تاريخ الأدب العربي

عودة للموسوعة

تاريخ الأدب العربي

الأدب العربي

حسب الفترة

العصر الجاهلي
صدر الإسلام
العصر الأموي
العصر العباسي
عصر الدول المتتابعة
العصر الأندلسي
العصر الحديث

أنواع

شعر(هاتى، مديح، غزل، فخر)
غير روائي (التصنيف والكتابات، التاريخ والجغرافيا، اليوميات)
روائي: (ملحمي، مقامات، معلقات، نثر)
نقد

حسب الجنسية

عراقي - سوري
لبناني - أردني
فلسطيني - سعودي
بحريني - قطري
إماراتي - عماني
يمني - كويتي
مصري - ليبي
تونسي - جزائري
مغربي - موريتاني
صومالي - سودني
جيبوتي

مدارس أدبية

مدرسة أبولو
مدرسة البعث والإحياء
مدرسة الديوان
مدرسة المهجر

انظر أيضاً

أدباء عرب
شعراء عرب
روائيون عرب

نص كتاب تاريخ الأدب العربي - كارل بروحدثان. انقر على الصورة للمطالعة.

تاريخ الأدب العربي هوالتأريخ لنشأة وتطور والعصور التاريخية التي ألمت الأدب العربي. ويتضمن أبرز أعلامه من الشعراء والكتاب. كما يتناول الأغراض الأدبية كالشعر والسيرة، والمسرحية والمقامة والموضوع والظواهر الأدبية، كالنقائض والموشحات وأسباب الهبوط والصعود والاندثار.

ويضم سيرة الشعراء وأخبار وطرائف الأدباء. ويمكن تقسيم تاريخ الأدب العربي تبعا للعصور التي توالت عليه بدءا بالعصر الجاهلي ثم العصر الإسلامي اللاحق وحتى الآن. فالشعر في الجاهلية من أقدم آدابها، لكن أكثره غنائي وحدائي. والأمثال كانت جزءا مهما من آدابها. والذين وضعوا الأدب الجاهلي هم من عرب شبه الجزيرة العربية لكنهم لم يخطوا سوي المعلقات وكان يروي شفاهة مما كان يعرضه للاندثار والتحريف والتبديل والخلط.

نص كتاب تاريخ الأدب العربي - أحمد حسن الزيات انقر على الصورة للمطالعة

العصر الجاهلي

عنترة بن شداد، وعبلة.
تاريخ الأدب العربي، العصر الجاهلي، الدكتور شوقي ضيف. انقر على الصورة للمطالعة.

العصر الجاهلي أقدم العصور الأدبية ويسميه بعض الدارسين عصر ما قبل الإسلام. وهوعصر موغل في القدم، بعيد العهد في الزمن والامتداد. موطن هذا الأدب العربي القديم هوالجزيرة العربية، أوشبه جزيرة العرب، ذات الصحارى الواسعة، والبطاح الممتدة، التي تحيط بها - أوتتخللها - جبال وهضاب مختلفة، منها ما يحاذي البحر الأحمر غرباً، ومنها ما يقع في اليمن جنوباً. فضلاً عن هضبة نجد التي ترتفع ممتدة في وسط الشمال، لتضم سلسلة أخرى من الجبال. وهذه المناطق جميعاً كانت في العصر الجاهلي ميادين لحروب وغزوات، ولأحداث سياسية، وظواهر اجتماعية وتجارية واقتصادية، وأثرت في الأدب الجاهلي، شعره ونثره.


الشعر الجاهلي

ومهما يكن من أمر، فقد ورثنا عن تلك الحقبة الجاهلية أدباً ناضجاً في لغته وشعره ونثره، ولكن هذا الأدب الذي وصل إلينا لا يضم الحقبة كلها، قبل الإسلام، ذلك أننا لا نملك نصوصاً مدونة عن مبدأ الشعر عند العرب، وعن تطوره حتى بلوغه الفترة التي كان عليها عند ظهور الإسلام. والمعروف حتى أقدم ما وصل إليه فهمنا من ذلك الشعر لا يرقى عهده إلى أكثر من قرنين عن الهجرة. وقد أشار الجاحظ إلى قضية قدم الشعر العربي فنطق: وأما الشعر فحديث الميلاد، صغير السن.. فإذا استظهرنا الشعر وجدنا له - إلى حتى اتى الإسلام - خمسين ومئة عام. وإذا استظهرنا بغاية الاستظهار فمئتي عام.

ومن أقدم الشعراء الذين عهدنا أخبارهم ووصلتنا أشعارهم امرؤ القيس بن حجر الكندي، الذي ينطق إنه أول من وقف بالديار واستوقف وبكى واستبكى، لكنه هونفسه يذكر شاعراً آخر أقدم منه، بكى الأطلال قبله، وهوابن خذام، فيقول:

عوجا على الطلل المحيل، لعلنا نبكي الديار كما بكى ابن خذام

ولم يكن بنوكلب بنادىً في القبائل، فكل قبيلة ادعت لشاعرها أنه الأول أوالأقدم: فامرؤ القيس في اليمانية، وعبيد بن الأبرص في بني أسد، ومهلهل بن ربيعة في تغلب، وعمروبن قميئة والمرقش الأكبر في بكر، وأبودواد في بني إياد. وهؤلاء جميعاً متقاربون في الزمن، ولم يعثر الفهماء على شعر قديم مدون بقلم جاهلي، وكل ما يعهد من هذا الشعر مستمد من أفواه الرواة الذين كانوا يتناقلون الأشعار الجاهلية عن طريق الرواية والحفظ. وتعود مسببات ذلك إلى انتشار الأمية عند العرب، وقلة وسائل التدوين الرقمي والكتابة لديهم، إذ اقتصر على الحجارة الرقيقة، والجلود، والعظام، وسعف النخيل، وما إليها. ومن ثم كان المفهمون قلة بينهم.

وفي بعض الأشعار الجاهلية إشارات إلى وجود الكتابة ونقوشها، وهي ترد في مطاوي وصف الشعراء للأطلال والرسوم الدارسة، كقول الأخنس بن شهاب التغلبي، مشبهاً أطلال المحبوبة بالكتابة على الجلد الرقيق:

لابنةِ حطّان بــن عوف منــــازل كما رقش العنوان في الرق محرره

على حتى استعمال الكتابة يقتصر على شؤون من الحياة الاجتماعية والتجارية وما إليها، مماقد يكون ميدانه النثر، من دون الاتكاء عليها في كتابة الشعر؛ لأن العرب كانوا يعتمدون في حفظ الأشعار على الرواية الشفوية، حتى في خطبهم ووصاياهم وأمثالهم، يسعفهم في هذا الحفظ ذاكرة قوية تأنس بموسيقى الشعر وأوزانه، خاصة، واعتادت ذلك حتى صارت سجية من سجاياهم، وطبيعة متأصلة فيهم، فضلاً عن حبهم للشعر وعنايتهم الفائقة بروايته وتناقله، لأنه ديوان مناقبهم، وسجل حياتهم وفوزاتهم، ولم يكن لهم - كما يقول ابن رشيق - فهم أصح منه. فلا غروحتىقد يكون نادىمة السّامرعندهم، ومدارَ حلقات القوم لديهم، في مواسمهم وندواتهم، وقد أدى ذلك أيضاً إلى ظهور حلقات من الشعراء الرواة، الذين يأخذ بعضهم عن بعض، مما يمكن حتى يسمى اليوم بالمدارس الشعرية، وأشهرها تلك التي تبدأ بأوس بن حجر، وعنه أخذ الشعر ورواه زهير ابن أبي سلمى. ولزهير راويتان: ابنه كعب، والحطيئة، وكان هدبة بن الخشرم راوية الحطيئة، وعن هدبة تلقن الشعر ورواه جميل بن معمر، صاحب بثينة، وراوية جميل هوكثير عزة، الذي يُعد آخر من اجتمع له الشعر والرواية.

و«لما اتى الإسلام شغل العرب والمسلمون عن الشعر بالغزووالفتوح. ولما اطمأنوا بالأمصار، واستقرت دولتهم، راجعوا رواية الشعر - كما يقول ابن سلام - فلم يؤولوا إلى ديوان مدون، ولا كتاب مكتوب. وألفوا ذلك وقد هلك من العرب من هلك بالموت والقتل، فحفظوا أقل ذلك، ومضى عليهم منه كثير».

ومع ذلك، فقد نشطت رواية الشعر في القرن الهجري الأول، لأسباب مختلفة، ولازمها بعد قليل نشاط حركة التدوين الرقمي عامة، ونشأت طبقة من الرواة الذين يتخذون رواية الأخبار عن الجاهلية وأيامها. وكان من نتائج ذلك وجود شعر مفتعل صنعه الرواة الوضاعون، ونسبوه إلى شعراء جاهليين، سنداً لعصبية قبلية، أورفداً للقصص والأخبار، أوإذاعة لنزعة شعوبية، أوإرهاصاً للبعثة النبوية.

وقد عهد بالوضع من رواة الكوفة: خلف الأحمر، وحماد الراوية، كما اشتهر - إلى جانبهم - رواة ثقات من أهل البصرة والكوفة: كالمفضل الضبي، والخليل بن أحمد الفراهيدي، وأبي عمروبن العلاء، والفراء، وابن سلام، وغيرهم، ميزوا الشعر السليم من الشعر الزائف، وكان في مقدمة هؤلاء ابن سلام الجمحي الذي عالج هذا الموضوع مفصلاً في طبقاته، ومما نطقه: وليس يشكل على أهل الفهم زيادة الرواة، ولا ما وضعوا، ولا ما وضع المولدون. كما حتى في كتاب «الأغاني» إشارات كثيرة إلى أشعار منحولة، وأخبار موضوعة، نص عليها أبوالفرج بعد حتى تفحص رواياتها، ورجع إلى دواوين الشعراء أنفسهم.

ومع جميع هذه الجهود، وغيرها، التي حرص أصحابها على تنقية الشعر القديم من الشوائب الزائفة، وإيصاله إلينا سليماً موثقاً، قام في العصر الحديث لفيف من المستشرقين والدارسين العرب يثيرون قضية النحل والانتحال في الشعر الجاهلي، ويشككون في صحة هذا الشعر، على تفاوت فيما بينهم، شططاً وتحاملاً، أواعتدالاً وحياداً، وبلغ الأمر ذروته عند المستشرق الإنكليزي مرغليوث Margoliouth الذي نشر سنة 1925م منطقة له بعنوان «أصول الشعر العربي» أنكر فيها صحة الشعر الجاهلي جملة، وأقام ممضىه هذا على مزاعم وتصورات متناقضة، جعلت بعض المستشرقين أنفسهم يردون عليه ويفندون آراءه، ومنهم جيمس لايل Lyalle ناشر المفضليات.

وفي مصر قام طه حسين يحذوحذومرگليوث، حين نشر سنة 1926 كتابه «في الشعر الجاهلي» وضمنه آراء جريئة جعلت بعض الفهماء والنقاد يردون عليه: كالرافعي، ومحمد فريد وجدي، ومحمد الخضري، ومحمد لطفي جمعة، ومحمد الخضر حسين.

وأدى ذلك إلى حتى يعيد طه حسين النظر في كتابه، تعديلاً وحذفاً وزيادة، ويصدره في العام التالي 1927 بعنوان آخر: «في الأدب الجاهلي» بعد حتى ضم إليه درس النثر الجاهلي، وأفاض في شرح نظريته وتطبيقاتها، ووقف عند مسببات الوضع والنحل في الشعر العربي، كما أوضح مسببات الشك في الشعر الجاهلي، ودوافعه، ولخص ذلك بقوله: «إن الكثرة المطلقة - مما نسميه أدباً جاهلياً - ليست من الجاهلية في شيء، وإنما هي منحولة بعد ظهور الإسلام، فهي إسلامية تمثل حياة المسلمين وميولهم وأهواءهم، أكثر مما تمثل حياة الجاهليين».

ولم يسلم - مع ذلك - كتاب طه حسين الثاني من النقد والتفنيد. ومرت السنوات بعد ذلك، ولم يخط لنظرية طه حسين وأمثاله القبول التام، وإن أيقظت الأذهان، ولفتت الأنظار إلى ضرورة التثبت من صحة الشعر الجاهلي، بل صحة جميع شعر، قبل روايته أوالاستشهاد به.

