تفكيك اوروپا العثمانية/الثورة اليونانية

عودة للموسوعة

تفكيك اوروپا العثمانية/الثورة اليونانية

< تفكيك اوروپا العثمانية

الفصل الثالث: الثورة اليونانية

إذا كانت ثورة الصرب هجرت انطباعاً عارضاً في الدبلوماسية الأوروبية بشكل عام فإن ثورة اليونان على العكس أصبحت المشكلة الدولية الأساسية في عشرينيات القرن التاسع عشر بحيث كان التدخل الخارجي له الدور الكبير في تقرير النتيجة النهائية أكثر من جهود زعماء اليونان بل إذا تطور الحياة السياسية لليونانيين ظل يعتمد بدرجة كبيرة على موقف الدول الكبرى.

يضاف إلى ذلك حتى تعقد الأحوال الإجتماعية لليونانيين تعقداً ملحوظاً كان له تأثيره على مجرى الثورة هناك. فالفلاحون الصربيون مثلاً هم الذين قاموا بالثورة في بلادهم كما رأينا وحاربوا بأسلوب المجموعات الفدائية وتحت قيادة عسكرية محلية وفي ظل مناخ إجتماعي لا تشويه اختلافات صارخة رغم وجود طبقة تجار وطبقة كبار ملاك زراعيين لأنهم كانوا مرتبطين بالمكان ارتباطاً وثيقاً, عكس اليونانيين الذين دخلت حياتهم الإجتماعية عناصر أخرى كما سبقت الإشارة.

ولقد قام لالمراحل الأولى في ثورة اليونان اليونانيين الذين كانوا يعيشون خارج بلاد اليونان جغرافياً وهم أولئك الذين يعملون بتجارة البحر الأسود والبحر المتوسط, والفناريون في استانبول, وأولئك الذين يعيشون في إمارتي الدانوب (مولدافيا وولاشيا). وقد انضم إلى هؤلاء وأولئك بعض النبلاء داخل بلاد اليونان والأرستقراطية الدينية من كبار رجال الدين. كما انخرط عسكريون وفلاحون من المورة والروميلي في صفوف الثورة فور اندلاعها. وقد كان لهذه الهجريبة الإجتماعية المتناقضة أثرها في انقسام الثوار على أنفسهم نظراً لاختلاف المصالح الطبقية, والتنافس فيما بينهم على قيادة الحركة حتى لقد قامت بينهم حرب أهلية تزامنت مع الحرب ضد الحكم العثماني. فمثلاً كان النبلاء والفناريون وملاك السفن التجارية يمثلون مصلحة مشهجرة تناقضت بطبيعة الحال مع الفئات الإجتماعية الأخرى, وحدثت منافسة بين القيادات العسكرية وبين الطبقات العليا للسيطرة على حركة الثورة, فضلاً عن وجود تنافس على مستوى آخر بين يونانيي شبه جزيرة المورة ويونانيي الروميلي ويونانيي الجزر الأخرى.

وعلى هذا فإن تغيير الولاءات المستمر والصراع بين الأفراد حال دون بروز زعامة قوية في الثورة اليونانية عكس ثورة الصرب. كما عجز اليونانيين عن تشكيل حكومة مستقرة تتحمل أعباء الثورة, وحال تعدد الحروب الأهلية بين اليونانيين انفسهم دون تكوين جبهة متحدة حتى عام 1827, بل إذا الحكومة التي تأسست تلقائياً بعد أربع سنوات عندما تم اغتيال رئيسها. وأكثر من هذا أنه عندما تحقق النصر النهائي للثورة سقطت البلاد في حالة من الفوضى السياسية.

وكما لم يكن هناك سلطة حكومية دائمة في بلاد اليونان لم تكن هناك أيضاً قيادة عسكرية دائمة فمثلاً نجد حتى تيودور كولوكوترونيس Kolokotrones يوجه نشاط رجاله وعملياتهم في المروة, وجورج كاريسكيكس Karaiskakes يوجه رجال الروميلي إلى غير ذلك لم يكن اليونانيين يحاربون معاركهم كجيش قومي واحد تحت قيادة واحدة, بل كانوا يحاربون في شكل عصابات ومجموعات فدائية, وساعدهم على ذلك طبييعة جغرافية بلادهم التي جعلت من حرب العصابات منهجاً عملياً. غير حتى الوجه السلبي لهذا الأسلوب تمثل في التدمير الذي ألحقته تلك المجموعات باهالي الريف الذي كان مسرحاً للقتال بين مجموعة وأخرى أوضد سلطات المدينة. وقد وقع مثل هذا في سلاح البحرية الذي تفشى بين رجاله وباء التمرد والعصيان رغم حتى الأسطول أثبت فاعليته ضد البحرية العثمانية.

ولقد انعكس توزع اليونانيين بين أكثر من مكان وأكثر من قيادة على نحوما رأينا على مسيرة الثورة ومجرياتها, فقد كانت للثورة قيادات في مكانين مختلفين أحدهما خارج بلاد اليونان حيث التجار والفناريون في بلاد الشتات, والأخرى داخل البلاد (في المورة) حيث الفلاحين والعساكر. وعلى هذا اندلعت الثورة الأولى من يونانيي إمارتي الدانوب (ولاشيا ومولدافيا), وقامت الثانية في المورة (بلاد اليونان) في إطار محاولة السلطان محمود الثاني القضاء على تمرد علي باشا اليانيني. وبينما كانت الثورة الأولى على درجة عالية من التنظيم ووفق إيديولوجية متأثرة إلى حد كبير بالفكر الغربي, قامت الثانية بشكل تقليدي كرد عمل للفلاحين الأرثوذكس ضد سوء حكم العثمانيين وحالة الفوضى العامة والخروج على القانون شأن حالة ثورة الصرب.

أما النشاط الثوري لليونانيين في الشتات فقد وقع من خلال "رابطة الأصدقاء" The Philike Hetairia التي قادت الثورة بنجاح ملحوظ ليس في بلاد اليونان فقط وإنما في جميع بلاد البلقان. وهي رابطة أسسها في عام 1814 ثلاثة من التجار اليونانيين المفلسين في أوديسا Odessa على البحر الأسود, وتلقت دعماً كبيراً وخاصة من صغار التجار والحرفيين وقليل من أغنياء التجار والفلاحين. وقد تم تنظيم هذه الرابطة على طريقة الماسونية والمنظمات الثورية الأخرى في التآمر والسرية والتكتم, وكان الأنضمام لها يتم وفق طقوس محددة, ولأعضائها مراتب ودرجات ومستويات مختلفة. وفي 1818 نقلت الرابطة مركزها إلى استانبول عاصمة الدولة العثمانية حيث يعيش عدد كبير من اليونانيين وهناك بدأت تتخذ الإجراءات والاستعدادات اللازمة للقيام بثورة بلقانية عامة تدعمها روسيا.

