تاريخ إيران

عودة للموسوعة

تاريخ إيران

تاريخ إيران
قائمة إمبراطوريات فارس - ملوك فارس
  • حضارات قبل عيلامية (3200–2700 ق.م.)
  • حضارة جيروفت (3000–قخمسة ق.م.)
  • سلالات عيلام (2700–539 ق.م.)
  • مملكة ماني (10th–ق 7. ق.م.)
  • الامبراطورية الميدية (728–550 ق.م.)
  • الامبراطورية الاخمينية (648–330 ق.م.)
  • الامبراطورية السلوقية (330–150 ق.م.)
  • الامبراطورية البارثية (250 ق.م.– 226 م)
  • الامبراطورية الساسانية (226–650)
  • عصر الخلافة الإسلامية (637–651)
  • خلافة أموية (661-750)
  • خلافة عباسية (750-1258)
  • الدولة الطاهرية (821–873)
  • الدولة العلوية (إيران) (864–928)
  • سلالة الصفاريون (861–1003)
  • دولة سامانية (875–999)
  • الدولة الزيارية (928–1043)
  • دولة بويهية (934–1055)
  • دولة غزنوية (963–1187)
  • السلالة الغورية (1149–1212)
  • الامبراطورية السلجوقية (1037–1194)
  • الدولة الخوارزمية (1077–1231)
  • إلخانات المغول (1256–1353)
  • المظفرون (1314–1393)
  • چوپانيون (1337–1357)
  • الجلائريون (1339–1432)
  • الامبراطورية التيمورية (1370–1506)
  • هجرمان قرة قويونلو(1407–1468)
  • هجرمان آق قويونلو(1378–1508)
  • الامبراطورية الصفوية (1501–1722/1736)
  • سلالة هوتاكي گيلزاي (1722–1729)
  • الدولة الأفشارية (1736–1802)
  • زنديون (1750–1794)
  • قاجاريون (1781–1925)
  • أسرة پهلوي (1925–1979)
  • الثورة الإسلامية (1979)
  • الحكومة الانتنطقية (1979–1980)
  • الجمهورية الإسلامية الإيرانية (1980–الحاضر)
تحرير

التاريخ الإيراني قبل الآريين

سكنت المنطقة عدة شعوب قبل مجيئ الفرس الآريين إليها. أبرز تلك الشعوب:

  • حضارة عيلام هي واحدة من أول الحضارات في المنطقة، ولا ينتمي شعبها إلى الشعوب الهندو-أوربية، بل البعض يعتقد بأن أصولهم عربية. وتتواجد في إقليم عربستان ومحافظة ايلام. إستمرت الحضارة بين عامي 2700 قبل الميلاد و539 قبل الميلاد.
  • المانيون أحد الشعوب القديمة التي إستوطنت الأراضي التي تعهد حاليا بأذربيجان الإيرانية في الفترة مابين القرن العاشر قبل الميلاد والقرن السابع قبل الميلاد. لمقد يكونوا من الشعوب الهندو-أوربية. ويعتقد البعض أنهم يشكلون نواة شعب الأكراد.
  • حضارة جيرفت حضاة ما تزال مجهولة، تتواجد غالباً في بلوشستان.

الموضوع الرئيسي: إمبراطورية فارسية


الامبراطورية الفارسية

كانت الدولة الفارسية حين بلغت أعظم إتساعها في أيام دارا تضم عشرين ولاية أو"إمارة" (ستربية) تضم: مصر ، وفلسطين ، وسوريا ، وفينيقيا، وليديا ، وفريجية ، وأيونيا ، وقبادوش ، وقليقية ، وأرمينيا ، وأشور ، وقفقاسية ، وبابل ، وميديا ، وفارس ، والبلاد المعروفة في هذه الأيام بإسم أفغانستان ، وبلوخستان ، والقسم الممتد من الهند غرب نهر السند ، وسيمديانا ، وبكتريا(بلخ)، وأنطقيم المسجينة وغيرهم من قبائل آسية الوسطى. ولم يسجل التاريخ قبل هذه الإمبراطورية حتى حكومة واحدة حكمت مثل هذه الرقعة الواسعة من البلاد. ولم تكن بلاد الفرس في تلك الأيام ، وهي البلاد التي قدر لها حتى تحكم هذه الأربعين مليوناً من الأنفس مدى مائتي عام ، هي بعينها البلاد المعروفة الآن بإسم بلاد فارس ، والتي يسميها بلاد إيران ، بل كانت هي الإقليم الأصغر المصاحب للخليج الفارسي مباشرة من جهة الشرق ، والمعروفة لدى الفرس الأقدمين بإسم بارش والفرس المحدثين بإسم فارس أوفارستان. وهذا الإقليم يكادقد يكون كله صحراوات وجبالاً ، أنهاره قليلة ، معرضة للبرد القارس والحر الجاف اللافح ، ولذلك فإنه لم يكن فيه من الخيرات ما يكفي سكانه البالغ عددهم مليونين من الأنفس ، إلا إذا إستعانوا بما قد يأتيهم من خارج بلادهم عن طريق التجارة والفتح. وأهل البلاد الجبليون الأشداء ينتمون كما ينتمي الميديون إلى الجنس الهندوربي ، ولعلهم اتىوا إلى تلك البلاد من جنوب روسيا ؛ وتكشف لغتهم وديانتهم المبكرة عن صلة نسب وثيقة بينهم وبين الآريين الذين عبروا أفغانستان ، وأصبحوا الطبقة الحاكمة في شمال الهند. ولقد وصف دارا الأول نفسه في نقش - رستم بأنه: "فارسي إبن فارسي ، آرى من سلالة آرية" . ويسمي الزردشتيون وطنهم الأول: إيريانا فيجوأي "موطن الآريين" ، ويطلق لفظ أريانا على البلاد التي يطلق عليها الآن هذا اللفظ الذي لا يكاد يختلف عن اللفظ الأول وهوإيران.

الحياة الإجتماعية في الإمبراطورية الفارسية

ويلوح حتى الفرس كانوا أجمل شعوب الشرق الأدنى في الزمن القديم. فالآثار الباقية في عهدهم تصورهم شعباً معتدل القامات ، قوي الأجسام، قد وهبته حياة الجبال شدة وصلابة، ولكن ثروتهم الطائلة رققت طباعهم ، وهم ذووملامح متناسبة متناسقة ، شم الأنوف لا يكادون يفترقون في ذلك عن اليونان ، تبدوعلى وجوههم سمات النبل والروعة؛ ولبس معظمهم الملابس الميدية ثم تحلوا فيما بعد بالحلي الميدية. وكانوا يعدون من سوء الأدب كشف أي جزء من أجزاء الجسم خلا الوج ه، ولذلك كان جميع جسمهم مغطى من عمامة الرأس أوعصابته أوقلنسوته إلى خفي القدمين أوحذاءيهما. فكان لباسهم سروالاً مثلث الطيات ، وقميصاً أبيض من التيل ، ومئزراً من طبقتين ، ذا كُمّين يغطيان اليدين ، ومنطقة في وسط الجسم. وكانت هذه الملابس تحفظ أجسامهم ، دفئة في الشتاء ، حارة في الصيف. أما الملك فكان يمتاز بلبس سروال مطرز قرمزي ، وحذاءين ذوي أزرار زعفرانية اللون. ولم تكن ملابس النساء تختلف عن ملابس الرجال إلا بفتحة عند الصدر. وكان الرجال يطيلون لحاهم ويهجرون شعر رأسهم ينساب في غدائر ، ثم إستبدلوا بهما فيما بعد شعراً مستعاراً. ولما زادت الثروة في عهد الإمبراطورية أكثر الأهلون رجالهم ونساؤهم من إستعمال أدوات التجميل ، فإستعملوا الأدهان لتجميل الوجه ، والأصباغ الملونة لدهن الجفون ، لكي يزيدوا بذلك من سعة العينين وبريقهما الظاهر. ومن ثم نشأت عندهم طبقة من"المزينين" سماهم اليونان "الكزمتاي" كانوا خبراء في فن التجميل ، وعملهم تجميل الأثرياء. وكان الفرس خبراء في عمل الروائح العطرية ، وكان القدماء يعتقدون أنهم هم الذين إخترعوا أدهان التجميل. ولم يكن مليكهم يخرج إلى الحرب إلا ومعه علبة ثمينة من الزيوت العطرية، يتعطر بها في حالتي النصر والهزيمة.


الحياة الثقافية في الإمبراطورية الفارسية

تحدث الفرس عدة لغات في أثناء تاريخهم الطويل. فكانت الفارسية القديمة لغة البلاط وأعيان البلاد في عهد دارا الأول ، وهذه اللغة وثيقة الإرتباط باللغة السنسكريتية حتى ليبدولنا جلياً حتى اللغتين كانتا في وقت من الأوقات لهجتين من لغة أقدم منهما عهداً، وأنهما هما واللغة الإنجليزية فروع من أصل واحد. وتطورت اللغة الفارسية القديمة وتفرعت إلى فرعين هما الزندية- لغة الزند- أبستاق. واللغة البهلوية وهي لغة هندية اشتقت منها اللغة الفارسية الحالية. ولما مارس الفرس الكتابة إستخدموا في نقوشهم الخط المسماري وإستخدموا الحروف الهجائية الآرامية لكتابة وثائقهم. وبسطوا مقاطع اللغة البابلية الثقيلة الصعبة ، فأنقصوها من ثلاثمائة رمز إلى ست وثلاثين علامة ، تبدلت شيئاً فشيئاً من مقاطع إلى حروف حتى صارت حروفاً هجائية مسمارية. على حتى الكتابة كانت تبدوللفرس لهواً خليقاً بالنساء لا يكادون يقتطعون له وقتاً من بين مشاغلهم الكثيرة في الحب والحرب والصيد ، ولم ينزلوا من عليائهم فينشئوا أدباً.

وكان الرجل العادي أمياً راضياً عن أميته، يبذل جهده كله في فلاحة الأرض. ومجدت الزند- أبستاق الأعمال الزراعية وعدتها أبرز أعمال الجنس البشري وأشرفها ، يبتهج لها أهور- مزدا الإله الأعلى أكثر مما يبتهج بغيرها من الأعمال. وكانت بعض الأراضي يغرسها ملاكها المزارعون. وكان هؤلاء الملاك في بعض الأحيان يؤلفون جماعات زراعية تعاونية مكونة من عدة أسر لتغرس مجتمعة مساحات واسعة من الأراضي. والبعض يمتلكه الأشراف الإقطاعيون ويغرسه مستأجروه نظير جزء من غلته ؛ وبعضها الآخر يغرسه الأرقاء الأجانب ( ولمقد يكونوا قط فرساً). وكانوا يستخدمون محاريث من الخشب ذات أطراف من حديد تجرها الثيران. وكانوا يجرون الماء من الجبال إلى الحقول بطرق الري الصناعية. وكان الشعير والقمح أبرز محاصيل الأرض وأهم مواد الغذاء ، ولكنهم كانوا يأكلون كثيراً من اللحم ويتجرعون كثيراً من الخمر. وقد أمر قورش بتقديم الخمر لجيوشه. ولم تكن مناقشة جدية في الشئون السياسية تدور في مجالس الفرس إلا وهم سكارى وإن كانوا يحرصون على حتى يعيدوا النظر في قراراتهم في صباح اليوم التالي. وكان من مشروباتهم مشروب مسكر يسمى هوما يقدمونه قرباناً محبباً لآلهتهم ؛ وكانوا يعتقدون أنه لا يبعث في مدمنه الهياج والغضب ، بل يبعث فيه التقى والإستقامة.


