قتادة بن إدريس

عودة للموسوعة

قتادة بن إدريس

الشريف قَتَادة بن إدريس (527 - 617 هـ/ 1132 - 1219 م): تقدم معك انقراض دولة الهواشم سنة (597 هـ = 1200 م)، وذلك باستيلاء قتادة بن إدريس على مكة، قيل بواسطة ابنه عزيز، وقيل بواسطة ابنه حنظلة، وقيل: بل هجم هوعليها فلم يشعروا إلاّ وهومعهم، وسنلقي ضوءاً فيما بعد على هذين الابنين (عزيز وحنظلة)، وقتادة هذا هوجد الأشراف القتاديين إذ حتى معظم أشراف تهامة اليوم من عقبة إلاّ بضع أسر، وظل بنوه يتوارثون أمر مكة إلى سنة (1344هـ)، أما إخوانهم الحسينيون فقد كانوا يستقلون بالمدينة مدداً محددة.

نسبة وحياته

قتادة بن إدريس بن مطاعن ابن عبد الكريم بن عيسى بن حسين بن سليمان بن علي بن عبد الله بن محمد([127]) بن موسى([128]) بن عبد الله بن موسى([129]) بن عبد الله([130]) بن الحسن([131]) بن الحسن بن علي بن أبي طالب، يُكنى أبا عزيز الينبعي المكيّ. وينطق له: نابغة بني حسن، صاحب مكة وينبع، وغير ذلك من بلاد تهامة.

وَلِي مكة عشرين سنة أونحوها، على الخلاف في مبدأ ولايته بمكة، هل هوسنة سبع وتسعين وخـمسمائة، على ما ذكر الـميورقيّ([132])، نقلاً عن القاضي فخر الدين عثمان بن عبد الواحد العَسْقلاني المكي([133])، أوهوسنة ثمان وتسعين كما ذكر المضىي في العبر، أوهوسنة تسع وتسعين، بتقديم التاء على السين، على ما ذكر ابن محفوظ، وذلك بعد ملكه لينبع، وكان هووأهله مستوطنين نهر العلقميَّة([134]) من وادي ينبع، وصارت له على قومه الرئاسة فجمعهم وأركبهم الخيل، وحارب الأشراف بني حراب، من ولد عبد الله بن الحسن بن الحسن، وبني علي، وبني أحمد([135])، وبني إبراهيم([136])، ثم إنه استألَف بني أحمد، وبني إبراهيم، وذلك أيضاً بعد ملكه لوادي الصَّفراء، وإخراجه لبني يحيى([137]) منه، وكان سب طعمه في إمرة مكة، على ما بلغني، ما بلغه من انهماك أمرائها الهواشم بني فليته على اللهو، وتبسطّهم في الظلم، وإعراضهم عن صونها ممن يريدها بسوء، اغتراراً منهم بما هم فيه من العز والهسف([138]) لمن عارضهم في مرادهم، وإن كان ظلماً أوغيره، فتوحش عليهم لذلك خواطر جماعة من قوّادهم، ولما عهد ذلك منهم قتادة، استمالهم إليه، وسألهم المساعدة على ما يرونه من الاستيلاء على مكة، وجرَّاهُ على المسير إليها مع ما في نفسه، وقيل: إذا بعض الناس، فزع إليه مستغيثاًَ به في ظلامة ظُلمها بمكة، فوعده بالنصر، وتجهّز إلى مكة في جماعة من قومه، فما شعر به أهل مكة، إلا وهوبها معهم، وولاتهم على ما هم فيه من الانهماك في اللهو، فلم يكن لهم بمقاومته طاقة، فملكها دونهم، وقيل إنه لم يأت إليها بنفسه في ابتداء ملكه لها، وإنما أوفد إليها ابنه حنظلة فملكها، وخرج منها مكثر بن عيسى بن فليتة إلى نخلة، ذكره ابن محفوظ، وذكر حتى في سنة ستمائة، وصل محمد بن مكثر، وتقاتلوا عند المتكا([139])، وتمّت البلاد لقتادة، واتى إليها بنفسه بعد ولده حنظلة.

وذكر ابن الأثير، حتى في سنة إحدى وستمائة، كانت الحرب بين قتادة الحسني أمير مكة المشرفة، وبين الأمير سالم بن قاسم الحسيني أمير المدينة، ومع جميع واحدٍ منهما جمع كثير، فاقتتلوا قتالاً شديداً، وكانت الحرب بذي الحليفة بالقرب من المدينة، وكان قتادة قد قصد المدينة ليحصرها ويأخذها، فلقيه سالم بعد حتى قصد الحجرة الشريفة النبويّة، على ساكنها السلام، وصلى عندها ونادى، وسار فلقيه، فانهزم قتادة، إلى من مع سالم (من الأمراء)، فأفسدهم عليه، فمالوا إليه وحالفوه، فلما فهم سالم ذلك، رحل عنه عائداً إلى المدينة، وعاد أمر قتادة يقوى.

وقد ذرك ابن سعيد مؤرخ المغرب والمشرق([140])، حرب قتادة وصاحب المدينة في هذه السنة، وأفاد فيه ما لم يفده ابن الأثير، فنذكر ذلك لما فيه من الفائدة، ونص ما ذكره نطق: وفي سنة إحدى وستمائة، كانت بالحجاز، وهي من البلاد التي يُخطب فيها للعادل بن أيوب، سقطة المصارع، التي يقول فيها أبوعزيز قتادة الحسني صاحب مكة:

مصارعَ آلِ المصطفى عُدْتِ مثلما بدأتِ ولكن صِرْتِ بين الأَقاربِ

قتل فيها جماعة من الفاطميين، وكان أمرها على ما ذكره مؤرّخومكة: حتى أبا عزيز، هجم من مكة على المدينة النبوية، فخرج له صاحب المدينة سالم بن قاسم الحسيني، فكسره أبوعزيز، وحصره أياماً، وكان سالم في أثناء ذلك يحسن سياسة الحرب، ويستميل أصحاب أبي عزيز، إلى حتى خرج عليه، وهومغتر متهاون به، فكسره سالم وأسر جمعاً من أصحابه، وتبعه إلى مكة فحصره فيها على عدد أيام حصاره بالمدينة، وخط إليه: يا بن العم، كسرة بكسرة، وأيام حصار بمثلها، والبادي أظلم، فإن كان أعجبكم عامكم، فعودوا ليثرب في القابل([141]). وذكر أبوشامة شيئاً غير هذا من خبر قتادة مع أهل المدينة، لأنه نطق بعد حتى ذكر حتى المعظم صاحب دمشق عيسى بن العادل أبي بكر بن أيوب، حجّ في سنة إحدى عشرة وستمائة، ولما عاد إلى المدينة شكا إليه سالم من جَوْرِ قَتادة، فوعده حتى يُنجده عليه، ثم نطق: فجهّز جيشاً مع الناهض بن الجرخي([142]) إلى المدينة، والتقاهم سالم فأكرمهم، وقصدوا مكة، فانهزم قتادة منهم إلى البرية، ولم يقف بين أيديهم. انتهى. ونطق أبوشامة في أخبار سنة اثنتي عشرة وستمائة: ووصل الخبر من جهة الحجاز، بنزول قتادة صاحب مكة على المدينة حرسها الله، تاسع صفر، وحصرها أياماً، وبتر ثمرها جميعه، وكثيراً من نخيلها، فقاتله من فيها، وقتل جماعة من أصحابه، ورحل عنها خاسراً. ونطق في أخبار هذه السنة أيضاً: وفي ثالث شعبان، سار الأمير سالم صاحب المدينة بمن استخدمه من الهجرمان، والمراحل إليها من المخيم السلطاني بالكسوة([143])، ثم توفي بالطريق قبل وصوله إلى المدينة، وقام ولد أخيه جَمّاز بالإمرة بعده، واجتمع أهله على طاعته، فمضى بمن كان مع عمه، لقصد قتادة صاحب مكة، فجمع قتادة عسكره وأصحابه، والتقوا بوادي الصفراء، فكانت الغلبة لعسكر المدينة، فاستولوا على عسكر قتادة قتلاًَ ونهباً، ومضى قتادة منهزماً إلى ينبُع، فتبعوه وحصروه بقلعته، وحصل لحميد بن راجب من الغنيمة، ما يزيد على مائة فرس، ويعتبر واحد من جماعة كثيرة من العرب الكلابيين([144])، وعاد الأجناد الذين كانوا مضوا مع الأمير سالم من الشام، من الهجرمان وغيرهم، صحبة الناهض بن الجرخي خادم المعتمد، وفي صحبتهم كثير مما غنموه من أعمال قتادة، ومن سقطة وادي الصفراء، من نساءٍ وصبيان، وظهر فيهم أشراف حسنيون وحسينيون، فاستعيدوا منهم، وسلِّموا إلى المعروفين من أشراف دمشق، ليكلفوهم ويشاركوهم في قسمهم من وقفهم. انتهى.

وهذا الخبر يقتضي حتى سالماً لم يحضر القتال الذي كان بين قتادة والعسكر، الذي أنفذه المعظم لقتال قتادة، نصرة لسالم، لموت سالم في الطريق، وأنه سار مع العسكر من دمشق إلى حتى توفي بالطريق، والخبر الأول يقتضي حتى سالماً جاء مع العسكر قتالهم لقتادة، ويقتضي أيضاً حتى سالماً لم يسر مع العسكر من دمشق، وإنما لقيهم بالمدينة أوفي الطريق. وهذا الخبر نقله أبوشامة عن صاحب مرآة الزمان، وما ذكره أبوشامة أصوب مما ذكره عن صاحب المرآة، لاتحاد السيرة. والله أفهم.

وذكر أبوشامة([145]) سبب إنجاد المعظم لسالم على قتادة، لأنه نطق لما ذكر حج المعظم: وتلقاه سالم أمير المدينة وخدمه، وقدم له الخيل والهدايا، وسلم إليه مفاتيح المدينة، وفتح الأهراء([146])، وأنزله في داره، وخدمه خدمةً عظيمة، ثم سار إلى مكة، فوصلها يوم الثلاثاء سادس ذي الحجة. ثم نطق أبوشامة: نطق أبوالمظفر سبط ابن الجَوزي: والتقاه قتادة أبوعزيز أمير مكة، وحضر في خدمته. نطق أبوالمظفر: وحكى لي -يعني المعظم- نطق: قلت له -يعني قتادة-: أين ننزل،يا ترى؟ فأشار إلى الأبطح بسوطه، ونطق: هناك. فنزلنا بالأطح، وبعث إلينا هدايا يسيرة.

وذكر أبوشامة خبراًَ اتفق لقتادة وقاسم بن جماز أمير المدينة، ونص ما ذكره في أخبار سنة ثلاث عشرة وستمائة: فيها وصل الخبر بتسليم([147]) نواب الكامل الينبع، من ناب قتادة، حماية له من قاسم بن جماز صاحب المدينة، وبأن قاسم بن جماز أخذ وادي (القرى) ونخلة من قتادة([148])؛ وهومقيم به ينتظر الحاج، حتى يقضوا مناسكهم، وينازل هومكة بعد انفصالهم عنها.

وذكر ابن محفوظ شيئاً من خبر قتادة وقاسم، لأنه نطق: سنة ثلاث عشرة وستمائة، كان فيها سقطة الحميمة([149])، اتى الأمير قاسم الحسيني بعسكر من المدينة، وأغار على جدة، وخرج له صاحب مكة قتادة، والتقوا بين القصر والحميمة، وكانت الكسرة على قاسم، وكان ذلك يوم النحر في هذه السنة.