ولقد كانت الرابطة تعول كثيراً على مساعدة روسيا في القيام بالثورة حتى لقد تردد حتى هناك زعامة خفية لها من الممكن تكون قيصر روسيا نفسه (ألكسندر الأول). والحقيقة حتى روسيا كات لها مصلحة في إقصاء العثمانيين من البلقان من قديم, ففي 1770 وقفت بجانب ثورة المورة التي كان حظها سيئاً, وفي المعاهدات التي كانت تعقدها لتسوية آثار الحروب في البلقان كانت تحرص على حتى تؤكد حقها في حماية أرثوذكس البلقان, وحقها في التحدث باسم الصربيين والرومانيين (ولاشيا ومولدافيا). وأكثر من هذا كان عدد كبير من قناصلها في بلاد البلقان ومعظمهم يونانيين أصلاً أعضاء في "رابطة الأصدقاء" التي كان المسئولون الروس في مختلف المستويات يعهدون بامرها وبأهدافها.

كانت الرابطة بحاجة لقيادة تطبيقية للثورة فسقط اختيارها على جون كابوديسترياس Capodistrias وهويوناني من جزر أيونيا وكان آنذاك وزير خارجية روسيا, فلما اعتذر تمت مفاتحة ألكسندر بيسيلانتيس Ypsilantes وهويوناني آخر ويعمل ياور لقيصر روسيا, وكان والده خوسبدار سابق لولاااااشي. وقد قبل الرجل مهمة تنظيم الثورة حيث عمل على تجنيد عناصر يونانية متنفذة تعيش في بلاد اليونان نفسها, ومنهم تيودور كولوكوترنيس, وبتروبى مفروميخاليس Petrobey Mavromichales أحد النبلاء المهيمن في ماني Mani بالمروة, وجرمانوس Germanos أسقف بترا. ومن ناحية أخرى قام وكلاء الرابطة بتمشيط بلاد اليونان طولاً وعرضاً بحثا عن أنصار لتأسيس خلايا ثورةي. ولما كانت الرابطة تستهدف القايم بثورة عامة في البلقان فقد عملت على تجنيد عناصر من قوميات أخرى من غير اليونانيين وقد حققت نجاحاً ملحوظاً في هذا المقام إذ انضم إليها بلغاريون ورومانيون وصربيون وأصبح لها مئات الفروع التي ضمنت اعداداً هائلة من الأعضاء.

وضعت الرابطة خطتها على أساس حتى تقوم الثورة في جميع من المورة والصرب في وقت واحد ولكن لسوء الحظ لم تكن ظروف الصرب مواتية للاشتراك في عمل من هاذ النوع, ذلك حتى ميلوش زعيم الصرب الذي خلف كاراديورديه كان يفضل تحقيق الاستقلال بالتدرج ومن خلال التعاون مع السلطان العثماني خاصة وأنه كان يتفاوض مع الباب العالي لكي تكون الصرب "إمارة وراثية" ولهذا لم يكن يريد تشويشاً على مفاوضته. غير حتى الرابطة نجحت في حتى تضم إلى صفوفها كاراديورديه فور عودته من منفاه عام 1817 انضم إلىالرابطة بعض خصوم ميلوش مثل ستويكوفيتش Stojkovic ثم اتى شنق كاراديورديه ليقضي على احتمال اشتراك الصرب في خطة الثورة العامة البلقانية ضد العثمانيين.

وأمام خروج الصرب من ترتيبات الثورة على ذلك النحوسقط اختيار الرابطة على إمارتي الدانوب (ولاشيا ومولدافيا) بديلاً رغم حتى معظم الأهالي هناك من الرومانيين. وكان اختياراً منطقياً إلى حد كبير ذلك حتى الأمارتين أصبحتا مركزاً للاجئين من الصرب والبلغار, وأن زعيم حركة القوميين الرومان تيودور فلاديمريشكوVladimirescu الذي يعتمد على الغلاحين وصغار ملاك الأراضي الزراعية كان عضواً في الرابطة, فضلاً عن حتى النفوذ السياسي الرئيسي في الأمارتين كان في يد اليونانيين الفناريين فمثلاً كان اليوناني ميخائيل سوتسوس Soutsos خوسبدار مولدافيا عضواً في الرابطة,كما حتى الرابطة كانت تنتظر المساندة من كبار رجال الدين في الإمارتين وكبار ملاك الأراضي الزراعية ومعمهم من اليونانيين أصلاً. ومن ناحية أخرى كان الوجود العثماني في الإمارتين ضعيفاً, فالقرى تخلومن الموظفين العثمانيين, والحامية العسكرية لا توجد إلا في حصون الدانوب, والميليشيات المحلية في عناصر تعتقد الرابطة أنها خير معين.

ومع حتى ظروف الثورةالعامة كانت مواتية في إمارتي الدانوب على ذلك النحوإلا حتى الثوار كما سبقت الإشارة كانوا يعولون كثيراً على مساندة روسيا ويعتبرونها أمراً جوهرياً, بل إذا الرابطة كانت تعتقد حتى روسيا فور اندلاع الثورة يفترض أن ترغم علىالتدخل نظراً لسابق نفوذها الضخم في الإمارتين, وأن السلطان العثماني قد لا يدفع بقواته إلى هناك بدون موافقة روسيا طبقاً للإتفاقية الروسية-العثمانية عام 1802, أي حتى روسيا يفترض أن تدفع بقواتها إلى المنطقة أوتمنع دخول القوات العثمانية.

إلى غير ذلك وفي ربيع 1821 اندلعت الثورة في الإمارتين تحت قيادة بيسيلانتيس عندما تيقنت الرابطة من وقوف فلاديمريشكوبجانب الثورة, ومن انشغال القوات العثمانية القوات العثمانية في قمع تمرد علي باشا اليانيني في المورة والتي كانت الرابطة تتابع مجرياته عن قرب لعل الثورة العامة تقوم فيها.