ويضاف إلى ذلك ظهور خط ودراسات جديدة زادت من توثيق الشعر الجاهلي وتسليم ما صحّ منه، ونوّهت بكثير من مصادره الأصلية، وفي مقدمة هذه الخط كتاب «مصادر الشعر الجاهلي» لناصر الدين الأسد. وقد عثر الباحثون المعاصرون بين أيديهم عدداً من مصادر الشعر الجاهلي التي اتىت عن طريق الرواة الأمناء الصادقين، الذين وقفوا جهودهم على التحري والتثبت، ولم يخف عليهم وجود شعر جاهلي منحول كشفوا جانباً منه.

ولقد حازت آثار أولئك الرواة القبول والتقدير، وعُدّت مصادر أساسية للشعر الجاهلي. وأهم هذه الآثار:

ـ دواوين الشعراء القدماء، التي جمعت في عصر التدوين الرقمي: كزهير، والنابغة، وامرئ القيس.

ـ دواوين القبائل العربية: كديوان الهذليين، الذي لم يصل إلينا كاملاً.

ـ المجموعات الشعرية الموثوق بها: كالمعلقات وشروحها، والمفضليات، والأصمعيات، والنقائض وشروحها، والحماسات.

ـ خط الأدب، واللغة، والنحو: كالبيان والتبيين، والحيوان، ومجالس ثعلب، وعيون الأخبار، والكامل، والأمالي. وكذلك بعض خط المتأخرين التي احتفظت بكثير من الأشعار الجاهلية التي ضاعت أصولها: كخزانات الأدب، وشرح أبيات مغني اللبيب، وكلاهما للبغدادي، وشرح شواهد المغني للسيوطي.

ـ الخط النقدية البلاغية: كالموشح، والصناعتين، والموازنة والوساطة.

ـ خط التراجم والطبقات: كمعجم الشعراء، والمؤتلف والمختلف، وطبقات ابن سلاّم، والشعر والشعراء، والأغاني.

فهذه المصادر وأمثالها، تجعل بين أيدينا مادة وافرة للشعر الجاهلي، وهذه المادة غنية وكافية، لكي تهيئ للدارسين مجالاً واسعاً للبحث والتحليل والموازنة، في رحاب أغراض ذلك الشعر وفنونه المتنوعة.

فنون الشعر الجاهلي وأغراضه

هذا الشعر، الذي قيل فيه إنه ديوان العرب، يعد صورة للبيئة التي نشأ فيها أصحابه قبل الإسلام في كثير من جوانبها الاجتماعية، والسياسية، والاقتصادية، والمعهدية، والدينية، كما يعكس ذلك الشعر طائفة من الجوانب النفسية، والمثل الأخلاقية للعرب، من شجاعة وفروسية وفتوة، ومن إكرام للضيف وإغاثة للصَّريخ وغير ذلك.

ومن ثم تعددت أغراض الشعر الجاهلي وفنونه، فكان فيه غزل، ومدح، كما كان فيه فخر، ورثاء، وهاتى، فضلاً عن الحكمة والوصف.

ووجود هذه الفنون والأغراض في الشعر الجاهلي، لا يعني حتى القصيدة منه كانت خالصة دائماً لموضوع واحد، وأغراض لا تحيد عنه، فقد تضم غرضين أوأكثر، ولكنها تنسب إلى ما نظمت من أجله، هاتى، أومدحاً، أوفخراً، وإن تخللتها موضوعات جانبية أخرى.

وأما أشهر الأغراض والفنون في الشعر الجاهلي فهي.


الغزل

يكاد الغزل يفوز بالنصيب الأوفى بين سائر الأغراض الأخرى، على تفاوت حظوظ الشعراء الجاهليين منه، ذلك أنه أعلق الفنون الشعرية بالأفئدة، وأقربها إلى النفوس، لما للمرأة من آثار عميقة في حياة الرجل، وتغذية عواطفه وأحاسيسه، ومرافقته في حله وترحاله، وفي حربه وسلمه، وزيارته لأحبته وذوي قرباه، ووقوفه على أطلالهم بعد الرحيل والفراق.

وفي موضوع الغزل، تتردد عند النقاد والدارسين، من قدماء ومعاصرين، أربعة ألفاظ تتقارب في مفهومها، وتتشابك في دلالاتها، وهي: الغزل، والتغزل، والنسيب، والتشبيب. وقد حاول بعضهم حتى يبين الفروق المعنوية بينها، ولكنهم لم يصلوا إلى القول الفصل في ذلك.

ومن أبرز سمات الغزل عند الجاهليين، ظاهرة التعلق بالمرأة والسعي إلى مودتها، ووصف مفاتنها الجسدية. وإمام الشعراء في ذلك هوامرؤ القيس، الذي قضى شبابه في اللهووالشراب، وأصاب من الغزل والمرأة ما جعله السابق المجلّي في هذا المضمار. وأشعاره، ولاسيما معلقته، صُوَرٌ وحكايات لما كان بينه وبين النساء.

وكذلك ثمة جانب من هذا الممضى الحسي، في الحديث إلى المرأة وفي وصفها عند شعراء آخرين كالأعشى والنابغة الذبياني. ويمكن الخروج من قراءة أشعارهم الغزلية إلى جملة من المقاييس التي كانوا يعتدون بها في تقويم الجمال، والمفاتن الجسدية: فالمرأة تشبه بالدرة الصدفية حيناً، والدمية المرمرية حيناً آخر. وأصابعها لينة كالعَنَم، ولونها المفضل هوالبياض، وخصرها ضامر نحيل، بخلاف ردفها الذي يستحسن حتىقد يكون ثقيلاً مكتنزاً وساقيها اللتين يستحب حتى تكونا ممتلئتين، والشعر طويل فاحم، والأسنان بيضاء نقية، والمشية هينة مترسلة.

وقد ينصرف الشاعر في غزله إلى التغني بفضائل المرأة وذكر مناقبها وكريم سجاياها، وعفتها، ولا سيما عند وقوفه على الأطلال توخياً لتهيئة الأذهان وشد الأسماع قبل الوصول إلى غرضه الأساسي.

أما تصوير الشاعر الغزِل لما يقاسيه من تباريح الصبابة، وما يعانيه من عذاب مقيم، وآلام مبرحة، وهيام طاغ، فهذا كله منبث في أشعار المتيمين من الجاهليين الذين قضوا حياتهم يعانون ألم النوى، ويقضون الليل ساهرين أرقين ويشكون من تجني المحبوبة، حتى تنحدر دموعهم، وتتقرح أكبادهم.

والشعراء، الذين سلكوا هذا الممضى، معظمهم من العشاق الذين عهدوا بالعفة والبعد عن الأوصاف الحسية للجسد، ومعاناة الأشواق اللاذعة، ويمكن حتى يعد غزلهم النواة الأولى للغزل العذري الذي عهد في العصر الأموي، ذلك حتى جميع واحد منهم اقترن اسمه بصاحبته التي اشتهر بها، ومنهم عنترة صاحب عبلة، ومثلا المخبَّل السَّعدي ومَيْلاء، وعبد الله بن العَجْلان وهند، وغيرهم.

المديح

كانت للناس في العصر الجاهلي مثل عليا، ومعايير خلقية تعارفوا عليها، وورثوها عن أجدادهم، كالشجاعة والكرم، وحماية الجار، وإغاثة الملهوف وعراقة النسب. واتى شعر المديح ليشهد بهذه السجايا وما هومنها بسبب: كالعقل، والعفة، والعدل، والرأي السديد. وقد يستدعي المقام والمناسبة ذكر مناقب أخرى تأتي في ساعتها: من جميل يؤثر، وصنيع يقدم، وأسير يطلق سراحه، فيكون الاعتراف بذلك الجميل، والشكر لذاك الصنيع.

إلى غير ذلك قام المديح مقام السجل الشعري في رسمه لنواح كثيرة من حياة الأعلام، ملوكاً، وسادة، وأجواداً، وبذلك أغنى التاريخ وكان رديفاً له ومتمماً، وإن كان يمتزج غالباً بالإسراف والمبالغة، ويختلط فيه الواقع بالخيال، والعقل بالعاطفة والحق بالباطل. ولذلك ينبغي حتى يقف الباحث من شعر المدح موقف الحذر والنقد والتمحيص، وألا يأخذه على أنه صدق لا كذب فيه، أوحقيقة لا يشوبها الشك.

وقد سلك الشعراء المدَّاحون في العصر الجاهلي طريقين، أحدهما أوكليهما، الأول هوطريق التكسب والاحتراف، وميدانه قصور الملوك، ومجالس الأمراء، وأفنية الأشراف والأعيان. وقد انحرف الشعر إلى هذا الميدان على يد النابغة الذبياني، الذي سن للشعراء سنة المديح الرسمي - في تنقله بين قصور المناذرة والغساسنة - ومدح ملوكهم، كما سخر شعره لكل من يجود عليه أويرعاه في كنفه، وكان هذا أول الاحتراف في المديح والتكسب به. وقد حظي النعمان بن المنذر بنصيب وافر من ذلك.

واتى الأعشى ليسير على سنن النابغة في المديح، بل إنه أسرف في المسألة والتكسب، فأصبح يمدح جميع من منح، ويشكر بشعره كلَّ من أكرم، حتى يخرج عن حدود التصديق، كما في مديحه للأسود بن المنذر اللخمي - شقيق ملك الحيرة - ولهوذة الحنفي.

ومن هؤلاء الشعراء المتكسبين أيضاً: حسان ابن ثابت، والمسيب بن علس، والمنخل اليشكري، والممزق العبدي، والحارث بن ظالم، وعلباء بن أرقم.

أما الطريق الثاني: فهوطريق الإعجاب والشعور الصادق. والشعر هنا يصدر - فيما يقول - عن حب عميق، وإحساس نقي، لا تملق فيهما ولا تزلف. وحامل لواء هذا الشعر هوزهير ابن أبي سلمى، الذي سخر شعره لكل من قام بإصلاح ذات البين، أو خلق مأثرة كريمة، نائياً بأشعاره المدحية عن المبالغة والشطط.

ومن ممدوحيه: هرم بن سنان، والحارث بن عوف، اللذان أصلحا بين عبس وذبيان، في حرب داحس والغبراء، وبذلا من أموالهما ديات القتلى حقناً للدماء، ونشراً للسلام بين المتحاربين.

الفخر

وهذا فن شعري تربطه بالمدح صلات وشيجة، فالمعاني التي تتردد في المدح، هي نفسها مما يتغنى به الشعراء مفتخرين. ذلك حتى الحياة العربية في العصر الجاهلي قامت على لقاءة المخاطر، والمزاحمة على الماء والكلأ، والشجاعة في القتال، وما يتصل من ذلك كله بسبب: كالتغني بالبطولات وشن الغارات، وتمجيد الفوزات، وكثرة العدد والعدة، ومنازلة الأقران، ونجدة الصريخ، والحفاظ على الشرف والجار، وهذه الأمور جميعاً أذكت قرائح الشعراء، ووفرت لهم مسببات التفاخر والتباهي، منفردين ومجتمعين، فانطلقت ألسنتهم بأشعار زاخرة بالعاطفة القوية، والانفعال العميق، تبرز فيها الحقائق التاريخية مجلببة بجلباب الخيال والمغالاة.

وهذا الفخرقد يكون قبلياً تارة تسيطر عليه روح حماسية جارفة، وهذا شأنه دائماً في مواطن الكر والفر، والأخذ بالثأر وتضييق الخناق على الأعداء، واستطابة الموت عند الحرب، إذ ينطوي شعر الفخر على دفقات قوية من الحماسة، ويكون من ذلك مزيج متلازم. ومن خير ما يمثل هذا الفخر القبلي الحماسي معلقة عمر بن كلثوم التغلبي، التي سجل فيها فوزات قبيلته، ومنعتها، وما يتحلى به أفرادها من شجاعة وإقدام، وسطوة وهيبة وأنفة وإباء.

وهذه الحماسة المزهوة لا تحول دون إنصاف الشاعر لأعدائه، والإقرار بقوتهم وشجاعتهم، وعهدت في الشعر الجاهلي قصائد من هذا القبيل سميت «المنصفات» ومن أصحابها: العباس ابن مرداس، وعوف بن الأحوص، وخداش بن زهير.