الحياة الإقتصادية في الإمبراطورية الفارسية

ولم يكن للصناعة شأن في فارس ؛ فقد رضيت حتى تهجر لأمم الشرق الأدنى ممارسة الحرف والصناعات اليدوية ، وإكتفت بأن تحمل هذه الأمم إليها منتجاتها مع ما يأتيها من الخراج. أما في شئون النقل والإتصال فكانت أكثر إبتكاراً منها في شئون الصناعة. فقد أنشأ المهندسون إطاعة لأمر دارا الأول طرقاً عظيمة تربط حواضر الدولة بعضها ببعض. وكان طول إحدى هذه الطرق وهي الممتدة من السوس إلى سرديس ألفاً وخمسمائة ميل. وكان طولها يقدر تقديراً دقيقاً بالفراسخ ( وكان الفرسخ 3.4 ميل) ويقول هيرودوت: "إنه كان عند نهاية جميع أربعة فراسخ محاط ملكية ونُزل فخمة ، وكان الطريق كله يخترق أنطقيم آمنة عامرة بالسكان". وكان في جميع محطة خيول بديلة متأهبة لمواصلة السير بالبريد ، ولهذا فإن البريد الملكي كان يجتاز المسافة من السوس إلى سرديس بالسرعة التي يجتازها بها الآن رتل من السيارات الحديثة، أي في أقل قليلاً من أسبوع، مع حتى المسافر العادي في تلك الأيام الغابرة كان يجتاز تلك المسافة في تسعين يوماً. وكانوا يعبرون الأنهار الكبيرة في قوارب ، ولكن المهندسين كانوا يستطيعون متى شاءوا حتى يقيموا على الفرات أوعلى الدردنيل نفسه قناطر متينة تمر عليها مئات الفيلة الوجلة وهي آمنة. وكان ثمة طرق تصل فارس بالهند مجتازة ممرات جبال أف انستان ، وقد جعلت هذه الطرق مدينة السوس مستونادىً وسطاً لثروة الشرق التي كانت حتى في ذلك العهد البعيد ثروة عظيمة لا يكاد يصدقها العقل. وقد أنشأت هذه الطرق في الأصل لأغراض حربية وحكومية ، وذلك لتسيير سيطرة الحكومة المركزية وأعمالها الإدارية ؛ ولكنها أفادت أيضاً في تنشيط التجارة وإنتنطق العادات والأفكار ، كما أفادت في تبادل خرافات الجنس البشري وهي من مستلزماته التي لا غنى له عنها. من ذلك حتى الملائكة والشياطين قد انتقلت على هذه الطرق من الأساطير الفارسية إلى الأساطير اليهودية والمسيحية.

ولم تبلغ الملاحة في فارس ما بلغه النقل البري من رقي عظيم. فلم يكن للفرس أسطول خاص بهم ، بل كانوا يكتفون بإستئجار سفن الفينيقيين أوالإستيلاء عليها لإستخدامها في الأغراض الحربية ، وقد إحتفر دارا الأول قناة عظيمة تصل فارس بالبحر الأبيض المتوسط عن طريق البحر الأحمر والنيل ، ولكن إهمال خلفائه هجر هذا العمل العظيم تبعث به الرمال السافية. وأصدر خشيارشاي أمره الملكي إلى قسم من قواته البحرية بأن يطوف حول إفريقيا ، ولكنه لم يكد يجتاز أعمدة هرقل (مضيق جبل طارق الحالي) حتى عاد من رحلته يجلله الخزي والعار. وكانت الأعمال التجارية تهجر في الغالب لغير أبناء البلاد- للبابليين والفينيقيين واليهود ؛ ذلك حتى الفرس كانوا يحتقرون التجارة ويرون حتى الأسواق بؤرة للكذب والخداع. وكانت الطبقات الموسرة تفخر باستطاعتها الحصول على معظم حاجاتها من حقولها وحوانيتها بغير واسطة ، دون حتى تدنس أصابعها بأعمال البيع والشراء. وكانت الأجور والقروض وفوائد الأموال تؤدى في بادئ الأمر سلعاً ، وأكثر ما كانت تؤدى به الماشية والحبوب ؛ ثم اتىتهم النقود من ليديا ، وسكّ دارا "الداريق" من المضى والفضة وطبع عليه صورته ، وكانت نسبة قيمة الدريق المضىي إلى الدريق الفضي كنسبة 13.5 إلى 1 . وكان هذا بداية وضع نسبة بين النقدين في الوقت الحاضر.


الحياة السياسية في الإمبراطورية الفارسية

كانت حياة فارس حياة سياسية وحربية أكثر منها إقتصادية ؛ عماد ثروتها القوة لا الصناعة ؛ ومن أجل ذلك كانت مزعزعة الكيان أشبه ما تكون بجزيرة حاكمة وسط بحر واسع خاضع لسلطانها خضوعاً غير قائم على أساس طبيعي. وكان النظام الإمبراطوري الذي يمسك هذا الكيان المصطنع من أقدر الأنظمة ولا يكاد يوجد له شبيه ؛ فقد كان على رأسه الملك أوخشترا أي المحارب ، وهولقب يشير على منشأ الملكية الفارسية العسكري وصبغتها العسكرية. وإذا كان تحت سلطانه ملوك يأتمرون بأمره فقد كان الفرس يلقبونه "ملك الملوك" ولم يعترض العالم القديم على هذه الدعوة ، غير حتى اليونان لمقد يكونوا يسمونه بأكثر من باسليوس أي الملك.

وكان له من الوجهة النظرية سلطة مطلقة ؛ فكانت حدثة تصدر من فمه تكفي لإعدام من يشاء من غير محاكمة ولا بيان للأسباب ، على الكيفية التي يتبعها أحد الحكام الطغاة في هذه الأيام. وكان في بعض الأحيان يمنح أمه أوكبيرة زوجاته حق القتل القائم على النزعات والأهواء. وقلما كان أحد من الأهلين ، ومن بينهم كبار الأعيان ، يجرؤ على إنتقاد الملك أولومه ، كما كان الرأي العام عاجزاً عجزاً مصدره الحيطة والحذر ، فكان ما يعمله الذي يرى الملك يقتل إبنه البريء أمام عينيه رمياً بالسهام حتى يثني على مهارة الملك العظيمة في الرماية ، وكان المذنبون الذين يلهب السياط أجسادهم بأمر الملك يشكرون له تفضله بأنه لم يغفل عن ذكرهم. ولوحتى ملوك الفرس كان لهم من النشاط ما لقورش ودارا الأول لكان لهم حتى يملكوا ويحكموا ؛ ولكن الملوك المتأخرين كانوا يعهدون بأكثر شئون الحكم إلى الأشراف الخاضعين لسلطانهم ، أوإلى خصيان قصورهم. أما هم فكانوا يقضون أوقاتهم في الحب أولعب النرد أوالصيد. وكان القصر يموج بالخصيان يسرحون فيه ويمرحون ، يحرسون النساء ويفهمون الأمراء ، وقد إستخدموا ما تخولهم هذه الأعمال من ميزة وسلطان في حبك الدسائس وتدبير المؤامرات في عهد جميع ملك من الملوك. وكان من حق الملك حتى يختار خلفه من بين أبنائه ، ولكن وراثة العرش كانت تقرر في العادة بالإغتيال والثورة. غير حتى سلطة الملك كانت تقيدها من الوجهة العملية قوة الأعيان ، وكانوا هم الواسطة بين الشعب والعرش. وقد جرت العادة حتىقد يكون لأسر الرجال الستة الذين تعرضوا مع دارا الأول لأخطار الثورة التي قامت على سمرديس الزائف ميزات إستثنائية. وأن يستشاروا في مهام الدولة الحيوية ، وكان كثير من الأشراف يحضرون إلى القصر ويؤلفون مجلساً يولي الملك مشورته في أكثر الأحيان أعظم رعاية. وكان يربط معظم أفراد الطبقة الموسرة بالعرش حتى الملك هوالذي يهبهم ضياعهم ؛ وكانوا في لقاء هذا يمدونه بالرجال والعتاد إذا نفر إلى القتال. وكان لهؤلاء الأشراف في إقطاعاتهم سلطان لا يكاد يحده شيء- فكانوا يجبون الضرائب ، ويسنون القوانين، وينفذون أحكام القضاء ويحتفظون بقواتهم المسلحة.

وكان الجيش العماد الحقيقي لسلطان الملك والحكومة الإمبراطورية ، ذلك حتى الإمبراطوريات إنما تدوم ما دامت محتفظة بقدرتها على التقتيل. وكان يفرض على جميع رجل سليم الجسم بين الخامسة عشرة والخمسين من عمره حتى ينضم إلى القوات العسكرية حدثا أعربت الحرب. وحدث مرة حتى طلب والد ثلاثة أبناء حتى يُعفى واحد منهم من الخدمة العسكرية فما كان من الملك إلا حتى أمر بقتلهم هم الثلاثة ؛ وأوفد والد آخر أربعة من أبنائه إلى ميدان القتال ، ثم رجا خشيارشاي حتى يسمح ببقاء أخيهم الخامس ليشرف على ضيعة الأسرة فبتر جسم هذا الابن نصفين بأمر من الملك ، ووضع جميع نصف على أحد جانبي الطريق الذي سيمر منه الجيش. وكان الجنود يسيرون إلى الحرب وسط دوي الموسيقى العسكرية وهتاف الجماهير التي تجاوزت سن التجنيد. وكانت أبرز فرق الجيش فرقة الحرس الملكي المؤلفة من ألفين من الفوارس وألفين من المشاة وكانت مهمتهم حراسة الملك. وكان الجيش العامل كله بلا استثناء من الفرس والميديين، وكان يؤخذ من هذه القوات الدائمة معظم الحاميات القائمة في النقط العسكرية الهامة في الإمبراطورية لترهيب من تحدثه نفسه بالخروج عليها. أما القوات الحربية الكاملة فكانت تتألف من فرق تجند من جميع الأمم الخاضعة لسلطان الفرس ، وكانت جميع فرقة تتحدث بلغتها ، وتقاتل بأسلحتها وتتبع أساليبها الحربية الخاصة ، ولم يكن عتادها وأتباعها أقل إختلافا من أصولها: فهناك القسي والسهام ، والسيوف والحراب ، والخناجر والرماح ، والموضوعيع والمدي ، والتروس والخوذ ، والمجنات المتخذة من الجلد ، والزرد. وكانوا يركبون الجياد والفيلة ، ويصحبهم المنادون ، والخطة ، والخصيان ، والعاهرات ، والسراري ، ومعهم العربات التي سلح جميع جزء من عجلاتها بمناجل الصلب الكبيرة. وهذه الجحافل الجرارة التي بلغت عدتها في حملة خشيارشاي 000ر800ر1 مقاتل لم تتألف منها قط وحدة كاملة ، ومن أجل ذلك فإن أول بادرة من بوادر الهزيمة كانت تحيلها إلى جموع من الغوغاء العديمة النظام. وكانت تهزم أعداءها بقوة عددها لا غير ، وبمقدرته على إستيعاب قتلاها ، فإذا ما لاقاها جيش حسن التنظيم يتحدث أفراده لغة واحدة ويخضعون لنظام واحد حاقت بها الهزيمة. وهذا هوالسر فيما أصابها عند مرثون وبلاتية.

