لجان الحقيقة

عودة للموسوعة

لجان الحقيقة

خريطة للعالم تبين جميع لجان الحقيقة والمصالحة في متحف الذاكرة وحقوق الإنسان، سانتياگو، تشيلي.

غالبا ما تطالب المجتمعات التي تعيش فترة انتنطقية بتفسير لمدى وطبيعة العنف أوالانتهاكات التي سقطت أثناء حكم النظام السابق. وينادي الضحايا والمنظمات غير الحكومية لحقوق الإنسان، من بين أطراف أخرى عديدة، بكشف "الحقيقة" حول الماضي، وعادة هذا ماقد يكون رد عمل للنظام السابق الذي كان يعتمد على الأكاذيب والخداع. وانطلاقا من ڤاتسلاڤ هاڤل من جمهورية التشيك ونلسون ماندلا من جنوب أفريقيا إلى أونگ سان سوتشي من بورما، نادى نشطاء حقوق الإنسان والمدافعون عن الديمقراطية بوضع سجل دقيق عما سقط في الماضي ومن خلال ذلك يمكن التعبير عما عاناه أولئك الضحايا.

وقد ظهرت داخل مجال العدالة الانتنطقية، عدة وسائل لاستجلاء الحقيقة حول الانتهاكات الماضية لحقوق الإنسان. وأشهر تلك الوسائل هي "لجنة الحقيقة" وهذا هوالموضوع الذي سنبحثه بشكل واف في هذه الموضوعة.


اللجان التاريخية

في بعض البلدان، أنشأت الحكومات " لجانا تاريخية". وهي تقوم في أيامنا هذه بتحقيقات حول انتهاكات الدولة التي ارتكبت وانتهت منذ عدة سنوات أوحتى منذ عدة عقود. وعلى خلاف لجان الحقيقة، لا تنشأ اللجان التاريخية كجزء من الانتنطق السياسي وقد لا تكون لها أي صلة بالقيادة أوالممارسات السياسية الراهنة، وبدلا من ذلك فهي تعمل على توضيح الحقائق التاريخية وإبداء التقدير للضحايا غير المعترف بهم سابقا أولخلفهم. والصفة الأخرى التي تميزها عن لجان الحقيقة، هي حتى اللجان التاريخية لا تحقق عموما في قضايا القمع السياسي الواسع الانتشار ولكن هجرز على الممارسات التي أثرت على مجموعات خاصة إثنية أوعرقية أومجموعات أخرى. ومن الأمثلة على ذلك نذكر (اللجنة الملكية الكندية الخاصة بالسكان الأصليين) و(اللجنة الأمريكية لترحيل المدنيين وحبسهم خلال الحرب).


لجان التحقيق

هناك عدد من التحقيقات الرسمية أوشبه الرسمية في جرائم حقوق الإنسان الماضية والتي تتقاسم نفس المميزات مع لجان الحقيقة ولكن تختلف عنها لأنها محدودة بقدر أكبر من حيث نطاقها أوسلطتها، أوأقل استقلالا من العمليات السياسية أويتم العمل بها فقط كبادرة نحوإنشاء لجنة للحقيقة بكل معنى الحدثة. ومن بين الأمثلة، نذكر: اللجان البرلمانية المتنوعة لتقصي الحقائق التي تؤسسها الأجهزة التشريعية في جميع أنحاء العالم، والتحقيقات المنجزة من طرف مفوض ضحايا أيرلندا الشمالية في أواخر التسعينيات، والتحقيق المنجز من طرف المفوض الوطني لحقوق الإنسان في هندوراس في 1993 فيما يخص الاختفاءات التي عهدها هذا البلد، أومحاكم التحقيق الخاصة بالوقائع المتنوعة التي تنشأ عادة في بلدان الكومنويلث. وتضم الأشكال الأخرى من التحقيقات الرسمية أوشبه الرسمية التي تتداخل مع لجان الحقيقة عدة أنواع من التحقيقات الدولية، التي ترعاها غالبا الأمم المتحدة أوالمنظمات الإقليمية والتي تحقق وتعد تقارير عن ضحايا الحرب وانتهاكات حقوق الإنسان البارزة. ومن أمثلة هذه التحقيقات، نذكر: اللجان الدولية المتنوعة للتحقيق التي أنشأتها الأمم المتحدة للنظر في جرائم الحرب المرتكبة في أماكن مثل تيمور الشرقية وبوروندي ورواندا ويوغوسلافيا السابقة. وعلى العموم، فإن هذه التحقيقات تمتاز بكونها نسبيا سهلة التكوين بالمقارنة مع لجان الحقيقة، وبكونها أكثر رسمية وقوة من مجرد مشروع غير حكومي. وفي الآن نفسه، فقد تكون كمقدمة للنداءات من أجل تحقيق وطني أكثر استقلالا أوشمولا أوقوة، رغم حتى محدودية نطاق مهمتها يؤدي دائما إلى رسم صورة مكتملة عن الماضي.

