شوفوا بقوا فين، وبقينا فين

عودة للموسوعة

شوفوا بقوا فين، وبقينا فين

شوف بقوا فين، وبقينا فين عايزين تبقوا البرازيل ولا باراجواي؟

نايل الشافعي

Shafei@marefa.org

حين تفتقد الشعوب رؤية لمستقبل أفضل ومسار (أومشروع قومي) يحققه، يبدأ الناس في البحث عن قصص نجاح الشعوب الأخرى، ومنها الصين والبرازيل والهند واليابان وجنوب أفريقيا وماليزيا. ولعل التفهم كان أحد دوافع الرئيس مرسي لزيارة تلك الدول، إلا أنه لم تظهر أية علامات بعد انتهاء تلك الزيارات على حتى مصر بدأت برنامجاً لدراسة أونقل أي خبرات من تلك البلدان. ولعل البرازيل هي الأقرب لمصر من بين تلك الدول لثلاثة أسباب: أولاً: الوضع السياسي والاقتصادي قبل نهضتها، وثانياً: حتى حقول بترول المياه العميقة كانت القوة المحركة لتلك النهضة الحديثة وثالثاً: تحديات الحفاظ على الثروات الطبيعية.

سليم حتى لولا دا سيلڤا قاد البرازيل لتصبح سابع أكبر اقتصاد في العالم. ولكن ثمة عنصر رئيسي في نجاح رئاسة "لولا" ينبغي حتى نتأمله. فمشاريع العدالة الاجتماعية وسداد الديون وتعجيل التنمية التي شكلت عهده لم تكن لتحدث بدون اكتشافات بترولية، معظمها في المياه العميقة، جلبت للبرازيل دخلاً اضافياً بلغ 116 مليار دولار سنوياً في نهاية رئاسته (من 30 مليار دولار في 2003 إلى 146 مليار دولار في 2010). وكانت اكتشافاته في حوضي سانتوس وكامبوس هي أول اكتشافات ضخمة بالعالم على أعماق مائية تزيد على 2,000 متر، وقد قام بها الحفار "ستنا تاي" لصالح شركة شل. هذا الحفار نفسه انتقل في نوفمبر 2003 ليعمل في المياه المصرية شمال الدلتا في امتياز نيميد لصالح شركة شل، حيث اكتشف بئري KG-45 وLA-51 التي قدر مدير النتقيب العالمي لشركة شل، في فبراير 2004، حتى احتياطيهما يفوق ثلاثة تريليون قدم مكعب، أي يتجاوز احتياطي سانتوس وشمال كامبوس البرازيليين؛ وأن البئرين سيبدآ التصدير في 2007. انظر أين أصبحت البرازيل الآن وأين أمست مصر!

