تاريخ التعليم في فرنسا

عودة للموسوعة

تاريخ التعليم في فرنسا

يمكن تتبع نظام التعليم في فرنسا إلى الامبراطورية الرومانية. فالمدارس قد تكنون عاملة بانتظام من أواخر عصر الامبراطورية حتى مطلع العصور الوسطى في بعض البلدات في جنوب فرنسا.

الغال والامبراطورية الرومانية

Prior to the establishment of the Roman empire, education in Gaul was a domestic task or provided by itinerant druids traveling in the Celtic Western Europe. Latin schools were later established by wealthy patricians.


جامعات فرنسا - القرنان 12-13

كانت فرنسا بلا ريب الزعيمة العقلية لأوربا في العصور الوسطى خلال القرنين الثاني عشر والثالث عشر، فقد أصبحت لمدارس كتدرائياتها منذ بداية القرن الحادي عشر شهرة دولية عظيمة؛ وإذا كانت هذه المدارس قد نمت وازدهرت حتى أضحت جامعة عظيمة في باريس لا في شارتر، أولاؤن، أوريمس، فأكبر الظن إذا سبب هذا هوإذا تجارة السين الرابحة والأعمال المالية التي توجد عادةً في العاصمة قد اتىت إلى تلك المدينة بالثراء الذي يغري العقول وإنها كانت تقدم المال الذي يحتاجه الفهم والفلسفة والفن.

وأول من عهد من المفهمين في مدرسة كاتدرائية نوتردام هووليام من شامپوWilliam of Champeaux (1070- 1121)، وكانت محاضراته التي تقلى في أبهاء نتردام مثار الحركة العقلية التي نشأت منها جامعة باريس، ولما خرج أبلاد من بريطانيا (حوالي عام 1103) ووجه إلى وليم قياساً منطقياً أفعمه وقضى على سمعته، وبدأ اشهر المحاضرات في التاريخ الفرنسي، هرع الطلاب من جميع صوب ليستمعوا إليه؛ فازداد عدد طلاب باريس وتضاعف عدد المدرسين. وكان الأستاذ (magister) في عالم التربية بباريس في القرن الثاني عشر رجلاً أجاز له رئيس كتدرائية نتردام حتى يدرس. وكانت جامعة باريس في ذلك الوقت قد خطت خطوات سريعة لا نستطيع تتبعها، فارتقت من مدرسة كنيسة المدينة ونالت وحدتها الأولى من هذا المصدر الوحيد مصدر الإجازة التعليمية. وكانت هذه الإجازة تعطى عادةً بالمجان لكل من قضى وقتاً كافياً تلميذاً لأستاذ مرخص بشرط حتى يوافق هذا الأستاذ على طلبه؛ وكان من التهم التي وجهت إلا أبلار إنه أشتغل بمهنة التدريس دون حتى يقضي فترة التلمذة المعتمدة من أستاذ.

وكان إدراك فن التدريس على هذا النحو، أي الأستاذ المفهم والصبي المتفهم، من الأصول التي قامت عليها الجامعة. ولما إذا تضاعف عدد الأساتذة أنشأ والهم بطبيعة الحال نقابة طائفية. وظل لفظ (جامعة Univiresitas) يطبق منذ قرون على جميع هيئة من عدة أفراد بما في ذلك النقابات الطائفية. وفي عام 1214 وصف ماثيوباريس "زمالة الصفوة المختارة من المدرسين" في باريس بأنها منظمة قائمة من زمن بعيد. ولنا حتى نفترض، وإن كنا لا نستطيع حتى نبرهن، حتى (الجامعة) اتخذت حوالي عام 1170 صورة نقابة طائفية للمدرسين لا اتحاداً لعدة كليات، فلما كان عام 1210 أصدر البابا إنوسنت الثالث -وكان هونفسه من خريجي جامعة باريس- مرسوماً اعترف فيه بقوانين نقابة المدرسين المدونة واعتمدها، ثم أصدر هذا البابا نفسه مرسوماً آخر خول فيه النقابة تتخذ مندوباً عنها يمثلها في المحكمة البابوية.