هذا ما فهمته من حروب قتادة مع أهل المدينة. وفي ترجمة ابنه حسن بن قتادة، حتى أباه قتادة في سنة موته÷ جمع جموعاً كثيرة، وسار عن مكة إلى المدينة، ولما هبط بالفرع، سير على الجيش أخاه، وابنه حسناً لسقم عرض له، وما عهدت خبر عسكر قتادة هذا مع أهل المدينة، وكان بين قتادة صاحب مكة، وثقيف أهل الطائف، حرب ظهر فيه قتادة على ثقيف، وبلغني أنه لما ظهر على هرب منه طائفة منهم، وتحصّنوا في حصونهم، فأوفد إليهم قتادة يستدعيهم للحضور إليه، ويؤمِّنهم وتوعدَّهم بالقتل إذا لم يحضروا إليه، فتشاور ثقيف في ذلك، ومال أكثرهم إلى الحضور عند قتادة، خيفة حتى يهلكهم إذا ظهر عليهم، فحضروا عند قتادة، فقتلهم واستخلف على بلادهم نواباً من قبله، وعضدهم بعبيد له، فلم يبق لأهل الطائف حيلة فيقتل جماعة قتادة، وهي أنهم يدفنون سيوفهم في مجالسهم، التي جرت عادتهم بالجلوس فيها مع أصحاب قتادة، ويستدعون أصحاب قتادة للحضور إليهم، فإذا حضروا إليهم وثب جميع من أهل الطائف بسيفه المدفون، على جليسه من أصحاب قتادة، فيقلته به، فلما عملوا ذلك، استدعوا أصحاب قتادة إلى الموضع الذي دفنوا فيه سيوفهم، وأوهموهم حتى استنادىءهم لهم بسبب كتاب ورد عليهم من قتادة، فحضر إليهم أصحاب قتادة بغير سلاح، لعدم مبالاتهم بأهل الطائف، لِما أسقطوا في قلوبهم من الرعب منهم، فلما اجتمع الفريقان واطمأنت بهم المجالس، وثب جميع من أهل الطائف على جليسه، ففتك به، ولم يَسلم من أصحاب قتادة إلا واحد، على ما قيل، هرب ووصل إلى قتادة، وقد تخبَّل عقله لشدة ما رآه من الروع في أصحابه، وأبلغ قتادة بالخبر، فلم يصدقه وظنه جن لِما رأى فيه التخبُّل. وكان حرب قتادة لهل الطائف، في سنة ثلاث عشرة وستمائة، على ما ذكر الميورقي وذكر حتى في هذه الواقعة، فُقد كتاب النبي لأهل الطائف، لما نهب جيش قتادة البلاد، ونص ما ذكره الميورقي في ذلك، نطق: نطق لي تميم بن حمدان الثقفي العوفي: قُتل أبي، في نوبة اغتال الشريف قتادة لمشايخ ثقيف، بدار بني يسار، من قرى الطائف، ونهب الجيش البلاد، ففقدنا الكتاب في جملة ما فقدناه، وهوكان عند أبي، لكونه كان شيخ قبيلته. نطق قاضي الطائف يحيى بن عيسى: قُتل أبي لثلاث عشرة من جمادى سنة ثلاث عشرة وستمائة. انتهى.

ونطق أبوالمظفر: وفي عاشر محرم، وصل حُسن الحجاز، من مكة سائقاً للحاج، وأبلغ بأن قتادة صاحب مكة، اغتال المعروف بعبد الله الأسير، ثم وصل كتاب من مرزوق الطشتدار([150]) الأسدي، في الخامس والعشرين من المحرم، وكان حاجباً، يخبر فيه بأن قتادة اغتال إمام الحنفية وإمام الشافعية بمكة، ونهب الحاج اليمنيين.

ونطق أيضاً سنة ثمان وستمائة: فيها نهب الحاج العراقي، وكان حجّ بالناس من العراق، علاء الدين محمد بن ياقوت، نيابةً عن أبيه، ومعه ابن أبي فراس، يثقّفه ويدبره، وحج من الشام، الصمصام إسماعيل، أخوسِياروج النجمي على حاج دمشق، وعلى حاج القدس الشجاع علي بن سلار، وكانت ربيعة خاتون (بنت أيوب) أخت العادل في الحج، فلما كان يوم النحر (بمنى) بعد رمي الناس الجمرة وثب بعض الإسماعيلية، على رجل شريف من بني عمّ قتادة، أشبه الناس به، وظنوه إياه، كان مع أم جلال الدين، وثار عبيد مكة والأشراف، وصعدوا على الجبلين بمنى، وهلّلوا وكبّروا، وضربوا الناس بالحجارة والمَنطقيع([151]) والنُشاب، ونهبوا الناس يوم العيد والليلة واليوم الثاني، وقتل من الفريقين جماعة، فنطق ابن أبي فراس لمحمد ابن ياقوت: ارحلوا بنا إلى الزّاهر، إلى منزلة الشاميين، فلما حصلت الأثنطق على الجمال، حَمل قتادة أمير مكة والعبيد، فأخذوا الجميع إلا القليل. ونطق قتادة: ما كان المقصود إلا أنا، والله لا أبقيت من حاج العراق أحداً، وكانت ربيعة خاتون بالزاهر، ومعها ابن السلار، وأخوسياروج، وحاج الشام، فاتى محمد بن ياقوت أمير الحاج العراقي، فدخل خيمة ربيعة خاتون مستجيراً بها، ومعه خاتون أم جلال الدين، فبعثته ربيعة خاتون مع ابن السلار، إلى قتادة تقول له: ما ذنب الناس! قد قتلت القاتل، وجعلت ذلك وسيلةً إلى نهب المسلمين، واستحللت الدماء في الشهر الحرام، في الحرام، والمال، وقد عهدت من نحن، والله لئن لم تنته، لأعملنّ، ولأعملنّ. فاتى إليه ابن السلار، فخوَّفه وهّدده، ونطق: ارجع عن هذا، وإلاَّ قَصدك الخليفة من العراق ونحن من الشام، فكفَّ عنهم، وطلب مائة ألف دينار، فجمعوا له ثلاثين ألفاً من أمير الحاج العراقي، ومن خاتون أم جلال الدين، وأقام الناس ثلاثة أيام حول خيمة ربيعة خاتون، بين قتيل وجريح ومسلوب وجائع وعُريان، ونطق قتادة: ما عمل هذا إلا الخليفة، ولئن عاد قرُب أحد من بغداد إلى هنا، لأقتلن الجميع. وينطق إنه أخذ من المال والمتاع وغيره، ما قيمته ألفا ألف دينار، وأذن للناس في الدخول إلى مكة، فدخل الأصحاء الأقوياء، فطافوا وأي طواف، ومعظم الناس ما دخل، ورحلوا إلى المدينة، ودخلوا بغداد على غاية الفقر والذل والهوان، ولم ينتطح فيها عنزان. انتهى.

وكلام أبي شامة، يقتضي حتى العراقيين لما دخلوا للالتاتى بالحجاج الشاميين، كان الشاميون نازلين بالزهر، وكلام ابن الأثير، يقتضي حتى ذلك سقط والشاميون بمنى، ثم رحلوا جميعاً إلى الزَّاهر، وهذا أشبه بالصواب. وأما قول أبي شامة: ولم ينتطح فيها عنزان، فسببه حتى قتادة، أوفد إلى الخليفة ببغداد يسأله العفو، فأجيب إلى سؤاله، وسيأتي ذلك إذا شاء الله قريباً([152]).

