غيلان بن مسلم القدري
غيلان بن مسلم القدري |
|---|
غَيلان بن مُسْلم القَدَرِيُّ الدِّمشقيُّ، أبومروان (ت. 105هـ/723م)، لُقِّبَ القَدَرِيّ لقوله بالقَدَر، وتُنْسَبُ إليه الفرقة الغيلانية. أصله قبطي من مصر، كان أبوه قد أسلم وصار من موالي عثمان بن عفان.
القدرية
وسُـمِّيَت القَدَرِيَّة لقول دُعاتِها إنَّ كلَّ ما يعملونه قدَّره اللهُ تعالى عليهم سـواء أكان خيراً أم شرّاً، وأكثروا التَّفكيرَ في القَدَرِ، وبالغوا في القول فيه.
الغَيلانية
والغَيْلانِيَّة أتباعُ غَيلان ممَّن أخذوا بقوله في القَدَر. ذكرَ الشَّهْرَسْتانيُّ أنَّ غَيلان «أوَّل من أحدثَ القولَ بالقَدَر»، والصَّوابُ أنَّه أخذَ القولَ فيه عن معبد الجهني، وروى الذَّهبيُّ عن محمَّد بن شُعيب نطق: «سـمعْتُ الأوزاعي يقول: أوَّل من نطقَ في القدر سوسن بالعراق… أخذَ عنه مَعْبَد، وأخذ غَيلانُ القَدَريُّ عن مَعْبَد».
نشأته
ولد وعاش في مدينة دمشق التي نُسب اليها، وارتحل في طلب الفهم فدرس على الحسن بن محمد بن الحنفية في المدينة، وتفهم الفقه على الحسن البصري في البصرة. عاش غيلان في دمشق في زقاق فقير بقرب أحد أبواب دمشق اسمه باب الفراديس، ويقول يوسف زيدان: ((وأظنه كان محاطاً هناك بمناخ مسيحي عتيد)).
نبوغه
اشتهر غيلان بين جيرانه ومعاصريه بصلاحه وتقواه وورعه. ويعد من أعلام الوعاظ والخطباء والكتاب البلغاء، يضعه الفهماء والمؤرخون في الطبقة الأولى من الكتاب (مع ابن المقفع، وسهل بن هارون، وعبد الحميد)، وله رسائل - ضاعت - يقول عنها ابن النديم أنها بلغت ألفي صفحة!
وكان غيلان على صلة بالخليفة الأموي عمر بن عبد العزيز، حيث عهد اليه برد مظالم من سبقه من أمراء بني أمية، فكان غيلان ينادي لبيعها للناس في المدينة ويقول: تعالوا إلى اموال الظلمة، تعالوا إلى أموال الخونة! وقد وصلت هذه الحدثات العنيفة إلى مسامع هشام بن عبد الملك - الذي سيصبح خليفة فيما بعد - فنطق: هذا يعيبني ويعيب آبائي, والله إذا ظفرت به لأبترن يديه ورجليه.
بدعته
ممضى غيلان الكلامي هوأنه قرر ما سبقه اليه معبداً القائل بالحرية الإنسانية، فصار يخالف في الوقت ذاته ما كان الأمويون يروجونه من الجبرية، ومن تقريرهم حتى جميع ما كان، وما كائن، وما سيكون مستقبلاً، إنما هوأمر الله وقدره؛ مبررين بذلك حكمهم للناس، ومعفين انفسهم عن التغييرات التي أحدثوها في نظام الحكم الإسلامي. غير حتى غيلان ناقضهم في ذلك حين قرر حتى الإنسان مختار ، وانه يفترض أن يحاسب على اختياره، وهوالقول الذي توسع فيه المعتزلة فيما بعد، وتحول على أيديه إلى نظرية في الحرية الإنسانية تضاد ممضى الجبرية وترد عليه بالأدلة النقلية والعقلية.
وكان رأي غيلان في الخلافة والإمامة موافقاً لرأي الخوارج: أنها تصلح في جميع من يجمع شروطها، ولولم يكن من قبيلة قريش مخالفاً بذلك بني امية والشيعة على حد سواء، فكان يقول: ((كل من كان قائماً بالكتاب والسنة فهومستحق لها، ولا تثبت إلا بإجماع الامة)).
اعدامه
كان من شأنه أنْ قدَّمه الخليفةُ عُمَرُ ابن عبد العزيز أوَّل الأمر، ثمَّ عَلِمَ بقوله في القَدَر فساءه ذلك منه، فأوفد في طلبه، واجتمعَ إياس بن معاوية وغَيلانُ عند عمر بن عبد العزيز، فناظرَ بينهما، فقهرَه إياس ومازال يحصرُه في الكلام حتَّى اعترف غَيلان بالعجز وأظهر التَّوبةَ، فنادى عليه عُمَرُ بن عبد العزيز إنْ كان كاذباً في توبته. ولمَّا توفِّي عُمَرُ بن عبد العزيز عاد غَيلان إلى منطقته.
