خالد بن عبد الله القسري

خالد بن عبد الله القسري البجلي، قائد أموي، يماني الأصل من أهل دمشق.

نسبه

هومن بطن شق (الكاهن) من بنوقسر من بجيلة القحطانية، ويكنى أبوالقاسم وقيل أبوالهيثم، وقد تباينت أقوال المراجع بشأن سيرته، فمنهم من ذمه وشتمه، ومنهم من مدحه وبجله. والأكثرون على ذمه لزندقة فيه وبغي، حتى أنه هلك بسبب ذلك، إذ قتله الخليفة الأموي.

ونطق الزركلي (في الأعلام) هوالأمير الكبير أبوالهيثم خالد بن عبد الله بن يزيد بن أسد بن كرز البجلي القسري الدمشقي أمير العراقين لهشام بن عبد الملك الأموي، وتولى قبل ذلك مكة المكرمة سنة 89 هـ للوليد بن عبد الملك، ثم ولاه هشام بن عبد الملك العراقين سنة 105 هـ، وعزله هشام بن عبد الملك سنة 120 هـ وولى مكانه يوسف بن عمر الثقفي، روى عن أبيه، وعنه سيار أبوالحكم وإسماعيل بن أوسط البجلي وإسماعيل بن أبي خالد البجلي، وله حديث في (مسند أحمد)، وآخر في (سنن أبي داود) رواه عن جده يزيد (الصحابي)، وذكره أبن حبان في الثقات، وقيل لسيار: أتروي عن مثل خالد ؟، فنطق: إنه أشرف من حتى يكذب، وكان خالدا" جوادا" ممدوحا" معظما" عالي الرتبة من نبلاء الرجال، وله دار كبيرة في مربعة القز بدمشق، وهي التي صارت تعهد بدار الشريف اليزيدي، وإليه ينسب الحمام الذي لقاء قنطرة سنان بناحية باب توما.

ويقول الكلبي (في نسب معد واليمن الكبير) اسمه: خالد بن عبد الله بن يزيد بن أسد بن كرز بن عامر بن عبد الله بن عبد شمس بن غمغمة بن جرير بن شق بن قاسي بن يشكر بن رهم بن أفرك بن أفصى بن نذير بن قسر بن عبقر بن أنمار البجلي، وقد ولي مكة المكرمة ثم بعد ذلك ولي العراق والمشرق كله. وتذكر المراجع حتى أم خالد بن عبد الله البجلي نصرانية، لذلك كان يعير بها، وأحيانا" أخرى كان يعير بجده (شق) وهوكاهن جاهلي. ويقول أبن الأثير كانت أم خالد نصرانية رومية، أبتنى بها أبوه (عبد الله) في بعض أعيادهم فأولدها خالدا" وأسدا"، ولم تسلم أمه فذمه الناس والشعراء، وصار يعير بها. والثابت بالمراجع بأن (خالد) هوحفيد الصحابيان يزيد بن أسد بن كرز القسري البجلي وأسد بن كرز القسري البجلي، وقد روى خالد بن عبد الله البجلي عنهم الحديث الشريف رقم (16057) بمسند أحمد بن حنبل. وكان لخالد بن عبد الله القسري البجلي دور مؤثر بأحداث مكة المكرمة والعراق وخراسان من خلال تولى السلطة بهما حقبة من الزمن، ففي سنة 94 هـ قبض خالد بن عبد الله البجلي على سعيد بن جبير (وهوتابعي) بمكة المكرمة، وأوفده للحجاج بن يوسف الثقفي بالعراق فقتله الحجاج.