وقبل حتى ينتصف القرن الثالث عشر انقسم مدرسوجامعة باريس إلى أربع (سلطات) أوكليات كما نسميها الآن (Faculties) : اللاهوت، والقانون الكنسى، والطب، و(الفنون). ولم يكن للقانون المدني بعد عام 1219 مكان في جامعة باريس بعكس ما كانت عليه الحال في جامعة بولونيا. وكان المنهج يبدأ بالفنون السمعية، ثم يرقى إلى الفلسفة وينتهي بعلوم الدين. وكان طلبة الفنون Arts (وكانوا يسمون Artlstae أي فنانين) هم المقاتلين عندنا (الطلاب) الذين لا يزالون في الجامعة، وإذ كانوا هم يؤلفون الجزء الأكبر من المتفهمين في باريس فقد انقسموا -لتبادل المعونة ولأغراض الألفة والاختلاط- إلى أربع أمم Nations حسب مسقط رأسهم natio أوأصلهم: (فرنسا) (أي المملكة الضيقة الخاضعة خضوعاً مباشراً للملك الفرنسي) وبكاردي Picardy، ونورمندية، وإنجلترا؛ وضم طلاب جنوبي فرنسا وإيطاليا وإسبانيا إلى الطلبة الفرنساويي المولد، وضم طلبة الأراضي الوطيئة إلى (بكاردي) وطلبة أوربا الوسطى الشرقية إلى (إنجلترا)، وكان الطلاب الذين اتىوا من ألمانيا من الكثرة بحيث تأخرت تلك البلاد عن إنشاء جامعات بها حتى عام 1347. وكان يحكم جميع جامعة (وكيل Procurator) أومدير، وكل كلية عميد، وكان لطلاب كلية الفنون -ومدرسيها في أغلب الأحيان- مدير يرأسهم، ثم اتسعت دائرة أعماله تدريجاً حتى أصبح قبل عام 1255 مدير الجامعة كلها.

ولسنا نسمع عن وجود أبنية خاصة بالجامعات، ويلوح إذا المحاضرات كانت تلقى أثناء القرن الثاني عشر في أروقة نوتردام، وسان جنفبيف، وسان فكتور، وغيرها من الأبنية الدينية، ولكننا نجد في القرن الثالث عشر مدرسين يستأجرون حجرات خاصة لفصولهم. وكان المدرسون -الذين أصبحوا يسمون أيضاً أساتذة Professores، ومعنى هذا اللفظ اللاتيني (المعلنون)- رجال دين مترهبين يفقدون مناصبهم إذا تزوجوا. وكانت طريق التعليم هي المحاضرات، وأكبر السبب في هذا أنه لم يكن في مقدور جميع تلميذ حتى يبتاع الخط التي تجب عليه دراستها، أويحصل على نسخ منها من دور الخط. وكان الطلاب يجلسون على الطوار أوعلى الأرض ويدونون كثيراً من المذكرات. وكان العبء الملقى على ذاكرتهم شديداً أضطرهم إلى ابتكار عدة أساليب لمساعدة الذاكرة تتخذ في العادة شكل أبيات شعرية مثقلة بالمعنى بغيضة الصورة. وكانت لوائح الجامعة تحرم على المدرس حتى يقرأ محاضرته للطلاب، بل كان يطلب إليه حتى يتحدث ارتجالاً، بل كان يحرم عليه أيضاً حتى يُبتر الكلام. وكان الطلاب يتبرعون بتحذير المستجدين من حتى يؤدوا أجر أي منهج قبل حتى يستمعوا إلى ثلاث محاضرات فيه. وقد شكا وليم الكنشيسي في القرن الثاني عشر من إذا المدرسين يلقون على الطلاب مناهج سهلة لكي يكسبوا بذلك الشهرة، والطلبة، والأجور، وإن طريقة الاختيار التي تعطى للطالب مجالاً واسعاً لاختيار الموضوعات والمدرسين أخذت تنزل بمستوى التعليم(50).

