الحياة الإجتماعية في بابل

عودة للموسوعة

الحياة الإجتماعية في بابل

لعل النظام الديني والسيطرةالمطلقة للملك والكهنة وتعدد الألهة وتدوالها ، رغم ما فيه من عيوب ، قد رقق من طباع البابلي العادي وجعله إنساناً مؤدباً سلس القياد إلى حد ما؛ وإلا فكيف تفسر إكرام الملوك للكهنة. ولكن يلوح أنه لم يكن له في تاريخ البلاد المتأخر أثر ما في الطبقات العليا من الشعبين وذلك لأن "بابل العاهرة" كما كان يراها ويصفها أعداؤها غير العدول كانت "مباءة للظلم"، ومثلاً سيئاً في الإنحراف والترف للعالم القديم بأجمعه. وحتى الإسكندر نفسه وهوالذي لم يكن يتورع عن الشراب حتى الموت قد هاله ما رأى من أخلاق البابليين(. وأهم ما يلفت نظر المراقب الأجنبي في حياة البابليين تلك العادة التي تعهدها من وصف لها في إحدى صفحات هيرودوت الذائعة الصيت:

"ينبغي لكل امرأة بابلية حتى تجلس في هيكل الزهرة مرة في حياتها، وأن تضاجع رجلاً غريباً. ومنهن كثيرات يرتفعن عن الإختلاط بسائر النساء، لكبريائهن الناشئ من ثرائهن، وهؤلاء يأتين في عربات مقفلة ويجلسن في الهيكل ومن حولهن عدد كبير من الحاشية والخدم. أما الكثرة الغالبة منهن فيتبعن الطريقة الآتية: تجلس الكثيرات منهن في هيكل الزهرة وعلى رؤوسهن تيجان من الحبال، بين الغاديات والرائحات اللاتي لا ينبتر دخولهن وخروجهن. وتخترق جميع النساء ممرات مستقيمة متجهة في جميع الجهات، ثم يمر فيها الغرباء ليختاروا من النساء ممن يرتضون. فإذا جلست امرأة هذه الجلسة كان عليها ألا تعود إلى منزلها حتى يلقي أحد الغرباء بترة من الفضة في حجرها ويضاجعها في خارج المعبد. وعلى من يلقي البترة الفضية حتى يقول: أضرع إلى الإلهة ميلتا حتى ترعاك؛ ذلك بأن الآشوريين يطلقون على الزهرة إسم ميلتا. ومهما يكن من صغر البترة الفضية فإن المرأة لا يجوز لها حتى ترفضها، فهذا الرفض يحرمه القانون لما لها في نظرهم من قداسة. وتسير المرأة وراء أول رجل يلقيها إليها، وليس من حقها حتى ترفضه أيا كان. فإذا ما ضاجعته وتحللت مما عليها من واجب للآلهة، عادت إلى منزلها. ومهما بذلت لها من المال بعدئذ لم يكن في وسعك حتى تنالها. ومن كانت من النساء ذات جمال وتناسب في الأعضاء، لا تلبث حتى تعود إلى دارها، أما المشوهات فيبقين في الهيكل زمناً طويلاً ، وذلك لعجزهن عن الوفاء بما يفرضه القانون عليهن؛ ومنهن من ينتظرن ثلاث سنين أوأربعاً".

