تاريخ السويد

عودة للموسوعة

تاريخ السويد

تاريخ السويد
اسكندنافيا ما قبل التاريخ (–800)
الڤايكنگ والعصور الوسطى (800–1521)
حقبة ڤاسا المبكر (1521–1611)
قوة عظمى صاعدة (1611–1648)
الإمبراطورية السويدية (1648–1718)
عصر الحرية (1718–1772)
مطلقية گوستاڤيوس الثالث (1772–1809)
الإتحاد مع النرويج (1814–1905)
العصر الاوسكاري (آخر القرن 19)
التصنيع (1870s–1930)
الحرب العالمية الثانية (1930s–1945)
الحرب الباردة (1945–1989)
ما بعد الحرب الباردة (1989–)
موضوعات
التاريخ العسكري

عصر ما قبل التاريخ: 9,000 ق.م 800 م

بدأ تاريخ السويد في فترة ما قبل التاريخ منذ 12,000 عام قبل الميلاد في أواخر العصر الحجري وقتذاك كانت هنالك مخيمات لاصطياد الرنة تعود لثقافة البروم والتي تقع الآن في أقصى الإقليم الجنوبي. تميزت هذه الفترة بوجود مجموعات صغيرة مكونة من صياديين الذين كانوا يستخدمون في صيدهم أسلحة مصنوعة من الحجر الصوان.

عهدت السويد الزراعة وتربية الحيوانات نحوسنة 4000 ق.م بالإضافة إلى الدفن التذكاري والفؤوس المصقولة الحادة والفخار المزخرف التي وصلت إليها من القارة الأوروبية عن طريق ثقافة فنلبيكر. كان ثلث السويد الجنوبي جزءاً من المنطقة الزراعية الشمالية في العصر البرونزي مؤلفاً من مراعي تربية المواشي، وكان معظمها يتبع الثقافة السائدة في الدنمارك حينها. في عام 1700 قبل الميلاد، كان الاعتماد على الواردات البرونزية من أوروبا. لم يكن هناك تنقيب عن النحاس محلياً أثناء هذه الفترة، كما لم تمتلك المنطقة الاسكندنافية خامات القصدير، لذلك تم استيراد جميع المعادن.

كانت بلدان الشمال الأوروبي أثناء العصر البرونزي لا تزال في أطوار الحياة البدائية، حيث عاش الناس في قرى صغيرة ومزارع ذات منازل طويلة خشبية من طابق واحد. في غياب أي استعمار روماني، فإن العصر الحديدي في السويد دام حتى وصول الطراز المعماري الحجري والرهباني في زهاء القرن الثاني عشر الميلادي. معظم هذه الفترة يعتبر قبل التاريخ المسجل، وذلك يعني حتى هنالك مصادر كتابية مدونة ولكن مجملها ذات مصداقية متدنية. حيث حتى القصاصات من المواد المكتوبة هي إما دونت في وقت لاحق للفترة المذكورة بأمد طويل، أوخطت في أماكن بعيدة أومحلية لكنها قصيرة وموجزة.

بدأ المناخ ينعطف نحوالأسوأ، مما اضطر المزارعين للحفاظ على الماشية في منازلهم خلال فصل الشتاء، أدى ذلك إلى تخزين الروث سنويا، وهوالأمر الذي مكن السكان من استخدامه بصورة منتظمة لتخصيب التربة. فشلت محاولة رومانية لتوسيع حدود الامبراطورية من نهر الراين إلى الإلبه في العام التاسع الميلادي، وذلك عندما هاجمت قبائل جرمانية بقيادة ذات تدريب روماني الفيالق الرومانية بقيادة "فاروس" في كمين في معركة غابة تويتوبورگ. في ذلك الوقت أيضاً برزت معالم التحول الجذري في الثقافة الاسكندنافية منعكساً في زيادة الاتصال بالرومان.

في القرن الثاني الميلادي، جرى تقسيم معظم الأراضي الزراعية في جنوب السويد بواسطة جدران منخفضة إلى حقول خضراء دائمة ومروج لعلف الشتاء على أحد جانبي الجدار، وعلى الجانب الآخر من الجدار هنالك الأرض المسورة بالخشب حيث ترعى الماشية. هذا التنظيم ظل سائداً حتى القرن التاسع عشر الميلادي. شهدت الفترة الرومانية أول توسع للمستوطنات الزراعية حتى ساحل بحر البلطيق في ثلثي البلاد الشمالي.

ورد ذكر السويد في كتاب جرمانيا للمؤرخ تاكيتوس الذي خط عام 98 ميلادي، وفيه ورد ذكر قبيلة (Suiones) السويدية بوصفها قبيلة قوية (ليست مجرد أسلحة ورجال، ولكن أيضاً بأساطيلها القوية) وسفنها مسننة الطرفين.

الملوك الذين حكموا هذه القبائل غير معروفين، ولكن الميثولوجيا النوردية تذكر سلسلة من الملوك الأسطوريين والشبه أسطوريين الذين يرجعون إلى القرون الأخيرة قبل الميلاد. أما بالنسبة للكتابة في السويد بعينها، فهناك الكتابة الرونية التي استخدمتها النخبة الاسكندنافية الجنوبية في القرن الثاني الميلادي، ولكن جميع الذي وصل الينا من العهد الروماني هونصوص وبتر أثرية تحتوي في معظمها على أسماء ذكور توضح حتى الناس في جنوب اسكندنافيا تحدثوا اللغة النوردية القديمة وقتذاك وهي لغة سابقة للسويدية واللغات الجرمانية الشمالية.

في القرن السادس الميلادي، ذكر يوردانس قبيلتين هما "Suehans" و"Suetidi" الذين عاشا في اسكندنافيا القديمة. كلا الاسمين يعتبران يشيرا إلى نفس القبيلة.

الـ "Suehans" كما يقول عندهم خيول جيدة جداً كالتي عند قبيلة الثايرينجي. خط سنوري سترلسون حتى الملك السويدي أدليس كان يملك أجود الخيول في عصره. وكانت الـ "Suehans" الموردين لجلود الثعالب السوداء للسوق الرومانية. ثم ذكر يوردانس الـ "Suetidi" الذي يعتبر الاسم اللاتيني لـ "Svitjod"، وخط حتى الـ "Suetidi" هم أطول الرجال مع الدنمركيين الذين ينتمون إلى نفس العرق. كما ذكر في وقت لاحق حتى غيرها من القبائل الاسكندنافية كانت من نفس الطول.

تحكي إحدى الأساطير الإسكندنافية القديمة، حتى جماعة من القوط وهي قبائل يرجع أصلها إلي مدينة جوتلاند في السويد، عبروا بحر البلطيق قبل القرن الثاني الميلادي واصلين إلى اسكيثيا (التي كانت تضم كازاخستان وجنوب روسيا وأوكرانيا وأذربيجان وبيلاروسيا وأجزاء من بولندا وبلغاريا) على ساحل البحر الاسود في أوكرانيا الحديثة حيث هجروا آثارهم في ثقافة تشيرنياخوف. في القرن الخامس والسادس الميلاديين، انقسموا إلى القوط الشرقيين والقوط الغربيين، ثم أسسوا دول قوية خلفت الامبراطورية الرومانية في شبه جزيرة أيبيريا وإيطاليا. يظهر حتى المجتمعات القوطية الجرمانية قد عاشت في شبه جزيرة القرم حتى أواخر القرن الثامن عشر الميلادي.


تاريخ السويد المبكر: 800-1500

ليس في مقدور كائن من كان حتى يجعلنا نتصور أعمال أهل اسكنديناوة في هذه الأيام الأولى اللهم إلا إذا كان قصاصاً واسع الخيال، وحسبنا حتى نقول عنها إنها جهود جبارة تبذل في سبيل الاستيلاء على هذه شبه الجزيرة الوعرة الخطرة يوماً بعد يوم وقدماً بعد قدم. لقد كانت الحياة لا تزال فيها بدائية؛ وكانت موارد الغذاء الأولية فيها هي صيد الحيوان والسمك والزراعة. وكان لابد من تقطيع أشجار الغابات المترامية الأطراف، واستئناس الحيوان البري، وجر الماء إلى مجار تمكن الأهلين من الإنتاج، وإنشاء المرافئ البحرية؛ وكان لابد من حتى يعتاد الرجال الجلد وتحمل المشاق لمغالبة الطبيعة التي بدت وكأنها تغضب من تطفل الإنسان عليها وتدخله في شئونها. وكان للرهبان السسترسيين Cistercian شأن عظيم في هذا الكفاح الذي قضوا فيه حياتهم جيلاً بعد جيل، فكانوا يبترون الأشجار، ويفلحون الأرض، ويفهمون الفلاحين أساليب الغرس الراقية. وكان من أبطال هذا الكفاح إيرل برگر Earl Birger رئيس وزراء السويد من 1248 إلى 1266. فهوالذي ألغي رق الأرض، وأقام حكم القانون، وأسس مدينة ستوكهولم Stokholm (حوالي عام 1255)، وأنشأ أسرة فولكونگ Folkung (1250-1363) بأن أجلس ابنه ولدمار على العرش. وأثرت مدينة برگن لأنها كانت منفذ تجارة النرويج، وأضحت مدينة ڤيسبي Visby القائمة على جزيرة گوتلاند Gotland مركز الاتصال بين بلاد السويد والعصبة الهانزية. وشيدت كنائس فخمة ممتازة، وتضاعف عدد الكنائس الكبرى والمدارس، وأخذ الشعراء يغنون قصائدهم.

الفايكينج والعصور الوسطى

دام عصر الڤايكنگ السويدي ما بين القرنين الثامن والحادي عشر. يعتقد حتى السويديين خلال هذه الفترة قد توسعوا انطلاقاً من شرق السويد وضموا الجيتس جنوباً. كما يعتقد حتى الفايكنج السويديين والجوتلانديين ارتحلوا شرقاً وجنوباً، إلى فنلندا ودول البلطيق وروسيا وبيلاروسيا وأوكرانيا والبحر الأسود وأبعد من ذلك إلى بغداد. مرت طرقهم عبر نهر دنيبر جنوباً وصولاً إلى القسطنطينية وقاموا بغارات عديدة في تلك المناطق. لاحظ الإمبراطور البيزنطي ثيوفيلوس مهاراتهم الكبيرة في الحرب، ونادىهم ليكونوا بمثابة حراسه الشخصيين، والمعروفين باسم الحرس الفارانجي. كما يعتقد حتى الفايكنغ السويديون الذي أطلق عليهم اسم روس "Rus"، أنهم أيضاً الآباء المؤسسون لمملكة "روس الكييڤية".

وصفهم الرحالة العربي "أحمد بن فضلان" على النحوالتالي:

"لقد رأيت الروس عندما اتىوا في رحلاتهم التجارية ونزلوا عبر نهرالفولغا. لم أر في حياتي أجسادًاأكثر كمالا منهم، طوال القامة كالنخيل وهم شقر، لا يرتدون السترات ولا القفطان، غيرأنّ الرجال يرتدون ملابس تغطي جانبًا واحدًا من الجسم، وتهجر يداً حرة. جميع رجل لديه فأس وسيف وسكين، ويحتفظ بهم في جميع الأوقات. السيوف حادة مشطوفة، وهي نوع من سيوف الفرنجة."

دونت مغامرات الڤايكنگ السويديين على عدة أحجار بلغتهم الاسكندنافية مثل الأحجار اليونانية والأحجار الفارانجية. قامواً أيضا برحلات استكشافية غرباً كتلك المذكورة في أحجار إنجلترا التذكارية. آخر رحلات الفايكنغ السويديين الاستكشافية كانت سيئة الحظ وبقيادة انجفار إلى المنطقة الجنوبية الشرقية من بحر قزوين. دونت أسماء أعضائها أحجار انجفار التي لم تذكر نجاة أي منهم. لا يعهد حقاً ما وقع للطاقم، ولكن ينطق أنهم ماتوا من السقم.

1- المشهد الإسكنديناوي (1470-1523)

ما حتى حل عام 1500 حتى كانت تقوى الناس قد جعلت الكنيسة تسيطر على اقتصاد إسكنديناوة. وكانت الكنيسة تملك نصف الأرض في الدنمرك، وكان يفلحها مستأجرون في منزلة تقرب من الرق(1). وكانت كوبن هاجن نفسها إقطاعية للكنيسة، ورجال الأكليروس والنبلاء يتمتعون بالإعفاء من ضرائب الأرض. أما النبلاء فلأنهم اشهجروا في الحرب على نفقتهم الخاصة، وأما رجال الأكليروس فلأنهم نظموا العبادة والأخلاق والتعليم والبر.

وكانت الجامعات في كوبنهاجن وأبسالا من طبيعة الحال في أيدي رجال الكنيسة، وكانت الكنيسة تتقاضى سنوياً عشر جميع ناتج أوولج يُحَصَّل خارج مجال الكنيسة، وتقاضت رسماً صغيراً على جميع بناء يقام وكل طفل يولد وكل اثنين يتزوجان وكل جثة تدفن، وطالبت بالتبرع بيوم عمل في السنة من جميع فلاح. ولم يكن في وسع أحد حتى يرث عقاراً، دون حتى يقدم عنه حصة للكنيسة، باعتبارها محكمة إشهاد للتثبيت من صحة الوصايا(2). وكان يدافع عن هذه الضرائب بأنها تمول الخدمة الكهنوتية في الكنيسة، ولكن الشكاوى ارتفعت بأن الكثير من متحصلات المعاملات التجارية مضىت لكي يعيش الأساقفة في أبهة ملكية. وأزعج تجار الدنمرك السيادة الهنزية في بحري الشمال والبلطيق، فتميزوا غيظاً من المنافسة الإضافية للنبلاء ورجال الأكليروس، الذين كانوا يصدرون فائض إنتاج ضياعهم في سفنهم الخاصة غالباً. وفي إسكنديناوة كما في غيرها من البلاد، تطلع النبلاء في شوق إلى أراضي الكنيسة. ولقد وقع هناك، كما وقع في جميع موضع آخر صراع بين القومية، وبين الكنيسة التي تسموعلى جميع قومية، وأيدت الكنيسة في جميع البلاد الثلاث اتحاد حدثار الإسكنديناوي، الذي كان كريستيان الأول ملك الدنمرك قد جدده (1457). ولكن حزباً قومياً يتألف من سكان المُدن والفلاحين رفض الاعتراف بالاتحاد، باعتباره في الحقيقة سيادة دنمركية، ونادوا بستن ستور الأصغر نائب ملك يحكم أمة مستقلة (1512). ودافع رئيس الأساقفة جوستاف ترول من أبسالا - وكانت وقتذاك عاصمة للسويد - عن الاتحاد، فأنطقه ستن ستور الصغير وأمر البابا ليوالعاشر بإعادته إلى وظيفته فرفض ستور. وحرم ليوتقديم الخدمات الدينية في السويد وفوض كريستيان الثاني ملك الدنمرك في غزوالسويد ومعاقبة نائب الملك، وفشلت أول محاولة لكريستيان، واضطر إلى توقيع هدنة، ولكنه حمل معه عند العودة إلى كوبنهاجن عدة رهائن كضمان لالتزام السويديين بنصوص الهدنة، وكان جوستاف فازا أحد هذه الرهائن. وظفر كريستيان في حملة ثانية بنصر حاسم، ومات ستور متأثراً بالجروح، التي أصيب بها في المعركة. وأعدت أرملته على عجل جيشاً احتفظ بستكهولم لمدة خمسة شهور أمام حصار دنمركي، وأخيراً سلمت لقاء وعد قدمه قائد كريستيان بالحصول على عفوعام. وفي أربعة نوفمبر توج كريستيان ملكاً على السويد على يد ترول الظافر الذي أعيد إلى وظيفته.