هيئات تقصي الحقائق

وأخيرا، ثمة عدد من هيئات تقصي الحقائق الهامة والأكثر ديمومة والتي تراقب انتهاكات حقوق الإنسان وتحقق فيها وتعد تقارير عنها. وهي تتضمن آليات الأمم المتحدة المتنوعة مثل: ممحرر المفوضية السامية لحقوق الإنسان، والمبعوثين الخاصين للأمين العام أوالمفوض السامي لحقوق الإنسان، وهيئات معاهدات حقوق الإنسان، والمقررين الخاصين والخبراء المستقلين المعينين من طرف لجنة حقوق الإنسان حول مواضيع خاصة أومهام خاصة ببعض البلدان. وتضم كذلك آليات إقليمية موازية لتقصي الحقائق تحت سلطة أنظمة حقوق الإنسان التابعة لمنظمة الوحدة الإفريقية أوOAS أوالاتحاد الأوروبي. ومن بين أمثلة آليات الاتحاد الأوروبي لتقصي الحقائق نذكر: المفوض الأوروبي لحقوق الإنسان واللجنة الأوروبية لمنع التعذيب والكراهية واللجنة الأوروبية للوقاية من التعذيب. وثمة من طبيعة الحال هيئات لتقصي الحقائق تابعة لمنظمة الأمن والتعاون في أوروبا أنشئت بموجب العقد النهائي لهلسينكي، بما في ذلك المفوض السامي للأقليات الوطنية وممثل حرية وسائط الإعلام.


لجان الحقيقة

ورغم القيمة الفائقة جدا لهذه الأنواع المتنوعة من آليات تقصي الحقائق، فإن الآلية الأوسع انتشاراً والأكثر تطبيقا، والتي تعتبر الأقرب اتصالا مع العدالة الانتنطقية، نظريا وعمليا، هي لجنة الحقيقة. ورغم حتى مفهوم لجنة الحقيقة مرتبط غالبا بمثالها الذي يمكن القول بأنه الأكثر شهرة لجنة جنوب إفريقيا للحقيقة والمصالحة – فذلك العمل كان نوعا غير معتاد من اللجان من حيث عدة أوجه. وعلى سبيل المثال، كانت هي لجنة الحقيقة الوحيدة إلى الآن التي كان لها سلطات منح العفو.

وعلى العموم، فإن مصطلح "لجنة الحقيقة" يشير إلى هيئات تتقاسم مميزات خاصة. ولجان الحقيقة هي هيئات مؤقتة، وتعمل غالبا لمدة سنة أوسنتين، وتتم الموافقة عليها رسميا أوالترخيص لها أوتخويل السلطات لها من طرف الدولة، وفي بعض الحالات، من طرف المعارضة المسلحة كذلك؛ وهي هيئات غير قضائية تتمتع بنوع من الاستقلال القانوني، ويتم تشكيلها غالبا في فترة من مراحل الانتنطق السياسي، سواء من الحرب إلى السلم أومن الحكم الاستبدادي إلى الديمقراطية؛ وهي هجرز على الماضي، وتحقق حول نماذج من الانتهاكات الخاصة المرتكبة خلال مدة من الزمن، وليس فقط حول وقع خاص بعينه، وهي تعطي الأولوية لحاجيات الضحايا والإصابات؛ وتنهي في معظم الأحيان عملها بتقديم تقرير نهائي يتضمن الاستنتاجات والتوصيات؛ وهي هجرز على انتهاكات حقوق الإنسان وفي بعض الأحيان على انتهاكات المعايير الإنسانية كذلك.

