رسالة إلى گوگول

عودة للموسوعة

رسالة إلى گوگول

نص عريضرسالة إلى گوگول لڤيساريون بلنسكي: تذكير المحرر المتراجع بماضيه المجيد في شهر نيسان (أبريل) من عام 1849، أتى رهط من الناس إلى منزل المحرر الروسي (الذي كان شاباً آنذاك ولم يخط سوى أعماله الأولى) دوستويفسكي، ليوقظوه من النوم، عند ساعات الصباح الأولى. ولمقد يكونوا من المعجبين به حاملين إليه أكاليل الغار، كما يروي محرر سيرته ريتشارد بيس، بل كانوا من رجال شرطة القيصر وضباطها. أتوا ليعتقلوه. وهم تمكنوا من ذلك، لتكون تلك الليلة بداية حقبة طويلة من المحاكمات والاتهامات والنفي، تخللتها عملية «إعدام مزيف» للمحرر دبرت حيث يأتي العفوعنه في اللحظات الأخيرة وينفى إلى سيبيريا. وهوبقي في سيبيريا منفياً طوال عشر سنوات. فما كانت التهمة التي جعلته يستحق ذلك كله؟

كانت جريمته أنه قرأ بصوت عالٍ، ووسط حلقة من الثوريين الاشتراكيين، نصاً كانت السلطات تعتبره في ذلك الحين محظوراً وخطيراً. ولم يكن ذلك النص سوى «رسالة إلى غوغول». أما محرر النص فكان الناقد والمفكر بيلنسكي، الذي كان تجاوز الآخرين في اكتشاف مواهب دوستويفسكي الروائية. وفي ذلك الحين كان دوستويفسكي ينتمي إلى الحلقة الثورية التي يتزعمها بيتراشفسكي والتي كانت بالنسبة إلى السلطات تعتبر الخلية الأكثر تطرفاً وبالتالي الأكثر خطراً ما يوجب مطاردة أعضائها واعتنطقهم وطبعاً التخلص منهم بعد ذلك سجناً أونفياً أوإعداما. وكانت كتابات بيلنسكي على أية حال، تعتبر نصوصاً تحريضية على رغم ابتعادها من الفلسفة المباشرة واهتمامها بالأدب. كان بيلنسكي يرى حتى الأدب وقراءته طريق إلى الثورة. ومن هنا كانت خطورته بالنسبة إلى السلطات. ومن هنا كان حظر كتاباته وعلى رأسها «رسالة إلى غوغول»، تلك الرسالة التي إذ منعت من النشر في روسيا، نشرت أول الأمر في لندن، في إحدى المجلات المعارضة، ثم تم نسخها وتداولها «تحت المعاطف» في شتى أنحاء روسيا لتصبح إنجيل المثقفين الثوريين في ذلك الحين، ولتتسبب لدوستويفسكي في الابتعاد عشر سنوات عن الحياة العامة، بعد القبض عليه بتهمة قراءتها.

ملخص

ولكن، ماذا في الرسالة حتى تثير جميع ذلك القدر من غضب السلطات، وحتى تتسبب في نفي دوستويفسكي وفي إحداث تلك القطيعة المدهشة، بالتالي بين كتابات شبابه وتلك التي تعتبر كتابات فترة النضوج لديه أي رواياته الكبرى،يا ترى؟ أول الأمر لا بد من التأكيد حتى الرسالة لم تكن - كما قد يوحي عنوانها - نصاً في النقد الأدبي، على رغم أنها موجهة إلى نيقولاي غوغول أحد أساطين الأدب الروسي - بل مؤسّسه - في ذلك الحين (وهوكما نعهد صاحب «المعطف» الذي سيقول دوستويفسكي دائماً، إذا منه خرجت الرواية الروسية)، ولم يكن همها الأساس تحليل أعمال لغوغول مثل «المعطف» و«الأرواح الميتة». كانت تنطلق من هذا، وتحديداً في تاريخ غوغول الأدبي وثورية نصوصه الواقعية الاجتماعية، لتحاول تثوير المجتمع من خلال تثوير آدابه، ومن خلال تذكير غوغول بماضيه المجيد بعدما بدأ يلوح عليه شيء من المهادنة للسلطات. وهنا بيت القصيد.

