استيلاء محمد علي على السلطة

عودة للموسوعة

استيلاء محمد علي على السلطة

پورتريه لمحمد علي عام 1840، بريشة أوگوست كوديه.

بدأت عملية استيلاء محمد علي على السلطة في مصر بالموازاة لثلاث حروب أهلية بين الأتراك العثمانيين والمماليك المصريين، والمرتزقة الألبان. انتهت بفوز الألبان تحت قيادة محمد علي باشا.

طموح محمد علي الى منصب الولاية

هكذا كانت الحال في مصر حينما اخذ محمد علي يطمح الى منصب الولاية. ولا يستبعد ان تكون تلك الحال نفسها حملته على الطموح إلى هذا المنصب بعد اقتناعه بعدم اقتدار أحد من كبار الرجال المشهجرين في النزاع على التغلب على منازعيه والاستئثار بالحكم وادارة شؤون البلاد بالحكمة والحزم. أما النزاع بين الوالي والمماليك ، فكان لابد من دخوله سريعا في دور حاد لأن الوالي كان مدفعوا الى الاسراع في منازلة المماليك بالأوامر التي وردت عليه من الآستانة، وبشدة حاجته الى المال لدفع مرتبات الجنود. على أنه ما كاد ينازل المماليك حتى تبين له خصم حديث من قواد جيشه، وهومحمد علي الذي كان قبلا من أصدقائه المقربين، لكنه لما اختبر ما عند محمد علي من المقدرة والطموح صار يرى فيه صديقا مخيفا، ولم يكن مخطئا في رأيه كما سنرى.

عندما تسلم خسروا باشا منصب الولاية في القاهرة، كان المماليك مسؤولين عن الوجه القبلي من الديار المصرية وعلى معظم الوجه البحري، فوجه اليهم فرقتين من الجند احداهما بقيادة يوسف بك، والثانية بقيادة محمد علي. فنازل المماليك فرقة يوسف بك وهزموها شر هزيمة قبل حتى يصل محمد علي بفرقته الى ساحة القتال، فنسب انكسار فرقة يوسف بك إلى تعمد محمد علي التأخر في نجدتها، فاستنادىه خسروباشا ليلا الى مقره في القلعة زاعما انه يرغب في مفاوضته في أمر هام، وهوانما كان يقصد الايقاع به، فأدرك محمد علي قصد خسروباشا، وجاوبه انه سيحصر للقاءته نهارا على رأس فرقته. وعلى أثر ذلك ثار الجنود على الوالي طالبين مرتباتهم المتأخرة، ولم يستطع الوالي دفع المتأخر لهم، فرغب طاهر باشا كبير قواد الجيش التوسط بينه وبين الجنود الثائرين، فرفض خسروباشا مفاوضته، فانحاز طاهر باشا الى الجند وسار بهم الى القلعة، فألجأ خسروباشا الى الفرار، وتولى الحكم بعده بالوكالة سنة 1803.

منذ ابتداء الحوادث صار معلوما حتى هنالك محركا غير منظور يدير من وراء الستار حركات الجنود والطامعين بالولاية في بحذاقة لاعب الشطرنج البارع وكان ذلك المحرك محمد علي، لكنه رغما عن طموحه الشديد الى منصب الولاية، لم يتعجل الأمر بل اتبع خطة تضمن له الوصول الى الولاية بعد حتى تقضي على سائر المرشحين لها والطامعين فيها، وتزيل من طريقه العناصر المعادية. وبمقتضى تلك الخطة أصبح جميع من يتولى الحكم عرضة للقتل أوالعزل العاجل، بعد حتى ينال محمد علي بواسطته بعد مآربه. عمليه بعد حتى تولى طاهر باشا اعمال الولاية، حمله محمد علي على مراسلة البرديسي أحد زعيمي المماليك الكبيرين ليتقرب من المماليك، ويأمن شرهم في أثناء العراك القائم بسبب الولاية ، لكن عهد ظاهر باشا بالولاية لم يطل لأن الإنكشارية ثاروا عليهم مطالبين بمرتباتهم، فأدى ذلك الى خصام بين الباش والضباط الذين انتدبهم الإنكشارية لمفاوضته، وانتهى الخصام بقتل طاهر باشا، واغتنم محمد علي الفرصة فاتفق مع المماليك.

وكان في مصر حينئذ أحد وزراء الدولة العثمانية المدعوأحمد باشا قاصدا الى المدينة المنورة التي عين واليا عليها فأراد الإنكشارية إجلاسه على كرسي ولاية مصر، غير حتى محمد علي لم يوافقهم على ذلك. وبالاتفاق مع المماليك طردوا أحمد باشا من القاهرة، ثم بطش الألبانيون بالإنكشارية باغراء محمد علي، ولم يبق في مصر من الرجال المنتمين الى حكومة الآستانة الذي يخشى محمد علي شرهم سوى خسروباشا الوالي السابق الذي كان مقيما في دمياط فهاجمه محمد علي وعثمان بك البرديسي برجالهما وأحضراه الى القاهرة. إلى غير ذلك لم يبق لمحمد علي خصم ظاهر من رجال الآستانة، كما حتى عثمان بك البرديسي صارت اليه السلطة العليا بين المماليك، لأن مناظره محمد بك الألفي كان قد مضى الى انجلترا طامعا بالاستقلال بالحكم في مصر بمساعدة انجلترا.