وقد كان هناك ما لا يقل عن 25 لجنة للحقيقة تم تكوينها في مختلف أنحاء العالم منذ سنة 1974، وإن كانت تعهد بأسماء مختلفة. وكل واحدة منها كانت مختلفة عن الأخرى ولم يكن إلا لعدد ضئيل منها أثر على الصعيد الوطني و/أوالدولي. فكانت هناك "لجان عن المختفين" في الأرجنتين وأوغندا وسري لانكا؛ و"لجان الحقيقة والعدالة" في هايتي والإكوادور، و"لجان الحقيقة والمصالحة" في تشيلي وجنوب أفريقيا وسيراليون وغانا وبيرووصربيا والجبل الأسود. و"لجنة التحقيق من أجل تقييم تاريخ الديكتاتورية وعواقبها في ألمانيا". ومؤخرا "لجنة التلقي والحقيقة والمصالحة" في تيمور الشرقية. وبينما يركز الجزء التالي بشكل كبير على التجارب والتحديات المرتبطة بلجان الحقيقة، فهناك الكثير من الأشكال الأخرى من التحقيقات العامة التي يجدر ذكرها والتي يمكن حتى تكون في بعض السياقات هي الآلية الوحيدة المتوفرة والأكثر ملاءمة لتقصي الحقائق.


الفوائد المتسقطة من لجنة الحقيقة

رغم حتى لجان الحقيقة قد لا تكون مناسبة في جميع السياقات، إلا حتى لها طاقة كامنة في جلب عدة فوائد للمجتمعات التي تعيش فترة انتنطقية. وفي أفضل الحالات، يمكنها أن: تساعد على استجلاء الحقيقة حول طبيعة وحجم جرائم حقوق الإنسان في الماضي، وتشجيع محاسبة المرتكبين من خلال تجميع الأدلة والمحافظة عليها وتحديد بشكل علني للأشخاص المسؤولين، والتوصية ببرامج مفصلة لتعويض الضحايا والإصلاحات القانونية والمؤسسية الضرورية، وتوفير قاعدة إعلامية للضحايا من أجل التحدث مباشرة مع الوطن قصص حياتهم الشخصية، والإخبار وتحفيز النقاش العام حول كيفية التعامل مع الماضي وكيف يمكن ضمان مستقبل أفضل، والدعوة إلى المصالحة والتسامح على الصعيد الفردي والوطني وأن تعمل كحصن ضد وقائع النعرات الوطنية أوالرجعية لأحداث الماضي. وفي الآن نفسه، ثمة عدد من العوامل الخارجية التي قد تحد من بلوغ هذه الفوائد الكامنة. وتضم هذه العوامل مجتمعا مدنيا ضعيفا وعدم الاستقرار السياسي ومخاوف الضحايا والشهود في الإدلاء بالشهادة، وإدارة قضائية ضعيفة أوفاسدة والاضطراب الذي تحدثه الانتهاكات الجارية. وعلاوة على ذلك، توجد غالبا عدة إكراهات عملية هامة قد تعيق عمل اللجان ومنها: عدم كفاية المدة الزمنية من أجل إنجاز المهمة ونقص التمويلات وكثرة القضايا وانعدام تعاون مرتكبي الأفعال وسلطات تحقيق ضعيفة وعدم القدرة على توفير الأمن للشهود.