وفي السابع من نوفمبر استدعى كبار السويديين الذين أيدوا ستور للمثول أمام الملك في قلعة ستوكهولم. واتهمهم ممثل لترول بارتكاب جرائم عظمى بخلعهم كبير الأساقفة وتدمير قلعته، وطالب الملك بالانتقام منهم لهذه الأخطاء. وعلى الرغم من العفوالعام الذي صدر فقد حكم على سبعين من كبار السويديين بالإعدام. وبترت رؤوسهم في الثامن من نوفمبر في الميدان الكبير، وقبض على آخرين عديدين في التاسع من نوفمبر وأعدموا، وأضيف إلى مَن قتلوا في هذه المذبحة بعض المشاهدين الذين أعربوا عن تعاطفهم مع المحكوم عليهم، وصودرت أملاك الموتى لصالح الملك، وصرخ جميع السويديين من الرعب، ونطق الناس إذا اتحاد كالمار أغرق في "حمّام الدم بستوكهولم" وانحطت مكانة الكنيسة كثيراً في نظر الجماهير لأنها بدأت المذبحة. وقد رأى كريستيان حتى يجعل حكمه آمناً بالقضاء على عقول الحزب القومي. والحق أنه مهد طريق العرش للرهينة الشاب الذي قدر له حتى يحرر السويد. واسمه جوستافوس أركسون، ولكن ذريته أطلقوا عليه اسم فازا، وهومشتق من حدثة vasa السويدية وfascis. اللاتينية ومعناها حزمة من العصى ظهرت في شعار أسرته. وعندما بلغ الثالثة عشرة من عمره أوفد ليدرس في أبسالا، وعندما بلغ العشرين من عمره استدعي لبلاط ستور الصغير الذي تزوج أختاً غير شقيقة لجوستافوس من أمه، وهناك تلقى مزيداً من التعليم على يد رئيس الوزراء، الأسقف همينج جاد، وفي عام 1519 فر من المراقبة في الدنمرك واتخذ طريقه إلى لوبك، وأقنع أعضاء مجلس الشيوخ فيها (وكانوا في عداء دائم للدنمرك)، حتى يقرضوه مالاً ويعيروه سفينة، وعاد إلى شواطئ بلاده (31 مايوسنة 1520)، وأخذ يضرب على غير هدى وهومتنكر أربعة شهور أوكان يختبئ في قرى مغمورة. وفي نوفمبر وصلت الأنباء إليه بأن ما يقرب من مائة من الوطنيين المخلصين، ومنهم أبوه، قتلوا في ستوكهولم، فامتطى صهوة أسرع جواد استطاع العثور عليه، وركب شمالاً إلى موطنه مقاطعة داليكارليا، وصمم على حتى ينضم هناك من ملاّك الأراضي الجسورين طلائع جيش يمكن حتى يحرر السويديين من الدنمركيين.

وكانت حياته وقتذاك ملحمة جديرة بأن يتغنى بها هوميروس. فقد مضى يسير في طرقات ثلجية، والتمس الراحة في بيت زميل سابق له في المدرسة. وقدم له هذا الصديق واجبات الضيافة ثم انطلق ليخطر الشرطة الموالية للدنمركيين حتى الرهينة الهاربة يمكن القبض عليها وقتذاك، غير حتى الزوجة أنذرت جوستافوس ليلوذ بالفرار. وبعد حتى بتر راكباً عشرين ميلاً عثر ملجأ لدى قسيس أخفاه أسبوعاً. وسافر بعد ذلك ثلاثين ميلاً وحاول حتى يحرض مدينة راتفيك على الثورة بيد حتى أهلها لمقد يكونوا قد سمعوا بعد بسيرة حمام الدم ولم يصدقوها. فركب فازا وسار في مروج متجمدة خمسة وعشرين ميلاً شمالاً إلى مورا، وتوسل مرة أخرى للفلاحين حتى يقوموا بثورة، بيد أنهم أصغوا إليه متشككين في تبلد. ووجد نفسه منبوذاً وتملكه اليأس لحظة، فاستدار بفرسه نحوالغرب، وتخلى عن البحث عن ملجأ في النرويج. وقبل حتى يصل إلى الحدود أدركه رسول من مورا، ورجاه حتى يعود، وتعهد له بأنه يفترض أن يجد وقتذاك أذناً صاغية بروح تفيض حماسة مثل روحه. فقد سمع الفلاحون أخيراً بأنباء الرعب في ستوكهولم، وعلاوة على هذا انتشرت شائعة بان الملك كان يفكر في القيام برحلة يخترق فيها السويد، وأنه أمر بإقامة المشانق في جميع مدينة كبرى. وتقرر فرض مكوس جديدة على شعب كان يكافح من أجل الحياة أمام جشع السادة واستبداد المبادئ الأساسية. وعندما خاطب جوستافوس المواطنين في مورا مرة أخرى أعطوه حرساً مكوناً من ستة عشر من سكان المناطق الجبلية، وأقسموا حتى يسلحوا أنفسهم، وينظموا صفوفهم، ويسيروا وراءه حيثما يقودهم لمقاتلة الدنمركيين.

ولم يعهدوا وقتها سوى الأقواس والسهام وفئوس الحرب، وفهمهم فازا كيف من الممكن أن يصنعون الرماح والحراب برؤوس من حديد. ودربهم بكل حمية يطويها بين جوانحه شاب يحفزه حب الوطن والسلطة، وبهذه الحماسة استولوا على فستيريس ثن ابسالا، وفر كبير الأساقفة ترول مرة أخرى، وكسب الجيش النامي في صبر وتصميم مقاطعة إثر أخرى من الحاميات الدنمركية.

ولم يستطع كريستيان الثاني الحضور ليتولى بنفسه قيادة قواته لأنه قابل في بلده ذاتها حرباً أهلية إلا حتى أسطوله أغار مراراً على الشواطئ السويدية، وبعث جوستافوس برسل إلى لوبك لكي يطلبوا سفناً حربية. وجهزت المدينة التجارية عشرة سفن صرفت نشاط الأسطول الدنمركي، وذلك لقاء وعد بالحصول على مبلغ كبير. وفي السابع من يونية سنة 1523 نادى الثوار المنتصرون، في ركسراد جديدة بقائدهم ملكاً باسم جوستافوس الأول، وفي العشرين من يونيه استسلمت ستوكهولم واتخذ فازا منها بعد ذلك عاصمة له. وفي غضون ذلك كان كريستيان الثاني قد خلع عن عرشه في الدنمرك، وتخلى خلفه فريدريك الأول عن جميع المطالب الدنمركية في السيادة على السويد. وانتهى اتحاد كالمار (1397-1523) وبدأت أسرة فازا.


2- الإصلاح الديني السويدي

كان جوستافوس لا يزال شاباً في السابعة والعشرين من عمره. ولم يكن فارع الطول، كما نعهد في الرجال من أهل الشمال، ولكنه كان يتمتع بقوة بدنية مثل أي قرصان إسكنديناوي، وكان وجهه المستدير متورداً بحمرة الصحة، ولحيته الصفراء الطويلة تضفي عليه وقار الملك أكثر من دلالتها على سنه، وكانت أخلاقه رائعة بالنسبة إلى ملك، بل إذا الكنيسة التي قدر له حتى ينبذها بعد ذلك بوقت قصير لم تستطع حتى تجادل في تقواه. ووقف نفسه على القيام بأعباء الحكم بنشاط لا يعهد الأناءة، جعله ينزلق أحياناً إلى التوسل بالعنف أوالاستبداد، بيد حتى ظروف السويد عند ارتقائه العرش كانت تبرر أوتكاد طبعه وحكمه المطلق. وقد هجر آلاف الفلاحين، غمرة فوضى الحرب، حقولهم دون حتى يغرسوها، وهجر عمال التعدين مناجمهم، ودمر الصراع المدن، وخفضت قيمة العملة وأفلست الخزانة العامة، وأزهقت أرواح أصحاب العقول المدبرة في البلاد في "حمّام الدم". واعتبر البارونات الإقطاعيون الباقون على قيد الحياة جوستافوس حديث النعمة، ونظروا باحتقار إلى انادىئه الحق في الحكم. ودبرت المؤامرات لخلعه فقضى عليها بيد من حديد. وكانت فنلندة، التي كانت جزءاً من السويد، لا تزال في أيدي الدنمركيين، وكان سورن نوربي أمير البحر الدنمركي يحتفظ بجزيرة جوتلاند الاستراتيجية، وضجت لوبك مطالبة بسداد قروضها.

وكانت أول حاجة ملحة استشعرتها الحكومة مال يدفع للقوات المسلحة التي تحميها، ثم للموظفين الذين يقومون على شؤونها، أووعد بدفع هذا المال، ولكن الضرائب في السويد أيام فازا كانت تكاد تكلف في جبايتها أكثر من المتحصل منها لأن الذين كان في وسعهم وحدهم حتى يدفعوها كانوا أقوياء جداً إلى الحد الذي يقاومون فيه جبايتها. وخضع جوستافوس لما اقتضته الحاجة الملحة من تخفيض قيمة العملة مرة أخرى، بيد حتى العملات الرديئة سرعان ما هبطت إلى قيمتها العملية، وكانت إيرادات الدولة أسوأ مما كانت عليه من قبل، ولم تكن في السويد إلا جماعة واحدة غنية - هي طبقة رجال الأكليروس، فتحول جوستافوس اليهم، وطلب منهم المساعدة، واعتقد حتى من العدل حتى تخفف ثروة الكنيسة وطأة الفقر الذي يرزح تحته الشعب والحكومة. وخط عام 1523 رسالة إلى الأسقف هانز براسك من لنكوبنج، يطلب فيها هبة قدرها 5.000 جيلدر للدولة. فاحتج الأسقف ثم أذعن. وأوفد فازا طلباً عاجلاً إلى كنائس السويد وأديارها بضرورة تسليم جميع الأموال والمعادن الثمينة، التي ليست ضرورية لمواصلة خدماتها، إلى الحكومة بصفة قرض، ونشر قائمة بالمبالغ التي يتسقط الحصول عليها من جميع مصدر. ولم تكن الاستجابة إليه كما تسقط، وبدأ يتساءل: ما إذا كانت الحكمة تقضي منه حتى يعمل كما كان يعمل الأمراء اللوثروين في ألمانيا - فيصادر ثروة الكنيسة تلبية لحاجات الدولة. ولم ينسَ حتى أغلب كبار رجال الأكليروس قد عارضوا الثورة، وأنهم عضدوا حكم كريستيان الثاني في السويد.

وفي عام 1519 عاد أولاوس بترى، وهوابن صاحب مصنع حديد سويدي بعد حتى قضى بضع سنوات في الدراسة بفيتنبرج، وسمح لنفسه ببعض الهرطقات، وهوشماس في المدرسة الكاتدرائية في سترانجنارس ونطق إذا المطهر أسطورة، وإن الصلوات يجب حتى يخاطب بها الله وحده وان الاعتراف يوجه إليه وحده، وإن الدعوة إلى ما ورد في الإنجيل من شعيرة القداس. وبدأ الناس يتداولون رسائل لوثر في السويد. فألح براسك على فازا حتى يمنع بيعها، فأجاب الملك بأن "تعاليم لوثر عرضت على قضاة عدول فلم يجدوا فيها زيفاً(3)". ولعله رأى حتى من حسن السياسة الاحتفاظ على سبيل الاحتياط بهرطيق يساوم الكنيسة عليه.

وأصبحت الأمور أشد إثارة عندما رفض البابا أدريان السادس حتى يصادق على تعيين قاصده الرسولي جوهانس ماجنوس رئيساً لأساقفة أبسالا، واقترح إعادة جوستاف تروي عدوالثورة. فأوفد فازا إلى مجلس شورا الفاتيكان رسالة كان حرية وقتذاك (1523) بأن تفزع هنري الثامن وتسعده فيما بعد:

إذا كان عند أبينا المقدس أي اهتمام بسلام بلدنا فإنه يسرنا حتى نراه يصادق على اختيار قاصده الرسولي... وسوف نستجيب لرغبات البابا فيما يختص بإصلاح الكنيسة والدين. ولكن إذا أيد قداسته أنصار كبير الأساقفة ترول الموصومين بالجريمة، مخالفاً بذلك كرامتنا وسلامة رعايانا، فإننا يفترض أن نسمح لقاصده الرسولي بالعودة إلى روما، وسوف ندبر أمور الكنيسة في هذه البلاد بمقتضى السلطة المخولة لنا باعتبارنا ملكاً.

وأدت وفاة أدريان وانصراف كليمنت السابع بجهوده لمقاومة لوثر وشارل الخامس وفرانسيس الأول، إلى هجر فازا حراً في المضي قدماً بالإصلاح الديني السويدي، فعين أولاوس بترى في كنيسة سانت نيكولاس استكهولم، وعين لورانتيوس شقيق أولاس أستاذاً للاهوت في جامعة أبسالا، وحمل مصلحاً دينياً ثالثاً وهولورانتيوس أندريا إلى رتبة رئيس شمامسة الكاتدرائية. ودافع أولاوس بترى عن اللوثرية في مناظرة دارت بينه وبين بيترجال (27 ديسمبر سنة 1524) في مقر الأسقفية بالكاتدرائية، برئاسة الملك وقضى فازا بفوز أولاوس، ولم ينزعج عندما اتخذ أولاس زوجة له (1525)، قبل زواج لوثر باربعة شهور، ومهما يكن من أمر فإن الأسقف براسك فزع بسبب هذه المخالفة لرهبانية رجال الأكليروس، وطلب من الملك حتى يقضى على بترى بالحرمان. فأجاب جوستافوس بأن أولاوس يجب حتى يعاقب إذا كان قد ارتكب خطأ، ولكن "يخيل إلي حتى من العجب حتى يعاقب المرء بسبب الزواج (وهوشعيرة لا يحرمها الله)، ولا يقع المرء تحت طائلة الحرمان بسبب الفسوق وغيره من الآثام(4)" وبدلاً من حتى يحكم على بترى لأنه خالف القانون انتدبه هووشقيقه لترجمة الكتاب المقدس إلى اللغة السويدية. وساعدت النسخة المترجمة إلى اللغة الدارجة، كما وقع في كثير من البلاد الأخرى، على تكوين اللغة القومية وتحرير الدين القومي.وعد جوستافوس، مثل معظم الحكام، أي إجراء يقوم به لتدعيم مركز بلاده أوعرشه مسارياً للأخلاق، وحرص على ترقية الأساقفة الذين يذعنون لخططه إلى مرتبة المطرانيات السويدية ووجد أسباباً لا يستطيع دفعها لنزع ملكية أراضي الأديار، ولما كان قد تقاسم الأسلوب مع النبلاء فإنه فسر ذلك بأنه إنما كان يعيد إلى الفهمانيين ما أغرى أجدادهم على حتى يهبوه للكنيسة، وشكا البابا كليمنت السابع من حتى القساوسة السويديين كانوا يتزوجون، ويقدمون القربان بالخبز والنبيذ، ويهملون شعيرة المسح الأخير ويغيرون شعيرة القداس وبعث بنداء للملك بأن يظل مخلصاً للكنيسة، ولكن جوستافوس كان قد بتر شوطاً بعيداً فلم يستطع حتى يتراجع، وكانت العقيدة المحافظة حرية بأن تخرب خزائنه، ونادى في مجلس فستيريس (1527) بالإصلاح الديني علناً.

