الحطيئة
الحطيئة هوأبومُلَيْكة جرول بن أوس بن مالك العبسي (600-678م)، شاعر مخضرم. أدركالجاهلية وأسلم في زمن أبي بكر. ولد في بني عبس دعِيًّا لا يُعهدُ له نسب فشبّ محروما مظلوما، لا يجد مددا من أهله ولا سندا من قومه فاضطر إلى قرض الشعر يجلب به القوت ، ويدفع به العدوان ، وينقم به لنفسه من بيئةٍ ظلمته، ولعل هذا هوالسبب في أنه اشتد في هاتى الناس ، ولم يكن يسلم أحد من لسانه فقد هجا أمّه وأباه حتى إنّه هجا نفسه.
حبسه
كان سبب حبسه أنه أكثر من هاتى الزبرقان بن بدر وهوسيد من سادات بني تميم فشكاه إلى عمر بن الخطاب وكان الحطيئة قد نطق فيه:
دعِ المكارمَ لا ترحلْ لبغيتها = واقعـدْ فإنّك أنـت الطاعمُ الكاسي
وقد استعطف الحطيئة وهوفي السجن الخليفة عمر بن الخطاب بقصيدة مؤثرة نطق فيها :
ماذا تقول لأفراخٍ بذي مرخٍ = زغبُ الحواصلِ لا ماءٌ ولا شجرُ
غادرْتَ كاسبَهم في قعر مُظلمة = فارحم هداك مليكُ الناس يا عمرُ
أنت الإمامُ الذي من بعد صاحبه = ألقى إليك منطقيدَ النُّهى البشرُ
لم يؤثروك بها إذ قدّموك لها= لكن لأنفسهم كانت بك الأثرُ
فامنن على صبيةٍ بالرَّمْلِ مسكنُهم = بين الأباطح يغشاهم بها القدرُ
نفسي فداؤك كم بيني وبينَهُمُ= من عَرْضِ واديةٍ يعمى بها الخبرُ
فأطلقه الخليفة واقتنى منه أعراض المسلمين بثلاثة آلاف درهم، فتوقف عن الهاتى، ولكن ينطق أنه عاد للهاتى بعد مقتل عمر بن الخطاب.
من هجائه
نطق عن أمه : جزاك الله شراً يا عجوز = ولقاك العقوق من البنينا
تنحي فأجلسي مني بعيداً = أراح الله منك العالمينا
أغربالاً إذا استودعت سراً = وكانوناً على المتحدثينا
ونطق لأبيه:
فبئس الشيخ أنت لدى المخازي = وبئس الشيخ أنت لدى المعالي
جمعت اللؤم لا حياك ربي = وأبواب السفاهة والضلال
ونطق يهجوا نفسه :
أبت شفتاي اليوم إلا تلكماً = بهجوفما أدري لمن أنا قائله
فرأى وجهه في الماء فنطق:
أرى اليوم لي وجهاً فلله خلقه = فقبح من وجه وقبح حامله
وعندما توفي أوصى حتى يعلق هذا على كفنه:
لا أحدٌ ألأم من حطيئة = هجا البنين وهجا المريئة
الشعر القصصي
الحطيئة رائد الشعر القصصي كما هوواضح في قصيدته سيرة كريم :
وطاوي ثلاث عاصب البطن مرمل ............بتيهاء لم يعهد بها ساكن رسما
أخي جفوة فيه من الأنس وحشة ............يرى البؤس فيها من شراسته نعمى
وأفرد في شعب عجوزاً إزاءها .............ثلاثة أشباح تخالهم بهما
حفاة عراة ما اغتذوا خبز ملّة ..........ولا عهدوا للخبز مذ خلقوا طعما
وبعد هذه الإضاءة لبيئة السيرة، وشخوصها تبدأ حبكة السيرة وتأزم الحدث:
رأى شبحاً وسط الظلام فراعه ..............فلما بدا ضيفاً تسوّر واهتمّا
ويأخذ التأزم في التطوروتشتد عقدة السيرة حتى تصل منتهى الشد:
فنطق ابنه لما رآه بحيرة ..................أيا أبتي اذبحني ويسّر له طعما
ولا تعتذر بالعدم عل الذي طرا ............يظن لنا مالاً فيوسعنا ذما
فروّى قليلاً ثم أحجم برهة ..................وإن هولم يذبح فتاه فقد همّا
ونطق هيا ربّاه، ضيف ولا قرى،يا ترى؟ .............بحقك لا تحرمه تاالليلة اللحما
ثم تأخذ الأزمة في الانفراج، ويبدأ حل العقدة:
فبياهما عنت على البعد عانة ...........قد انتظمت من خلف مسحلها نظما
عطاشاً ترغب الماء فانساب نحوها .........على أنه منها إلى دمها أظما
فأمهلها حتى تروت عطاشها ..............فأوفد فيها من كنانته سهما
فخرّت نحوص ذات جحش سمينة ...............قد اكتنزت لحماً وقد طبقت شحما
وانحلت العقدة.. ثم تليها الإضاءة الأخيرة:
فيابشره إذ جرّها نحوقومه .............ويابشرهم لما رأوا حدثها يدمى
فباتوا كراماً قد قضوا حق ضيفهم ...........فلم يغرموا غرماً وقد غنموا غنما
وبات أبوهم من بشاشته أباً ................لضيفهم والأم من بشرها أما
المدح والثناء
ويعتبر نقاد الأدب العربي القدماء، حتى أبياته التالية في المدح مما لا يلحق له غبار، أما النقاد المحدثون، فمنهم الدكتور محمد غنيمي هلال الذي اعتبرها من القصائد التي امتازت بالجزالة التي تتوافر للفظ إذا لم يكن غريباً ولا سوقياً.. وهي كما نرى تنبض بالحكمة من داخلها وإن كان ظاهرها الاستجداء والمدح:
يسوسون أحلاماً بعيداً أناتها = وإن غضبوا اتى الحفيظة والجدُّ
أقلوا عليهم لا أباً لأبيكم = من اللوم أوسدّوا المكان الذي سدوا
أولئك قوم إذا بنوا أحسنوا البنى = وإن عاهدوا أوفوا وإن عقدوا شدوا
وإن كانت النعماء فيهم جزوا بها = وإن أنعموا لا كدّروها ولا كدّوا
كان "بنوأنف الناقة" لا يرتاحوا للقبهم فنطق فيهم الحطيئة مادحاً:
- قوم هم الأنف والأذناب غيرهموا ومن يساوي بانف الناقة الذنب
فاصبحوا يفتخرون به
المصادر
- المجلة العربية
- باب دوت كوم
- أدب ديوان الشعر العربي