ولم يكن يوجد في مثل هذه الدولة قانون غير إرادة الملك وقوة الجيش. ولم تكن فيها حقوق مقدسة تستطيع الوقوف أمام هاتين القوتين ، كما حتى التنطقيد والسوابق لم تجد نفعاً إلا إذا كانت مستمدة من أمر ملكي سابق ؛ ذلك حتى الفرس كانوا يفتخرون بأن قوانينهم لا تبديل لها ، وأن الوعد أوالمرسوم الملكي لا ينقض بحال من الأحوال ، فقد كان إعتقادهم حتى قرارات الملك وأحكامه إنما يوحيها إليهم الإله أهورا- مزدا نفسه.

وعلى هذا الأساس كان قانون المملكة مستمداً من الإرادة الإلهية ، وكان جميع خروج على هذا القانون يعد خروجاً على إرادة الإله. فكان الملك صاحب السلطة القضائية العليا، ولكنه كان في العادة يعهد هذا العمل إلى أحد الفهماء الشيوخ من أتباعه. ثم يأتي من بعده المحكمة العليا المؤلفة من سبعة قضاة ، ومن تحتها محاكم محلية منتشرة في أنحاء المملكة. وكان الكهنة هم الذين يضعون القوانين ، وظلوا زمناً طويلاً ينظرون في المظالم ، ثم كان النظر فيها في العهود المتأخرة رجال بل نساء من غير رجال الدين ونسائه ، وكانت الكفالة تقبل من المتهم في جميع القضايا إلا ما كان منها خطير الشأن ، وكانوا يتبعون في المحاكمات إجراءات منتظمة. وكانت المحاكم تأمر أحياناً بمنح المكافآت كما كانت تأمر بتوقيع العقوبات ، وكانت وهي تنظر في الجرائم تقدر ما للمتهم من حسنات وما أداه من خدمات. ولكي يحولوا بين إطالة الإجراءات القضائية كانوا يحددون زمناً معيناً تنتهي فيه جميع قضية ، ويعرضون على الخصوم حتى يختاروا لهم حَكماً يحاول فض ما بينهم من نزاع بالطرق السلمية.

ولما تكاثرت السوابق القانونية وتعقدت القوانين نشأت طائفة من الناس يسمون "المتحدثين في القانون" كانوا يعرضون على المتخاصمين حتى يفسروا لهم القانون ويساعدوهم على السير في قضاياهم. وكان يطلب إلى المتقاضين حتى يقسموا الأيمان ، وكانوا في بعض الأحيان يلجأون إلى الحكم الإلهي ، (فيفوضون أمر المتهم إلى الآلهة تقضي له أوعليه بوسائلها الخاصة ، بأن تنجيه من النار أوالغرق إذا كان بريئاً وتقضي عليه بهما إذا كان مذنباً) ، وكانوا يقاومون الرشوة بجعل عرضها أوقبولها جريمة كبرى يعاقب مرتكبها بالإعدام. وكان مما عمله قمبيز لضمان القضاة حتى أمر بأن يسلخ جلد القاضي الظالم حياً وأن يستخدم جلده لتنجيد مقاعد القضاة ، ثم كان يعين إبن القاضي القتيل بدلاً منه.

وكانت الجرائم الصغرى يعاقب عليها بالجلد- من خمس جلدات إلى مائتي جلدة- بسوط من سياط الخيل ، وكان عقاب من يسمم كلب راع مائتي جلدة، ومن يقتل آخر خطأ كان عقابه تسعين جلدة. وكانت الدولة تحصل على بعض المال اللازم للشؤون القضائية من استبدال الغرامة بالجلد باحتساب جميع ست روبيات للجلدة الواحدة(47). أما الجرائم التي هي أشد من هذه فكان يعاقب عليها بالوسم بالنار أوبتشويه الأعضاء أوبتر بعض الأطراف، أوسمل العين أوالسجن أوالإعدام. وكان نص القانون يحرم على أي إنسان حتى الملك نفسه حتى يحكم على إنسان بالقتل عقاباً على جريمة صغرى ، ولكنه يحل القتل عقاباً على خيانة الوطن، أوهتك العرض، أواللواط ، أوالقتل ، أوالإستمناء ، أوحرق الموتى ، أودفنهم سراً ، أوالإعتداء على حرمة القصر الملكي ، أوالإتصال بإحدى سراريه ، أوالجلوس مصادفة على عرشه ، أوالإساءة إلى أحد أفراد البيت المالك.

وكان المذنب في هذه الحالات يعدم إما بإرغامه على تجرع السم ، أوخزقه أوصلبه ، أوشنقه (وكان المجرم يشنق ورأسه عادة إلى الأسفل) ، أورجمه بالحجارة أودفن الجسم إلى ما دون الرأس ، أوتهشيم رأسه بين حجرين كبيرين ، أوخنقه في رماد ساخن ، أوبتوقيع ذلك العقاب الذي لا يصدقه العقل والمعروف بإسم عقاب "الزورقين". وقد ورث الأتراك الذين أغاروا على البلاد فيما بعد بعض هذه العقوبات الهمجية ، وأورثوها العالم من بعدهم. واستعان الملك هذه القوانين وهذا الجيش على حكم الولايات العشرين التابعة لدولته من عواصمه الكثيرة. وكانت العاصمة الأصلية بزارجادة ، ولكنه كان ينتقل منها أحياناً إلى برسبوليس ، وكانت إكباتانا عاصمته الصيفية. أما معظم إقامته فكانت في مدينة السوس عاصمة عيلام القديمة التي يجتمع فيها تاريخ الشرق القديم برمته ويرتبط أوله بآخره. وكان من مميزات هذه المدينة صعوبة الوصول إليها، كما كان من عيوبها بُعدها عن سائر عواصم الإمبراطورية، فلما أراد الإسكندر حتى يستولي عليها كان لابد له حتى يجتاز لها طريقاً طوله ألفا ميل؛ ولكنها كان عليها حتى ترسل جيوشها ألفاً وخمسمائة ميل لتخضع الثروات التي تقوم في ليديا أومصر. ولما أنشئت الطرق العظيمة في آخر الأمر كانت جميع فائدتها حتى مهدت السبل لليونان والرومان الذين غزوا بجيوشهم غرب آسية، كما ساعدت غرب آسية على حتى يغزواليونان ورومة بعقائده الدينية.

وكانت الإمبراطورية مقسمة إلى ستريبات أوولايات لتسهل بذلك إدارتها وجباية خراجها. وكان في جميع ولاية نائب "لملك الملوك" قد يحدث أحياناً أميراً خاضعاً لسلطانه ، ولكنه في العادة "سترب" (حاكم) يعينه الملك ويبقى في منصبه ما دام حائزاً لرضا البلاط الملكي.

وأراد دارا حتى يضمن خضوع الوالي لسلطانه فبعث إلى جميع ولاية بقائد من قواد جيشه ليشرف على ما فيها من قوى مسلحة مستقلاً عن الوالي؛ ولكي يضمن خضوع هذا وذاك عين لكل ولاية أميناً من قبله مستقلاً عن الوالي والقائد جميعاً ، مهمته حتى يبلغ عن مسلكهما. وزيادة في الإحتياط كان للملك إدارة للمخابرات السرية تعهد بإسم "عيون الملك وآذانه" يفاجئ موظفوها الولايات ليفحصوا عن سجلاتها وشئونها الإدارية والمالية. وكان الوالي يعزل أحياناً بلا محاكمة ، وأحياناً يتخلص منه بهدوء ، وذلك بأن يسمه خدمه بأمر الملك نفسه. وكان تحت إمرة الوالي والأمين حشد من الخطة يصرفون من شئون الحكم ما ليس في حاجة مباشرة إلى القوة. وكان هؤلاء يستمرون في عملهم وإن تغيرت الإدارات ، بل وإن تغير الملوك ، فالملك يموت ولكن البيروقراطية الحكومية باقية مخلدة.