ويقول الزركلي عندما كان خالد بن عبد الله البجلي أميرا" للبصره بعث أخاه أمية بن عبد الله البجلي في جند كثيف لقتال أبوفديك الحروري (هوعبد الله بن ثور بن قيس التغلبي) ومن معه من الخوارج بعدما تغلبوا على البحرين وما والاها (البحرين : الشريط الساحلي الشرقي لجزيرة العرب حتى منطقة كاظمة الكويتية). وفي عام 105 هـ ولاه هشام بن عبد الملك العراق والمشرق كله، وبعهده حدثت عدة حوادث وأحداث، منها خروج المغيرة بن سعيد البجلي الكوفي في سنة 119 هـ وقيامه بممارسة أعمال السحر والشعوذة، فتغلب عليه خالد البجلي وقتله، وقام بصلبه عبرة لغيره، وينطق أحرقه. وهوالذي قبض على الجعد بن درهم (فارسي من خراسان من موالي بني أمية) وقتله بعد صلاة عيد الأضحى، ونطق خالد البجلي بخطبته الشهيرة: ياأيها الناس ضحوا تقبل الله ضحاياكم فاني مضح بالجعد بن درهم لإنه زعم حتى الله لم يتخذ إبراهيم خليلا ولم يحدث موسى تكليما تعالى الله عما يقول الجعد بن درهم علوا كبيرا، ثم هبط خالد من المنبر وذبح الجعد، وعندما بلغ الخبر الحسن البصري وأمثاله من التابعين شكروا ما عمله خالد البجلي بالجعد بن درهم. وأخبار خالد البجلي كثيرة بالخط والمراجع، وله ترجمة طويلة بكتاب مختصر تاريخ دمشق لأبن منظور.

بعض أخبار خالد بن عبد الله القسري البجلي

أخبار خالد بن عبد الله القسري البجلي كثيرة بالخط والمراجع، اخترنا بعضها فيما يلي:

فعندما كان خالد القسري أميرا" لمكة المكرمة صفح باب الكعبة والميزاب والأساطين بثلاثين ألف دينار سيرها إليه الوليد بن عبد الملك. تذكر المراجع إذا باب الكوفة الذي على سور مدينة بغداد هومن عمل خالد بن عبد الله القسري البجلي، وقد نقله أبوجعفر المنصور من الكوفة إلى مدينة بغداد أيام الدولة العباسية.

قيل إذا خالد البجلي كان متعصبا" للقبائل اليمانية لأن قبيلته منهم، وفي الغالب كان يستعين في بني قومه من بجيلة في إدارة شتون الولاية، ومنهم شقيقه أسد الذي أستعمله واليا" على خراسان مرتين، وجعل على الشرطة بعهده السمط بن مسلم البجلي، وأبان بن الوليد البجلي وإسماعيل بن أوسط البجلي وعبد الله بن عمروالبجلي، وضبيس بن عبد الله البجلي، وغيرهم.

أتي خالد البجلي برجل تنبأ بالكوفة فقيل له: ما علامة نبوتك ؟، فنطق: قد أنزل علي قرآن، فقيل له: ما ؟، فنطق: إنا أعطيناك الجماهر، فصل لربك ولا تجاهر، ولا تطع جميع كافر وفاجر، فأمر خالد بصلبه، فنطق شاعر متندرا" : إنا أعطيناك العمود، فصل لربك على عود، وأنا ضامن لك ألا تعود.

خطب خالد البجلي بواسط، فنطق: إذا أكرم الناس من منح من لا يرجوه، وأعظم الناس عفوا من عفا عن قدرة، وأوصل الناس من وصل عن قطيعة. وخطب خالد بواسط فنطق: يا أيها الناس، تنافسوا في المكارم، وسارعوا في المغانم، واشتروا الحمد بالجود، ولا تكتسبوا بالمطل ذما، ولا تعتدوا بمعروف لم تعجلوه، ومهما يكن لأحد منكم نعمة عند أحد لم يبلغ شكرها، فالله أحسن له جزاء وأجزل عطاء، وافهموا حتى حوائج الناس إليكم نعم فلا تملوها فتحور نقما، فإن أفضل المال ما أكسب أجرا وأورث ذكرا، ولورأيتم المعروف رأيتموه رجلا حسنا جميلا، يسر الناظرين، ويفوق العالمين، ولورأيتم البخل رأيتموه رجلا مشوها قبيحا تنفر منه القلوب وتغض دونه الأبصار، إنه من جاد ساد، ومن بخل رذل وأكرم الناس من منح من لا يرجوه، ومن عفا عن قدرة، وأوصل الناس من وصل من بتره، ومن لم يطب حرثه لم يزك نبته، والفروع عند مغارسها تنمو، وبأصولها تسمو.

