يستمد كتاب الثروة واقتصاد الفهم "Revolutionary Wealth" أهميته كونه يعبيرا عن روح العصر – أوما بات يعهد "بالموجة الثالثة"– التي أعربت بزوغ فجر الفهم التقنية، وأفول نجم العصر الصناعي الذي ساد أوروبا وأمريكا الشمالية على مدى مائتي عام. إنه كتاب فريد بمحتواه، غريب في أسلوبه، غني بأفكاره؛ فهويحمل سمات القرن الحادي والعشرين بكل تناقضاته وسلبياته وإيجابياته، ويتميز عن غيره من الخط في كونه أشبه بمنطقة صحفية ضخمة، ملئت بالشواهد المادية، ومقولات الخبراء والفهماء. ولكتاب "الثروة واقتصاد الفهم"، الذي استغرق وضعه اثني عشر عاما، دور مهم أيضا في إثراء المخطة العربية لما يحويه من أفكار جديدة تمس عالمنا العربي سواء من الناحية الاقتصادية أوالسياسية أوالاجتماعية؛ فهويخاطب القارئ العادي ويشرح ما يدور حوله اليوم بأسلوب واقعي جذاب. وحسب تعبير المترجم حتى في تعبير "الثروة الثورية" – وهي الترجمة الحرفية للعنوان - عسرا في النطق، وثقلا على السمع؛ فآثر العنوان الحالي "الثروة واقتصاد الفهم" الذي استقاه من مضمون الكتاب.

مفردات الكتاب

الكتاب الأصل يزخر بحدثات إنجليزية جديدة لا وجود لها حتى في المعاجم الاختصاصية، مثل حدثة Prosumer وFabbing وde-territorialized وغيرها. ولما تبحث عن حدثة Prosumer مثلا تجد أنها نحتت من حدثتي Producer وConsumer وحين أعياني العثور على ما يقابلها في العربية، فقام المترجم بنحت حدثة "عربية" جديدة وهي "منتهلك" والمقصد منها (من يستهلك منتجاته) لتقابل Prosumer الإنجليزية، ومنها اشتق العمل "أنتهلك" (أي ابتكر واستهلك ما أنتج)، و"الإنتهلاك" (أي استهلاك الفرد لما ينتجه) إلى غير ذلك.

الأسلوب والشكل

أسلوب المؤلفَين ينم عن ولع شديد بالتهكم، والسخرية، والتورية، والتشبيه، والاستعارة، والجناس اللفظي، والمحسنات البلاغية الأخرى إذا جاز لنا التعبير، على نحويلفت النظر. فمن العسير على قارئ النص الأصل حتى يدرك المقصود بعنوان أي فصل من الفصول تقريبا – رئيسا كان أم فرعا – قبل قراءة الفصل بأكمله قراءة متأنية. فدلالة الألفاظ متوارية، غامضة.

محتوى الكتاب

الكتاب يطرح موضوعات بالغة الأهمية والحساسية لا تقتصر على بلد بعينه، بل تطال العالم بأسره، لاسيما دول الشرق الأوسط بوجه عام والمملكة العربية السعودية بوجه خاص. سليم أنه يتحدث بإسهاب عن الولايات المتحدة، لكنه يضع معالجته لما يجري في تلك القوة العظمى في إطار عالمي على اعتبار حتى الولايات المتحدة اليوم تقود العالم بلا منازع.

يركز الكتاب على الزمان والمكان والفهم، ويصفها بأنها الأسس الثلاثة العميقة التي تتحكم بالثروة الثورية، ثم يتناول كلا منها بالشرح والتفصيل مبينا تطورها في التاريخ بدءا بالعصر الزراعي (الموجة الأولى)، والعصر الصناعي (الموجة الثانية) وانتهاء باقتصاد الفهم (الموجة الثالثة). ويعزوالكتاب الكثير من المشكلات الاقتصادية اليوم إلى فقدان التزامن بين مختلف عناصر خلق الثروة الثورية التي تشكل محوره الأساس، ويقول إذا عصر خط الإنتاج وارتداء الزي الموحد قد ولى، وإن عصر الإنتاج بحسب الطلب هوالسائد الآن.

