أبوزكريا الفراء

أبوزكريا الفراء (144 هـ-207 هـ) كان أبرع الكوفيين وأفهمهم بالنحوواللغة وفنون الأدب؛ حكي عن أبي العباس ثعلب أنه نطق: لولا الفراء لما كانت عربية، لأنه خلصها وضبطها، ولولا الفراء لسقطت العربية لأنها كانت تتنازع ويدعيها جميع من أراد ويتحدث الناس فيها على مقادير عقولهم وقرائحهم فتمضى.

الاسم والنسب

هوأبوزكريا يحيى بن زياد بن عبد الله بن منظور الأسلمي، المعروف بالفراء، الديلمي الكوفي مولى بن أسد، وقيل مولى بني منقر. والفَرَّاء: بفتح الفاء وتشديد الراء وبعدها ألف ممدودة، وإنما قيل له فراء ولم يكن يعمل الفراء ولا يبيعها، لأنه كان يفري الكلام، ذكر ذلك الحافظ السمعاني في كتاب " الأنساب " ، وعزاه إلى كتاب " الألقاب "

شيوخه

أخذ النحوعن أبي الحسن الكسائي ، وهو من أشهر أصحابه وأخصهم به.

أخباره وفهمه:

ولما عزم الفراء على الاتصال ب المأمون ، كان يتردد إلى الباب، فبينما هوذات يوم على الباب إذ اتى أبوبشر ثمامة بن الأشرس النميري المعتزلي، وكان خصيصاً بالمأمون، نطق ثمامة: فرأيت أبهة أديب، فجلست إليه، ففاتشته عن اللغة فوجدته بحراً وفاتشته عن النحوفشاهدته نسيج وحده وعن الفقه فوجدته رجلاً فقيهاً عارفاً باختلاف القوم، وبالنجوم ماهراً، وبالطب خبيراً، وبأيام العرب أشعارها حاذقاً، فقلت له: من تكون وما أظنك إلا الفراء، فنطق أنا هو، فدخلت فأفهمت أمير المؤمنين المأمون، فأمر بإحضاره لوقته، وكان سبب اتصاله به.

ونطق قطرب: ولج الفراء على الرشيد فتحدث بكلام لحن فيه مرات، فنطق جعفر بن يحيى البرمكي: إنه قد لحن يا أمير المؤمنين، فنطق الرشيد للفراء: أتلحن فنطق الفراء: يا أمير المؤمنين إذا طباع أهل البدوالإعراب، وطباع أهل الحضر اللحن، فإذا تحفظت لم ألحن، وإذا رجعت إلى الطبع لحنت، فاستحسن الرشيد قوله. ونطق الخطيب في " تاريخ بغداد " : إذا الفراء لما اتصل بالمأمون أمره حتى يؤلف ما يجمع به أصول النحووما سمع من العربية، وأمر حتى يفرد في حجرة من حجر الدار، ووكل به جواري وخدماً يقمن بما يحتاج إليه، حتى لا يتعلق قلبه ولا تتشوف نفسه إلى شيء، حتى إنهم كانوا يؤذنونه بأوقات الصلوات، وصير له الوراقين، وألزمه الأمناء والمنفقين، فكان يملي والوراقون يخطون، حتى صنف " الحدود " في سنتين، وأمر المأمون بخطه في الخزائن، فبعد حتى فرغ من ذلك إلى الناس، وابتدأ بكتاب " المعاني " نطق الراوي: وأردنا حتى نعد الناس الذين اجتمعوا لإملاء كتاب " المعاني " ، فلم نضبطهم، فعددنا القضاة فكانوا ثمانين قاضياً، فلم يزل يمليه حتى أتمه. ولما فرغ من كتاب " المعاني " خزنه الوراقون عن الناس ليكسبوا به ونطقوا: لا نخرجه إلا لمن أراد حتى ننسخه له على خمس أوراق بدرهم، فشكا الناس إلى الفراء، فنادى الوراقين فنطق لهم في ذلك، فنطقوا: إنما صحبناك لننتفع بك، وكل ما صنفته فليس بالناس إليه من الحاجة ما بهم إلى هذا الكتاب، فدعنا نعيش به فنطق: قاربوهم تنتفعوا وتنفعوا، فأبوا عليه فنطق: سأريكم، ونطق للناس: إنني ممل كتاب معانٍ أتم شرحاً وأبسط قولاً من الذي أمليت، فجلس يملي، فأملى الحمد في مائة ورقة، فاتى الوراقون إليه ونطقوا: نحن نبلغ الناس ما يحبون، فنسخوا جميع عشرة أوراق بدرهم.

