اكتناز (اقتصاد)

عودة للموسوعة

اكتناز (اقتصاد)

الاكتناز hoarding هوجمع المال وتكديسه والاحتفاظ بالمتراكم منه نقداً سائلاً مدة زمنية غالباً ما تكون طويلة، والكنز في اللغة هوالمال المدفون. وبذلك يظل المال المكتنز مجمداً بعيداً عن التداول، ومن دون فائدة مباشرة أونفع اقتصادي.

والاكتناز غير الادخار، وتختلف طبيعته عن طبيعة الادخار اختلافاً كبيراً، فالادخار هوعملية اقتصادية إيجابية ومفيدة لأنه المصدر الأولي للاستثمار[ر] الذي يتولد منه الدخل الجديد، والاكتناز ظاهرة عقيمة اقتصادياً وسلبية اجتماعياً. والادخار هوالأصل في مبدأ التدفق الاقتصادي economic flow concept لأن المال المدخر لا يخرج من حلقة التداول بل يصب في أقنية الاستثمار مما يؤدي إلى نماء في الدخل العام، فالاكتناز هوتجميد للمدخرات بأسلوب لا يعدوكونه تراكمات في المخزون، الأمر الذي يُبقي المال بعيداً عن حركة النمو. أما النظريات النقدية فإنها تعدُّ الاكتناز ذلك الجزء المتبقي من مجمل الادخار بعد عملية تحويل الادخارات إلى استثمارات.

الأسباب

وللاكتناز دوافع كثيرة ينطلق بعضها من رسوخ العادات الاجتماعية، ويتأصل بعضها الآخر في ذات المكتنز نفسه كصفات الشح والجشع وحب الاكتساب والاختزان. بيد حتى للاكتناز دوافع أكثر موضوعية كدوافع الحيطة والاستقلال والأمان عند بعض الناس، ودوافع المضاربة والربح عند بعضهم الآخر.

وإذا ما استبعدت الدوافع الذاتية البحتة، لأن سلبيتها ناجمة غالباً عن مثالب اجتماعية أونفسية ضيقة ومحصورة بفئة معينة من البشر ولا يمكن فهمها أوتحليلها بالعقلانية الاقتصادية، فإنه يلاحظ حتى ثمة أسباباً معينة تدفع الأفراد والمؤسسات المالية وأحياناً الحكومات لممارسة الاكتناز في حدود ضيقة وفي أوقات معينة. وغالباً ماقد يكون ذلك التماساً للأمان والاستقلال أوبدافع الحيطة اتقاء للطوارئ أولأزمات متسقطة أوممكنة. وليس بأمر نادر الحدوث أومستهجن اجتماعياً حتى يُرى أفراد معينون يحتفظون بأموال نقدية سائلة ويحبسونها عن التداول والاستثمار مؤثرين جاهزية سيولتها على أرباح توظيفها وذلك للقاءة نوائب الحياة أومفاجآتها، بيد أنه يلاحظ حتى هذه الفئة من الناس لا تستمر عادة بالاكتناز وحبس المال بعد نقطة معينة تؤلّف بنظرها حداً للأمان وضماناً لاستقلال اتخاذ قرار معين. كذلك فمن المألوف حتى يؤثر بعض الأفراد والمؤسسات تجميد المال وحبسه سائلاً رغبة بالمضاربة أوبحافز ترقب كسب مستقبلي، فيكتنزون استعداداً لاقتناص الفرص الاستثمارية أوالتجارية التي قد تبرز فجأة والتي يحتاج العمل فيها جاهزية في رأس المال، أويكتنزون ترقباً لركود اقتصادي ممكن حين تهبط أسعار السلع والأصول المالية، الأمر الذي يحمل القيمة الشرائية للمال المكتنز. غير أنه إذا كان جميع ذلك يقع في بوتقة الحالة الخاصة للاكتناز التي يمكن تحليلها اقتصادياً والتي لا تعدوكونها اكتنازاً مؤقتاً أوحالة توسع في اقتناء رأس المال الجاهز ترقباً لإنفاق مستقبلي، فإن الحالة العامة للاكتناز مجرداً تظل ظاهرة سلبية لما عليها من مآخذ اقتصادية واجتماعية.