والحق حتى الثورة التي اندلعت في إمارتي الدانوب كانت كارثة بكل المقاييس منذ البداية, فمن ناحية لم تقم ثورة عامة في بلاد البلقان كما كانت الرابطة تتسقط, ولم تتحرك الصرب لمضايقة الباب العالي, ولم تقدم روسيا مساعدة للثوار من أي نوع, بل قلد استنكر قيصرها ألكسندر الأول الأمر برمته علناً ولم يتحرك ليحول دون دخول القوات العثمانية في البلاد فقد كان في مؤتمر في لايباخ Laibach لمتابعة حركات الثورات القومية في جميع من إيطاليا وأسبانيا تطبيقاً لتسويات مؤتمر فيينا 1815 الذي قرر بتأثير مترنيخ مستشار النمسا – بعد التخلص من نابليون والثورة الفرنسية – المحافظة على خريطة توازن القوى في اوروبا والذي كان يعني الوقوف ضد أي ثورة قومية تؤدي إلى الإخلال بهذا التوازن.

ومن احية أخرى قابلت الثورة في الإمارتين نكسات شديدة لم تكن متسقطة, فعندما لم يحدث التدخل الروسي المنتظر بدأت العلاقات بين اليونانيين والرومانيين في الإمارتين تتدهور وكانت غالبية الرومانيين يكرهون سيطرة الفنارين اليونانيين بصرف النظر عن أي موقف طبقي اجتماعي. ومن ناحية أخرى كانت الرابطة منظمة يونانية قومية في الأساس وليس للرومانيين مصلحة أساسية في تحقيق نصر يوناني عظيم. وأكثر من هذا أهمية حتى الثورة تحت قيادة تيودور فلاديمريشكواكتسبت ملامح اجتماعية قوية إذ انتهز الفلاحون الفرصة لكي يثورا ضد سيادتهم ملاك الأراضي الزراعية في طول البلاد وعرضها حتى أصبح الرجل نفسه في وضع قاسي للغاية وعندما استوعب حتى الثورة قد لا تنجح حاول إنقاذ نفسه بالشروع في التفاوض مع السلطات العثمانية فما كان من الرابطة إلا ن اختطفته وأعدمه بيسلانتيس في 27 مايو1821, وبموته قضى تماماً على أي امل في وجود مساعدة رومانية للرابطة في تفجير الثورة العامة في البلقان.

والحال كذلك ولج الجيش العثماني أراضي الدانوب وهزم الفرقة اليونانية التي أطلق عليها اسم "الكتيبة المقدسة" شر هزيمة في معركة درجاساني Dragasani وفر بيسلانتيس هارباً إلى النمسا في يونية من العام نفسه وهناك سجن لمدة تسع سنوات. ولما كانت الفرقة اليونانية في بداية الثورة قد أعملت القتل في العثمانيين في مدينتي ياصي وجلاطة Galata فقد كان من المتسقط حتى يقوم الجيش العثماني بالثأر لما حدث. وبهذا انتهت الثورة في إمارتي الدانوب (ولاشيا ومولدافيا).

ورغم فشل "رابطة الأصدقاء" في القيام بالثورة في بلاد الرومانيين (إمارتا ولاشيا ومولدافيا) كما رأينا إلا أنها رتبت لقيام الثورة في بلاد اليونان ذاتها (المورة). وكانت الظروف هناك مواتية حيث الفلاحون يحملون السلاح. واتىت الفرصة عندما قرر السلطان محمود الثاني القضاء على تمرد علي باشا اليانيني. ففي خلال عام 1819-1820 عثر اليانيني نفسه محاصر بجيش عثماني مصمم على الإطاحة به فجأة إلى طلب المساعدة من الرابطة رغم أنه أفشى سرها للباب العالي من قبل, ومن الألبان, ومن الفلاحين المسيحيين عن طريق تخفيض الضرائب عليهم وتخفيف أعمال السخرة, كما التمس من قباطنة الروميلي Kapetanioi الانضمام إليه ضد الجيش العثماني, فضلاً عن اعتماده بطبيعة الحال على المسلمين.

غير حتى علي باشا اليانيني لم يحصل على مساندة اليونانيين في بادئ الأمر ففي أغسطس 1820 تقدم الجيش العثماني بقوة وتقهقر أمامه عي باشا وبصحبته ألفين من أعوانه إلى قلعته في يانينا فحاصرها الجيش العثماني. وخلال المعارك الحامية التي دارت بين الطرفين انضم العسكريون اليونانيون إلى جانب العثمانيين, فلما بدأت العساكر العثمانية في تخريب البلاد غير اليونانيين موقفهم وانضم إلى اليانيني في مطلع 1821 حوالي خمسة آلاف أوسبعة من سكان الجبال ومن ثم عثر الجيش العثماني نفسه في موقف أضعف. ورغم وجود شبكة لرابطة الأصدقاء في المروة, إلا أنه لم يحدث تنسيق بين ثورة اليونانين والثورة في إمارتي ولاشيا ومولدافيا ففي الوقت الذي فهم فيه اليونانيون بعبور يبسيلانتيس نهر بروث Pruth هارباً إلى النمسا كانت ثورتهم في طريقها إلى الإندلاع.

والحق حتى المورة كانت مكاناً مناسباً لكي تكون مركزاً لتنظيم المقاومة اليونانية شأن إمارتا الدانوب بالنسبة للرومانيين فقد كانت تتمتع بشكل من أشكال الحكم الذاتي قريب لما كانت تتطلع إليه الصرب وقد تحقق لهم هذا الوضع بعد سنوات من المعراك والمفاوضات فاليونانيون في إقليم المروة كانوا يشغلون وظائف البلاد, ولهم جمعيات تشريعية وأخرى تطبيقية تتكون من ممثلين منتخبين عن جميع جالية. وتقوم جميع جمعية تشريعية باختيار أعضاء مجلس الشيوخ على مستوى الإقليم الذي له تام السيطرة على الإدارة وعلى الضرائب, فضلاً عن انتخاب عضوين مسيحيين وعضوين مسلمين للمجلس الدائم لوزير المروة. وأكثر من هذا حتى أقليم المورة كان له حق إيفاد مندوبيه مباشرة للباب العالي في استانبول لمناقشته في الشكاوي والمطالب.

