رمضان شهر العتق من النيران

عودة للموسوعة

رمضان شهر العتق من النيران


إذا كانت أعظم أمنية لآخر أهل النار خروجًا منها -وهومن يخرج منها حبوا- صرف وجهه عن النار قبل الجنة لا يسأل مولاه غير ذلك، فكيف إذا باعد الله وجهه وجعل بينه وبين النار خندقًا مسافة خمسمائة عام هذا بصيام ..


الحمد لله الذي خط علينا الصيام وجعله ركنًا من أركان الإسلام، وجعل له شهرًا من صامه وقامه إيمانا واحتسابًا غفرت ذنوبة العظام، والصلاة والسلام على خير من صلى وصام، وعلى آله وصحابته الكرام، وبعد:

فإن شهر رمضان هوشهر العتق من النيران عن أبي هريرة -رضي الله عنه- نطق: نطق رسول الله -صلى الله عليه وسلم-: (إذا كان أول ليلة من شهر رمضان، صفدت الشياطين ومردة الجن وغلقت أبواب النار، فلم يفتح منها باب وفتحت أبواب الجنة، فلم يغلق منها باب، وينادي مناد: يا باغي الخير أقبل، ويا باغي الشر أقصر، ولله عتقاء من النار وذلك جميع ليلة) [سليم الترمذي (682)، وسليم ابن ماجه (1642)]

افتتح النبي -صلى الله عليه وسلم- بهذا الحديث موسم السباق إلى الطاعات وبشر بإزالة المعوقات التي تؤدي إلى المعاصي والزلات، فما علينا إلا حتى نجيب داعي الله ونقبل على عمل الخيرات ونبتعد عن مواطن المهلكات لنحيا حياة طيبة في الدنيا وفي الآخرة.

هذا العتق من النار في رمضان مستمر في الليل والنهار، عن أبي سعيد الخدري -رضي الله عنه- نطق: نطق رسول الله -صلى الله عليه وسلم-: (إنَّ لله تبارك وتعالى عتقاء في جميع يوم وليلة -يعني في رمضان- وإن لكل مسلم في جميع يوم وليلة دعوة مستجابة) [سليم الترغيب (992)، وسليم الجامع (2169)]

أقبل رمضان بكل بركاته وخيراته التي لا تُعد ولا تُحصى، من هذه البركات والخيرات: أنه شهر العتق من النيران، كلنا والله يريد حتى تعتق رقابنا من النار فلا تضيع الفرصة العظيمة التي لا تقدر بمال، هيا بنا نبحث عن مسببات ذلك:

1- استعن بالله -عز وجل- نطق تعالى: ﴿ومن يتوكل على الله فهوحسبه﴾ [الطلاق: 3] في سليم مسلم عن أبي هريرة -رضي الله عنه- نطق: نطق رسول الله -صلى الله عليه وسلم-: (المؤمن القوي خير وأحب إلى الله من المؤمن الضعيف وفي جميع خير، احرص على ما ينفعك واستعن بالله ولا تعجز، وإن أصابك شيء فلا تقل لوأني عملت كذا كان كذا وكذا، ولكن قل قدر الله وما شاء عمل).

يقول الإمام النووي: «المراد بالقوة هنا عزيمة النفس والقريحة في أمور الآخرة؛ فيكون صاحب هذا الوصف أكثر إقداما على العدوفي الجهاد، وأشد عزيمة في الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر، والصبر على الأذى في جميع ذلك، واحتمال المشقات في ذات الله تعالى وأرغب في الصلاة والصوم والزكاة وسائر العبادات وأنشط طلبا لها ومحافظة عليها ونحوذلك» [شرح مسلم] اهـ.