ويكون الفخر تارة أخرى ذاتياً ينبعث من نفوس تهوى العزة والمجد، وتحرص على بناء المكارم، والتباهي بمآثرها الفردية، ويبدوهذا الفخر الذاتي لدى طائفة من الشعراء الفرسان والأجواد، كعنترة، وحاتم الطائي، وعمروبن الإطنابة، والشعراء الصعاليك كالشنفرى، وتأبط شراً، وهنا يحلوللشاعر حتى يتحدث عن نفسه وخصاله، وعراقة أصله، وطيب منبته، ومايتحلى به من كرم ومروءة وحماية للجار، وغير ذلك من الفضائل الخلقية. وفي معلقات طرفة بن العبد، ولبيد بن ربيعة، وعنترة بن شداد، صور كثيرة من هذا الفخر الفردي، تتلاقى على صعيد واحد، وقد وشحها أولئك الشعراء بذكر القصف واللهو، والفخر بشرب الخمرة في معرض الحديث عن الكرم والإكرام.


الرثاء

يلتقي الرثاء والمديح في أنهما كليهما إشادة بالمرء وإعلاء شأنه، لكن الأول إشادة بالميت وخصاله، والثاني إشادة بالحي وتمديد لمآثره وسجاياه. ويمتاز الرثاء أيضاً بأنه فن شعري ثابت المعاني والهدف، لأنه يعبر في معظم أحواله عن انفعال وجداني، وشعور عميق بالحزن والألم، حين تفقد الأسرة أوالقبيلة، عزيزاً فيغمرهم الحزن وتتحرك الشاعرية لتعبر عن الأسى المشهجر، والخسارة الفادحة والمجد الذي انهد ركنه، والشمائل التي حكم بها الموت للقبر والتراب. وقد يصحب تعداد شمائل الميت، والبكاء عليه، أخذ بأسباب العزاء فيه، ودعوة إلى الصبر على حدثان الدهر، والتأسي بمن طوتهم المنون من قبل، لأن الدنيا دار فراق وزوال، لا دار خلود وبقاء، وليس أمام الإنسان سوى الاستسلام للأقدار، والقبول بالقضاء.

هذه المعاني والأفكار، في جملتها تتردد في أشعار الرثاء عند الجاهليين، وقد يطغى جانب منها في القصيدة على آخر، أوتتفرع عنها معان جرئية، ولكن تظل المناحي الأساسية بارزة في تلك الأشعار.

وإذا كان المرثي ذا منزلة رفيعة لجأ الشاعر إلى المبالغة وتهويل الخطب وإشراك الطبيعة في استعظام المصاب.

وقد اشتهر عدد من الشعراء أجادوا الرثاء في العصر الجاهلي، منهم: المهلهل بن ربيعة، ودريد بن الصمة، وأعشى باهلة، ولبيد، وطفيل الغنوي، وأوس بن حجر، وأبودواد الإيادي. كما عهد كثير من النساء بإجادة هذا الفن الشعري والنبوغ فيه، كالخنساء، وجليلة زوجة كليب، وسعدى بنت الشمردل. والرثاء عند هؤلاء الشعراء والشواعر، منه ماقد يكون في الأقرباء الأدنين: كما في رثاء المهلهل لأخيه كليب، والخنساء لأخويها صخر ومعاوية، ولبيد لأخيه أربد. ومنه ماقد يكون في أناس آخرين، من ذوي المكانة والشأن في قبيلة الشاعر، أوفي غيرها من القبائل، ممن تقربهم إلى الشاعر صلات وثيقة. ومن ذلك قصيدة أوس بن حجر، التي رثى فيها فضالة الأسدي، وتعد من عيون المراثي في العصر الجاهلي: ومطلعها:

أيتهــا النفــــس أجملــي جـــزعاً إن الـــذي تحـــذرين قــد سقطــا

وقصيدة أبي دواد الإيادي، التي رثى فيها من طواهم الردى من شباب قبيلته وكهولها، وذكر ما لهم من صفات ومفاخر ومجد، وأشاد بما كان لهم من بأس وسخاء في أوقات الشدة والجدب، وما تحلوا به من عقول راجحة وآراء سديدة. وأول هذه القصيدة:

منـــع النـــوم، مـــاوي، التهمام وجـــدير بالهـــم مـن لا ينــــام

والرثاء عند الجاهليين يكثر فيه ترداد ألفاظ معينة، كالجملة النادىئية: «لا تبعد» أو«لا تبعدن» كما يكثر النادىء بالسقيا لقبر الميت: «سقيا لقبرك» «سقاك الغيث» وذلك ليبقى ما حول القبر خصباً ممرعاً.

الهاتى

حظ هذا الفن في الشعر الجاهلي قليل؛ إذا قيس إلى الفخر أوالغزل مثلاً؛ ولكن أثره كبير في النفوس، وسقطه أليم في الأفئدة، لأنه يقوم على إذلال المهجو، وتجريده من الفضائل والمثل التي يفتخر بها القوم، أوالتي بها يمدحون. ومن ثم الفخر، والمدح، والهاتى، تجمع ثلاثتها جملة من الفضائل وأضدادها، فالكرم، مثلاً، فضيلة لديهم، وفي لقاءه تكون نقيصة البخل والشح، والشجاعة ضدّها الجُبن. إلى غير ذلك.

وعلى هذا، فإن الهاتى في الشعر الجاهلي هوانتقاص للخصم، وتعيير له بجملة من المخازي والمساوئ التي يستهجنها مجتمعه، فمنها ما في مجال الحروب والغزوات التي حفلت بها حياتهم: كالجبن، والفرار عند اللقاء، والوقوع في الأسر، ودفع الفدية، ومنها ما في حيز العلاقات الاجتماعية، والنقائص النفسية: كالبخل، والاعتداء على الجار، واللؤم، والغدر، والقعود عن المكارم، وما يتفرع عن ذلك كله من المعايب والسقطات التي يعدها العربي عاراً يبرأ منه، أويحذر الوقوع فيه، لئلا يصيب منه الشاعر مقتلاً. فضلاً عما تحرص عليه القبيلة في أفرادها كافة من كرم الأحساب، ونقاء الأنساب، لئلا تتحطم سمعتهم، أوينهار بناء أحسابهم وأنسابهم، فيكونوا نصباً للهاتى.

والهاتى عندهم على ضربين: هاتى فردي، وآخر جماعي يتجه إلى القبيلة نفسها وقد يجمع الشاعر بينهما.

وهاتى الجاهليين عامة يسلك مسلك الجد. ولا يدخله الإفحاش ولا الشتيمة الصريحة، ولكن من الممكن داخله شيء من السخرية والتعريض والتلميح الموجع، بدلاً من الهاتى المباشر.

الحكمة

الحكمة قديمة في أشعار الجاهليين، لأننا نعثر عليها عند أوائلهم، كامرئ القيس وعبيد بن الأبرص، كما حفلت بها قصائد الشعراء الآخرين على مر السنين. وحكمهم مستمدة من بيئتهم التي عاشوا في كنفها، حرباً وسلماً، وعلاقات وعادات، وأخلاقاً وسجايا.. وهذه الحكم صدى لصفاء الفطرة، ودقة الإحساس، وغنى التجارب، والقدرة على استخلاص العبرة من الحوادث، ولا تخلو، في الوقت نفسه، من قيمة تاريخية، ودلالة اجتماعية، ونواح أخلاقية، وفلسفة عملية تختلف من زمن إلى زمن، ومن إنسان إلى آخر، لأنها تعبر عن آراء أصحابها، ومواقفهم من الحياة والناس، وتفكيرهم في تقلبات الأيام. وتحمل في طياتها نظرات ثاقبة، وبصيرة واعية، إزاء قضايا الناس والحياة، ويسوقها الشاعر في مطاوي القصيدة أوفي نهايتها.

وتعد المعلقات أوضح الأمثلة للقصائد التي تحفل بالحكم، على تنوع موضوعاتها وأغراضها، كمعلقة زهير، التي أوفد فيها نحوالعشرين بيتاً، وبدا في سردها هادئ النفس، رصين التأمل، واقعي التناول لقضايا الحرب والسلم، والحياة والموت، وخفايا النفس الإنسانية.

وأما طرفة، الشاعر الشاب، فإن حكمه في معلقته تنبع من شخصيته العابثة، التي ترغب حتى تستبق اللذات قبل حتى يفاجئها الموت، لأن الحياة أشبه بكنز يتناقص شيئاً فشيئاً، والموت سيأتي على جميع حي، ولا راد لما يأخذ.

وتنبث الحِكم في قصائد الشعراء الآخرين: كلبيد، وعبيد بن الأبرص، وحاتم الطائي، وأوس ابن حجر وعلقمة بن عبدة، والأفوه الأودي. وانفرد منهم أمية بن الصلت بالإكثار من الحكم التي تعتمد على أخبار الأديان والأمم الغابرة، وقراءة الخط، ولذلك اجتمعت فيها روافد التجربة والثقافة معاً. وكان طابعها دينياً ممزوجاً بالكلام على زوال الحياة وتحكم حوادث الدهر في الناس.

الوصف

الوصف يغلب على أبواب الشعر جميعاً، فهوباب واسع، يضم جميع ما يقع تحت الحواس من ظواهر طبيعية، حية وصامتة. إلى غير ذلك كان عند شعراء العصر الجاهلي الذين عايشوا الصحراء في حلهم وترحالهم، وألفوا القفار الموحشة، وما فيها من جبال ووديان ومياه وحيوانات أليفة وغير أليفة، فوصفوا ذلك كله لأنه وثيق الصلة بحياتهم وتقلباتهم.

وكانت الناقة صاحبة الشاعر في جوبه لتلك الفيافي والمفاوز، وعليها اعتماده في كثير من أحواله، لذلك أكثر فيها القول، وافتن في وصف أجزاء جسمها، وصور جميع أحوالها في سيرها وسرعتها، وصبرها على مشاق السفر، حتى كادت الناقة تستأثر بنصيب وافر في طول القصائد التي نظمها أصحاب المعلقات وغيرهم، كبشامة بن الغدير، والمثقب العبدي، والمسيب بن علس، وأوس بن حجر، وغيرهم.

والفرس هوالحيوان الثاني الذي يرافق الشاعر الجاهلي، ويقاسمه العيش، ويتحمل معه التعب والعناء، والسير والسرى، ولاسيما في خروجه إلى الصيد، وخوضه الحروب. وقد عني العرب بالخيول الأصيلة، واتخذوا لها أسماء خاصة، وحفظوا أنسابها أيضاً، فلا غرابة حتى يصفها شعراؤهم في قصائدهم، ولكل واحد من هؤلاء الشعراء طريقته الخاصة في وصف فرسه، سواء أكان ذلك في مجال الصيد واللهو، كامرئ القيس، أم كان في ميادين الحرب والقتال: كعنترة والمزرَّد، أم كان وصفاً عاماً للفرس، على أنه مجلى النظر وموضع الفخر، كما هوالشأن عند طفيل الغنوي وأبي دواد.

ولم يكتف الشعراء بوصف الناقة والفرس، وإنما وصفوا ضروب الحيوان الأخرى في بيئتهم ولاسيما الثور الوحشي، والبقرة الوحشية، وجعلوا وصفهم لهذين الحيوانين ذريعة إلى وصف الناقة بالسرعة والخفة عن طريق تشبيهها بأحدهما، وتخيل معركة ضارية بين الثور، أوالبقرة من جهة، وكلاب الصيد من جهة أخرى. وتنتهي هذه المعركة غالباً بنجاة الحيوان الوحشي، وتغلبه على الكلاب، أوطعنه أحدها بقرنه.

كما يرد في قصائد الشعراء أوصاف لحيوانات أخرى: كالهر، والديك، والحية، والذئب،والنعامة، والغراب. وهذه الأوصاف كلها تأتي في ثنايا القصائد الطويلة، أما مطالع تلك القصائد فقد استأثر بها وصف الأطلال والرسوم الدارسة، التي تؤلف ركناً قوياً ثابتاً في أول القصيدة الطويلة، كالمعلقات وغيرها، إذ يقف الشاعر على تلك الأطلال ويصفها ويناجيها، ويذكر ما عملته فيها الرياح والأمطار مشبهاً إياها بآثار الكتابة أوالوشم.

وكذلك وصف الشعراء الجاهليون مظاهر الطبيعة حولهم كالليل، والسحاب، والرعد، والبرق،ووصفوا كذلك الخمر ومجالس الشرب واللهووالحرب وأسلحتها المتنوعة. وهذا كله يشير على عناية أولئك الشعراء وغيرهم بوصف جميع ما يحيط بهم وصفاً دقيقاً، في بساطة وجمال، وصدق في التعبير عن المشاعر والإحساسات، وتعاطف مع الحيوان عامة، بوساوسه وحذره وجرأته. معتمدين على النطقب القصصي في كثير من الأحيان، وعلى التشبيه وسيلة للأداء والتصوير.