المنظور التاريخي وموقف الإسلام من الاكتناز

من الثابت حتى الإنسان مارس الاكتناز منذ أقدم العصور. وقد كشفت التنقيبات عن الأوابد والدراسات الأنثروبولوجية قرائن يستدل منها على حتى الاكتناز كان ممارساً في معظم الحضارات القديمة المعروفة، حتى إنه كان يدخل في طقوس ديانات بعض منها. وإنه لبدهي حتى يلجأ الأفراد في المجتمعات البدائية إلى اكتناز المؤن والحاجات الضرورية وإخفائها من وجه الأعداء ومن قساوة الطبيعة ومخلوقاتها المتنوعة. وكان النشاط الاقتصادي في المشاعة البدائية نشاطاً استهلاكياً يعتمد على أعطيات بر الطبيعة وبحرها، ثم تطور إلى الإنتاج الرعوي وبدأت المدنيات العمرانية تتكّون نتيجة لما فرضته الزراعة من توضع واستقرار. وإذا كانت أداة التبادل ومعيار الثروة قد تمثّلا لدى شعوب الداخل في أزمنة معينة بحجوم المحصولات وبأعداد أليف الحيوان وبكميات الجلود والنتاج، فإن شعوب الساحل قد اعتمدت الأصداف والمرجان واللآلئ والملح. ومع تطور أصول التبادل التجاري بين المجتمعات وتوسع الاستفادة من المعادن ظهرت خصائص المضى والفضة ومحاسن استعمالهما فاكتسبا علة الثمنية، أي بدأت السلع والأرزاق تثمن بهما، وتقلصت ظاهرة المقايضة فأصبحا أساس النقد حتى إنه عند ظهور الإسلام ذكر المضى والفضة من دون غيرهما مثالاً للاكتناز.

عالج الإسلام ظاهرة الاكتناز من ثلاث زوايا. فمن الناحية الأولى نهى عن الاكتناز وأنذر المكتنزين بعقاب أليم. فقد اتى في سورة التوبة: والذينَ يكْنِزونَ الذَّهَبََ والفِضَّةَ، ولا يُنفِقُونَهَا في سَبيلِ الله، فَبشِّرهُم بِعَذَابٍ أَلِيمٍ. يَوْمَ يُحْمى عَلَيهَا في نَارِ جَهَنَّمَ، فَتُكْوَى بها جِبَاهُهُم وجُنُوبُهُم وظُهُورُهُم. هَذَا ماكَنَزتُمْ لأنفُسِكُم، فَذُوقُوا مَا كُنتُم تَكْنِزوُن{ (التوبة 34 و35). ومن الناحية الثانية حض الإسلام على إنفاق المال وبشر الذين ينفقونه من غير هدر وتبذير بالجنة التي أعدت للمتقين، وقد ورد في القرآن الكريم بضع عشرة آية حثت على الإنفاق المشروع للمال؛ منها ما اتى في سورة آل عمران: لن تنَالُوا البرّ حَتّى تُنفِقُوا مِمَّا تُحِبّونَ وما تُنفِقُوا مِن شَيءٍ فَإنَّ اللهَ بِهِ عَلِيمٌ{ (آل عمران 92). كذلك ما اتى في سورة البقرة الّذِينَ يُنفِقُونَ أَمْوَالهم بِالليْلِ والنَّهَار سِرّاً وعَلانِيَةً فَلَهُمْ أَجْرُهُم عِندَ رَبِهمْ ولا خَوْفٌ عَلَيهِمْ ولا هُم يَحْزَنُونَ{ (البقرة 274). بيد حتى الإسلام، الذي رغب عن الاكتناز وحض على الإنفاق، قد فرق بدقة بين الإنفاق المشروع على الأمور الاستهلاكية والإنتاجية وبين الإنفاق على البذخ وتبذير المال. فقد اتى في قوله تعالى: وآتِ ذَا القُرْبَى حَقَّهُ والمِسكِينَ وابْنَ السَّبِيل ولاتُبَذّرْ تَبْذِيراً{ (الإسراء 26). أما الناحية الثالثة التي عالج الإسلام فيها مسألة الاكتناز فقد اتىت عن طريق أحكام أحد أركان الإسلام وهوالزكاة. وقد ورد ذكر الزكاة في اثنين وثلاثين موضعاً من القرآن الكريم، وهي تؤلف آلية تعمل تلقائياً على تقليص المال المكتنز وإذابته كلياً، إذ توجب على المكتنز دفع نصاب محدد سنوياً زكاة ماله، وتحفز صاحب المال على استغلاله لجعل أعماله رابحة وثروته نامية، هذا إضافة إلى حتى أحكام الزكاة تخول أولياء الأمر إنفاق حصيلة الزكاة في أوجه مشروعة متعددة فتعاد هذه الأموال لتدخل أقنية العجلة الاقتصادية من حديث فينتفع من حركتها واستثمارها المجتمع كله.