ترى ماذا كان منشأ هذه السنة العجيبة،يا ترى؟ فهل كانت بقية من بقايا الشيوعية الجنسية، أي رخصة يمنح بها عريس المستقبل "حق الليلة الأولى" للمجتمع الممثل في المواطن العارض غير المعروف،يا ترى؟ أوهل كان منشؤها خوف العريس من إرتكاب جريمة سفك الدماء التي تحرمها الشرائع،يا ترى؟ أوهل كانت إستعداداً ضمنياً للزواج شبيهاً بالسُنَّة التي لا يزال يسير عليها بعض القبائل في أستراليا إلى هذه الأيام،يا ترى؟ أوأنها لم تكن أكثر من قربان يقرب للآلهة- فتقدم لها باكورة الفاكهة،يا ترى؟ من يدري،يا ترى؟ ولم تكن هذه النساء عاهرات بطبيعة الحال. لكن عاهرات من أصناف مختلفة كن يسكن في أرباض الهيكل ويمارسن حرفتهن فيها، ومنهن من كن يجمعن من عملهن الأموال الطائلة. وكانت عاهرات الهياكل كثيرات في غرب آسيا: نجدهن عند بني إسرائيل ، وفي فريجيا، وفينيقيا، وسوريا وغيرها من الأقطار. وكانت البنات في ليديا وقبرص يحصلن على بائنة زقابلن بهذه الطريقة نفسها. وظلت "النادىرة المقدسة" عادة متبعة في بلاد بابل حتى ألغاها قسطنطين (حوالي عام 325 ق.م). وكان إلى جانبها عهر مدني منتشر في حانات الشراب التي تديرها النساء(. وكان يسمح للبابليين في العادة بقسط كبير من العلاقات الجنسية قبل الزواج ، ولم يكن يظن على الرجال والنساء حتى يتصلوا إتصالاً غير مرخص به "بزيجات تجريبية" تنتهي متى شاء أحد الطرفين حتى ينهيها ؛ ولكن المرأة في هذه الحالات كان من واجبها حتى تلبس زيتونة ـ من حجر أوطين محروق ـ دلالة على أنها محظية.وتدل بعض الألواح على حتى البابليين كانوا ينشئون القصائد الغزلية ويغنون الأغاني الغرامية؛ ولكن هذه القصائد والأغاني لم يبق منها إلا سطر هنا وسطر هناك ، كانت تستهل به القصيدة أوالأغنية كقولهم: "إن حبيبي من نور" أو"إن قلبي مليء بالمرح والغناء". ولدينا خطاب يرجع تاريخه إلى عام 2100 ق.م، وتشبه نغمته رسائل نابليون الأولى إلى جوزفين:

"إلى بيبيا... لعل شمش ومردك يهبانك صحة أبدية...لقد أوفدت (أستفسر) عن صحتك ، فخبريني كيف من الممكن أن حالك ؛ لقد وصلت إلى بابل ، ولكني لا أراك ؛ إني في أشد الحزن".

وكان الآباء هم الذين يهيئون الزواج الشرعي لأبنائهم، وكان الطرفان يقرانه بتبادل الهدايا ، ولعل هذه العادة كانت أثراً من نظام قديم هونظام الزواج بالبيع والشراء. فكان الخطيب يتقدم إلى والد العروس بهدية قيمة؛ ولكن الوالد كان ينتظر منه حتى يهب ابنته بائنة أعظم قدراً من الهدية، حتى لقد كان يصعب على المرء حتى يقول أيهما المشترى المرأة أم الرجل،يا ترى؟ على حتى بعض الزيجات كانت بيعاً صريحاً، من ذلك إذا شمشتريز حصل على عشرة شواقل (50 ريالا) ثمناً لإبنته.وإذا جاز لنا حتى نصدق أبا التاريخ "فإن من كانت لهم بنات في سن الزواج يأتون بهن مرة في جميع عام إلى مكان يجتمع فيه حولهن عدد كبير من الرجال ، ثم يصفهن دلاّل عام ويبيعهن جميعاً واحدة في إثر واحدة ، فينادي أولاً على أجملهن ، وبعد حتى يقبض فيها ثمناً عالياً ينادي على من تليها في الجمال. ولكنه لم يكن يبيعهن إلا بشرط حتى يتزوجهن المشترون... وهذه العادة المستحبة لم يعد لها الآن بقاء".

سوق الزواج البابلي، 1875، مبنية على ما ذكره هيرودوت عن حتى البنات البابليات اللائي لا يملكن مهراً يدفعونه لزوج المستقبل، كن يـُبـَعن في مزاد كزوجات، حسب كتاب التواريخ.

ويلوح حتى الزواج في بابل ، رغم هذه الأساليب الغريبة ، لم يكن يقل إخلاصاً وإقتصارا على واحدة عنه في العالم المسيحي في هذه الأيام. وكانت الحرية المباحة للأفراد قبل الزواج يتبعها إرغام شديد على الإستمساك بالوفاء الزوجي بعده ، وكان القانون ينص على إغراق الزوج الزاني ومن زنت معه إلا إذا أشفق الزوج على زوجته فآثر حتى يستبدل بهذه العقوبة إخراجها إلى الطريق عارية إلا من القليل الذي لا يكاد يستر شيئا من جسمها. وقد بز حمورابي قيصر من هذه الناحية فنطق في إحدى مواد قانونه:

"إذا أشار الناس بإصبعهم إلى زوجة رجل لعلاقتها برجل غيره، ولم تضبط وهي تضاجعه، وجب حتى تلقي بنفسها في النهر لشرف زوجها."