ولم يكن موظفوالولايات يتناولون رواتبهم من الملك ، بل كانوا يتناولونها من أهل الولاية التي يحكمونها. وكانت هذه الرواتب عالية تكفي لأنقد يكون لهؤلاء الولاة قصور وحريم. وبساتين للصيد ، كان الفرس يسمونها بذلك الاسم التاريخي المأثور وهوالفردوس أي "الجنة". وكان على جميع والٍ فضلاً عن هذا حتى يبعث إلى الملك في جميع عام قدراً معلوماً من المال والبضائع ضريبة مقررة على ولايته. فكانت الهند ترسل 680ر4 تالنتا ، وأشور وبابل ألفاً ، ومصر سبعمائة ، وولايات آسية الصغرى الأربع ترسل مجتمعة 1760 الخ. فكان مجموع ما ترسله الولايات كلها 560ر14 في السنة، قدرت قيمتها تقديراً يختلف من000ر000ر160 ريال أمريكي إلى 000ر000ر218 ريال ؛ وفوق هذا فقد كان ينتظر من جميع ولاية حتى تمد الملك بحاجته من السلع والمؤن: فقد كان على مصر مثلاً حتى تمده في جميع عام بما يحتاجه 000ر120 رجل من الغلال ، وكان الميديون يمدونه بمائة ألف من الضأن، والأرمن بثلاثين ألف من الأمهار، والبابليون بخمسمائة من الغلمان الخصيان. وكانت هناك مصادر أخرى تستمد منها الخزانة المركزية الأموال الطائلة. وحسبنا دليلاً على مقدار هذه الثروة حتى الإسكندر حين إستولى على عاصمة الفرس عثر في الخزائن الملكية 000ر180 تالنت (وزنة) تبلغ قيمتها بحساب هذه الأيام 000ر000ر700ر2 ريال أمريكي ، وذلك بعد مائة وخمسين عاماً من إسراف الفرس وتبديدهم ، وبعد مائة حرب وثورة باهظة النفقات ، وبعد حتى حمل دارا الثالث معه في فراره 000ر8 تالنت. ومع هذا كله فقد كانت الإمبراطورية الفارسية على الرغم من نفقاتها الإدارية الطائلة أنجح تجربة في نظام الحكم الإمبراطوري شهدتها بلاد البحر الأبيض المتوسط قبل الإمبراطورية الرومانية التي قدر لها حتى ترث قسطاً كبيراً من النظم السياسية والإدارية لتلك الإمبراطورية القديمة. وإذا كانت هذه الإمبراطورية قد شهدت ما كانت عليه ملوكها المتأخرين من قسوة وبذخ ، وما كان في بعض شرائعها من همجية ، وما كان ينوء به كاهل الأهلين من ضرائب فادحة ، فقد كان يقابل هذه المساوئ ما كان يسود البلاد بفضل حكومتها من نظام وأمن أثرت في ظله الولايات على الرغم من هذه الأكلاف الباهظة ، وما كانت تستمتع به تلك الولايات من حرية لم تستمتع بها الولايات الخاضعة لأكثر الإمبراطوريات رقياً وإستنارة. ذلك حتى جميع إقليم كان يحتفظ بلغته ، وشرائعه ، وعاداته ، وأخلاقه ، ودينه ، وعملته ، كما كان يحتفظ في بعض الأحيان بالأسرة الحاكمة من أهله. وكانت بعض الأمم التي تؤدى إليها الجزية كبابل وفينيقيا وفلسطين راضية جميع الرضا بالوضع الذي وضعت فيه ، ظناً منها حتى قوادها وجباتها من أهلها لووكل إليهم أمرها لكانوا أكثر من حكامها الفرس قسوة وأشد بطشاً. لقد بلغت الإمبراطورية الفارسية في عهد دارا الأول من حيث النظام السياسي مبلغاً لم يصل إليه غيرها من الإمبراطوريات إذا إستثنينا الإمبراطورية الرومانية في عهد دراجان ، وهدريان ، والأنطونيين.



الآريون هم قبائل بدوية آسيوية (مثل: الماديين (الميديين)، البارسيين(الفرس)، والفريتيين (الاشكانيين))، نتمي إلى العرق الأبيض، شكلت نواة الشعوب الهندو-أوربية. هاجرت تلك القبائل على دفعات إلى الهضبة الإيرانية التي عهدت في ما بعد بإسم إيران. بعض التقديرات تقول أنهم اتىوا من آسيا الوسطى وبعضها من منقطة بين بحر الخزر والبحر الأسود. وكان السكان الأصليين في إيران 15 شعباً -منهم العرب والعيلاميون- يعيشون حياة مسالمة، وهم ذات حضارة عريقة.

أهم الممالك التي نشأت في بلاد فارس بعد الهجرة الآرية:

  • الامبراطورية الميدية (728–550 ق.م) الميديون كانوا احد الاقوام التي استوطنت الشمال الغربي لما يعهد الآن بإيران. واختلط بعضهم بالشعوب المحلية في جبال كردستان مكوناً الشعب الكردي. وهناك نوع من الإجماع إذا الميديين لمقد يكونوا من الفرس، وإن كان أصل الشعبين من قبائل الآريين. حيث استقرت قبائل الفرس البدوية في الجنوب عند منطقة سموها "فارس" (بارسيس في اليونانية، معناها السائب والغازي) قرب شيراز اليوم.
  • الامبراطورية الاخمينية (648–330 ق.م) لا تكاد توجد أي نقوش تتحدث عن الفرس قبل قوروش الأكبر (الثاني). تصفهم التوراة بأنهم "أناس برابرة جداً وسفاحون لا يرحمون أحداً". اتى اليهود المنفيين ببابل بقورش الاخمني ونصبوه على شعوب المنطقة عنوة حيث دمر حضارتهم واستعبدهم وأزالهم عن الوجود عن بكرة ابيهم. قام قوروش باحتلال مملكة مديا أولاً، عن طريق تأليب المعارضين لها وإثارة الفتن. وبعدما استولى عليها، قام بالهجوم على بابل مركز حضارة العالم القديم. ثم توسع إلى بلاد الشام، وكذلك إلى غرب الأناضول إلى بحر إيجة. وتوسع شمالاً إلى جبال القوقاز. كما توسع شرقاً في آسيا الوسطى إلى أقصى ما وصلت إليه الحضارة (يعتقد بوصوله إلى حدود قرقيزستان). وقام ابنه من بعده باحتلال مصر، ثم انشغل أحفاده بحروب ضد اليونان وشعوب البحر الأسود.
  • الامبراطورية السلوقية (330–150 ق.م.) بعد قضاء الاسكندر الأكبر على الامبراطورية الاخمينية تم تقسيم مملكته بين ضباطه. حيث شكل بعضهم الامبراطورية السلوقية ذات الثقافة اليونانية.
  • الامبراطورية البارثية (250ق.م – 226م) (الاشكانيين)
  • الامبراطورية الساسانية (226–650)

ويرى الباحث الفارسي ناصر بوربيرار (پورپيرار) في كتابه 12 قرناً من السكوت، حتى تلك السلالات الثلاثة (الاخمينيين والاشكانيين والساسانيين): غريبة عن محيطها الجغرافي وعن السكان الاصليين في هضبة إيران. ويقول: "لم يبق من هذه السلالات الثلاث التي حكمت بالقوة والسيف والاستبداد على الشعوب القاطنة في نجد إيران (الهضبة الإيرانية)، لم يبق منها أي أثر حضاري هام يُذكَر قياساً باليونانيين والرومان وحتى العرب الجاهليين. ما عدا أنها كانت تتقن استخدام الرمح الفارسي لمحوالشعوب التي سبقتها في نجد إيران وفتح أراضي الغير وإغراق الشعوب الأخرى -ومنهم اليونانيون والمصريون والهنود- ببحور من الدم". وأنهم اتىوا متأخرين قياساً لشعوب عاشت قبلهم بآلاف السنين. وقد قام فهماء الآثار والمستشرقون اليهود بتهويل منزلتهم وسمعتهم خلافاً لحقيقتهم في التاريخ. ويرى كذلك "أنهم لم يتمتعوا لا بثقافة ولا بفن ولا باقتصاد ولا بسياسة" حيث عاشت المنطقة بفترة ظلام إلى مجئ الفتح الإسلامي. كما حتى لغتهم البهلوية كانت بدائية.

يمكننا ان نعد قيام الدولة الاخيمنية (حكم قورش) 500 قبل الميلاد ، بداية لتاريخ الحكم الإمبراطوري، الذي يقوم على توارث الحكم في الاسرة الملكية. إذا هذا النوع من الحكم الذي يقوم على التسلط والاستبداد، إستمر في السلالات الملكية التي تلت السلالة الاخيمنية مثل الاشكانية والساسانية.


وصول الإسلام

الموضوع الرئيسي: الفتح الإسلامي لفارس

بدأ وصول الإسلام لفارس في أواخر خلافة أبي بكر الصديق بعد انتهاء حروب الردة. لكن معظم الفتح تم في عهد الخليفة الراشد عمر بن الخطاب. وتم فتح الأنطقيم المحيطة بفارس خلال عهد الخليفة الراشد عثمان بن عفان.

تعاقب على حكم بلاد الفرس خلال الحكم الإسلامي:

  • خلافة أموية (661-750) (عرب)
  • خلافة عباسية (750-1258) (عرب)
  • الدولة الطاهرية (821–873) (فرس)
  • Alavid dynasty (864–928) (عرب حسنيون)
  • سلالة الصفاريون (861–1003) (فرس)
  • دولة سامانية (875–999) (هجر)
  • Ziyarid dynasty (928–1043)
  • دولة بويهية (934–1055) (فرس)
  • دولة غزنوية (963–1187) (هجر)
  • السلالة الغورية (1149–1212) (هجر)
  • الامبراطورية السلجوقية (1037–1194) (هجر)
  • الدولة الخوارزمية (1077–1231) (هجر)

الغزوالمغولي

يعد الغزوالمغولي أحد أسوء العهود في تاريخ إيران. إذ قام المغول بقتل الملايين وتدمير الحضارة وهجر الأمور فوضى. بين القرن الحادي عشر والقرن التاسع عشر حكمت ايران ما يقارب الخمس عشرة مملكة. وكان معظمها تقريبا ينحدر من اصول بدوية من اسيا الوسطى. واستخدم البدوالقوة العسكرية لتوفير اسباب عيشهم عن طريق نهب الثروات التي تكدسها الحضارات المستقرة. أي حتى جميع احتلال يرافقه مصادرة كبيرة للارض واعادة توزيعها في صالح نخبة حاكمة جديدة.

  • سلالة إلخنات (1256–1353) (مغول)
  • سلالة المظفرون (1314–1393) (عرب)
  • Chupanid dyansty (1337–1357) (مغول)
  • آل جلایر (1339–1432) (مغول)
  • Timurid Empire (1370–1506)(هجر)
  • Qara Qoyunlu Turcomans (1407–1468) (هجر)
  • Aq Qoyunlu Turcomans (1378–1508) (هجر)

الدولة الشيعية الإيرانية

بقيت إيران تفتقد إلى حكومة مركزية موحدة منسجمة، إذ كانت تحكم حكومات إقليمية محلية نقاط مختلفة من البلاد حتى قيام الملكية الصفوية (1501) ثم تلته السلالة الملكية الأفشرية وبعدها الزندية فالقجارية، ولقد استمر هذا النوع من الحكم الإستبدادي سائدا في إيران، حتى إنقراض السلالة البهلوية التي تلت القاجارية والتي كانت آخر نظام ملكي امبراطوري في تاريخ إيران.

  • الامبراطورية الصفوية (1501–1722/1736)
  • سلالة هوتاكي غيلزاي (1722–1729) (أفغان)
  • سلالة أفشاريد (1736–1802) (هجر)
  • زنديون (1750–1794) (أكراد)
  • قاجاريون (1781–1925) (هجر)
  • أسرة بهلوي (1925–1979) (فرس)
  • الثورة الإسلامية (1979) (فرس)

فارس تحت حكم الصفويين 1502-1576

إن بلاد فارس التي كانت قد نعمت بفترات كثيرة من الخصب الثقافي، كانت الآن تمر بحقبة أخرى من الحيوية السياسية والابداع الفني. وعندما أسس الشاه إسماعيل الأول الأسرة الصفوية (1502-1736) كانت فارس تعاني فوضى التمزق بين ملوك ضعاف، فكان العراق ويزد وسافان وفيروزكة ودياربكر وكاشان وخراسان وقندهار وبلخ وكرمان وأذربيجان، كلها ولايات مستقلة بعضها عن بعض. وفي حملات جبارة لا ترحم، غزا إسماعيل أمير أذربيجان معظم هذه الإمارات واستولى على هرة وبغداد، وجعل ثانية من تبريز عاصمة لمملكة قوية. ورحب الناس بهذه الأسرة من بني جلدتهم، تلك الأسرة التي تألق مجدها فيما أسبغت على البلاد من وحدة وقوة، وعبروا عما يختلج في نفوسهم ببعث حديث للفن الفارسي.