ولكن الحفارات شبه الغاطسة لعمق مائي يتجاوز 2,000 متر هي من التكنولوجيات المفركشة Disruptive technologies التي تعيد ترتيب الأمم. فتحمل بعضها وتخسف الأخرى. ومن أمثلة التقنيات المفركشة نجد المحرك البخاري الذي جعل من بريطانيا امبراطورية لا تغيب عنها الشمس، والعجلة الحربية مع الهكسوس التي خسفت بالدولة المصرية الوسطى لمئتي عام. ومثلهم ماكينة جني القطن ومحرك الاحتراق الداخلي الذي أوجد سوقاً للنفط والكهرباء والبلاستيك والكمبيوتر والهندسة الوراثية. ولأهمية تلك التكنولوجيات فإنها لا تتوافر، وقت بزوغها، لكل من لديه المال لشرائها أوإيجارها، بل حتى هناك ثمناً سياسياً لتلك التقنيات. ولكن من نعم المولى حتى العقل البشري لا يكف عن التطوير، ومع جميع تقنية مفركشة جديدة تبرز فرص لدول متأخرة في حتى تفلت من حلقة الفقر والجهل الجهنمية. نشأت البرازيل كبلد ذي إمكانيات ضخمة، إلا أنه سقط دوماً في ظل بلد آخر ذي إمكانيات هائلة، هوالولايات المتحدة، فحجبت الشجرة الأكبر ضوء الشمس (فرص النمو) عن الشجرة الأصغر- البرازيل- في أمثولة أمازونية لا يمل البرازيليون من ذكرها. فصار العمل على تبوء البرازيل (المظلومة بمسقطها) مكانة لائقة بين الأمم هدفاً تتوارثه الأجيال. لذا نشاهد طرازا فريداً من مواصلة البناء بين رؤساء البرازيل على اختلاف مشاربهم، عسكريون، متدينين، فهمانيين، ليبراليين، اشتراكيين، منافسي أمريكا وأصدقائها. فلا يلغي رئيس ما قام به أسلافه في التنمية. بنى حكم العسكر في الستينات والسبعينات قطاعا عاما هائلاً وأكبر سد في العالم (إتايبو1970)، ولكن الاقتصاد سرعان ما ترهل واحتاج الاستدانة من الخارج، فتراجع العسكر لثكناتهم واتى جوزيه سارني في الجمهورية الجديدة في الثمانينات منافسة أمريكا في صناعة الطائرات والحواسب بسياسة حمائية فاقمت الأزمة الاقتصادية. فانغمست البرازيل في الديون واحتاجت رئيساً يجيد التعامل مع المصارف الأمريكية. فتولى الرئاسة، "على غفلة" كما يقول عنوان مذكراته، البروفسور فرناندوكاردوزو، أحد فهماء الاجتماع البارزين في أشهر جامعات العالم، والذي كان ينادي بـ"نظرية التبعية للتنمية" القائلة بأن حظوظ الدول النامية أفضل في ظل تبعيتها للمعسكر الرأسمالي لأن ذلك يفتح لها خزائن التمويل للتنمية. كبح كاردوزوغول التضخم الضخم والانفاق الحكومي. وكنقطة للفخر الوطني، قاد كاردوزواستحواذ شركة إمبراير على شبه احتكار عالمي لصناعة الطائرات المتوسطة (20-70 راكب). وفيما بدا كمكافأة لتبعيته، كانت البرازيل أول دولة بالعالم (1999) بعد أمريكا في استخدام الحفارات على عمق مائي 2,000 متر. ودخل مفاوضات (دائماً مطولة) مع صندوق النقد الدولي وسار على ارشاداته سعياً لقرض 15.5 قيمته مليار دولار. ولم يـُسقط الاتفاق إلا في نهاية رئاسته، ونطق الصندوق أنه لن يدفع حتى يطمئن إلى حتى الرئيس التالي سيلتزم بسياسات كاردوزو. سياسات كاردوزوللتقشف والخصخصة هجرت أثراً سيئا على الفقراء، الذين اختاروا الرئيس التالي واحدا منهم، لولا دا سيلڤا، في انتخابات 2002.

مع تزايد المد الشعبوي في أمريكا الجنوبية بوصول هوجوتشافيز للحكم في فنزويلا (1999)، افترض الكثيرون حتى "لولا" سيكون شعبوياً آخراً يثور على سياسات سلفه البروفسور كاردوزو. إلا حتى الأمر كان عكس ذلك، فقد كان أول ما عمله لولا هوتأكيد التزامه بسياسات كاردوزو، بل أضاف اجراءات تقشف طلبها الصندوق.

زادت الاكتشافات النفطية (البحرية في الأساس) من ولج شركة پتروبراس الحكومية من 30 مليار دولار في عام 2002 إلى نحو60 مليار في 2006، في حين كان إجمالي صادرات البرازيل في 2006 كان 105 مليار دولار. استغل لولا الدخل النفطي في سداد قرض صندوق النقد الدولي في 2005 قبل عامين من تاريخ استحقاقه. وأطلق ثمان برامج للعدالة الاجتماعية: معونة اجتماعية، مصروف المدرسة، مصروف الغاز (15 دولار جميع شهرين)، مصروف الطعام، مصروف الأسرة، المصروف الأخضر، القضاء على الجوع، برازيل بدون فقر،. نجحت تلك البرامج في تحقيق شعبية هائلة للرئيس لولا، إلا حتى برنامج خفض النفقات الذي فرضه صندوق النقد أعاق خلق وظائف جديدة، فكانت ذلك أكبر انتقاد موجه ضد لولا في انتخابات 2006 للفترة الثانية فلم يكسب سوى 48% من أصوات الجولة الأولى.