ولعل الذي كان يهدف إليه القانون بهذه العقوبة هومنع أحاديث الإفك. وكان في وسع الرجل حتى يطلق زوجته، ولا يحتاج منه هذا أكثر من رد بائنتها إليها وقوله لها: "لستِ زوجتي"، أما إذا نطقت هي له: "لستَ زوجي" ، فقد وجب قتلها غرقاً. وكان عقم الزوجة ، وزناها، وعدم إتفاقها مع زوجها، وسوء تدبيرها لمنزلها، كانت هذه في حكم القانون مما يجيز طلاقها. وفي ذلك يقول القانون: "إذا لم تكن سيدة حريصة على أداء واجبها ، بل كانت دوارة غير مستقلة في منزلها، مهملة لشئون بيتها، مستخفة بأطفالها، وجب حتى تلقى في الماء. وفي لقاء هذه القسوة غير المعقولة المنصوص عليها في القانون ، كان للمرأة من الوجهة العملية حتى تفارق زوجها، وإن لم يكن من حقها حتى تطلقه، إذا أثبتت قسوته عليها مع إخلاصها له؛ وكان في وسعها في هذه الحال وأمثالها حتى تعود إلى أهلها وأن تأخذ معها بائنتها وما عسى حتى تكون قد حصلت عليه بعدئذ من المتاع. (ولم تستمتع نساء إنجلترا نفسها بهذه الحقوق إلا في أواخر القرن التاسع عشر). وإذا غاب الزوج عن زوجته في عمل أوحرب زمناً ما، ولم يهجر لها ما تعيش منه كان لها حتى تعيش مع رجل آخر ، دون حتى يحول ذلك من الوجهة القانونية بينها وبين إنضمامها مرة أخرى إلى زوجها بعد عودته من غيبته. وفي وسعنا حتى نقول بوجه عام إذا مركز المرأة في بابل كان أقل منه في مصر وفي روما ، ولكنه مع ذلك لم يكن أقل من مركزها عند اليونان الأقدمين أوعند الأوربيين في العصور الوسطى. وكان لابد لها لكي تؤدي أعمالها الكثيرة- من ولادة الأبناء وتربيتهم، ونقل الماء من النهر أوالآبار العامة، وطحن الحبوب، والطهي، وغزل الخيوط ونسجها، وتنظيف دارها- كان لابد لها لكي تؤدي هذه الأعمال حتى تكون حرة في غدوها ورواحها بين الناس لا تكاد تفترق من هذه الناحية عن الرجل في شيء. وكان من حقها حتى تمتلك الثروة وتستمتع بدخلها وتتصرف فيها بالبيع والشراء، وأن ترث وتُوَرّثْ. ومن النساء من كانت لهن حوانيت ، يتجرن فيها، بل إذا منهن من كن محررات ، وفي هذا مرشد على حتى البنات كن يتفهمن كالصبيان. غير حتى التنطقيد السامية التي تمنح أكبر ذكور الأسرة سلطة لا تكاد تقف عند حد كانت تحول دون ما عساه حتىقد يكون باقياً في أرض الجزيرة من أزمنة ما قبل التاريخ من نزعة لتغليب سلطان الأم.

وكان من العادات المتبعة عند الطبقات العليا عادة- ولعلها هي التي أدت إلى عادة الحجاب عند المسلمين والهنود- حتىقد يكون للنساء جناح خاص أوأجنحة خاصة في المنزل؛ وكن إذا خرجن صحبهن رقباء من الخصيان والخدم. أما الطبقات السفلى فلم تكن نساؤها أكثر من آلات لصنع الأطفال، وإذا لم تكن لهن بائنات كانت مكانتهن لا تكاد تفترق عن مكانة الإماء.