واتصلت بالدولة العثمانية أخبار الحوادث المصرية، فراعها اتحاد المماليك والألبانيين، فوجهت علي باشا الجزائري واليا وأصبحته بألف جندي وبعد مناورات لا محل لذكها، اعترضت الجنود الألبانية علي باشا في طريقه من الاسكندرية الى القاهرة ففتكت بجنوده وقادته أسيرا الى القاهرة ثم وجهوه الى سوريا لكنهم قتلوه في الطريق.

وفي أوائل سنة 1804 عاد محمد بك الألفي من انكلترا، حاملا الكثير من التحف والأموال، وصعد نحوالقاهرة في النيل. ولما كان وجوده في مصر يهدد محمد علي وعثمان بك البرديسي على السواء، اتفقا على مقاومته فاعترضه رجالهما في النيل ونهبوا الأموال والتحف التي اتى بها، أما هوفبادر الى النزول الى البر ونجا بنفسه واختبأ عند العرب.

يظهر للقارئ مما تقدم حتى محمد علي كان له نصيب كبير في تدبير جميع الحوادث التي سلف ذكرها، غير أنه مع هذا كان بعيدا عن جميع مسئولية تجاه الشعب والجند. فكان اذا تأخر دفع مرتبات الجند سقطت المسئولية على من يتولى ادارة البلاد وثارت الجنود عليه لا على قائد الجند، واذا فرضت الأموال على الأهلين واستثقلوا وطأتها نقموا على الحكام الذين فرضوها. أما محمد علي فكان في تلك الأحوال يشارك الجند والشعب في التوجع لما أصابهم، ويظهر الاهتمام بتحصيل حقوقهم وتخفيف كروبهم، فأصبح صديق الجند والشعب. وهذه أبرز النتائج التي يبغي الحصول عليها قبلما يرشح لمنصب الولاية، لأن على الجند والشعب يتوقف تثبيت قدمه في البلاد.

واتفق حتى مرتبات الجنود كانت متأخرى فثار الألبانيون على عثمان بك البرديسي وطالبوه بدفعها، ففرض على أهل القاهرة ضرائب فادحة ليتمكن من دفع مرتبات الجنود، فأغضب ذلك الأهالي، ونزعوا الى الثوةر، فتدخل محمد علي في الأمر، وأظهر عطفا شديدا على الأهلين ووعدهم بالمساعدة لحمل هذه المظلمة عنهم، فثابوا إلى السكون. وكان المماليك قد أخذوا يشعرون حتى محمد علي يبطن لهم العداء، والحقيقة أنه كان حينئذ في غنى عنهم بل صار اضعافهم خيرا له، فبدأ المشادة بين الفريقين.

وتجددت الثورة في القاهرة على المماليك باتفاق الأهالي والألبان، وحدث قتال عنيف وبرز محمد علي نفسه الى ميدان القتال، فتغلب على المماليك، وألجأ جميع أمرائهم الى الفرار من القاهرة. فعندئذ أصبح محمد علي صاحب العقد والحل في القاهرة لأن زمام الجند والشعب كان في يده، غير أنه لم يتسرع في طلب الولاية لنفسه، ولعله حاول هذه المرة اثبات اخلاصه للدولة العثمانية حتى لا تناوئه متى آن أون ترشيحه للولاية. وكان لا يزال موجودا في القطر المصري اثنان من الباشوات العثمانيين، أحدهما خسروباشا والثاني أحمد خورشيد باشا حاكم الاسكندرية.

