هانز رايشنباخ

هانز رايشنباخ Hans Reichenbach (عاش 26 سبتمبر 1891، هامبورگ -تسعة أبريل 1953، لوس أنجلس) هوفيلسوف وفيزيائي وعالم منطق ألماني،

ولد في هامبورگ، وتخرج مهندساً مدنياً من المدرسة العليا للتكنولوجية في شتوتگارت. ثم انتقل إلى برلين ليدرس الرياضيات ثم إلى گوتنگن وميونيخ، حصل على الدكتوراه في الاحتمالات. وكان من بين من تتلمذ عليهم ماكس بورن وإرنست كاسيرر وديڤيد هيلبرت وأرنولد سمرفلد. وعلّم في جامعتي برلين واسطنبول. هاجر إلى أمريكا قبل الحرب العالمية الثانية، وعلّم في جامعة كاليفورنيا.

ارتبط اسمه بالوضعية المنطقية، وكان على وفاق مع «جماعة ڤيينا»، ولوأنه يتحدث عن نفسه كتجريبي منطقي، فهوأحد أعضاء «الجمعية البرلينية للفلسفة التجريبية».

عُرِف رايشنباخ بإسهاماته الفهمية وبحوثه الأصيلة، ومن أبرز خطه: «نسق البديهيات في النظرية النسبية في المكان ـ الزمان»، و«أهداف فلسفة الطبيعة الحالية واتجاهاتها»، و«نظرية الاحتمالات»، و«التجربة والتنبؤ»، و«من كوبرنيكس إلى آينشتاين»، و«الأسس الفلسفية لميكانيكا الكوانتم»، و«نشأة الفلسفة الفهمية»، و«الفلسفة الفهمية الحديثة». كما اشهجر مع رودلف كارناپ Rudolf Carnap في إصدار مجلة الفهم الموحد الناطقة باسم الوضعيين المنطقيين، إلا أنه اختلف معهم في نظرية الفهم.

حارب رايشنباخ التفكير الميتافيزيقي، ودحض التفسير الغائي، واهتم بمشكلة السببية، ودافع عن الفهم وعدّه أفضل الوسائل المتاحة لاكتساب الفهم. وحاول في نظريته عن الفهم الجمع بين التجريبية، القائمة على مبدأ التحقق، وبين التحليل المنطقي للفهم ولغة الفهم. وعدّ مهمة الفلسفة التحليل المنطقي لجميع أنماط الفكر، فرفض الحقائق الهجريبية القَبْلية، واعتمد مبدأ: «أن جميع حقيقة هجريبية تستمد من الملاحظة، وأن جميع ما يسهم به العقل ذوطبيعة تحليلية، وبالتالي لا يوجد وضوح ذاتي هجريبي».

كما رفض رايشنباخ نظرية صدق المعنى عند الوضعيين المنطقيين، وفضّل عليها نظرية في احتمالية المعنى، فالقضية تكون ذات معنى إذا كان من الممكن التحقق منها بدرجة من الاحتمال، وتكون القضيتان لهما المعنى نفسه إذا كانت لهما الدرجة نفسها من احتمالية التحقق، وعلى هذا فالعبارات الفهمية عن العالم لا تتساوى في المعنى بالعبارات الحسية التي تصفه، ولكنها ترتبط بها برباط احتمالي. ويبني رايشنباخ على ذلك إمكانية استنباط وجود حالات فيزيقية للعالم مستقلة بدرجة من الاحتمال عن انطباعاتنا عن العالم، ولكنها في الوقت ذاته مسؤولة عن هذه الانطباعات. وتسمى نظرية احتمالية المعنى والعبارات الفهمية هذه بنظرية الفهم الوظيفي للفهم، لأنها تقوم على أساس حتى التأثر بأشياء العالم الخارجي، من خلال الحواس ,يحدث أنواعاً من ردود الأفعال، أهمها رد العمل اللغوي، أي تكوين نسق من العلامات تخضع لنظام من القواعد، وتُعبر عن المضمون المعهدي للغة، إذ تتجمع العلامات (الرموز - الحدثات) لتولد عبارات، فإذا كانت هذه العبارات مناظرة لحالات واقعية عملية فهي عبارات سليمة، ونفيها يفضي إلى عبارات باطلة. وتسمى العبارات التي يمكن التحقق من صحتها أوبطلانها عبارات ذات معنى، أما التي لا يمكن الحكم بصحتها أوبطلانها، أي لا تقبل التحقق بملاحظات ممكنة، فهي عبارات خالية المعنى (لغوفارغ)، لأن «قابلية التحقق» عنصر ضروري في نظرية المعنى. وتُصنف العبارات ذات المعنى في فئتين: فئة القضايا التحليلية، وفئة القضايا الهجريبية القابلة للتحقق بالملاحظة المباشرة أوبالملاحظة غير المباشرة.

ولما كانت فهم العالم الفيزيائي احتمالية وليست يقينية، فلا يمكن التعبير عن الحوادث الفردية ولا عن القوانين التي تحكمها بصورة مطلقة. إذا الحقائق العامة أوالقوانين الفهمية أمور احتمالية لا يقينية، وهي مجرد فروض تجريبية حول « وقائع» قابلة للملاحظة.

وقد ميّز رايشنباخ بين التحقق «التقني» وبين التحقق «الفيزيائي» الذي لا يتعارض مع قوانين الطبيعة، ثم التحقق «فوق التجريبي» أي التحقق المنطقي، وخلص إلى حتى عبارات الميتافيزيقا غير قابلة للتحقق بأيٍ من الأنواع السابقة، لهذا فهي عبارات خاوية من المعنى، ولا تدخل نطاق الفهم عامةً.

ويمكن بلوغ اليقين فقط في الرياضيات والمنطق، مع حتى المنطق يبحث فقط في قوانين اللغة وأنماط الفكر، ولا يفيد في أي تجارب ممكنة، ومن ثم لا يعبّر عن خصائص العالم الفيزيائي.