وتشير عبادة عشتار إلى حتى المرأة والأمومة كان لهما قسط من التبجيل في بلاد بابل ، كانت تشير عبادة مريم العذراء في العصور الوسطى إلى ما كان لها من التبجيل وقتذاك؛ ولكننا إذا أخذنا بقول هيرودوت إذا البابليين إذا حوصروا " كانوا يخنقون زوجاتهم لكيلا يستهلكن ما عندهم من الطعام" ، لا نرى حتى البابليين كانت لديهم كثير من صفات الشهامة والفروسية التي كانت لدى الأوربيين في تلك العصور. لذلك ترانا نجد بعض العذر للمصريين إذا وصفوا البابليين بأنهم قوم لم يصلوا إلى درجة كبيرة في الحضارة. والحق أننا لا نجد عندهم ما تشهد به آداب المصريين وفنونهم من رقة أخلاقهم ومشاعرهم. ولما حتى وصلت هذه الرقة إلى البابليين وصلت إليهم تحت ستار الإنحلال المخنث. فكان الشبان يصبغون شعرهم ويقصونه، ويعطرون أجسامهم، ويحمرون خدودهم، ويزينون أنفسهم بالعقود والأساور، والأقراط ، والقلائد. ولما فتح الفرس بلادهم وقضوا بذلك على عزتهم النفسية، تحرروا أيضاً من جميع القيود الخلقية، وسرت عادات العاهرات إلى جميع الأوساط وأضحت نساء الأسر الكبيرة يرين حتى إظهار محاسنهن أياً كانت ليستمتع بها أعظم إستمتاع أكبر عدد مستطاع، أصبحن لا يرين في هذا شيء أكثر من مجاملة عادية. وإذا جاز لنا حتى نصدق هيرودوت فإن "كل رجل من عامة الشعب إذا عضه الفقر، عرض بناته للنادىرة طلباً للمال". وخط كوتنس كورتيس عام 42 ب.م يقول: "ليس ثمة أغرب من أخلاق هذه المدينة. فلسنا نجد في أي مكان آخر ما نجده فيها من تهيئة جميع شيء على خير وجه لإشباع الملذات الشهوانية" . لقد فسدت الأخلاق وإنحلت حين أثرت الهياكل ، وإنهمك أهل بابل في ملذاتهم فرضوا حتى تخضع مدينتهم للكاشيين والأشوريين والفرس واليونان.

المصادر

ول ديورانت. سيرة الحضارة. ترجمة بقيادة زكي نجيب محمود. Unknown parameter |coauthors= ignored (|author= suggested) (help)

تاريخ النشر: 2020-06-04 10:13:07
التصنيفات: Pages with citations using unsupported parameters, بابليون

مقالات أخرى من الموسوعة

سحابة الكلمات المفتاحية، مما يبحث عنه الزوار في كشاف:

آخر الأخبار حول العالم

سقوط شخصين في ملف سرقة الأسلاك الهاتفية الخاصة بشبكة الاتصالات

المصدر: كِشـ24 - المغرب التصنيف: سياسة
تاريخ الخبر: 2023-03-22 00:15:19
مستوى الصحة: 43% الأهمية: 40%

زلزال يضرب باكستان وأفغانستان وسقوط عشرات القتلى والجرحى

المصدر: BBC News عربي - بريطانيا التصنيف: سياسة
تاريخ الخبر: 2023-03-22 00:16:19
مستوى الصحة: 94% الأهمية: 100%

ممارسة أنشطة طبية وترويج مواد صيدلية مهربة يطيح بخمس سيدات

المصدر: كِشـ24 - المغرب التصنيف: سياسة
تاريخ الخبر: 2023-03-22 00:15:16
مستوى الصحة: 38% الأهمية: 41%

“صحراء مراكش” تحتضن طاقم برنامج تلفزيوني شهير في النرويج

المصدر: كِشـ24 - المغرب التصنيف: سياسة
تاريخ الخبر: 2023-03-22 00:15:20
مستوى الصحة: 39% الأهمية: 36%

المغرب يتجه لشراء أنظمة دفاع إسرائيلية متوسطة المدى

المصدر: كِشـ24 - المغرب التصنيف: سياسة
تاريخ الخبر: 2023-03-22 00:15:18
مستوى الصحة: 39% الأهمية: 37%

خبير اقتصادي يعلق على اتفاقيات التعاون بين مصر وروسيا

المصدر: RT Arabic - روسيا التصنيف: سياسة
تاريخ الخبر: 2023-03-22 00:16:37
مستوى الصحة: 77% الأهمية: 94%

الرئيسان الروسي والصيني: تغييرات سريعة تحدث في العالم

المصدر: RT Arabic - روسيا التصنيف: سياسة
تاريخ الخبر: 2023-03-22 00:16:42
مستوى الصحة: 90% الأهمية: 87%

إيمليانو مارتينيز: "أحسن حارس في مونديال قطر؟ ياسين بونو"

المصدر: البطولة - المغرب التصنيف: رياضة
تاريخ الخبر: 2023-03-22 00:16:03
مستوى الصحة: 53% الأهمية: 59%

توقيف 29 مرشحا للهجرة غير المشروعة وحجز قارب تقليدي

المصدر: كِشـ24 - المغرب التصنيف: سياسة
تاريخ الخبر: 2023-03-22 00:15:17
مستوى الصحة: 44% الأهمية: 39%

مصرع 4 أشخاص على الأقل جراء الزلزال في أفغانستان وباكستان

المصدر: RT Arabic - روسيا التصنيف: سياسة
تاريخ الخبر: 2023-03-22 00:16:43
مستوى الصحة: 92% الأهمية: 86%

تحميل تطبيق المنصة العربية