وكان سبب إملائه كتاب " المعاني " حتى أحد أصحابه، وهوعمر بن بكير، كان يصحب الحسن بن سهل فخط إلى الفراء إذا الأمير الحسن لا يزال يسألني عن أشياء من القرآن لا يحضرني عنها جواب، فإن رأيت حتى تجمع لي أصولاً وتجعل ذلك كتاباً يرجع إليه عملت، فلما قرأ الكتاب نطق لأصحابه: اجتمعوا حتى أملي عليكم كتاباً في القرآن، وجعل لهم يوماً، فلما حضروا خرج إليهم، وكان في المسجد رجل يؤذن فيه وكان من القراء، فنطق له: فقرأ فاتحة الكتاب، ففسرها، حتى مر في القرآن كله على ذلك، يقرأ الرجل والفراء يفسره. وكتابه هذا نحوألف ورقة، وهوكتاب لم يعمل مثله، ولا يمكن أحداً حتى يزيد عليه.

وكان المأمون قد وكل الفراء يلقن ابنيه النحو، فلما كان يوماً أراد الفراء

أن ينهض إلى بعض حوائجه، فابتدرا إلى نعل الفراء يقدمانه له، فتنازعا أيهما يقدمه، فاصطلحا على حتى يقدم جميع واحد منهما فرداً فقدماها، وكان المأمون له على جميع شيء صاحب خبر، فحمل ذلك الخبر إليه، فوجه إلى الفراء فاستنادىه، فلما ولج عليه نطق: من أعز الناس نطق: ما أعهد أعز من أمير المؤمنين، نطق: بلى من إذا نهض تقاتل على تقديم نعليه وليا عهد المسلمين حتى رضي جميع واحد حتى يقدم له فرداً، نطق: يا أمير المؤمنين، لقد أردت منعهما عن ذلك، ولكن خشيت حتى أدفعهما عن مكرمة سبقا إليها أوأكسر نفوسهما عن شريعةٍ حرصا عليها، وقد روي عن ابن عباس أنه أمسك للحسن والحسين رضي الله عنهم أجمعين ركابيهما، حين خرجا من عنده، فنطق له بعض من حضر: أتمسك لهذين الحدثين ركابيهما وأنت أسن منهما فنطق له: اسكت يا جاهل، لا يعهد الفضل لأهل الفضل إلا ذووالفضل، فنطق له المأمون: لومنعتهما عن ذلك لأوجعتك لوماً وعتباً وألزمتك ذنباً، وما وضع ما عملاه من شرفهما، بل حمل من قدرهما وبين عن جوهرهما، ولقد ظهرت لي مخيلة الفراسة بعملهما، فليس يكبر الرجل وإن كان كبيراً عن ثلاث: عن تواضعه لسلطانه ووالده ومفهمه الفهم، وقد عوضتهما بما عملاه عشرين ألف دينار، ولك عشرة آلاف درهم على حسن أدبك لهما.

ونطق الخطيب أيضاً: كان محمد بن الحسن الفقيه ابن خالة الفراء، وكان الفراء يوماً جالساً عنده، فنطق الفراء: قل رجل أنعم النظر في باب من الفهم فأراد غيره إلا سهل عليه، فنطق له محمد: يا أبا زكريا قد أنعمت النظر في العربية، فنسألك عن باب من الفقه فنطق: هات على بركة الله تعالى، نطق: ما تقول في رجل صلى فسها فسجد سجدتين فسها فيهما ففكر الفراء ساعة ثم نطق: لا شيء عليه، فنطق له محمد: ولم نطق: لأن التصغير عندنا لا تصغير له، وإنما السجدتان تمام الصلاة، فليس للتمام تمام، فنطق محمد: ما ظننت آدمياً يلد مثلك.