وكان التعليم ينتعش ويكتسب بعض الحيوية من حين إلى حين بمناقشات عامة تجرى بين المدرسين، والطلبة المتقدمين، والزائرين الممتازين، وكان النقاش يجري في العادة على شكل مقرر محدد يسمى النقاش المدوسي: فيوضع السؤال، ويجاب عنه جواباً سلبياً، ويؤيد هذا الجواب بعبارات مقتبسة من الخط المقدسة أوخط آباء الكنيسة، وبالاستنباط الذي يتخذ شكل الاعتراضات. ويتلوذلك جواب إيجابي يؤيد بمقتبسات من الكتاب المقدس، ومن خط آباء الكنيسة، وبأجوبة منطقية على الاعتراضات. والنقاش المدرسي هوالذي حدد الصورة النهائية الفلسفة المدرسية في عهد تومس أكوناس. وكانت تقعد بالإضافة إلى هذه المناقشات المدرسية الرسمية مناقشات غير معتمدة يسمونها (أي شيء نحب quodiberta)- يستطيع المناقش بموجبها حتى يتقدم بأي سؤال يناقش في التووالساعة. وقد أوجدت هذه المناقشات غير المقيدة هي الأخرى صورة من الصور الأدبية نشاهد مثلاً منها في كتابات القديس تومس الصغرى. وشحذت المناقشات الرسمية منها وغير الرسمية العقول في العصور الوسطى، وأفسحت المجال لحرية التفكير والقول؛ غير إنها اتجهت عند بعض الناس إلى خلق نوع من المهارة يستطيعون به حتى يثبتوا أي شيء يريدون إثباته، أوالشعوذة اللفظية التي تكدس جبالاً من الجدل حول أنفه النقط.

وكان معظم الطلاب يعيشون في مضايف Hospicia تؤجرها جماعات منظمة من الطلاب. وكانت بعض المضايف تأوي فقراء الطلاب نظير أجر أسمي؛ ومثال ذلك إذا بيت الله Hôtel Dieu الملاصق لكتدرائية نتردام خصص حجرة (للطلبة الفقراء). ثم اقتنى جوسيوس اللندني Jucius of London هذا المسكن في عام 1180 واشهجر من ذلك الوقت من المستشفى في تقديم المسكن والمأكل لثمانية عشر طالباً يقيمون فيه؛ ولم يحل عام 1231 حتى كانت هذه الطائفة من الطلاب قد انتقلت إلى مسكن أوسع من مسكنها القديم، ولكنها مع ذلك ظلت تسمى نفسها جماعة الثمانية عشر. ثم أنشأت طوائف الرهبان، أوالكنائس، أوأنشأ المحسنون الخيرون، مضايف أومساكن أخرى للطلاب، وحبست عليها الحبوس، أوخصت بأقساط سنوية خفضت بعض نفقات العيش على الطلاب. وفي عام 1257 وهب ربرت ده سربون Robert de Sorbon قس القديس لويس (بيت السربون) المال اللازم لإيواء ستة عشر طالباً من طلبة علوم الدين، وأضيفت إلى ذلك هبات لغير هؤلاء من لويس وغيره من المحسنين حتى ارتفع عدد من تضمهم إلى ستة وثلاثين؛ ومن هذا البيت نشأت كلية السربونوأصبحت السربون في القرن السادس عشر الكلية الدينية في الجامعة، ثم أغلقتها الثورة في عام 1792، وأعادها بعدئذ نابليون، وهي الآن مركز لتدريس مناهج عامة في العلوم والأدب في جامعة باريس.@ .وأنشئت كليات -Collegia بمعناها القديم وهوالجماعات- بعد عام 1300، واتى المدرسون إليها ليسكنوا فيها، وعملوا مدرسين خصوصين للطلاب، يستمعون إلى محفوظاتهم، و(يقرأون) معهم النصوص؛ وأخذ المدرسون في القرن الخامس عشر يدرسون بعض المناهج في أبهاء المساكن، وازداد عدد المناهج التي تدرس بهذه الطريقة، ونقص عدد ما يفهم منها في خارجها، حتى أضحت (الكلية) مكاناً للتعليم ومسكناً للطلاب في وقت واحدة.