غير حتى كبار الملاك الزراعيين من نبلاء المورة وكبار رجال الكنيسة الأرثوذكسية ككانوا في جميع الأحوال راغبين عن الثورة ضد الحكم العثماني إذ كانوا جزء من نظام الحكم القائم ولهم مصلحة في استمراره, فضلاً عن حتى المبادئ الثورية الفهمانية كما تعبر عنها "رابطة الأصدقاء" لم تكن تتلاءم مع عقائد رجال الدين وتتعارض مع توجهات الكنيسة التي كانت ترى الخطر جميع الخطر ياتي من الغرب الكاثوليكي ومن هنا كان رجال الدين يتعاونون مع السلطات العثمانية.

على حتى الأحداث أرغمت جميع الأطراف على الاشتراك في الثورة رغم ما بينهما من اختلافات في التوجهات والرؤى. والحاصل حتى السلطات العثمانية بلغتها شائعات ترددت بأن الثورة في بلاد البلقان توشك حتى تنفجر فبادرت باستنادىء نبلاء المورة في مارس واجتمعت بهم في تريبوليتزا Tripolitsa كنوع من اختبار الولاء فلما انجرت الثورة عملا في السادس من أبريل تم احتجاز من وصل من أولئك النبلاء بصفة رهائن لديها. ويلاحظ حتى جرمانوس أسقف بترا والنبيل بتروبى من ماني قد أعربا الثورة من مدينة كالاماتا Kalamata دون حتى تكون هناك خطة متكاملة أة تنظيماً مركزياً وكل ما هنالك حتى أعضاء رابطة الأصدقاء استثمروا الظروف فانضم بعض النبلاء للثورة إيماناً بالمبدأ وانضم البعض الآخر بسبب المذابح التي ارتكبها العثمانيون وتحمل الفلاحون والميليشيات المحلية عبء المعارك.

والحقيقة حتى رد عمل العثمانيين لثورة اليونان كان ضعيفاً في البداية وذلك بسبب انشغالهم بثورة الرومانيين في ولاشيا ومولدافيا, ولقاءة تمر علي باشا اليانيني, والحرب مع بلاد فارس في شرق وشمال العراق. غير ا، قيام الثوار بإعمال القتل والذبح بعمليات دموية مماثلة, ففي ليلة عيد القيامة قامت مجموعة من الإنكشارية بشنق بطريرك استانبول وبعض أساقفته أمام كنيستهم كما أعملوا القتل في اليونانيين في استانبول وفي أماكن أخرى. وتبادل الطرفان عمليات الذبح والقتل والانتقام في صورة دموية غاية في البشاعة. ومع ذلك فإن الذي لفت انظار بلاد أوروبا وروسيا لما يحدث كان تصرفات العثمانيين فقط وخاصة المذبحة التي راح ضحيتها حوالي ثلاثمائة ألف من أهالي جزيرة خيوس Chios في أبريل 1822 الأمر الذي كان له تأثيره القوي في بلورة مسببات للتدخل الأوروبي.

وإذا كان الجيش العثماني قد نجح في قمع ثورة الرومانيين إلا أنه لم يتمكن من قمع ثورة اليونانيين بالسرعة المطلوبة لانشغاله بلقاءة علي باشا اليانيني إلى حتى توفي في فبراير 1822, فضلاً عن حتى اليونانيين كانوا يحاربون على أراضهم وفي مناطق جبلية تصلح لحرب العصابات ولم يكن بإمكان السلطات العثمانية توفير جماعات مناسبة للحرب متينة للعمليات البحرية والتموين في المورة بعد حتى سيطروا عليها وفي عدة جزر أهمها هايدرا Hydra, وسبتساي Septsai, وبسارا Pasara, وميسولونجي Misolonghi شمال خليج كورنثا, وأثينا, وطيبة Thebes والمنطقة المحيطة. وأصبحت ميسولونجي المركز الرئيسي للثورة بعد حتى تمكن الجيش العثماني من قمع الانتفاضات التي هبت في الأماكن الأخرى, وأصبحت معضلة العثمانيين تتلخص في كيفية إخضاع ميسولونجي.

وخلال الفترة الأولى من الثورة 1821-1825 تمكن الثوار من الاحتفاظ بمواقعهم الرئيسية وساعدتهم خبرتهم في القرصنة البحرية على إيقاع خسائر بالبحرية العثمانية, لكنهم أثبتوا فشلهم في لقاءة مشكلاتهم الداخلية بالتفاهم بدلاً من الحرب ذلك أنهم في وقت الفراغ من قتال العثمانيين كانوا يقتتلون فيما بينهم في حرب أهلية, وأصبحت الحاجة إلى وجود سلطة مركزية لإدارة الثوار أمراً أساسياً. وآنذاك كان ثمة شخصيات يونانية قد عادت إلى بلادهم بسبب اللقاءات مع العثمانيين في المناطق التي يعيشون فيها, وهي شخصيات نالت حظاً راقياً من التعليم واكتسبت خبرات سياسية مركبة مع إيمان بكثير من مبادئ الثورة الفرنسية. ومن هؤلاء ديمتريوس يبسيلانتيس الذي عاد في يونية 1821 وتبعه ألكسندر مفروكورداتوس Mavrokordatos الفناري واذلي كان لظهوره على مسرح الأحداث مغزى سياسياً.

وفي هذا الخصوص أصبح بيسيلانتيس في جانب الفكرة التي تدعوإلى عقد جمعية تأسيسية وتكوين دولة يونانية موحدة تحت قيادة مركزية بتأييد من العسكريين وخاصة تيودور كولوترونيس وكان يأمل حتىقد يكون رئيساً للحكومة. وعلى هذا وفي ديسمبر 1821 انعقدت الجمعية التأسيسية في إبيداروEpidaurus قامت بتشكيل حكومة هجريز السلطة في يد إنسان واحد حيث عهد بالسلطة التطبيقية إلى لجنة خماسية برئاسة مفروكورداتوس, وبهذا الدستور تحقق لسكان الجزر ونبلاء المورة ما كانوا يتطلعون إليه من نظام. وقد أسرع مفروكورداتوس الذي استوعب حتى قوة الدولة لحقيقية ما تزال في الأنطقيم بالرجوع إلى ميسولونجي قاعدة محلية له هناك. ومع هذا فإن الحكومة الجديدة التي سقطت تحت سيطرة النبلاء وسكان الجزر باحترام كولوكوترونيس وأنصاره من الميليشيات والفلاحين.