فنادى محمد علي فهماء البلد وأعيانها الى اجتماع أظهر لهم في اثنائه وجوب المبادرة الى تعيين وال على البلد، واقتراح اخراج خسروباشا من معتقله وتقليده منصب الولاية، فوافق الفهماء والأعيان على ذلك. غير حتى الزعماء الألبانيين اعترضوا على هذا التعيين وطلبوا من محمد علي اخراج خسروا باشا من البلاد، فأذعن الى طلبهم وأعاد خسروباشا الى الآستانة. ولا يخفى حتى الألبانيين كانوا رجال محمد علي الذين عليهم جل اعتماده ولديهم تودع أسراره، فلا يعقل والحالة هذه انه كان يجهل شعور زعمائهم نحوخشروباشا عندما اقترح رده الى منصب الولاية، بل يستشف من عمله التواطؤ مع الزعماء الالبانيين على اتخاذ ترشيح خسروباشا لمنصب الولاية واخراجه من معتقله، كان وسيلة لاخراجه من القطر المصري، فيقرب محمد علي خطوة جديدة من الولاية بدون حتىقد يكون في مظهره ما يغضب الباب العالي. والمشهور حتى خسروباشا كان يعتقد سوء النية في محمد علي، فأظهر نحوه أشد العداء بعد عودته الى الآستانة وتوليه المناصب العالية فيها. وكان للعداء بينهما شأن عظيم في النزاع الذي سقط بعد ذلك بين السلطان محمود ومحمد علي. فبعد اخراج خسروباشا من القطر المصري، لم يبق فيه من كبار العثمانيين من يصح تعيينه واليا سوى خورشيد باشا، فاتفق الفهماء والأعيان وزعماء الجند على تعيينه واليا وتعيين محمد علي قائم مقام له. ووافق الباب العالي على ذلك في سنة 1804 ، أما خورشيد باشا فلقى ما لقى أسلافه من الصعوبات في الحصول على الأموال، وفي دفع مرتبات الجنود، فقرض الأموال الطائلة على أهل القاهرة، وابتز كثيرا منها من بعض الأفراد وخصوصا من المنتسبين الى المماليك، فضم الاستياء منه جميع الطبقات. وكان في الوقت عينه يشعر بعدم اخلاص محمد علي، وبشدة وطأته، وظن أنه يتخلص منه باشغاله بمحاربة المماليك، غير ان فوزات محمد علي في تلك المحاربة، وشدة عطفه على الأهلين والجند، زاده حملة في عيون الجميع، ووطد مكانته في البلد خصوصا لدى الفهماء والأعيان.

فرأى الوالي انه لابد له من قوة من رجال الدولة العثمانية تقف بجانبه وتعزز مقامه، والا أضحى بين يدي محمد علي كريشة في مهب الريح، ففاوض رجال الدولة في ذلك، بينما كان محمد علي بعيدا عن القاهرة مشتغلا بمحاربة المماليك، فوجهوا اليه ثلاثة آلاف مقاتل من طائفة الدالاتية، غير حتى وجودهم في القاهرة لم يزد موقفه الى ضعفا وارتباكا، لأنهم عمدوا الى السلب والنهب وارتكاب شتى المنكرات والمحرمات، فزاد سخط الأهالي على خورشيد باشا، لأنه لم يشأ أولم يستطع كف أذى الجند عنهم. كما حتى محمد علي لما بلغه قدوم الدالاتية الى القاهرة عاد اليها، وأخذ يدس الدسائس على الوالي ويستميل عنه حتى رجاله الدلاتية. وبما حتى تأخر دفع مرتبات الجنود كان من القواعد المطردة في ذلك الزمن، ثار الألبانيون عليه مطالبين بدفع مرتباتهم، فوقف الدالاتية على الحياد، فوجد خورشيد باشا نفسه في موقف حرجا عما كان عليه قبل قدوم الدالاتية.

وفي أثناء ذلك ورد مرسوم من الآستانة بتولية محمد علي باشا على جدة. وانما جرى ذلك بناء على مخابرات سابقة بين الباب العالي وخورشيد باشا درءا للخطر الذي خشيا وقوعه عليهما فيما لوبقى في مصر، فأظهر محمد علي استعداده لتطبيق مرسوم الآستانة، وأخذ يتأهب للسفر، غير حتى الجند والشعب الساخط على الوالي رجوا منه حتى يبقى في مصر لاقتناعهم بأنهم لن يجدوا حاكما أرأف من محمد علي بحالتهم أوأقدر منه على انالتهم حقوقهم أوأكثر كفاءة لتولىي الاحكام، فاتفق زعماء الجند والفهماء والأعيان على اسقاط خورشيد باشا من منصب الولاية، وانتخاب محمد علي بدلا منه. وخطوا الى الآستانة في ذلك، فأجيب ملتمسهم، وتلقى محمد علي مرسوما بذلك في يوليوسنة 1805. أما خورشيد باشا فانه قاوم هذا التعيين ، لكنه اضطر اخيرا للتسليم وأعيد الى الآستانة.

وما كاد محمد علي يفرغ من مناهضة الباشوات العثمانيين حتى برز الإنكليز لمقاومته، طالبين من الباب العالي اسقاطه، وتسليم ادارة الأحكام للماليك، بزعامة صديقهم محمد بك الألفي الذي ذكرنا قبلا علاقته بإنكلترا، فأوفد الباب العالي القبطان باشا بأسطوله الى مصر لتنحية محمد علي باشا عن كرسي الحكم، غير أنه عثر الشعب والجند يؤيدانه، ورأى الشقاق سائدا على المماليك، كما أنه أطلع على غرض إنكلترا من عزل محمد علي واعادة حكم المماليك، وبناء على ذلك وعلى ما عرضه المصريون الى الباب العالي بواسطة ابراهيم باشا ابن محمد علي الذي أوفدوه الى الآستانة، صدر مرسوم حديث بتثبيت محمد علي في منصبه، فوصل هذا المرسوم الى مصر فيسبعة تشرين الثاني (نوفمبر) سنة 1806. وقد كان لمساعي قنصل فرنسا في الاسكندرية لدى القبطان باشا ولسفير فرنسا في الآستانة وللمال والهدايا التي يبعث بها محمد علي الى الآستانة تأثير عظيم على هذا التثبيت.