وحدث مثل هذا التطور في الكلية من بيت الطلبة في أكسفورد، ومونپلييه، وطولوز. إلى غير ذلك بدأت الجامعة من جمعية للمدرسين حتى أضحت جمعية من المعاهد والكليات.

وكان من بين مساكن الطلاب في باريس مسكنان مخصصان للطلاب المبتدئين الجدد في طائفتي الرهبان الدومنيك أوالفرنسيس، وكان الرهبان الدومنيك من بداية أمرهم يهتمون بالتعليم ويتخذونه وسيلة لمقاومة الإلحاد. وقد أنشئوا لهم مدارس على نظام خاص بهم أشهرها كلها المدرسة العامة Studium generale في كولوني، وكانت لهم معاهد أخرى من نوعها في بولونيا، وأكسفورد. وأصبح كثيرون من الإخوان أساتذة في هذه المدارس، يفهمون في الأروقة الخاصة بطائفتهم. وفي عام 1232 انضم ألكسندر الهاليسي Alexander of Hales وهومن أقدر المدرسين في باريس إلى طائفة الرهبان الفرنسيس، وواصل تدريس مناهجه للجمهور في دير كوردليير Cordeliers، وأخذ عدد الإخوان الذين يدرسون في باريس يزداد عاماً بعد عام، كما أخذ عدد من يستمعون إليهم من غير الرهبان يتضاعف، حتى شكا المدرسون من غير رجال الدين إنهم قد هجروا جالسين أمام ممحررهم (كالطيور المنفردة في أعلى البيوت)، وأجاب الرهبان عن ذلك بأن المدرسين غير الرهبان يسرفون في الطعام والشراب، فأضحوا لذلك كسالى بلداء(51). وحدث في عام 1253 حتى اغتال طالب في شجار بأحد الشوارع، فأعتقل ولاة الأمور في المدينة عدداً من الطلاب، وأعرضوا عن احتجاجهم وطلبهم حتى يحاكموا أمام أساتذة الجامعة أوالأسقف، وأمر رهبان الدمنيك، وواحداً من الرهبان الفرنسيس، وهم من جمعية المدرسين، لم يطيعوا أمر الامتناع عن إلقاء المحاضرات، فقررت الجمعية وقف عضويتهم فيها، غير إنهم لجأوا إلى الإسكندر الرابع فأمر أساتذة الجامعة (1255) بإعادتهم إلى عضوية الجمعية. وأراد المدرسون حتى يتجنبوا إطاعة الأمر فتفرقوا، وحرمهم البابا من الدين واعتدى الطلاب والغوغاء على الرهبان في الشوارع؛ ودام الجدل ست وستين تراضى الطرفان بعدها: فقبل الأساتذة، بعد حتى نظموا من جديد، المدرسين الرهبان، وأقسم هؤلاء حتى يطيعوا من ذلك الوقت قوانين (الجامعة). ولكن كلية الفنون حرمت جميع الرهبان حرماناً دائماً من عضويتها. وناصبت جامعة باريس البابوية العداء بعد حتى كانت محل عطفهم، وناصرت الملوك في نزاعهم مع البابوات، وأضحت في مستقبل الأيام مركز حركة (غالية) تسمى لفصل الكنيسة الفرنسية عن روما.

