بديع الزمان الهمذاني
أبوالفضل أحمد بن الحسين بن يحي بن سعيد المعروف ببديع الزمان الهمذاني ، (358 هـ/969 م - 395هـ/1007م )، محرر وأديب من أسرة عربية ذات مكانة فهمية مرموقة استوطنت همذان وبها ولد بديع الزمان فنسب إليها، وقد كان يفتخر بأصله العربي إذ خط في أحد رسائله إلى أبي الفضل الأسفرائيني: «إني عبد الشيخ، واسمي أحمد، وهمذان المولد وتغلب المورد، ومضر المحتد». وقد تمكن بديع الزمان بفضل أصله العربي وموطنه الفارسي من امتلاك الثقافتين العربية والفارسية وتضلعه في آدابهما فكان لغوياً وأديبًا وشاعراً وراوية حديث.
أخذ اللغة عن الأديب الكبير واللغوي الشهير صاحب المجمل في اللغة أبوالحسين أحمد بن فارس، وتتلمذ لابن لال وابن هجران، وعبد الرحمن الإمام، وأبي بكر بن الحسين الفراء.
في عام 380 هـ، انتقل بديع الزمان إلى أصفهان فانضم إلى حلبة شعراء الصاحب بن عباد، ثم يمم وجهه شطر جرجان فأقام في كنف أبي سعيد محمد بن منصور وخالط أسرة من أعيان جرجان (تعهد بالإسماعيلية) فأخذ من فهمها الشيء الكثير ثم ما فتئ حتى نشب خلاف بينه وبين أبي سعيد الإسماعيلي فغادر جرجان إلى نيسابور ، وكان ذلك سنة (382هـ/ 992م) واشتدت رغبته في الاتصال باللغوي الكبير والأديب الذائع الصيت أبي بكر الخوارزمي, ولبى هذا الخوارزمي طلب بديع الزمان والتقيا, فلم يحسن الأول استقبال الثاني وحصلت بينهما قطيعة ونمت بينهما عداوة فاستغل هذا الوضع بعض الناس وهيأوا للأديبين مناظرة كان الفوز فيها لبديع الزمان بفضل سرعة خاطرته, وقوة بديهته . فزادت هده الحادثة من ذيوع صيت بديع الزمان عند الملوك والرؤساء وفتحت له مجال الاتصال بالكثير من أعيان المدينة, والتف حوله الكثير من طلاب الفهم, فأملى عليهم بأكثر من أربعمائة مقامة (لم يبقى منها سوى اثنتان وخمسون).
لم تطل'" إقامة بديع الزمان"' بنيسابور وغادرها متوجها نحوسجستان فأكرمه أميرها خلف بن أحمد أيما إكرام, لأنه كان مولعا بالأدباء والشعراء. وأهدى إليه "'بديع الزمان"' مقاماته إلا حتى الوئام بينهما لم يدم طويلا, فقد تلقى "'بديع الزمان"' يوما من الأمير رسالة شديدة اللهجة أثارت غضبه, فغادرسجستان صوب غنزة حبث عاش في كنف السلطان محمود معززا مكرماً, وكانت بين أبي العباس الفضل بن أحمد الأسفرائي وزير السلطان محمود عدة مراسلات, وفي آخر المطاف حط رحاله بديع الزمان بمدينة هرات فاتخذها دار إقامة وصاهر أبا علي الحسين بن محمد الخشنامي أحد أعيان هذه المدينة وسادتها فتحسنت أحواله بفضل هذه المصاهرة.
وفاته
لكن المنية لم تمهله، في مدينة هرات، ففارق الدنيا سنة (395هـ/1007م) وهوفي سن الأربعين. وينطق في سبب وفاته إنه أصيب بغيبوبة فظن أهله أنه قد مات، وعجلوا بدفنه، فأفاق في قبره وسُمع صوته في الليل فنُبش عنه فوجد ميتًا وقد قبض على لحيته بيده.
ذكراه
عُرف بديع الزمان بكثرة إبداعاته وابتداعاته ـ ومن هنا اتى لقبه ـ في النثر العربي عامة وفي الترسلي منه خاصة. وبالرغم من أنه قد خلّف ديوان رسائله الذي يشتمل على أكثر من 230 رسالة، أغلبها في الإخوانيات، وديوان شعره، إلا حتى شهرته ارتبطت كثيرًا بابتداعه للفن القصصي العربي المشهور فن المقامات. انظر:المقامات. فقد خط اثنتين وخمسين مقامة، أصبحت نموذجًا يحتذيه عدد كبير من الكتاب الذين اتىوا بعده.