قوله -صلى الله عليه وسلم-: (احرص على ما ينفعك واستعن بالله ولا تعجز) احرص على ما ينفعك في معاشك ومعادك، والمراد: الحرص على عمل الأسباب التي تنفع العبد في دنياه وأخراه مما شرعه الله تعالى من الأسباب الواجبة والمستحبة المباحة ويكون العبد في حالة عمله السبب مستعينا بالله وحده دون جميع ما سواه ليتم له سببه وينفعه، لأن الله تعالى هوالذي خلق السبب والمسبب. [شرح كتاب فتح المجيد ص395]

2- بع نفسك لله تعالى. يقول الله تعالى: ﴿إن الله اقتنى من المؤمنين أنفسهم وأموالهم بأن لهم الجنة﴾ [التوبة: 111] . يقول العلامة السعدي: «إذا أردت حتى تعهد مقدار هذه الصفقة فانظر إلى المشتري من هو، هوالله جل جلاله، وإلى العوض وهوأكبر الأعواض وأجلها؛ جنات النعيم، وإلى الثمن المبذول فيها وهوالنفس والمال الذي هوأحب الأمور للإنسان» [تفسير السعدي ص353]

وفي سليم مسلم عن أبي مالك الأشعري نطق: نطق رسول الله -صلى الله عليه وسلم-: (كل الناس يغدوفبائع نفسه فمعتقها أوموبقه).

يقول الإمام النووي -رحمه الله-: «فمعناه جميع إنسان يسعى بنفسه فمنهم من يبيعها لله تعالى بطاعته فيعتقها من العذاب ومنهم من يبيعها للشيطان والهوى باتباعها فيوبقها أي يهلكها، والله أفهم» [شرح مسلم]

3- اقتحم العقبات بشدة. نطق تعالى: ﴿فلا اقتحم العقبة ﴿11﴾ وما أدراك ما العقبة ﴿12﴾ فك رقبة﴾ [البلد: 11- 13] . معنى اقتحم: ولج فيه بشدة وبعنف. والمعنى: يا من ترغب دخول الجنة بسلام ادخل بعنف وبشدة في العقبة بل هذه العقبات التي منها مجاهدة الإنسان نفسه وهواه وعدوه الشيطان.

- عقبة الذنوب التي تضره وتؤذيه وتثقله في الدنيا وفي القبر ويوم القيامة. - عقبة هول العرض على الله تعالى والوقوف بين يديه. - عقبة الصراط وهوله الذي يضرب على متن جهنم كحد السيف. - عقبة هول النار. [تفسير القرطبي (8/7346)]

وما أدراك ما العقبة: للتفخيم والتعظيم من شدة العقبة التي لا بحاجة إلى الكسل والتراخي بل بحاجة إلى الهمة العالية دائما. فك رقبة: أي عتقها أوالمعاونة عليها أوعمل الخير ليعتق رقبته من النار. ومن الأعمال الصالحة التي تعتق من النار:

• الإخلاص في الصيام: نطق تعالى: ﴿يا أيها الذين آمنوا خط عليكم الصيام كما خط على الذين من قبلكم من الممكن أنكم تتقون﴾ [البقرة: 185] . معنى من الممكن أنكم تتقون أي: خط عليكم الصيام لتجعلوا لأنفسكم به وقاية من عذاب الله -عز وجل-. عن أبي هريرة -رضي الله عنه- نطق: نطق رسول الله رسول الله -صلى الله عليه وسلم-: (الصيام جنة وحصن حصين من النار) [سليم الجامع 3880)]

يلاحظ في هذا الحديث التأكيد على حتى الصيام وقاية من جميع ما يتقى ويخاف منه وكذلك حصن قوي منيع من النار. عن أبي أمامة -رضي الله عنه- نطق: نطق رسول الله -صلى الله عليه وسلم-: (من صام يوما في سبيل الله جعل الله بينه وبين النار خندقا كما بين السماء والأرض) [سليم الجامع 6333، وسليم الترغيب 981] هذا الفضل يأخذه من صام صوما حقيقيا مخلصا لله صادقا مع الله ومع نفسه في جميع الطاعات.