محمد علي والي مصر

بعد ارتقاء محمد علي إلى منصب الولاية، انقضى دور العمل من وراء الستار، حيث كان هوالدافع وغيره العامل، وهوصاحب التدبير وعلى غيره تحمل المسئولية. انقضى ذلك الدور وانحصر في تصريف الأمور وحل المشاكل، ومقاومة الخصوم في الخارج والداخل. فالمماليك ضعفت قوتهم ولانت ملامسهم نوعا ما، لكن نفوسهم ما برح تحدثهم باسترجاع سلطتهم وسابق مجدهم متى سنحت الفرصة.

ومصالح الانگليز في الهند كانت آخذة في النمو، وبنموها ازدادت مصر أهمية في نظرهم، لتسهيل وسائل النقل بين انكلترا والهند بطريق البحر المتوسط ومصر والبحر الأحمر، بدلا من الطريق البحرية الطويلة حول رأس الراتى الصالح. وهذا الذي كان قد دفعهم قبلا الى مقاومة حملة بونابرت على مصر وسوريا واجتذاب محمد بك الألفي أحد زعماء المماليك الى جانبهم، وبذلك جهد عظيم لتسليمه منطقيد الحكم في البلاد المصرية لقاء امتيازات ينالونها منه، غير حتى تفرق حدثة المماليك، وحزم محمد علي، أحبط مساعيهم كما روينا قبل.

ونظرا لاشتباك انگلترا في حرب مع الدولة العثمانية وشدة شكيمة محمد علي وحرصه على ابعاد جميع تدخل أجنبي عنه، لم يأمل الإنكليز الاتفاق معه، لاسيما أنه كان شديد الميل الى الفرنسويين اللذين أخذوا بناصره حينما كان الانكليز يدفعون الدولة العثمانية الى عزله. فلذلك عزم هؤلاء على استخدام قوتهم وقوة المماليك لنزع البلاد من يد الدولة العثمانية، وتنحية محمد علي عن الولاية، وتسليم زمام الأمور للمماليك.

لكن جرت التقادير ضد التدابير، فإن عثمان بك البرديسي توفى في أواخر سنة 1806 وزميله محمد بك الألفي توفى في أوائل سنة 1807، فسادت الفوضى شئون المماليك لفقد زعيمهم الكبيرين، ولم يدرك الانكليز مبلغ الضعف الذي أصاب حلفاءهم وظنوا أنهم ما برحوا يستطيعون الاعتماد على معاونتهم، فوجهوا الى القطر المصري حملة مؤلفة من نحوخمسة آلاف جندي يقودها الجنرال فريزر، فوصل إلى الإسكندرية واحتلها في شهر مارس سنة 1807، ثم حاول احتلال رشيد أولا، وثانيا ليفتح طريق المواصلة بينه وبين المماليك، وفي كلتا المرتين اخفق اخفاقاً تاماً، اذ أمعنت الجنود العثمانية في الحملتين قتلاً وتشريداً، وأخذت عدداً كبيرا من الأسرى نقلوا الى القاهرة. أما المماليك فلزموا السكينة ولم يمدوا لمساعدة الانكليز يداً وأخيراً دارت المفاوضة بين محمد علي والانكليز وانتهت بالاتفاق على حتى يخلي محمد علي سبيل الأسرى، وأن تتجلى الجنود الانكليزية عن الاسكندرية فغادروها في شهر سبتمبر سنة 1807.

فكان للفوز الذي أحرزه محمد علي صدى عظيم في مختلف أنحاء البلاد، ونال ارتياح الباب العالي وتأييده. واغتنم المماليك هذه الفرصة للقرب منه، فتوكدت سيادته في القطر المصري، وعظمت هيبته في النفوس، واتخذ محمد علي على الخطر الذي كان يهدد البلاد من الخارج حجة لتحصين الثغور، وشحن الاسكندرية بالمقاتلة، وتولى الدفاع عن الثغور المصرية بنفسه، وقد كان قبل ذلك يقوم بالدفاع عنها قائد البحرية العثمانية (القبطان باشا) إلى غير ذلك استقل بادارة الاحكام في القطر المصري وبالدفاع عنه في الداخل والخارج.