كان اجتماعاً تاريخياً في تكوينه ونتائجه معاً. فقد اجتمع أربعة أساقفة وأربعة من كبار القساوسة وخمسة عشر عضواً الركسراد Riksraad و129 نبيلاً واثنان وثلاثون من أوساط الناس وأربعة عشر نائباً لعمال المناجم و104 ممثلاً للفلاحين، وكان هذا مجلساً وطنياً يمثل أعرض قاعدة بين المجالس في القرن السادس عشر. وطرح كبير وزراء الملك اقتراحاً ثورياً أمام المجلس، فنطق إذا الدولة قد افتقرت إلى المال إلى حد عجزها عن القيام بتبعاتها لخير الشعب، وأن الكنيسة كانت غنية جداً إلى الحد الذي يسمح لها بأن تحول جانباً كبيراً من ثروتها إلى الحكومة، ويبقى لها مع ذلك ما يكفي لأن تقوم بجميع التزاماتها. وحارب الأسقف براسك لآخر لحظة من أجل مثله العليا وأملاكه العقارية، فأعرب حتى البابا قد أمر رجال الأكليروس بالدفاع عن أملاكهم. وصوت المجلس في صف القائلين بإطاعة البابا. ورأى جوستافوس حتى يقامر على جميع شيء برمية واحدة، فأعرب أنه إذا كان هذا حكم المجلس والأمة فإنه سيستقيل ويرحل عن السويد، وظل المجلس في نقاش مستمر طوال ثلاثة أيام. ووقف الأوساط ورجال الفلاحين إلى جانب الملك، وكان لدى النبلاء سبب وجيه للتحرك في الاتجاه نفسه، واقتنع المجلس آخر الأمر بأن فازا أعظم قيمة للسويد من أي بابا، فوافق على رغبات الملك. وتحولت الأديار في فترة العطلة أوفي ختام مجلس فستيريس إلى إقطاعيات للملك، وإن جاز للرهبان بالإفادة منها، وتقرر إعادة جميع الأملاك التي منحها النبلاء للكنيسة منذ عام 1454 إلى ورثة الواهبين، وأن يسلم الأساقفة قصورهم إلى التاج، وحرم على الأساقفة حتى يسعوا إلى الحصول على تأييد البابا لتعيينهم، وتقرر حتى يسلم رجال الأكليروس إلى الدولة جميع ولج ليست شعائرهم الدينية في حاجة إليه، ووضع حد للاعتراف السري، وتقرر حتى تعتمد العظات كلها على الكتاب المقدس وحده. وكان الإصلاح الديني في السويد، بصورة قاطعة أكثر منه في أي مكان آخر، تأميماً للدين وفوزاً للدولة على الكنيسة.

وعاش فازا بعد هذه الأزمة ثلاثاً وثلاثين عاماً، وظل حتى النهاية حاكماً مطلقاً... قوياً ولكنه يعمل لخير شعبه... وكان مقتنعاً بأن السلطة المركزية وحدها هي التي تستطيع حتى تعيد النظام والرخاء إلى السويد، وأنه في مهمة معقدة كهذه لا يستطيع حتى يتوقف عند جميع خطوة ليستشر مجلساً متروياً. وبفضل تشجيعه وتنظيمه صبت مناجم الشمال حديدها في أدوات الحرب السويدية، واتسعت رقعة الصناعة، وأبرمت معاهدات تجارية مع إنجلترا وفرنسا والدنمرك وروسيا أوجدت أسواقاً للسلع السويدية، وجلبت إلى السويد منتجات من أثنى عشرة بلداً، وأضفت تهذيباً جديداً وثقة على حضارة كانت قبله معتقلة في سذاجة ريفية وأمية. وازدهرت السويد وقتذاك كما لم تزدهر من قبل.

واشتبك جوستافوس في عدة حروب، وقمع أربع ثورات وعقد قرانه على ثلاث زوجات على التعاقب، وأنجبت له الأولى ولداً أصبح فيما بعد أريك الرابع عشر، وأنجبت له الثانية خمسة أولاد وخمس بنات أما الثالثة التي كانت في السادسة عشرة من عمرها عندما تزوجها وهوفي السادسة والخمسين فقد عمرت بعده ستين عاماً. وأغرى الرجسراد Rigsraad بأن يقبل أبناءه ورثة للعرش وأن يجعل وراثة العرش مقصورة على الذكور كقاعدة تتبع في الملكية السويدية.

وصفحت السويد عن حكمه المطلق لأنها أدركت حتى النظام أصل الحرية وليس ثمرة لها. وعندما توفي (29 سبتمبر سنة 1560)، بعد حكم دام سبعة وثلاثين عاماً دفن في كاتدرائية أبسالا في احتفال صدر عنه بالحب وتميز بالشرف وهولم يمنح شعبه الحرية الشخصية التي كانوا يستحقونها بصفة خاصة فيما يبدو، ولكنه منحهم حرية جماعية من السيطرة الأجنبية في الدين أوالحكم، وقد هيأ الظروف التي استطاعت أمته في ظلها حتى تصل إلى درجة النضج في مجالات الاقتصاد والأدب والفن. كان الأب الحقيقي للسويد الحديثة.


السويد حديثا: 1523

تشكيل الامبراطورية السويدية، 1560-1660

السويد 1560 - 1654

المذاهب المتصارعة 1560 - 1611

فيما بين گوستاف ڤاسا مؤسس السويد الحديثة وجوستاف أدولف منقذ البروتستانتية ومخلصها، تلبد تاريخ السويد بسحب الصراع بين الشيع الدينية من أجل السلطة السياسية. وكان المليك (الفاسا) الأول قد حرر السويد من نير الدنمرك. ووحد البلاد تحت حكم ملكية وراثية قوية. على حين حتى أوليجاركيات النبلاء ساعدت على ضعف الدنمرك وبولندة وعلى الإقطاع فيهما. وكان الفلاحون في السويد أحراراً، وكانوا يمثلون في مجلس الديت (الركسداج) مع النبلاء ورجال الدين وممثلي المدن. وكانت لفظة بوند Bonde التي كانت في الدنمرك الرقيق ، تعني السويد لقباً كريماً للرجل الحر الذي يفلح أرضه الخاصة به. ولكن المناخ كان يحد من موارد الأرض بشكل قاس، كما كان يحد منها قلة عدد السكان، وسيطرة الدنمرك على ثلاث مقاطعات في شبه الجزيرة الإسكنديناوية وعلى مياه السويد. وامتلأت قلوب النبلاء غيظاً بسبب خضوعهم من حديث للملك، وكانت الكنيسة قد جردت من أملاكها في السويد، فدأبوا على تدبير المؤامرات للاستحواذ على الشعب واسترداد أملاك الكنيسة والاستيلاء على العرش.

ولم يكن إريك الرابع عشر-ابن جوستاف فاسا-(1560-1568) مؤهلاً للقاءة هذه المشاكل. لقد كان يتجلى بالشجاعة والمقدرة ولكن طبعه العنيف أفسد عليه دبلوماسيته، وأدى به إلى القتل والجنون. وأثار حفيظة النبلاء بقتل خمسة من زعمائهم، اغتال هوأحدهم بيده. وواصل ضد الدنمرك حرب السنين السبع الشمالية (1563-1570). ومهد نغزوليفونيا لحروب مقبلة. ونفر منه أخاه جون باعتراض سبيله في زيجة كان يمكن حتى تجعل منه وريثاً لعرش بولندة، فلما تزوج جون، رغم أنف أخيه، من الأميرة كاترين ياگيلون ، احتجزه أريك في قلعة گريشولم. واتىت كاترين لتشاطر جون ويلات السجن، وأغرته باعتناق الممضى الكاثوليكي. وفي 1568 أرغم أريك أخوته على التخلي عن العرش. وبعد ستة أعوام قضاها في السجن أعدم بأمر من الديت والملك الجديد.

وعقد جون الثالث (1568-1592) صلحاً مع الدنمرك ومع النبلاء، وأذكى نار الخلاف الديني من جديد. فإن زوجته كانت تغريه في الليل، أكثر منها بالنهار، باعتناق الكاثوليكية. وبإذن منه ولج الجزويت إلى السويد متنكرين، وأخذ أقدرهم، وهوأنطونيوبوسيفون ، على عاتقه تحويل الملك إليها، وكان وخز الضمير قاسياً حدثا تذكر جون موافقته على اغتال أخيه، وأن عذاب النار هوالعقاب الذي لا مفر منه لخطيئة مثل هذه. ولكن بوسيفون أغراه بأنه لا منجاة من هذا الجحيم الذي ينتظره إلا بالاعتراف وطلب الغفران في الكنيسة التي يعتقد الناس جميعاً بأن السيد المسيح هوالذي أقامها. وأذعن جون وتناول القربان المقدس وفق الطقوس الكاثوليكية، ووعد بأن يجعل الكاثوليكية دين الدولة شريطة حتى يرخص البابا لرجال الدين السويديين في الزواج، وأن يقام القداس باللغة الوطنية، وأن يقدم القربان المقدس بالنبيذ والخبز على السواء. وقصد بوسيفون إلى رومة ولكن البابا رفض الشروط، فعاد الجزويتي صفر اليدين. وأصدر أوامره إلى الجزويت بتناول القربان بكلا نوعيه وبتلاوة القداس باللغة السويدية فرفضوا ورحلوا. وماتت كاترين الكاثوليكية في 1584. وبعد ذلك بعام واحد تزوج جون من سيدة بروتستانتية ردته ثانية إلى الممضى اللوثري ، في الليل أكثر منها في النهار.

وفي أغسطس 1587 انتخب ابنه الكاثوليكي لعرش بولندا تحت اسم سگسمند الثالث. ووفقا لقانون كالمار اتفق الوالد والولد على أنه بعد وفاة جون يصبح سجسمند ملكاً على بولندا والسويد معاً. ولكن سجسمند آل على نفسه حتى يحترم استقلال السويد السياسي والممضى البروتستانتي. وعند وفاة جون (1592) انعقد الريكسداگ تحت رئاسة أخيه الدوق كارل في مدينة [اوپسالا] (25 فبراير 1593) وكان يضم 300 من رجال الدين و300 من الفهمانيين-النبلاء وممثلوالمدن وعمال المناجم والفلاحين ، واتخذ ممضى أوگزبورگ اللوثري 1540 ممضىاً رسمياً للكنيسة والدولة في السويد. وأعرب هذا المجتمع التاريخي (مجمع أبسالا) حتى الأمة لن تتقبل غير اللوثرية ولن تتسامح مع غيرها، وألا يعين في المناصب الكنسية أوالسياسية إلا اللوثريون الأقداح وألا يتوج سجسمند في السويد إلا بعد قبوله لهذه المبادئ. وفي الوقت نفسه اعترفوا بالدوق كارل نائباً للملك عند غيابه عن العرش.

ولكن سجسمند الذي تلقى تعليمه على أيدي الجزويت ، كان يحلم بضم السويد وروسيا إلى حضير الكثلكة. ولما وطأت قدماه أرض ستوكهولم (سبتمبر 1593) عثر جميع الزعماء السويديين تقريباً مجمعين على طلب أوثق ضمان لامتثاله لإعلان أوپسالا Uppsala Synod. وظل خمسة أشهر يبحث عن حل وسط، ولكن الزعماء بقوا على عنادهم، وجمع الدوق كارل جيشاً. وأخيراً منح سجسمند التعهد المطلوب، وتوجه أسقف لوثري في أبسالا (فبراير 1594). ولكن سرعان ما أصدر سجسمند بياناً احتج فيه بأنه أكره على هذا التعهد تحت الضغط والتهديد، وعين ستة من كبار الموظفين لحماية الكاثوليك الباقين في السويد، وفي أغسطس عاد أدراجه إلى بولندة.

وأعد الدوق كارل وأنجر مانوس رئيس أساقفة أبسالا العدة لتطبيق قرارات المجمع. ونادى ريكسداگ سودركوپنگ (1595) إلى القضاء على جميع عبادة كاثوليكية، ونفى جميع الطوائف المعارضة للممضى البروتستانتي، وأمر بأن يضرب بالعصا جميع من يتخلف عن حضور الصلوات اللوثرية، وسقط هوالعقوبة بنفسه عند زيارته للكنائس. وأغلق جميع ما بقي من الأديار، وأزيلت جميع الأضرحة الكاثوليكية.

وتوسل إلى سگسمند مستشاره حتى يغزوالسويد بجيش كبير. ورأى هوحتى خمسة آلاف جندي تفي بالغرض. وحط رحاله بهم في السويد (1598) واشتبك معه كارل في ستجبرج فهزم. وفي اشتباك آخر في ستانگبروStångebro انتصر الدوق. ووافق سجسمند من حديث على إعلان أوپسالا وعاد إلى بولندة. وفي يولية 1599 خلعه الدايت السويدي، وأصبح الدوق كارل الذي ما زال نائباً للملك، الحاكم العملي للدولة. وأقر ريكسداگ (1604) قانون الوراثة الذي نص على ألا يتولى العرش إلا جميع ذكر أوأنثى من أسرة فاسا يرتضي العقيدة اللوثرية المقررة وأن جميع مخالف لها لا يحق له الإقامة أوالتملك في السويد. "فكل أمير ينحرف عن مبادئ أوجزبرج لابد بطبيعة الحال حتى يفقد تاجه " ومن ثم كان الطريق معبداً لاعتلاء جوستاف أدولف ابن كارل عرش السويد، ولتخلي حفيدته كريستينا. وفي 1607 توج كارل التاسع ملكاً.

وأصلح كارل الحكومة المختلة، ونهض بالتعليم والتجارة والصناعة، وأسس مدن كارلستاد مدن فيلبستاد وماريستاد وگوتبورگ ، وهيأت هذه الأخيرة للسويد منفذاً طيباً إلى بحر الشمال ، متغلبة بذلك على سيطرة الدنمرك على المضايق. وأعرب كريستيان الرابع الحرب (أبريل 1611) وغزا السويد. وتحدى كارل، وهوفي الحادية والستين من العمر، كريستيان لمبارزة فردية. فرفض هذا الأخير. ومات كارل في أكتوبر 1611 ، والقتال على أشده، ولكن قبل موته وضع يده على رأس ابنه ونطق "أنت لها". وقد كان لها عملاً.

جوستاف أدولف 1611 -1630

وكان أعظم شخصية رومانتيكية في تاريخ السويد ، وهوفي سن السادسة عشر آنذاك. وكانت أمه ألمانية، ابنه الدوق أدولفس هولستاين جوتورب. ولقنه أبوه وأمه تعليماً صارماً في اللغتين السويدية والألمانية وفي الممضى البروتستانتي. وما حتى بلغ الثانية عشرة حتى كان قد تفهم اللاتينية والإيطالية والهولندية. والتقط بعد ذلك شيئاً من الإنجليزية والأسبانية ، بل حتى البولندية والروسية ، وأضيف إلى هذا كله جرعة قوية من الأدب القديم انسجم مع تدريبه في الألعاب الرياضية والشؤون العامة وفنون الحرب وبدأ في سن التاسعة يشهد جلسات الديت، واستقبل السفراء في الثالثة عشرة وفي الخامسة عشرة حكم إحدى المقاطعات، وفي السادسة عشرة اشهجر في القتال. وكان طويل القامة وسيماً دمثاً كريماً رحيماً ذكياً، باسلاً. وماذا يحتاج التاريخ أكثر من هذا في الرجل،يا ترى؟ وكانت له في السويد شعبية عارمة إلى حد حتى أبناء النبلاء الذين أعدمهم شارل التاسع بتهمة الخيانة، وأسرعوا طائعين مختارين إلى خدمته.

ولم تبرز في جوستاف أدولف نزعة آل فاسا إلى المزاج الفردي والعنف ولكنها برزت في حبه للحرب. ولقد ورث عن أبيه حرب الحدثر ضد الدنمرك، فشن الحرب عليها في حماسة بالغة ولكنه أحس بأن هذه الحرب تسلك سبيلاً بعيداً عن الرشاد والسداد، فدفع للدنمرك في 1613 مليون طالير (عملة ألمانية قديمة-10 مليون دولار) لقاء السلام بينهما ولقاء حرية السفن السويدية عبر المضايق ومياه السوند. وفي هذه الفترة من نشاطه كان مهتماً بإبعاد روسيا عن البلطيق، فخط إلى أمه يقول: "إذا أدركت روسيا قوتها في أية لحظة، فإنها لا تستطيع اجتياح فنلندة (وكانت آنذاك جزءاً من السويد) من الجانبين فحسب، بل تستطيع كذلك حشد أسطول في البلطيق، يعرض أرض الأجداد للخطر فأوفد أعظم قواده دهاء-جاكوب دي لاجاري-ليغزوانجريا، وفي 1615 حاصر بنفسه بسكوف. وكانت المقاومة الروسية مرهقة ولكن بالتهديد بالتحالف مع بولندة، استطاع جوستاف حتى يقنع القيصر ميكائيل رومانوف بعقد صلح (1617) يعترف بسيطرة السويد على ليفونيا واستونيا وشمالي غربي انجريا، بما في ذلك لننجراد الحالية. وسدت منافذ البلطيق أمام روسيا. وكان جوستاف يفخر بأن روسيا لا تستطيع تسيير سفينة واحدة في البحر دون إذن من السويد.