اتى نص «رسالة إلى گوگول» في الأساس، نوعاً من الرد على كتاب كان غوغول أصدره لتوه بعنوان «رسائل حول الفن والفلسفة والدين». ومن الواضح حتى بيلنسكي ذا الطبيعة المتمردة والراغب في اندلاع ثورة إصلاحية تعمّ البلاد، انتهز فرصة صدور هذا الكتاب لغوغول، ليشن من خلال الرد عليه، هجوماً حاداً ضد «العدالة الفاسدة المفسدة»، كما ضد القنانة والرقابة، وفي شكل إجمالي ضد جميع المساوئ والشرور التي كانت روسيا تعانيها، في ذلك الحين، وقبل ظهور إصلاحات ألكسندر الثاني الكبرى. والحقيقة حتى نيقولاي گوگول كان في «رسائله» يظهر كما لوأنه يدافع، بعض الشيء، عن النظام القديم، ولا يتطلع إلى الإصلاح بصفته الترياق الذي يخلص روسيا من تلك المساوئ. وهذا ما جعل بيلنسكي، الذي كان شديد التطرف في ذلك الحين، يعبر عن آرائه بكل عنف، مذكراً غوغول بما «يمثله المحرر حقاً في المجتمع الروسي»، قائلاً له في الرسالة إنه «في ظل نظام قمعي يمكننا، فقط، في الأدب حتى نعثر على الحياة وعلى حس التقدم. ولهذا وحده يحظى المحرر بكل هذا التكريم وكل هذا التمجيد في روسيا. وليفهم المحرر حتى هذا الشرف الذي يسبغ عليه من جانب الشعب هوالذي يجبره على حتى يتصدى للقمع»، ولذلك «يا سيد غوغول، ثمة في رسائلك أمور لا يمكن التسامح معها، إذ تأتي من مؤلف «المفتش العام» و «الأرواح الميتة»...». وإلى هذا يضيف بيلنسكي طالباً من غوغول إذا كان سهلاً عليه حتى يتنكر لأعماله القديمة العظيمة، حتى يتنكر الآن لرسائله البائسة، وفقط عبر انكبابه على كتابة أعمال عظيمة جديدة. وإذ يتوجّه بيلنسكي إلى المحرر الكبير على هذا النحويضيف، وقد تجاوز مسألة گوگول هذه المرة، أنه لا بد على أية حال «من التسليم بالطبيعة التقدمية للنظام البورجوازي إذا ما قورن بالإقطاع» معتبراً حتى «المهام الاجتماعية التي تقابل روسيا اليوم هي هدم أشكال الحياة الأبوية المقدسة المرتكزة على ملكية الأقنان، وتشريع عدد من الإصلاحات الديموقراطية البورجوازية» ثم انتقد المحرر، في شدة، حكم الأقلية والكنيسة الأورثوذكسية، ونادى إلى إلغاء القنانة فوراً - وفق ما تشرح «الموسوعة الفلسفية السوفياتية»، و«هاجم الأيديولوجية الملكية والدينية»، وإذ كان بيلنسكي، كما تقول الموسوعة نفسها «يعتبر النزعة التاريخية هي جوهر الفن وخاصيته في تقديم الملامح الخاصة بالواقع من خلال الصور المتخيلة»، نراه «يقف ضد الرومانسية الرجعية والرواية التعليمية» داعياً إلى مبادئ الواقعية المتضمنة في أعمال بوشكين و«المدرسة الطبيعية» التي كان قادها غوغول بنفسه. وإذ نوّه بيلنسكي بالعلاقة بين مفهومي «الالتحام بالشعب» و«الواقعية في الفن»، فإنه حدد قضايا مهمة في شأن توقف الدلالة الاجتماعية للأدب، مركّزاً على قدرته على اجتياز الهوة بين «المجتمع المثقف» و«جماهير الناس» وعلى التعاطف مع الروح العصرية، أي مع التقدم الذي يعده صفة جوهرية للفنان الصادق ويتساءل: كيف من الممكن أن يغيب هذا كله الآن عن گوگول الذي كان في أعماله الكبيرة رائداً فيه؟