خط خالد إلى أبان بن الوليد البجلي، وكان قد ولاه المبارك (بلدة بسواد العراق): أما بعد فإن بالرعية من الحاجة إلى ولاتها مثل الذي بالولاة من الحاجة إلى رعيتها وإنما هم من الوالي بمنزلة جسده من رأسه وهومنهم بمنزلة رأسه من جسده، فأحسن إلى رعيتك بالرفق بهم، وإلى نفسك بالإحسان إليها ولاقد يكونن هم إلى صلاحهم أسرع منك إليه، ولا عن فسادهم أدفع منك عنه، ولا يحملك فضل القدرة على شدة السطوة بمن قل ذنبه، ورجوت مراجعته ولا تطلب منهم إلا مثل الذي تبذل لهم، واتق الله في العدل عليهم والإحسان إليهم و{ إذا الله مع الذين اتقوا والذين هم محسنون ، وأصرم فيما فهمت، واخط إلينا فيما جهلت يأتك أمرنا في ذلك إذا شاء الله والسلام.

وقيل إذا خالدا" كان يقول لا يحتجب الوالي إلا لثلاث خصال: إما عيي فهويكره حتى يطلع الناس على عيه، وإما صاحب سوء فهويتستر، وإما بخيل يكره حتى يسأل.

نطق الأصمعي: كان خالد بن عبد الله يقول على المنبر: إني لأطعم جميع يوم ستة وثلاثين ألفا من الأعراب من تمر وسويق. نطق الوليد بن نوح مولى لأم حبيبة بنت أبي سفيان: سمعت خالد بن عبد الله القسري على المنبر يقول: إني لأطعم جميع يوم ستة وثلاثين ألفا من الأعراب من تمر وسويق.

وقيل كان خالد بن عبد الله البجلي يكثر الجلوس ثم يدعوبالبدر ويقول: إنما هذه الأموال ودائع لابد من تفريقها، فنطق ذلك مرة وعنده شقيقه أسد بن عبد الله الذي أتى من خراسان، فنطق له: أيها الأمير، إذا الودائع إنما تجمع لا تفرق، فنطق خالد: ويحك إنها ودائع للمكارم، وأيدينا وكلاؤها، فإذا أتانا المملق فأغنيناه، والظمآن فأرويناه، فقد أدينا فيها الأمانة.

نطق الأصمعي: حتى أعرابيا نطق لخالد القسري: أصلح الله الأمير لم أصن وجهي عن مسألتك، فصن وجهك عن ردي، وضعني من معروفك حيث وضعتك من رجائي، فأمر له خالد بما سأل.

وقيل ولج أعرابي على خالد البجلي ومعه جراب فنطق: أصلح الله الأمير، أيأمر لي بملأ جرابي دقيقا، فنطق خالد املؤوه دراهم، فخرج على الناس، فقيل له: ما صنعت في حاجتك ؟، فنطق: سألت الأمير ما أشتهي فأمر لي بما يشتهي.

قيل خرج خالد القسري يتصيد يوما" فلقي أعرابي على أتان له هزيلة ومعه عجوز، فنطق له خالد: ممن الرجل ؟، فنطق الرجل : من أهل المآثر والحسب، فنطق خالد: فأنت إذا من مضر، فمن أيها ؟، فنطق الرجل: من الطاعنين للخيول والمعانقين في النزول، فنطق خالد: فأنت إذا من قيس عيلان، فمن أيها ؟، فنطق الرجل: من المانعين عن الجار والطالبين للثأر، فنطق خالد: أنت إذا من بني عامر بن صعصعة، فمن أيها ؟، فنطق الرجل : من أهل السيادة والرئاسة، فنطق خالد: أنت إذا من جعفر بن كلاب، فما أقدمك ؟، فنطق الرجل: تتابع السنين وقلة رفد الرافدين، فنطق خالد : فمن قصدت ؟، فنطق الرجل : أميركم هذا الذي حملته إمرته وحطته أسرته، فنطق خالد: فأنا خالد وأنا معطيك غناك، فنطق الرجل : كلا، والله لا أقبل لك رفدا" بعد حتى أسمعتك قذعا"، ورجع الرجل منصرفا، فنطق خالد: بمثل صبر هذا الشيخ نال آباؤه الشرف والعزة.