ولم يكن لأي معهد فهمي منذ أيام أرسطومن النفوذ ما كان لجامعة باريس، فقد ظلت ثلاثة قرون لا تجتذب إليها أكبر عدد من الطلاب فحسب، بل تجتذب فوق ذلك أعظم مجموعة من الرجال ذوي العقلية الفذة. فأبلار، وحنا السلزبري، وألبرتس مجنس، وسيجر البرابنتي، وتوماس أكويناس، وبوناڤنتورا Bonaventura، وروجر بيكن، وذن زا سكوتس، ووليام الأكامي William of Occam -هؤلاء يكادونقد يكونون هم تاريخ الفلسفة من 1100 إلى 1400. وما من شك في إنه كان في باريس مدرسون أفذاذ هم الذي أخرجوا أولئك الرجال العظام، ونشروا من المتعة العقلية ما لا يوجد إلا في ذرى التاريخ البشري. يضاف إلى هذا إذا جامعة باريس كانت خلال هذه القرون ذات سلطان قوي في الدين والدولة، فقد كانت لساناً قوياً يعبر عن الرأي العام، وكانت في القرن الرابع عشر من أعظم مراكز التفكير الحر، وفي القرن الخامس عشر حصناً منيعاً للدين القويم والمحافظة على القديم. ولا يمكن القول بأنها (لم تضطلع بدور حقير) في الحكم على جان دارك.

وكان لغيرها من الجامعات نصيب في حمل فرنسا إلى منزلة الزعامة الثقافية في أوربا. فقد كان في أورليان مدرسة للقانون منذ القرن التاسع لا بعد، وكانت في القرن الثاني عشر مركزاً للدراسات القديمة والأدبية الحديثة تنافس شارتر، ولم يكن يفوقها في القرن الثالث عشر إلا بولونيا في تدريس القانون المدني والكنسى. ولا تكاد تقل عنها في شهرتها مدرسة القانون في أنجر Angers وهي المدرسة التي أضحت في عام 1232 من أكبر جامعات فرنسا. وكانت طولوز (طلوشة) مدينة بجامعتها إلى إلحادها في الدين: ذلك حتى جريجوري التاسع أرغم الكونت ريمند في عام 1229 على حتى يتعهد بأداء مرتبات أربعة عشر أستاذاً -في علوم الدين، والقانون الكنسي، والفنون - يرسلون من باريس إلى طولوز لمقاومة حركة الإلحاد الألبجنسية بفضل ما لهم من النفوذ على الشبان الأكيتانيين.

وكانت أشهر الجامعات الفرنسية القائمة في خارج باريس هي جامعة مونبلييه. لقد كانت هذه المدينة، بفضل وقوعها على شاطئ البحر المتوسط في منتصف المسافة بين مرسيليا وإسبانيا، تنصت بمزيج وثاب من الدم الفرنسي، واليوناني، والإسباني، ومن ثقافة هذه الأجناس؛ وكان من أهلها عدد من النجار الإيطاليين وبقية من الجالية الإسلامية المغربية التي كانت في وقت ما تحكم المدينة. وكانت تجارتها رائجة ناشطة. وأنشأت مونبلييه في وقت غير معروف مدرسة للطب ما لبثت حتى فاقت مدرسة سالرنو، ولسنا نفهم فهم اليقين أكان إنشاؤها أثراً من آثار طب سالرنو، أم طب العرب، أم اليهود. وأضيفت إلى هذه المدرسة مدارس للقانون وعلوم الدين، و(الفنون)، واكتسبت منبلييه بفضل تقارب هذه الكليات وتعاونها شهرة فهمية واسعة، وإن كانت جميع واحدة منها كلية مستقلة. واضمحل شأن الجامعة في القرن الرابع عشر، ولكن مدرسة الطب انتعشت في عصر النهضة، وقام فيها عام 1537 أستاذ يدعى فرانسوا بليه يلقى سلسلة من المحاضرات عن أبقراط باللغة اليونانية.