إن لارتقاء إسماعيل إلى الملك سيرة لا تصدق، ذلك أنه كان في سن الثالثة عندما توفي أبوه (1490)، وفي الثالثة عشرة شرع يكسب لنفسه عرشاً، وفي نفس السن لبس التاج وصار شاه فارس. ويصفه المعاصرون بأنه "شجاع مثل ديك المصارعة الصغير"، "نشيط رشيق مثل الأساطير" (من آلهة الغابات عند الإغريق له ذيل وأذنا فرس)، قوى عريض المنكبين، ذوشوارب رهيبة، وشعر أحمر براق. وكان يستخدم ببراعة سيفاً جباراً بيده اليسرى. وكان في الرمي بالقوس أوديسيوس آخر، يصيب بقوسه سبع تفاحات من عشر مرصوصة على صف واحد(2).ويروي أنه كان "أنيساً لطيفاً كالبنت"، ولكنه اغتال أمه (أوزوجة أبيه)، كما أمر بإعدام 300 من المومسات في تبريز، وذبح الآلاف من الأعداء(3). ونطق سائح هندي إنه كان محبوباً لدى الشعب حتى "نسى اسم الله"في فارس ولم يذكر إلا إسماعيل وحده(4).

وكمن سر نجاح إسماعيل في الدين والجرأة. وكان الممضى الشيعي هوالسائد في فارس، أي "أشياع" علي، صهر محمد أوزوج ابنته، ولم يعترف الشيعة بخلفاء شرعيين غير علي وحلفائه الاثنى عشر وهم "الأئمة"، ولما كان الدين والحكومة غير منفصلين في الإسلام، فإن لمثل هذا الخليفة، طبقاً لهذه النظرية حقاً إلهياً في الجمع بين السلطتين الدينية والزمنية. وكما افترض المسيحيون حتى المسيح يفترض أن يعود ليؤسس مملكته على الأرض، كذلك افترض الشيعة حتى الإمام الثاني عشر - محمد بن الحسن - لم يمت قط، وأنه يفترض أن يظهر من حديث في يوم من الأيام ليقيم حكمه المبارك على الأرض. وكما أدان البروتستانت الكاثوليك بأنهم ارتضوا التنطقيد جنباً إلى جنب مع الكتاب المقدس كدليل أومرشد إلى العقيدة السليمة، كذلك اتهم الشيعة أهل السنة - وهم الغالبية الذين يعتنقون العقيدة الإسلامية السليمة، الذين وجدوا حتى الطريق المستقيم ليس في القرآن وحده بل كذلك في جميع ما أتى الرسول كما اتى في تنطقيد أصحابه وأتباعه. وكما هجر البروتستانت الصلاة على القديسين وأغلقوا الأديرة، لم يشجع الشيعة التصوف وأغلقوا أروقة الدراويش، التي كانت مثل أديار أوربا في بدايتها، مراكز لكرم الضيافة والبر والإحسان. وكما أطلق البروتستانت على ممضىهم اسم "الدين الحق"، اتخذ الشيعة اسم "المؤمنين"(5) (المعتقدون الحقيقيون). ولا يؤاكل المتمسك بممضىه سنياً أبداً، وإذا سقط ظل مسيحي على طعام شيعي وجب حتى ينبذ الطعام على أنه دنس(6) .

وادعى إسماعيل أنه من نسل الإمام السابع "صفي الدين" (نقاء العقيدة)، وباسمه سميت الأسرة الجديدة. وأعرب إسماعيل حتى الممضى الشيعي هوالممضى الوطني والرسمي لفارس، وأنه الراية المقدسة التي حارب في ظلها، ومن ثم وحد قومه في إخلاص يتسم بالتقي والورع ضد المسلمين السنيين الذين طوقوا فارس - الأوزبك والأفغان في الشرق، والعرب والأتراك والمصريين في الغرب. ونجحت خطته. وكان شعبه يعبده على أنه قديس (ولي من أولياء الله الصالحين)، وكان رعاياه يثقون في قوته الإلهية لحمايتهم، إلى حد حتى بعضهم رفض حتى يلبس الدرع في المعركة(7). وما حتى إسماعيل بهذا السند الملتهب حماسة - وهوالشعب - حتى أحس أنه من القوة بحيث يستطيع حتى يتحدى جيرانه. وكان الأوزبك الذين حكموا بلاد ما وراء النهر، قد بسطوا سلطانهم حتى خراسان، فانتزع منهم هراة وطردهم من فارس، ولما اطمأن إلى سلامته في الشرق ولى وجهه شطر الغرب ضد العثمانيين. واضطهد جميع من الطرفين الآخر آنذاك بقوة مقدسة. وقيل في رواية غير موثوقة إذا السلطان سليماً اغتال أوسجن، قبل الذهاب إلى القتال (1514)، أربعين ألفاً من الشيعة في نطاق مملكته، وإن إسماعيل شنق بعض السنيين الذين كانوا يشكلون الغالبية في تبريز، وأمر الباقين بأن يرتلوا يومياً أدعية يلعنون فيها الخلفاء الثلاثة الأولين على اعتبار أنهم اغتصبوا حق علي في الخلافة. ومهما يكن من أمر، فإن الفرس وجدوا الشيعة في معركة جالديران عاجزين أمام مدفعية سليم العبوس وجنده الانكشارية. واستولى سلطان العثمانيين على تبريز، وأخضع شمالي أرض الجزيرة (1516)، ولكن جيوشه تمردت، فتقهقر وعاد إسماعيل إلى عاصمة ملكه تحف به جميع عظمة ومجد يمكن حتى يحاط بهما ملك عسكري. وانحط الأدب أثناء حكمه المضطرب القلق، ولكن الفن ازدهر تحت رعايته، فقد كان يرعى المصور بهزاد، وقدر أنه يساوي نصف فارس(8). ومات إسماعيل في سن الثامنة والثلاثين،بعد حتى قضى في الحكم 24 عاماً. وخلف عرشه لابنه البالغ من العمر عشر سنوات 1524.

وكان الشاه طهماسب الأول ضعيف الإيمان جباناً، سوداوي المزاج كئيباً مترفاً منغمساً في اللذات، وقاضياً خشناً، يرعى الفنون ويمارسها، شيعياً تقياً، كما كان معبود شعبه، وربما تحلى ببعض فضائل أخفاها عن عيون التاريخ. إذا التوكيد المستمر على الدين أربك الحكومة كما قواها، وذلك أنه من أجل الدين شنت الحرب اثنتي عشرة مرة، وظل العالم الإسلامي في الشرقين الأدنى والأوسط ممزقاً متنابذاً من 1508 إلى 1638، وأفاد العالم المسيحي من هذه الفرقة، حيث انبتر سليمان القانوني عن شن هجماته على الغرب، ووجه حملاته نحوفارس. وفي ذلك خط سفير فرديناند في القسطنطينية يقول: "إن فارس هي التي تقف حائلاً بيننا وبين الدمار"(9). وفي 1533 قاد الوزير الأكبر إبراهيم باشا جيشاً هجرياً نحوأذربيجان، واستولى في طريقه على الحصون الواحد تلوالآخر، بتقديم الرشوة إلى القواد الفرس، وأخيراً استولى على تبريز وبغداد دون حتى يضرب ضربة واحدة (1534). وبعد أربع عشرة سنة، وفي أثناء هدنة مع فرديناند، قاد سليمان جيشاً آخر ضد "الرءوس الحمراء الوضيعة" (وهوالاسم الذي أطلقه الأتراك على الفرس)، وانتزع إحدى وثلاثين مدينة، ثم استأنف هجماته على العالم المسيحي. وفيما بين عامي 1525،1545، عاود شارل المفاوضة مع فارس المرة بعد المرة، بافتراض التنسيق بين المسيحيين والفرس للوقوف في وجه سليمان. وابتهج الغرب حين تولت فارس الهجوم وانتزعت أرضروم. ولكن سليمان عاد في 1554 واكتسح مساحات كبيرة من فارس، وأرغم طهماسب على عقد صلح بقيت مقتضاه بغداد والقسم الأدنى من أرض الجزيرة تحت حكم الأتراك.

وثمة شيء أكثر إمتاعاً من الصراعات الكئيبة تلك هي الرحلات الجريئة المغامرة التي قام بها أنطوني جنكنسون إلى بلاد ما وراء النهر وفارس، بحثاً عن طريق بري إلى الهند والصين، وكمان مسلك إيفان الرهيب في هذا الموضوع لطيفاً ودياً، فقد رحب بجنكنسون في موسكو، وبعث به سفيراً له لدى حكام الأوزبك في بخاري، ووافق على السماح بدخول البضائع الإنجليزية إلى روسيا معفاة من الرسوم الجمركية، ومرورها في نهر الفولجا عبر بحر قزوين، وخطت للرحالة النجاة من عاصفة هواتى في هذا البحر، واصل بعدها الرحلة إلى فارس ووصل إلى قوزين سنة 1516. وهناك سلم طهماسب رسائل التحية من ملكة بعيدة، بدا للفرس أنها سيدة قليلة الشأن تحكم قوماً من الهمج، وكان الفرس ميالين إلى عقد اتفاقية تجارية، ولكنهم عندما أعرب جنكنسون أنه مسيحي، أمروه بمغادرة البلاد، قائلين: "ليس بنا من حاجة إلى مصادقة الكفار". وبعد حتى انصرف من حضرة الشاه، اتى أحد الخدم فغطى بالرمل المطهر آثار أقدام المسيحي التي دنست قصر الشيعة(10).

وبموت طهماسب (1576) انفضت أطول فترة حكم لأي حكم من الحكام المسلمين عدا واحداً. ولكنها فترة من أشد الفترات امتلاء بالنكبات. ولم يتميز هذا العهد بأية آداب يعتز بها الفرس في ذاكرتهم، إذا لم تستثن مذكرات بابر Babur الذي أبعد عن بلده. ولكن الفن على عهد الصفويين، ولوأنه سيبلغ ذروته متأخراً عنهم، بدأ في هذين العهدين (عهد إسماعيل وابنه) ينتج أعمالاً تتسم بالعظمة والتألق والنقاوة التي تميزت بها منتجات فارس الغنية لمدة اثنين وعشرين قرناً. وقد أبرزت مقبرة "هارون الولاية" في أصفهان جميع ما أودع في الرسم الكلاسيكي الفارسي من دقة ورقة، وأزهى الألوان، وتقطيع الفسيفساء الخزفية المزخرفة. كما توج بوابة مسجد الجمعة الكبير نصف قبة معقدة. وأسس كذلك في هذا العصر في شيراز "مسجد جامع" آخر، ولكن الزمن لم يبق على شيء منه.