وفي ديسمبر 1822 عقدت جمعية أهلية ثانية في آستروس Astros من أجل الاتفاق على جعل الحكومة مركزية وذات طابع مدني, وتحقيقاً لذلك تم عزل كولوكوترونيس من رئاسته العسكرية فما كان إلا حتى اختطف بعض أعضاء الحكومة وأرغم الآخرين على الفرار. وبهذا ظهر مركزان للسلطة, واحد عسكري في نابليون Nauplion برئاسة كولوكوترونيس, والآخر مدني في كرانيدي Kranidi برئاسة كونتوريوتيس Kountouriotes وهومن سكان الجزر واغنى رجل في البلاد, وكان على صلة وثيقة باهالي جزيرتي هايدرا وسبتساي. وقد انضم إليه أندروزايمس Zaimes أحد نبلاء المورة, وجون كوليتيس Kolettes الذي اتى إلى المورة في 1821 وستكون له أهميته في السياسات اليونانية في المستقبل وهوفلاخي وعلى اتصال سابق ببلاط علي باشا اليانيني وله نفوذ كبير بين العسكريين في الروميلي.

وفي الصراع بين هذين المركزين على سلطة الحكم كانت الغلبة للمجموعة المدنية في كرانيدي التي كانت أقرب ما تكون لسلطة سياسية شرعية خاصة وأنها تلقت قرضاً من بريطانيا في 1824 لدعم مسيرتها, أما كولوكوترونيس فقد تخلى عن حكومته في نابليون وغادرها في لقاء مبلغ من المال.ورغم هذا فإن الأحوال السياسية لم تهدأ وتستقر بين اليونانيين, ففي نهاية 1824 انفجرت الحرب الأهلية مرة أخرى بين أهالي الجزر والروميلي من جهة وأهالي المورة من جهة أخرى حيث شنت عصابات الروميلي غارات وحشية داخل المورة. وبحلول عام 1825 كان الجيش العثماني قد عجز عن سحق الحرب الأهلية الدائرة وعجز المتمردون عن توسيع دائرة سيطرتهم وتبددت قوتهم في المعارك الداخلية وتجمد الموقف عند هذا الحد. لكن سرعان ما تغير الوضع عندما قام السلطان محمود الثاني باستنادىء محمد علي باشا وإليه على مصر للقضاء على ثورة اليونانيين وهوذلك الإجراء الذي انتهى بالتدخل الأجنبي وتغيير الموقف برمته في شرق البحر المتوسط.

أما محمد علي فقد اشترط ثمناً عالياً لقاء خدماته فوعده السلطان بجزيرة كريت وأنقد يكون ابنه إبراهيم باشا حاكماً على المورة. وعلى هذا تقدمت قواته بسهولة فاستولت على كريت وفي فبراير 1825 دخلت المورة وعجزت العساكر اليونانية غير المنظمة عن لقاءة القوات المصرية التي كانت مدربة تدريباً عسكرياً حديثاً. وعلى هذا دفع اليونانيين ثمن السنوات التي أضاعوها في الصراع الداخلي فيما بينهم وحين كانت القوات المصرية تقوم بعملياتها في الجنوب كان الجيش العثماني يكثف هجومه في الشمال. وفي أبريل 1836 سقطت ميسولونجي الحصن الكبير, وفي يونية استولى العثمانيون على الأكروبوليس في أثينا, وبدا حتى الثورة تحتضر ولم يكن يفلح في إنقاذها من الموت إلا تدخل خارجي كبير.

على ان التدخل الخارجي في الثورات المحلية قد لاقد يكون إيجابياً بشكل عام, فمثلاً كان تدخل روسيا إيجابياً في حالة ثورة الصرب, وكارثة في حالة ثورة الرومانيين في ولاشيا ومولدافيا حين أنكرها قيصر روسيا. أما بالنسبة لموقفها تجاه الثورة اليونانية فكان غاية في التعقيد, فمن ناحية كان القيصر ملتزماً بسياسة مترنيخ مستشار النمسا بشأن سياسة قمع الحركات القومية في أوروبا التي تم إقرارها في مؤتمر فيينا 1815 حفاظاً على التوازن الدولي, ومن ناحية أخرى كانت عليه التزامات تجاه الأرثوذكس باعتباره حامي حماهم في أنحاء الإمبراطورية العثمانية. وفي هذا الخصوص كان شنق بطريرك استانبول والمذابح التي جرت لليونانيين من الأحداث التي لا يمكن التسامح معها بسهولة, لكن الدخول في حرب دينية أمر له حسابات أخرى. أما التدخل لقمع ثورة قومية أمر ممكن وله حسابات وتوازنات, فمن ناحية أضيرت الملاحة التجارية لروسيا في البحرين الأسود والمتوسط بسبب معارك الثورة اليونانية وأصبحت البحار غير آمنة, ومن ناحية أخرى كانت العلاقات الدبلوماسية بين روسيا والدولة العثمانية مقطوعة منذ صيف 1821 بسبب الأوضاع في إمارتي الدانوب (ولاشيا ومولدافيا) التي كانت روسيا تضعها في أولياتها مع حماية الأرثوذكس أكثر من اهتمامها بثورة اليونانيين القومية. وقد ظل هذا هوموقف روسيا والقوى الأوروبية الأخرى عند بداية ثورة اليونانيين حيث لم تكن هذه الدول ترغب حرباً في البلقان.

على جميع حال .. ففي الوقت الذي أخذ فيه اهتمام روسيا بثورة اليونانيين يقل لعد عام 1821 كان اهتمام الغرب يزداد, ففي أغسطس 1822 تولى جورج كاننج Conning رئاسة الحكومة البريطانية وكانت السياسة البريطانية ما تزال تتمسك بمبدأ المحافظة على وحدة الإمبراطورية العثمانية من باب كبح جماح روسيا. لكن الثورة اليونانية ضايقت التجارة البريطانية في المنطقة وأدت إلى قلقلة الأوضاع في جزر أيونيا التي كانت تحت الحماية البريطانية. فلما عجزت الدولة العثمانية عن قمع تمرد اليونانيين وجدت بريطانية نفسها في قلب الأحداث. وكانت جميع ما تود حتى تتجنب وقوعه مهما كان الثمن هوقيام كاننج الذي اشتهر بالمرونة ينتهج سياسة تدعوالتعاون مع روسيا ثم فرنسا بشأن حل المشكلة اليونانية بهدف حتى يمنع أحدهما من التصرف بما قد يؤدي إلى الإضرار بالمصالح البريطانية.