ثم ولى وجهه شطر بولندا حيث كان مليكها سجسمند الثالث لا يزال يطالب بعرش السويد. وكانت الكاثوليكية آنذاك منتصرة في بولندة، ومتلهفة على فرصة تسنح للسيطرة على السويد، وفوق ذلك كانت بولندة بما لها من ثغور قوية في دانزج وممل وليبووريغا، منافساً أقوى من روسيا، في السيطرة على البلطيق والتحكم فيه. وفي 1621 قاد جوستاف 158 سفينة و19 ألف جندي لحصار ريفا التي كان يمر بها ثلث صادرات بولندة، وكانت غالبية سكانها من البروتستانت، وقد لا يستاءون من غزوسيد أجنبي لها. فلما استسلمت دون مقاومة، عاملها جوستاف في رفق ولين ليضمن وقوفها إلى جانبه، وفي أثناء الهدنة التي استمرت ثلاث سنوات مع بولندة، استطاع هوحتى يقوي روح جيشه وضبطه ونظامه، وجعل-مثل معاصره كرومويل-من التقى والورع أداة للخلق العسكري. ودرس فن موريس ناسوالعسكري، وتفهم كيف من الممكن أن يمكن كسب المعارك بسرعة الحركة وبالاستراتيجية البعيدة النظر. واستقدم من هولندا خبراء فنيين ليفهموا رجاله تكتيك الحصار واستخدام المدفعية. وفي 1625 عبر البلطيق مرة ثانية واستولى على دوريات، وثبت سيطرة السويد على ليفونيا، وأوصد البلطيق تماماً في وجه لتوانيا. وبعد سنة أخرى أخضعت جيوشه بروسيا الشرقية والغربية، وكانتا خاضعتين للتاج البولندي. ولم تصمد سوى دانزج. وصارت الأنطقيم المفتوحة مقاطعات سويدية، وطرد منها الجزويت، وجعلت اللوثرية الممضى الرسمي. وكانت أوربا البروتستانتية ترنوإلى جوستاف، على أنه منقذها المنتظر من الحرب الكبرى التي كانت تجتاح ألمانيا آنذاك.

وفي أوقات السلم قابل جوستاف مشكلات الإدارة الداخلية بذكاء وحنكة أقل منهما في الحرب. وكان أيام غيابه في المعارك يعهد بحكومة البلاد إلى النبلاء وكان يبيح لهم، ضماناً لولائهم، احتكار المناصب وشراء أراضي التاج الشاسعة لقاء ثمن زهيد. ولكنه عثر فسحة من الوقت لتثبيت نادىئم الموارد المالية وإعادة تنظيم المحاكم والخدمات البريدية والمستشفيات وتحسين أحوال الفقراء. وأسس المدارس المجانية وجامعة دوربات، وأغدق بسخاء على جامعة أبسالا، ونهض بالتعدين وفهم المعادن. ولم يكن نجاحاً يسيراً، من بين ما حققه من نجاح في مجالات مختلفة، حتى السويد توافرت فيها الموارد والخبرات والمهارة لصناعة الأسلحة. وشجع التجارة الأجنبية عن طريق منح الاحتكارات، ومنح شركة البحار الجنوبية السويدية امتيازاً. وروع وزيره أوكسنستيرنا، الذي عهد بهدوئه في لقاءة الأزمات، بطاقة مليكه ونشاطه فنطق: "إن الملك يشرف على المناجم والتجارة، والصناعات والجمارك ويوجهها كما يدير موجه الدفة سفينته" وتوسل إلى جوستاف حتى يخفف من نشاطه، فأجابه الملك بقوله: "لوكنا جميعاً في مثل برودتك لتجمدنا" فرد عليه الوزير بقوله "ولوكنا جميعاً في مثل حرارة جلالتكم لاحترقنا".

وكان الآن لزاماً حتى تندس الحمى المدمرة التي تضطرم بين جنبي الفارس السويدي إلى "حرب الثلاثين"، فقد نطق: "إن جميع حروب أوربا يعلق بعضها ببعض(9)" وكان قد لحظ بقلق بالغ فوزات ولنشتين وتقدم جيوشل هيسبرج في شمال ألمانيا وانهيار مقاومة الدنمرك، وتحالف بولندة مع النمسا، وهما كاثوليكيان، ومن ثم فسرعان ما قد تسعى قوات آل هيسبرج إلى السيطرة على البلطيق. وبذلك قد تصبح تجارة السويد وعقيدتها وحياتها تحت رحمة الإمبراطورية والبابوية. وفي مايو1629 أوفد جوستاف إلى مجلس الديت السويدي تحذير من خطة ولنشتين في حتى يجعل من البلطيق بحيرة يتحكم فيها آل هبسبرج. وأوصى بالهجوم على أنه خير وسيلة للدفاع، وأهاب بالأمة حتى تهب لمساندته وتميل دخوله في معركة فاصلة (هرمجدون-سهلمجدو-العهد الجديد رؤيا يوحنا 16:16-معركة فاصلة بين الخير والشر) تحدد مصير المذاهب اللاهوتية. وكانت السويد مثقلة عملاً بأعباء حملاته، ولكن مجلس الديت والشعب استجاباً لندائه وبمعونة ريشليوأقنع بولندة بعقد هدنة مدتها ست سنوات (سبتمبر 1629). وقضى تسعة شهور في جمع السفن والمؤن والجنود والحلفاء. وفي 30 مايو1630 خطب في الديت خطبة وداع مؤثرة بليغة، وكأنما كان قلبه يحدثه بأنه لن يرى السويد ثاني, وفيما بين 26-28 يونية ألقت سفنه مراسيها على جزيرة على مسافة من شواطئ [پومرانيا] ، وأطلق جوستاف إلى ساحة المجد والموت معاً.

الملكة كريستينا 1632 - 1654

عين جوستاف ، عندما كانت ابنته وريثة عرشه طفلة في الرابعة-واحد من أقدر رجال الدولة والسياسة في هذا العصر الزاخر بالعباقرة. هوالكونت أكسل أوكسنسترنا، وصياً. وقد وصفته كريستينا فيما بعد بقولها: "لقد تفهم وتفهم كثيراً في شبابه، ودأب على الدرس في زحمة العمل. وكانت قدرته ومعهدته بشؤون العالم وأحواله عظيمتين جداً. وعهد مواطن القوة والضعف في جميع دولة في أوربا. وكان طموحاً، ولكنه كان كذلك مخلصاً غير قابل للإفساد أوالرشوة، ومن ناحية أخرى بطئ متوان بارد المزاج لا يبالي، إلى حد كبير"(10). وعهد عن الكونت أنه-صموت، وأما عدم إفصاحه عن شيء، حتى وهويتحدث، فهذا هونصف في الدبلوماسية. وعلى مدى عامين حكم الكونت السديد حكماً صالحاً حين كان الملك جوستاف يخرج للحرب في أماكن بعيدة. ثم، بوصفه وصياً على كريستينا، وجه جيوش السويد في ألمانيا، كما لف دفة الأمور في الداخل، ولم تنعم أية دولة في أوربا طيلة هذه الأعوام الاثني عشر بحكومة أفضل من حكومة السويد. وفي 1643 صاغ ما يعهد "بشكل الحكومة" حدد فيه تشكيل جميع فرع في الإدارة وصلاحياته وواجباته. وهذا هوأقدم نموذج معروف لدستور مسطور.

وفي 1644 أحست كريستينا، وهي الآن في ربيعها الثامن عشر، أنها قادرة على حكم هذه الأمة الشديدة الحساسية النابضة بالحياة، والتي بلغ عدد سكانها المليون ونصف المليون من الأنفس. والحق أنها تحلت بكل قدرات ومواهب رجل ذكي مبكر النضج. ونطقت هي عن نفسها: "خرجت إلى الحياة وكل سلاحي شعري، وكان صوتي قوياً خشناً، مما جعل النساء يفكرن أني صبي، وعبرن عن فرحتهن بهتافات ظللت الملك في أول الأمر(11)". وقابل جوستاف نبأ اكتشاف أنها أنثى في رجولة مهذبة، وأحبها حباً عميقاً حتى بدا أنه راض عن حتى تكون هي وريثة سلطانه وعرشه. على حين حتى أمها ماريا الينورا أوف براندنبرج لم تغفر لها قط كونها أنثى. وربما أسهم استياء الأم في حتى كريستينا صارت أكثر شبهاً بالرجل قدر ما كان يسمح لها جسمها وتكوينها بذلك، فأهملت شخصها عن عمد، واحتقرت التزين، وأقسمت كما يقسم الرجال، وأحبت حتى تتربى بزيهم، واعتادت على ألعابهم، وركبت منفرجة الساقين بأقصى سرعة، واصطادت في تهور واندفاع، وجندلت فريستها من أول طلقة. ولكنها كانت تقول: لم لأقتل مرة حيواناً إلا وأحسست بالشفقة نحوه".

وعلى الرغم من هذا كله، تجلت في كرستينا بعض مفاتن النساء. وفي 1653 خط بيرهيوت الذي أصبح فيما بعد أسقف آفرانش يقول: "وجهها دقيق جميل، وشعرها مضىي وعيناها براقتان...يرتسم التواضع على وجهها، ويبدوعندما تحمر وجنتاها خجلاً لدى سماعها أية لفظة نابية". ونطق قسيس الاعتراف الجزويتي لدى السفير الأسباني: "ولم تكن تطيق فكرة الزواج، لأنها ولدت حرة طليقة، ولسوف تموت حرة طليقة كذلك(14)". ويبدوأنها كانت تحس حتى الاتصال الجنسي ليس بالنسبة للمرأة إلا ضربا من المذلة والهوان. ولا ريب في أنها أدركت-كما أدركت اليزابث ملكة إنجلترا، حتى زوجها لابد حتى يطمع في حتىقد يكون ملكاً. وكانت تعي أخطاءها بضم بالغ الحساسية وتعترف بها في شجاعة وجرأة". كنت قليلة الثقة بالناس، شكاكة طموحة إلى حد الإفراط، حادة الطبع، فخورة مغرورة، مزدرية للناس، هاتىة، لم ارحم أحد، مفطورة على الشك، قليلة التعصب أوالتحمس للدين(15)" ولكنها كانت كريمة إلى حد الإسراف، مخلصة في عملها. ويقول القسيس الجزويتي "كانت لا تنام أكثر من ثلاث أوأربع ساعات، فإذا استيقظت قضت خمس ساعات في القراءة. ولم تشرب قط إلا الماء القراح، ولم تسمع قط تتحدث عن طعامها أهوجيد أم رديء الطهي...وكانت تحضر إلى مجلسها بانتظام...وانتابتها الحمى مرة لمدة ثمانية وعشرين يوماً لم تهمل فيها قط شؤون الدولة...واتصل السفراء بها وتعاملوا معها مباشرةً، فلم يمروا قط يوماً على سكرتير أووزير(16)".

ولم تتطلع إلى تنافس الشبان في ألعابهم ورياضتهم، ورجال البلاط في مجال السياسة فحسب، بل أنها أرادت كذلك حتى تنافس الفهماء في فهمهم، لا في اللغات والآداب وحدها، بل في العلوم والفلسفة أيضاً. وما حتى بلغت الرابعة عشرة حتى كانت قد درست الألمانية والفرنسية الإيطالية والأسبانية وفي الثامنة عشرة درست اللاتينية، وبعد ذلك بقليل اليونانية والعبرية والعربية، وقرأت للشعراء الفرنسيين والإيطاليين وأحبتهم، وحسدت فرنسا على مدينتها التي تفيض حيوية ونشاطاً ومرحاً. وراسلت في لهفة وحماسة، الباحثين، ورجال الفهم والفلسفة في عدة بلاد، وجمعت مخطة ضخمة تضم مخطوطات قديمة نادرة، هرع الطلبة للرجوع إليها والتزود منها من جميع حدب وصوب. وعند وفاتها تأثر الخبراء بذوقها الرفيع الذي تجلى في اقتناء اللوحات والتماثيل والبتر الفنية المزخرفة بالمينا والمنقوشة على الخشب والمعدن، والتحف الأثرية. لقد جمعت الفهماء، كما جمعت روائع الفن. وتاقت إلى رؤية الفهماء والنقاد والمفكرين يحيطون بها، وجذبت إلى بلاطها كلوديوسي سالما سيوسي وايزاز فوسيوسي. وهوجوجروشيوس ونيقولا هنسيوس، وأجزلت لهم العطاء في سخاء, ومن لم يستطع منهم الحضور أوفدوا إليها خطهم مع شكرهم وتقديرهم-مثل سكارون وگي دي بالزاك ومدموازيل دي سكود بري. أما ملتون الوقور فإنه-على حين كان يشن هجوماً عنيفاً على سالما سيوس سالف الذكر-صرح لحكم العالم بأسره، لا أوربا وحدها". وأوفد إليها باسكال آلته الحاسبة مع رسالة بالغة الرقة يهنئها ويمتدحها بأنها متربعة على عرش مملكة العقل والحكم معاً".

وكان غرامها شديداً بالفلسفة ، وراسلت جاسندي، الذي هنأها-كما هنأها مائة غيره، بأنها حققت حلم أفلاطون في وجود ملوك فلاسفة. واتى فيلسوف العصر المشهور، رينيه ديكارت، ورأى، وعجب إذ سمعها تستنتج أفكاره الأثيرة لديه عن أفلاطون. فلما حاول حتى يقنعها بأن جميع الحيوانات آلات، ردت عليه بقولها أنها لم تر قط ساعة يدها تلد ساعات "أطفالاً" أي ساعات صغيرة. ومثل هذا كثير قيما بعد.

ولم تهمل كريستينا المواهب المحلية. فقد كانت السويد متعددة جوانب الثقافة الحقة. فكان جورج ستجر نهلم عالماً لغوياً. متضلعاً في القانون، من رجال العلوم، رياضياً، مؤرخاً، فيلسوفاً، أباً للشعر السويدي ومركزاً للحياة العقلية في هذا العصر. وأعجبت به جوستاف أدولف فحمله إلى مرتبة النبلاء. وعينته كريستينا شاعر البلاط، حتى لحق بأعدائها.

وفتنت بنظريات جون كومنيوس في التربية، فاستقدمته إلى ستوكهلم ليصلح نظم التعليم في السويد. ومثلما عملت إليزابيث بالنسبة لأكسفورد وكمبردج، زارت كريستينا جامعة أبسالا لتشجع بحضورها الأساتذة والطلبة، واستمعت إلى سترنهلم وغيره يحاضرون في النص العبري للتوراة. وشادت كلية في دوريات وأهدتها مخطة، وأسست ست كليات أخرى. وطورت إلى جامعة، الكلية التي كان أبوها قد أسسها في آبو(توركو) في فنلندة. وأوفدت الطلبة للدراسة في الخارج، وبعثت بنفر منهم إلى شبه جزيرة العرب ليدرسوا علوم الشرق. واستقدمت بعض الهولنديين المشتغلين بالطباعة ليؤسسوا دار للنشر في ستوكهلم. وشجعت رجال الفهم السويديين على الكتابة باللغة الوطنية، حتى ينتشر الفهم بين أفراد الشعب. ولا نزاع في أنها كانت من أعظم الحكام المستنيرين في التاريخ.