ممضىه ومعتقده

وكان الفراء لا يميل إلى الاعتزال؛ وحكى سلمة بن عاصم عن الفراء نطق: كنت أنا وبشر المريسي - المقدم ذكره - في بيت واحد عشرين سنة، ما تفهم مني شيئاً ولا درست منه شيئاً؛ ونطق الجاحظ: دخلت بغداد حين قدمها المأمون في سنة أربع ومائتين، وكان الفراء يحبني، وأشتهي حتى يتفهم شيئاً من فهم الكلام، فلم يكن له فيه طبع.

ونطق أبوالعباس ثعلب: كان الفراء يجلس الناس في مسجده إلى جانب منزله، وكان يتفلسف في تصانيفه حتى يسلك في ألفاظه كلام الفلاسفة.

ونطق سلمة بن عاصم: إني لأعجب من الفراء كيف من الممكن أن كان يعظم الكسائي وهوأفهم بالنحومنه. ونطق الفراء: أموت وفي نفسي شيء من " حتى " ، لأنها تخفض وتحمل وتنصب. ولم ينقل من شعره غير هذه الأبيات وقد رواها أبوحنيفة الدينوري عن أبي بكر الطوال وهي:

يا أميراً على جريبٍ من الأر ... ض له تسعة من الحجاب

جالساً في الخراب يحجب فيه ... ما سمعنا بحاجب في خراب

لن تراني لك العيون ببابٍ ... ليس مثلي يطيق رد الحجاب

نطق ابن خلكان: ثم وجدت هذه الأبيات لابن موسى المكفوف، والله أفهم بالصواب.

مولده ووفاته

مولد الفراء ب الكوفة، وانتقل إلى بغداد وجعل أكثر مقامه بها، وكان شديد طلب المعاش لا يستريح في بيته، وكان يجمع طوال السنة، فإذا كان في آخرها خرج إلى الكوفة فأقام بها أربعين يوماً في أهله يفرق عليهم ما جمعه ويبرهم.

وذكر أبوعبيد الله المرزباني في كتابه حتى زياداً والد الفراء كان أبتر، لأنه جاء سقطة الحسين بن علي رضي الله عنهما فبترت يده في تلك الحرب، وهذا عندي فيه نظر لأن الفراء عاش ثلاثاً وستين سنة فتكون ولادته سنة أربع وأربعين ومائة، وحرب الحسين كانت سنة إحدى وستين للهجرة، فبين حرب الحسين وولادة الفراء أربع وثمانون سنة، فكم قد عاش أبوه فإن كان الأبتر جده فيمكن، والله أفهم.

وتوفي الفراء سنة سبع ومائتين في طريق مكة، وعمره ثلاث وستون سنة، رحمه الله تعالى.

خطه:

" الحدود "

و" المعاني "

وكتابان في المشكل أحدهما أكبر من الآخر.

وكتاب " البهي " نطق ابن خلكان: وهوصغير الحجم ووقفت عليه بعد حتى خطت هذه الترجمة، ورأيت فيه أكثر الألفاظ التي استخدمها أبوالعباس في كتاب " الفصيح " وهوفي حجم " الفصيح " غير أنه غيره ورتبه على صورة أخرى، وعلى الحقيقة ليس لثعلب في " الفصيح " سوى الترتيب وزيادة يسيرة، وفي كتاب " البهي " أيضاً ألفاظ ليست في الفصيح قليلة، وليس في الكتابين اختلاف إلا في شيء قليل لا غير. وله كتاب " اللغات " .

وكتاب " المصادر في القرآن ".

وكتاب " الجمع والتثنية في القرآن ".

وكتاب " الوقف والابتداء ".

وكتاب " المفاخر ".

وكتاب " آلة المحرر ".

وكتاب " النوادر ".

وكتاب " الواو"

وكتاب "المقصور والممدود" وغير ذلك من الخط.

ونطق سلمة بن عاصم: أملى الفراء خطه كلها حفظاً، لم يأخذ بيده نسخة إلا في كتابين: كتاب " ملازم " ، وكتاب " يافع ويفعة " ، نطق أبوبكر الأنباري: ومقدار الكتابين خمسون ورقة، ومقدار خط الفراء ثلاثة آلاف ورقة. وقد مدحه محمد بن الجهم على روي الواوالموصولة بالهاء المكسورة.