وآنذاك كان الرأي العام في بريطانيا كما هوالحال في الباد الأوروبية الأخرى يعشق الرومانية الهللينية ويناصر اليونانيين في قضيتهم, كما حتى حكام تلك البلاد وساستها من بريطانيا وحتى روسيا تلقوا في مراحل دراستتهم دروساً عن العصر الكلاسيكي اليوناني والروماني ومن ثم رأوا في اليونانيين المحدثين سلالة أبطال الأساطير اليونانية الذين تعهدوا عليهم في خط المدرسة وتخيلوهم شعباً نبيلاً وشجاعاً وجميلاً يشبه التماثيل القديمة في عظمتها ويحاربون حشداً من المسلمين الإرهابيين. وأكثر من هذا حتى أول دستور يوناني وضعته الحكومة القومية كان مستمداً من نماذج الغرب الليبرالي, ولهذا فإن الليبراليين الأوروبيين رأوا في ثورة اليونان كفاحاً ونضالاً اجتماعياً وسياسياً يتفق مع معتقداتهم السياسية. والحق حتى أنصار الهللينية اتىوا من مختلف قطاعات بلاد أوروبا ليقفوا بجانب ثورة اليونانيين وفي مقدمتهم ملك بافاريا لودفيج الأول, والشاعران بيرون وشيلي, وفي روسيا كان توظيف الأرثوذكسية جاهزاً لمناصرة الثورة.

وعلى أساس هذا الاهتمام بدأ كاننج رئيس الحكومة البريطانية يتخذ سلسلة من الإجراءات, ففي 1832 اعترف بأن اليونانيين قوم يحاربون قضية بلادهم وهذا يعطيها ميزة معينة في حالة الاشتباك البحري مع الأسطول العثماني. وفي 1834 منح الحكومة اليونانية ثلاثة مليون جنيهاً قرضاً اسمياً ولوحتى الصفقة صاحبها بعض التدليس بحيث تسمح بوجود حقوق مالية لرجال المال الإنجليز في مستقبل اليونان, كما تتالت القروض من عدة جهات. ولكن المستوى الأكثر اهمية كانت تحرك كاننج للتعاون مع روسيا رغم ما بين البلدين من خصومة في عدة مسائل لكن كانت لهما مصالح مشهجرة في المسألة اليونانية حيث أضيرت مصالحهم التجارية ولم يكن أي منهما يرحب بتدخل محمد علي باشا والي مصر.

غير حتى ألكسندر الأول قيصر روسيا توفي في 1825 وخلفه نيقولا الأول وهوأكثر محافظة وأكبر خصم للثورات القومية وأكثر حسماً فيما يقرره. وقد انتهز كاننج فرصة تتويج نيقولا وأوفد إليه دوق ولنجتن في أبريل 1836, وهناك تم عقد بروتوكول سانت بطرسبرج بين البلدين ونص على حتى يقوما بدور الوساطة بين الثوار اليونانيين وبين الحكومة العثمانية لإقامة دولة يونانية ذات حكم ذاتي. على حتى روسيا لم تكن تضع المسألة اليونانية في أوليات اجندتها السياسية بل كان يأتي قبلها شؤون الصرب وإمارتا الدانوب (ولاشيا ومولدافيا). ولهذا انتهز القيصر الفرصة وأوفد إنذار إلى الباب العالي في مارس 1826 با، الأمور في الصرب والدانوب تخالف المعاهدات التي تجاوز الاتفاق عليها, وهي إشارة إلى المادة الثامنة من معاهدة بوخارست. وبناء عليه تم سحب القوات العثمانية من المنطقتين لإعادة الأمور إلى ما كانت عليه قبل ثورة اليونانيين.

وفي تلك الأثناء كانت الدولة العثمانية تقابل أزمات داخلية حقيقية فرغم حتى السلطان محمود الثاني تخلص من الإنكشارية في يونية 1816, وهذا أمر له أهميته في إنقاذ دولته من سيطرتهم, إلا حتى الجيش العثماني كان في حالة من التفكك بحيث لم يكن السلطان ليغامر بمقاومة مطالب روسيا. وعلى هذا تم الاعتراف في مؤتمر القرم بأن تكون روسيا حامية للصرب ولإمارتي الدانوب ولها الحق في التدخل في شؤونهما الداخلية.

ومن ناحية أخرى انضمت فرنسا لكل من بريطانيا وروسيا في جبهة دبلوماسية مشهجرة إذ لم يكن بإمكان فرنسا حتى تقف بعيداً عن أزمة في عالم البحر المتوسطك وتسمح لقوى أخرى بالتوسط فيها دون مشاركة منها خاصة وأن ملكها شارل العاشر كان هوالآخر من عشاق الهللينية. إلى غير ذلك وفي معاهدة لندن في يوليو1827 اتفقت الدول الثلاث على إقامة حكومة ذاتية يونانية عن طريق الوساطة بين الباب العالي والثوار, وفرضت حصاراً بحرياً على المورة لبتر اتصال القوات المصرية بمركز قيادتها في مصر. وفي أكتوبر 1827 دخلت القوات المشهجرة خليج نفارين حيث ترسوبتر الأسطول العثماني-المصري وتبادل الطرفان إطلاق النار وانفجرت معركة بحرية انتهت بغرق الأسطول العثماني بالكامل رغم حتى أثينا كانت قد سقطت في يد القوات المصرية. وكانت تلك المسقطة بداية لسلسلة من الوقائع انتهت بتدخل روسيا عسكرياً في البلقان بشكل مباشر.

ومن سوء حظ اليونانيين حتى كاننج كان قد توفي قبل معركة نفارين بشهرين وتنصل خليفته ولنجتن مما عمله الحلفاء وأخذ سياسة عكسية, وتنكر الباب اعالي لإتفاق القرم مع روسيا بسبب ما وقع لأسطوله في نفارين.إلى غير ذلك اندلعت الحرب بين روسيا والدولة العثمانية في أبريل 1828. وفي تلك الحرب تمكنت القوات الروسية من الوصول إلى آدريانوبل Adrianople بعد حملة صعبة داخل البلقان وفي سبتمبر 1829 عقدت معاهدة آدريانوبل بين الطرفين. وآنذاك كان يمكن لروسيا التي كانت منتصرة حتى تنهي وجود الإمبراطورية العثمانية وتعمل على تقسيمها لكنها فضلت حتى تبقي عليها وتكون تحت هيمنهتا. ولهذا لم تكن شروط معاهدة الصلح صعبة إذ اكتفت روسيا بالحصول على أراضي في القوقاز مع تأكيد حمايتها للصرب وإمارتي الدانوب والنص على تسوية المسألة اليونانية بواسطة دولية.