النثر الجاهلي

بنى العرب مجدهم الأدبي، في العصر الجاهلي، على الشعر. ومع حتى الكتابة كانت معروفة لهم - فإن ما وصل إلينا من نثرهم قليل جداً. وكانت الكتابة تقتصر على جوانب تتصل بحياتهم السياسية والاجتماعية والتجارية، من رسائل، وعقود ووصايا ومواثيق. وفي القرآن الكريم إشارات إلى كتابة الديون، وحديث عن رحلتي قريش.. ومثل هذه الرحلات التجارية تستدعي الكتابة والتسجيل.

وليس المراد بالنثر الجاهلي هنا ذلك النثر العادي الذي يتخاطب به الناس، وإنما المراد به النثر الأدبي أوالفني الذي يعنى صاحبه بتجويده، وإتقانه لينال إعجاب القارئ، من حكمة تنطق، أوسيرة تروى، أومثل يضرب، أوخطبة تلقى، أورسالة تدبَّج، أووصية بليغة تنقل.

مثل هذا النثر الفني قليل الوجود بين أيدينا بلفظه الأصلي الذي صدر عن أصحابه لأن حفظ النثر أصعب من حفظ الشعر، لكن الذاكرة الأدبية للرواة اكتسبت على مر العصور أصالة ومراناً، مما أعطى لهم حتى يحتفظوا بنصوص من ذلك النثر، في صورتها الأصلية، وبأخرى ليست موافقة لأصلها جميع الموافقة، ولكنها صورة قريبة منه، يمكن من خلالها تحديد خصائصه الفكرية والفنية. وهذه النصوص النثرية الجاهلية، الأصلية والقريبة من الأصل، وردت في طائفة من المصادر الأدبية والتاريخية القديمة. وكان في تلك النصوص فنون أدبية نثرية، تأتي في مقدمتها: الخطابة - ويلحق بها المنافرات، وسجع الكهان - ثم الحكم والأمثال - ويلحق بها الوصايا والنصائح - ثم القصص، فالرسائل.

بداية العصر الإسلامي

انتشر الأدب العربي بسبب انتشار الإسلام بالقرن السابع. وكانت اللغة العربية قد انتشرت تحت لوائه لأنها لغة القرآن ولاسيما بالمشرق والمغرب والأندلس حيث تأثر المشارقة والمغاربة بالثقافة والعلوم الإسلامية. فكان الذين وضعوا الأدب العربي في ظلال الحكم الإسلامي هم من أجناس شتى . فمنهم العربي والفارسي والهجري والهندي والسوري والعراقي والمصري والرومي والأرمني والبربري والزنجي والصقلي والأندلسي. وكلهم تعرّبوا ونظموا الشعر العربي وأدخلوا أغراضا شعرية مستجدة وألفوا الخط العربية في شتى العلوم.

عصر صدر الإسلام

نص كتاب تاريخ الأدب العربي، العصر الإسلامي، الدكتور شوقي ضيف - في عصر صدر الإسلام وبنى أمية - في العصر الإسلامي والعصر الأموي. انقر على الصورة للمطالعة.

أحدث ظهور الإسلام تحولاً جذرياً في حياة الأمة العربية ونقلها من طور التجزئة القبلية إلى طور التوحد في إطار دولة عربية تدين بالإسلام وتتخذ القرآن الكريم مثلاً أعلى. وكان لابد لهذا الحدث العظيم من حتى يعكس صداه القوي في الحياة الأدبية لهذه الأمة. شعراً ونثراً ومن الطبيعي حتى النتاج الأدبي للأمة يتفاعل مع البيئة التي تظله ويخضع لمؤثراتها.

وحين تُرصد الظواهر الأدبية في صدر الإسلام يتبين بجلاء ما هجره الإسلام من بصمات واضحة في مسيرة الأدب عصرئذ وفي سماته وخصائصه. ومن أبرز آثاره ضمور فنون أدبية كانت مزدهرة في العصر الجاهلي وظهور فنون جديدة أوتطور فنون قديمة. فقد قضى الإسلام على سجع الكهان الذي كان مرتبطاً بالوثنية الجاهلية ونهي الخطباء عن محاكاة ذلك السجع في خطبهم، وظهر لون من الخطابة يستقي من ينابيع الإسلام. وأخذ الشعراء يعزفون عن النظم في الأغراض التي كانت حياة العرب في الجاهلية تدعوإليها. واتجهوا إلى أغراض دعت إليها البيئة الإسلامية كشعر الجهاد والفتوح والشعر الديني، وأصبح شعرهم يدور حول معان تتصل بالقيم والمثل الإسلامية. وقد أوجد الإسلام مبادئ خلقية تلائم تعاليمه وروحه فانعكست هذه المبادئ في النتاج الأدبي عصرئذ.

وقد راجت مقولة تمضى إلى حتى الإسلام وقف من الشعر والشعراء موقفاً مناهضاً مثبطاً، استناداً إلى قوله تعالى: "والشعراء يتبعهم الغاوون، ألم تر أنهم في جميع واد يهيمون، وأنهم يقولون ما لا يعملون" (الشعراء: 224-226). وتسليماً لهذه المقولة ينبغي التوضيح حتى الشعراء الذين تناولتهم الآيات القرآنية إنما هم الشعراء الذين كانوا يحرضون على الفتنة، ويخوضون في الإفك والباطل، والذين كانوا يتصدون لهاتى الرسول عليه السلام والمسلمين، وليس المقصود الشعراء كافة، ولهذا استثنى تعالى الشعراء الذين لا تصدق عليهم الآيات السابقة بقوله بعدها: )إلا الذين آمنوا وعملوا الصالحات وذكروا الله كثيراً وانتصروا من بعدما ظلموا وسيفهم الذين ظلموا أي منقلب ينقلبون( (الشعراء 227). وكان الرسول عليه السلام يميل إلى سماع الشعر الجيد، وكان يشجع حسان بن ثابت وشعراء الأنصار على مهاجاة شعراء المشركين، وكان يقول لحسان: «اهجهم وروح القدس معك»، فهوإذاً لم يدع إلى التخلي عن الشعر وإنما كان يقف موقفاً مناهضاً من الشعر الذي ينافي المبادئ والقيم الإسلامية، وقد أثر عنه حديث في إطراء الشعر وهوقوله عليه السلام: «إن من الشعر حكمة» (سليم مسلم).

وكان للإسلام يد لا تنكر في ازدهار النثر الأدبي، ولاسيما الخطابة والترسل، فقد أصبحت الخطابة وسيلة لنشر الدين والوعظ وبيان مبادئ الإسلام والحض على الجهاد والدعوة إلى مكارم الأخلاق وبيان خطة الحكم، وكان الرسول عليه السلام وخلفاؤه خطباء مفوهين، وكذلك كان جل عمالهم وقوادهم. وقد نادى قيام الدولة الإسلامية واتساع سلطانها إلى الاستعانة بالكتابة والكتاب، وكانت الكتابة محدودة الانتشار في العصر الجاهلي فاتسع لها المجال في صدر الإسلام وأقبلت الناشئة على تفهم الكتابة.

نص كتاب تاريخ الأدب العربي لريجيس بلاشير الفصل ثلاثة الخاص بالقرآن فقط انقر على الصورة للمطالعة

العصر الأموي

أدى قيام الدولة الإسلامية إلى ظهور أدب إسلامي يغاير في كثير من خصائصه الأدب الجاهلي، بيد حتى قصر حقبة صدر الإسلام (1هـ، 40هـ) لم يتح لهذا الأدب حتى يمد جذوره وأن تنضج سماته الجديدة، فلما كان العصر الأموي أتيح لهذا الأدب الجديد حتى يزدهر وأن تتضح قسماته، وساعدت على هذا التطور عوامل كثيرة سياسية واجتماعية ودينية.

وأبرز المؤثرات في الحياة الأدبية عصرئذ كانت المؤثرات السياسية. فقد نقل الأمويون حاضرة ملكهم إلى بيئة جديدة تغاير بيئة الحجاز هي الشام. وأسسوا ملكاً وراثياً يتداول فيه بنوأمية الحكم من دون سواهم ويقمعون جميع معارضة تنزع إلى سلبهم ملكهم، وكان لجل خلفاء بني أمية مقدرة سياسية تجعلهم مهيئين لتولي منطقيد الحكم. وقد قوبل نزوع بني أمية إلى الاستئثار بالأمر بمعارضة عنيفة من طوائف من رعيتهم، منهم الخوارج الذين كانوا يريدون الخلافة شورية لا تكون وقفاً على قريش وحدها بل يتولاها جميع من تتوافر فيه المؤهلات المطلوبة ولوكان عبداً حبشياً. ومنهم الشيعة الذين كانوا يرون آل البيت أحق بتولي الأمر من جميع بطون قريش ومن جميع المسلمين ويجعلون الإمامة أمراً إلهياً، فالله اختار نبيه والنبي اختار وصيه علياً، وكل إمام يوصي لمن يليه، وقد اتهموا بني أمية بأنهم افتأتوا عليهم وغصبوهم حقهم الشرعي. على حتى حزبي الخوارج والشيعة ما لبثا حتى انقسما إلى فرق تختلف فيما بينها في طائفة من المعتقدات، فانقسم الخوارج إلى أزارقة - وهم أشدهم تطرفاً - وإباضية، ونجدات، وصفرية، وفرق أخرى أقل شأناً، وانقسم الشيعة إلى إمامية اثني عشرية، وإمامية سبعية (إسماعيلية)، وكيسانية، وزيدية. وقد قام جميع من الخوارج والشيعة بثورات متصلة طوال العصر الأموي ولكنهم لم يستطيعوا تحقيق نصر حاسم لتفرق حدثتهم وقلة عددهم، ولكن ثوراتهم أدت إلى زعزعة أركان الحكم الأموي. ومن هذه الطوائف كذلك جماعة عبد الله بن الزبير الذي كان يرى أنه أحق بالخلافة من يزيد بن معاوية، وقام بينه وبين بني أمية نزاع دموي استمر عشر سنوات وانتهى بمقتله والقضاء على أصحابه سنة 73هـ. ومن هذه الطوائف من ثار على بني أمية لعدم رضاهم عن سياسة أميرهم، فثار عبد الرحمن ابن الأشعث على الحجاج ثورة كادت تزلزل أركان الحكم الأموي ولكنه أخفق في تحقيق النصر وانتهى الأمر بموته منتحراً، وثار يزيد بن المهلب على يزيد بن عبد الملك وانتهى أمره بمقتله.

ومن أبرز ثورات الخوارج التي تمخض عنها عصر بني أمية ثورات الأزارقة الذين كانوا أشد الخوارج تطرفاً وتشدداً، وقد اغتال زعيمهم نافع ابن الأزرق في مسقطة دولاب مع أهل البصرة. وتوالت ثوراتهم بعد ذلك واستطاع القائد المحنك المهلب ابن أبي صفرة حتى يبعد خطرهم ويصد حملاتهم وأن يقضي عليهم آخر الأمر. وفي الوقت عينه كان الخوارج الصفرية يشنون حملات عنيفة على مدينة الكوفة يقودهم الخارجي شبيب بن يزيد. وقد استطاع هذا الخارجي حتى يهزم جيوشاً كثيرة أوفدها إليه الحجاج. بل لقد استطاع دخول الكوفة ومعه زوجه غزالة الحرورية، واضطر الحجاج حتى يستنجد بعبد الملك الذي وجه لنجدته جيشاً من أهل الشام، وأخيراً هلك شبيب وزوجه وأخوه في مسقطة على مشارف الكوفة. وفي أواخر العصر الأموي قام الخارجي الضحاك بن قيس الشيباني بحملة على الكوفة في جمع غفير من الخوارج واستطاع الاستيلاء عليها ولكنه هزم بعدئذ في مسقطة مع جيش وجهه إليه مروان بن محمد وانتهى الأمر بمصرعه. ولم تكد ثورته تنطفئ حتى انطلق الخوارج الإباضية من بلاد اليمن إلى الحجاز واستطاع قائدهم أبوحمزة الخارجي حتى يستولي على مكة والمدينة ولكنه لم يستطع حتى يصد الجيش الذي وجهه إليه مروان بن محمد من الشام فقتل في مسقطة بوادي القرى.

وعلى الرغم من إخفاق ثورات الخوارج فإن ثوراتهم المتصلة كانت من أقوى الأسباب في إضعاف الحكم الأموي وجعله عاجزاً عن الوقوف في وجه أنصار الدعوة العباسية.