وهل وهبت هذه الملكة عقلاً خاصاً بها، أم أنها كانت مجرد وعاء لا يميز تتدفق فيه جميع التيارات العقلية والفكرية التي تدور حولها،يا ترى؟ لقد انعقد الإجماع عن أنها فيما يتعلق بالحكومة كانت تتصرف بمحض تفكيرها، وصنعت قراراتها بنفسها، وحكمت سواء بسواء. وسنرى في فصل لاحق كيف من الممكن أن أنها اعترضت على سياسة أوكسنسترنا العسكرية، وكافحت من أجل السلام، وساعدت على إنهاء حرب الثلاثين عاماً. حتى قصاصات مذكراتها فاتنة مفعمة بالحيوية، وليس في الحكم والأمثال التي هجرتها بخط يدها شيء مبتذل، ومثال ذلك:

إن قيمة المرء على قدر ما يستطيع حتى يحب.

ويجدر حتى نخشى الحمقى والبلهاء أكثر مما نخشى الأوغاد.

إنك تسيء إلى الناس إذا لم تخدعهم.

المواهب الخارقة جريمة لا تغتفر.

هناك نجم يوحد بين الناس من الطراز الأول، رغم حتى العصور والمسافات تفرق بينهم.

أن الزواج ليحتاج إلى شجاعة أكثر مما بحاجة الحرب.

إن المرء ليرتفع فوق جميع شيء إذا لم يخشى شيئاً، ولم يحسب لأي شيء حساباً.

إن الذي يغضب من الدنيا أشبه بمن تفهم جميع ما تفهم دون هدف أوغاية.

إن الفلسفة لا تغير الناس ولا تصلحهم.

وأخيراً، وبعد اختيار عدد من الفلسفات، وربما بعد حتى امتنعت عن حتى تكون مسيحية، أصبحت كريستينا كاثوليكية أنها متهمة بأنها رضعت لبان الإلحاد والكفر من طبيبها بورديلوت(24). ومضى مؤرخ سويدي-وكرر فولتير قوله-إلى حتى تحولها إلى الكثلكة كان تمثيلية هزلية مقصودة، وبناء على هذه النظرية، تكون كريستينا قد انتهت إلى النتيجة التي تقول بأنها ما دامت الحقيقة شيئاً لا يمكن معهدته أوالوصول أليه، فللمرء حتى يختار الديانة التي تستهوي قلبه وتتفق مع فكرة الجمال أكثر من غيرها(26)، وتوفر أكبر فد من الطمأنينة للناس. ولكن الارتداد إلى الكاثوليكية رد عمل صادق مخلص بعد التشكك المفرط، فقد يحفر التصوف جذوره في أعماق الشك. لقد كان في كريستينا عناصر صوفية خفية، فكل مذكراتها موجهة إلى الله في إخلاص بالغ. إذا الإيمان ثوب واق. وإن التجرد الكامل منه ليهجر الإنسان في حالة عرى فكري يتطلع إلى الكساء والدفء. وأي ثوب أدفأ من كاثوليكية فرنسا وإيطاليا الحسية النابضة بالحياة،يا ترى؟ وتساءلت الملكة: "كيفقد يكون المرء مسيحياً دون حتىقد يكون كاثوليكياً؟"

وفكرت كرستينا ملياً في هذه المسألة وفي المضاعفات التي ينطوي عليها ارتدادها فإنها إذا هجرت اللوثرية، فلابد لها، بمقتضى قوانين مملكتها ووالدها الحبيب-أن تتخلى عن عرشها، وأن تغادر بلادها كذلك. وأية نكسة مروعةقد يكون هذا التحول في العقيدة لدفاع والدها البطولي عن أوربا البروتستانتية، ولكنها ضاقت ذرعاً ولاقت نصباً من واجباتها الرسمية ومن خطب الوعاظ والمستشارين الرنانة، ومن الثالوث المتحذلق من الفهماء والأثريين والمؤرخين. وربما تعبت منها السويد وضاقت بها ذرعاً كذلك. وقد أفقرها وهبط بمواردها تخليها من أراضي التاج وهداياها وهباتها السخية لذوي الحظوة لديها والقريبين منها. وتكتلت أغلبية النبلاء ضد سياستها. وفي 1651 كان ثمة هبة توشك حتى تكون ثورة. ولكن زعماءها أعدموا على عجل. ولكنها خلقت وراءها امتعاضاً شديداً، ولكن انتابها السقم آخر الأمر، لقد أضرت هي بصحتها. وربما كان السبب في ذلك كثرة العمل والدرس.

وكم من مرة أصابتها الحميات الخطيرة، مصحوبة بأعراض التهاب الرئتين. وكم من مرة غشيتها إغماءة، وظلت فاقدة الوعي لمدة ساعة. واشتد عليها السقم في 1648 فنطقت أنها "أقسمت حتى تتخلى عن جميع شيء وتصبح كاثوليكية إذا برئت من سقامها وحفظ الله لها حياتها". إنها كانت ابنة البحر المتوسط فارتعدت فرائضها من برد الشمال القاسي في الشتاء، وتاقت نفسها إلى سماء إيطاليا ومنتديات فرنسا. فكمقد يكون جميلاً حتى تلحق بالنساء المثقفات اللائى بدأن مهمتهن الفذة في رعاية الحياة الفكرية والعقلية في فرنسا، إذا استطاعت حتى تحمل معها ثروة كافية!!

وفي 1652 بعثت سراً إلى روما بأحد الملحقين في سفارة البرتغال ليطلب قدوم بعض الجزويت ليناقشوا معها اللاهوت الكاثوليكي، فاتىوا متنكرين. ولكن فت في عضدهم وثبط من همتهم بعض الأسئلة التي وجهتها إليهم-هل يوجد إله حقاً، هل تظل الروح بعد فناء الجسم، وهل ثمة تمييز بين الصواب والخطأ إلا عن طريق المنفعة. فلما أوشكوا على الرحيل-يأسا-هدأت من روعهم بقولها "ماذا ترون لوأني كنت أقرب إلى حتى أصبح كاثوليكية مما تظنون؟" ونطق أحد الجزويت تعقيباً على ذلك "فلما سمعنا هذا أحسسنا بأننا بعثنا من مرقدنا".

وكان اعتناق الكثلكة قبل التخلي عن العرش أمراً محظوراً قانوناً. ولكنها رغبت قبل التخلي عن العرش، في الحفاظ على الطابع الوراثي للملكية السويدية، عن طريق إقناع الديت بالتصديق على اعتبارها لأبن عمها شارل جوستاف. خلفاً لها. ولكن طول المفاوضات أجل نزولها عن العرش حتىستة يونية 1654. وكان الاحتفال الأخير مؤثراً قدر ما كان تخلي شارل الخامس عن العرش مؤثراً قبل ذلك بتسعين عاماً. فإنها نزعت التاج عن رأسها، وطرحت جميع الشارات الملكية، وخلعت العباءة الملكية، ووقفت أمام الديت في ثوب سهل من الحرير الأبيض، وودعت بلدها وشعبها بخطاب فجر بالدموع عيون النبلاء العجائز الرابطي الجأش، وممثلي المدن القليلي الكلام ووفر لها المجلس الموارد للمستقبل. وأباح لها الاحتفاظ بحقوقها الملكية على حاشيتها.

وغادرت ستوكهلم عن الغسق، بعد خمسة أيام من تخليها عن العرش. وتوقفت في نبكوبنج لزيارة أخيرة لأمها. ثم مضت في طريقها، ولما لم تذق طعم النوم لمدة يومين، فإنها سقمت بذات الجنب، فلما برئت تابعت المسير إلى هامستاد. وهناك خطت إلى جاسندي، بأنها تمنحه معاشاً وتبعث إليه بسلسلة مضىية. وفي اللحظة الأخيرة تلقت عرضاً بالزواج من الملك شارل العاشر الذي توج حديثاً، فرفضت في عطف وكياسة وتنكرت في زي رجل تحت اسم كونت دونا، وركبت البحر إلى الدنمرك، دون حتى تدري أنها لمدة خمس وثلاثين سنة أخرى ستلعب دوراً في التاريخ.

السويد المغامرة 1648-1700

إن التاريخ شظية من البيولوجيا-إنه اللحظة البشرية في موكب الأنواع. وهوأيضاً وليد الجغرافيا-لأنه عمل الأرض والبحر والهواء، وأشكالها ونتاجها، وتأثيرها في رغبة الإنسان ومصيره. فلنتأمل هنا أيضاً تلك اللقاءة بين الدول المحيطة بالبلطيق في القرن السابع عشر. فالسويد في شماله، واستونيا وليفونيا ولتوانيا في شرقه، ومن خلفها روسيا الباردة الجائعة، وفي جنوبه بروسيا الشرقية وبولنده وبروسيا الغربية وألمانيا، وفي غربه الدنمرك بمسقطها الاستراتيجي على منافذ البلطيق الضيقة إلى بحر الشمال والأطلنطي. لقد كان هذا سجناً جغرافياً سيصطرع نزلاؤه على السيطرة على تلك المياه والمضايق، والشواطئ والثغور، ومسالك التجارة ودروب الهرب براً أوبحراً. هنا خلقت الجغرافيا التاريخ.

أما الدنمرك فقد لعبت الآن دوراً صغيراً في مسرحية البلطيق. ذلك حتى نبلاءها الذين احتكروا الحرية لأنفسهم غلوا أيدي ملوكها وأرجلهم. وكانت قد نزلت عن سيطرتها على مضايق الاسكاجراك والكاتيجات (1645) وبقيت النرويج خاضعة لها، ولكنها في 1660 فقدت أنطقيم السويد الجنوبية. وشعر فردريك الثالث (1648-70) بحاجته إلى سلطة ممركزة تتصدى للتحديات الخارجية، فأرغم النبلاء على حتى ينزلوا له عن السلطة المطلقة والوراثية، مستعيناً على ذلك برجال الدين والطبقات الوسطى. وقد عثر ابنه كرستيان الخامس (1670-99) معيناً له في بيدر شوماخر، كونت جريفنفلد، الذي ظفر بثناء لويس الرابع عشر عليه وزيراً من أكفأ الوزراء في عصر الدبلوماسية المضىي ذاك. أصلح مالية الدولة، ودفع التجارة والصناعة قدماً، وأعاد تنظيم الجيش والبحرية. واستن الكونت سياسة السلم، ولكن الملك الجديد كان تواقاً لاستعادة القوة والأنطقيم التي كانت الدنمرك تملكها فيما مضي. ومن ثم ففي 1675 جدّد الحرب القديمة مع السويد، ولكنه هزم، وثبّتت من حديث سيادة السويد على اسكندناوة.

وقد تعاقب على عرش السويد في تلك الحقبة طائفة ممتازة من الملوك الأشداء، وظلوا نصف قرن أعجوبة زمانهم لا ينافسهم في ذلك منافس غير لويس الرابع عشر. ولوأتيح لهم سند أكبر من الموارد لبلغوا ببلدهم من القوة والمنعة مبلغ فرنسا، ولاستطاع الشعب السويدي-بوحي من منجزات الجوستافين، والكارلين الثلاثة، ووزرائهم العظام-أن يموّل ازدهاراً ثقافياً يتناسب مع فوزاتهم وتطلعاتهم. غير حتى الحروب التي عززت قوتهم استنزفت ثروتهم، فخرجت السويد من ذلك العهد مستنزفة القوى وإن تكللت بأمجاد البطولة. وإنه لما يثير الدهشة حتى تحقق أمة من الأمم هذا القدر الكبير من المنجزات في الخارج على ما بها من ضعف شديد. فسكانها لم يجاوزوا مليوناً ونصفاً، ينقسمون طبقات لم تتفهم إلى ذلك الحين حتى يعيش بعضها مع البعض في سلام. وكان النبلاء يتسلطون على الملك، ويقررون لأنفسهم شراء أراضي من أملاك التاج بشروط ميسرة، والصناعة مقيدة محددة بحاجات الحرب تحديداً أعجزها عن تغذية التجارة التي أطلقت الحرب عنطقها، وكانت الأملاك الخارجية عبئاً لا تبرره غير العزة القومية. إذا حنكة الوزراء المخلصين وحدها هي التي دفعت عن البلاد خطر الإفلاس الذي بدا أنه ثمن المجد.

كن شارل العاشر جوستافس ابن عم كرستينا الرهيبة، ورفيق لعبها وعشاقها، وخلفها بعد حتى نزلت له عن العرش في 1654. وقد درأ خطر الإفلاس بإكراه النبلاء على رد بعض الضياع الملكية التي سطوا عليها. واستطاعت الدولة بفضل هذا "الاختزال" لأملاك الإقطاعيين حتى تسترد ثلاثة آلاف مسكن بأراضيها وتستعيد قدرتها على الوفاء بديونها. ورغبة في استكمال النقص في العملة الفضية والمضىية، عهد شارل إلى يوهان بالمستروبإنشاء مصرف قومي وإصدار نقود ورقية (1656)-وهي أول ما صدر منها في أوربا. وقد حفز ازدياد تداول العملة الورقية الاقتصاد حيناً، ولكن المصرف أصدر منها فوق ما يستطيع الوفاء بع نقداً عند الطلب، فأوقفت التجربة. ونقل الملك المقدام أثناء ذلك صناعة الحديد والصلب التي اختصت بها ريجا إلى السويد، فأرسي بذلك أسس قاعدة صناعية أقوى تستند إليها سياسته العسكرية.

أما هدفه الذي جاهر به فكان توسيع رقعة ملكه. فالإمارات التي كسبها جوستافس أدولفس على أرض القارة تهدد بالثورة، والحكومة البولندية تأبى حتى تعترف بشارل العاشر ملكاً على السويد، ولكن بولنده أضعفها تمرد القوزاق، وقد خفت الروسيا لنجدة القوزاق، وكان الأمل ولا ريب يراودها في شق طريق لها إلى البلطيق. ثم حتى للسويد جيشاً حسن التدريب خافت حتى تسرحه، وخير سبيل إلى إعاشته حتى يخوض حرباً ظافرة. ورأى شارل في هذه الظروف كلها ما يزكي الهجوم على بولندة. وعارض الفلاحون ورجال الدين، فاسترضاهم بالزعم بأن مشروعه ليس إلا حرباً مقدسة لحماية حركة الإصلاح البروتستنتي وتوسيع نطاقها (1655)(1).

ولكن تبين حتى بولندة بلد يسهل غزوه، ويصعب إخضاعه، كانت مقاومتها في الغرب ضعيفة لما حاق بها في الشرق من خلل وما عانته من غارات العدو. ودخل شارل وارسو، وهدأ النبلاء البولنديين بوعده حتى يبقى على امتيازاتهم الموروثة، وتلقى ولاء البروتستنت البولنديين، وعرض اللتوانيون حتى يعترفوا بسيادته. ولما حاول فردريك وليم، ناخب براندنبورگ الأكبر الإفادة من انهيار بولندة بالاستيلاء على پروسيا الغربية (وكانت يومها إقطاعية بولندية)، سيّر شارل جيشه غرباً بسرعة نابليونية وحاصر الناخب في عاصمته، وأرغمه على توقيع معاهدة كونگزبرگ (يناير 1956). وأعرب الناخب ولاءه لشارل فيما يتصل بپروسيا الشرقية باعتبارها اقطاعة سويدية، ووافق على حتى يؤدي للسويد نصف رسوم تلك الولاية وضرائبها، ووعد بأن يمد الجيش السوري بألف وخمسمائة مقاتل.