وثمة أمثلة كثيرة دلت على حتى أشغال التذهيب الدقيقة والخط صمدت على تعاقب الزمن أكثر مما صمدت آثار العمارة، وبرزت العناية التي بذلها المسلمون في إخراج الكتاب (المخطوطات) حتى كادت تجعل منه معبوداً يحوطه الإجلال والحب. إذا العرب الذين كانوا فخورين بكل شيء افتتنوا افتتاناً مستساغاً مغفوراً لهم بحروف الهاتى عندهم، تلك التي وهبت لهم من نفسها سطوراً من جمال حسي. فالفرس، فوق جميع شيء جعلوا من الخط فناً لتزيين محاريب مساجدهم وأبوابهم، والمعادن التي يصنعون منها أسلحتهم، والفخار الذين يصنعون منه أعمال الخزف، ونسيج سجاجيدهم، ثم المصاحف ودواوين الشعراء، وكل أولئك تعتز به الأجيال على أنه متعة للعين وبهجة للنفس. أما خط "النستعليق Nastaliq، (أوالخط المائل) الذي كان قد ازدهر في عهد التيموريين في تبريز وهراة وسمرقند، فقد عاد إلى تبريز على عهد الصفويين، ومضى معهم إلى أصفهان. وكما ضم المسجد عديداً من الفنون بعضها إلى بعض، كذلك جمع الكتاب بين الشاعر والخطاط ورسام المنمنمات والمجلد (الذي يقوم بالتجليد) في تعاون يتسم بالتفاني والإخلاص والورع.

وظل فن التذهيب مزدهراً في بخاري وهراة وشيراز وتبريز. ويضم متحف الفنون الجميلة في بوسطن مخطوطة رائعة لشاهنامة الفردوسي، بإمضاء عراجي محمد القوام الشيرازي (1552)، وفي متحف كليفلند نسخة أخرى من عمل مشهدي المحرر (1538)، ويضم متحف المتروبوليتان للفن نيويورك نموذجاً من أروع نماذج التذهيب والخط في تبريز، وهي صحيفة العنوان في مخطوطة "المنظومات الخمس" لنظامي (1525). وانتقل مركز التذهيب الإسلامي إلى تبريز حين اختارها بهزاد مقراً له (1510). وفي أثناء معركة جالديران خبأ الشاه إسماعيل الصفوي المصور بهزاد والخطاط محمود النيسابوري في كهف، بوصفهما أثمن ما يمكن حتى يقتنى(11). ورسم أقاميرك، تلميذ بهزاد، في تبريز واحدة من أروع المنمنمات في هذا العصر، وهي صورة "تتويج خسرووشيرين" (1539) وهي محفوظة الآن في المتحف البريطاني. وفهم ميرك بدوره الفن لتلميذه "سلطان نور الذي ولد في أسرة غنية، ولكنه تجاهل حقيقة حتى لديه من الوسائل ما يستطيع معها حتىقد يكون لاهياً تافهاً، فأصبح "اللؤلؤة التي لا تقدر بثمن" في بلاط شاه طهماسب لأنه فاق جميع أهل زمانه في الخط والتذهيب، وفي تصميم أغلفة الخط والسجاجيد، وفيما بين عامي 1539و1543 نسخ مخطوطة المنظومات الخمس لنظامي ووضحها بالرسوم، وثمة صفحة رائعة في المتحف البريطاني تمثل الملك خسروممتطياً صهوة جواد قرنفلي اللون، وهوينعم النظر وسط نقوش النباتات والزهور ذوات اللون الأخضر والأسمر والمضىي، إلى شيرين وهي نصف عارية تستحم في بركة فضية. وثمة صورة أروع وأزهى ألواناً، للرسول وقد أسرى به في السموات السبع على حصانه المجنح "البراق" (ليزور الجنة والنار، هكذا في النص الإنجليزي) والأشكال تعبير عن جمال مجسم، ولكن المصور تعمد لأسباب دينية، ألاقد يكون بها تقاطيع مميزة فردية، فقد كان الفنان مهتماً بالزخرفة أكثر منه بالتشخيص، وبالجمال الذيقد يكون موضع التقدير والاحترام، وهوجمال يمكن الوصول إليه أحياناً إذا كان ذاتياً أوشخصياً، أيسر من الوصول إلى الحقيقة التي تفلت دائماً إذا كانت موضوعية. وقد بلغ التذهيب ذروته في هذه المنمنمات.

وحظيت المنسوجات والسجاجيد بمثل هذه العناية المحببة إلى النفس، ولم يبق شيء من منسوجات هذه العهود، ولكن المنمنمات تصورها. وتفوق مصمموالسجاد وعماله المهرة في عهد الصفويين. وبدا حتى السجاد عنصر أساسي في حضارة الإسلام. ولم يجلس المسلمون أويأكلوا على الكراسي، ولكن على الأرض المفروشة بالسجاد. وهناك سجادة خاصة للصلاة عليها في العادة رموز دينية وآيات قرآنية، يسجد عليها المسلمون في صلواتهم. وكانت السجاجيد مفضلة كهدايا للأصدقاء أوالملوك أوالمساجد، ولذلك أهدى شاه طهماسب عشرين سجادة كبيرة وكثيراً من السجاجيد الصغيرة من الحرير والمضى إلى السلطان سليم الثاني عند ارتقائه عرش آل عثمان 1566. وثمة معالم مميزة من التصميم حددت سجاد هذا العصر، وكأنها بستان، ففيها رسوم النباتات والأزهار، ومنظر الصيد والزهريات والرسوم المضلعة والمشجرة أوالرسوم النافرة أوالبارزة، وحول هذه الأشكال الأساسية توجد الزخرفة العربية المتعرجة، مع أشرطة السحب المستمدة من الفن الصيني، ورموز ذات معان سرية لدى مبتكرها، وحيوانات تمثل نمط الحياة، ونباتات وزهور تعطي أريجاً ممثلاً في خيوط، وطابعاً بهيجاً، وسرى في هذا الكل المعقد منطق فني، أوتناغم طباقي في الخيوط أدق من موسيقى بالسترينا (ملحق موسيقى دينية في إيطاليا في القرن السادس عشر) وأجمل من شعر جوديفا.

ويعود تاريخ بعض البتر الباقية حتى الآن من السجاد الإيراني إلى هذا النصف الأول من القرن السادس عشر. وإحداها ذات رسوم بارزة، وبها ثلاثون مليون عقدة من الصوف على سداة من الحرير (380 عقدة في البوصة المربعة)، ظلت مفروشة لعدة قرون في أحد مساجد أردبيل، وهي الآن موزعة بين متحف فكتوريا وألبرت في لندن ومتحف لوس أنجلوس. وفي أحد أطرافها خرطوشة خط عليها بيت من شعر حافظ، وتحته تعبير الفخر: "من خلق العبد.... مقصود الكاشاني في سنة 946 هجرية"، أي 1539م(12). كذلك يوجد في متحف لوس أنجلوس "ساط التتويج" الضخم الذي استخدم في تتويج إدوارد السابع 1901، وكان من بين أعظم النفائس في متحف بولدي بتزوللي في ميلان، قبل تدميره في الحرب العالمية الثانية، سجادة بها مناظر صيد من خلق غياث الدين جامي من مدينة يزد، وهوالذي يحتل في رسوم السجاد مكانة بهزاد في المنمنمات.

أما سجادة "دوق أنهالت" في مجموعة دوفين فقد حظيت بشهرة عالمية بأرضيتها المضىية الصفراء: مع زخرفة عربية رائعة ذات الألوان القرمزي والوردي والأزرق الفيروزي. إذا السجاد والكتاب من أعظم المميزات التي تميزت بها فارس على عهد الصفويين وهي مميزات لا يستطيع حتى يتحداها أويمارى فيها أحد، وهي تحتل في ذاكرة الجنس البشري مكانة رقيعة.

القرن الثامن عشر

ولوسئل رجل فارسي في هذه الحقبة لأعرب عن شعوره بالراحة شبيه بهذا عند عودته إلى وطنه بعد مقامه حقبة في الأقطار المسيحية أوحتى في أقطار العثمانيين المسلمين. فالفارسي المتفهم حتى سقوط الدولة الصفوية (1736) في أغلب الظن كان يضع المدنية الإيرانية في مرتبة أعلى من أي حضارة معاصرة، من الممكن باستثناء الصينية. وكان يستنكر النصرانية باعتبارها انتكاساً غلى الشرك الشائع بين العوام. ولعله كان يسلم بتفوق بلاد النصارى في العلوم والتجارة والحرب، ولكنه كان يؤثر الفنون على العلوم، والحرف اليديوة على الصناعة المميكنة.

كان القرن الثامن عشر قرناً أليماً على فارس. فأنى لإيران وقد غزاها الأفغانيون من الجنوب الشرقي، ولاحقتها غارات قناصة العبيد من الأزبك في الشمال الشرقي، وهاجمتها غارات السلب والنهب الروسية في الشمال، واجتاحتها المرة بعد المرة الجيوش الهجرية في الغرب، وأفقرها طغيان نادر شاه ملكها المحب للأبهة وتعسفه في جميع الضرائب، ومزق أوصالها الصراع الوحشي بين الأسر المتناحرة طمعاً في العرش الفارسي-نقول أني وكيف تستطيع إيران وقد ابتليت بهذا الاضطراب كله أوتواصل التنطقيد العظمى للأدب والفن الفارسيين.

وكان البلد الذي نسميه الآن أفغانستان في القرن السادس عشر تتقاسمه ثلاث حكومات: كابول الخاضعة للحكم الهندي، وبلخ الخاضعة للأزبك، وهراة وقندهار الخاضعتان للفرس. وفي 1706-8 ثار أفغانيوقندهار بقيادة مير (أمير) فايز وطردوا الفرس. وغزا ابنه مير محمود فارس، وخلع الحاكم الصفوي حسيناً، ونصب نفسه شاهاً. وقد دعم الدين سلاحه، لأن الأفغانيين كانوا يتبعون الممضى السني، ويكفرون الفرس المتشيعين. وقتل محمود في سورة غضب ثلاثة آلاف من حرس حسين وثلاثمائة من أشراف الفرس، ونحومائتي طفل اشتبه في أنهم استنكروا اغتال آبائهم. وبعد راحة طويلة اغتال محمود في يوم واحد (7 فبراير 1725) جميع الأحياء من أفراد الأسرة المالكة خلاً حسيناً واثنين من أبنائه الصغار. ثم التاث عقل محمود، فقتله وهولا يزال في السابعة والعشرين ابن عمه أشرف (22 أبريل 1725) الذي نادى بنفسه شاهاً. إلى غير ذلك بدأ سفك الدماء الذي هد كيان فارس في ذلك القرن.