قيل حتى خالد بن عبد الله القسري لما أحكم جسر دجلة واستقام له نهر المبارك، أنشأ عطايا كثيرة، وأذن للناس إذنا عاما، فدخلت عليه أعرابية قسرية (من بنوقسر) فأنشأت تقول:

إليك يا بن السادة المواجـد * يعمد في الحاجات جميع عامد

فالناس بين صـادر ووارد * مثل حجيج البيت نحوخالد

وأنت يا خالد خير والــد * أصبحت عبد الله بالمحامـد

مجدك قبل الشمخ الرواكـد * ليس طريف الملك مثل التالد

فنطق لها خالد: حاجتك كائنة ما كانت، فنطقت: أصلح الله الأمير، أناخ علينا الدهر بجرانه، وعضنا بنابه، فما هجر لنا صافنا ولا ماهنا، فكنت المنتجع وإليك المفزع، فنطق لها خالد: هذه حاجة لك دوننا، فنطقت له: والله لئن كان لي نفعها إذا لك لأجرها وذخرها مع حتى أهل الجود لولم يجدوا من يقبل العطاء لم يوصفوا بالسخاء، فنطق لها خالد: أحسنت، فهل لك من زوج ؟، فنطقت: لا، وما كنت لأتزوج دعيا وإن كان موسرا غنيا، وما كنت أشتري عارا يتقى بمال يفنى، وإني بجزيل مال الأمير لغنية، فأمر لها بعشرة آلاف درهم.

نطق الأصمعي: لما حرم خالد البجلي الغناء ولج إليه ذات يوم حنين بن بلوع (شيخ المغنين بالعراق) مشتملا على عوده، فلما لم يبق في المجلس من يحتشم منه نطق : أصلح الله الأمير إني شيخ كبير السن ولي صناعة كنت أعود بها على عيالي وقد حرمتها، فنطق خالد: وما هي ؟، فكشف حنين عوده وغنى:

أيها الشامت المعير بالشـيب * أقلن بالشـباب افتخارا

قد لبسنا الشـباب غضا جديدا * فوجدنا الشباب ثوبا معارا

فبكى خالد حتى علا نحيبه ورق وارتجع ونطق: قد أذنت لك ما لم تجالس معربدا ولا سفيها. وكان حنين بعد ذلك إذا دعي يقف على الباب ويقول : أفيكم معربد أفيكم سفيه ؟، فإذا نطقوا لا دخل.

تفقد خالد بن عبد الله سجنه، فوجد فيه يزيد بن فلان البجلي، فنطق له خالد في أي شيء حبست يا يزيد ؟، فنطق : في تهمة أصلح الله الأمير، نطق خالد: تعود إذا أطلقتك ؟، فنطق: نعم أيها الأمير وكره حتى يصرح بالسيرة أويومي إليها فيفضح معشوقته لكي لا ينالها أهلها بمكروه، فنطق خالد لأولياء الجارية: أحضروا رجال الحي حتى نبتر كفه بحضرتهم وكان ليزيد أخ فخط شعرا ووجه به إلى خالد بن عبد الله البجلي:

أخالد قد أنطيت والله غشوة * وما العاشق المسكين فينا بسارق

أقر بما لم يأته المرء أنه رأى * البتر خيرا من فضيحة عاشـق

ولولا الذي قد خفت من بتر كفه * لألفيت في أمر الهوى غير ناطق

إذا بدت الرايات للسبق في العلى * فأنت ابن عبد الله أول سابق

فلما قرأ خالد الأبيات فهم صدق قوله، فأحضر أولياء الجارية فنطق لهم: تزوجوا يزيد فتاتكم، فنطقوا: أما وقد ظهر عليه ما ظهر فلا، فنطق خالد: لئن لم تزوجوه طائعين لتزوجنه كارهين، فزوجوه ونفذ خالد المهر من عنده. ونطق المبرد أيضا": جلس خالد بن عبد الله القسري ذات يوم للعرض، فأتي بشاب قد أخذ في دار قوم، وادعوا عليه السرق، فسأله عما حكي عنه، فأقر بالتهمة، فأمر خالد ببتر يده، فإذا جارية قد أتته لم ير أحسن منها وجها، فدفعت إلى خالد رقعة كان فيها:

أخالد قد أوطأت والله عشوة * وما العاشـق المسكين فينا بسارق

أقر بما لم يجنـه غير أنه * رأى البتر أولى من فضيحة عاشق

نطق : فسأله خالد عن أبيها، فأحضره وزوجها من الشاب، ودفع مهرها من عنده عشرة آلاف.