الأسماء والصفات

قواعد في الأسماء والصفات

ممضى أهل السنة والجماعة : أنهم يثبتون لله عز وجل الصفات الواردة في الكتاب والسنة إثباتاً بلا تعطيل ولا تأويل ، ولا تكييف ولا تمثيل ، وهي عندهم على الحقيقة لا على المجاز . نطق ابن عبد البر رحمه الله : " أهل السنة مجمعون على الإقرار بالصفات الواردة في الكتاب والسنة وحملها على الحقيقة لا على المجاز ، إلا أنهم لم يكيفوا شيئا من ذلك " انتهى من "التمهيد" (7/145) .

تميز منهج السلف - رحمهم الله – في باب الأسماء والصفات وفي غيره بالسهولة والانضباط، فهوسهل في إدراكه، منضبط في أركانه، ولا غرابة في ذلك، إذ هومنهج يقوم على الأخذ بنور الوحيين، وسلوك طريق النبيين والصديقين، ومن هنا أخذ الفهماء في دراسة ذلك المنهج وتحليله، واستخرجوا منه القواعد التي سار عليها السلف في باب أسماء الله وصفاته، وهي قواعد تتميز بسهولة فهمها وتطبيقها.

من تلك القواعد : الإيمان بما اتى عن الله وبما ثبت عن رسوله صلى الله عليه وسلم، وعدم معارضة شيء منهما أورده بهوى أوقياس أورأي، وإنما التسليم الكامل لهما.

فإذا ورد في الكتاب مثلاً قوله تعالى:** وهوالعليم القدير (الروم:54)، وجب الإيمان بذلك وإثبات صفتي الفهم والقدرة له سبحانه من غير تحريف ولا تعطيل ومن غير تكييف ولا تمثيل، إلى غير ذلك الحال مع جميع الصفات التي ثبتت بالأدلة المعتبرة .

ومن القواعد أيضا ما قرره الفهماء من وجوب إجراء نصوص الصفات على ما دل عليه ظاهر اللفظ على الوجه اللائق به سبحانه:

فإذا اتى النص بإثبات السمع لله في نحوقوله تعالى: ** وهوالسميع العليم (البقرة: 137) فإن موقف السلف من ذلك هوإثبات صفة السمع له سبحانه على الوجه اللائق به . وعليه نقول: إذا لله عز وجل سمعا يليق بجلاله، قد أحاط بكل مسموع، لا يخفى عليه صوت، عظم هذا الصوت أم خفت، فهويسمع دبيب النملة السوداء في الصخرة الصماء في الليلة الظلماء.

إلى غير ذلك صفة البصر، فلله عز وجل بصر يليق بجلاله يدرك به جميع المبصرات، لا يحجبه شيء عن شيء، مهما كبر أوصغر، إلى غير ذلك القول في سائر الصفات .

ومن القواعد أيضاً: حتى المعنى المتبادر إلى الذهن عند ذكر صفات الرب جل جلاله، ليس هوالمعنى المماثل لصفات المخلوقين:

فإذا أثبت الله عز وجل لنفسه صفة الاستواء مثلاً، في نحوقوله تعالى:** الرحمن على العرش استوى (طـه:5 )

فلا يفهم من هذه الصفة المعنى المختص بالمخلوق، بل جميع صفة تتحدد بحسب ما تضاف إليه، وعليه فافتراق الخالق عن المخلوق في استوائه واضح بين، فللمخلوق استواء يليق به، ولله عز وجل استواء يليق به أيضا، فإذا كان استواء العباد يشير على حاجتهم وافتقارهم لما استووا عليه فلا يشير ذلك في حق الله بترا.

لذلك عندما سئل الإمام مالك عن آية الاستواء وقيل له: كيف من الممكن أن استوى ،يا ترى؟ نطق: الاستواء معلوم، والكيف مجهول، والإيمان به واجب، والسؤال عنه بدعة.