لاحظ "لولا" توقف الاكتشافات النفطية الجديدة، فقرر تصنيع حفارات بحرية محلية. وفي 2006 افتتح الحفار بي-52 الذي سرعان ما اكتشف أكبر حقل نفطي بنصف الكرة الغربي، فكافأه الشعب بإطلاق اسمه عليه. وتسارعت وتيرة التنقيب البحري حتى وصل ولج پتروبراس في 2010 إلى 146 مليار دولار، مقارنة بدخل 30 مليار دولار في عام توليه الرئاسة في 2002. ولاستغلال هذا الدخل لأقصى حد في خلق فرص عمالة، جمع "لولا"، بالتعاون مع الرئيس السابق كاردوزوفي 2007، سبعة من الفائزين بجائزة نوبل في الاقتصاد، وطرح عليهم السؤال "كيف تصبح البرازيل صيناً أخرى؟" وكان هناك شبه اجماع على تعظيم القيمة المضافة في الاقتصاد المحلي – أي التصنيع. ولذلك فبدلاً من تصدير النفط خاماً، استغل النفط والغاز في تنمية صناعات البلد. فجعل البرازيل المنتج رقمسبعة للكيماويات في العالم ورقمستة لمستحضرات التجميل ورقمثمانية للصلب ورقمعشرة للسيارات.

ولتنمية الصادرات اتجه "لولا" لتوطيد التعاون من خلال إنشاء تجمعات مركوسور (لأمريكا الجنوبية) وتجمع البريكس (خمس دول يتراوح الناتج الإجمالي لكل منها بين 400 مليار إلى 8.2 تريليون دولار)، كما يعود إليه فضل اطلاق مؤتمرات القمة العربية اللاتينية. فساعدت تلك الجهود في مضاعفة صادرات البرازيل في فترة رئاسة لولا الثانية من 105 إلى 199 مليار دولار.

واستغل "لولا" الدخل الضخم من النفط في رئاسته الثانية في اطلاق "برنامج تعجيل النمو" (2007-2010)، بانفاق 110 مليار دولار سنوياً، 75 مليار منهم من شركة النفط پتروبراس والباقي من سندات. تضمن البرنامج انفاق 140 مليار دولار في مشروع "الكهرباء للجميع" و80 مليار لمشروع "مسكن للجميع" و30 مليار لشبكة المواصلات، وأول بند فيها كان إنشاء ست حفارات مياه عميقة، ومنها شراء الحفار المتقاعد ستنا تاي (قدم السعد) وإعادة تأهيله وتطوير مكامن البترول والغاز. وبسبب النجاح الساحق لهذا البرنامج الذي كانت تشرف عليه كبيرة مساعديه ديلما روسف، الرئيس الحالية، فقد قررت روسف فور انتخابها في 2011 اطلاق الفترة الثانية من البرنامج. إذا لم تكن برازيلاً نهشتك الضباع؟

الاكتشافات البترولية لم تخلومن المنازعات مع الجيران. فسرعان ما نشبت نزاعات بين شركة شل وشركة النفط الوطنية، جف بعدها سيل اكتشافات شل بالبرازيل. مما دفع البرازيل للإسراع بتصنيع وشراء حفارات. كما عثر لولا نفسه في نزاعات نفطية مع جميع من بوليفيا واوروجواي، ولكن كان ماثلاً أمام ناظريه مثال جارته باراجواي التي ظهرت فيها الثروات الطبيعية في القرن التاسع عشر، ولم يكن حكامها باليقظة الكافية لحماية ثروات البلد. فتكالب جيرانها، البرازيل والأرجنتين واوروجواي في نهش أطراف البلد في حرب باراجواي (1864-1870) التي لم تنتهي حتى اقتضموا منها أكثر من نصف مساحتها وقتلوا 65% من رجالها. وبعد حتى كانت مطمعاً لثرائها، فإن متوسط ولج الفرد فيها اليوم لا يتعدى ربع أفقر جيرانها. لذا فقد تحلى الرئيس "لولا" برباطة جأش وحزم كي لا يستأسد عليه جيرانه وشركات البترول الأجنبية المتعاونة مع الشركة الوطنية في كافة المناطق. فأمّن بذلك التمويل المطلوب لنهضة البلد.