أخي: «إذا كانت أعظم أمنية لآخر أهل النار خروجًا منها -وهومن يخرج منها حبوا- صرف وجهه عن النار قبل الجنة لا يسأل مولاه غير ذلك، فكيف إذا باعد الله وجهه وجعل بينه وبين النار خندقًا مسافة خمسمائة عام هذا بصيام يوم واحد نفلا فما ظنك بصيام شهر رمضان وهي الفريضة؟» [نداء الريان 1/40]

• حفظ اللسان: عن أبي هريرة -رضي الله عنه- نطق: نطق رسول الله -صلى الله عليه وسلم-: (الصيام جنة ما لم يخرقها، قيل: وبم يخرقها،يا ترى؟ نطق: بكذب أوغيبة). نطق الحافظ ابن حجر: «حكي عن عائشة وبه نطق الأوزاعي إذا الغيبة تفطر الصائم، وتوجب عليه قضاء اليوم» [فتح الباري 4/125]

وعن أبي هريرة -رضي الله عنه- نطق: نطق رسول الله -صلى الله عليه وسلم-: (من لم يدع قول الزور والعمل به فليس لله حاجة في حتى يدع طعامه وشرابه) [البخاري 1903]

نطق ابن العربي: «مقتضى هذا الحديث حتى من عمل ما ذكر لا يثاب على صيامه ومعناه حتى ثواب الصيام لا يقوم في الموازنة بإثم الزور وما ذكر معه». [فتح الباري]

عليك وأنت صائم حتى تتجنب الزور قولاً وعملاً من كذب وغيبة ونميمة وتدافع عن إخوانك المسلمين برد غيبتهم حتى يعتقك الله تعالى من النار.

عن أسماء بنت يزيد عن النبي -صلى الله عليه وسلم- نطق: (من ذب عن عرض أخيه بالغيبة كان حقا على الله حتى يعتقه من النار). [سليم الجامع6240] . وذلك من حقيقة الصيام.

عن أبي هريرة -رضي الله عنه- نطق: نطق رسول الله -صلى الله عليه وسلم-: (ليس الصيام من الأكل والشرب، وإنما الصيام من اللغووالرفث). [سليم الجامع 1075]

• النادىء: عن أبي أمامة -رضي الله عنه- نطق: نطق رسول الله -صلى الله عليه وسلم-: «إن لله تعالى عند جميع فطر عتقاء من النار وذلك جميع ليلة». [سليم الترغيب 991]

فرمضان شهر النادىء كما نطق تعالى: ﴿وإذا سألك عبادي عني فإني قريب أجيب دعوة الداع إذا نادىن فليستجيبوا لي وليؤمنوا بي لعلهم يرشدون﴾ [البقرة: 186] .

يقول ابن كثير: «ذكر الله تعالى هذه الآية الباعثة على النادىء متخللة بين أحكام الصيام إرشادا إلى الاجتهاد في النادىء عند إكمال العدة بل وكذا جميع فطر». [تفسير ابن كثير 1/219]

عن أبي سعيد الخدري -رضي الله عنه- نطق: نطق رسول الله -صلى الله عليه وسلم-: (إن لله تبارك وتعالى عتقاء في جميع يوم وليلة -يعني في رمضان- وإن لكل مسلم في جميع يوم وليلة دعوة مستجابة).

• اغتنم أوقات الإجابة ووعد النبي -صلى الله عليه وسلم- بأن لك على الأقل في جميع يوم وليلة دعوة مستجابة، وادع بالأدعية الجامعة التي منها:ما رواه عبد الله بن عمر -رضي الله عنهما- نطق: كان رسول الله -صلى الله عليه وسلم- إذا أفطر نطق: (مضى الظمأ وابتلت العروق، وثبت الأجر إذا شاء الله) [النسائي 2066، وصححه الألباني]

تذوق معنى هذه الحدثات الجامعة وثبت الأجر إذا شاء الله، ثبت أجر الصيام والقيام وكل الطاعات وذلك بمغفرة الذنوب وستر العيوب والعتق من النار ودخول الجنة مع الأطهار.