ومعنى كلام الإمام مالك : حتى الاستواء لغةً معلوم، وهوفي آية الاستواء العلووالارتفاع، أما كيفية اتصاف الله عز وجل بهذه الصفة فهذا ما نجهله، والإيمان بهذا القدر – أعني المدلول اللغوي - واجب، وهوإثبات المعنى وتفويض الكيفية، والسؤال عن الكيفية بدعة، نهى عنها الشرع المطهر. فلم ينف الإمام مالك صفة الاستواء عن الله عز وجل، بل أثبتها، ونفى فهمه بالكيفية، عملا بهذه القاعدة.

والذين توهموا حتى الصفات الواردة في حق الله سبحانه تماثل صفات المخلوقين سقطوافي محاذير منها: الأول: أنهم أخطؤوا فهم مراد الله سبحانه فظنوا حتى مدلول النصوص هوالتمثيل. الثاني: أنهم عندما جعلوا مفهوم الصفات مماثلة لصفات المخلوقين عطلوا الله عن المعاني الإلهية اللائقة بجلاله والتي أودعها في صفاته. الثالث: أنهم وصفوا الرب بنقيض تلك الصفات، من صفات الأموات والجمادات أوصفات المعدومات، فعطلوا الرب عن صفات الكمال التي يستحقها، ومثلوه بالمنقوصات والمعدومات فكان ذلك من الإلحاد في أسماء الله وصفاته.

ومن القواعد أيضا حتى العقل قد دل على ما دل عليه السمع من اتصاف الله بصفات الكمال وتنزهه عن صفات النقص، فلا تعارض بين سمع سليم وعقل صريح، بل يؤيد أحدهما الآخر، وما ظُنَّ أنه معارض للعقل لووزن بالميزان السليم لفهم أنه من المجهولات لا من المعقولات:

نطق شيخ الإسلام ابن تيمية : " اتفق النظار من مثبتة الصفات على أنه يُفهم بالعقل عند المحققين أنه حي عليم قدير مريد، وكذلك السمع والبصر والكلام يثبت بالعقل عند المحققين منهم، بل كذلك الحب والرضا والغضب، وكذلك علوه على المخلوقات ومباينته لها مما يُفهم بالعقل .. ومن الطرق العقلية التي يسلكها الأئمة ومن اتبعهم من نظار السنة في إثبات الصفات: أنه لولم يكن موصوفا بإحدى الصفتين المتقابلتين للزم اتصافه بالأخرى. فلولم يوصف بالحياة لوصف بالموت. ولولم يوصف بالقدرة لوصف بالعجز. ولولم يوصف بالسمع والبصر والكلام لوصف بالصمم والخرس والبكم .. فسلب إحدى الصفتين المتقابلتين عنه يستلزم ثبوت الأخرى، وتلك صفة نقص ينزه عنها الكامل من المخلوقات فتنزيه الخالق عنها أولى".

ومن القواعد أيضاً: حتى القول في الصفات كالقول في الذات:

وذلك حتى من لم يثبت لله سمعا لا يماثل سمع المخلوقين، ثم هوفي اللقاء يثبت لله ذاتا لا تماثل ذوات المخلوقين، فينطق له: كما أثبتَّ لله ذاتا لا تماثل ذوات المخلوقين، فأثبت لله سمعا لا يماثل سمع المخلوقين. وقل مثل ذلك في سائر الصفات الثابتة، وهذه حجة واضحة وملزمة، لأن القول في الصفات كالقول في الذات، ولأن الكلام في الصفات فرع عن الكلام في الذات .

هذا هومنهج السلف في الجانب النظري منه، أما منهجهم العملي في التعامل مع أسماء الله وصفاته فتمثل في الحرص على حفظها، والعمل بمقتضاها، لترغيبه صلى الله عليه وسلم في ذلك:

كما روى البخاري ومسلم من حديث أبي هريرة رضي الله عنه عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه نطق :( إذا لله تسعة وتسعين اسما مائة إلا واحدا من أحصاها ولج الجنة ) .

