الأسود الغندجاني
الحسن بن أحمد، أبومحمَّد الأعرابيُّ (توفي نحو430 هـ/1038م)، الأديب اللُّغويّ النَّسَّابة الملقَّب بالأسود الغُنْدِجانيّ،ِ نسبة إلى غُنْدِجان (بالفارسية: غندجان). ذكر ياقوت الحموي في معجم البلدان أنَّ: «غُنْدِجَانُ: بُليدة بأرض فارس في مفازة قليلة الماء مُعْطشة… أخرجَتْ جماعةً من أهل الأدب والفهم، منهم: أبومحمَّد الأعرابيُّ».
كان الأسود الغُنْدِجانيُّ عارفاً بأيام العرب وأشـعارها، قيِّماً بفهم أحوالها، غير أنَّ ما ذكرته خط التَّراجم من أخباره قليلٌ. جرَّحَهُ ياقوت الحموي في «معجم الأدباء»، وعيَّره بإسـناده فيما يرويه عن محمَّد بن أحمد أبي النَّدى، لأنَّه مجهول، واستند في ذلك إلى قول أبي يعلى ابن الهبَّاريَّة الشاعر: «ليت شعري من هذا الأسود الذي قد نصَّب نفسه للرَّدِّ على الفهماء، وتصدَّى للأخذ على الأئمة القدماء، بماذا يصحِّح قولَهُ، ويبطل قولَ الأوائل، ولا تعويل له فيما يرويه إلاّ على أبي النَّدى؟! ومن أبوالنَّدى في العالم،يا ترى؟ لا شيخٌ مشهورٌ، ولا ذوفهمٍ مذكور». وزادَ ياقوت الحَمَويُّ على ذلك فنطق: «ولعمري إنَّ الأمر لَكَمَا نطق أبويعلى: هذا رجلٌ يقول: أخطأ ابنُ الأعرابيِّ في أنَّ هذا الشِّعر لفلان، إنَّما هولفلان بغيرِ حجَّةٍ واضحةٍ، ولا أدلة لائحة،… وهذا ما لا تقوم به حجَّة على حتىقد يكون أفهمَ مِنْ ابنِ الأعرابيِّ الَّذي كان يُقاومُ الأصمعيَّ، وقد أدركَ صدراً من العربِ الَّذين عنهم أخذ هذا الفهم، ومنهم استمدَّ أولوالفهم »، ثم بالغ ياقوت في تحامله على الرَّجل فنطق: «كان الأسود لا يقنعه حتى يردَّ على أئمة الفهم ردّاً جميلاً حتى يجعله من باب السخريَّة والتَّهكم،… والحكاية عنه مستفاضةٌ في أنَّه كان يتعاطى تسويدَ لونه، وأنه كانَ يَدَّهِنُ بالقَطْرَان، ويقعدُ في الشَّمس ليحقِّقَ لنفسه التَّلقيبَ بالأعرابيِّ…»، ولا يُعلَمُ من أين كانت هذه الاستفاضة التي ذكرها ياقوت الحَمَويُّ على الرَّغم من قلَّة تراجم الأسود الغُنْدِجانيِّ، وقلَّة أخباره؟!، والجنايةُ على الأسود الغُنْدِجانيِّ بيِّنةٌ في كلامه، ومن العَجَبِ أنْ يرويَ ياقوتُ عنه في «معجم البلدان» ثمَّ يعمد إلى تجريحه.
وقد تصدَّى محمَّد علي سلطاني لردِّ سهام الطَّعن عن الأسود الغُنْدِجانيِّ، وتناول ذلك مفصَّلاً في مقدِّمة «فُرحة الأديب» وأوضح مسببات الجناية عليه، وردَّ إليه حقَّه فأنصفه، وجعل من مسببات الجناية عليه تعرُّضه لأعلام اللُّغة ومناراتها، وأسلوبه في التَّهكم والسُّخرية في الردِّ عليهم. بل إنَّ ياقوت الحَمَويَّ جرَّح الأسود الغُنْدِجانيِّ لروايتــه عن مجهول هوأبوالنَّدى، ثمَّ ناقضَ نفسه فنطق في أبي النَّدى في كتابه «معجم الأدباء» في سياق ما أسنده إلى ليث الطَّويل: «سـألت أبا النَّدى، وكان أفهمَ من شاهدت بأخبار العرب …»، ثم يُرى ياقوت وقد نقضَ ذلك بأشدِّ أقوال ابن الهبارية في أبي النَّدى، إمعاناً في تجريح الأسود الغُنْدِجانيِّ.
رُزِقَ الأسود الغُنْدِجانيِّ في أيامه سعادةً، فكان صاحب دنيا وثروة، عاش في كنف الوزير العادل أبي منصور بَهْرَامَ بن مافنة، وزير الملك أبي كاليجار بن سلطان الدولة بن بهاء الدولة بن عضد الدولة ابن بويه صاحب شيراز، وقد خطبَ له ببغدادَ بالسَّلطنة، وكان إذا صنَّف كتاباً أهداه له، وكان يفضل عليه إفضالاً جمّاً حتى أثرى منه.
نطق ياقوت الحموي: «وقرأت في بعض تصانيفه أنه صنَّفه في شهور سنة اثنتي عشرة وأربعمئة، وقُرِىءَ عليه في سنة ثمان وعشرين وأربعمئة».
له تصانيف قيّمة وصل إلينا منها ثلاثة خط هي: «فُرْحة الأديب» في الردّ على يوسف بن أبي سعيد السيرافي في شرح أبيات سيبويه، بيّن فيه أوهامه في عزوبعض الأشعار إلى أصحابها، وفي تفسير بعضها، وذِكر مناسبتها، وبيّن كذلك ما صحّفه ابن السيرافي وما غلط في روايته من الشواهد والأشعار. جميع ذلك بأسلوب فيه من السخرية والتهكم ما فيه.
وكتابه الثاني هو«أسماء خيل العرب وأنسابها وذكر فرسانها» رتبه على حروف المعجم.
أما الثالث فهو«إصلاح ما غلط فيه أبوعبد الله الحسين بن علي النمري البصري» في تفسير مأزق أبيات الحماسة.
وما وراء ذلك لم يبق من مؤلفاته إلا أسماؤها وشيء مما نُقل عنها، وهي: «ضالّة الأديب» في الرد على ابن الأعرابي في «النوادر» التي رواها ثعلب، و«قيد الأوابد» في الردّ على ابن السيرافي، و«نزهة الأديب» في الردّ على أبي علي الفارسي في «التذكرة»، وكتاب «السلّ والسرقة» وكتاب «في أسماء الأماكن».
علي أبوزيد
للاستزادة
- الأسود الغُنْدِجاني، فرحة الأديب، تحقيق محمَّد علي سلطاني (دار قتيبة، دمشق 1981م).
- الصفدي، الوافي بالوفيات (دار فرانز، ڤيسبادن 1962م).
- الفيروز آبادي، البُلغة في تراجم أئمة النحوواللغة (جمعية إحياء التراث الإسلامي، الكويت 1987م).
- ياقوت الحموي، معجم الأدباء أوإرشاد الأريب إلى فهم الأديب (دار الخط الفهميَّة، بيروت 1991م).