وذكر ابن سعيد المغربي هذه الحادثة، وذكر فيها حتى أصحاب قتادة، عملوا بمن كان من الحجاج في مكة، مثل ما عملوا فيهم بمنى، وذكر حتى الأشراف قتلوا القاتل بمنى، وظنّوا أنه حشيشي([153])، وذكر ابن سعيد شيئاً مما كان بين قتادة وأهل العراق، بسبب هذه الحادثة، وأفاد في ذلك ما لم أره لغيره فنذكره، ونصّ ما ذكره في أخبار سنة تسع وستمائة: وصل من قبل الخليفة الناصر، إلى أبي عزيز الحسني صاحب مكة، مع الرَّكب العراقي، مال وخلع وكسوة البيت على العادة، ولم يظهر له الخليفة إنكاراً على ما تقدم من نهب الحاج، وجعل أمير الركب يستدرجه ويخدعه، بأنه لم يصح عند الديوان العزيز، إلا حتى الشرفاء، وأتباعهم نهبوا أطراف الحاج، ولولا تلافيك أمرهم، لكان الاصطلام. ونطق: يقول لك مولانا الوزير: وليس كمال الخدمة الإمامية، إلا بتقبيل العتبة، ولا عزّ الدنيا والآخرة، إلا بنيل هذه المرتبة، فنطق له: أنظر في ذلك، ثم تسمع الجواب. واجتمع ببني عمه الأشراف، وعرَّفهم حتى ذلك استدراج لهم وله، حتى يتمكن من الجميع، ونطق: يا بني الزهراء، عزكم إلى آخر الدهر، مجاورة هذه البنية والاجتماع في بطائحها، واعتمدوا بعد اليوم، حتى تعاملوا هؤلاء القوم بالشر، يوهنوكم من طريق الدنيا والآخرة، ولا يرغبوكم بالأموال والعَدد والعُدد، فإن الله قد عصمكم وعصم أرضكم بانقطاعها، وإنها لا تبلغ إلا بشق الأنفس، نطق: ثم غدا أبوعزيز على أمير الركب، ونطق له: اسمع الجواب، ثم أنشده ما نظمه في ذلك:

بلادى وأن هانت على عزيزة ولوأننى أعرى بها وأجوع ولي كفُّ ضرغام أصولُ ببطشها وأشري بها بين الورى وأبيعُ تظلُّ ملوكُ الأرض تلثم ظهرَها وفي بطنها للمجدبين ربيعُ أَأَجعلها تحت الثرى ثم أبتغي خلاصاً لها إنِّي إذاً لرقيعُ وما أنا إلا المسكُ في جميع بلدةٍ أضوعُ وأما عندكم فأضيعُ([154])

فنطق له أمير الرَّكب: يا شريف، أنت ابن بنت رسول الله، والخليفة ابن عمك، وأنا مملوك هجري، لا أفهم من الأمور التي في الخط ما فهمت، ولكني قد رأيت حتى هذا من استهلك العرب، الذين يسكنون البوادي، ونزعات قطّاع الطريق ومخيفي السبيل، حاش لله حتى أحمل هذه الأبيات عنك إلى الديوان العزيز، فأكون قد جنيت على بيت الله، وبني بنت نبيه، ما أُلعن عليه في الدنيا، وأُحرق بسببه في الآخرة، والله لوبلغ هذا إلى حيث أشرت، لهجر جميع وجهٍ، وجعل جميع الوجوه إليك حتى يفرغ منك، ما لهذا ضرورة، إنه قد خطر لك أنهم استدرجوك، لا تسر إليهم، ولا تمكن من نفسك، وقل جميلاً، وإن كان عملك ما فهمت. نطق: فأصغى إليه أبوعزي، وفهم أنه رجل عاقل ناصح، ساع بخير لمرسله وللمسلمين، فنطق: كثر الله في المسلمين مثلك، فما الراي عندك،يا ترى؟ نطق: حتى ترسل من أولادك من لا تهتم به إذا جرى عليه ما يتسقطه، ومعاذ الله حتى يجري إلا ما تحبه، وترسل معه جماعة من ذوي الأسنان والهيئات من الشرفاء، فيدخلون مدينة السلام، وفي أيديهم أكفانهم منشورة، وسيوفهم مسلولة، ويقبلون العتبة، ويتوسلون برسول الله، وبصفح أمير المؤمنين، وسترى ماقد يكون من الخير([155]) لك وللناس، والله لئن لم تعمل هذا، لهجربنَّ الإثم العظيم، ويكون ما لا يخفى عنك، نطق: فشكره ووجه صحبته ولده وأشياخ الشرفاء، ودخلوا بغداد على تلك الهيئة التي رسم، وهم يضجون ويبكون ويتضرعون، والناس يبكون لبكائهم، واجتمع الخلق كأنه المحشر، ومالوا إلى باب النوبي من أبواب مدينة الخليفة، فقبلوا هنالك العتبة، وبلغ الخبر الناصر، فعفى عنهم وعن مرسلهم، وأُنزلوا في الديار الواسعة، وأُكرموا الكرامة التي ظهرت واشتهرت، وعادوا إلى أبي عزيز بما أحبَّ، فكان بعد ذلك يقول: لعن الله أول رأي عند الغضب، ولا عدمنا عاقلاً ناصحاً يثنينا عنه.

وذكر ابن محفوظ: حتى قتادة أوفد إلى الخليفة ولده راجح بن قتادة في طلب العفو، وكلامه يقتضي حتى ذلك سقط بإثر الفتنة. وذكر ابن الأثير ما يوافق ذلك، وما ذكره ابن سعيد، يقتضي حتى ذلك بعد سنةٍ من الفتنة والله أفهم. وقد ذكر قتادة جماعة من الفهماء في خطهم، وذكروا ما فيه من الأوصاف المحمودة والمذمومة، مع غير ذلك من خبره، فنذكر ما ذكروه لما فيه من الفائدة.

نطق المنذري في التكملة: كان مهيباً (وقوراً) قويّ النفس (شجاعاً) مقداماً فاضلاً، وله شعر. نطق: وتولَّى إمرة مكة مدة، رأيته بها وهويطوف بالبيت شرفه الله، ويدعوبتضرع وخشوع كثير. نطق: وكان مولده بوادي ينبع، وبه نشأ. وذكر أنه قدم مصر غير مرة، وأن أخاه أبا موسى عيسى بن إدريس، أَملى عليه نسبه هذا، يعني الذي ذكرناه حين قدم مصر.

ونطق ابن الأثير: وكانت ولايته قد اتسعت، من حدود اليمن إلى المدينة النبيّ، وله قلعة ينبع بنواحي المدينة، وكثر عسكره، واستكثر من المماليك، وخافه العرب في تلك البلاد خوفاً عظيماً. وكان في أول أمره لما ملك مكة حرسها الله، حسن السيرة، أزال عنها العبيد المفسدين، وحمى البلاد، وأحسن إلى الحجاج وأكرمهم، وجدد المكوس بمكة، وعمل أفعالاً شنيعة، ونهب الحاجّ في بعض السنين كما ذكرنا.