نكبة المماليك وحرب الوهابيين

أما رجال الدولة العثمانية، فرغما عن ارتياحهم لفوز محمد علي باشا على الانجليز الذين حاولوا الاعتداء على بلاد عثمانية، كانوا ينظرون بعين الحذر والخواف الى نموقوته وانتشار صيته وسطوته. وكانت في أثناء ذلك قد انتشرت الدعوة الوهابية في البلاد العربية، ثم تحول أصحابها الى جيش، فاتح فغزا الحجاز واستولى على مكة المكرمة والمدينة المنورة، فارتاع لذلك العالم الاسلامي، ولم يستطع الجنود العثمانيون صدهم، بل امتدت غزواتهم الى العراق وسوريا.

فانتدبت الحكومة العثمانية محمد علي للقاءتهم، وهي تقصد بذلك تشريفه ظاهريا بالدفاع عن الكعبة والمدينة، أما حقيقة الحال فهي أنها كانت في حاجة الى من يرد عن ولاياتها غارات الوهابيي، كما أنها كانت أمل ان المصادمة بين محمد علي والوهابيين، تلقيه في ورطة عظيمة من الممكن قضت عليه وعلى الوهابيين معا. على حتى انتدابه لهذه المهمة الشريفة زاد مكانته حملة في عيون المسلمين في جميع الأقطار.

فأخذ في تجهيز الجنود واعداد وسائل النقل الى الحجاز بحرا. فكانت هذه أول حركة صناعية كبرى قام بها اذ جمع لها المواد والصناع من جميع أنحاء القطر المصري، وأنشأ المصانع في بولاق، حيث جهزت السفن أجزاء، ونقلت كذلك الى السويس حيث ركبت فكان ما أنشأه بضع عشرة سفينة.

ولما اقترب أوان تسيير الحملة الحجازية، رأى من الحكمة حتى يطهر البلاد من المماليك الذين كان قد قاتلهم قتالا شديدا في الأعوام الماضية حتى خضد شوكتهم، وظن حتى لن تقوم لهم قائمة بعدها، ثم قرب كبارهم منه، وأبترهم الاقطاعات، لكن لما شرع في اعداد الحملة على الوهابيين أخذوا يكيدون له ويتآمرون عليه، عملم بمؤامراتهم لكن تجاهلها.

وعول على نكبتهم ، واختار لذلك أول آذار (مارس) 1811، وهواليوم الذي عينه لعقد لواء الحملة الحجازية في قلعة الجبل لولده طوسون باشا . فنادى الى الحفلة كبار رجال حكومته وأمراء المماليك، وبعد انتهاء الحفلة ركب المماليك خيولهم وهموا بالخروج فوجدوا باب القعلة موصدا في وجوههم، وكان الجنود قد أحدقوا بهم وأمطروهم وابلا من الرصاص وأجهزوا على من بقى حيا بالسيوف، فلم ينج منهم أحد من الذين شهدوا حفلة القلعة، فكان في ذلك اليوم القضاء الأخير على قوة المماليك في مصر، ولم يبق في البلاد من العناصر التي اعتادت الكيد للولاة واقلاق راحة العباد سوى طوائف من الجند.

حرب الوهابيين

بدأت هذه الحرب في سنة 1811، وانتهت في سنة 1818. قاد حملتها الأولى طوسون باشا من سنة 1811 الى 1815، وأصيبت جنوده في بادئ الأمر بانكسار شنيع، لكن عاد فاستولى على مكة والمدينة وجدة، والطائف بعد متاعب وأخطار جمة، ثم مضى محمد علي بنفسه الى الحجاز في آب (أغسطس) 1813 ليشرف على الأعمال الحربية فمكث هناك الى شهر حزيران (يونيه) سنة 1815.

ثم تولى قيادة الحملة الوهابية ابراهيم باشا من أواخر سنة 1816 الى حتى انتهت في أواخر سنة 1814، فقهر الوهابيين واستولى على مدنهم، وأكره زعيمهم عبد الله بن السعود على التسليم والذهاب الى مصر، ومنها أوفد الى الآستانة فقتلته الحكومة العثمانية على أثر وصوله. فكان للقضاء على الوهابيين فرح عظيم في العالم الاسلامي اقترن به ذكر محمد علي بالاعجاب والتكريم. وظهرت في أثناء هذه الحرب كفاءة ابراهيم باشا وصفاته العسكرية الممتازة، وبها ابتدأت شهرته التي طبقت الآفاق في ما تلاها من الحروب ومكافأة له على فوزاته الباهرة أنعم عليه السلطان بولاية جدة.