ومن القضايا المهمة على الصعيد العالمي التي يتناولها الكتاب بالدراسة والتحليل العولمة، والطاقة، والبطالة، والتعليم، والجريمة، والفقر، والبيروقراطية، والتطرف، والمنظمات غير الحكومية وحركاتها. ويربط الكتاب جميع هذه القضايا بموضوعه الرئيس وهو خلق الثروة في القرن الحادي والعشرين بناء على الأسس العميقة: الزمان، والمكان، والفهم. ويبين المؤلفان في غير موضع حتى خلق الثروة الثورية في عصرنا الحاضر يعتمد بالدرجة الأولى على اقتصاد الفهم بعد حتى غابت شمس العصر الصناعي. فعصرنا الحاضر هوبكل تأكيد عصر قوة العقل ومرونة العمل، على النقيض من العصر الصناعي الذي كان عصر القوة العضلية والتشدد في ساعات العمل. ويضرب المؤلفان أمثلة عدة من الصين، والهند، ودول شرق آسيا التي فطنت إلى هذه الحقيقة الحيوية، على عكس الدول العربية التي لم تسلك سبيل اقتصاد الفهم بعد، وما زالت تسعى وراء الموجة الثانية، أي بناء الاقتصاد الصناعي والمداخن العالية.

ويقارن الكتاب الأوضاع الاقتصادية في أمريكا وأوروبا، ويسهب في عرض ما يجري في الصين، والهند، واليابان مشروحا النواحي السلبية والإيجابية في اقتصاديات جميع من هذه البلدان، ويقول صراحة إذا الصين وضعت قدمها على الطريق السليم في القرن الحادي والعشرين حين قررت الانضمام إلى اقتصاد السوق وتبنّت سياسة الانفتاح، وإن الهند تمارس الآن اقتصاد الفهم بامتياز بعد حتى بدأت في إنتاج البرمجيات وتصديرها إلى الولايات المتحدة.

من القضايا المهمة الأخرى التي يطرحها الكتاب قضية "تصدير التصنيع"، أي إنتاج السلع الأمريكية واليابانية خارج الولايات المتحدة واليابان، لاسيما في الصين، والهند، والمكسيك، ودول شرق آسيا مثل تايلاند، وماليزيا، وسنغافورة.

يورد الكتاب في معرض مناقشته لقضية الفقر في العالم إحصاءات دقيقة من الأمم المتحدة، والبنك الدولي، وصندوق النقد الدولي، مشروحا حتى العالم اليوم أفضل حالا من ذي قبل، بالرغم من حتى نسبة كبيرة من سكان الأرض لا تزال تعيش تحت خط الفقر، أي بأقل من دولارين في اليوم، وما زالت محرومة حتى من مياه الشرب النقية.

يتطرق الكتاب إلى معضلة الطاقة، فيلقي بظلال قاتمة على مستقبل النفط في العالم، ويقول إذا النفط سلعة قابلة للنضوب، لكن في العالم اليوم من الفهماء والمهندسين والمفكرين ما يضمن العثور على البدائل المناسبة، وفي الوقت المناسب. ويعزوالكتاب معضلة ازدياد أسعار الطاقة إلى دخول الصين والهند عصر الإنتاج بسرعة لم تكن متسقطة، وإلى زيادة الطلب على النفط في العالم لاسيما في هذين البلدين. ومن القضايا المهمة الأخرى التي يناقشها ألفين وهايدي توفلر قضية الإرهاب الدولي؛ فانتشار الإرهاب مرده في رأيهما إلى عوامل اقتصادية صرف، ويقولان إذا من الممكن الحد من هذه الظاهرة وانتشارها من خلال الاستثمار الحكيم للثروة في توجيه الشباب وإيجاد فرص العمل المناسبة، ويخلصان إلى نتيجة مفادها حتى مشكلات العالم اليوم متشابهة، وأن حلها يحتاج التعاون بين الحكومات، والمنظمات، والأفراد. ويوضح الكتاب أنه برغم جميع ما يطبع وما ينشر على الإنترنت وفي التلفاز وعلى هواتفنا المحمولة حول التجارة والاقتصاد فإن أبرز سيرة على الإطلاق، وهي التحول التاريخي في الثروة، ضاعت ودفنت تحت ركام من الحقائق التافهة. ويقول مؤلفا الكتاب إذا مهمتهما هي سرد هذه السيرة المفقودة. فكما حتى الثورة لا تندلع فقط من الحقول والمصانع والممحرر والآلات، فإن الثروة الثورية لا يمكن حتى تنحصر في المال فحسب. لقد بات في قدرة الجميع إدراك حتى الولايات المتحدة، وبلدانا كثيرة أخرى، تتحول إلى اقتصاديات الفهم التي يحركها العقل، فإذا لم يظهر الأثر الكامل لهذا التحول حتى الآن، سواء في الأفراد أوالدول والقارات، فلأن نصف القرن الماضي لم يكن سوى توطئة لما هوآت.