ولا يعني هذا الحديث حتى أسماء الله تعالى محصورة في تسعة وتسعين اسماً، بل لله عز وجل من الأسماء ما لا يفهمه إلا هو. كما ثبت في مسند الإمام أحمد في نادىء الهم والحزن مرفوعا: ( أسألك بكل اسم هولك سميت به نفسك ، أوفهمته أحدا من خلقك ، أوأنزلته في كتابك ، أواستأثرت به في فهم الغيب عندك .. ) .

ومن العمل بمقتضى الأسماء والصفات نادىء الله بها، ولهذا نطق تعالى: ** ولله الأسماء الحسنى فادعوه بها وذروا الذين يلحدون في أسمائه سيجزون ما كانوا يعملون ( الأعراف:180).

ومن العمل بمقتضى الأسماء والصفات فهم مدلولاتها ومعانيها والتزام ذلك، فإذا فهم العبد حتى الله سميع راعى الله فيما يقول فلم يقل إلا خيرا، وإذا فهم حتى الله بصير راقب الله فيما يعمل فلا يراه الله في معصيته، وإذا فهم حتى الله قدير لم يظلم ولم يعتد، إلى غير ذلك تعامله مع سائر الصفات.

هذا هومنهج السلف في الإيمان بأسماء الله وصفاته، وتلك هي قواعدهم، وهي قواعد سهلة في أخذها، سهلة في تطبيقها، عهد السلف بها صفات ربهم، وتقربوا إليه بذكرها، ودعوه وأثنوا عليه بها، وعملوا بمقتضاها، ولم يقتصر إيمانهم بها على الجانب النظري فحسب، بل رسخت معاني تلك الصفات الربانية في نفوسهم، واستشعروها في حياتهم العملية، فأورثهم الله سعادة ورضا في الدنيا، والفوز والفلاح في الآخرة.

إثبات صفات الله على الحقيقة ، لا على المجاز

الاعتقاد السليم يبنى على ما ثبت في الكتاب والسنة ، بفهم سلف الأمة من الصحابة والتابعين والأئمة ، وقد أجمعوا على إثبات الصفات الواردة لله تعالى في الكتاب والسنة ، دون تكييف أوتمثيل ، ودون تعطيل أوتأويل ، لا فرق في ذلك بين صفات الذات أوصفات المعاني ، أوالصفات الخبرية ، أوالعقلية ، فكل ما صح به الخبر وجب إثباته لله تعالى .

والقرآن والسنة اتىا لتعريف العباد ما لمعبودهم من الصفات ، وهذا لا يتم إلا بحمل الكلام على حقيقته ، كما هوالأصل في الكلام ، وقد بلغ النبي صلى الله عليه وسلم هذا القرآن العظيم ، بلّغهُ بلفظه ومعناه ، ولم ينقل عنه حرف واحد في حتى صفة من الصفات ينبغي أويلزم تأويلها ، أوحتى ظاهرها غير مراد ، أوأنها تفيد التشبيه ، أونحوذلك من الألفاظ التي يطلقها أهل التعطيل والتأويل ، وهي قدح في القرآن ، وقدح في الرسول المأمور بالبلاغ والبيان ، إذ لوكان شيء مما ذكروه موجودا للزمه حتى يبينه ، ولا يكتمه . فكيف وقد ثبت في جملة من الأحاديث السليمة المتفق على صحتها إثبات هذه الصفات ، وزيادة غيرها عليها كالنزول والقدم والضحك والفرح ، دون حتى يصحبها حدثة واحدة في صرفها عن ظاهرها ، ودون استشكال من صحابي واحد عن ظاهرها ومعناها المعقول منها ، فلوكان فيها ما ظاهره نقص أوتشبيه - وحاشا الكتاب والسنة حتىقد يكون فيهما ذلك - لبينه المعصوم ، ولنبه عليه ، ولاستشكله أهل الحجى ، ولهُم كانوا على الخير أقوى ، وأحرص ، وألزم .