تحديات تأليف لجنة الحقيقة

فيما يتعلق بتحديد مهام لجنة الحقيقة، يجب حتى تؤخذ بعين الاعتبار بعض المسائل الرئيسية التالية: عملية اختيار أعضاء اللجنة، ومعايير الأهلية لعضوية اللجنة وأهداف اللجنة ومدة عملها ونوع الانتهاكات التي سيتم التحقيق بشأنها والمدة الزمنية المأخوذة بعين الاعتبار، ووظائفها (مثلا بلوغ الجمهور والتصريحات المأخوذة من الضحايا والبحث والتحقيق وجلسات الاستماع العلنية، الخ) وسلطاتها في التحقيق (مثل سلطة الإحضار وسلطة البحث والحجز، الخ)، وميزانيتها، ومضمون التقرير النهائي (بما في ذلك قدرة اللجنة على ذكر "الأسماء") وأوجه الحماية الواجبة للأشخاص المشاركين (مثل الحق في رفض انادىءات الخصوم أوالنتائج)، وإجراءات التتبع بعد اختتام العمليات (مثل المطالبة الصريحة بإقامة هيئة بعد اللجنة لمراقبة تطبيق التوصيات). وبينما كانت تمنح للجان الحقيقة في الماضي مهام وميزانيات محدودة نسبيا، صار ثمة توجه الآن نحوإقامة لجان ذات موارد جيدة مع وظائف وسلطات واسعة وقوية.

وأهم اللجان والأكثر تأثيرا في الماضي هي لجان الأرجنتين وتشيلي والسلفادور وجنوب إفريقيا وغواتيمالا. أما أبرز لجان الحقيقة وأحسنها سمعة في المدة الأخيرة فهي لجان بيرووتيمور الشرقية وسيراليون وغانا .


الدروس المستفادة من لجان الحقيقة السابقة

ومن قبيل إدراك طبيعة الماضي بعد وقوعه، هناك الكثير من الدروس الهامة التي تم استخلاصها من تجارب اللجان السابقة والتي ينبغي على مساندي وأعضاء لجان الحقيقة في المستقبل أخذها بعين الاعتبار. وتتضمن هذه الدروس ما يلي: إذا استشارة المنظمات غير الحكومية والضحايا والعمل معهم قبل وأثناء وبعد اشتغال اللجنة سيقوي العملية وثمرة جهود اللجنة؛ من شأن اختيار أعضاء اللجنة بشكل علني وغير متحيز حتى يدعم مشروعية واستقلال اللجنة؛ وينبغي حتى ينظر إلى أعضاء اللجنة المختارين على صعيد واسع على أنهم محايدون ويجب حتى يمثلوا بالشكل الأوفى مختلف الآفاق والخلفيات؛ ويجب حتى تتمتع اللجان بالاستقلال السياسي والمالي وإلا فإنها ستتعرض لخطر الاتهام بالانحياز أوبأن لها ميولا شخصية؛ ويجب حتى تتم ملاءمة مخططات عمل اللجنة مع الميزانية الحقيقية ومصادر جمع التبرعات؛ وتساعد استراتيجيات الإعلام والاتصال القوية على الإبقاء على تطلعات الجمهور والضحايا في دائرة المعقول ومن شأنها زيادة مصداقية وشفافية اللجنة؛ كما إذا إعداد إستراتيجية مفصلة للتتبع بعد إصدار التقرير النهائي يفترض أن يساعد على ضمان تطبيق التوصيات، ويجب تطبيق إجراءات تحفيزية مثل إدماج وتدريب فريق من النساء لتشجيع المزيد من الثقة والمشاركة للضحايا من النساء.

إن اختيار أعضاء اللجنة هوجانب مهم بالنسبة إلى اللجان. ويمكن تحديد طريقة الاختيار في وثيقة تأسيس اللجنة أوأثناء عملية التأسيس. وفي جنوب إفريقيا، كانت عملية اختيار أعضاء اللجنة مشهجرة بين الحكومة والمنظمات غير الحكومية مما أوجد عملية اختيار ديمقراطية واستشارية. وعندما يتم تعيين أعضاء اللجنة دون استشارة،قد يكون ثمة خطر حصولهم على مصداقية أقل مما لوكان الناس مشاركين ومتدخلين في الاختيار. ولكن ثمة طرق لا حصر لها لاختيار أعضاء اللجنة وتعيينهم. وعلى سبيل المثال، قد يحدثون مواطنين (مثال الأرجنتين) أوكلهم دوليين (مثال السلفادور) أوخليطا من الاثنين (كما في سيراليون).