وينتمي في ترسله إلى مدرسة السجع والبديع التي أرسى قواعدها ابن العميد، ويُعد من أواخر الكتاب الذين استطاعوا ـ إلى حد كبير ـ حتى يوظفوا السجع والبديع توظيفًا فنيًا في كتاباتهم قبل حتى يتحول السجع والبديع إلى قيود تكبل النثر العربي وتقيده .
مآثره
- مجموعة رسائل
- ديوان شعر
- مقامات (وهي أبرز ما خلفه بديع الزمان) طبقت شهرتها الآفاق, وقد كانت وما زالت منارة يهتدي بها من يريد التأليف في هذا الفن, فيمتع الناس بالقصص لبطريفة والفكاهة البارعة, ويزود طلاب الفهم بما يلزمهم من الدرر الثمينة في ميدان سحر الأسلوب, وغرابة اللفظ وسموالمعنى.
المقامات
يعتبر كتاب المقامات أشهر مؤلفات بديع الزمان الهمذاني الذي له الفضل في وضع أسس هذا الفن وفتح بابه واسعاً ليلجه أدباء كثيرون أتوا بعده وأشهرهم أبومحمد القاسم الحريري وناصف اليازجي .
والمقامات مجموعة حكايات قصيرة متفاوتة الحجم جمعت بين النثر والشعر بطلها رجل وهمي يدعى أبوالفتح الإسكندري وعهد بخداعه ومغامراته وفصاحته وقدرته على قرض الشعر وحسن تخلصه من المآزق إلى جانب أنه شخصية فكاهية نشطة تنتزع البسمة من الشفاه والضحكة من الأعماق. ويروي مغامرات هذه الشخصية التي تثير العجب وتبعت الإعجاب رجل وهمي يدعى عيسى بن هشام.
ولهذا المؤلف فضل كبير في ذيوع صيت ' بديع الزمان الهمذاني لما احتواه من معلومات جمة تفيد جميع القراء من مختلف المشارب والمآرب إذ وضعه لغاية تعليمه فكثرت فيه أساليب البيان وبديع الألفاظ والعروض, وأراد التقرب به من الأمير خلف بن أحمد فضمنه مديحاً يتجلى خاصة فيالمقامة الحمدانية والمقامة الخمرية فنوع ولون مستعملاً الأسلوب السهل, واللفظ الرقيق, والسجع القصير دون أدنى عناء أوكلفة.
وتنطوي المقامات على ضروب من الثقافة إذ نجد بديع الزمان'‘ يسرد علينا أخباراً عن الشعراء في مقامته الغيلانية'‘ و'‘ مقامته البشرية ويزودنا بمعلومات ذات صلة بتاريخ الأدب والنقد الأدبي في مقامته الجاحظية و القريضية والإبليسية, كما يقدم فيالمقامة الرستانية وهوالسني الممضى, حجاجاً في المذاهب الدينية فيسفه عقائد المعتزلة ويرد عليها بشدة وقسوة, ويستشهد أثناء تنقلاته هذه بين ربوع الثقافة بالقرآن الكريم والحديث الشريف, وقد عمد إلى اقتباس من الشعر القديم والأمثال القديمة والمبتكرة فكانت مقاماته مجلس أدب وأنس ومتعة وقد كان يلقيها في نهاية جلساته كأنها ملحة من ملح الوداع المعروفة عند أبي حيان التوحيدي في "الامتناع والمؤانسة", فراعى فيها بساطة الموضوع, وأناقة الأسلوب, وزودها بكل ما يجعل منها:
- وسيلة للتمرن على الإنشاء والوقوف على مذاهب النثر والنظم.
- رصيد لثروة معجمية هائلة
- مستونادىً للحكم والتجارب عن طريق الفكاهة
- وثيقة تاريخية تصور جزءاً من حياة عصره وإجلال رجال زمانه.
كما حتى مقامات الهمذاني تعتبر نوا ة المسرحية العربية الفكاهية, وقد خلد فيها أوصافاً للطباع الإنسانية فكان بحق واصفاً بارعاً لا تفوته كبيرة ولا صغيرة, وأن المقامات هذه لتحفة أدبية رائعة بأسلوبها ومضمونها وملحها الطريفة التي تبعث على الابتسام والمرح، وتدعوإلى الصدق والشهامة ومكارم الأخلاق التي أراد بديع الزمان إظهار قيمتها بوصف ما يناقضها، وقد وفق في ذلك أيما توفيق.
مراجع
- كتاب مقامات الهمذاني ، باني عميري.