ونطق ابن سعيد، بعد حتى ذكر وفاته وشيئاً من حال أجداده: وكان أبوعزيز أدهى وأشهر من مَلَك مكة منهم، وكان يخطب للخليفة الناصر، ثم يخطب لنفسه بالأمير المنصور، ودام ملكه نحوسبع وعشرين سنة([156])، وكان قد ابتاع المماليك وصيرهم جنداً يركبون بركوبه، ويقفون إذا جلس على رأسه، وأدخل في الحجاز من ذلك ما لم يعهده العرب وهابته، وكان متى قصد منهم فريقاً، أمر فيهم وهابته، وكان متى قصد منهم فريقاً، أمر فيهم بالسِّهام، فأطاعته التهائم والنجود، وصار له صيتٌ في العرب لم يكن لغيره، وكانت وراثته الملك عن مكثر بن قاسم بن فليتة الذي ورثه عن آبائه المعروفين بالهواشم، ولم يكن أبوعزيز من الهواشم، إلا من جهة النساء، وظهر في مدة مكثر، فورث ملكه، واستقام أمره، ثم استقام الأمر في عقبه إلى الآن. نطق: وكان أبوعزيز في أول أمره، حسن السيرة، صافي السريرة، فلما وثب على شبيهه وابن عمه، الرجل الذي توهم أنه من العراق وقتله، انقلبت أحواله، وصار مبغضاً في العراقيين، وفسدت نيته على الخليفة الناصر، وساءت معاملته للحجاج، وأكثر المكوس والتغريم في مكة، حتى ضج الناس، وارتفعت فيه الأيدي بالنادىء، فقلته الله على يد ابنه حسن بن قتادة. ثم نطق ابن سعيد: وكان أبوعزيز، أديباً شاعراً -وقد تقدّم شعره الذي نطقه، عندما حاول الإمام الناصر وصوله إلى بغداد- نطق: ولما قتلت العرب في الركب العراقي، حين أسلمه أميره المعروف بوجه السبع وفرّ إلى مصر بسبب عداوة جرت بينه وبين الوزير العلوي، خط ابن زياد عن الديوان العزيز: إلى أبي عزيز، وغير خَفيٍّ عن سمعك، وإن خفي عن بصرك، ـ فيك إلا جاوره([157]) في آرامٍ بكل ريم، وغشيان حرب بين الحرمين، حتى عَمُّوا قلب جميع محرم كالعميم. فكان جواب أبي عزيز: أما ما كان بأطراف نجد، فالعتب فيه راجع على من قرب من خدام الديوان العزيز الكاف، وأما ما ارتكبوه بين الحرمين، فهومشهجر بين الحسن والحُسين، نطق: وكأنهم رؤوا في هذه الكلام استخفافاً لم يحتمله الديوان العزيز، فكانت أول الوحشة حتى أظهر التوبة، وأوفد ابنه والأشراف بأكفانهم منشورة بين أيديهم وسيوفهم مجردة، وذكر وزيره النجم الزنجاني([158]) حتى أبا عزيز، سقط بالفصل الذي خط إليه من بغداد، ولم يزل هجِّيراه، إلى حتى أنشده فيما نظمه:

بآرامٍ فُتنتَ بكل ريم وهم عمُّوا فؤادي بالعميمِ([159]) وفي وادي العقيق رَأَوا عقوقي كما حطموا ضلوعي بالحطيمِ فأتى بما لا يخفى انطباعه فيه. ومن مختار شعره، قوله: أيُّها المعرض الذي قوله إذا جئت أشكوفضحتني في الأنامِ فأرح نفسك التي قد تعيَّت أرحْني من بث هذا الغرامِ كان هذاقد يكون قبل امتزاجي بك مزج الطلا بماء الغمامِ ليس لي من رضاك بُدٌّ وقصدي يومَ عيدٍ من سائر الأيامِ

ونطق أبوسعيد أيضاً: نطق الزنجاني: ومما يجب حتى يؤرَّخ من محاسن الأمير أبي عزيز، حتى شخصاً من سرواليمن، يعهد بنابت بن قحطان، ورد برسم الحج، وكان له مال يتاجر فيه، فتطرق إليه أبوعزيز، بسبب احتوائه عليه، نطق: فبينما هويتمشَّى في الحرم، إذ سمع شخصاً يقول، وهويطوف بالبيت: اللهم بهذا البيت المقصود، وذلك المقام المحمود، وذلك الماء المورود، وذاك المزار المشهود، إلا ما أنصفتني ممن ظلمني، وأحوجت إلى غيرك، من إلى الناس أحوجني، وأريته بعد حلمك أخذك الأليم الشديد، ثم أصليته نارك، وما هي من الظالمين ببعيد. فارتاع أبوعزيز، ثم حمله طبعه وعادته، على حتى وكل به من يعنفه، ويحمله إلى السجن بعنف، وانصرف إلى منزله، وكان له جارية حبشية، نشأت بالمدينة، فنطقت: يا أمير حرم الله، إذا لك الليلة لشأناً، فأبلغها بخبر الشخص، فنطقت: معاذ الله يا ابن بنت رسول الله، حتى تأخذك العزة بالإثم، رجل غريب قصد بيت الله، واستجار بحرم الله، تظلمه أولاً في ماله، ثم تظلمه آخراً في نفسه، أين عزبت عنك المكارم الهاشمية والمراح النبوية، غير هذا كلامها في خاطره، وأمر بإحضار الرجل، فلما حضر، نطق له: اجعلني في حلٍّ، نطق: ولم،يا ترى؟ نطق: لأني ابن بنت رسول الله، فنطق: لوكنت ابن بنت رسول الله، ما عملت الذي عملت، حين ولاَّك الله أمر عباده وبلاده، فاستعذر أبوعزيز ونطق: قد تُبت إلى الله، وصدقتن عليك مالك، فنطق الرجل: نعم، الآن أنت ابن بنت رسول الله، وأنا فقد تصدقت بجميع ذلك المال، شكراً لله تعالى على حتى أعتق من العار والنار، شخصاً يعتزي إلى ذلك النسب الكريم. فنطق أبوعزيز: الحمد لله على جميع حال، ولا حول ولا قوة إلا بالله، ثم استدعى شاهدين ونص عليهما الحكاية، ثم نطق: فاشهدوا أني قد أعتقت هذه الجارية، ووهبت لها من المال كذا وكذا، فإن أراد هذا اليمني حتى يتزوجها، عملي صداقها عنه، وما يتجهزان به إلى بلاده، وما يعيشان به هناك في نعمةٍ ما شاء الله، فنطق اليمني: قد قبلت ذلك، ولم ينفصلا إلى بلاده إلا بها انتهى.