وكانت ثورات الشيعة أقل خطراً من ثورات الخوارج، فقد أعرب الحسين بن علي خلافه على يزيد بن معاوية ولما قدم بآل بيته إلى الكوفة تخلت عنه شيعته فانتهى أمره بالقتل ومعه جل آل بيته. وكذلك أخفقت ثورة التوابين في إحراز نصر حاسم على بني أمية. واستطاع المختار الثقفي حتى يستولي على الكوفة وأن يهزم جيش أهل الشام ولكنه لم يستطع التغلب على جيش مصعب بن الزبير وقتل. وكذلك أخفقت ثورة زيد بن علي بالكوفة لخذلان أهل الكوفة إياه فقتل وصلب كما اغتال ابنه يحيى بعد ذلك.

ويتصل بالمؤثرات السياسية حركة الفتح الإسلامي التي بلغت أوجها في ذلك العصر، وقد استطاع الفاتحون المسلمون حتى يمدوا حدود الدولة الإسلامية في حقبة قصيرة إلى أقصى المغرب وإلى بلاد الأندلس ومشارف بلاد الروم، وامتدت فتوحهم شرقاً إلى بلاد فارس وسجستان وخراسان وما وراء النهر وبلاد السند، فكان الفتح الإسلامي أسرع فتح عهده التاريخ، وكان العرب الفاتحون حين يبسطون سلطانهم السياسي ينشرون معه عقيدتهم ولغتهم وأدبهم، كما كانوا يتأثرون بحضارة الأمم التي بسطوا سلطانهم عليها وبأدبها وعاداتها الاجتماعية. وقد أدت الفتوح إلى امتلاء أيدي الفاتحين بالفيء والأموال وأدى هذا إلى اختلاف نمط حياتهم اختلافاً بيناً عما كانت عليه يوم كانوا يعيشون حياة التقشف والضيق في جزيرتهم.

فكذلك عثر للأدب العربي في عصر بني أمية بيئات جديدة غير بيئة الجزيرة العربية، مهده الأول، فتلون الأدب بألوان هذه البيئات وتأثر بها، فكان لبيئات الشام والعراق وخراسان ومصر والمغرب والأندلس أثرها القوي في الحياة الاجتماعية والفكرية والأدبية.

ومن المؤثرات الاجتماعية في الحياة الأدبية كذلك ظهور طبقة الموالي التي كانت في تكاثر مستمر سواء من طريق الفتوح أوالشراء، وكان لا مفر من حتىقد يكون لوجودها أثر واضح في المجتمع العربي كما كان لها أثر في الحياة الأدبية. فقد حذقت طوائف من الموالي اللغة العربية لنشأتهم بين ظهراني مواليهم العرب، ووقفوا على التراث الأدبي وما لبثوا حتى شاركوا في الحياة الأدبية فظهر منهم الكتاب والشعراء. على حتى بني أمية كانوا يقمعون أية محاولة يقوم بها الموالي لإبراز هويتهم القومية أولحمل أصواتهم بنائرة العصبية المعادية للجنس العربي، فظلت الحدثة الأولى للعرب طوال ذلك العصر، على نقيض ما وقع في العصر العباسي.

ولئن أفلح بنوأمية في قمع العصبية القومية فإنهم لم يفلحوا في إخماد جذوة العصبية القبلية التي استعرت في ذلك العصر وبرزت على نحوأعنف وأبعد أثراً مما كانت عليه في العصر الجاهلي، وكان استعارها بعمل عوامل شتى اجتماعية وسياسية واقتصادية. وقد ظهرت في ذلك العصر التكتلات القبلية الواسعة فاحتدم الصراع بين العدنانية والقحطانية، كما نشب الصراع في إطار جميع من هاتين الكتلتين. وقد هجرت هذه الفتن القبلية صداها القوي في الحياة الأدبية، وفي الشعر خاصة، فنشط فن المناقضات وكثرت المفاخرات القبلية. ووقف الشعراء والخطباء وراء احتدام هذه العصبيات فكان الشعراء يلتقون في المربد والمحافل فيتفاخرون ويتهاجون والناس حلق حولهم وكل فئة تتعصب لشاعرها فتزداد نار العصبية بذلك اتقاداً.

وثمة عامل آخر كان له أقوى الأثر في الحياة الأدبية عصرئذ هوالبلاط الأموي، وموقفه من الشعراء والخطباء. وكذلك موقف ولاة بني أمية منهم. فقد دأب خلفاء بني أمية وولاتهم على إكرام الشعراء الذين ينتجعونهم فأغدقوا عليهم الأموال بسخاء، فلا غروحتى يتجه الشعراء إلى فن المديح ويجعلوه فنهم الأول، وأن يتزاحم فحول الشعراء على أبواب الخلفاء والولاة يمدحونهم ويبالغون في إطرائهم ليظفروا بالعطايا والصلات، فإذا بفن المديح - الذي كان الجاهليون ينظرون إليه على أنه فن يزري بقائله - يغدوالفن الأول في الشعر العربي، وإذا بالشعراء المداحين يتنافسون في التقرب إلى أولي الأمر ليحظوا بالمال والشهرة فيخرج الشعر بذلك عن مساره الحق ويسلك مساراً آخر يبعد عن الصدق والأصالة.

وفي الميدان الفكري تظهر مؤثرات تتجه بالفكر العربي وجهات لا عهد له بها وتثير قضايا لم تخطر له من قبل، فيثور الجدل بين المسلمين في شؤون عقدية كالقضاء والقدر وحرية الإرادة والثواب والعقاب والكبائر ونحوها وتظهر الفرق الكلامية كالقدرية والمعتزلة والجهمية والمرجئة وغيرها ويشغل المسلمون بالجدل في هذه الأمور ويتلون الأدب الأموي من جراء ذلك بألوان فكرية تخصبه وتوسع آفاقه.

العصر العباسي

نص كتاب تاريخ الأدب العربي، العصر العباسي الأول، الدكتور شوقي ضيف. انقر على الصورة للمطالعة.

لم يكن هيناً على الأمويين حتى يحتفظوا بملكهم طويلاً بعد عصر الراشدين، بسبب الثورات المتلاحقة التي كانت تنشب في وجههم وتنازعهم الحكم، ولاسيما ثورات الخوارج والشيعة والزبيريين. ثم كانت ثورة العباسيين سنة 132هـ/750م آخر حلقة في سلسلة تلك الثورات، التي أنهكت دولة بني أمية وآلت إلى القضاء عليها.

كان في مقدمة ماتطلع إليه بنوالعباس التمركز في حاضرة جديدة بعيداً عن دمشق موطن الأمويين، وفي منأى عن الكوفة معقل الشيعة، وقد آثر الخليفة الثاني أبوجعفر المنصور لذلك مسقط قرية على دجلة تدعى بغداد على مقربة من مدينة بابل القديمة، واتخذها عاصمة لملكه وأطلق عليها لقب دار السلام مقتبساً ذلك من القرآن الكريم. وانصرف المنصور إلى إعمار حاضرته على خير وجه، فابتنى فيها القلاع والجسور، وأقام حولها الأرباض والسدود، ونشر في ربوعها الشوارع والأسواق.

وقد ظلت البادية حتى ضحى هذا العهد ترفد المدن والحواضر بمواد اللغة والأخبار، والخطب والأشعار، بوصفها موطن الأصالة ومنبع الإبداع. ثم أخذ الرواة واللغويون ينتشرون في حواضر العراق ويتجمعون في مدنها، حتى اكتظت بهم الكوفة والبصرة فضلاً عن بغداد. وفي هذه المراكز الفهمية والأوساط الأدبية قامت حركة تدوين رائدة لم يكن لمثلها نظير. فنشط الرواة وكثر المؤلفون وراجت سوق الوراقين. وقد واكب ذلك على صعيد الأدب نبوغ عدد من الشعراء والكتَّاب الذين احتضنتهم هذه المدن، واتسم نتاجهم المنظوم والمنثور بكثير من ملامح الجدة والطرافة.

وما من ريب في حتى الاستقرار السياسي، ولاسيما بعد انقضاء طور الفتوح والقضاء على الفتن، قد ساعد على الالتفات إلى شؤون الأدب والفهم وقضايا الفلسفة والفكر، وجعل الظروف ملائمة لتدفق العطاء وتفجر الإبداع. وكان من المعهود حتى يولي الخلفاء جميع ذلك اهتمامهم ويحرصوا على تشجيع ذوي المواهب، يعينهم على ذلك ثراء كبير تجمع في خزائنهم من موارد البلاد الواسعة. بل إذا من الخلفاء أنفسهم من كان معروفاً بميله إلى الأدب وحبه للفهم مثل المهدي والرشيد، والأمين والمأمون، والمعتصم والمتوكل. كذلك سار أمراء بني العباس وولاتهم ووزراؤهم على غرار خلفائهم، فكان لكل منهم بلاط يقارب بلاط الخليفة أويضارعه، من مثل ما كان لآل برمك، وطاهر بن الحسين، وعبد الله بن طاهر، ثم الصاحب بن عبّاد وابن العميد وعضد الدولة والمهلبي وسيف الدولة الحمداني.

نص كتاب تاريخ الأدب العربي، العصر العباسي الثاني، الدكتور شوقي ضيف .انقر على الصورة للمطالعة.

ويعد العصر العباسي أزهى العصور العربية حضارة ورقياً، كما أنه أطولها زمناً، إذ امتد حتى سنة 656هـ/1258م، حين تمكن هولاكوالمغولي بجحافله اللجبة من اجتياح بلاد العراق والشام والقضاء على الدولة العباسية في بغداد التي دامت ما يزيد على خمسة قرون.

وبوسع الباحث حتى يتبين عهدين كبيرين في هذه الحقبة العباسية المديدة: عهد قوة ومنعة عاش فيه الخليفة عزيز السلطان مهيب الجانب، ويعهد بالعهد المضىي الذي يصادف القرن الثاني وبعض القرن الثالث الهجري (القرنين الثامن والتاسع للميلاد)، وعهد انحلال سياسي، تخاذل فيه الخلفاء وضعفت في أيامهم هيبة الحكم. فما أطل القرن الرابع الهجري/ العاشر الميلادي، حتى غدت بلاد فارس في حوزة بني بويه، والموصل وديار بكر وديار ربيعة ومضر في أيدي بني حمدان، ومصر والشام في قبضة محمد بن طغج ثم الفاطميين.

على حتى التفكك السياسي لم يصحبه بالضرورة تقهقر حضاري ولا تخلف فهمي، بل إذا الفكر العربي الإسلامي، بما أوتي من قوة دافعة أكسبته إياها القرون الأولى الوطيدة، استطاع حتى يمضي في طريق النضج والازدهار ويغمر الأرض بنور الفهم وألق الإبداع. فقد تعددت مراكز الإشعاع الحضاري، إضافة إلى مدن العراق، فكانت مكة والمدينة في الحجاز، والفسطاط والقاهرة في مصر، وحلب ودمشق في الشام، والري وهمذان في فارس ثم بخارى وسمرقند في ما وراء النهر،وغزنة في أفغانستان وجرجان في خرسان.

وكان طبيعياً في غمار هذا الوضع السياسي والاجتماعي حتى ينطوي ذلك المجتمع الجديد على تمازج في العادات والثقافات، وأن يفرز هذا العصر أصنافاً من العلوم وألواناً من الآداب، وأن يعكس ذلك على جميع صعيد في الحياة العامة وفي جملتها الحياة الأدبية.

عصر الدول المتتابعة

نص كتاب تاريخ الأدب العربي - شوقي ضيف عصر الدول والامارات (الجزائر-المغرب الأقصي-موريتانيا- السودان). انقر على الصورة للمطالعة.
نص كتاب تاريخ الأدب العربيعشرة موريتانيا والمغرب الجزائر تونس انقر على الصورة للمطالعة

من العسير تحديد أطوار الأدب في عصر الدول المتتابعة بسنوات معينة، لتداخل بعضها ببعض. ويمكن تحديد إطار هذا الموضوع بالحكم الذي ساد في جميع حقبة من حقب ذلك العصر، وهي:

1- العهد الزنكي 521-579هـ/1126-1183م.

2- العهد الأيوبي 579-648هـ/1183-1250م.

3- العهد المملوكي 648-922هـ/1250-1517م.

4- العهد العثماني 922-1213هـ/1517-1798م.

ذلك هوالإطار الزماني، أما الإطار المكاني، فهوموطن حكم هذه الدول، وهوبلاد الشام ومصر، في المقام الأول، وبعض أراتى الجزيرة العربية كالحجاز واليمن. أما ما كان خارج هذه البلاد في العصر العثماني فلا يدخل في إطار البحث، لأن المراكز الثقافية والفكرية والأدبية الكبرى كانت في أرض الشام ومصر في الدرجة الأولى.