وعدا الشهرة الواسعة التي نالها محمد علي في البلدان الأجنبية لتغلبه على الوهابيين، ازدادت سلطته رسوخا في القطر المصري، وخصوصا على رجال الجيش، لأن محاربة عدوباسل مدة سبع سنين في بلاد مقفرة أهلكت عددا كبيرا من الضباط والجنود المشاغبين، إما قتلا في المحاربة أوموتا بالأمراض، كما حتى الانكسارات الأولى التي أصابت الجيش قضت على خيلاء بعض كبار ضباطه، بل أذلتهم ونزعت من الجنود الثقة بهم، فاغتنم محمد علي هذه الفرصة لتمكين قبضته لضباطهم، فكان اذا انتقل الضابط من جهة الى أخرى انتقلت جنوده معه، كأنما هم مماليكه ولا علاقة لهم مباشرة بالقيادة العامة.


حادثة لطيف باشا

كان لطيف باشا من مماليك محمد علي المقربين اليه، فلما فتحت المدينة المنورة على يد طوسون باشا، انتدبه مولاه لحمل مفاتيحها الى الآستانة. وبعد رجوعه الى مصر ظهر تغير في سلوكه فنسب اليه التآمر على محمد علي ليحل محله بينما هوغائب في الحجاز. وقد اختلفت الروايات عن هذه الحادثة. فالرواية الكثيرة الشيوع هي حتى رجال الآستانة رأوا من لطيف باشا في أثناء اقامته في عاصمة السلطنة اغترارا بنفسه وحبا بالسيادة، فأنعم عليه السلطان برتبة الباشوية، وأغرى على اغتصاب منصب مولاه، فانقاد الى هذه الوساوس، وبعد رجوعه الى القاهرة أخذ ينفق المال عن سعة لاجتذاب المريدين الذين يعضدونه في تطبيق مآربه. وشعر محمد علي بتغير سلوك لطيف باشا ، فملا عزم على السفر الى الحجاز أوعز الى كاخيته وصهره محمد بك ليراقبه مراقبة دقيقة، فصدع بالأمر وأكتشف مؤامرة دبرت لقتله هونفسه، ولاعلان وفاة محمد علي باشا في الحجاز وتولية لطيف باشا على مصر.

فبادر الكاخية الى محل اجتماع المتآمرين، بعد حتى فر لطيف باشا من منزله عاد فسقط في قبضتهم، فحوكم وأعدم في القاهرة في 15 كانون الأول (ديسمبر) سنة 1813. على حتى بعض المعاصرين رووا حتى اغتال لطيف باشا كان مبنيا على تعليما هجرها محمد لكاخيته لاظ محمد بك، لأنه نقم على لطيف باشا لأسباب عديدة وهي ان لطيف باشا كان يجتمع كثيرا في أثناء وجوده في الآستانة بأشخاص معروفين بعدائهم لمحمد علي، وهذه الاجتماعات أثارت الشبهة في نفس محمد علي، ثم ان لطيف طلب التزوج بابنة محمد علي، ولما رفض طلبه تفوه بكلام يزري بقدر مولاه، وأتى أمورا أخرى تدل على عدم الأمانة لولي نعمته. وقيل أيضا ان محمد علي أخذته الغيرة لأن السلطان منح مملوكه نفس الرتبة التي منحت لأولاده. ويؤيد أصحاب هذه الرواية كلامهم بكثرة القوات العسكرية في مصر التي كانت تؤيد محمد علي، وكلها تحت قيادة أقاربه أومريديه الأمناء، بينما الذين كانوا يؤيدون لطيف باشا لم يتجاوز عددهم مائتي رجل، فلم يكن من المعقول حتى يحاول لطيف باشا قلب الحكومة والحال كما ذكر.

تنظيم الجنود وتمردهم

ان محمد علي كان شديد الرغبة في تنظيم جيشه على الطراز الأوروبي لاختباره تفوق الجنود المنظمة على سواها في أثناء محاربة الحملة الفرنساوية، ففي سنة 1815 لما عاد محمد علي من الحجاز اغتنم فرصة غياب أكثر الضباط والجنود المشاغبين في البلاد العربية، وعمد الى تدريب فرقة من الجنود المقيمين في مصر، مهددا جميع من يقاومه بالطرد من الجندية ومن القطر المصري، فتمرد الضباط والجنود وتآمروا على قتله، غير أنه أنذر بمكيدتهم فنجا منها، لكنه اضطر الى اراتى امر التدريب العسكري الى حين، وهدأ خواطر الجنود وضباطهم، وطمأن الأهلين الذين كانوا يخشون شر الجنود المتمردين.

وفاة طوسون باشا

وفيستة يوليه سنة 1816 أصيب محمد علي بوفاة ولده طوسون باشا ، فجزع عليه جزعا شديدا، وكان الحزن عليه عاما بين أهل القاهرة، لأنه كان محببا الى جميع طبقات الشعب لما أوتيه من دماثة الخلق وحب الخير، وامتاز على صغر سنة بالحزم وسداد الرأي وشدة البأس، وقد تولى قيادة الحملة على الوهابيين قبل حتى يبلغ العشرين من عمره، وكان لوالده وشعبه فيه آمال كبار.