واستنجد طهماسب بن حسين بروسيا وهجريا، فاستجابت بالاتفاق على اقتسام فارس فيما بينهما (1725). ودخل جيش هجري فارس واستول على همدان وقزوين والمراغة، ولكن هزمه أشرف قرب كرمانشاه. وكان الجنود الأتراك يفتقرون إلى الحماسة، فقد تساءلوا أي سبب يدعوهم لمقاتلة الأفغانيين، وهم أخوة لهم سنيون على شاكلتهم، ليردوا الصفويين الشيعيين الزنادقة إلى الحكم. وتصالح الأتراك مع أشرف ولكنهم احتفظوا بالأنطقيم التي فتحوها (1727).

وبدا حتى أشرف قد غدا الآن في أمان، ولكن ما مضي عليه عام حتى تحدى سلطانه المغصوب الدخيل ظهور رجل فارسي مغمور انقض على العدوفي بضع سنين، فحقق فوزات من أروع وأفظع ما سجله تاريخ الحروب قاطبة. وقد ولد هذا المقاتل ومسماه نادر قيلي (أي عبد الله) في خيمة بشمال شرقي إيران (1686) وكان يعين أباه على رعي ما يملكان من بتران الغنم والماعز، ولم يتح له من التعليم غير ما لقنته الحياة الشاقة المحفوفة بالمخاطر. فلما بلغ الثامنة عشرة وخلف أباه كبيراً لأسرته اختطفه هووأمه المغيرون الأزبك وحملوهما إلى خيوة حيث باعوهما عبيداً. وماتت الأم في ذل السر، ولكن نادراً هرب وأصبح زعيماً لعصابة لصوص، واستولى على كالات ونيشابور ومشهد، وأعرب ولاءه وولاء هذه المدن للشاه طهماسب، وتعهد بطرد الأفغانيين من فارس ورد عرش فارس إلى طهماسب. وقد أنجز هذا كله في حملات متلاحقة (1729-30) ورد طهماسب إلى عرشه، فعين نادراً سلطاناً على خراسان وسيستان وكرمان ومازندران.

وما لبث القائد المظفر حتى شرع في استرداد الأنطقيم التي استولت عليها هجريا. فاستطاع بهزيمة الهجر هزيمة فاصلة في همدان (1731) حتى يخضع العراق وأزربيجان لحكم الفرس. ثم نمى إليه نبأ تمرد في خراسان، فحمل الحصار عن أروان وزحف ألفاً وأربعمائة ميل عبر العراق وإيران ليحاصر هراة، وهوزحف يتضاءل بالقياس إليه الزاحف الشهير الذي عبر فيه فردريك الأكبر ألمانيا مراراً في حرب السنين السبع. ونزل طهماسب بشخصه أثناء ذلك إلى ساحة القتال ضد الهجر فخسر جميع ما كسبه نادر، ونزل عن جورجيا وأرمينيا لهجريا نظير تعهد الهجر بمساعدته ضد روسيا (1732). فأسرع نادر قافلاً من الشرق وأنهى المعاهدة، وخلع طهماسب وسجنه، وأجلس على العرش غلاماً لطهماسب لم يجاوز عمره ستة أشهر باسم الشاه عباس الثالث، ونادى بنفسه وصياً على الصبي، وأوفد إلى هجريا إعلاناً بالحرب.

ثم زحف على الهجر بجيش عدته ثمانون ألف مقاتل جندهم بالإقناع أوبالإرهاب. وعلى مقربة من سامراء التقى بجيش عرمرم من الهجر يقودهم توبال عثمان من محفته لبتر ساقيه. وأطلقت النار مرتين على جوادي نادر أسفله، وفر حامل فهمه ظناً منه أنه قتل، وانقلبت عليه فرقة عربية كان يعتمد على معونتها، إلى غير ذلك كانت هزيمة الفرس هزيمة نكراء ماحقة (18 يوليو1733). ولكنه لملم فلول جيشه في همدان، وجند آلافاً جدداً، وسلحهم وأطعمهم، ثم كر على الهجر وبطش بهم في ليلان في مذبحة رهيبة لقي فيها توبال عثمان حتفه. ثم اندلعت ثورة أخرى في جنوب غربي فارس، فشق نادر طريقه من الغرب إلى الشرق، وهزم الزعيم المتمرد فانتحر. وفي عودته عبر فارس والعراق، التقى بثمانين ألف هجري في بغاوند (1735)، وهزمهم هزيمة نكراء أكرهت هجريا على إبرام صلح نزلت بمقتضاه لفارس عن تفليس وجوندة وأروان.

لم ينس نادر حتى بطرس الأكبر هاجم فارس في 1722-23، واستولى على أنطقيم جيلان وأستراباد ومازندران على بحر قزوين، وعلى مدينتي دربند وباكو. وكانت روسيا قد ردت الأنطقيم الثلاثة لفارس (1732) لانشغالها في جهات أخرى. فهدد نادر الآن (1735) بالتحالفمع هجريا ضد روسيا إذا لم تنسحب من دربند وباكو. وعليه سلمت إليه المدينتان، ودخل نادر أصفهان دخول الفاتح الظافر الذي أعاد بناء قوة فارس. فلما توفي الصبي عباس الثالث (1736) مختتماً بموت ملك الصفويين، جمع نادر بين الواقع والمظهر، وارتقى العرش باسم نادر شاه.

وكان يؤمن بأن الخلافات الدينية بين هجريا وفارس تعمل على نشوب الحروب المتكررة، لذلك أعرب حتى فارس ستتخلى منذ الآن عن بدعة التشيع وترتضي السنية ممضىاً لها. فلما أدان زعيم الشيعة هذه المستوى شنقه نادر بكل هدوء مستطاع. ثم صادر أوقاف قزوين الدينية ليفي بنفقات جيشه لأن فارس على حد قوله مدينة لجيشها أكثر مما هي مدينة لدينها(22). ثم إذ شعر بالحنين إلى الحرب، فأشرك معه في الملك ابنه رضا قلي، ثم قاد جيشاً من 100.000 مقاتل ليفتح به أفغانستان والهند.

وضرب الحصار عاملاً كاملاً حول قندهار. فلما استسلمت له (1738) كان كريماً رحيماً مع المدافعين عنها، حتى حتى جيشاً من الأفغانيين انضوى تحت لوائه وظل وفياً له إلى يوم مماته. ثم زحف على كابول مفتاح ممر خيبر، وهناك أعانته الغنائم التي ظفر بها على حمل الروح المعنوية في جيشه. وكان محمد شاه، إمبراطور الهند المغولي، يأبى حتى يصدق إمكان الغزوالفرس للهند، وكان أحد ولاته قد اغتال مبعوث نادر إليه، فعبر نادر جبال الهملايا، واستولى على بشاور، وعبر السند، وزحف على دلهي حتى لم يعد بينه وبينها سوى ستين ميلاً قبل حتى يهب جيشه محمد لمقاومته والتقى الجيشان الهائلان على بطاح كرنال (1739)، واعتمد الهنود على فيلتهم، أما الفرس فقد هاجموا هذه الحيوانات الصبورة بكرات النار، فانقلبت الفيلة هاربة وأشاعت الفوضى في جيش الهنود، وقتل منهم عشرة آلاف، وأسر عدد زاد على القتلى، ويروي نادر حتى محمد شاه اتىه يلتمس الرأفة "أمام حضرتنا السماوية". (23) وفرض عليه القائد المنتصر تسليم دلهي وكل ثروتها القابلة للنقل تقريباً، والتي تقدر بـ 87.500.000 جنيه، بما فيها عرش الطاووس الأشهر، الذي كان قد خلق (1628-35) لشاه جيهان في أوج سطوة المغول. وقتل بعض جنود نادر في شغب أحدثه الأهالي، فانتقم بالسماح بجيشه بذبح 100.000 من الوطنيين في سبع ساعات. واعتذر عن هذه العملة بتزويج ابنه نصر الله من ابنة محمد. ثم زحف قافلاً إلى فارس لا يعوقه عائق بعد حتى أثبت أنه أعظم الفاتحين قاطبة منذ تيمور لنك.

وكان قدره المقدور أنه لوسرح جيشه فربما يعيث فساداً في الأرض ويشق عليه عصا الطاعة، ولوأبقى عليه جيشاً عاملاً فلزام عليه حتى يكسوه ويطعمه، وكانت النتيجة التي خلص إليها حتى الحرب أرخص له من السلم إذ استطاع خوضها على ساحة غريبة. فمن ترىقد يكون هدفه الآن،يا ترى؟ وتذكر غارات الأزبك على شمال شرقي فارس، وكيف باعوه عبداً، وكيف ماتت أمه في رقها. وإذن ففي 1740 قاد جيشه زاحفاً على أزبكستان، ولم يكن لأمير بخاري لا القوة ولا الميل للوقوف في وجه نادر، ومن ثم فقد أذعن، وأدى تعويضاً ضخماً، ووافق حتىقد يكون نهر سيحون كما كان في القدم الحد بين أزبكستان وفارس. وكان أخاه خيوه قد أعدم مبعوث نادر، فقتل نادر هذا الخان، وأطلق سراح آلاف من العبيد الفرس والروس (1740).

كان نادر بكل شخصيته مقاتلاً استغرقت الحرب عقله كله، فلم يعد فيه ذرة من الرغببة في الحكم والإدارة. وبات السلام عنده عبئاً ثقيلاً لا يطيقه. وجعلته الغنائم والأسلاب إنساناً جشعاً بخيلاً بدلاً من حتىقد يكون جواداً كريماً. فحين ملأت خزائنه كنوز الهند أعرب تأجيل دفع الضرائب في فارس ثلاث سنين، ثم عدل عن رأيه وأمر بجمع الأموال كما كانت تجمع من قبل، وأفقر جباته فارس كما لوكانت بلداً مغلوباً. ثم خامرته الظنون بأن ابنه يتآمر على خلعه، فأمر بأن تفقأ عيناه. ونطق له ابنه رضا قلي "إنك تفقأ عيني بل عيني فارس"(24). وبدأ الفرس يمقتون منقذهم كما تفهم الروس من قبلهم حتى يمقتوا بطرس الأكبر. وأثار الزعماء الدينيون عليه بغض أمة طعنت في إيمانها الديني. فحاول حتى يخمد التمرد المتعاظم بإعدام المتمردين بالجملة، حتى لقد بنى أهراماً من جماجم ضحاياه. وفي 20 يونيو1747 اقتحم خيمته أربعة رجال من حرسه وهجموا عليه، فقتل اثنين منهم، ولكن الآخرين صرعاه. وتنفست فارس كلها الصعداء.