ولعل معالم العهد الزنكي والعهد الأيوبي والعهد المملوكي متقارب بعضها من بعض أكثر من قربها من معالم العهد العثماني.

ومن هذه المعالم حتى اللغة العربية ظلت لغة رسمية للزنكيين والأيوبيين والمماليك، مع حتى أصولهم غير عربية، ولغاتهم الأصلية غير عربية. أما في العهد العثماني، فقد غدت الهجرية لغة الدولة الرسمية، وبها تخط المراسلات والمعاهدات والمعاملات، ثم تأتي بعدها في المقام الثاني اللغة الفارسية، وتدرّس في المدارس، ويتحدث بها كثير من المثقفين والحكّام، ثم تأتي العربية في المقام الثالث، والدولة العثمانية لا تحاربها، ولا تقف عقبة في وجه من يسعى إلى تفهمها، لأنها لغة القرآن والإسلام، ولهما في النفوس أحمل مقام. يضاف إلى ذلك حتى السلاطين العثمانيين استولوا من مصر والشام على خير ما في خزائن خطهما كما أخذوا إلى العاصمة اصطنبول خيرة فهماء العربية ومهرة الصناع والحرفيين. وكان ذلك سبباً في تراجع الاهتمام وتدهور اللغة وتفشي اللحن والعامية والجهل والأمية إذ خلا البلدان ممن يحمل من شأن العربية.

اهتم الزنكيون والأيوبيون والمماليك بإنشاء المدارس، وحث الطلبة على الفهم، ورصد المكافآت المغرية للمبرزين، وتكريم الفهماء، وتوفير المناخ الطيب لإنتاجهم. وكان بناء المساجد يساير حركة بناء المدارس. والمساجد في عهدهم مواطن للفهم والدرس إلى جانب كونها للعبادة. وقد عهد الملك العادل نور الدين محمود بن زنكي بولعه بإنشاء المدارس المنظمة، وعمارة المساجد، حتى إنه استقدم من سنجار أحد المهندسين المهرة ليبني له المدارس الفائقة في حلب وحماة وحمص وبعلبك ويشرف على صيانتها. كما عهد بحبه للحديث الشريف، فأنشأ له مدارس خاصة، وأوقف عليها أوقافاً كبيرة، وولى مشيختها أكابر المحدثين في زمانه، كالحافظ أبي القاسم علي بن عساكر.

وبذّ صلاح الدين الأيوبي سلفه نور الدين في الإنفاق على التعليم وإنشاء المدارس الكثيرة في مصر والشام، وقد حملت جميعاً اسم «المدرسة الصلاحية»، واشتهر صلاح الدين بأنه أعظم مشيد لدور الفهم في العالم الإسلامي بعد نظام الملك السلجوقي، وأصبحت دمشق في عهده تدعى «مدينة المدارس». وقد وصف ابن جبير، في رحلته، هذه المدارس، ووجدها قصوراً أنيقة، ومن أحسن مدارس الدنيا منظراً.

وسار خلفاء صلاح الدين على سنته، فابتنوا مدارس كانت جميع منها تنسب إلى بانيها، مثل: الظاهرية والصاحبية والعادلية والأشرفية والناصرية، وحتى نساء بني أيوب شدن عدداً من المدارس، كان منها «الشامية» و«الخاتونية»، وكذلك عمل كبار تجار العصر.

اتى عصر المماليك، وراح الحكام يتنافسون في إنشاء المدارس، حتى إذا ابن بطوطة عجب من كثرتها، وذكر أنه لا يحيط بحصرها لكثرتها. وذكر من هذه المدارس: الظاهرية والمنصورية ومدرسة السلطان حسن، والسلطان برقوق، والمؤيد شيخ، وسواها.

أما في العصر العثماني فقد انبتر إنفاق الدولة على هذه المدارس كلها، ولم يبتن الحكام مدارس جديدة، وإنما هجروا الحبل على الغارب، فذوت تلك المدارس وأخذ عددها يتناقص يوماً بعد يوم. وحل محلها كتاتيب صغيرة تفهم مبادئ القراءة والكتابة والحساب. كما تعلِّم القرآن الكريم وتجويده. حتى إذا أوغل الحكم العثماني في الزمن، ران الجهل على البلاد العربية المحكومة، وصار من النادر وجود من يحسن القراءة والكتابة فيها.

وفي عهد الزنكيين والأيوبيين والمماليك، ازداد عدد الفهماء والشعراء والكتاب والمؤلفين زيادة كبيرة لأسباب، منها هروب الفهماء والأدباء من شرقي العالم الإسلامي إلى مصر والشام إثر اجتياح التتار، وهروب الفهماء والأدباء من غرب العالم الإسلامي (الأندلس) إلى مصر والشام، بعد اجتياح الإسبان للدولة الأندلسية المسلمة، ومن تلك الأسباب الاستقرار الأمني الذي تمتعت به بلاد مصر والشام في عهد الأيوبيين والمماليك، ورعاية حكامها للفهماء والأدباء، وتوفير المناخ الفهمي والحياة الكريمة لهم مع الإجلال والاحترام.

وكان من نتيجة هذه العوامل حتى استطاع الفهماء تعويض المخطة العربية الإسلامية بعض ما ضاع منها حرقاً أوإتلافاً أوسرقة، وكانوا في تأليفهم يعتمدون على ما وصل إليهم من العصور السابقة فيقومون بتصنيفه وترتيبه وتدوينه في خط جامعة تقرب من الموسوعات. وكثرت في هذا العصر الشروح والذيول والحواشي، حتى سمي بعصر التحشية. لكن هذه الحقبة الخصبة نسبياً لم تستمر في عهد العثمانيين، وإنما اتخذ الشعر والتأليف مسار آخر، فيه من العقم أكثر مما فيه من الخصب. وكان لديوان الإنشاء، في عهد الأيوبيين والمماليك، أثر بالغ في النهضة الفهمية، وازدهار الثقافة، لما كان فيه من إغراءات، وحوافز. وحين أبطله العثمانيون وأحلوا التزكية في الدواوين محله، تدهورت الثقافة، وانعدمت الحوافز، وساءت الكتابة بوجه عام.

العصر الأندلسي

الأندلس والمغرب جزءان مترابطان من عالم واحد كان يعهد في القديم عند المشارقة بالمغرب الإسلامي، وقد ظلا يتمثلان طوال العصور الوسطى حضارة واحدة مشتبكة العلاقات في السياسة والفكر والاجتماع. وفي العلاقات البشرية المستمرة من هجرة واختلاط وتزاوج.

وقد كونت صقلية مع بلاد المغرب وشمالي إفريقية والأندلس وحدة ثقافية ذات طابع خاص جوهره التراث الثقافي العربي الإسلامي، وساعد في حفظه كثرة الانتنطق والاتصال.

وقد أدت الأندلس وصقلية دوراً بارزاً في النهضة الأوربية عن طريق نقل هذا التراث كما يشهد بذلك الباحثون، مما يجعل الحديث عن فضل الحضارة العربية الإسلامية من الوقائع التاريخية الثابتة.

وكان للأندلسيين عناية خاصة باللغة وعلومها وآدابها، إضافة إلى الفقه وعلوم الشريعة، وقد استقدم الخلفاء الفهماء من المشرق لينقلوا معهم كنوزهم الأدبية فيتأدب بها الكثيرون. وكان للفقهاء في الأندلس سلطان عظيم لدى الدولة، ولدى عامة الناس.

واحتلت المرأة في الأندلس منزلة عظيمة، ونالت حظاً وافراً من التعليم، ونبغت في العلوم والآداب والفنون كثيرات: قيل إذا مئة وسبعين امرأة بضاحية قرطبة الشرقية كن يعملن يومياً في نقل نسخ من القرآن الكريم بالخط الكوفي، وإن «إشراق العروضية» (القرن الخامس الهجري) كانت تحفظ «الكامل» للمبرد، و«النوادر» للنطقي، وكان يعهد إلى النساء بتربية أبناء الأمراء والأغنياء وتأديبهم، فابن حزم تلقى ثقافته الأولى على يد نساء قصر أبيه، وهن فهمنه القرآن، وروينه الأحاديث الشريفة، ودربنه على الخط.

وكانت الشواعر ملمحاً بارزاً من ملامح الشعر الأندلسي لوفرتهن ونبوغهن، وقد ارتبط سحر شعر النساء باسم ولادة (ت484هـ) بنت الخليفة المستكفي (ت 416هـ) فقد غشي منتداها فرسان النظم والنثر، ومنهم ابن زيدون (ت463هـ) الذي نعم بوصلها، وشقي بهجرها، فنطق فيها أجمل الغزل وأرقه.

العصر الحديث

حتى مستهل القرن التاسع عشر كانت الحياة العربية بمجملها تخضع لركود تام في ظل سيطرة الدولة العثمانية على أقطار الوطن العربي، سواء أكانت تلك السيطرة قوية مباشرة كما في بلاد الشام والعراق ومصر، أم ضعيفة أوإسمية كما في أقطار المغرب العربي وبلدان شبه الجزيرة العربية.

وكان الأدب العربي، بصفته أحد أنماط تعبيرات تلك الحياة الراكدة عن ذاتها، خامد الجذوة ويكاد يقتصر على ترديد ما تخلف عما اصطلح على تسميته في تاريخ الأدب العربي باسم: أدب عصر الانحطاط، أوأدب الدول المتتابعة.

وقبيل ابتداء القرن التاسع عشر أخذ الاصطدام العنيف بالغرب يهز ذلك الركود المتوارث هزاً شديداً. فقد اتى ذلك الاصطدام غزوات عسكرية تواصلت حتى ما بعد نهاية الحرب العالمية الأولى، وأسفرت عن استعمار مباشر لسائر أجزاء الوطن العربي باستثناء شمالي اليمن وأواسط شبه الجزيرة العربية. واستمر هذا الاحتلال حتى نهاية الحرب العالمية الثانية على وجه التقريب، كما تواصل في بعض الأقطار - كالجزائر - حتى منتصف عقد الستينات من القرن العشرين. أما في فلسطين فقد أقيمت دولة استيطانية ليهود العالم (دولة إسرائيل) الأمر الذي هجر نتائج مأساوية كبيرة ومباشرة على عرب فلسطين، ونتائج شبه مباشرة على بقية العرب في مختلف أقطارهم كانت شدتها متفاوتة بهذا القدر أوذاك، بحسب قرب جميع قطر أوبعده عن حدود تلك الدولة الاستيطانية.

ومع انتهاء الاحتلالات، وحصول الاستقلالات، كان نمط حديث من الاستعمار الاقتصادي العالمي يتولد من طبيعة عمل الرأسمالية العالمية وتطوراتها، ويهجر آثاراً سلبية عميقة في نموسائر المستعمرات السابقة، وخاصة في نموأقطار الوطن العربي الغنية بمصادر الطاقة والفريدة في مسقطها الاستراتيجي في قلب العالم الذي أخذت تتكاثر فيه القوى الكبرى المتصارعة اقتصادياً وأيديولوجياً.. وكل ذلك قد هجر - ولا يزال يهجر - آثاره في سيرورات الحياة في المجتمعات العربية، فتنعكس في الأدب شكلاً ومضموناً.

إن ابتداء اصطدام العرب بالغرب، وما أحدثه من ارتجاج قوي على سطح الحياة العربية الراكدة في أعماقها، لم يسفر عن شعور عربي عام بالعجز وعن استثارة لمقاومة النتائج العسكرية للغزوالمتوالي وحسب، بل هوأيضاً قد طرح على العرب معضلة خمود طاقات الإبداع وتجلياته لديهم، كما طرح عليهم إشكالية اللحاق بركب التقدم العالمي تأسيساً على موروثهم الحضاري من جهة، وفي ظل الاستعمار ذاته من جهة أخرى. فالغزولم يكن سقط آلة عسكرية وحسب بل كان يحمل معه أيضاً مفهومات النظام الحضاري الذي أنجز الآلة، والقيم البرغماتية لذلك النظام والمتضاربة جذرياً مع القيم العربية الإسلامية السائدة آنذاك، مثلما كان يحمل معه أدوات عمل، وأساليب تصرف، ونهج سلوك، ووسائل ترفيه فني، وكلها غير مألوفة...

واختصاراً كان وراء آلة الحرب الغازية ومعها جميع ما تمخض عنه التكوين البنيوي الحضاري الغربي من معطيات غير مألوفة ولا معروفة، وحتى غير مقبولة، لدى العرب في حينها.

