مئة عام من الرسم الحديث (كتاب)
خطها جوزف إميل مولر وفرنك إيلغ تنطلق هذه الدراسة، من الانطباعية مروراً بالرمزية والنابية والوحشية والتكعيبية والمستقبلية والتعبيرية والدادائية والسوريالية، وتنتهي بالتجريدية.
الإنطباعية والتجريبية
أفرداالمحررين في دراستهما صفحات مميزة للانطباعية والتجريبية، قصَدا الإحاطة الكاملة بهاتين الحركتين الفنيتين بُغية كشف تأثيرهما الكبير اللافت على معظم المتذوقين، وبصماتهما الواضحة على نتاج معظم الرسامين الجدد،
ولتأكيد حتى لهاتين الحركتين مؤسسين، وفيهما مبدعون اعتبروا بحق «أساتذة عظاماً» و«رواداً في مسيرة التطور الفني»، كما اتى في التوطئة.
أهم فصول الكتاب وأضمها
«الانطباعية»، يرى المؤلفان حتى جيل الانطباعيين ولد فيما بين 1830-1840م. وعلى الرغم من اختلاف أفراده في الأمزجة والتدريب والخلفيات، كانوا يتمتعون باندفاع قوي في التفرّد والإخلاص.
وفدوا جميعهم إلى باريس في 1860م، فنشأت بينهم صداقة متينة، غير حتى ذلك لم يمنعهم من الانقسام في تكوينهم إلى مجموعتين:
- الأولى انتسب أعضاؤها إلى الأكاديمية السويسرية وهجرّزت حول بيسارو،
- الثانية إلى معهد «استوديوغلير» وهجرّزت حول مونيه.
تمتّع «استوديوغلير» بسمعة طيبة مذ تحرّر من الأساليب الصارمة في التدريس،
- وخفض الأجر الذي يتقاضاه من طلابه.
- المناخ الطبيعي الهادئ المحيط.
الذي شجّع أكثر من خمسمائة فنان على الدراسة في هذا المعهد. حتى مونيه نفسه لم يتردّد في الانضمام إليه مع عدد من أصدقائه الجدد أمثال: بازل وسيسلي ورنوار. وبقي هؤلاء الفنانون على اتصال مستمر بأصدقائهم في الأكاديمية السويسرية بناء على رغبة مونيه وبازل.
وفي 1864م، أقفل المعهد نهائياً، فانتقل مونيه ورفاقه إلى غابة «فونتنبلو»، وبدأوا يرسمون في الهواء الطلق، ناقلين عن الطبيعة ما يعجبهم.
ما قبل حرب 1780
تأثر «نطباعيوالمستقبل» قبل حرب 1780م، بكوربيه وبودان وجونكند وكوروودوبيني، خصوصاً بعدما عملوا مع هؤلاء في باريس، وفي غابة فونتنبلوعلى ساحل المانش.
تاريخ الرسم
- اعتبر العام 1863م علامة مميّزة في تاريخ الرسم، فإن كاستنباري الذي خط عن اللوحات في «الصالون» الباريسي، حاول تقييم ما وصفه بـ: «الاتجاهات الحقّة التي سلكها الفن في عصره»، أوبتعبير أدق «التحوّل من الواقعية الدرامية التي تلعب بالعواطف إلى الطبيعة المتحرّرة مؤشراً كافياً إلى المسقط التاريخي الذي ملأه مانيه، والانطباعيون الجدد بازاء كوربيه».
- في العام نفسه، توفي دولاكروا بعد حتى أثّر كثيراً في الانطباعية، وتحلّى التأثير في ما وصفه سيزان بأنه «أجمل ملوّن في فرنسا».