الاكتناز وأثره السلبي في النشاط الاقتصادي ونموبلدان العالم الثالث

يقسم الدخل وفق الاعتبارات الاقتصادية إلى قسمين، قسم ينفق على المتطلبات الاستهلاكية والآخر المتبقي يمضى إلى الادخار. وإذا ما افترض حتى الدخل، ولاسيما في المدى القريب،قد يكون ثابتاً، فإن الفرد لا يستطيع حتى يزيد ادخاره إلا عن طريق الإقلال من نفقاته الاستهلاكية. وبالمفهوم الاقتصادي لا يخرج المال المدخر من حلقة التداول، لأن ما يدخر في مدة قصيرة كشهر من الأشهر مثلاً يعاد ليوظف في الشهر التالي في نشاطات ذات فائدة أوينفق على استثمارات منتجة. لذلك، فعند إجراء حساب الدخل العام، وفق شروط ومفهومات اقتصادية معينة، يُعدّ مجمل الادخار في عام من الأعوام مساوياً لمجمل الاستثمار. ولما كانت عملية توسيع المستوى العام للطاقة الإنتاجية القائمة في أي مجتمع لا تتم إلا بوساطة الفائض الإنتاجي المتاح للاستثمار، ولما كانت هناك علاقة ارتباط مباشرة بين تزايد الاستثمار وتزايد مجمل الدخل مما يبقي استمرار العلاقة قائماً نتيجة تفاعل الظاهرتين المعروفتين في فهم الاقتصاد الحديث «بالمسرِّع» acceleratorو«المضاعف» multiplier، وترابط قواهما مما يؤدي إلى زيادة النموالاقتصادي العام؛ لما كان الأمر كذلك فإن الاكتناز بعدِّه تجميداً لقسم من الادخار هوفي الواقع إنقاص لمجمل الاستثمار أي لجم حركة نماء الدخل العام وتعويق للنشاط الاقتصادي بوجه عام.

ومشكلة الاكتناز هي أكثر تعقيداً في البلدان النامية مما هي عليه في البلدان الصناعية التي هي أكثر تقدماً. فالاكتناز أكثر شيوعاً في المجتمعات المتخلفة، وإن واقع انتشاره هوبحد ذاته أمر عائق لعملية التنمية اللازمة لتطوير بلدان العالم الثالث والنهوض بها اقتصادياً واجتماعياً.

وأما ما يتصل بدور الاكتناز، فبادئ ذي بدء يجب ألاّ ينسى أنه لا يتجمع لدى الفرد الفقير عادةً فائض يفوق متطلباته الاستهلاكية؛ بل إنه غالباً ما يعيش بمستوى الكفاف، لذلك فقلما يدخر أويكتنز. إلى غير ذلك هي الحال في كثير من بلدان العالم الثالث، فالدخل العام لهذه البلدان غالباً ماقد يكون منخفضاً إلى مستوى يصبح معه عاجزاً عن لقاءة مجمل الاستهلاك. ثم إنه في الحالات التي يزيد فيها ولج البلدان النامية على استهلاكها يلاحظ حتى نسبة الاكتناز من هذا الفائض أعلى مما تكون عليه في البلدان المتقدمة. وقد يعود سبب ذلك إلى التخلف الثقافي وإلى المعطيات الاجتماعية السائدة في البلدان النامية عامة، كتأصل بعض العادات الخاصة ورسوخ القيم الموروثة. وعلى سبيل المثال، فإن تنطقيد الزواج في بعض المجتمعات تفرض على المرء البدء بالاكتناز منذ أوائل حياته الإنتاجية استعداداً لدفع مهر الزوجة الذي لا يتداول معظمه إلا مرة واحدة وذلك عند شراء الحلي الثمينة للعروس، تلك الحلي التي غالباً ما تظل مجمدة معها طوال حياتها أي مجرد تحويل عملية الاكتناز. ثم إذا ظاهرة تزين النساء ببتر النقود المضىية هي أكثر انتشاراً في البلدان النامية منها في المجتمعات الصناعية المتقدمة على الرغم من حتى معدل الدخل ومستوى الثراء هوأعلى في الثانية منه في الأولى. وإن بعض التقديرات تشير إلى حتى بعض الأفراد في الهند مثلاً يقتنون أكبر كتلة من المضى المكتنز لدى الأفراد في العالم، في حين حتى الاقتصاد الهندي يرزح تحت ضغوط اقتصادية مختلفة منها تلك الناجمة عن نقص في موجودات الدولة من البتر الأجنبي والمضى. وإضافة إلى الأوضاع الاجتماعية للدول النامية، فإن محدودية الأسواق المالية وضآلة فعالية أقنية الادخار والاستثمار وتجمّع القطاع المصرفي في المدن الكبرى وقلة انتشار فروعه خارجها، جميع ذلك من بين الأسباب الكثيرة التي تدفع الأفراد في تلك البلدان إلى الاكتناز بدلاً من الادخار.