غير حتى الخصومة الدينية التي أثارها شارل هزمته. ذلك حتى البابا إسكندر السابع والإمبراطور فرديناند الثالث سخرا جميع ما يملكان من نفوذ ليؤلفا حلفاً ضد السويد، لا بل إذا الدنماركيين والهولنديين البروتستانت انضموا إلى الحلفاء في تصميمهم على كبح جماح الفاتح الشاب مخافة حتى يعدوبعد ذلك على ممتلكاتهم أوتجارتهم. فهرع قافلاً إلى بولندة، وهزم قوة بولندية جديدة، واحتل وارسومن حديث (يوليو1656). غير حتى بولندة امتشقت الآن الحسام لقتاله بعد حتى ثارت حماستها الدينية، وألفى شارل نفسه-وهوبلا صديق رغم فوزه-وقد أحدق به الأعداء من جميع حدب. وهجره ناخب براندنبورج وتعهد بتقديم العون لبولندة. أما شارل-الذي كان خبيراً بكسب المعارك فقط لا بدعم فتوحه بصلح عملي-فقد اكتسح البلاد غرباً في هجوم على الدنمرك، وعبر الكاتيجات فوق ثلاثة عشر ميلاً من الجليد (يناير 1657)، وهزم الدنمركيين، وأكره فردريك الثالث على توقيع صلح روسكيلدي (27 فبراير). وانسحبت الدنمارك كلية من شبه الجزيرة السويدية، ووافقت على حتى تغلق مضيق الساوند في وجه أعداء السويد. فلما تباطأ الدنمركيون في تطبيق هذه الشروط استأنف شارل الحرب، وحاصر كوبنهاجن. وعقد العزم الآن على خلع فردريك الثالث، وتوحيد الدنمرك والسويد والنرويج من حديث تحت تاج واحد.

ولكن القوة البحرية هزمته، ذلك حتى إنجلترا والأنطقيم المتحدة، وهما أعظم أمم العصر آنذاك، اتفقتا الآن-رغم ما بينهما عادة من عداء-على ألا تقبض أي دولة من الدول على مفتاح البلطيق بالهيمنة على الساوند بين الدنمرك والسويد. ففي أكتوبر اقتحمت قوة هولندية الساوند، وحملت الحصار عن كوبنهاجن، وساقت أمامها الأسطول السويدي الصغير إلى ثغوره في أرض الوطن. وأقسم شارل حتى يقاتل إلى النهاية. ولكن الشدائد التي عاناها في حملاته كانت قد عملت فيه عملها، فبينما كان يخطب الدايت السويدي في گوتبورگ أخذته الحمى. وما لبثت حتى قضي نحبه في ربيع حياته (13 فبراير 1660).

وكان ابنه شارل الحادي عشر (1600-97) لا يزال في الخامسة، فاضطلع بالحكم مجلس وصاية أنهى الحرب بصلح أوليفا ومعاهدة كوبنهاجن (مايو، يونيو1660). ونزلت الملكية البولندية عن دعواها في تاج السويد، وثبتت تبعية ليڤونيا للسويد، ونالت براندنبورج الحق الكامل في پروسيا الشرقية، واحتفظت السويد بمقاطعاتها الجنوبية (سكانيا) وأنطقيمها على أرض القارة (بريمن، وفيردن، وپومرانيا)، ولكنها انضمت إلى الدنمارك في ضمان حق السفن الأجنبية في دخول البلطيق. وبعد عام سقطت السويد وبولنده في كارديس صلحاً فاتراً مع قيصر الروس. واستمر الصراع على البلطيق خمسة عشر عاماً بوسائل أخرى غير الحرب.

كانت هذه المعاهدات نصراً لا يستهان به للسويد، ولكن البلاد أشرفت مرة أخرى على الإفلاس. وكافح عضوان من مجلس الوصاية هما گوستاڤ بوندي وپر براهه الأصغر Per Brahe the Younger للحد من النفقات الحكومية، ولكن المستشار ماگنس دي لاگاردي Magnus Gabriel De la Gardie أضاف إلى الديون القديمة ديوناً جديدة، وأتاح للنبلاء ولأصدقائه ولنفسه جني المنافع على حساب الخزانة، وفي سبيل تلقي المعونة المالية ربط السويد بحلف مع فرنسا (1672) قبل حتى ينقص لويس الرابع عشر على الأنطقيم المتحدة، حليفة السويد، بأيام معدودات فقط. وما لبثت السويد حتى وجدت نفسها تخوض حرباً ضد الدنمارك، وبراندنبورج، وهولندة. وهزمت على يد الناخب الأكبر في فيربيللن (18 يونيو1675)، واجتاح أعداؤها أنطقيمها القارية، وغزا جيش دنمركي "سكاني" من حديث ونكبت البحرية السويدية بكارثة تجاه أولاند "1 يونيو1676).

وأنقذ السويد ملكها الشاب كارل الحادي عشر، الذي اضطلع الآن بزمام الأمر، وذلك بسلسلة من الحملات ألهمت فيها بسالته الشخصية جنوده، فدحروا الدنماركيين في لوند ولاندسكرونا. وبفضل هذين الفوزين وتأييد لويس الرابع عشر استردت السويد جميع ما فقدته. وتعاون بطل حديث من أبطال الدبلوماسية السويدية، هوالكونت يوهان گيلن‌شتييرنا Johan Göransson Gyllenstierna، مع الكونت گريفن‌فلد Peder Griffenfeld -لا في الترتيب لصلح بين السويد والدنمارك فحسب، بل في إبرام حلف عسكري وتجاري بينهما. واتفقت الدولتان على عملة مشهجرة، وكانت الوحدة الإسكندناوية كلها قاب قوسين أوأدنى حين بتر هذا التطور موت جيلنشتييرنا وهوفي الخامسة والأربعين (1680). وحافظت الأمتان على السلام عشرين عاماً.

وكان جيلنشتييرنا قد فهم الملك الشاب حتى السويد لا تستطيع الإبقاء على مكانتها بين الدول العظيمة إذا مضي نبلاؤها في التهام أراضي التاج، وهوأمر يهوي بالملكية إلى ذل الفقر وبالدولة إلى درك العجز. وفي 1682 اتخذ شارل الحادي عشر خطوة حاسمة. فاستأنف بتأييد رجال الدين والفلاحين وأهل المدن، في تدقيق وشمول يحفزهما السخط "اختزال" أراضي النبلاء، أي استرداد ما فقدته الملكية من ضياعها. ثم حقق في فساد الموظفين وعاقبه، وبلغت إيرادات الدولة النقطة التي أتاحت للسويد القدرة من حديث على الاحتفاظ بممتلكاتها والاضطلاع بتبعاتها. ولم يكن شارل الحادي عشر بالملك المحبب جداً إلى شعبه، ولكنه كان ملكاً عظيماً. فلقد آثر فوزات السلام الأقل ضجيجاً على فوزات الحرب، وذلك رغم ما خلف في الحرب من سجل يحسده عليه الكثيرون. وقد وطد حكم الملكية المطلق، ولكن هذا النظام كان يومها البديل لإقطاعية رجعية فوضوية.

وفي هدوء هذه الهدنة الصافية ازدهرت علوم السويد وآدابها وفنونها. وبلغت العمارة السويدية أوجهاً في القصر الملكي الفخم الضخم باستوكهولم، الذي صممه (1693-97) نيقوديموس تيسين. وكان لارس يوهانسون للسويد بمثابة ليوباردي (الإيطالي) ومارلو(الإنجليزي) مجتمعين، فهويتغنى غناءً شجياً بكراهية الإنسان، ويلقى حتفه بطعنات السلاح في شجار بحانة قضي عليه وهوبعد في السادسة والثلاثين. وقد ألف گونودال‌شتييرنا Gunno Dahlstierna ملحمة شعرية ببحر دانتي سماها Kunga Skald (1697) إشادة بمآثر شارل الحادي عشر. ومات الملك في تلك السنة، بعد حتى أنقذ وعمر بلداً كان يدمره من بعده ابنه الأشهر منه.

وكان هذا الابن، كارل الثاني عشر، قد بلغ الخامسة عشرة. ولما كانت خريطة أوربا يعاد رسمها آنئذ بالدم والحديد، فقد دُرّب أولاً وقبل جميع شيء على فنون القتال. فهيأته ألعابه كلها للأعمال العسكرية، وتفهم الرياضيات فرعاً من العلوم الحربية، وقرأ من اللاتينية ما يكفيه لأن يستوحي من سيرة الإسكندر التي خطها كونتوس كورتيوس طموح التفوق في السلاح إذا لم يكن الطموح لغزوالعالم. وإذ كان فارع القامة وسيماً، قوياً، لا يثقل بدنه درهم زائد من لحم وشحم، فقد استمتع بحياة الجندي، وتجلد لما فيها من حرمان، وهزأ بالخطر والموت، وتطلب هذه الصلابة عينها في جنده. ولم يأبه كثيراً بالنساء، فلم يتزوج قط وإن خطبت وده الكثيرات. وكان يصيد الدببة وسلاحه شوكة خشبية ثقيلة لا أكثر، ويركب خيله بسرعة طائشة، ويسبح في مياه تغطي الثلوج نصفها، ويلتذ المعارك الزائفة التي كاد هووأصدقاؤه يلقون حتفهم فيها غير مرة. وقد رافقت بسالته العنيدة وحيويته البدنية بعض فضائل الخلق والعقل: صراحة تزدري ألاعيب الدبلوماسية، وإحساس بالشرف تشوبه لحظات شاذة من القسوة الوحشية، وعقل يلتقط لب الأمور لتوّه، ولا يطيق المداخل الملتوية في التفكير أوالتدبير، وكبرياء صموت لم يغب عنها قط محتده الملكي ولم تعترف قط بالهزيمة. وآية ذلك أنه في حفلة تتويجه توج نفسه بيده على طريقة نابليون، ولم يبتر لنفسه يميناً تحدّ من سلطته، فلما تشكك أحد رجال الدين في صواب خلع السلطة المطلقة على فتى لم يتجاوز الخامسة عشرة، حكم عليه شارل أولاً بالإعدام، ثم خفف الحكم إلى السجن المؤبد.

كانت السويد يوم ارتقى عرشها دولة قارية كبرى، تحكم فنلندة، واينجريا، وإستونيا، وليفونيا، وبومرانيا، وبريمن، وكانت تهيمن على البلطيق وتقوم سداً حائلاً بين روسيا وبين ذلك البحر. ورأت روسيا، وبولنده، وبراندنبورج، والدنمارك، في حداثة سن ملك السويد فرصة لمد حدودها دعماً لتجارتها ومواردها. وكان "العامل الهدّام" في هذا الحل الجغرافي فارساً ليفونياً يدعى يوهان پاتكول Johann Patkul، انخرط في سلك الجيش السويدي بوصفه من رعايا السويد، وارتقى إلى رتبة النقيب. وفي 1689 و1629 احتج بشده على "اختزال" كارل الحادي عشر لضياع النبلاء في ليفونيا، فاتهم بالخيانة، وفر غلى بولندة، ثم التمس من شارل الثاني عشر حتى يعفوعنه فرفض، وفي 1689 اقترح على أوغسطس الثاني ملك بولندة وسكسونيا تأليف حلف ضد السويد من بولنده، وسكسونيا، وبراندنبورج، والدنمرك، وروسيا. ورأى أوغسطس حتى الخطة اتىت في أوانها، فاتخذ المستوى الأولى بالدخول في حلف مع ملك الدنمرك فردريك الرابع (25 سبتمبر 1699). ومضى باتكول إلى موسكو. وفي نوفمبر سقط بطرس الأكبر مع مبعوثي سكسونيا والدنمرك اتفاقاً لتقطيع أوصال السويد.

السويد 1718 - 1771

كانت حياة شارل الثاني عشر المثيرة مأساة للسويد. ذلك حتى مراميه لم تسترشد بموارد وطنه بل بظمئه للمجد. وقد احتمله الشعب السويدي بشجاعة وهويأتي على قوتهم البشرية وثروتهم، ولكنهم كانوا يدركون قبل موته بزمان حتى مصيره الفشل المحقق. فقد نزلت السويد بمقتضى معاهدات ستوكهولم (1718-20) عن دزقيتي بريمن وفرمن لهانوفر، وعن الجزء الأكبر من بومرانيا لبروسيا. وبمقتضى صلح نيستاد (1721) نزلت عن ليفونيا واستونيا وامجرمانلاند وكاريليا الشرقية لروسيا. وقضى على سلطة السويد على أرض القارة، وأكرهت على التقهقر إلى شبه جزيرة غنية بالمعادن وصلابة الخلق القومي، متطلبة الجهد الشاق والمهارة المثابرة ثمناً للحياة.

وقد أضعفت خزيمة شارل شوكة الملكية، وأتاحت للنبلاء حتى يستردوا سيطرتهم على الحكومة. فمنح دستور 1720 السلطة الغالبة لمجلس نيابي أو"دايت" مؤلف من أربع "طبقات" أومجالس. مجلس نبلاء "ريدارهوس" قوامه رؤساء الأسر النبيلة كلها؛ ومجلس قساوسة-من الأساقفة مضافاً إليهم نحوخمسين مندوباً ينتخبهم اكليروس الأبرشيات من بينهم؛ ومجلس سكان المدن، من نحوتسعين مندوباً يمثلون الموظفين الإداريين وأقطاب رجال الأعمال في المدن؛ ومجلس فلاحين، من مائة مندوب تقريباً يختارون بواسطة المزارعين من ملاك الأرض الأحرار ومن بينهم. وكانت جميع طبقة تجلس منفصلة عن غيرها، ولا يمكن حتى يصبح أي مشروع قانوناً ما لم توافق عليه ثلاث طبقات؛ ولم يكن لطبقة الفلاحين في حقيقة الأمر قوة تشريعية إلا بموافقة طبقتين أخريين. وخلال اجتماعات المجلس النيابي كانت "لجنة سرية" من خمسين نبيلاً، وخمسة وعشرين قسيساً، وخمسة وعشرين نائباً عن المدن تحضر مشروعات القوانين جميعها، وتختار الوزراء، وتهيمن على السياسة الخارجية. وقد أعفى النبلاء من الضرائب، واحتكروا حق شغل مناصب الدولة العليا(38). فإذا لم يكن المجلس منعقداً سير دفة الحكم "راد" (مجلس) من ستة عشر أوأربعة وعشرين رجلاً يختارهم المجلس النيابي ويسألون أمامه. وكان الملك يرأس هذا المجلس وله صوتان، وفيما عدا هذا لم يكن له سلطة التشريع. وتضافرت روسيا وبروسيا والدنمرك لتأييد هذا الدستور لأنه يحبذ سياسة السلام ويكبح النزعات الحربية للملوك الأقوياء.

ولم تعد الملكية وراثية بل أصبحت انتخابية. وبعد موت شارل الثاني عشر (30 نوفمبر 1718) كان مآل العرش بالوراثة إلى كارل فريدريش دوق هولشتين جوتورب، وهوابن لأخت شارل الكبرى؛ ولكن الجلس النيابي المنعقد في يناير 1719 لأول مرة في عشرين سنة، منح التاج لأولريكا اليانورا وهي أخت لشارل، بعد حتى وافقت على التخلي عن سياسة الاستبداد الملكي التي مارسها أخوها. ولكن حتى مع هذه الموفقة تبين أنها عسيرة القياد، وفي 1720 أقنعت بالنزول عن العرش لزوجها الحاكم فردريك الأول أمير هسي-كاسل الذي أصبح الآن فردريكاً الأول ملك السويد. وبفضل الإرشاد الحكيم الذي بذله الكونت آرفيد برنهارد هورن-وكان مستشاراً للدولة-أتيح للسويد ثمانية عشر عاماً من السلام لترأ فيها من جراح الحرب.