وبخصوص الصلة بين تقصي الحقائق والمصالحة، اختارت بعض البلدان إدخال مصطلح "المصالحة" في أسماء اللجان أومهامها أوأنشطتها؛ ولكن معظمها لم تعمل ذلك. وإن كان اسم اللجنة يعطي مدلولا هاما عن رسالتها وهدفها، إلا أنه من المهم عدم المبالغة في تضخيم الأسماء. وعلى سبيل المثال، إذا كان اسم لجنة جنوب إفريقيا يضم صراحة مصطلح "المصالحة" كجزء من اسمها ومهمتها، فقد كان ثمة نقاش داخلي كبير وخلاف حول ما إذا كان يجب عليها حتى تعمل بشكل حثيث على تشجيع وتسهيل المصالحة أوبدلا من ذلك حتى هجرز فقط على كشف الحقيقة أملا في حتى يشكل ذلك قاعدة لمصالحة لاحقة. وقد حال عدم الاتفاق دون اعتماد اللجنة لوسيلة منسجمة وملائمة لمعالجة مسألة المصالحة. ونتج عن ذلك نوع من الخلط لدى العموم وجعل اللجنة تتعرض للانتقادات من بعض القطاعات بكونها "فشلت في تحقيق المصالحة". وبغض النظر عن موقف جميع فرد من النقاش حول المصالحة، من البديهي حتى اللجنة التي تقول إذا "تحقيق المصالحة" هدف ممكن بلوغه عند نهاية مهمتها تعرض نفسها للفشل. وبالتالي فإن اللجان التي تدرج المصالحة كجزء من عملها ومهمتها يجب ألا تضخم آمالها وأن أفضل ما يمكنها عمله هوالإعلان بشكل متواضع عن أنها ستبذل جهودها قصد بلوغ هذه الغاية .


مشاريع الحقيقة غير الرسمية

إلى جانب لجان الحقيقة الرسمية التي كانت موضوع نقاشات مسهبة، توجد آليات لتقصي الحقائق لها نفس الفعالية وإن كانت أقل بروزا ولم يتم استكشافها كما يجب وقد تم إنشاؤها من طرف مجموعات المجتمع المدني في جميع أنحاء العالم. وتشهجر هذه الجهود في بعض المميزات، ولكنها كذلك متنوعة جدا. أما أبرز الجوانب المتشابهة لديها فهي: (1) موجهة لكشف الحقيقة حول الجرائم المرتكبة في الماضي كعنصر من إستراتيجية واسعة للمحاسبة والعدالة؛ (2) وفي سعيها للقيام بذلك، فهي تشبه لجان الحقيقة الرسمية؛ ولكن (3) هذه الجهود الخاصة متجذرة في المجتمع المدني – تتبناها وتقودها المنظمات غير الحكومية لحقوق الإنسان، ومجموعات الضحايا والجامعات والمنظمات الاجتماعية الأخرى – وليست أصلا جهودا تستند إلى الدولة. ومن خلال مزج هذه العناصر الثلاثة، نشير فيما يلي إلى هذه الفئة غير المتماسكة من استراتيجيات العدالة الانتنطقية بمصطلح "مشاريع الحقيقة غير الرسمية". وإن كانت غير معترف بها رسميا من طرف الدولة، فهي تتمتع جميعها بكل مميزات لجان الحقيقة الرسمية التي تمت مناقشتها من قبل.


أنواع مشاريع الحقيقة غير الرسمية

يمكن بصفة عامة تقسيم مشاريع الحقيقة غير الرسمية إلى المجموعات الثلاث التالية:

1. جهود مماثلة للجان: وهذه الجهود تتمتع بمجمل اختصاصات اللجان الرسمية لتقصي الحقيقة. ورغم أنها لا تتمتع على العموم بهياكل إدارية مماثلة للجان (مثلا ليس لديها مفوضون)، فهي تشبهها في عدة جوانب.

2. مراكز التوثيق: هذه المؤسسات غير مؤقتة وهي تحدث أصلا لجمع الوثائق والمحافظة عليها. وما يجعل بعضها يدخل ضمن مشاريع الحقيقة غير الرسمية هوهجريزها الخاص على أهداف العدالة الانتنطقية (لقاءة إرث الماضي المتعلق بانتهاكات حقوق الإنسان من خلال الكشف عن الحقيقة). وبدلا من إعداد تقرير نهائي، تقوم بنشر سلسلة من التقارير والموضوعات تهدف إلى دراسة الماضي.