الشروع في التوسع والاصلاح

ان أظهر صفات محمد علي على بعد النظر والحزم والمرونة السياسية. استوعب برأيه الصائب حتى اقتباس الأنظمة الأوروبية ومجاراة الأوروبيين في الأساليب العمرانية أمور لابد منها لرقي بلاده، وتثبيت نادىئم حكومته التي كانت حكومة الآستانة تعمل على تقويضها، فلما أخفق في محاولته تنظيم الجيش للمرة الأولى ستر اخفاقه بلباقته السياسية، لكنه بقى مصرا على العودة الى التنظيم عند سنوح أول فرصة، وتمهيدا لذلك استمال اليه بوسائل مختلفة بعض كبار الضباط المعارضين. وجهز حملة لفتح السودان بقيادة ابنه اسماعيل باشا اقصت الباقين من هؤلاء الضباط ومن تابعهم من الجنود.

جعل محمد علي للحملة على السودان ثلاث غايات وهي: التخلص من الضباط والجنود الذين كانوا يقاومون التنظيم العسكري والقضاء على المماليك الذين فروا من القطر المصري الى دنقلة بعد مذبحة القلعة المشهورة، والحصول على مصادر جديدة للثروة والتجنيد. والسودانيون قوم بسل، افترض محمد على أنه يستطيع ان يؤلف منهم جيشا يحل محل الألبانيين وغيرهم. فبلغت الحملة غرضيها الأولين، لكنها لم تأت بالفائدة المادية المرجوة ولا حققت الآمال في التجنيد ، نظرا لعدم مناسبة جومصر للسودانيين.

فعمد الى تجنيد الفلاحين المصريين وانتدب لتنظيم الجيش ضابطا فرنساويا قديرا وهوالكولونيل ساف Seve المعروف باسم سليمان باشا الفرنساوي، وأنشأ المدارس الحربية وبنى الأسطول. ومع اصلاحاته هذه نمت الصناعة في البلاد، واستعان على القيام بكل ذلك برجال الفنون والصنائع الأوروبيين ، وكان أكثرهم من الفرنسويين لحسن علائقه السياسية بهم واقبالهم على بلاده. واهتم ايضا بنشر المعارف في البلاد وتحسين الأحوال الصحية، فأنشأ المدارس والمستشفيات ، وأوفد البعثات الفهمية الى أوروبا، واستقدم منها أرباب الاختصاص.

ومن اصلاحات محمد علي المشهورة وانشاء قوة منظمة من البوليس، واقرار الأمن في جميع انحاء البلاد حتى ضاهت مصر في ذلك البلدان الأوروبية الراقية.

ووجه اهتماما عظيما الى الاصلاح الاقتصادي ، لأن جميع مشاريعه لاقوام بها الا بالمال، فنشط الزراعة والتجارة فدرت عليه الخيرات، وبذل الجهد المستطاع في سبيل ترقية الصناعة، لكنها لم تكن رابحة. أما أعماله الزراعية، فأهما زراعة القطن الأمريكي والنيلة، واستيلاؤه على أكثر أملاك القطر المصري بطرق جائرة وتسخيره العمال لاجل القيام بمشاريعه الزراعية التي وضعها تحت مراقبة رجال الحكومة في المديريات، فنجحت أعماله وكثرت أرباحه، لكنه أنزل الضنك بعدد عديد من الملاكين، والعمال باغتصابه الأملاك وتسخير الرجال. وزاد على هذه المظالم استعمال منتهى الشدة في تحصيل الأموال الأميرية وفرض ضريبة جديدة وهي الفردة أوضريبة الرؤوس، وكانت تجبي من رجال البلاد على اختلاف مذاهبهم.

لكن رغما عن هذه المظالم، فان اصلاحاته الجمة وتسامحه الديني جعله محترما في عيون الأوروبيين، فازدادت العلائق بين البلدان الأوروبية والمصرية، وكثر عدد مريديه والمعجبين به من الأوروبيين، نظرا لما كان يبديه من البشاشة في استقبالهم والحذق في أحاديثه الممزوجة بالظرف والفكاهة.