ونطق أبوشامة في أخبار سنة سبع عشرة وستمائة: وفيها (في جمادى الأولى) توفي بمكة أبوعزيز قتادة بن إدريس أمير مكة، الشريف الحسني الزَّبدي، كان عادلاً منصفاً، نقمة على عبيد مكة والمفسدين، والحاجّ في أيامه مطمئنون، آمنون على أنفسهم وأموالهم. وكان شيخاً مهيباً طوالاً، وما كان يلتفت إلى أحدٍ من خلق الله، ولا وطئ بساطاً لخليفةٍ ولا غيره، وكان يُحمل إليه في جميع سنة من بغداد، الخلع والمضى، وهوفي داره (بمكة)، وكان يقول: أنا أحق بالخلافة (من الناصر لدين الله) ولم يرتكب كبيرة على ما قيل: وكان في زمانه يؤذن في الحرم «بحيّ على خير العمل»، على ممضى الزيدية، وخط إليه الخليفة يستدعيه ويقول: أنت ابن العم والصاحب، وقد بلغني شهامتك وحفظك للحاجّ، وعدلك وشرف نفسك، وعفتك ونزاهتك، وقد أحببتُ حتى أراك وأشاهدك، وأحسن إليك، فخط إليه.

ولي كَفُّ ضرغام.. الأبيات الأربعة([160]). إلا أنّ فيما ذكره أبوشامة فيها مخالفة لما سبق، في لفظياتٍ يسيرة، منها أنه نطق: ولي كف ضرغام أذل ببطشها ومنها: أأجعلها تحت الرحى. ومنها: وما أنا إلا المسك في جميع بقعة يضوع وأما عندكم فيضيعُ ففي هذا البيت، مخالفة لما تجاوز في ثلاث لفظات، والمعنى في ذلك كله متقارب. وذكر ابن الجوزي في كتاب «الأذكياء» ما يقتضي حتى بعض هذه الأبيات لغير قتادة، لأنه نطق: كان لأحمد بن الخصيب، وكيل له في ضياعه، فحمل إليه عنه جناية، فعزم على القبض عليه، والإساءة إليه فهرب، فخط إليه أحمد يؤمنه ويحلف له على بطلان ما اتصل إليه، ويأمره بالرجوع إلى عمله، فخط إليه: أنا لك يا ذا سامعٌ ومطيعُ وإني لما تهوى إليه سريعُ ولكن لي كفّا أعيش ببطشها فما أشتري إلا بها وأبيعُ

أأجعلها تحت الرحى ثم أبتغي خلاصاً لها إني إذاً لرقيعُ

ورأيت من ينسب هذه الأبيات لأبي سعد ابن قتادة، واعتمد في ذلك على ورقةٍ رأيتها معه: أنّ أبا سعد([161]) علي بن قتادة، توجه إلى العراق، فلما أشرف على نخيل بغداد أوغيرها من البلاد -الشك مني- عاد ونطق هذه الأبيات، ولا دلالة في ذلك، لاحتمال حتىقد يكون أبوسعد، نطقها استشهاداً، والله أفهم. ولم أرَها معزوة لأبي سعد، إلاّ في هذه الورقة، وقد عزاها ابن سعيد وأبوشامة وغيرهما، لقتادة كما ذكرنا، وفي ذلك النظر الذي ذكرناه من كلام ابن الجوزي. وذكر المنذري: حتى قتادة توفي في آخر جمادى الآخرة، من سنة سبع عشرة وستمائة بمكة. وذكر وفاته في هذه السنة: أبوشامة والمضىي، وابن كثير، ونطقوا: إنه توفي في جمادى الأولى. وذكر ابن الأثير في «الكامل»: أنه توفي سنة ثمان عشرة وستمائة، في جمادى الآخرة، نطق: وكان عمره نحواً من تسعين سنة.

وقد تجاوز في ترجمة ابنه حسن بن قتادة، حتى الملك المسعود صاحب اليمن، لما مَلَك مكة بعد غَلَبِه لحسن بن قتادة أمر بنبش قبر قتادة وإحراقه، فوجدوا في القبر تابوتاً ليس فيه شيء، فعهد الناس بذلك، حتى حسناً اغتال أباه، ودفن التابوت في قبره، ليخفي أمره، وينطق: إذا سبب اغتال حسن بن قتادة لأبيه، أنَّ أباه قتادة، توعَّده بالقتل، لما بلغه أنه اغتال عمه، بعد حتى ندبه أبوه بجيش إلى المدينة مع ابنه حسن، وبلغ ذلك حسناً، فدخل على أبيه بعد عوده من المدينة، فبالغ أبوه في ذمّه وتهديده، فوثب إليه حسن فخنقه لوقته. هذا معنى ما ذكره ابن الأثير، في سبب اغتال حسن ابن قتادة لأبيه، وصورة قتله.

ونقل ابن سعيد المغربي، عن سليمان بن الزنجاني([162])، وزير قتادة، حتى أخا حسن بن قتادة وأقاربه، يزعمون حتى حسن اغتال أباه خنقاً، واستعان على ذلك بجارية كانت تخدم أباه، وعلام له في إمساك يديه، ثم قتلهما (بعد ذلك) ليخفي سبب قتله أبيه، وزعم حتى قتله الغلام والجارية، لكونهما قتلا أباه.

ورأيتُ ما يقتضي، حتى حسن بن قتادة اغتال أباه بالسم، والله أفهم أي ذلك كان. وقيل إذا قتادة بلغ تسعين سنة، فيتحصّل في سنه قولان، أحدهما: أنه تسعون، والآخر أنه نحوتسعين. وهذا القول ذكره ابن الأثير والأول ذكره المضىي في تاريخ الإسلام، ويتحصّل في سنة وفاته قولان، أحدهما: أنه سنة سبع عشرة، والآخر: أنه سنة ثمان عشرة وستمائة. ويتحصل في شهر وفاته قولان، أحدهما: إنه جمادى الأولى، والآخر: أنه جمادى الآخرة، من سنة سبع عشرة. ويتحصّل في صفة قتله قولان، أحدهما: أنه خنق، والآخر: أنه سمَّ، والله أفهم بالصواب. وكان لقتادة من الولد: حسن، الذي وليَ إمرة مكة بعده، وراجح، وهوالأكبر الذي كان ينازع حسن في الإمرة، وعليّ الأكبر، جدُّ الأشراف المعروفين بذوي علي، وعلي الأصغر، جد أبي نمي([163])، جدّ الأشراف ولاة خُلَيص([164])، ولكلٍ من أولاده هؤلاء ذرية إلى الآن.