3. المحاكمات الصورية: من الواضح دائما حتى المحاكمات الجنائية بالإضافة إلى هجريزها على المحاسبة، تخص كذلك "الكشف عن الحقيقة". وهي تعتمد على الشهادات والوثائق التي أصبحت جزءا من السجل العام، وغالبا ما تشكل سجلات المحاكمات أبرز قاعدة لسرد التاريخ الرسمي بخصوص بعض الأحداث. ومن خلال إقامة "محاكمة صورية" بشكل مسرحي حول فترة خاصة أوسلسلة من الأحداث، يمكن للنشطاء أوالجامعات أوالمنظمات غير الحكومية التحقيق وكشف الحقيقة عما سقط في الماضي. ورغم أنها ليست محاكمة حقيقية ونتيجتها معروفة مسبقا، فإن عملية إعداد وإنجاز هذه "المحاكمات الصورية" يمكن حتى ينظر إليها كمشروع حقيقة غير رسمي.


المقارنة بين لجان الحقيقة ومشاريع الحقيقة غير الرسمية

تكون نتيجة لجان الحقيقة الرسمية سردا تاريخيا يساهم في "السيرة الرسمية" للتاريخ الوطني. وسواء أكانت اللجان تزعم بأنها تقول الحقيقة الوطنية أم لا، فإنها تتخذ موقفا معينا إزاء صيغة رسمية عما سقط للضحايا خلال الفترة التي ضمها الفحص. ولأنها تتمتع بدعم سلطة الدولة، وفي أفضل الحالات، (كما وقع في تشيلي وجنوب إفريقيا وبيرو)، لأنها انكبت على مهمتها بجدية وصرامة وموضوعية واضحة، يمكن القول حتى السرد الذي توصلت إليه له مشروعية كبيرة بالمقارنة مع ما قد تتوصل إليه جهود لمشاريع الحقيقة غير الرسمية المشابهة. ورغم ذلك، يمكن لمشاريع الحقيقة غير الرسمية ألا تعتبر نفسها إطلاقا أنها تستهدف صياغة سرد وطني، مركزة بدلا من ذلك على عناصر أصغر حجما من السيرة الوطنية. وكمثال على ذلك، نذكر مشروعي (أردوين) و(غرين سبورو) اللذين يهدفان إلى سرد حكاية جماعتين مختلفتين من خلال منظور الضحايا وأثناء فترة معينة من الماضي.

وفي بعض الحالات، يمكن للأطراف النشطة في المجتمع المدني حتى تكون أكثر ملاءمة من الحكومة لتنظيم جهود تقصي الحقائق. ففي بلد لا يزال يعاني من النزاع أوخرج لتوه منه، يمكن حتى تثير مبادرة تقودها الدولة تساؤلات حول مدى استقلالها وحيادها إزاء مختلف الأطراف في النزاع. وعلاوة على ذلك، إذا كانت لجان الحقيقة الرسمية غير قادرة أولا ترغب في اتخاذ المراحل الضرورية لبلوغ أعلى مستويات المشروعية، كما كان الشأن بالنسبة إلى اللجان مثلا في نيجيريا وهايتي، فقد تكون عملية غير معتمدة أفضل خيار من ناحية صياغة سرد تام عن الفترة قيد البحث.

وتقابل مشاريع الحقيقة غير الرسمية صعوبة الحصول على الاعتراف والوضع اللذين يسهل للمشاريع التي ترعاها الدولة حتى تحصل عليها ولاسيما في الديمقراطيات الجديدة التي تتمتع بمشروعية معنوية عالية والتي يظهر أنها تدخل في فترة جديدة. ورغم ذلك، حازت الكثير من مشاريع الحقيقة غير الرسمية في نهاية الأمر على اعتراف ملحوظ، حيث أصبحت أساسا أول هيئة كلفت بتوثيق الانتهاكات الخاصة بماضي بلد معين، كما هوالشأن بالنسبة إلى منظمة Dc-cam أومثل، منظمة "ميموريال" في روسيا.