وإذا كانت غزوة نابليون لمصر في نهاية القرن الثامن عشر تعد افتتاحاً ومدخلاً لعدم اصطدام العرب بالغرب اصطداماً قوياً فعالاً فإنه من المفيد ذكر أنه كانت هناك احتكاكات غير صدامية تمثلت في قدوم إرساليات دينية (كاثوليكية - بروتستنتية - أرثوذكسية) إلى لبنان بوجه خاص، قبل غزونابليون لمصر بأوقات متفاوتة، ولكنها لن تبرز على أنها قوى مؤثرة في تطورات الوضع العربي: الأدبي منه والفكري على وجه الخصوص، إلا في القرن التاسع عشر.

ولا بد هنا من عرض صورة إجمالية للوضع العربي في ظل الحكم الهجري للإحاطة بأجزاء صورته المتكاملة وتبين حقيقة الفواعل التي ستؤثر في التاريخ الأدبي المعاصر في القرنين التاسع عشر والعشرين كما ستؤثر في تطورات أشكاله الفنية ومضموناته.

لقد أشير قبلاً إلى التفاوت في علاقة الأقطار العربية بالسلطنة العثمانية تبعاً لقربها أوبعدها عن اصطنبول (عاصمة السلطنة) ففي حين كانت أقطار المغرب العربي وكثير من أقطار شبه الجزيرة العربية لا تخضع إلا لسلطة إسمية للعثمانيين، إذ كان لكل من هذه الأقطار حاكم شبه مستقل ينتقل الحكم في ذريته بالوراثة، فإن مصر والسودان (وادي النيل) عهدتا تقسيماً للسلطة بين الولاة الأتراك (الباشاوات) وبين المماليك (البكوات) وغالباً ما كانت كفة ميزان النفوذ تميل لصالح هؤلاء إزاء كفة أولئك.

أما في بلاد الشام والعراق حيث كانت قبضة السلطة محكمة ومرهقة، فقد اعتمد نظام التقسيم إلى ولايات، ونظراً إلى ما كانت تعانيه السلطة من انحطاط عام، وإداري خاصة، فقد عمدت دائماً إلى تعيين ولاة همهم جباية المال إضافة إلى كونهم متنافسين متنابذين، وهوالأمر الذي جر الكوارث على الرعية، إذ عمت الفوضى، وانتشر الفساد، واختل الأمن اختلالاً مفزعاً، وكثرت المجاعات والأوبئة، وأثيرت الفتن الطائفية والحروب الأهلية.. فتدهورت الأوضاع الاجتماعية بعد حتى تحولت خطوط التجارة بين أوربة والشرق عن المنطقة لتسلك طريق رأس الراتى الصالح.

وبسبب من هذه الأوضاع المختلة إجمالاً تمكنت الدول الأوربية العظمى آنذاك (إنكلترة - فرنسة - روسية) من إيفاد إرسالياتها الدينية التي عمدت إلى إنشاء مدارسها الخاصة أول بأول.

وفي لبنان تمكن الأمير فخر الدين المعني الثاني الكبير (أواخر القرن السادس عشر) من حتى يشيع، لوقت قصير، جواً من التحرر. وقد أسهم ذلك في تقبل نشاط الإرساليات الذي هيأ للتفاعل لاحقاً مع ما يفترض أن يفد من فكر غربي مع الغزوات الاستعمارية المقبلة.

وفي فلسطين أثر ظهور الوالي الشيخ ضاهر العمر في ازدهار الحياة الاقتصادية ازدهاراً نسبياً، وكان أحد الزعماء المحليين في اليمن (مستهل القرن السابع عشر) قد تمكن من طرد الوالي الهجري وإقامة حكم وطني دام وقتاً غير قصير. وإذا كان العثمانيون قد تمكنوا من استعادة شيء من نفوذهم على اليمن بعد ذلك فقد كان نفوذاً قلقاً ومكلفاً غير مستقر.

وفي أواسط القرن الثامن عشر ظهرت في قلب الجزيرة العربية (نجد خصوصاً) حركة إصلاح ديني قادها محمد بن عبد الوهاب (1703-1792م)، ورمت إلى تظهير العقيدة مما لحق بها من بدع وعهدت باسم الحركة الوهابية. وبتحالف أتباعها من أمراء نجد من آل سعود تمكنت هذه الحركة من توسيع نفوذها بعيداً.

وكان الإنجليز والبرتغاليون - والهولنديون إلى حد ما - يتنازعون السيادة على الشواطئ الجنوبية والشرقية لشبه الجزيرة، فتمكن الإنكليز من الفوز أخيراً بهذه السيادة.

تلك هي السمات الإجمالية لصورة الوضع العربي في ظل السلطنة العثمانية حتى مستهل القرن التاسع عشر. ولا ينتظر، في مثل هذه الأوضاع، حتى تزدهر حركة فكرية أونشاط أدبي، وعليه فقد كان النتاج الثقافي مقتصراً على التحشية والتلخيص والتفسير والجمع، وطغت الشكلية واللفظية طغياناً صارماً على الأدب خاصة.

غير أنه، تحت سطح هذه الصورة التي تبدوفي غاية الخمود، كان هناك تململ واضح ورغبة في الإصلاح تذكيها مقارنة الواقع بالماضي، وتحرضها - إلى هذه الدرجة أوتلك - مجموعة التفاعلات المتبترة مع طوالع الفكر الغربي التي حملتها مؤسساته التجارية والدينية، وقواها كون الوطن العربي معبراً لخطوط المواصلات والتبادل التجاري بين الشرق والغرب، قبل اكتشاف طريق رأس الراتى الصالح.

وقد كان لمجموع ما ترافق مع غزوة نابليون لمصر - أوحملته عليها - آثار لا تنكر في إذكاء نزعة الاستقلال وروح النهضة. غير أنه لا يمكن للمرء حتى يقر بالمبالغات التي نسبت إلى تلك الحملة والتي يجعلها كثير من المؤرخين سبباً وحيداً أساسياً لجملة التحولات التي ستحدث في الواقع العربي لاحقاً، بل لابد من رؤية ما ترتب على تلك الحملة في حدوده الموضوعية، بصفتها «رجة» كبرى في سياق تاريخي محلي وعالمي معقد ومتشابك ومركب.

لقد حمل نابليون معه مطبعة عربية كان قد استولى عليها من الفاتيكان، ولكنه خصصها في المدة القصيرة التي استغرقتها الغزوة (سنتين وبضعة أشهر) لطبع ما كان يهمه من منشورات نادىئية. وقد أنشأ ما أسماه مجمعاً فهمياً، ومخطة للمطالعة، ومسرحاً للترفيه عن جنوده، كما شق بعض الطرق.. وهوما يظهر مفصلاً في تاريخ الجبرتي، إلا حتى الحملة قابلت عداء داخلياً وخارجياً قوياً، وشبت في وجهها ثلاث ثورات، وذلك ما منع استقرارها فانتهى بها الأمر إلى الجلاء عن مصر بعد هزيمة جيش نابليون أمام أسوار عكا، وتحطم أسطوله في أبي قير.

إن عرب مصر قد اطلعوا - بوساطة تلك الحملة - على المسرح والمطبعة والصحافة، وتعهدوا شيئاً من أهميتها وضرورتها، فتحرض الاهتمام بها، وهوما ساعد لاحقاً على سرعة نشوئها في مصر، غير أنه ما كان لتلك «البذور النهضوية» حتى تنموإلا بوجود التربة الصالحة، فالحملة إذاً أسهمت في بزوغ النهضة، لكنها لم تكن إلا واحداً من أسبابها الرئيسة ليس أكثر.

وفي تلك الغزوة أوالحملة تم اكتشاف حجر رشيد، ثم استطاع مكتشفه العالم جان فرانسوا شامبليون Champollion حل رموز الخط الهيروغليفي فانكشفت حقائق تاريخية حضارية عريقة كانت مجهولة، الأمر الذي أوجد دافعاً إضافياً للعرب المصريين كي يتعجلوا ابتداء النهضة والخروج من حال الخمود السابق. كما حتى الفهماء المرافقين للحملة - وعددهم يزيد على أربعين - قاموا بتأليف كتاب من عشرة مجلدات، بالفرنسية، سموه، «وصف مصر» Description de l'Egypte صار فيما بعد عوناً للباحثين في تحري أوضاع ذلك القطر العربي من جوانبها المتنوعة زمن الحملة.

ولعل أبرز ما انجلت عنه الحملة هوأنها كانت سبباً في ظهور محمد علي، ذلك الضابط الألباني الطموح الذي قدم ليشارك في إخراج الفرنسيين من مصر، فلمع نجمه وانتهى به الأمر إلى حتى ولاه الباب العالي (السلطان العثماني) عليها. ومع أنه لم يكن متفهماً فقد ظهر أنه كان يدرك جيداً فضل الفهم في نهضات الأمم. فشجع الفهماء وأوفد البعوث إلى فرنسة فكان من رجالها أوائل بناة النهضة الفكرية والثقافية في مصر. واستعان كذلك بضباط من فرنسة وغيرها لتدريب الجيش الحديث الذي أنشأه ولتنظيم مؤسساته. وفي الوقت ذاته أنشأ المدارس التي تفهم العلوم الحديثة وتعنى بترجمة خطها، وأسس أول جريدة في الوطن العربي صدر بعضها باللغة العربية.

ولعل أبرز خلفائه هوالخديوي إسماعيل (1863-1879) الذي أنشأ مدارس للبنات، وأسس المخطة الخديوية (دار الخط المصرية اليوم)، وقامت في عهده بعض الكليات الأمريكية في القاهرة والصعيد مثلما انتهى حفر قناة السويس (1859-1869) وتم افتتاحها، فاستعاد الوطن العربي مركزه ممراً لطرق التجارة العالمية بين آسيا وأوربة، بما لذلك من منعكسات مهمة على سيرورات التفاعل الثقافي العربي مع ثقافات القارتين المذكورتين.

أما الحملتان المصريتان على بلاد الشام (1831-1833 و1839-1840) فقد أشاعتا فيها جواً شجع فهم الإرساليات فزاد بذلك من تفاعل أبنائها مع الفكر والثقافة الغربيين، إذ أسست تلك الإرساليات عدداً من المدارس واستجلبت مطابع لايزال بعضها يعمل حتى الآن.

وقد سبقت هاتين الحملتين حملة أخرى على شبه الجزيرة العربية (1812-1819) منيت بالإخفاق لكنها هجرت شعوراً - ولوغائماً - بأهمية وحدة العرب وكما نبهت الأذهان إلى ما كانت تظهر بوادره من نهضة ثقافية في مصر.

وقد ضم محمد علي السودان إلى مصر محققاً وحدة وادي النيل، وذلك بين عامي 1821-1823. لكن الإنكليز قاموا باحتلال السودان بعد ذلك فقابلتهم ثورات أهمها ثورة المهدي (1881-1885)، وانتهى أمر السودان إلى ما سمي «السودان المصري الإنكليزي» في 1898 وكانت السلطة العملية فيه للإنكليز، ثم أصبحت مصر نفسها تحت الحماية البريطانية، وعلى أي حال فإن محاولات محمد علي لضم الأقطار العربية في دولة واحدة قد أيقظت حساً قومياً عربياً شعبياً. وهوما سيظهر أثره بقوة.

ومع حتى ليبيا ضمت إلى السلطة العثمانية عام 1556، فقد ظلت تتمتع باستقلال ذاتي، وخاصة في عهد الأسرة القرمنلية (1724-1853)، أما أقطار المغرب العربي الأخرى فلم تتبع السلطنة إلا إسمياً، واستقلت تونس عنها عام 1790 استقلالاً تاماً، وظلت الجزائر على تبعيتها الإسمية لاصطنبول منذ حتى احتلتها عام 1518، أما سلطنة مراكش (المملكة المغربية اليوم) فلم تخضع للسيادة العثمانية مطلقاً. وفي عام 1830 احتلت فرنسة الجزائر، ثم تونس عام 1881، واحتلت إسبانية أجزاء من مراكش (سبتة ومليلة ومنطقة الريف) ثم احتلت فرنسة مراكش بأكملها بين العامين 1901-1904 وتخلت عن بعض أجزائها لإسبانية عام 1912.

