هـرقـل Hercules (HWV 60) هي دراما موسيقية في ثلاث فصول من تأليف گيورگ فريدريش هاندل، لحنها في يوليووأغسطس 1744. ليبرتواللغة الإنگليزية كان من تأليف القس توماس براوتون، وكان مبنياً على رواية سوفوكليس نساء تراخيس والكتاب التاسع من رواية التحولات لأوڤيد.

نبذة

مهما يكن ومهما كان الجواب، نعهد طبعاً ان الفارق كبير، بين هرقل الأسطورة الشعبية، كما عبّرت عنه السينما الايطالية - وغيرها - في الستينات، وبين هرقل كما تصفه الأدبيات القديمة من اغريقية ورومانية، وكما تجلى بخاصة في واحد من أجمل فصول كتاب «مسخ الكائنات» لأوفيد. ولن ندخل هنا في المقارنة، فقط يمكننا حتى نقول ان هرقل أوفيد وورثته، كما صورهم كتّاب وفنانون تناولوا الحكاية على مر العصور وأحدثوا فيها تبديلاً وتنويعاً، كان أكثر جدية وأكثر «انسانية» بكثير من هرقل الشعبي ذي العضلات والقوة التي لا تضاهى.

ولقد كان هرقل هذا، الأخير، من الجدية، الى درجة ان فنوناً موسيقية وفنون رسم ونحت، كثيراً ما دنت منه، مستوعبة دروس حكايته وعظمة شخصيته ودراميتها في أعمال بدت في نهاية الأمر أشبه بأمثولات مؤسّسة، فنياً وفلسفياً وأخلاقياً. وحسبنا حتى نذكر هنا ان الموسيقي هاندل، صاحب اوراتوريو«مسيّا» ومقاطع «موسيقى الماء» بين أعمال أخرى، لم يتوان عن حتى يجعل من ذلك البطل الأسطوري الإغريق /الروماني المدهش، بطل عمل موسيقي كبير خطه وهوفي قمة نضجه تحت عنوان «هرقل». وهوالعمل نفسه يعتبر منذ ذلك الحين واحداً من أقوى أعمال هاندل وأجملها، من دون حتىقد يكون العمل الوحيد الذي استقاه هذا الفنان من أساطير القدماء.

وضع هاندل موسيقى اوراتوريو«هرقل» في العام 1744، ليقدم في العام التالي في لندن للمرة الأولى. وكان هاندل يقيم، في ذلك الحين، في العاصمة البريطانية ويعمل فيها، بعدما هجر وطنه المانيا. وقد استند هذا الموسيقي، الذي كان من كبار المجدّدين في الموسيقى الغنائية في زمنه، على خطى هانيريش شولتز، وبالتزامن مع يوهان سيباستيان باخ، في تلحين هذا الاوراتوريو، الى النص الشعري الذي وضعه ت. براوتون استناداً الى الكتاب التاسع من «مسخ الكائنات» لأوفيد. وكانت النتيجة حتى هاندل تمكّن على الفور من حتى يفرض هذا العمل بوصفه الأقوى بين الاوراتوريات «الدنيوية» السبعة عشر التي لحنها طوال حياته المديدة.

وكما يمكننا حتى نتصور، يروي هذا «الاوراتوريو» منذ البداية حكاية هراكليس (هرقل) الذي تطالعنا في المشهد الأول زوجته ديجانير وهي تبكي موته إذ خيّل اليها انه قد رحل عن عالمنا... لكن البطل لم يكن قد مات، بل ها هويعود مظفراً من ايطاليا التي كان قد غزاها وقتل ملكها... وقد جلب هرقل معه في ركابه عدداً من السبايا، ومن بينهن الأميرة إيولي الحسناء، التي يخيل الى امرأة هرقل، ديجانير، حتى زوجها واقع في غرامها، ما يجعل الغيرة تأكلها، هي التي لا تعهد ان الحقيقة شيء آخر تماماً: الحقيقة هي ان هيللوس، ابن هرقل، هوالمغرم بالأميرة الشابة... سليم ان هيللوس، يعترف لأمه ذات لحظة بحبه لإيولي، غير ان هذا الاعتراف لم يقنع الأم بأن زوجها بريء من هذا الغرام، تماماً كما ان جميع احتجاجات هرقل على اتهامها له لم تقنعها. فما العمل،يا ترى؟ ان لديها رغبة هائلة في استعادة حب زوجها لها، هي التي باتت مؤمنة بأن هذا الحب قد خبا... وفي سبيل الوصول الى تحقيق هذه الغاية لا تجد أمامها إلا الاستعانة بثوب غارق في دماء نيسوس، معتقدة حتى في امكان هذا الثوب حتى يعيد اليها هناء حبها وزوجها... لكن النتيجة تكون عكس ما توخت ديجانير: لقد أدى الثوب الى أذيّة هرقل، إذ بات يعاني آلاماً فظيعة لم ينج منها إلا الموت. إلى غير ذلك يموت ويصعد الى جنان تلال الأولمب حيث تستقبله الآلهة، في الوقت نفسه الذي تعلن قرارها بأن يتزوج هيلوس من إيولي.