وتفتقد مشاريع الحقيقة غير الرسمية عدة اختصاصات من تلك التي تتمتع بها أغلب لجان الحقيقة الحديثة، مثل سلطات التحقيق وضمان الاطلاع على ملفات الحكومة والحصانة الشخصية لأعضاء اللجنة، والاستفادة من إمكانية التزام الدولة بتطبيق التوصيات النهائية. وبوصفها غير رسمية، فمواردها المالية محدودة، ورغم ذلك يمكن لبعض الجهود حتى توفر دعما ماليا كبيرا من لدن هيئات محلية ودولية. وبما حتى لجان الحقيقة الرسمية كذلك عليها حتى تجاهد لكي تحصل على تبرعات مالية من خلال توجيه النداء إلى البلدان المانحة، فإن مشاريع الحقيقة غير الرسمية قد لا تقابل نفس التحديات مثل لجان الحقيقة، بمجرد حتى تتجاوز مستوى معينا من الاعتراف والمساندة. وبالنسبة إلى مشاريع الحقيقة غير الرسمية الناشئة التي لها طموحات واسعة لقول الحقيقة، قد يحدث بلوغ هذا المستوى أحد أكبر التحديات التي تقابلها في بادئ الأمر. وبالنسبة إلى تلك التي تسعى إلى تحقيق أهداف أكثر تواضعا، مثل مشروع (أردوين)، فإن التكلفة ستكون أقل بالنسبة إليها.


العلاقات مع إستراتيجيات العدالة الانتنطقية الأخرى

بينما تتفاعل مشاريع الحقيقة غير الرسمية مع استراتيجيات انتنطقية أخرى (مثل المتابعة والتعويض وإقامة نصب تذكارية للضحايا والإصلاح المؤسسي لمنع تكرار ماض عنيف) بشكل مختلف عن لجان الحقيقة الرسمية، فإن تفاعلاتها تكون غالبا ذات صلة. وعلى سبيل المثال، يمكن لمشاريع الحقيقة غير الرسمية المكملة للجان الحقيقة الرسمية حتى تدعم القضية من أجل متابعات مستقبلية وتساهم بأفكارها الخاصة عن الإصلاحات المؤسسية الملائمة التي يمكن القيام بها. وقد قامت منظمة Dc-cam بشكل صريح بدراسة حالات من أجل المتابعة عن الجرائم المرتكبة ما بين 1975 و1979. وعبرت المحاكم الصورية بوضوح عن أملها في حتى يتم الانتفاع من "الأدلة" التي جمعتها واستخدمتها في المحاكمات المستقبلية. وبشكل أكثر عموما، فإن أي جهد من هذه الجهود يحتل مسقطا جيدا للتعبير عن الآراء حول أي موضوع من هذه المواضيع، وغالبا ما تقوم بذلك في نشراتها أوتقاريرها.


المجتمع المدني الوطني وعمليات تقصي الحقائق

تتطلب لجان الحقيقة الرسمية دعما ومساعدة من المجتمع المدني بطرق عديدة طوال مدة عملها . وتزيد مشاركة المجتمع المدني من فهم اللجنة ومشروعيتها بالنسبة إلى مؤسسات رئيسية، وليس أقلها مع الضحايا أنفسهم. ويمكن لمشاريع الحقيقة غير الرسمية المنبثقة، بناء على تعريفها، من المجتمع المدني، حتى تكون أكثر ارتباطا بالمجتمعات التي تتوخى خدمتها. ويمكنها حتى تكون أكثر مرونة واستجابة للحاجيات المجتمعية ويمكن حتى تقيم علاقات مباشرة قوية مع الضحايا. وانطبق ذلك بشكل واضح على مثال REMHI في غواتيمالا التي استطاعت حتى تقيم صلات وثيقة جدا مع منظمات الشعوب الأصلية أكثر مما عملته منظمة CEH الرسمية. وينطق حتى منظمة (ميموريال) الروسية قد استخدمت كمظلة للجمعيات المحلية غير الرسمية في أنحاء الاتحاد السوفيتي السابق ولاءمت نفسها مع مختلف حاجيات وتطلعات فروعها الإقليمية(27).