وفي تلك الأثناء كانت الأحوال السياسية في اليونان قد تحسنت إلى حد ما فقد حلت حكومة أندروزايمس محل حكومة كونتوريوتيس بعد سقوط ميسولونجي ولكن كولوترونيس ظل يمثل مشكلة. وفي 1827 انعقدت جمعية وطنية ثالثة في مدينة تروزينه Troezene وأعدت دستوراً عهد باسمها, وقامت بدعوة كابوديسترياس لليونان لكيقد يكون رئيساً للبلاد, واختارت بريطانيين من عشاق الهللينية ليرأسا الجيش اليوناني والبحرية وهما السير ريتشارد تشارش Charch, وألكسندر كوشرين Cochrane.

وفي فبراير 1828 وصل كابوديسترياس إلى اليونان وكان قد طرد من وظيفته في روسيا في عام 1822 وعاش في سويسرا, وذلك بعد حتى حصل على مساندة كولوترونيس وأنصاره وكذا نبلاء المورة. وكان الرجل يدرك من واقع خبرته الإدارية حتى البلد في حاجة حكومة قوية ومستقرة وإلى دعم القوى الكبرى, وعلى هذا حاول إعادة تنظيم اتلبلاد في ضوء الفكر السياسي الليبرالي ومقتضيات نظريات العصر ومفاهيمه,وكان يرغب في تأسيس إدارة مركزية بيروقراطية تستطيع إدارة ابلاد لصالح جميع القوى الإجتماعية.

ولكن سرعان ما قابل عقبات هائلة لم تكن في حسبانه, ذلك أنه لم يتمكن من السيطرةة على عملية إعادة توزيع ممتلكات العثمانيين من الأراضي وكانت أثناء الثورة قد انتقلت إلى أيدي النبلاء والعسكريين والسياسيين ولم يحصل الفلاحون الذين يغرسونها على أي نصيب. وفي العلاقات الخارجية كان مركزه ضعيفاً لأن بريطانيا وفرنسا اعتبرتاه ظلماً بأنه من شيعة روسيا.

ورغم تلك الصعوبات استطاع وضع أول لبنة في طريق ترتيب شؤون البلاد على طريق القومية الواحدة ولكن لسوء الحظ تم اغتياله في أكتوبر 1831 ورأس الحكومة بعد ثلاثة أشخاص هم شقيقه آجوستينو, ومعه كولوكوترونيس, وكوليتيس. وسرعان ما ولج هؤلاء الثلاثة ذوي الاتجاهات المتباعدة في شجار وانزلقت البلاد مرة أخرى إلى نفق الفوضى السياسية. ولقد أدى إخفاق اليونانيين في تكوين حكومة مستقرة إلى تدخل الدول الكبرى لإقامة هذه الحكومة. وهذا التدخل يشرح لنا ضآلة دور اليونانيين السياسي في دولة اليونان المستقلة فيما بعد. والحاصل حتى الدبلوماسية البريطانية والفرنسية والروسية هي التي بحثت كيفية خروج اليونان من مأزقها السياسي بمعزل عن ممثلي الشعب اليوناني نفسه, حيث رأت بعد عدة مداولات حتى اليونان يجب حتى تكون دولة مستقلة ذات مساحة محدودة وليس حكومة تتمتع بالحكم الذاتي, وأنقد يكون الحكم فيها ملكياً مع إراتى وضع الدستور. وسقطت الدول الثلاث اتفاقية في لندن في فبراير 1830 أعربت تأسيس مملكة اليونان بضمان الدول الثلاث وبرعايتها.

وكانت المستوى التالية هي اختيار ملك للمملكة الجديدة ولقد عرض التاج في بادئ الأمر على ليوبولد أمير ساكس-كوبيرج Saxe-Coburg الذي وافق من حيث المبدأ لكنه سرعان ما رفض من الممكن لعدم رضائه عن الحدود المقترحة للمملكة أولعدم رضاه عن الترتيبات المالية, فضلاً عن أنه لم يكن محل تشجيع آجوستينوشقيق كابوديسترياس. ومما زاد من صعوبة اختيار ملك البلاد حتى الدول الثلاث اتفقت فيما بينها على ألا يتولى أحد أمراء الأسر المالكة في جميع منها حكم بلاد اليونان. وأخيراً وفي 1832 سقط الإختيارعلى أمراء الأسر المالكة في جميع منها حكم بلاد اليونان. وأخيراً وفي 1832 سقط اختيار على الأمير أوتوOtto ابن لودفيج ملك بافاريا وكان في السابعة عشر من عمره واتى لليونان وفي جعبته قرضاً أوروبياً جديداً مع خريطة لحدود المملكة تمتد إلى خط آرتا-فولوس Arta-Volos وادخل تعديلاً على اسمه ليكون يوناني الشكل فأصبح أوثون Othon.

إلى غير ذلك وبحلول عام 1833 كانت مملكة يونانية قد أنشئت يحكمها ملك أجنبي ويبلغ سكانها ثمانمائة ألف حيث ظل ثلاثة أرباع الشعب اليوناني في مناطق تحت سيطرة الحكم العثماني. وهذا ما جعل المراقبون يقولون حتى الثورة اليونانية نجحت لكن الأمة اليونانية خسرت أكثر مما كسبت ذلك حتى اليونانيين فقدوا الوضع الممتاز الذي كانوا يتمتعون به في الإمبراطورية العثمانية قبل الثورة في 1821. سليم أنهم ظلوا يتولون وظائف عليا في الإدارة العثمانية إلا أنهم فقدوا المناصب ذات القيمة الأكبر مثل منصب "الخوسبدارية" في إمارتي ولاشيا ومولدافيا, وكذا الامتيازات التي يتمتع بها اليونانيون في الإمارتين, بل لقد أصبحوا محل نظرة شك وعداوة من قبل السلطات العثمانية. ولقد امتد تأثير الوضع الجديد إلأى دوائر المال والتجارة حيث حل الأرمن محل اليونانيين في بنوك استانبول, وتولى البلغار بدلار من اليونانيين مهمة أعطى الدولة العثمانية بما تحتاجه من مواد تموينية واحتاجات عسكرية ففقدوا وضعاً خاصاً ومميزاً. ويضاف إلى هذا حتى السفن اليونانية قد تحطمت وتحتاج أموالاً كثيرة لإصلاحها. أما الأوضاع في الريف فكانت غاية في السوء بعد عشر سنوات من الحرب الأهلية والثورة إذ تم تدمير مساحات كثيرة من الأراضي الزراعية وخاصة في المورة وهلك ما يقرب من 10% من سكانها.