التعليم في عصر ڤولتير

كان بين الصراعات الكثيرة الأساسية التي شهدتها فرنسا في القرن الثامن عشر، محاولة الكنيسة الاحتفاظ بسيطرتها على التعليم، إلى جانب محاولة الفلاسفة وغيرهم إنهاء هذه السيطرة والقضاء عليها. وبلغ الصراع ذروته بطرد اليسوعيين من فرنسا في 1762، وتأميم المدارس الفرنسية، وغلبة التعليم الفهماني في الثورة الفرنسية. وكان خلاف قد بدأ يبرز في النصف الأول من القرن الثامن عشر فقط. ولم تكن الغالبية العظمى من الفلاحين تعهد القراءة. وفي كثير من المجتمعات الريفية، كانت الهيئات البلدية، حتى إلى عام 1789، "لا تكاد تعهد الكتابة"(1). وكان في معظم الأبرشيات على أية حال "مدرسة صغيرة" يقوم فيها الكاهن بنفسه، أومن يعينه هو، بتعليم القراءة والكتابة والدين المسيحي على صورة سؤال وجواب، للأولاد الذكور أساساً، في لقاء رسم زهيد يدفعه الآباء عن جميع تلميذ(2)، أما الأولاد الذين يعجز آباؤهم عن الدفع فكانوا يتفهمون بالمجان إذا طلبوا ذلك. وكان اللحاق بهذه المدرسة مطلوباً قانوناً بمقتضى مراسيم 1694 و1724، ولكن هذه المراسيم لم تنفذ(3)، وامتنع كثير من الآباء الفلاحين عن إرسال أبنائهم إلى المدرسة، لحاجتهم إليهم في المغرسة من ناحية، ومن ناحية أخرى لأنهم رأوا حتى التعليم أمر مزعج لا ضرورة له لمن قدر عليهم حتى يشتغلوا في الأرض. فالتعليم لم يكن يكفل أي ازدياد في المركز الاجتماعي لأن الحواجز الطبقية كانت عقبة لا يمكن التغلب عليها تقريباً في النصف الأول من القرن. وفي القرى والمدن الصغيرة نادراً ما كان الذين تفهموا القراءة يقرئون شيئاً غير ما تعلق بعملهم اليومي. وكان جميع إنسان يعهد قواعد الدين، وفي المدن الكبيرة وحدها كان هناك شيء من الفهم بالأدب والعلوم والتاريخ.

وفي الطبقات المتوسطة والعليا كان معظم التعليم على أيدي المربيات والمؤدبين، أوالمفهمين الخاصين، وأخيراً على أيدي مفهمي الرقص، وهؤلاء الأخيرين كان مفروضاً فيهم حتى يفهموا الجنسين كليهما الفنون الشاقة، وهي فنون الجلوس والوقوف والمشي والحديث والإيماء، في كياسة ورقة. وتلقت بعض الفتيات دروساً خاصة في اللاتينية، وفوق هذا كله تقريباً، تفهم الفقراء الغناء والعزف على البيان القيثاري. وقام التعليم العالي للبنات في الأديار، حيث ارتقين في الدين والتطريز والموسيقى والرقص وقواعد السلوك القويم الذي يجدر بالشابة أوالزوجة حتى تتحلى به.

وكان جميع التعليم الثانوي للذكور تقريباً في يد اليسوعيين، ولوحتى الرهبان الأوراتوريين والبندكتيين أسهموا فيه. وكان المتشككون من أمثال فولتير وهلفيشيوس من بين الخريجين الكثيرين المرموقين في كلية اليسوعيين "لويس الأكبر" حيث كان الأب شارل بوريه يقوم بتدريس "البلاغة" (أي اللغة والأدب وفهم الكلام) وهجر في تلاميذه ذكريات طيبة. وما كاد المنهج في المدارس اليسوعية ليتغير طوال قرنين من الزمان. وعلى الرغم من هجريز هذا المنهج على الدين والأخلاق، فإن مادته كانت كلاسيكية إلى حد بعيد، فكان التلاميذ يدرسون مؤلفات روما القديمة في نصوصها الأصلية، فأكب التلاميذ الصغار على دراسة الفكر الوثني لمدة خمس أوست سنوات، فلا عجب حتى ساورتهم بعض الريبة في عقيدتهم المسيحية. وأكثر من هذا فإن اليسوعيين "لم يدخروا وسعاً في تنمية ذكاء تلاميذهم وغيرتهم"(4). فكانوا يشجعون على المناقشة والتحدث علانية وعلى تمثيل الروايات، وكانوا يتفهمون قواعد لترتيب أفكارهم والتعبير عنها، ومن ثم كان جزء من وضوح الأدب الفرنسي وصفاته من غرس المدارس اليسوعية، وأخيراً تلقى الطالب مناهج قاسية في المنطق والميتافيزيقا وفهم الأخلاق عن أرسطومن ناحية وفلاسفة العصور الوسطى السكولاسيين (المدرسيين) من ناحية أخرى. وهنا مرة أخرى، نجد حتى النتائج كانت تقليدية، إلا حتى عادة التفكير والاستنتاج والتعليل بقيت-وأصبحت بالعمل-علامة مميزة لهذا العصر "عصر العقل" بوجه خاص. وكان الجلد بالسياط أيضاً جزءاً من المنهج، حتى لطلاب الفلسفة، ودون تميز في المرتبة أوالمكانة الاجتماعية، فقد جلد من أصبح فيما بعد مركيز دارجنسون ودوق بوفلرز، أمام أقرانهما في الفصل، لأنهما قذفا أساتذتهما الأجلاء بحبات البازلاء(5).