لذلك كله، فإن الاكتناز في البلدان النامية هوفي الواقع من مسببات التخلف ونتائجه في آن واحد، وهذا يولد حلقة مفرغة ذات قوى معاكسة لحركة التنمية الاقتصادية والاجتماعية. فمعطيات التخلف توسع ظاهرة الاكتناز، وتوسع الاكتناز يؤدي إلى تقليص في حجم الادخار الإيجابي، أي إلى تقليص في مجمل الاستثمار، الأمر الذي يحدّ من نماء الدخل العام ومن حركة التنمية الاقتصادية والاجتماعية اللازمة لتطوير بلدان العالم الثالث


المصادر

  1. ^ الإكتناز, الموسوعة العربية
  • [1]


هذه بذرة منطقة عن الاقتصاد بحاجة للنمووالتحسين، فساهم في إثرائها بالمشاركة في تحريرها.
تاريخ النشر: 2020-06-04 10:33:47
التصنيفات: مصطلحات اقتصادية, بذرة اقتصاد

مقالات أخرى من الموسوعة

سحابة الكلمات المفتاحية، مما يبحث عنه الزوار في كشاف:

آخر الأخبار حول العالم

الهلال والنصر يتنافسا على مدرب البرازيل السابق 

المصدر: اليوم - السعودية التصنيف: سياسة
تاريخ الخبر: 2023-05-29 18:26:07
مستوى الصحة: 59% الأهمية: 54%

"جازان للصناعات": لدينا العديد من الحوافز لجذب كبار المستثمرين

المصدر: اليوم - السعودية التصنيف: سياسة
تاريخ الخبر: 2023-05-29 18:25:57
مستوى الصحة: 60% الأهمية: 60%

لصحة وسلامة القلب.. أضف هذه الأطعمة إلى وجبة الإفطار

المصدر: اليوم - السعودية التصنيف: سياسة
تاريخ الخبر: 2023-05-29 18:26:04
مستوى الصحة: 50% الأهمية: 57%

ترقب سقوط أمطار على عدة ولايات بوسط البلاد اليوم الاثنين

المصدر: جريدة النصر - الجزائر التصنيف: سياسة
تاريخ الخبر: 2023-05-29 18:25:16
مستوى الصحة: 54% الأهمية: 60%

أحداد وأوناجم يقودان التشكيل الأساسي للوداد أمام المغرب التطواني

المصدر: البطولة - المغرب التصنيف: رياضة
تاريخ الخبر: 2023-05-29 21:16:11
مستوى الصحة: 47% الأهمية: 57%

التشكيلة الرسمية للجيش الملكي والفتح الرياضي في "ديربي الرباط"

المصدر: البطولة - المغرب التصنيف: رياضة
تاريخ الخبر: 2023-05-29 21:16:10
مستوى الصحة: 48% الأهمية: 50%

جيسيوس يتلقى عرضًا لتدريب المنتخب السعودي

المصدر: اليوم - السعودية التصنيف: سياسة
تاريخ الخبر: 2023-05-29 18:26:09
مستوى الصحة: 56% الأهمية: 54%

انخفاض أسعار الغاز الطبيعي في أمريكا بنحو النصف هذا العام

المصدر: اليوم - السعودية التصنيف: سياسة
تاريخ الخبر: 2023-05-29 18:26:11
مستوى الصحة: 50% الأهمية: 51%

مستشار تقويم التعليم: تطوير قدرات المعلم أولوية

المصدر: اليوم - السعودية التصنيف: سياسة
تاريخ الخبر: 2023-05-29 18:26:01
مستوى الصحة: 59% الأهمية: 68%

تحميل تطبيق المنصة العربية