على رغم حتى نقاداً كثراً، يرون في موسيقى هذا العمل ضعفاً يعزونه الى «عدم قدرة الموسيقى على الوصول الى الذروة التي تمثلها فاجعة الغيرة والبطولة هذه»، فإن النقاد الأكثر فهم بعمل هاندل في شكل عام، وبسلسلة «الاوراتوريات» التي ركز خلال فترة محددة من حياته على الاشتغال عليها، يرون حتى هذا العمل يتميز بكونه يستخدم أساليب الاوراتوريوالديني للتعبير عن موضوع دنيوي. وهذا القول هوالذي جعل دارسي هاندل يرون، في شكل عام، حتى حساسيته الموسيقية في فن الاوراتوريوتفوق والى حد كبير تلك التي عبر عنها الفنان حين خط الأوبرا الخالصة، إذ إنه في مثل هذه الأعمال لم ينضح بالتألق الموسيقي من أجل اظهار البعد الدرامي في حركيته المسرحية: كان الهم بالنسبة اليه هنا حتى يستخدم الأصوات البشرية الغنائية كأنها أدوات موسيقية. ويقول واحد من هؤلاء الباحثين (الألماني أوسكار باي) ان هاندل تعامل مع هذا العمل تعامل «الألماني الذي لا يحب الدراما بما يكفي لكي يهجر لها قيادة العمل الموسيقي، ويبدومغرماً بالموسيقى الى درجة التضحية بكل شيء من أجل التعبير عن ملذاتها الحسية». وهذا الباحث نفسه يلفت النظر هنا الى كم حتى هاندل تمكن في «هرقل» من اضفاء بعد سماوي على موضوع دنيوي، في لقاء أنسنته المطلقة للبعد السماوي في «مسيّا». سليم ان اوراتوريو«هرقل» يكادقد يكون اليوم، مثل الكثير من أعمال هاندل، منسيّاً مقارنة بالمكانة التي لـ «مسيّا»، ومع هذا فإن قدراً لا بأس به من الإنصاف يأتي ليقول لنا، ان هذا العمل لا يتعين إغفاله اطلاقاً، حتى وإن كانت شعبيته متضائلة (ولعل واحداً من مسببات هذا التضاؤل يكمن في حتى ازدهار فن الأوبرا نفسه، ان لم يتمكن من القضاء على الاوراتوريوالديني إذ ان لهذا مكانه وعالمه المتواصل الحضور، فإنه تمكن من إلحاق أذى كبير بالاوراتوريوالدنيوي... لكن هذا سجال آخر، لسنا نرى هنا مجالاً له بالطبع).

ومهما يكن من أمر، فإن ثمة هنا في «هرقل»، صفحات موسيقية رائعة يمكن دائماً التوقف عندها باعتبارها أوصلت التعبير الموسيقي، في حد ذاته الى ذروة مستقلة. ومنها مثلاً النحيب الذي تؤديه ديجانير في المقدمة حيث كانت تعتقد حتى هرقل قد مات. وهناك أيضاً أداء الكورس الذي يختتم جميع فصل وكل مشهد وكأنه يعلق على ما حدث، مهيئاً لما سيحدث.

المؤلف

من الواضح في نهاية الأمر حتى هاندل (1685 - 1759) الذي لم يخط هذا العمل من تلقائه، بل تحديداً ضمن ظروف مهنية وعملية أملت عليه كتابته في تلك الفترة المتقدمة من حياته، في لندن، استخدم في الكتابة مقطوعات عدة كان وضعها في السابق من أجل أعمال أخرى، بعضها ديني وبعضها دنيوي، لكنه لم يستخدمها في حينه، فإذا به هنا يجمعها الى بعضها بعضاً، ما جعلها تبدوفي بعض الأحيان على غير تناسق. غير ان هذا لم يهيمن على العمل الذي خطه وهوفي الستين من عمره تقريباً، ذاك الذي كان واحداً من أكبر موسيقيي ذلك الزمن... فنان عاش وتنقل بين أماكن كثيرة (خصوصاً المانيا وبريطانيا) وخاض معظم الأنواع الموسيقية مخلّفاً عشرات الأعمال بين أوبرا وأوراتوريو، نهل معظمها من التراث القديم، سواء كان أسطورياً أودينياً أودرامياً بامتياز، وعهد دائماً كيف من الممكن أن يقدم الاطار الفني لموضوعه في بعد ابداعي خالص.

الأدوار

المراجع والخط الالكترونية

Score of Hercules (ed. Friedrich Chrysander, Leipzig 1859) (in English and German)

Complete Score of Hercules (ed. Friedrich Crysander, Leipzig 1859) in English and German in PDF format from the IMSLP

ملاحظات

المراجع

Hercules by Stanley Sadie, in 'The New Grove Dictionary of Opera', ed. Stanley Sadie (London, 1992) ISBN 0-333-73432-7