أما آخر النتائج السلبية لإقامة المملكة اليونانية فإنه يتمثل في الدور الذي لعبته الدول الثلاثة الحامية (إنجلترا وروسيا والنمسا) في الشؤون الخارجية والداخلية للملكة. فبالرغم من حتى اليونان أصبحت دولة مستقلة بعكس الصرب, إلا أنها ظلت تخضع لدرجة من التدخل الخارجي طالما كان الوجود العثماني مزعجاً. ورغم حتى روسيا جعلت من نفسها قوة حامية ومعترف بها في جميع من الصرب وإمارتي الدانوب إلا حتى هذين الكيانين كانا يتمتعان بميزة التعامل مع دولة واحدة ألا وهي روسيا, أما اليونان على العكس كان عليهما حتى تتعامل مع ثلاث دول جميع منها له سياسات تتعارض مع الأخرى. لكن كان لبريطانيا الوضع الأقوى بين الدول الثلاث نظراً لتفوقها البحري ومع ذلك كان لفرنسا وروسيا كما يفترض أن نرى نفوذاً كبيراً بالنسبة لتشكيل مستقبل اليونان.

تاريخ النشر: 2020-06-04 07:25:53
التصنيفات:

مقالات أخرى من الموسوعة

سحابة الكلمات المفتاحية، مما يبحث عنه الزوار في كشاف:

آخر الأخبار حول العالم

شركة روسية تشارك في مشروع خط الغاز بين المغرب ونيجيريا

المصدر: كِشـ24 - المغرب التصنيف: سياسة
تاريخ الخبر: 2022-07-19 00:15:31
مستوى الصحة: 33% الأهمية: 45%

هيئة الكتاب تكشف حقيقة إخلاء منافذ البيع في المحافظات

المصدر: الرئيس نيوز - مصر التصنيف: سياسة
تاريخ الخبر: 2022-07-18 21:26:17
مستوى الصحة: 47% الأهمية: 54%

آيفون 14.. تفاصيل أسعار 4 طرازات منتظرة نهاية العام

المصدر: اليوم - السعودية التصنيف: سياسة
تاريخ الخبر: 2022-07-18 21:25:36
مستوى الصحة: 58% الأهمية: 52%

احتياجات البنوك المغربية من السيولة تقترب من 80 مليار درهم

المصدر: كِشـ24 - المغرب التصنيف: سياسة
تاريخ الخبر: 2022-07-19 00:15:30
مستوى الصحة: 44% الأهمية: 49%

عاجل.. الرئيس السيسى يستقبل وزيرة الدفاع الألمانية

المصدر: الرئيس نيوز - مصر التصنيف: سياسة
تاريخ الخبر: 2022-07-18 21:26:14
مستوى الصحة: 57% الأهمية: 50%

اعتقال مغاربة وجزائريين بسبب مقايضة المخدرات بمسروقات

المصدر: كِشـ24 - المغرب التصنيف: سياسة
تاريخ الخبر: 2022-07-19 00:15:36
مستوى الصحة: 45% الأهمية: 44%

السيطرة على حريق غابة “بني إيدر” بتطوان

المصدر: زاكورة بريس - المغرب التصنيف: سياسة
تاريخ الخبر: 2022-07-19 00:15:24
مستوى الصحة: 19% الأهمية: 24%

محافظ الأحساء يؤكد أهمية إنجاز مستشفى الملك فيصل التعليمي

المصدر: صحيفة اليوم - السعودية التصنيف: مجتمع
تاريخ الخبر: 2022-07-18 21:26:38
مستوى الصحة: 30% الأهمية: 46%

استعادة مليون م2 من التعديات على أراضٍ بالقنفذة

المصدر: صحيفة اليوم - السعودية التصنيف: مجتمع
تاريخ الخبر: 2022-07-18 21:26:36
مستوى الصحة: 44% الأهمية: 50%

زلزال بقوة 5.4 درجات يضرب شمال باكستان

المصدر: اليوم - السعودية التصنيف: سياسة
تاريخ الخبر: 2022-07-18 21:25:45
مستوى الصحة: 55% الأهمية: 54%

القيادة توجّه برقية شكر لوزير الداخلية لنجاح موسم الحج

المصدر: اليوم - السعودية التصنيف: سياسة
تاريخ الخبر: 2022-07-18 21:25:27
مستوى الصحة: 48% الأهمية: 51%

لجنةُ الأحياء العشوائية تزيلُ «28» حيًّا بجدة

المصدر: اليوم - السعودية التصنيف: سياسة
تاريخ الخبر: 2022-07-18 21:25:49
مستوى الصحة: 48% الأهمية: 66%

وان نيوز: بناء وتدعيم العلاقات

المصدر: اليوم - السعودية التصنيف: سياسة
تاريخ الخبر: 2022-07-18 21:25:39
مستوى الصحة: 46% الأهمية: 70%

حيار تعطي انطلاقة برنامج تأهيل القطب الاجتماعي في مجال الرقمنة

المصدر: كِشـ24 - المغرب التصنيف: سياسة
تاريخ الخبر: 2022-07-19 00:15:34
مستوى الصحة: 35% الأهمية: 47%

حاليا بالمغرب.. 13 ألف و341 مصابا بكورونا منهم 139 حالة خطيرة

المصدر: كِشـ24 - المغرب التصنيف: سياسة
تاريخ الخبر: 2022-07-19 00:15:29
مستوى الصحة: 30% الأهمية: 49%

حرائق الغابات في 2022.. الأسوأ لم يأت بعد

المصدر: اليوم - السعودية التصنيف: سياسة
تاريخ الخبر: 2022-07-18 21:25:38
مستوى الصحة: 53% الأهمية: 67%

تحميل تطبيق المنصة العربية