- بعد تنقلات، أقام مونيه وزملاؤه على ضفافنهر السين، واتخذ أسلوبهم شكله الثابت الأصيل من «إيل دوفرانس» إلى ساحل البحر، ومن غابة فونتنبلو، إلى شواطئ بحر المانش، واكتسبوا رسومهم وألوانها البرّاقة من هذه المشاهد البهيجة الممتعة، واعتُبر تالياً هذا المكان المقرّ الدائم القديم لرسّامي الألوان المائية الإنجليز، وللرومانسيين أمثال: ديلاكروا وهيوي وفلير وأسابي ودوبري، وكان كوربيه يزوره في أوقات مختلفة.
- هجر مونيه ورفاقه هذا المكان حين ازدهرت مدرسة «البار بيزون» وأصبح السين والساحل النورماندي مركزهم المفضّل للرسم في الطبيعة في الأعوام 1858-1870 م.
في هذه الأجواء وُلدت الانطباعية، والفضل الأكبر - كما يلفت المحرران - ليوجين بودا الذي استضاف مونيه وكوربيه وبودلير وجونكند وعدداً من المهتمين، الذين فتحوا عيونهم على اللون السحري للضوء والماء.
خط بودان في سيرته الذاتية: «كل ما قيل عنّي لا يؤهّلني حتى أكون في مصاف المواهب البارعة اليوم، لكني أستطيع القول إنني واحد من هؤلاء المبدعين، كان لي تأثير نسبي في الحركة التي قادت الرسامين إلى دراسة حقيقة ضوء النهار، وإلى التعبير عن مشاعرهم إزاء المظاهر المتباينة للسماء بأمانة تامة. مع حتى بعض هؤلاء (كلود مونيه، مثلاً) تجاوز ما استطعته أنا، بفضل انسياقهم الجريء وإخلاصهم الفذّ لأمزجتهم الخاصة» .
جونكند
- رأى كاستنباري في مطلع 1863م، حتى عظمة جونكند في الانطباع الذي يولّده رسمه وصُوره في الاستوديو، أعمال مكثّفة ومتشابكة. إلا أنها بقيت ضمن الإطار الرومانسي الواقعي، وكانت لوحاته المائية متميّزة بلمسة حرّة، سريعة، مشرقة، مستمدة من الحياة المعيشة مباشرة.
- أما إدمون غونكور فنطق في أحد منطقاته عام 1871م: «إن ما يدهشني هوالتأثير الذي هجره جونكند، فكل المشاهد الطبيعية التي نراها اليوم أوحى بها هذا الرسام. إنها تستعير سماواته وأجواءه ومرابضه ما من مشهد أكثر وضوحاً من مشاهده، ومع ذلك يظهر حتى لا أحد يذكر هذه الحقيقة».
يلفت المحرران مولر وإيلغر إلى حتى وعي المشهد، كان حاداً ذلك الوقت، وما يظهر اليوم لنا طبيعياً وضرورياً كان يعتبر (لاسيّما في الفن) بدعة ثورية في أواسط القرن التاسع عشر، حين كانت التنطقيد الموروثة راسخة منذ القدم.
وقد تولّد هذا الوعي نتيجة الإحساس المرهف للماضي، ولمظاهر الحياة الجديدة التي شرعت تزحف على المدينة باطراد، بسبب الثراء الذي رافق التقدم الحضاري والصناعي.
الشعر
بدأت التفجّرات الشعرية المتعاقبة والمتسارعة ما بين 1860و1861 م. من خلال لوحة مانيه المسمّاة «حفلة موسيقية في قصر تويلري» حيث تدل على جرأة صاحبها في اختيار الموضوع، كما تبرز الانسيابية الحية الموجزة لضربات الفرشاة المتناغمة تناغماً كلياً، والطريقة الحديثة في الرؤية، المتسّمة بالتلقائية في الاستجابة. لقد عرّى مانيه العهد الفني الذي طالما أشار إليه بودلير، و«كان الفن الذي اتى بعده وأطلق عليه الرسم الحديث، هو، في الواقع، الرسم الصادق الأمين لذلك العصر».