انظر أيضا

  • حملة فريزر
  • تاريخ مصر تحت حكم أسرة محمد علي

المصادر

  1. ^ أبوعز الدين, سليمان (2009). ابراهيم باشا في سوريا. القاهرة، مصر: دار الشروق.
تاريخ النشر: 2020-06-04 09:56:23
التصنيفات: صراعات القرن 19, القرن 19 في مصر, أسرة علوية, حروب مصر, تاريخ مصر (1900–الآن)

مقالات أخرى من الموسوعة

سحابة الكلمات المفتاحية، مما يبحث عنه الزوار في كشاف:

آخر الأخبار حول العالم

«عمال مصر» يدين اعتداءات الاحتلال الوحشية تجاه الفلسطينيين

المصدر: موقع الدستور - مصر التصنيف: سياسة
تاريخ الخبر: 2023-02-24 15:22:50
مستوى الصحة: 57% الأهمية: 61%

تنفيذ 85 ألف حكم قضائى خلال 24 ساعة

المصدر: موقع الدستور - مصر التصنيف: سياسة
تاريخ الخبر: 2023-02-24 15:23:21
مستوى الصحة: 47% الأهمية: 53%

كشف أثرى ضخم.. 22 مقبرة من العصر الفارسى والرومانى والقبطى بالمنيا

المصدر: موقع الدستور - مصر التصنيف: سياسة
تاريخ الخبر: 2023-02-24 15:22:44
مستوى الصحة: 52% الأهمية: 59%

«الهجرة» تطلق المرحلة الثانية من «اتكلم عربى» باسم «جذورنا المصرية»

المصدر: موقع الدستور - مصر التصنيف: سياسة
تاريخ الخبر: 2023-02-24 15:22:59
مستوى الصحة: 57% الأهمية: 64%

قائمة ريال مدريد لمواجهة أتلتيكو مدريد في الدوري الإسباني

المصدر: موقع الدستور - مصر التصنيف: سياسة
تاريخ الخبر: 2023-02-24 15:23:04
مستوى الصحة: 46% الأهمية: 66%

ضبط 5 تشكيلات عصابية نفذت 20 حادث سرقة

المصدر: موقع الدستور - مصر التصنيف: سياسة
تاريخ الخبر: 2023-02-24 15:23:20
مستوى الصحة: 56% الأهمية: 63%

شبورة صباحًا وبارد ليلًا.. «الأرصاد» تكشف تفاصيل طقس السبت

المصدر: موقع الدستور - مصر التصنيف: سياسة
تاريخ الخبر: 2023-02-24 15:22:35
مستوى الصحة: 47% الأهمية: 68%

«الري» تواصل أعمال تأهيل وتبطين الترع بالمحافظات (صور)

المصدر: موقع الدستور - مصر التصنيف: سياسة
تاريخ الخبر: 2023-02-24 15:22:52
مستوى الصحة: 46% الأهمية: 60%

وثيقة: بنك الشارقة يفوض بنوكا لإصدار سندات دولارية غير مضمونة

المصدر: العربية - السعودية التصنيف: سياسة
تاريخ الخبر: 2023-02-24 15:22:12
مستوى الصحة: 81% الأهمية: 89%

«الصحة»: أصدرنا 3.5 مليون قرار علاج على نفقة الدولة خلال 2022

المصدر: موقع الدستور - مصر التصنيف: سياسة
تاريخ الخبر: 2023-02-24 15:22:43
مستوى الصحة: 58% الأهمية: 51%

ضبط 36 متهما هاربين من المراقبات داخل أقسام ومراكز الشرطة

المصدر: موقع الدستور - مصر التصنيف: سياسة
تاريخ الخبر: 2023-02-24 15:23:19
مستوى الصحة: 58% الأهمية: 54%

إنفوجراف.. باراجواى تصنف جماعة الإخوان «إرهابية»

المصدر: موقع الدستور - مصر التصنيف: سياسة
تاريخ الخبر: 2023-02-24 15:22:37
مستوى الصحة: 58% الأهمية: 57%

بتكلفة 76 مليون جنيه.. إعادة تأهيل محطتي الرفع «أ- ب» ببرج العرب

المصدر: موقع الدستور - مصر التصنيف: سياسة
تاريخ الخبر: 2023-02-24 15:23:26
مستوى الصحة: 46% الأهمية: 57%

«اللص التائب».. سرق 112 ألف جنيه لشراء عجلين للفقراء وغسل ذنوبه

المصدر: موقع الدستور - مصر التصنيف: سياسة
تاريخ الخبر: 2023-02-24 15:22:38
مستوى الصحة: 58% الأهمية: 55%

«الزراعة»: 2.4 مليون جرعة تحصين ضد الجلد العقدى وجدرى الأغنام

المصدر: موقع الدستور - مصر التصنيف: سياسة
تاريخ الخبر: 2023-02-24 15:22:57
مستوى الصحة: 55% الأهمية: 52%

بعد قليل.. وزيرة التضامن تطلق معرض «ديارنا» بالقاهرة الجديدة

المصدر: موقع الدستور - مصر التصنيف: سياسة
تاريخ الخبر: 2023-02-24 15:22:55
مستوى الصحة: 59% الأهمية: 62%

رفع 310 أطنان مخلفات خلال حملات نظافة مكثفة بقرى وأحياء المنيا

المصدر: موقع الدستور - مصر التصنيف: سياسة
تاريخ الخبر: 2023-02-24 15:23:14
مستوى الصحة: 49% الأهمية: 64%

تحميل تطبيق المنصة العربية