ويرى المؤلفان حتى أهمية الفهم في تكوين الثروة زادت بشكل لا يقبل الجدل، وهي الآن على وشك حتى تقفز إلى مستوى أعلى، وأن تجتاز حدودا إضافية على اعتبار حتى هناك عددا متزايدا من بلاد العالم في تواصل مع مصرف عالمي للفهم دائم النمووالتغير، يسهل الوصول إليه أكثر من ذي قبل. ونتيجة لهذا، كما يرى مؤلفا الكتاب، أننا جميعا، أغنياء كنا أم فقراء، سنعيش ونعمل مع الثروة الثورية أونتائجها.

لقد أصبحت الثورة، كما اتى في الكتاب، حدثة يتقاذفها الناس بلا اكتراث هذه الأيام، حتى اقترنت بنظم الحمية الغذائية الجديدة، والانتفاضات السياسية على حد سواء مما أفقدها الكثير من معناها. لكن الكتاب الذي بين أيدينا يستعمل الحدثة بمعناها الواسع. فبالمقارنة مع حجم الثورة التي نقابلها الآن فإن هذا المصطلح لا ينطبق على انهيار البورصة، ولا على تغير نظام الحكم في بلد ما، أوظهور تقنيات جديدة، أوالحروب وانقسام الأمم. فالتغير الثوري الذي يشكل محور اهتمام هذه الصفحات هوانتفاضة تشبه الثورة الصناعية، بل هي أبعد منها أثرا، حين اجتمعت آلاف التغيرات لتشكل نظاما اقتصاديا جديدا رافقه أسلوب حياة حديث وحضارة جديدة تسمى الحداثة.

ولكي تكون الثروة ثورية حقا يجب ألا يقتصر تحولها على الكم فحسب، بل يجب حتىقد يكون أيضا في طريقة إيجادها، وتوزيعها، وتداولها، وإنفاقها، وادخارها، واستثمارها. ويؤكد الكتاب حتى الثروة لا يمكن حتى تكون ثورية عن حق بدون هذه التغيرات، وأن هذا كله يحدث بالعمل بسرعة هائلة، وعلى نطاق عالمي.

يذكر الكتاب حتى الثروة لا تتعلق بالمال فحسب. فبالرغم من أننا جميعا نعيش في اقتصاد المال، لكن هناك اقتصادا موازيا ومثيرا وغامضا نحقق فيه كثيرا من حاجاتنا دون لقاء مالي. فاقتصاد المال واقتصاد اللامال هما ما يدعوه الكتاب "بنظام الثروة"، ويمضي الكتاب قائلا: إنه إذا حدثت ثورة متزامنة في هذين النوعين المتفاعلين من الاقتصاد، تشكل نظام ثروة متين لا مثيل له في التاريخ.

لكي نعهد معنى هذا، يقول ألفين وهايدي توفلر إذا علينا حتى ندرك أنه ما من نظام ثروة ينشأ في الفراغ. فنظام الثروة، على عظم قوته، ما إلا أحد مكونات نظام أكبر وأضم يتغذى بما تقدمه إليه مكوناته الأخرى الاجتماعية، والثقافية، والدينية، والسياسية، وما تقدمه هذه المكونات بعضها إلى بعض. وتشكل هذه المكونات مجتمعة حضارة أوأسلوب حياة متوافقا مع نظام الثروة. لذلك فإننا حين نتحدث عن الثروة الثورية فإننا نفكر دائما بكل هذه الأنظمة الفرعية الأخرى.

كتاب "الثروة واقتصاد الفهم" يفتح الأعين على حقائق طالما غابت عن الأذهان، ويبين للقارئ أهمية المعطيات، والمعلومات، والفهم في اقتصاديات اليوم، كما يسهم بشكل إيجابي في التقارب بين الشعوب ونشر السلام في العالم من خلال تبني سياسة اقتصادية واحدة تعتمد على الفهم.

وصلات خارجية

• ويكيبيديا الإنجليزية