ومما خلق قتادة أيام ولايته على مكة، أنه بَنى عليها سوراً من أعلاها على ما بلغني، وأظنه سُورها الموجود اليوم، وبلغني حتى الذي بوادي نَخْلَة([165]) الشامية، فيما بين التَّنْضُب وبِشْراً، بناء على هيئة الدروب في مسيل الوادي، ليُمكسَ عنده حجاج العراق، وآثار هذا البناء فيه إلى الآن، وأنه بنى على الجبل الذي بأسفل السبط، من وادي نخلة المذكورة، مصبَّا على جبل ينطق له العطشان، وآثار ذلك باقية إلى الآن، والله أفهم. نطق مؤلفه: جميع ما قبل هذا منقول من كتاب الفاسي المسمّى: «العقد الثمين في تاريخ البلد الأمين» ولعلنا نضيف إليه أية فائدة تحصل من مؤرخي مكة المتأخرىن عن الفاسي، رغم أنهم كلهم عنه نقلوا. بنوقتادة: أولاً: من تقديم ذكرهم آنفاً، فنقول: 1- حسن بن قتادة، وستأتي أخباره بعده، ومن ذريته اليوم الأشراف ذوو(هجار) أشراف ينبع. 2- راجح: ستأتي أخباره، ولا تفهم اليوم له ذرية. 3- علي الأكبر: والد أبي سعد حسن، وهذا يعني حتى غالب أشراف تهامة اليوم من ذريته، لأن جميع من حكم تهامة بعده هم من ذرية أبي سعد، ثم أبي نمي... الخ. 4- علي الأصغر: والد الأشراف ذوي علي([166]) الذين في عهد الفاسي، وقد خفي اليوم ذكرهم، كما خفي ذكر بني عبد الكريم، أما بنوعلي وبنوعبد الكريم الموجودون في يومنا هذا فهم من الأشراف ذوي بركات بن أبي نمي الثاني، والبون واسع بين العهدين. ثانياً- فيما مر بك حتى لأبي عزيز ابنين، هما: 1- عزيز، وبه يكنى: وقيل هوالذي استولى على مكة لأبيه، وقيل: إنه مجرد كنية، والله أفهم. 2- حنظلة: وقيل إنه هوالذي استولى على مكة، بل جزم بذلك في (اتحاف فضلاء الزمن) وهذان ما رأينا من ذكر لهما ذرية، ولما حتى ذكر عزيز قليل، فلعله لقب لحنظلة، وغريب من الفاسي حتى أسقط حنظلة من أبناء أبي عزيز رغم أنه ذكره أكثر من مرة. 3- وله ابن اسمه إدريس، لم يذكره الفاسي إلا مفرداً مع أنه ملك، وسيأتي ذكره. فهؤلاء سبعة. ثم رأيت ابن عنبة([167]) قد أتى بشيء، أما حتى التقي لم يأت به أوأنه عند ابن عنبة أحسن، ولعل الفاسي لم يطلع عليه لحكم المعاصرة، ولكن ما في عمدة الطالب شوش عليه كثير من تغيير الحدثات والتطبيع وقلة وضوح المطبوع، ثم راجعت تأريخ العصامي([168]) فوجدته قد احتوى على ما نطقه صاحب عمدة الطالب([169]). نطق العصامي([170]): نطق صاحب عمدة الطالب: كان قتادة جباراً فتاكاً فيه قسوة وتشدد، وحزم، وكان الخليفة في زمانه الناصر العباسي، فاستدعى الناصر الشريف قتادة إلى بغداد ووعده ومناه فأجابه إلى ذلك، وسار إلى حتى وصل إلى العراق [ثم إلى مشهد الفروي، فخرج أهل بغداد لتلقيه، وكان ممن خرج في غمار الناس رجل درويش معه أسد مسلسل]([171]) فلما نظر إليه الشريف قتادة تطير، ونطق: ما لي ولبلد تذل فيها الأسود،يا ترى؟ فرجع إلى تهامة، وخط إلى الخليفة بقوله: بلادي ولوجارت عليّ مريفة ولوأنني أعرى بها وأجوعُ ولي كف ضرغام إذا ما بسطتها بها اشتري يوم الوغى وأبيعُ أأهجرها تحت الرهان وابتغي بها بدلاً إني إذاً لرقيعُ وما أنا إلا المسك في غير أرضكم أضوعُ وأما عندكم فأضيعُ فلما وقف الناصر على هذه الأبيات، استشاط غضباً وامتلأ حنقاً وحرباً، وخط إلى الشريف قتادة يقول: أما بعد: فإذا نزع الشتاء جلبابه، ولبس الربيع أثوابه، قاتلناكم بجنود لا قبل لكم بها، ولنخرجنكم منها أذلة وأنتم صاغرون. فلما قرأ الكتاب الشريف قتادة ارتاع لذلك أشد ارتياع، وأوفد إلى بني عمه بني الحسين (ابن علي) بالمدينة يستنجدهم، ويسألهم المعونة، وصدَّر الكتاب بقوله.. بني عمنا من آل موسى وجعفر وآل حسين كيف من الممكن أن صبركم عنَّا بني عمنا إنا كأفنان دوحة فلا تهجرونا يتخذنا الفنا فنّا إذا ما أخٌ خلى أخاه لآكلٍ بدا بأخيه الأكل ثم بذا ثنّى

فأتته منهم رجال النجدة ذووالعدد والعدة، فلما أقبلت تلك الكتيبة الناصرية، كسرها وبدد ضمها وقهرها، فلما بلغ ذلك الناصر العباسي، وإلى عليه الإنعامات الكاملة، وأبتره الإقطاعات الطائلة. ونطق صاحب عمدة الطالب، أيضاً: ولقتادة إخوة وعمومة، وأعقب هومن (تسعة رجال) وينطق لعقبه القتادات. ولكن لم يعدد أسماء أبناء قتادة ولم يذكر منهم إلاّ حسناً وراجحاً.