بعثَ إليه هشام بن عبد الملك بن مروان فنهاه عن القول في القدر، فنطق: «يا أمير المؤمنين ابعثْ إليَّ من يكلِّمُني ويناظرُني بين يديك فإنْ ظَفرَ بي فاقتلني، فبعث هشام بن عبد الملك إلى الأوزاعي فأتاه، فنطق الأوزاعيُّ لغيلان: أسألك أم تسألني، فنطق له القدري: سلني ولا تكثر، فنطق له الأوزاعي: أسألك عن أربعة أشياء، هل فهمْتَ أنَّ الله قضى على ما نهى عنه،يا ترى؟ فنطق له: قضى على ما نهى عنه ما عندي من هذا فهمٌ، فنطق له الأوزاعيُّ: هل فهمْتَ أنَّ الله حالَ دون ما أمرَ به،يا ترى؟ فنطق القَدَرِيُّ: هذه أعظمُ من الأُولى، ما عندي من هذا فهم. فنطق الأوزاعيُّ: هل فهمْتَ أنَّ الله أعانَ على ما حرَّمَ،يا ترى؟ فنطق القَدَرِيُّ: هذه أعظمُ من الاثنتين، ثم نطق هشام بن عبد الملك للأوزاعيِّ: يا أبا عمروتكلَّمْتَ ففسِّـرْه، فنطق الأوزاعيُّ: سألْتُه عن ثلاث حدثاتٍ من كتاب الله تعالى، قلت له: هل فهمْتَ أنَّ الله تعالى قضى على ما نهى عنه، أَنَهَى آدمَ عليه السَّلام عن أَكْلِ الشَّجرةِ وقضى عليه بأَكْلِها؟! وقلْتُ له: هل فهمْتَ أنَّ الله حالَ دونَ ما أمرَ به،يا ترى؟ أأمرَ إبليسَ بالسُّجود وحالَ بينه وبين ذلك؟! وقلْتُ له: هل فهمْتَ أنَّ الله عزَّ وجلَّ أعانَ على ما حرَّمَ،يا ترى؟ حرَّمَ الميتة وأعانَ المضطَّرَ على أَكْلِها. ثم نطق هشـام للأوزاعي: أبلغني عن الرَّابعة ما هي،يا ترى؟ نطق: كنْتُ أقول له أبلغني عن مَشيئَتِكَ، أهي مُتَّفِقَةٌ مع مشـيئةِ الله أومشيئتكم دون مشـيئة الله تعالى». قتله هشامُ بن عبد الملك بن مروان، وصلبه على باب كَيْسـان بدمشقَ.
موقف الفهماء من قتله
كان أستاذه الحسن بن محمد بن الحنفية قد تنبأ له بهذا المصير عندما أشار اليه فنطق: ((أترون هذا،يا ترى؟ .. انه حجة الله على أهل الشام (يعني يني امية) .. ولكن الفتى مقتول!)). أما خصومه - من فهماء السلطان - ففرحوا بمقتله ونطقوا: ((إن قتله أفضل من اغتال ألفين من الروم!)). أما الآجري وابن عساكر فيرددان تعبير الإمام مكحول الشامي - المعاصر لغيلان - حيث نطق عنه: ((لقد هجر غيلان هذه الامة، في لجج مثل لجج البحار)).
نطق عبد القاهر البغدادي: «كان غَيلانُ القَدَرِيُّ يجمع بين القـدر والإراتى، ويزعم أنَّ الإيمانَ هوالفهم الثَّانيـة بالله تعالى… وزعـمَ أنَّ الفهمَ الأولى اضطرارٌ وليس بإيمان»، وذكرَ عضد الدين الإيجي في «المواقف» نحوذلك من جَمْعِهِ بين القَدَرِيَّة والمُرْجِئَةِ، ثم نطق: «واختصَّ غَيلانُ بالقَدَرِ»، وذلك لغَلَبَةِ القَدَرِيَّة عليه.
المصادر
- أسامة اختيار. "غَيلان بن مُسلم القَدَرِيّ". الموسوعة العربية.
- ^ ابن بطة العكبري، الإبانة الكبرى
- ^ يوسف زيدان، اللاهوت العربي، ص:161-164.
- ^ محمد عمارة، مسلمون ثوار
- ^ ابن النديم، الفهرست
- ^ ابن عساكر، تاريخ دمشق، ج:48، ص:186-212.
- ^ الآجري، كتاب الشريعة، ص:975
للاستزادة
- الشهرستاني، المِلَلُ والنِّحَل (دار الفهم، بيروت 1983م).
- شِيْثُ بن إبراهيم، حزّ الغَلاصم وإفحام المُخاصم عند جريان النَّظَر في أحكام القَدَر (مؤسسة الخط الثَّقافيَّة، بيروت 1985م).
- عبد القاهر بن طاهر البغداديّ، الفَرْقُ بين الفِرَق (دار الآفاق الجديدة، بيروت 1977م).
- عضد الدِّين الإيجيّ، المواقف (دار الجيل، بيروت 1997م).
- المضىي، سير أعلام النبلاء، تحقيق مجموعة باحثين (مؤسسة الرسالة، بيروت د.ت).