وهوت من بعد البلاد إلى درك من الفوضى أسوأ مما تردت فيه أيام سيطرة الأفغانيين. فطالب نفر من خانات الأنطقيم بالعرش، وتلا ذلك مباراة في التقتيل والاغتيال. وقنع أحمد خان بتأسيس مملكة أفغانستان الحديثة. أما شاه رخ-الرجل الوسيم اللطيف الرحيم-فقد سملت عيناه بعد اعتلائه العرش بقليل، فتقهقر ليحكم خراسان حتى 1796. وخرج كريم خان منتصراً من الصراع، وأسس الأسرة الزندية (1750) التي احتفظت بسلطانها حتى 1794. واختار كريم شيراز عاصمة لملكه، وزينها بالمباني الجميلة، وساد جنوبي فارس تسعة وعشرين عاماً من نظام وسلام لا بأس بهما. فلما توفي جعل التطاحن على السلطة يتخذ من حديث صورة الحرب الأهلية، وعادت الفوضى تضرب أطنابها من جديد.

اختتمت فارس آخر مراحلها الفنية العظمى بسقوط الدولة الصفوية على يد الأفغانيين، فلم تجملها بعد ذلك غير بعض الآثار الفنية الصغيرة. وقد وصف اللورد كرزن مدرسة الشاه حسين (1714) بأصفهان-وكانت كلية لتدريب الدارسين والمحامين-بأنها "من أفخم الأطلال في فارس"(25). وتعجب السيربرسي سايكس من "قرميدها البديع... ورسومها المخرقة الجميلة"(26). وكان صناع القرميد لا يزالون أمهر صناعه في العالم بأسره، بيد حتى افتقار الطبقات العليا نتيجة للحروب الطويلة قضى على سوق المهارة والتفوق وأكره الخزافين على الهبوط بفنهم إلى مستوى الصناعة. وصنعت أغلفة الخط الفاخرة من الورق المعجن المصقول. وأنتج النساجون أقمشة مقصبة ومطرزة غاية في الرهافة. وظلت السجاجيد الفارسية تنسج للمحظوظين من شعوب كثيرة رغم أنها شهدت آخر أمجادها في عهد الشاه عباس الأول. وفي يوشاجان، وهراة، وكرمان، وشيراز على الأخص، كان النساجون ينتجون سجاجيد "لا يقلل من روعتها في عين الناظر إلا مقارنتها بأسلافها الكلاسيكية"(27).

أما الشعر الفارسي فقد حطم الفتح الأفغاني قلبه، وهجره أخرس أوكالأخرس طوال حقبة العبودية التالية لهذا الفتح. وحوالي 1750 صنف لطف على بك لف-قاموساً بسير الشعراء الفرس، اختتم بستين من معاصريه. ومع هذه الوفرة الظاهرة فإنه آسف على ما رآه مجاعة في الكتاب المجيدين في عصره، وعزا ذلك إلى الفوضى والفقر السائدين، "واللذين استشريا بحيث لم يعد لإنسان رغبة في قراءة الشعر فضلاً عن قرضه"(28). ونسوق هنا تجربة نموذجية للشيخ علي حزين اللاهيجي، الذي نظم أربعة دواوين من الشعر، ولكنه أمسك في حصار الأفغانيين لأصفهان، ومات جميع أهل بيته في الحصار، وظل هوعلى قيد الحياة، ثم أفاق من محنته، وهرب من أنقاض المدينة التي كانت رائعة الجمال يوماً ما، وأنفق الأعوام الثلاثة والثلاثين الباقية من أجله في الهند. وقد خلد في "مذكراته" (1742) ذكرى مائة شاعر فارسي في جيله، وأعظمهم في رأيه سيد أحمد هاتف الأصفهاني، ولعل أكثر قصائده ظفراً بالثناء تلك التي أكد فيها بوجد المتصوفة إيمانه بالله رغم الشك والدمار:

"في الكنيسة قلت لفاتنة نصرانية،
يا من يقع القلب في فخك أسيراً،
أنت التي يتعلق جميع طرف شعرة من شعري بسدي منطقتك!
إلى متى تضلين الطريق إلى وحدانية الله؟
إلى متى تفرضين على الإله الواحد عار التثليث؟
كيف يتأتى حتى تدعي الإله الحق الواحد أباً وابنا وروح القدس؟
فافتر ثغرها الجميل ونطقت لي والضحك الحلويتدفق منها:
إن كنت تعهد سر الإله الواحد فلا ترمني بسبة الكفر!
في ثلاث مرايا يشرق الجمال الأبدي بشعاع من وجهه الساطع.
وبينما نحن في حديثنا هذا انبعثت هذه الأنشودة بجوارنا من جرس الكنيسة:
"إنه إله واحد ولا إله سواه؟
"لا إله إلا الله وحده...
في قلب جميع ذرة تشقينها ترين شمساً في الوسط.
إن أنت بذلت لله جميع ما تملكين، فلا حسب كافراً
إن أصابك مثنطق ذرة من الخسران...
سوف تعبرين الصراط الضيق وتبصرين الملكوت الرحب،
ملكوت الإله الذي لا يحده مكان.. ..
وسوف تسمعين ما لم تسمعه أذن، وترين ما لم تره عين،
حتى يأتوا بك إلى مكان لا تبصرين فيه من الدنيا وأهلها غير واحد أحد
إلى هذا الواحد ستبذلين الحب من قلبك وروحك،
حتى ترى بعين اليقين في جلاء لا خفاء فيه.
إنه إله واحد ولا إله سواه،
لا إله إلا الله وحده"(29).

القرنان 19 و20

التغيرات الإقليمية في إيران في القرنين 19 و20.


المصادر

  1. ^ http://www.azzaman.com/azz/articles/2002/01/01-27/799a.htm
  2. ^ http://www.marxy.com/middleeast/iran/iranian_revolution_part02.htm

ول ديورانت. سيرة الحضارة. ترجمة بقيادة زكي نجيب محمود. Unknown parameter |coauthors= ignored (|author= suggested) (help)

تاريخ النشر: 2020-06-04 12:43:53
التصنيفات: Pages with citations using unsupported parameters, إيران

مقالات أخرى من الموسوعة

سحابة الكلمات المفتاحية، مما يبحث عنه الزوار في كشاف:

آخر الأخبار حول العالم

شويغو يعمّم ضوابط إمداد وتسليح أفراد الجيش الروسي على المتطوعين

المصدر: RT Arabic - روسيا التصنيف: سياسة
تاريخ الخبر: 2023-03-01 21:17:26
مستوى الصحة: 80% الأهمية: 97%

وزير العدل الأميركي: رئيس مجموعة فاغنر الروسية "مجرم حرب"

المصدر: العربية - السعودية التصنيف: سياسة
تاريخ الخبر: 2023-03-01 21:18:01
مستوى الصحة: 94% الأهمية: 87%

نجمة برشلونة أليكسيا تكشف عن كواليس حديثها مع ميسي في حفل "The Best"!

المصدر: RT Arabic - روسيا التصنيف: سياسة
تاريخ الخبر: 2023-03-01 21:17:34
مستوى الصحة: 83% الأهمية: 98%

عمر السومة أحد المنافسين.. ترشيح رونالدو لجائزة آسيوية

المصدر: RT Arabic - روسيا التصنيف: سياسة
تاريخ الخبر: 2023-03-01 21:17:37
مستوى الصحة: 87% الأهمية: 86%

ليفربول يتربص بـ"الذئاب" لاستعادة توازنه.. التشكيلة الأساسية

المصدر: RT Arabic - روسيا التصنيف: سياسة
تاريخ الخبر: 2023-03-01 21:17:36
مستوى الصحة: 75% الأهمية: 97%

الصومال.. إعادة سجن صحفي بعد إطلاق سراحه

المصدر: RT Arabic - روسيا التصنيف: سياسة
تاريخ الخبر: 2023-03-01 21:17:26
مستوى الصحة: 84% الأهمية: 98%

سموتريتش يرفض الاعتذار عن تأييده "محو" قرية حوارة الفلسطينية

المصدر: RT Arabic - روسيا التصنيف: سياسة
تاريخ الخبر: 2023-03-01 21:17:13
مستوى الصحة: 86% الأهمية: 85%

رئيس وزراء اليونان: خطأ بشري مأسوي وراء تصادم القطارين

المصدر: العربية - السعودية التصنيف: سياسة
تاريخ الخبر: 2023-03-01 21:17:59
مستوى الصحة: 83% الأهمية: 99%

المعارضة تشكك في قدرة أنقرة على إجراء الانتخابات بموعدها

المصدر: العربية - السعودية التصنيف: سياسة
تاريخ الخبر: 2023-03-01 21:18:00
مستوى الصحة: 82% الأهمية: 97%

باتروشيف يصل كوبا لإجراء مشاورات أمنية

المصدر: RT Arabic - روسيا التصنيف: سياسة
تاريخ الخبر: 2023-03-01 21:17:18
مستوى الصحة: 75% الأهمية: 89%

هنغاريا.. دعوات برلمانية باستخدام حق النقض ضد توسيع الناتو

المصدر: RT Arabic - روسيا التصنيف: سياسة
تاريخ الخبر: 2023-03-01 21:17:19
مستوى الصحة: 87% الأهمية: 85%

الرئيس الإسرائيلي: نواجه أزمة داخلية عميقة وخطيرة تهدد الجميع

المصدر: RT Arabic - روسيا التصنيف: سياسة
تاريخ الخبر: 2023-03-01 21:17:12
مستوى الصحة: 79% الأهمية: 89%

الجزائر تعلق إصدار التصاريح القنصلية للفرنسيين

المصدر: RT Arabic - روسيا التصنيف: سياسة
تاريخ الخبر: 2023-03-01 21:17:29
مستوى الصحة: 77% الأهمية: 86%

رئيس حزب تونسي يوجه نداء إلى الرئيس الجزائري

المصدر: RT Arabic - روسيا التصنيف: سياسة
تاريخ الخبر: 2023-03-01 21:17:33
مستوى الصحة: 85% الأهمية: 100%

رسميا.. مصر تعيد العمل بالتوقيت الصيفي وتعلن موعد البدء

المصدر: RT Arabic - روسيا التصنيف: سياسة
تاريخ الخبر: 2023-03-01 21:17:56
مستوى الصحة: 82% الأهمية: 88%

وجيه قبلي: سيف الإسلام القذافي هو الأجدر بقيادة ليبيا

المصدر: RT Arabic - روسيا التصنيف: سياسة
تاريخ الخبر: 2023-03-01 21:17:28
مستوى الصحة: 81% الأهمية: 91%

مليار يورو من الاتحاد الأوروبي لشراء ذخائر لأوكرانيا

المصدر: العربية - السعودية التصنيف: سياسة
تاريخ الخبر: 2023-03-01 21:18:02
مستوى الصحة: 80% الأهمية: 94%

تحميل تطبيق المنصة العربية