أرى مصر تلهث ذات اليمين وذات الشمال للإفلات من مأزق اقتصادي خانق، وفي ذات الوقت بدأت إسرائيل وقبرص في ضخ الغاز من حقول ستدر عليهما نحو20 مليار دولار سنوياً وتلك الحقول على بعد مجرد كيلومترين إثنين من مياهنا. يظهر كما لوأننا فرضنا على أنفسنا منطقة منزوعة التنقيب داخل مياهنا! إذا تطوير مكامن شمال دمياط كفيلة بانتاج غاز لا يقل عنعشرة مليار دولار سنوياً. ففيم نضيع جهدنا بعيداً عنها؟

ومع تواصل الأنباء عن تطوير إسرائيل وقبرص لحقولهم، يتصل بي المئات مستفسرين عما وقع في قضية غاز شمال دمياط،يا ترى؟ فأقول لهم أني عدت لمصر بناء على طلب من وزير البترول لحضور نقاش، فإذا بمسئولين يصرحون، على قلب رجل واحد، بأن الخريطة "الوحيدة المعتمدة" لديهم هي خريطة وزارة البنية التحتية الإسرائيلية. ومع احترامي لاتفاقية السلام، فلا يجوز في خلاف تجاري حتى نأخذ ببيانات الطرف الآخر. ويردف السائلون: هل مازال هناك أمل لغاز دمياط في إنطقة مصر من عثرتها،يا ترى؟ وأرد دوماً حتى الفرص مازالت قائمة ولكنها بحاجة لعزم صادق. ويتساءل آخرون هل يعني ذلك صداماً مع أي من الجيران،يا ترى؟ وأرد بالنفي القاطع. ثم يأتي تهافت شركات البترول على التنقيب في مياه قبرص وإسرائيل وإحجام الشركات عن التقدم لمزاد مصر للبلوكات الملاصقة للقبرصية حتى بعد تمديده. بل وانسحاب الموجود منها بالعمل في مصر (براً وبحراً). فتزداد حيرة المواطنين عن سبب تقاعسنا.

السؤال هو: هل نريد حتى نكون برازيل أم باراجواي؟

أرجوحتى يصل منطقي هذا للرئيس محمد مرسي والفريق أول عبد الفتاح السيسي ومدير المخابرات العامة رأفت شحاتة الذين لم يردوا على جميع محاولاتي للتواصل معهم بشأن قضية غاز شمال دمياط. ولا أحد غيرهم، داخل مصر، بيده الحل والربط في هذا الأمر.

24 مايو2013

موسوعة الفهم تضم نحو30 منطق عن جميع الأشخاص والبرامج والسياسات المذكورة في هذه الموضوعة. www.marefa.org

تاريخ النشر: 2020-06-04 12:04:35
التصنيفات: مقالات نائل الشافعي

مقالات أخرى من الموسوعة

سحابة الكلمات المفتاحية، مما يبحث عنه الزوار في كشاف:

آخر الأخبار حول العالم

الخارجية المصرية تعلن عدد ضحايا حادث الحافلة في مكة السعودية

المصدر: RT Arabic - روسيا التصنيف: سياسة
تاريخ الخبر: 2023-04-07 00:17:09
مستوى الصحة: 93% الأهمية: 96%

ارتفاع عدد السياح الوافدين على المغرب بنسبة 464 في المائة

المصدر: كِشـ24 - المغرب التصنيف: سياسة
تاريخ الخبر: 2023-04-07 00:15:29
مستوى الصحة: 31% الأهمية: 50%

السيسي: "حلمي ماشي في طريقه"

المصدر: RT Arabic - روسيا التصنيف: سياسة
تاريخ الخبر: 2023-04-07 00:17:14
مستوى الصحة: 93% الأهمية: 86%

تفتيش في نقطة مراقبة مرورية يطيح بمروجي مخدرات

المصدر: كِشـ24 - المغرب التصنيف: سياسة
تاريخ الخبر: 2023-04-07 00:15:30
مستوى الصحة: 32% الأهمية: 42%

لافروف يجري حديثا غير رسمي مع تشاووش أوغلو

المصدر: RT Arabic - روسيا التصنيف: سياسة
تاريخ الخبر: 2023-04-07 00:17:13
مستوى الصحة: 93% الأهمية: 94%

ميقاتي يؤكد إدانة لبنان وشجبه لإطلاق الصواريخ على إسرائيل

المصدر: RT Arabic - روسيا التصنيف: سياسة
تاريخ الخبر: 2023-04-07 00:17:17
مستوى الصحة: 89% الأهمية: 86%

مندوبية التخطيط: إنتاج الخضروات دون مستواه المتوسط

المصدر: كِشـ24 - المغرب التصنيف: سياسة
تاريخ الخبر: 2023-04-07 00:15:28
مستوى الصحة: 37% الأهمية: 45%

تحميل تطبيق المنصة العربية