وإذا كان الخمود الثقافي في أقطار الشمال الإفريقي موازياً لنظيره في بقية أراتى الوطن العربي فإن الاحتلال الفرنسي لأقطار المغرب قد خلق وضعاً ثقافياً متناقضاً ولاسيما في الجزائر التي ضمتها فرنسة إليها وأعربت أنها جزء منها وفرضت عليها لغتها حتى الاستقلال عام 1962، فذلك الاحتلال قد ولد اعتصاماًَ أشد بالثقافة الإسلامية التقليدية السائدة من جهة، ومن جهة أخرى فتح الأذهان هناك على ثقافة الغرب وفكره. لكن آثار ذلك يفترض أن تتأخر في الظهور، وهذا ماجعل بواكير النهضة وتطوراتها خلال القرن التاسع عشر وقسم غير قليل من القرن العشرين تكاد تنحصر في مصر وبلاد الشام ثم العراق إلى حد ما.

وما يمكن حتى يخلص إليه في هذا التقديم هوحتى تلك النهضة يجب حتى ينظر إليها في سياق فعالية النمط الحضاري الغربي وحركته الاستعمارية، وعد هذه النهضة محاولة للرد على تحديات حركة هذا النظام لوجود الأمة العربية من مسقط الصراع معه من أجل البقاء والتقدم. إذا ثمة منظومتين ثقافيتين تتفاعلان في إطار تناقضاتهما المفهومية والقيمية: الثقافة العربية الإسلامية، والثقافة الغربية الرأسمالية الاستعمارية. وفي الظروف السائدة حتى اليوم فإن الثانية هي المهيمنة، أما الأولى فمتعثرة الخطا وتابعة من منظور علاقات أصحابها بالغرب.

وهناك أخيراً أمراً لابد من الإشارة إليه لأنه يتضمن في النهاية إشكالية ذات صلة بالمصطلح الذي تندرج تحته مادة هذا البحث. فمصطلح «العصر الحديث» هنا يوحي بإشارة ضمنية إلى فكرة «الحداثة» Modernisme من حيث كونها تملأ هذا العصر بمعطياتها على سائر الصعد. وتعد «الحداثة» في منظور الفكر الأوربي - وهومصدر هذا المصطلح - حالاً من القطيعة المعهدية الكاملة: فلسفياً وفهمياً واعتقادياً.. وحالاً من القطيعة الكاملة في التقنية والاقتصاد والبنى والعلاقات الاجتماعية.. بين ما أنجزته أوربة منذ ابتداء نهضتها حتى اليوم وما تجاوز ذلك في العصر الأوسط وفق تقسيمات التاريخ الغربي حسبما صنفها الفيلسوف الألماني هيغل Hegel.

ولما كان «العصر العربي الحديث» - أي القرنان التاسع عشر والعشرون - لا يتضمن شيئاً من تلك القطيعة الأوربية المركبة، ولما كانت التبعية هي سمته الكلية، ولما كان الأدب العربي فيه متأثراً بالضرورة بهذا الوضع التاريخي الحضاري الإجمالي التابع: سواء من حيث تاريخية إنتاجه أومن حيث أنماطه الفنية، ولدلالاته الفكرية والنفسية، وأساليب إنشائه «خطاب» محملاً بروح هذا العصر... فإن معنى «الحداثة» هنا لا يشير إلى تعبيرات فنية مؤصلة على تغيرات نهضوية جذرية متواصلة في الواقع المعاش، بل هي تشير إلى «تزامنات فنية عارضة» - إذا صح التعبير - لواقع يضطرب ويتماوج فيه خليط من مورثات مراحل الحضارة العربية إبان ازدهارها، لكنه خليط مأخوذ بصورة انتقائية، وخليط آخر من تناثرات ما يصل من علوم الغرب وفلسفاته وفكره وأدبه.. فيصطدم الخليطان ويتقاطعان عند حدين من رغبات العرب المتناقضة: رغبات تمسكهم بموروثهم، ورغبات لحاقهم بالغرب المهيمن عموماً.

إن هذه الإشكالية قد هجرت ولا تزال تهجر آثارها بقوة في الأدب العربي المعاصر. وهي إشكالية يجب أخذها دائماً بالحسبان عندما يوصف هذا الأدب وزمنه «بالحداثة». إذ بها - بوصفها تعبيراً عن انعدام القطيعة وعن التبعية السابقتي الذكر - ترتبط مختلف المصطلحات ذات الصلة بما هومعالج في هذه المادة.

وبمراعاة هذه الإشكالية يمكن القول: إذا ثمة يقظة عربية عامة قد ابتدأت، نشطة، في مصر في زمن حكم محمد علي باشا، فلقيت تجاوباً سريعاً نسبياً في بلاد الشام. وأخذت القوى الكامنة في الأمة تتيقظ بعمل مختلف البواعث التي تجاوز ذكرها. فتسارع إنشاء المدارس الوطنية، وتوالى صدور المجلات والصحف وتأسيس المطابع، وتزايدت ترجمات الخط الفهمية والأدبية الأجنبية إلى اللغة العربية، ونشر كثير من خط التراث، وتألفت الجمعيات والنوادي الأدبية، وأنشئت المخطات العامة والمسارح ومجامع اللغة العربية.. كما تزايد إنشاء الجامعات ومعاهد البحث ومؤسساته المتنوعة إضافة إلى المراكز الثقافية وسائر مؤسسات «وسائل الاتصال الجماهيري» من إذاعات ومحطات بث تلفزيوني. ولا يكاد قطر عربي يخلواليوم من وزارة للثقافة.. وكل ذلك يساعد بصورة مباشرة أوغير مباشرة في ارتقاء الإنتاج الأدبي العربي المعاصر وتعميم إيصاله إلى جماهير المثقفين والمتفهمين بمختلف السبل والوسائل المعتمدة في بقية أنحاء العالم.

انظر أيضاً

  • الأدب العربي

المصادر

  1. ^ محمود فاخوري. "الأدب العربي في العصر الجاهلي". الموسوعة العربية. Retrieved 2013-02-10.
  2. ^ إحسان النص. "الأدب العربي في صدر الإسلام والعصر الأموي". الموسوعة العربية. Retrieved 2013-02-10.
  3. ^ عمر الدقاق. "الأدب العربي في العصر العباسي". الموسوعة العربية. Retrieved 2013-02-11.
  4. ^ بكري الشيخ أمين، محمود سالم. "الأدب العربي في عصر الدول المتتابعة". الموسوعة العربية. Retrieved 2013-02-11.
  5. ^ هناء دويدري. "الأدب العربي في العصر الأندلسي". الموسوعة العربية. Retrieved 2013-02-11.
  6. ^ عزيزة مريدن، شكري محمد عياد، وائل بركات. شكري الماضي. أحمد يوسف داود. "الأدب العربي في العصر الحديث". الموسوعة العربية. Retrieved 2013-02-11.

المراجع

  • منطق أحمد محمد عوف بمجلة منبر الإسلام
تاريخ النشر: 2020-06-04 11:40:04
التصنيفات: أدب عربي, جاهلية

مقالات أخرى من الموسوعة

سحابة الكلمات المفتاحية، مما يبحث عنه الزوار في كشاف:

آخر الأخبار حول العالم

عمرو دياب يتألق فى احتفالية مصر والإمارات بأجمل أغنياته.. صور

المصدر: اليوم السابع - مصر التصنيف: غير مصنف
تاريخ الخبر: 2022-10-29 03:22:51
مستوى الصحة: 42% الأهمية: 45%

دراسة: نزوح أكثر من 7 ملايين شخص داخل أوكرانيا

المصدر: اليوم - السعودية التصنيف: سياسة
تاريخ الخبر: 2022-10-29 03:26:13
مستوى الصحة: 51% الأهمية: 67%

بايدن سيحضر قمة المناخ "كوب 27"

المصدر: مصراوى - مصر التصنيف: غير مصنف
تاريخ الخبر: 2022-10-29 03:22:54
مستوى الصحة: 59% الأهمية: 54%

بهاء طاهر... رحيل عصر من الإبداع الإنساني العابر للثقافات

المصدر: ألشرق الأوسط - السعودية التصنيف: سياسة
تاريخ الخبر: 2022-10-29 03:24:32
مستوى الصحة: 94% الأهمية: 94%

داليا البحيري لـ «الشرق الأوسط»: غبت عن السينما بإرادتي

المصدر: ألشرق الأوسط - السعودية التصنيف: سياسة
تاريخ الخبر: 2022-10-29 03:24:29
مستوى الصحة: 84% الأهمية: 85%

السودان: حزب الميرغني يرفض التسوية الثنائية ويقترح دمج المبادرات

المصدر: صحيفة التغيير - السودان التصنيف: سياسة
تاريخ الخبر: 2022-10-29 03:23:42
مستوى الصحة: 54% الأهمية: 69%

أمير المدينة يرعى حفل تكريم رواد الصحافة والإعلام السعودية

المصدر: جريدة الوطن - السعودية التصنيف: إقتصاد
تاريخ الخبر: 2022-10-29 03:24:38
مستوى الصحة: 54% الأهمية: 53%

رئيس وزراء بريطانيا قد يجمد المساعدات الخارجية عامين آخرين

المصدر: ألشرق الأوسط - السعودية التصنيف: سياسة
تاريخ الخبر: 2022-10-29 03:24:18
مستوى الصحة: 82% الأهمية: 92%

السعودية تدشن «أولمبيادها» بافتتاح عالمي

المصدر: ألشرق الأوسط - السعودية التصنيف: سياسة
تاريخ الخبر: 2022-10-29 03:24:27
مستوى الصحة: 77% الأهمية: 86%

المعتدي على زوج بيلوسي كان يبحث عن رئيسة مجلس النواب الأميركي

المصدر: ألشرق الأوسط - السعودية التصنيف: سياسة
تاريخ الخبر: 2022-10-29 03:24:20
مستوى الصحة: 82% الأهمية: 90%

عندما لا يأمن الرجل جليسه!

المصدر: اليوم - السعودية التصنيف: سياسة
تاريخ الخبر: 2022-10-29 03:26:17
مستوى الصحة: 60% الأهمية: 55%

تصاعد السخط والمقاومة بعد بيان الشرطة

المصدر: صحيفة التغيير - السودان التصنيف: سياسة
تاريخ الخبر: 2022-10-29 03:23:38
مستوى الصحة: 58% الأهمية: 54%

البيت الأبيض: بايدن يزور مصر وكمبوديا وإندونيسيا

المصدر: ألشرق الأوسط - السعودية التصنيف: سياسة
تاريخ الخبر: 2022-10-29 03:24:17
مستوى الصحة: 85% الأهمية: 88%

قديروف يقر بخسائر قواته في حرب أوكرانيا

المصدر: ألشرق الأوسط - السعودية التصنيف: سياسة
تاريخ الخبر: 2022-10-29 03:24:23
مستوى الصحة: 93% الأهمية: 93%

إدارة فيلم العلا: حريصون على الارتقاء بصناعة الأفلام بالمملكة السعودية

المصدر: جريدة الوطن - السعودية التصنيف: إقتصاد
تاريخ الخبر: 2022-10-29 03:24:39
مستوى الصحة: 50% الأهمية: 63%

شتاء فوق الخيال في ونتروندرلاند ضمن فعاليات موسم الرياض 2022 السعودية

المصدر: جريدة الوطن - السعودية التصنيف: إقتصاد
تاريخ الخبر: 2022-10-29 03:24:38
مستوى الصحة: 46% الأهمية: 67%

رئيس غينيا بيساو يستقبل ناصر بوريطة مبعوثا من جلالة الملك

المصدر: موقع الدار - المغرب التصنيف: مجتمع
تاريخ الخبر: 2022-10-29 03:25:33
مستوى الصحة: 46% الأهمية: 61%

«بيعة وميثاق لملك الحزم والعزم»

المصدر: اليوم - السعودية التصنيف: سياسة
تاريخ الخبر: 2022-10-29 03:26:15
مستوى الصحة: 53% الأهمية: 68%

زلزال بقوة 5.3 درجة يضرب وسط بيرو

المصدر: اليوم - السعودية التصنيف: سياسة
تاريخ الخبر: 2022-10-29 03:25:57
مستوى الصحة: 55% الأهمية: 60%

السودان: محتجون يغلقون حقلاً وخطاً نفطياً ينقل آلاف البراميل يومياً

المصدر: صحيفة التغيير - السودان التصنيف: سياسة
تاريخ الخبر: 2022-10-29 03:23:45
مستوى الصحة: 46% الأهمية: 64%

«الدرونز»... نقلة نوعية للجماعات «الإرهابية» في أفريقيا

المصدر: ألشرق الأوسط - السعودية التصنيف: سياسة
تاريخ الخبر: 2022-10-29 03:24:30
مستوى الصحة: 79% الأهمية: 99%

تحميل تطبيق المنصة العربية