احترف الفنانون مونيه ورنوار وبازل، في بادئ الأمر، رسم القوام الإنساني في الهواء الطلق في الأعوام 1865-1868 م، تحت التأثير الضاغط لكوربيه ومانيه. وكانت مواضيعهم الأولى كرسّامين رومانسيين، وتالياً ضمن مدرسة «الباريزون» المستقلة،
وبقيت غابة فونتنبلوالخلفيّة المفضّلة للتجارب الانطباعية الأولى، ورائدها المتميّز مونيه الذي وصفه يونيلوفينتوري بـ«الموجّه الأول للانطباعيين».
وبتنامي حركة الرسم في الهواء الطلق، بدأ ظلّ الشمس، وكأنه طَوْع أصابعهم الرشيقة. من هذا المنطلق، هلّل الانطباعيون (في مقدمتهم كوربيه) للتأثيرات الخلاّبة التي يمكن استخلاصها من الأشكال اللطيفة والألوان البرّاقة للنساء المتأنقات في ضوء الشمس.
اعتبر المؤلفان الانطباعية غزْواً للضوء الذي أضحى مع الوقت قاعدة أساسية في الرسم. وكان ميدان تطوّرها الرئيسي المناظر الطبيعية، حيث تتلاشى التحديدات في تقلّبات الجوّ الحادة المتعاقبة.
غير حتى التجربة مع الضوء واللون لن تكون جميع شيء في الحركة الانطباعية. فقد ولدت الدراسات الكاملة المحيطة بالقوام البشري «مشكلات عدة للشكل والفضاء والتكوين، وسعت لإيجاد الحلول لها. وثمرة ذلك نشوء طريقة جديدة لرؤية العالم، عزّزت من جرأتها الموجة التي صاحبتها بيوع المطبوعات اليابانية وتطوّر التصوير الفوتوغرافي».
سعت الثورات الفنية، خلال نحومن قرن، إلى استعادة مواقعها، مركّزة على أساليب متينة موروثة، تزاوج بين البدائية والعراقة. وكان لسحر الفن الياباني تأثير على الانطباعيين نظراً لحيويته وعفويته الزخرفية، وطريقته المثيرة في تشطير العالم المرئي وفق التناغم اللوني والخطّي، وتحوّلاته المفاجئة في تناقضات النور والعتمة. وكان الدور الذي لعبه التصوير الفوتوغرافي عاملاً مهماً في هجر أثر (غير مقصود) في الواقع لأن عدسة الكاميرا توجّه وتدار كما يشاء حاملها وفقاً لأذواقه وأفكاره. وظهرت أولى اللقطات الفوتوغرافية نحوعام 1862م، والتصوير الجوي والمناظر شبه المجسّمة في العامين اللاحقين.
والمقارنة بينهما وبين اللوحات المعاصرة آنئذٍ، تمدّنا بفهم كاملة للظواهر الضوئية المتعددة. إذ عجّلت الكاميرا في النموالطبيعي للأسلوب الانطباعي، كما عزّزت هذا النمو، ورسّخت النظرة التحليلية تجاه العالم المرئي.
يخلصُ المحرران من حديثهما عن الانطباعية، إلى حتى المجموعتين المبكرتين اللتين تكوّنتا في جميع من «استديوغلير» و«الأكاديمية السويسرية» تقابلان تماماً فرعي الانطباعية البارزين في أرجنتوي وبنتوا، «إحداهما رؤيوية وكونية، في نظرتها، مأخوذة بسحر المياه المترقرقة والأضواء المتلألئة، وثانيتهما رعوية وأرضية ينحصر اهتمامها بالقيم البنّاءة، ومخلصة في روحيتها».
«مئة عام من الرسم الحديث» كتاب نقدي تام ودراسة قيّمة، فيها درس دءوب. وليس غريباً، إذا اعتمدناها بيبلوغرافيا فنية، نفيد منها في حركتنا الثقافية العربية.
المصادر
[1]
[مجلة العربي الكويتية]