غير حتى الأباة من السويديين سخروا من سياسته السلمية ولقبوا أشياعه "الطواقي" وهم يعنون بهذا اللقب أنهم خرفون نيام بينما تتراجع السويد إلى المؤخرة في ركب الدول. وقام ضد هؤلاء حزب "القبعات" الذي كونه الكونت كارل جيلنبورج.، وكارل تسين، وغيرهما. وتسلط هذا الحزب على المجلس النيابي في 1738، وحل جيلنبورج محل هورن. وإذ كان مصمماً على إعادة السويد إلى سابق مكانها بين الدول، فإنه جدد التحالف المتقادم مع فرنسا التي أوفدت معوناتها المالية للسويد لقاء معارضتها لمطامع روسيا؛ وفي 1741 أعربت الحكومة الحرب على روسيا، أملاً في استرداد أنطقيم البلطيق التي استولى عليها بطرس الأكبر، ولكن لا الجيش ولا البحرية كانا معدين الإعداد الكافي، وقد أعجز السقم رجال البحرية، وسلم الجيش فنلنده كلها أمام الزحف الروسي. على حتى القيصرة اليزابث، الحريصة على كسب تأييد السويد، وافقت على رد معظم فنلنده إذا عين ابن عمها ادولفس فردريك أمير هولشتين-جوتورب للعرش السويدي. وبهذه الشروط أنهى صلح آبوالحرب (1743). فلما توفي فردريك الأول (1751) ارتقى ادولفس فردريك العرش.

ولم يمض وقت طويل حتى فهمه مجلس الطبقات أنه ملك بالاسم لا بالعمل. فقد نازعه حقه في تعيين النبلاء الجديد، أواختيار أعضاء بلاطه، وهدد بالاستغناء عن توقيعه أنه اعترض على التوقيع على قوانين أووثائق معينة. وكان الملك رجلاً لين العريكة، ولكن كان له زوجة متكبرة آمرة هي لويزة أولريكا أخت فردريك الأكبر. وحاول الملك والملكة الثورة على سلطة المجلس. ولكن الثورة أخفقت، وعذب عملاؤها وبترت رءوسهم أما الملك فعفى عنه لأن الشعب كان يحبه. وأما لويزة فعزت نفسها بحب الأدب وبرزت في مضاره. وقد صادقت لينايوس وجمعت من حولها لفيفاً من الشعراء والفنانين نشرت خلالهم أفكار التنوير الفرنسي. وعين المجلس النيابي مفهماً جديداً لابنها ذي الأعوام العشرة، وأصدر إليه تعليمات بأنه يحيط ملك المستقبل جوستافس الثالث بأن الملوك في الدول الحرة لا يحتفظون بعروشهم إلا إذا جاز لهم بشروط، وأنهم إنما تخلع عليهم الأبهة والجلال "لتشريف المملكة لا لأجل الشخص الذي يتفق حتى يشغل المكان الأول في الموكب "وأنه" بما حتى بريق البلاط ووهجه "قد يضللهم بأوهام العظمة، فإنهم يحسنون صنعاً حتى هم تفقدوا أكواخ الفلاحين بين الحين والحين، ورأوا الفقر الذي يدفع تكاليف الأبهة الملكية"(39).

وفي 12 فبراير 1771 توفي أدولفس فردريك ونادى المجلس جوستافس الثالث ليأتي من باريس ويتمثل لمراسم الملكية.

السويد في عصر نابليون

كان من الممكن حتى ترحب السويد بالثورة الفرنسية على الأقل في مراحلها الأولى، لأنه خلال حركة التنوير السويدية في القرن الثامن عشر كان الفكر السويدي منسجماً مع الفكر الفرنسي، وكان الملك السويدي نفسه - گوستاڤ الثالث Gustavus III (حكم من 1771 إلى 1792) أحد أبناء التنوير الفرنسي وكان معجبا بڤولتير. لكن الملك جوستاف لم يكن يحترم الديمقراطية وإنما كان يرى في الملكية القوية الطريق الوحيد لحكم قوي تقبض على زمامه أرستقراطية ملاك الأراضي الحريصة حرصا شديدا على امتيازاتها التقليدية. لقد نظر إلى مجلس طبقات الأمة (مايو1789) كاجتماع مرتبط بملاك الأراضي والعقارات وعندما تطور الصراع بين هذا المجلس ولويس السادس عشر شعر بتهديد قوي لكل الملوك وليس للويس السادس عشر وحده فعرض وهوالليبرالي المتنور حتىقد يكون على رأس تحالف ضد الثورة الفرنسية، وبينما كان منشغلا بوضع الخطط لإنقاذ لويس السادس عشر دبر بعض النبلاء السويديين مؤامرة لاغتياله. وفي 16 مارس 1792، تم إطلاق النار عليه، ومات في 26 مارس وعمت الفوضى السياسية في السويد حتى سنة 1801.

وكان حكم جوستاف الرابع (1792- 1809) حكما تعساً. لقد انضم للتحالف الثالث ضد فرنسا (1805) مما منح نابليون مبررا للاستيلاء على پومرانيا Pomerania وسترالسوند Stralsund - وهي آخر الممتلكات السويدية على البر الأوروبي اللقاء لها. وفي سنة 8081 عبر جيش روسي خليج بوثنيا Bothnia على الجليد وهدد ستوكهولم فاضطرت السويد إلى التخلي عن فنلندا لقاء السلام، وعزل الريكسداگ Riksdag، گوستاڤ الرابع وأعاد سلطان الأرستقراطية واختار عم الملك المعزول، وكان في الواحدة والستين من عمره سهلا طيعا. إنه شارل الثالث عشر Cherlex Xlll (حكم من 1809 - 1818)، ولأنه لم ينجب فكان لابد من اختيار وريث لعرشه، فطلب الريكسداج Riksdag من نابليون حتى يسمح لأحد أبرز مارشالاته وهوجان-باتيست برنادوت Jean - Baptiste Bernadotte بقبول ولاية العهد. ووافق نابليون، من الممكن أملاً في حتىقد يكون لزوجة برنادوت التي كانت ذات مرة خطيبة نابليون وكانت أخت جوزيف بونابرت - نفوذ في السويد. وعلى هذا أصبح برنادوت في سنة 1810 هوولي عهد السويد وأصبح اسمه شارل جون Charles John.

وفي ظل حكومة هذا تكوينها واصل العقل السويدي جهوده في مضمار التعليم والفهم والأدب والفن، فكانت جامعات اوپسالا Uppsala وأبوAbo ولوند Lund من بين أفضل الجامعات في أوربا. وكان يونس ياكوب برزليوس Jons Jakob Berzelius (1779- 1848) أحد مؤسس الكيمياء المعاصرة. إذ استطاع بدراسته المتأنية الدقيقة لنحوألفي مركب حتى يصل إلى قائمة بالأوزان الذرية أكثر دقة بكثير من قائمة دالتون Dalton ولا تختلف إلا قليلا جدا من حيث دقتها عن القائمة التي استقر عليها الفهم في سنة 1917. وعزل كثيرا من العناصر الكيميائية للمرة الأولى. وراجع نظام الرموز الكيميائية الذي وضعه لاڤوازييه Lavoisier وقام بدراسات كلاسية في الأثر الكيميائي للكهرباء وطور نظاما ثنائيا لدراسة عناصر في التفاعل الكيميائي كموجبة أوسالبة كهربيا. وأصبح كتابه الموجز الذي نشره في سنة 1808 وتقريره السنوي Jahresbericht الذي بدأ صدوره سنة 1810 إنجيلا للكيميائيين طوال جيل.

وكذلك كان في السويد كثير من الشعراء انقسموا إلى مدرستين شعريتين متنافستين: الفوسفوريون Phosphorists الذين ترجع تسميتهم بهذا الاسم إلى مجلتهم التي أصدروها بعنوان (الفوسفوري Phosphorous) وكانوا متأثرين بالرومانسية الألمانية الوافدة وتحوي أشعارهم الكثير من العناصر الباطنية (الصوفية) أكثر من سواهم من الشعراء، والقوطيون (المدرسة الشعرية القوطية) Gothics الذين راحوا يعزفون في أشعارهم على أنغام البطولة.

وبدأ إساياس تگنر Esaias Tegner كقوطي (من المدرسة الشعرية القوطية الآنف ذكرها) لكنه كان كلَّما سار قدما في مضمار الشعر راح يوسع مجالات تناوله الشعري حتى بدا وكأنه يضم بين جنبيه جميع مدارس الشعر السويدية. ولد تگنر في سنة 1782 ولم يكن قد بلغ السابعة من عمره عندما نشرت الثورة الفرنسية - وكانت كأعظم الفوسفوريين - نورها وحرارتها خلال أوربا، وما كاد يبلغ الثالثة والثلاثين حتى نفي نابليون إلى سانت هيلانه. وعـاش تجنر إحـدى وثلاثين سنة أخرى لكنه كان قد حقق بالعمل تفوقه وشهرته عندما منحته الأكاديمية الملكية السويدية في سنة 1811 جائزة لقصيدته (Svea) التي وبّخ فيها كـل معاصريـه لفشلهم في الحفـاظ على عادات أسلافهم. وانضم (إلى الاتحاد القوطي Gothic Union) وسخر من الفوسفوريين (أتباع المدرسة الشعرية الفوسفورية الآنف ذكرها) متهما إياهم بالضعف الرومانسي. وأصبح وهوفي الثلاثين من عمره أستاذا للغة اليونانية في جامعة لوند Lund وأصبح وهوفي الثانية والأربعين (أسقف فيكسجوVaxJo) وفي الثالثة والأربعين (1825) نشر أشهر قصيدة في الأدب السويدي. لقد كانت هذه القصيدة الطويلة (Frithjofs Saga) سلسلة من الحكايات الأسطورية مستوحاة من التراث الشعري الاسكندنافي القديم وظن بعض النقاد حتى الملحمة مغرقة جدا في الاتجاه الخطابي (ذات نبرة عالية) - فالشاعر لم يستطع استبعاد مزاجه الأسقفي، لكن بهاء قصائده وروحها الغنائية جعلتها تحظى بقبول حماسي حتى خارج السويد فبحلول عام 1888 ترجمت إلى الإنجليزية إحدى وعشرين مرة وإلى الألمانية تسع عشرة مرة.

وبدا وكأن تجنر قد استنفد قواه في عمله الشعري هذا فبعد حتى أنهاه تدهورت صحته لكنه ظل يخط الشعر في المناسبات وأهدى إحدى قصائده لامرأة متزوجة من ڤاكسيوVaxjo. لقد كان ليبراليا في الأساس لكنه تحول إلى متحفظ متمسك بالاتجاه المحافظ ودخل في خلافات ساخنة مع الأقلية الليبرالية في الركسداج Riksdag. وأعقب اضطرابات 1840 اضطراب فكري لكن واصل كتابة شعره الجيد حتى توفي في سنة 1846 في ڤاكسيوVaxjo وفي هذه الأثناء أصبح الملك شارل الثالث عشر مريضا بشكل مستمر، فتولى ولي العهد شارل جون الوصاية على العرش وتولى مسئولية الحكم. وسرعان ما قابل خيارا صعباً بين ولائه لوطنه الأصلي (فرنسا) والبلاد التي احتضنته (السويد)، ومادامت الدول تكون مولعة بضم بلاد أخرى تماما كمواطنيها، فإنها ترسل زوائدها الكاذبة كزوائد الأميبا المعدة للإمساك - تلك الزوائد المسماة بالجيوش - للإمساك بما يعد وجبات شهية، فقد راحت الحكومة السويدية تتطلع بنهم لامتلاك جارتها النرويج التي كانت الدنمارك منذ سنة 1397 تدعي حق ملكيتها. واقترح ولي عهد السويد على نابليون حتى تضم السويد النرويج إليها فبهذا تتوثق عرى العلاقات بين السويد وفرنسا فرفضه نابليون لأن الدنمارك كانت من أخلص حلفائه، وفي يناير سنة 1812 استولى نابليون مرة أخرى على پومرانيا Pomerania السويدية بحجة أنها سمحت باستيراد البضائع البريطانية وهذا إخلال بالحصار القاري الذي فرضه نابليون، فاتجه الأمير شارل جون إلى روسيا التي كانت هي بدورها تتجاهل الحصار القاري فوافقت روسيا على حتى تبتلع السويد النرويج لقاء حتى تؤيد السويد بما قامت به روسيا من ضم فنلندا إليها. وفي أبريل سنة 1812 سقطت السويد تحالفاً مع روسيا وفتحت موانئها للتجارة البريطانية. هذا هوالوضع في السويد عندما كان نابليون يحتفي بملوك أوربا في درسدن Dresden في طريقه إلى موسكو.

التاريخ الحديث

شهد القرنان الثامن عشر والتاسع عشر زيادة سكانية كبيرة، والتي عزاها المحرر إيساياس تيجنر في عام 1833 إلى "السلام ولقاحالجدري والبطاطس". حيث تضاعف تعداد سكان البلاد بين عامي 1750 و1850. وفقاً لبعض الباحثين، كانت الهجرة الجماعية إلى الولايات المتحدة الطريقة الوحيدة لمنع المجاعة والتمرد، حيث هاجر تقريباً 1% من السكان سنوياً خلال ثمانينيات القرن التاسع عشر. ومع ذلك، ظلت السويد في فقر مدقع، معتمدة على الاقتصاد الزراعي بالكامل تقريباً، في الوقت الذي بدأت فيه الدنمارك ودول أوروبا الغربية في التصنيع. هاجر السويديون إلى أمريكا بحثاً عن حياة أفضل، ويعتقد أنه بين 1850 و1910 هاجر أكثر من مليون سويدي إلى الولايات المتحدة. في أوائل القرن العشرين، كان عدد السويديين في شيكاغوأكثر منهم في غوتنبرغ (ثاني أكبر مدن السويد). انتقل معظم المهاجرين السويديين إلى ولايات الغرب الأوسط في الولايات المتحدة، بوجود عدد كبير من السكان في ولاية مينيسوتا. بينما انتقل البعض الآخر إلى الولايات الأخرى وإلى كندا.

على الرغم من بطء وتيرة التصنيع في القرن التاسع عشر، فإن الكثير من التغييرات الهامة جرت في الاقتصاد الزراعي بسبب الابتكارات والنموالسكاني الكبير. ضمت هذه الابتكارات برامج ترعاها الحكومة لمنع الاقطاع والاعتداء على الأراضي الزراعية، كما تم إدخال محاصيل جديدة مثل البطاطس. كما حتى حقيقة حتى طبقة المزارعين السويديين لم تدخل في القنانة كما كان الحال في أماكن أخرى في أوروبا، فإن الثقافة الزراعية السويدية بدأت تأخذ دورا حاسما في العملية السياسية السويدية، والتي استمرت عبر العصور الحديثة مع الحزب الزراعي الحديث (الذي أصبح الآن الحزب الوسط). بين 1870 و1914، بدأت السويد في تطوير الاقتصاد الصناعي حتى أصبح على ما عليه الآن. نشأت حركات شعبية قوية في السويد خلال النصف الأخير من القرن التاسع عشر مثل (النقابات العمالية وجماعات مكافحة الكحوليات والجماعات الدينية المستقلة)، والتي خلقت بدورها قاعدة صلبة من المبادئ الديمقراطية. تأسس في عام 1889 الحزب الاشتراكي الديمقراطي السويدي. هذه الحركات عجلت انتنطق السويد إلى الديمقراطية البرلمانية الحديثة، التي تحققت في فترة الحرب العالمية الأولى، وبما حتى الثورة الصناعية تقدمت خلال القرن العشرين، بدأ الناس تدريجياً في الانتنطق إلى المدن للعمل في المصانع، وشاركوا في النقابات الاشتراكية. تم تجنب ثورة شيوعية في عام 1917، في أعقاب إعادة إدخال الحياة البرلمانية، وبدأ التحول إلى الديموقراطية في البلاد.


الحربان العالميتان

جندي سويدي خلال الحرب العالمية الثانية.