• الاقتداء بأهل العتق من النار: أولهم رسول الله -صلى الله عليه وسلم-، نطق تعالى: ﴿لقد كان لكم في رسول الله أسوة حسنة لمن كان يرجوالله واليوم الآخر وذكر الله كثير﴾ [الأحزاب: 21] ، هذه الآية الكريمة أصل كبير في التأسي برسول الله -صلى الله عليه وسلم- في أقواله وأفعاله وأحواله. [تفسير ابن كثير 3/490]

ومنهم أبوبكر الصديق -رضي الله عنه-، عن عائشة -رضي الله عنها- نطقت: (إن أبا بكر ولج على رسول الله -صلى الله عليه وسلم- فنطق: «أنت عتيق الله من النار فيومئذ سمي عتيق) [الترمذي 3679، وصححه الألباني]

وعن أبي هريرة -رضي الله عنه- نطق: نطق رسول الله -صلى الله عليه وسلم-: (من أصبح منكم اليوم صائما،يا ترى؟ نطق أبوبكر: أنا. نطق: فمن شيع منكم اليوم جنازة،يا ترى؟ نطق أبوبكر: أنا. نطق: فمن أطعم منكم اليوم مسكينا،يا ترى؟ نطق أبوبكر: أنا. نطق: من عاد منكم اليوم مريضا،يا ترى؟ نطق أبوبكر أنا. فنطق رسول الله -صلى الله عليه وسلم-: ما اجتمعن في امرئ إلا ولج الجنة). [مسلم]

يقول الشيخ صفوت نور الدين -رحمه الله-: «من تمنى شيئا عمل له، فكانت همة أبي بكر -رضي الله عنه- عالية في طلب ما عند الله، يبذل ما يملك لينال الحملة، لذا حاز أعلى درجة عند الله تعالى في هذه الأمة بعد نبيها -صلى الله عليه وسلم-». [مجلة التوحيد 1420هـ رمضان ص16]

لاحظ في الحديث السابق حتى الصديق -رضي الله عنه- سباق إلى جميع خير وصاحب همة عالية ويطلب معالي الأمور ونحن في شهر الجود والكرم، فجد بكل الأعمال الصالحة وتاجر مع الله عز وجل حتى تحشر مع النبيين والصديقين والشهداء والصالحين وحسن أولئك رفيقا. والله ولي التوفيق.

نقلاً عن مجلة التوحيد المصرية

تاريخ النشر: 2020-06-04 09:03:35
التصنيفات:

مقالات أخرى من الموسوعة

سحابة الكلمات المفتاحية، مما يبحث عنه الزوار في كشاف:

آخر الأخبار حول العالم

زد يهزم الزمالك 2 / 1 ويُزيد جراحه فى الدورى.. فيديو

المصدر: اليوم السابع - مصر التصنيف: غير مصنف
تاريخ الخبر: 2023-11-03 21:21:35
مستوى الصحة: 36% الأهمية: 37%

إعادة تشغيل خط مصر للطيران المُباشر من القاهرة إلى جاكرتا

المصدر: وطنى - مصر التصنيف: غير مصنف
تاريخ الخبر: 2023-11-03 21:21:11
مستوى الصحة: 56% الأهمية: 53%

هزيمه الزمالك للمرة الثانية على التوالى

المصدر: وطنى - مصر التصنيف: غير مصنف
تاريخ الخبر: 2023-11-03 21:21:05
مستوى الصحة: 47% الأهمية: 63%

منتخب اليد يتعادل مع ألمانيا 31-31

المصدر: وطنى - مصر التصنيف: غير مصنف
تاريخ الخبر: 2023-11-03 21:21:04
مستوى الصحة: 56% الأهمية: 54%

غارات إسرائيلية تستهدف عددا من المنازل في خان يونس

المصدر: صوت الأمة - مصر التصنيف: سياسة
تاريخ الخبر: 2023-11-03 21:20:45
مستوى الصحة: 60% الأهمية: 60%

زلزال بقوة 6.2 درجات يضرب نيبال

المصدر: اليوم السابع - مصر التصنيف: غير مصنف
تاريخ الخبر: 2023-11-03 21:21:42
مستوى الصحة: 30% الأهمية: 47%

سيراميكا يُسقط بيراميدز لأول مرة فى دورى Nile بهدفى القندوسى وشكرى

المصدر: اليوم السابع - مصر التصنيف: غير مصنف
تاريخ الخبر: 2023-11-03 21:21:39
مستوى الصحة: 37% الأهمية: 44%

تحميل تطبيق المنصة العربية