الشماخ بن ضرار

الشماخ بن ضرار (ت. 24 هـ/645م) هومَعقِل بن ضرار بن سنان بن أمامة الذبياني الغطفاني، وكنيته أبوسعيد. وهوأحد عوران قيس الخمسة من فحول الشعر وهم: تميم بن أُبيّ بن مقبل (ت. نحو25هـ)، والراعي النميري (ت. 90هـ)، وحُمَيد بن ثور (ت نحو30 هـ)، وابن أحمر الباهلي (ت. نحو65هـ)، والشّماخ. وهومخضرم استوعب الجاهلية والإسلام. وله صحبة. كان يعيش بين قومٍ أسلموا آخر الناس وارتدوا أول الناس بعد وفاة النبي، ثم عادوا إلى الإسلام بعد حروب الردّة. وعُرف عنه أنه غزا في فتوح عمر بن الخطاب، وشهد القادسية، ثم غزا أذربيجان مع سعيد بن العاص، فاستشهد في غزوة مُوقان في خلافة عثمان بن عفان.

وأمُّ الشمّاخ من ولد الخُرْشُب، واسمها مُعاذة بنت خلف، وتكنى أمَّ أوس. وكان للشماخ أخوان: مزرِّد وجَزْء، وهوأفحل إخوته. وقد روى البغدادي في خزانته قصته مع امرأته السُلميّة، وطلاقه لها. ومات الشماخ وجَزْء متهاجِرَين بسبب امرأة أحبها الشماخ ثم سافر، فتزوجها «جَزْء» فآلى ألاّ يكلّمه وهجاه.

وهوـ بإجماع ـ شاعر فحل، جعله ابن سلام في الطبقة الثالثة من فحول الجاهلية، وقرنه بالنابغة الجعدي، وأبي ذؤيب الهذلي، ولبيد بن ربيعة العامري. ونطق عنه «فأما الشماخ فكان شديد متون الشعر [يريد عباراته وألفاظه وصياغته]، أشد أَسْر كلامٍ من لبيد [يريد بناء الكلام وهجريبه، يعني أنه غير مشرخٍ ولا ضعيف متخالف]، وفيه كزازة [يريد أنه قليل الماء غير ليّن ولا سهل، بل فيه يُبس وتقبّض]، ولبيد أسهل منه منطقاً». وبسبب من غرابة ألفاظه الممعنة في البداوة قلّ الاستشهاد بشعره في خط الأدب، ولكن فهماء اللغة وجدوا في هذا الشعر فيضاً من الغريب فاهتّموا به. وذكر أصحاب خط التراجم حتى الحطيئة نطق في وصيته: أبلغوا الشماخ أنه أشعر غطفان. وفي أغاني أبي الفرج نطق الحطيئة: من الذي يقول: إذا أنبض الرامون... البيت. نطقوا: الشماخ. نطق أبلغوا غطفان أنه أشعر العرب. وعدّه ابن قتيبة «أرجز الناس على بديهة» وساق أمثلة على ذلك. ولقد رثى عمر بن الخطاب فأحسن وأجاد- وكان أبولؤلؤة غلام المغيرة بن شعبة قد طعن عمر، وطعن معه اثني عشر رجلاً من المسلمين في صلاة الفجر، فمات منهم ستة وعمر سابعهم، نطق:

جـزى الله خيراً من أمير وباركت

يدُ الله في ذاك الأديم الممزّق

فمن يسعَ أويركبْ جناحي نعامة

ليدرك ما حاولت بالأمس يُسبَق

قضـيت أموراً ثم غـادرت بعدها

بوائق في أكمامهـا لم تَفَتَّق

وصدق الشماخ» فقد غادر عمر بعده أكماماً تفتقّت عن أشد الدّواهي» بعبارة الشيخ محمود محمد شاكر. واشتهر مديحه في «عرابة بن أوس القيظي»:

رأيت عَرابة الأَوسيّ يَسمو

إلى الخيرات منبتر القرين

إذا ما راية حملت لمجـدٍ

تلقاها عرابة باليمين

ووقف البغدادي في خزانته على قوله يخاطب ناقته التي تحمله إلى ممدوحه:

إذا بَلَّغْتِني وحملتِ رحلي

عرابة فاشرقي بدم الوتين

ثم طفق يستعرض مواقف القدماء شعراء وغير شعراء من هذا القول. نطق: «وأول من عاب على الشمّاخ عَرابة ممدوحه فإنه نطق له: بئسما كافأتها به. وكذا عاب عليه أحيحة بن الجلاح» ثم ذكر موقف «المبرّد» منه، ونقل قوله »وقد أحسن كلّ الإحسان في قوله: إذا بلغتني وحملت...البيت»، ومضى يعرض مواقف الفهماء والشعراء من هذا البيت في حديث طويل.

وقد وهم صاحب الخزانة فنطق: «وكان الشماخ يهجوقومه وضيوفه ويمنّ عليهم بقِراه». فما هذه صفاته بل صفات أخيه «مزرّد» كما هومعروف. وقد صححّ محقق «الشعر والشعراء» هذا الوهم، ونصّ عليه في أحد هوامشه.

واشتهر الشماخ بوصف «القوس». نطق ابن قتيبة «وهوأوصف الشعراء للقوس». وتعدّ قصيدته الزائيّة التي وصف فيها القوس والقوّاس، وقصّ ما كان من أمرهما درّة شعره. وهي قصيدة فريدة في بابها، وقد استوحاها الشيخ محمود شاكر فأنشأ من وحيها قصيدته الخالدة «القوس العذراء».

وكان ـ على عوره ـ وصّافاً، أجاد ـ بشهادة القدماء والمحدثين ـ نعت الحُمُر الوحشية. نطق ابن قتيبة «وهومن أوصف الشعراء للقوس والحمر» ثم نطق «والشماخ أوصف الشعراء للحمير».

وشهد له البغدادي في خزانته بذلك فنطق: «وهوأوصف الناس للحمير»، ثم روى حتى الوليد بن عبد الملك أُنشد شيئاً من شعره في وصف الحمير فنطق: ما أوصفه لها! إني لأحسب حتى أحد أبويه كان حمّاراً! وما ذلك إلا لأنه كان يتدسّس في ضمائرها فينطقها بما تكتم، ويتغلغل في نفسياتها. ولم يؤثِّر الإسلام في شعره تأثيراً ملحوظاً، فظل يصدر عن ذوق لا يفارق الذوق الجاهلي سوى مفارقة طفيفة، وعن نظرة سلفية أوكالسلفية إلى العالم، وبذا كان شعره امتداداً للتيار الفني الجاهلي في صدر الإسلام. وهواستمرار طبيعي يقرّه الفكر ويفسّره، ويعهد صوراً كثيرة منه في تاريخ المجتمعات البشرية، وفي تاريخ الفن على حد سواء.