وعلت الشكوى بالعمل من حتى المنهج لم يول عناية تذكر بما وصلت إليه الفهم من تقدم وازدهار، وأن التعليم كان نظرياً إلى حد كبير، ولا يعد للحياة العملية، وإن الإلحاح الشديد على التعليم الديني قد أفسد الأذهان أوأغلقها. وفي "رسالة عن التعليم" كانت يوماً مشهورة (1726-1728) دافع شارل رولان رئيس جامعة باريس عن المنهج الكلاسيكي (القديم التقليدي) وعن الهجريز على الدين. وكان من رأيه حتى الهدف الأسمى من التعليم هوخلق أناس أفضل. وأفاضل المفهمين "لا يعنون كثيراً بالعلوم، حيث لا تساعد هذه العلوم على التمسك بأهداب الفضيلة. ولمقد يكونوا يأبهون كثيراً بالتزود بألوان الفهم، إذا لم تقترن بالاستقامة وحسن الخلق. وكانوا يؤثرون الرجل الأمين على الرجل العالم الواسع الإطلاع(6). ونطق رولان إنه من الصعب حتى نشكل الخلق القويم دون تأسيسه على عقيد دينية. ومن ثم "ينبغي حتىقد يكون الهدف من جدودنا، والغرض من تعليمنا هوالدين"(7)وسرعان ما يثير الفلاسفة الجدل حول هذا الموضوع، ويستمر الجدل حول ضرورة الدين للأخلاق طوال القرن الثامن عشر، والقرن الذي يليه. وهوجدل حي في أيامنا هذه.


انظر أيضاً

  • التعليم في فرنسا
  • التعليم الدنيوي

الهامش

تاريخ النشر: 2020-06-04 12:42:00
التصنيفات: تاريخ التعليم في فرنسا

مقالات أخرى من الموسوعة

سحابة الكلمات المفتاحية، مما يبحث عنه الزوار في كشاف:

آخر الأخبار حول العالم

ألمانيا مستعدة لتعزيز وجودها العسكري في دول البلطيق

المصدر: ألشرق الأوسط - السعودية التصنيف: سياسة
تاريخ الخبر: 2022-06-07 21:23:30
مستوى الصحة: 94% الأهمية: 86%

Offres d'emploi Téléconseiller au Maroc 2022

المصدر: الوظيفة كلوب - المغرب التصنيف: وظائف وأعمال
تاريخ الخبر: 2022-06-07 21:24:06
مستوى الصحة: 66% الأهمية: 85%

قطاع الصحة سيعرف إصلاحات عميقة

المصدر: آخر ساعة - الجزائر التصنيف: سياسة
تاريخ الخبر: 2022-06-07 21:23:53
مستوى الصحة: 51% الأهمية: 52%