من الواضح، إذاً، حتى بيلنسكي إنما استخدم المحرر الكبير نيقولاي گوگول كذريعة لعرض أفكاره الثورية لا أكثر. وهذا الأمر طبعاً لم يغب عن السلطات. ومهما يكن من أمر فإننا نعهد حتى بيلنسكي خط هذا النص في سالزبرون في بروسيا الألمانية، وليس في روسيا، ونشره أول الأمر في صحيفة «النجم القطبي» (بولارنايا زفيسدا) المعارضة التي كانت تصدر في العاصمة الإنگليزية ويحررها الثوري هرتزن. ونشر النص في عام 1855، لكن ما عهد منه في روسيا، وحوكم بسببه دوستويفسكي كان أجزاء جرى تداولها منذ عام 1847. أما النص الكامل فإنه لم ينشر إلا في عام 1905. وحين قرأ دوستويفسكي الرسالة علناً كان بيلنسكي نفسه فارق الحياة.


المؤلف

بيلنسكي (واسمه الكامل فيساريون گريگوريفتش بيلنسكي) والمولود عام 1811، رحل في عام 1848، بعد حتى عاش حياة صاخبة مملوءة بالتحريض الثوري ضد النبلاء والقصر. وهوابن لأسرة موسرة، تفهم الأدب في جامعة موسكو، وكان في الحادية والعشرين حين بدأ ينشر نصوصه النقدية في مجلة «تلسكوب». ثم تولى تحرير مجلة «موسكوفسكي نابليوداتيل» قبل حتى ينتقل إلى سانت بطرسبرگ وإلى مجلات أخرى. ولقد أصابه داء السل باكراً وقضى عليه ليضع حداً لحياة وكتابات حافلة، ستظل «رسالة إلى گوگول» من أبرزها وأكثرها خطورة.

المصادر

  • دار الحياة - ابراهيم العريس
تاريخ النشر: 2020-06-04 10:50:17
التصنيفات:

مقالات أخرى من الموسوعة

سحابة الكلمات المفتاحية، مما يبحث عنه الزوار في كشاف:

آخر الأخبار حول العالم

سفارة مصر في بلجراد تنظم جولة لعازف بيانو في 4 مدن بصربيا

المصدر: بوابة أخبار اليوم - مصر التصنيف: سياسة
تاريخ الخبر: 2022-01-17 11:18:29
مستوى الصحة: 51% الأهمية: 68%

حكم مثير للجدل يقود غرفة الـ"VAR" بمباراة المغرب والغابون

المصدر: تيل كيل عربي - المغرب التصنيف: سياسة
تاريخ الخبر: 2022-01-17 11:20:52
مستوى الصحة: 60% الأهمية: 53%

«الماسة اللغز».. أكبر ماسة في العالم في مزاد بدبي

المصدر: الإمارات اليوم - الإمارات التصنيف: مجتمع
تاريخ الخبر: 2022-01-17 11:20:42
مستوى الصحة: 53% الأهمية: 66%

الحبس 5 سنوات للمتهم بالاعتداء على «سيدة الوراق»

المصدر: موقع الدستور - مصر التصنيف: سياسة
تاريخ الخبر: 2022-01-17 11:22:16
مستوى الصحة: 52% الأهمية: 52%

مجلس الشيوخ يواصل مناقشة قانون العمل‎‎

المصدر: بوابة أخبار اليوم - مصر التصنيف: سياسة
تاريخ الخبر: 2022-01-17 11:18:25
مستوى الصحة: 49% الأهمية: 68%

افتتاح مركز خدمات ودعم ذوي الإعاقة بجامعة القاهرة الأربعاء القادم

المصدر: بوابة أخبار اليوم - مصر التصنيف: سياسة
تاريخ الخبر: 2022-01-17 11:18:31
مستوى الصحة: 46% الأهمية: 58%

الدوري الانجليزي يستحوذ على أغلى الانتقالات الدولية في 2021

المصدر: الأيام 24 - المغرب التصنيف: سياسة
تاريخ الخبر: 2022-01-17 11:19:51
مستوى الصحة: 75% الأهمية: 76%

تحميل تطبيق المنصة العربية