأهمية: 62%

الشيخ نواف الأحمد الصباح: من هو؟

المصدر: الأيام 24 - المغرب التصنيف: سياسة
تاريخ الخبر: 2023-12-18 09:09:07
مستوى الصحة: 60% الأهمية: 84%

الانبا بولس يدشن مذبحا جديدا باسم “مار مينا” في كنائس أوتاوا

المصدر: وطنى - مصر التصنيف: غير مصنف
تاريخ الخبر: 2023-12-18 09:21:15
مستوى الصحة: 53% الأهمية: 51%

نزول قطرات مطرية.. توقعات أحوال الطقس اليوم الاثنين

المصدر: تيل كيل عربي - المغرب التصنيف: سياسة
تاريخ الخبر: 2023-12-18 09:10:10
مستوى الصحة: 45% الأهمية: 53%

صافرات الإنذار تدوي في مستوطنات شمال إسرائيل - أخبار العالم

المصدر: الوطن - مصر التصنيف: سياسة
تاريخ الخبر: 2023-12-18 09:20:28
مستوى الصحة: 56% الأهمية: 54%

تحميل تطبيق المنصة العربية