كانت السويد رسمياً على الحياد خلال الحرب العالمية الأولى والحرب العالمية الثانية، على الرغم من حتى حيادها خلال الحرب العالمية الثانية كان محط جدل. سقطت السويد تحت النفوذ الألماني لفترة طويلة من الحرب، حيث انبترت علاقاتها مع بقية العالم بسبب الحصار. رأت الحكومة السويدية أنها ليست في وضع يسمح لها بمقارعة ألمانيا، وبالتالي قدمت بعض التنازلات. كما قامت السويد أيضاً بتوريد الصلب وبتر الآلات لألمانيا طوال فترة الحرب. ومع ذلك، فإن السويد أيدت المقاومة النرويجية، وفي عام 1943 ساعدت في إنقاذ اليهود الدنماركيين من الترحيل إلى معسكرات الاعتنطق. كما ساعدت السويد فنلندا خلال حرب الشتاء وحرب الاستمرار بالعتاد والمتطوعين. مع اقتراب نهاية الحرب، بدأت السويد تلعب دوراً في جهود الإغاثة الإنسانية، بقبولها للكثير من اللاجئين وبالأخص من اليهود من المناطق التي خضعت للاحتلال النازي. أنقذ الكثير من هؤلاء بسبب عمليات الإنقاذ التي أجرتها السويد في معسكرات الاعتنطق ولأنها اعتبرت ملاذاً للاجئين ومعظمهم من دول الشمال ودول البلطيق. مع ذلك، فإن الكثير من النقاد الداخليين والخارجيين يعتقدون أنه كان بوسع السويد حتى تعمل المزيد لمقاومة النازية أثناء الحرب، حتى ولوبالمخاطرة باستقلالها.


الحرب الباردة

رغم إعلان السويد بأنها دولة محايدة، ولكنها بشكل غير رسمي ترتبط بعلاقات قوية مع الولايات المتحدة. في أعقاب الحرب، استغلت السويد قاعدتها الصناعية السليمة والاستقرار الاجتماعي ومواردها الطبيعية لتوسيع صناعتها وتمويل إعادة بناء أوروبا. كانت السويد جزءاً من مشروع مارشال وشاركت في منظمة التعاون والتنمية الاقتصادية. خلال معظم فترة ما بعد الحرب، حكم البلاد حزب العمل الاجتماعي الديموقراطي، الذي فرض سياسات نقابوية أي مفضلاً الشركات الرأسمالية الكبرى والنقابات الكبرى، وخاصة اتحاد نقابات العمال السويدية، المشهجر مع الحزب الاشتراكي الديمقراطي. كما ارتفع عدد البروقراطيين في البلاد بين الستينيات والثمانينات من القرن الماضي بشكل واضح. انفتحت السويد على التجارة وسعت وراء المنافسة الدولية في قطاع الصناعة التحويلية. كان النموجيداً حتى سبعينيات القرن الماضي.


شأنها شأن بلدان كثيرة، دخلت السويد فترة من التدهور الاقتصادي والاضطراب في أعقاب الحظر النفطي 1973-1974 و1978-1979. في الثمانينيات، تمت إعادة هيكلة ركائز الصناعة السويدية بشكل كبير. توقف بناء السفن واستخدم لب الخشب في صناعة الورق الحديثة، كما تم الهجريز على صناعة الصلب وأصبحت أكثر تخصصاً بينما أصبحت الصناعات الميكانيكية تدار آلياً. بين عامي 1970 و1990، ارتفعت الضريبة العامة بنسبة تزيد على 10 %، وكانت معدلات النمومنخفضة جداً بالمقارنة مع معظم البلدان الأخرى في غرب أوروبا. بلغت ضريبة الدخل الهامشية على العمال أكثر من 80٪. وفي النهاية أنفقت الحكومة أكثر من نصف الناتج المحلي الإجمالي. تراجعت السويد من قائمة أكبر خمس دول من حيث الناتج المحلي الإجمالي للفرد الواحد. ومنذ أواخر السبعينيات أثارت السياسات الاقتصادية للسويد على نحومتزايد شكوك الاقتصاديين ومسؤولي وزارة المالية. تقلد كارل جوستاف السادس عشر عرش السويد وقيادة الدولة منذ عام 1973.


الفترة الحالية

انضمت السويد إلى الاتحاد الأوروبي عام 1995 وسقطت على معاهدة لشبونة في 2007.

أدت فقاعة ازدهار سوق العقارات بسبب القروض غير المدروسة بالإضافة إلى الركود الاقتصادي العالمي وسياسة التحول من سياسات مكافحة البطالة لسياسات مكافحة التضخم إلى أزمة مالية في أوائل التسعينات. انخفض ناتج السويد المحلي الإجمالي بحواليخمسة ٪ في عام 1992. كان هناك تشغيل للعملة حيث حمل البنك المركزي الفائدة لفترة وجيزة إلى 500٪. كانت استجابة الحكومة بخفض الانفاق وقامت بالكثير من الإصلاحات الرامية إلى تحسين قدرة البلاد على المنافسة ومن بينها الحد من الرفاهية الاجتماعية وخصخصة الخدمات والسلع العامة. روجت المؤسسة السياسية لصالح عضوية الاتحاد الأوروبي وجرى تمرير استفتاء انضمام السويد بنسبة 52٪ لصالح الانضمام إلى الاتحاد الأوروبي يوم 13 نوفمبر عام 1994. اضمت السويد إلى الاتحاد الأوروبي في 1 يناير عام 1995.


لا تزال السويد غير منحازة عسكرياً، رغم أنها تشارك في بعض المناورات العسكرية المشهجرة مع منظمة حلف شمال الأطلسي وبعض البلدان الأخرى، بالإضافة إلى تكثيف التعاون مع البلدان الأوروبية الأخرى في مجال تقنية الدفاع والصناعات الدفاعية. من بين أمور أخرى، تصدر الشركات السويدية أسلحة يستخدمها الجيش الأميركي في العراق. كما تمتلك السويد أيضاً تاريخاً طويلاً من المشاركة في العمليات العسكرية الدولية، آخرها في أفغانستان، حيث القوات السويدية تحت قيادة حلف شمال الأطلسي، وهي تحت قيادة الاتحاد الأوروبي في عمليات حفظ السلام التابعة للأمم المتحدة في كوسوفووالبوسنة والهرسك وقبرص. تولت السويد زعامة الاتحاد الأوروبي من 1 يوليوإلى 31 ديسمبر 2009.


التاريخ السياسي

مملكتا سفير (السويديين) والگوتار (القوط) في القرن الثاني عشر، بينما الحدود الحالية باللون الرمادي.

لا يزال العمر الحقيقي لمملكة السويد مجهولاً، حيث يعود ذلك إلى إشكالية اعتبار السويد أمة مع ظهور سفير وحكمهم لسفيلاند أومع توحيد سفير وغوتار من غوتالاند تحت حكم تاج واحد. في الحالة الأولى أول ما ذكرت السويد تحت حكم قائد واحد كان في العام 98 من قبل تاسيتوس، لكنه من المحال فهم كم المدة التي كانت بها البلاد على تلك الشاكلة. رغم ذلك عادة ما يبدأ المؤرخون تسلسل ملوك السويد منذ توحيد سفيلاند وگوتالاند تحت حكم إيريك المنتصر وابنه أولوف سكوتكونونغ في القرن العاشر. تعهد تلك الأحداث بتوحيد السويد رغم حتى الكثير من المناطق المشكلة للبلاد حالياً لم تكن جزءاً منها.

أما من تجاوز ذلك من الملوك فلا توجد حولهم مصادر تاريخية موثوقة، حيث يذكرون على نحوأسطوري أوشبه الأسطوري. كثير من هؤلاء الملوك مذكور في ساغات عديدة التي تمتزج مع الميثولوجيا الإسكندنافية. كان الملك غوستاف الأول آخر من استخدم لقب ملك السويد والقوط، حيث أصبح اللقب ملك السويد والقوط والوينديين في الوثائق الرسمية. حتى بدايات العقد الثاني من القرن العشرين، روست جميع القوانين في السويد بعبارة "نحن، ملك السويد والقوط والوينديين". استخدم هذا اللقب حتى عام 1973. الملك الحالي للسويد، كارل السادس عشر غوستاف، أول ملك يعلن رسمياً "ملك السويد" من دون ذكر شعوب أخرى في لقبه.

استخدم مصطلح ريكسداغ لأول مرة في أربعينيات القرن السادس عشر، على الرغم من حتى أول الجلسات التي شارك فيها ممثلون من مختلف الفئات الاجتماعية لمناقشة وتحديد الشؤون التي تؤثر على البلاد ككل جرت في أوائل 1435، في بلدة أربوگغا. خلال الجمعيات في 1527 و1544، في عهد الملك گوستاف ڤاسا، تم استنادىء ممثلي الشعب من الطبقات الأربعة (رجال الدين وطبقة النبلاء وسكان المدن والفلاحون) للمرة الأولى. أصبح النظام الملكي وراثياً عام 1544. كانت السلطة التطبيقية من الناحية التاريخية مشهجرة بين الملك والمجلس الملكي من النبلاء حتى عام 1680، تلاها حكم ملكي مطلق أطلقته حالة البرلمان حينها. بعد الفشل في حرب الشمال العظمى تم عرض النظام البرلماني في 1719، تلاه ثلاث أنوعاع مختلفة من الملكية الدستورية في 1772 و1789 و1809. منحت الأخيرة الكثير من الحريات المدنية. يبقى الملك رسمياً ولكن رمزياً قائداً للدولة مع واجبات احتفالية.

تألف ريكسداغ الطبقات من حجرتين. في عام 1866 أصبحت السويد ملكية دستوريةببرلمان من مجلسين، حيث ينتخب المجلس الأول بصورة غير مباشرة من قبل الحكومات المحلية، أما المجلس الثاني فينتخب انتخاباً مباشراً في انتخابات وطنية جميع أربع سنوات. في عام 1971 أصبح الريكسداغ غرفة واحدة. كانت السلطة التشريعية (رمزياً) مشهجرة بين الملك والبرلمان حتى عام 1975. الريكسداج (البرلمان) هوالذي يتحكم بالضرائب السويدية.

تمتلك السويد تاريخاً من المشاركة السياسية القوية لأناس عاديين من خلال "الحركات الشعبية" وأبرزها اتحادات النقابات والحركة المسيحية المستقلة وحركة الاعتدال والحركة النسائية ومؤخراً حركات قراصنة الملكية الفكرية والرياضية. تقود السويد حالياً الاتحاد الأوروبي في مجال الإحصاءات من حيث قياس المساواة في النظام السياسي وفي نظام التعليم. صنف تقرير الفجوة العالمية بين الجنسين السويد في عام 2006 بوصفها البلد رقم واحد من حيث المساواة بين الجنسين.

انظر أيضا

  • فهم السويد
  • مقاطعات السويد - مناطق تشريعية
  • أراضي السويد - أبرز المناطق الثقافية
  • مقاطعات السويد - مناطق ثقافية صغيرة
  • Former dominions of Sweden
  • Unions of Sweden
    • Kalmar Union
    • Union between Sweden and Norway
  • قائمة السويديون
  • Riksdag of the Estates
  • Privy Council of Sweden
  • History of Scandinavia
  • Sami history
  • تاريخ فنلندا
  • تاريخ أوروبا
  • تاريخ الإتحاد الأوروبي
  • History of present-day nations and states

وصلات خارجية

  • Historical Monetary Statistics of Sweden 1668-2008
  • History of Sweden: Primary Documents
  • Historical Atlas of Sweden
  • Sweden Chronology World History Database

للقراءة

  • A Concise History of Sweden. Kent, Neil (2008). Cambridge University Press. ISBN 978-0-521-01227-0

المصادر

  • United States Department of State - Sweden

ول ديورانت. سيرة الحضارة. ترجمة بقيادة زكي نجيب محمود. Unknown parameter |coauthors= ignored (|author= suggested) (help)

تاريخ النشر: 2020-06-04 12:55:26
التصنيفات: Pages with citations using unsupported parameters, تاريخ السويد

مقالات أخرى من الموسوعة

سحابة الكلمات المفتاحية، مما يبحث عنه الزوار في كشاف:

آخر الأخبار حول العالم

السعودية تدخل على خط هجوم إيران على إسرائيل

المصدر: الأيام 24 - المغرب التصنيف: سياسة
تاريخ الخبر: 2024-04-14 12:08:57
مستوى الصحة: 70% الأهمية: 85%

عبد اللهیان: تم توجيه التحذير اللازم لواشنطن

المصدر: RT Arabic - روسيا التصنيف: سياسة
تاريخ الخبر: 2024-04-14 12:07:22
مستوى الصحة: 93% الأهمية: 86%

رئيس البرلمان الإيراني يوضح سبب مهاجمة بلاده لإسرائيل

المصدر: RT Arabic - روسيا التصنيف: سياسة
تاريخ الخبر: 2024-04-14 12:07:17
مستوى الصحة: 89% الأهمية: 92%

إسرائيل تعلن إعادة فتح المجال الجوي

المصدر: الأيام 24 - المغرب التصنيف: سياسة
تاريخ الخبر: 2024-04-14 12:09:00
مستوى الصحة: 69% الأهمية: 76%

إيران توضح بشأن ضرب إسرائيل و تدعو الولايات المتحدة لعدم الانخراط

المصدر: الحرية تي في - المغرب التصنيف: مجتمع
تاريخ الخبر: 2024-04-14 12:20:25
مستوى الصحة: 59% الأهمية: 70%

إجهاض سري يقود إلى توقيف ممرض ومساعديه بالقنيطرة

المصدر: الأيام 24 - المغرب التصنيف: سياسة
تاريخ الخبر: 2024-04-14 12:08:51
مستوى الصحة: 60% الأهمية: 75%

الفرقة الوطنية تحقق في فيديو “المواعدة العمياء” على يوتيوب

المصدر: الحرية تي في - المغرب التصنيف: مجتمع
تاريخ الخبر: 2024-04-14 12:20:32
مستوى الصحة: 47% الأهمية: 62%

طقس حار.. توقعات أحوال الطقس اليوم الأحد

المصدر: تيل كيل عربي - المغرب التصنيف: سياسة
تاريخ الخبر: 2024-04-14 12:09:51
مستوى الصحة: 49% الأهمية: 51%

إسقاط 10 مسيّرات أوكرانية جنوبي روسيا

المصدر: RT Arabic - روسيا التصنيف: سياسة
تاريخ الخبر: 2024-04-14 12:07:15
مستوى الصحة: 81% الأهمية: 99%

خبير: الخطط الأمريكية لمحاصرة روسيا فشلت فشلا ذريعا

المصدر: RT Arabic - روسيا التصنيف: سياسة
تاريخ الخبر: 2024-04-14 12:07:19
مستوى الصحة: 94% الأهمية: 94%

مصر تصدر بيانا حول إغلاق مجالها الجوي بشكل طارئ

المصدر: RT Arabic - روسيا التصنيف: سياسة
تاريخ الخبر: 2024-04-14 12:07:23
مستوى الصحة: 82% الأهمية: 89%

الصفدي يدعو مجلس الأمن لفرض وقف العدوان الإسرائيلي على غزة

المصدر: الحرية تي في - المغرب التصنيف: مجتمع
تاريخ الخبر: 2024-04-14 12:20:30
مستوى الصحة: 54% الأهمية: 59%

طقس اليوم الأحد.. أجواء حارة ورياح قوية بهذه المناطق

المصدر: الأيام 24 - المغرب التصنيف: سياسة
تاريخ الخبر: 2024-04-14 12:09:03
مستوى الصحة: 69% الأهمية: 77%

البطولة الوطنية.. ترتيب الأندية

المصدر: الأيام 24 - المغرب التصنيف: سياسة
تاريخ الخبر: 2024-04-14 12:08:54
مستوى الصحة: 69% الأهمية: 78%

الأردن يعلن اعتراض "أجسام طائرة" أثناء الهجوم الإيراني على إسرائيل

المصدر: تيل كيل عربي - المغرب التصنيف: سياسة
تاريخ الخبر: 2024-04-14 12:09:50
مستوى الصحة: 46% الأهمية: 61%

“هيت راديو” تنتصب طرفا مدنيا في ملف مومو

المصدر: الأيام 24 - المغرب التصنيف: سياسة
تاريخ الخبر: 2024-04-14 12:08:49
مستوى الصحة: 61% الأهمية: 85%

تحميل تطبيق المنصة العربية