أما إخوته، فلم أر من ذكر منهم إلاّ (صرخة بن إدريس([172])) وسيأتي في ترجمة حسن ابن قتادة الآتية. أما أعمامه، فلم أر من ذكر منهم إلاّ (ثعلب بن مطاعن بن عبد الكريم) وبقية النسب تقدم في قتادة، وبنوثعلب يعهدون اليوم بالأشراف الثعالبة، ولهم قرية الغالّة، على مقربة من بلدة الليث مما يلي الشام([173]). نطق مؤلفه: قد عددنا فيما تقدم سبعة من أبناء قتادة، ثم رأيت صاحب الدار الكمين ذكر لقتادة ولداً لم يذكره غيره، نطق: حُميد بن أبي عزيز قتادة.. الخ.

ولي مكة نيابة عن والده في سنة سبع وتسعين وخمس مائة، أوفي التي بعدها أوفي التي بعدها([174]). وبوجود هذا الابن الثامن تظهر صحة قول صاحب عمدة الطالب.

تاريخ النشر: 2020-06-04 12:38:13
التصنيفات: هاشميون, مواليد 1130, وفيات 1220, حسنيون, تهاميون, أشراف مكة

مقالات أخرى من الموسوعة

سحابة الكلمات المفتاحية، مما يبحث عنه الزوار في كشاف:

آخر الأخبار حول العالم

إصابة 3 في انفجار بمركز شرطة في إندونيسيا

المصدر: اليوم - السعودية التصنيف: سياسة
تاريخ الخبر: 2022-12-07 09:24:18
مستوى الصحة: 47% الأهمية: 56%

الديمقراطيون يعززون أغلبيتهم في مجلس الشيوخ بمقعد إضافي

المصدر: ألشرق الأوسط - السعودية التصنيف: سياسة
تاريخ الخبر: 2022-12-07 09:23:20
مستوى الصحة: 83% الأهمية: 86%

واشنطن وكانبيرا تدعوان اليابان إلى نشر قوات في أستراليا

المصدر: ألشرق الأوسط - السعودية التصنيف: سياسة
تاريخ الخبر: 2022-12-07 09:23:16
مستوى الصحة: 85% الأهمية: 99%

يسرا لـ «الشرق الأوسط»: لا أهتم بمواقع التواصل

المصدر: ألشرق الأوسط - السعودية التصنيف: سياسة
تاريخ الخبر: 2022-12-07 09:23:24
مستوى الصحة: 88% الأهمية: 93%

المغرب «الشجاع» يبدع ويتعملق ويسقط الإسبان في ليلة من الخيال

المصدر: ألشرق الأوسط - السعودية التصنيف: سياسة
تاريخ الخبر: 2022-12-07 09:23:26
مستوى الصحة: 94% الأهمية: 97%

بالصور.. فوز المغرب التاريخي يصنع فرحة استثنائية في الجزائر

المصدر: كِشـ24 - المغرب التصنيف: سياسة
تاريخ الخبر: 2022-12-07 12:15:31
مستوى الصحة: 44% الأهمية: 45%

الرياض تمهد لتوسيع علاقة الصين اقتصادياً بالخليج والدول العربية

المصدر: ألشرق الأوسط - السعودية التصنيف: سياسة
تاريخ الخبر: 2022-12-07 09:23:17
مستوى الصحة: 88% الأهمية: 92%

زيلينسكي... الممثل قائداً عسكرياً

المصدر: ألشرق الأوسط - السعودية التصنيف: سياسة
تاريخ الخبر: 2022-12-07 09:23:23
مستوى الصحة: 76% الأهمية: 95%

اعتقال متهمين اثنين خلال حملة أمنية ضد مهربي البشر بألمانيا

المصدر: اليوم - السعودية التصنيف: سياسة
تاريخ الخبر: 2022-12-07 09:24:27
مستوى الصحة: 55% الأهمية: 58%

استثمر الآن وادفع لاحقاً مع The Family Office

المصدر: أرقام - الإمارات التصنيف: إقتصاد
تاريخ الخبر: 2022-12-07 09:23:47
مستوى الصحة: 37% الأهمية: 42%

تأكيد صيني على شراكة استراتيجية تنموية شاملة خلال قمم الرياض

المصدر: ألشرق الأوسط - السعودية التصنيف: سياسة
تاريخ الخبر: 2022-12-07 09:23:18
مستوى الصحة: 83% الأهمية: 93%

اليوم.. السعودية تعلن الميزانية العامة للعام 2023

المصدر: أرقام - الإمارات التصنيف: إقتصاد
تاريخ الخبر: 2022-12-07 09:23:42
مستوى الصحة: 37% الأهمية: 40%

أوروبا تعتزم حظر الاستثمار في قطاع التعدين الروسي

المصدر: اليوم - السعودية التصنيف: سياسة
تاريخ الخبر: 2022-12-07 09:24:26
مستوى الصحة: 59% الأهمية: 62%

التهريب الدولي للمخدرات يطيح بخمسة أشخاص بكلميم

المصدر: كِشـ24 - المغرب التصنيف: سياسة
تاريخ الخبر: 2022-12-07 12:15:34
مستوى الصحة: 35% الأهمية: 38%

شاهد كيف احتفل الأسود بالإنجاز التاريخي

المصدر: كِشـ24 - المغرب التصنيف: سياسة
تاريخ الخبر: 2022-12-07 12:15:33
مستوى الصحة: 30% الأهمية: 40%

تنيفذ مشروع بيئي في القصيم بتكلفة تتجاوز 89.8 مليون

المصدر: اليوم - السعودية التصنيف: سياسة
تاريخ الخبر: 2022-12-07 09:24:24
مستوى الصحة: 57% الأهمية: 61%

السعودية ثالثة محطات الرئيس الصيني بعد التعديل الدستوري

المصدر: ألشرق الأوسط - السعودية التصنيف: سياسة
تاريخ الخبر: 2022-12-07 09:23:17
مستوى الصحة: 80% الأهمية: 99%

«أدوبي» تعتزم شطب 100 وظيفة بهدف خفض النفقات

المصدر: اليوم - السعودية التصنيف: سياسة
تاريخ الخبر: 2022-12-07 09:24:15
مستوى الصحة: 54% الأهمية: 64%

قتلى وجرحى بهجوم انتحاري على مركز للشرطة في إندونيسيا

المصدر: ألشرق الأوسط - السعودية التصنيف: سياسة
تاريخ الخبر: 2022-12-07 09:23:19
مستوى الصحة: 88% الأهمية: 95%

ضربة الجزاء.. جزاء لمغرب يستحق الفوز

المصدر: كِشـ24 - المغرب التصنيف: سياسة
تاريخ الخبر: 2022-12-07 12:15:28
مستوى الصحة: 34% الأهمية: 45%

تحميل تطبيق المنصة العربية