المساعدة الدولية لعمليات تقصي الحقائق

علاوة على التنوع الكبير للأطراف المحلية التي يحتمل مشاركتها في عملية لجنة من اللجان، تساعد الأطراف الدولية والمنظمات الدولية في عمليات تقصي الحقائق بطرق متعددة. وتقوم المنظمات الدولية التي لا تستهدف الربح، مثل المركز الدولي للعدالة الانتنطقية، وأرشيف الأمني القومي (وهي منظمة غير حكومية يوجد مقرها بواشنطون متخصصة في شؤون الوثائق السرية للحكومة الأمريكية)، أومركز دراسة العنف والمصالحة (جوهانسبورغ)، بتوفير موارد الأبحاث والموظفين. وثمة مؤسسات دولية مثل مؤسسة فورد ومؤسسة المجتمع المفتوح ومؤسسة روكفيلر التي قدمت في الماضي دعما ماليا وأشكالا أخرى هامة من الدعم ولاسيما لصالح المنظمات غير الحكومية خلال عمليات تقصي الحقائق. كما حتى المجتمع الدولي الأكاديمي وهيئات الأبحاث الدولية تساعد من خلال توفير الموارد الوثائقية والبحث وعقد المؤتمرات والمحافظة على المعلومات ووسائل الرصد. وكانت الأمم المتحدة طرفا رئيسيا في الكثير من لجان الحقيقة ولاسيما في السلفادور وگواتمالا وسيراليون ويمكنها حتى تكون مصدرا للدعم والمشروعية لعمليات العدالة الانتنطقية الوطنية بصفة عامة.

انظر أيضاً

  • The German policy of Vergangenheitsbewältigung is commonly compared to truth and reconciliation

الهامش

المصادر

"لـجـان الـحـقـيـقـة". المركز الدولي للعدالة الانتنطقية.


وصلات خارجية

  • Truth and Reconciliation Commission, Republic of Korea
  • Truth Commissions Digital Collection (United States Institute of Peace)
  • Truth Commission
  • International Center of Transitional Justice
  • Andrew Schaap, Reconciliation as ideology and politics
تاريخ النشر: 2020-06-04 09:40:00
التصنيفات: حقوق الإنسان, لجان الحقيقة والمصالحة

مقالات أخرى من الموسوعة

سحابة الكلمات المفتاحية، مما يبحث عنه الزوار في كشاف:

آخر الأخبار حول العالم

بلينكن: الرد على مقتل جنودنا في الأردن قد يكون على عدة مستويات

المصدر: RT Arabic - روسيا التصنيف: سياسة
تاريخ الخبر: 2024-01-30 00:08:35
مستوى الصحة: 93% الأهمية: 91%

المنتخب المغربي يختتم تحضيراته استعدادا لمواجهة جنوب أفريقيا

المصدر: البطولة - المغرب التصنيف: رياضة
تاريخ الخبر: 2024-01-30 00:07:02
مستوى الصحة: 56% الأهمية: 65%

أمير قطر يتسلم رسالة خطية من رئيس الإمارات

المصدر: RT Arabic - روسيا التصنيف: سياسة
تاريخ الخبر: 2024-01-30 00:08:34
مستوى الصحة: 84% الأهمية: 89%

الخزانة الأمريكية تفرض عقوبات على بنك عراقي

المصدر: RT Arabic - روسيا التصنيف: سياسة
تاريخ الخبر: 2024-01-30 00:08:39
مستوى الصحة: 81% الأهمية: 90%

مالي وبوركينا فاسو تبلغان مجموعة "إيكواس" رسميا بالانسحاب منها

المصدر: RT Arabic - روسيا التصنيف: سياسة
تاريخ الخبر: 2024-01-30 00:08:30
مستوى الصحة: 83% الأهمية: 97%

روما تستضيف قمة "الند للند" مع قادة أفارقة لعرض "اتفاقات جديدة"

المصدر: فرانس 24 - فرنسا التصنيف: سياسة
تاريخ الخبر: 2024-01-30 00:08:02
مستوى الصحة: 75% الأهمية: 89%

تحميل تطبيق المنصة العربية