تقرير للأمم المتحدة : يجب إيقاف الاحتلال الإسرائيلي السعودية

المصدر: جريدة الوطن - السعودية التصنيف: إقتصاد
تاريخ الخبر: 2022-06-07 21:23:43
مستوى الصحة: 51% الأهمية: 66%

طارق بلعربي يدعو على ضرورة تسريع وتيرة الانجاز

المصدر: آخر ساعة - الجزائر التصنيف: سياسة
تاريخ الخبر: 2022-06-07 21:23:58
مستوى الصحة: 59% الأهمية: 66%

النيابة تصنّف الاعتداء على حقوق المؤلفين - أخبار السعودية

المصدر: صحيفة عكاظ - السعودية التصنيف: مجتمع
تاريخ الخبر: 2022-06-07 21:23:41
مستوى الصحة: 50% الأهمية: 69%

رئيس الحكومة يترأس اجتماعا وزاريا حول الحماية الاجتماعية

المصدر: موقع الدار - المغرب التصنيف: مجتمع
تاريخ الخبر: 2022-06-07 21:24:10
مستوى الصحة: 45% الأهمية: 59%

رئيس الحكومة يترأس اجتماعا وزاريا حول الحماية الاجتماعية

المصدر: أخبارنا المغربية - المغرب التصنيف: سياسة
تاريخ الخبر: 2022-06-07 21:23:34
مستوى الصحة: 61% الأهمية: 83%

لافروف في تركيا يناقش فتح الممرات البحرية لتصدير الحبوب الأوكرانية

المصدر: ألشرق الأوسط - السعودية التصنيف: سياسة
تاريخ الخبر: 2022-06-07 21:23:30
مستوى الصحة: 93% الأهمية: 95%

3 قتلى في حادث تصادم قطار وشاحنة السعودية

المصدر: جريدة الوطن - السعودية التصنيف: إقتصاد
تاريخ الخبر: 2022-06-07 21:23:44
مستوى الصحة: 46% الأهمية: 59%

شراء الملابس والأحذية يتصدر عمليات نقاط البيع السعودية

المصدر: جريدة الوطن - السعودية التصنيف: إقتصاد
تاريخ الخبر: 2022-06-07 21:23:45
مستوى الصحة: 55% الأهمية: 65%

الموت يفجع "ملك الراي" في أقرب الناس إلى قلبه

المصدر: أخبارنا المغربية - المغرب التصنيف: سياسة
تاريخ الخبر: 2022-06-07 21:23:37
مستوى الصحة: 65% الأهمية: 83%

الفليبين تطلق مركزا لطرد الأرواح الشريرة السعودية

المصدر: جريدة الوطن - السعودية التصنيف: إقتصاد
تاريخ الخبر: 2022-06-07 21:23:46
مستوى الصحة: 50% الأهمية: 50%

ما هو موقف الحكومة بشأن طلب زيادة أسعار الكتب المدرسية؟

المصدر: أخبارنا المغربية - المغرب التصنيف: سياسة
تاريخ الخبر: 2022-06-07 21:23:33
مستوى الصحة: 74% الأهمية: 83%

يلين: الاستثمارات في ميزانية بايدن 2023 ضرورية لمواجهة التضخم

المصدر: ألشرق الأوسط - السعودية التصنيف: سياسة
تاريخ الخبر: 2022-06-07 21:23:32
مستوى الصحة: 80% الأهمية: 96%

الفنار تُعلن ترسية مشروع من وزارة الصحة بـ109 ملايين - أخبار السعودية

المصدر: صحيفة عكاظ - السعودية التصنيف: مجتمع
تاريخ الخبر: 2022-06-07 21:23:40
مستوى الصحة: 48% الأهمية: 68%

دولة إفريقية جديدة تعلن عن افتتاح قنصلية عامة لها بالصحراء المغربية

المصدر: أخبارنا المغربية - المغرب التصنيف: سياسة
تاريخ الخبر: 2022-06-07 21:23:36
مستوى الصحة: 69% الأهمية: 74%

تحميل تطبيق المنصة العربية