إسماعيل باشا (1695)

عودة للموسوعة

إسماعيل باشا (1695)

ثورة الجياع 1695

يروي المؤرخ المصري عبد الرحمن الجبرتي في الجزء الاول من تاريخه عن ثورة جياع عنيفة شهدتها القاهرة في منتصف شهر المحرم سنة 1107 (ما يوافق 26 أغسطس 1695) بدأت وقائعها عندما «اجتمع الفقراء والشحاذون رجالا ونساء وصبيانا وطلعوا إلى القلعة، ووقفوا بحوش الديوان، وصاحوا من الجوع فلم يُجِبهم أحد، فرجموا بالأحجار، فركب الوالي وطردهم»، وعندما استوعب الفقراء حتى الصياح ورجم الحجارة لم يكن كافيا لإقناع الحاكم بجدية مطالبهم، قرروا حتى يعملوا ما أجدى، فنهبوا مخازن الغلال الحكومية والمخازن التي يمتلكها كبار التجار أيضا، ووزعوا ما بها من فول وشعير وأرز وقمح على بعضهم، لتشهد البلاد بعدها أزمة غلاء حادة، «وحصل شدة عظيمة بمصر وأنطقيمها، وحضرت أهالي القرى والأرياف، حتى إمتلأت منهم الأزقة، واشتد الكرب حتى أكل الناس الجيف، ومات الكثير من الجوع، وخلت القرى من أهاليها، وخطف الفقراء الخبز من الأسواق، ومن الأفران، ومن على رؤوس الخبازين، ويمضى الرجلان والثلاثة مع طبق الخبز يحرسونه من الخطب وبأيديهم العصى، حتى يخبزوه بالفرن، ثم يعودون به».


الوالي الجديد

نجحت ثورة الجياع بعد 12 يوما فقط في عزل الوالي علي باشا الذي افترض في البداية حتى طرده للفقراء كافٍ للسيطرة على غضبهم، وفي يوم 17 صفر تولى الحكم الوالي الجديد إسماعيل باشا، «ولما استقر في الولاية ورأى ما في الناس من الكرب والغلاء، أمر بجمع الفقراء والشحاذين، وأمر بتوزيعهم على الأمراء والأعيان، جميع إنسان على قدر حاله وقدرته، وأخذ لنفسه جانبا ولأعيان دولته جانبا، وعَيّن لهم ما يكفيهم من الخبز والطعام صباحا ومساء، إلى حتى انقضى الغلاء، وأعقب ذلك وباء عظيم، فأمر الباشا بيت المال حتى يكفن الفقراء والغرباء، فصاروا يحملون الموتى من الطرقات، ويمضىون بهم إلى مغسل السلطان إلى حتى انقضى أمر الوباء في آخر شوال».

لم تكن سيطرة الوالي على أزمتي الغلاء والوباء آخر مآثره، فمع مرور الأيام أخذت مآثره تتوالى، فأكبر له الناس مثلا قيامه بالقبض على شيخ إسمه محمد الزرقاني خط حُجّة وقف مزورة، وأمر الوالي بحلق لحية الشيخ الزرقاني وتشهيره على جمل في الأسواق بينما المنادى ينادي «هذا جزاء من يخط الحجج الزور»، ثم أمر بنفيه إلى جزيرة الطينة، وأبهرهم قيامه بمحاسبة باشا إسمه علي المنفصل تهرب من أداء الضرائب، فتم تشميع منزله وبيع ممتلكاته، ولهج الناس بالثناء على الوالي عندما قام في يوم ختان ولده إبراهيم بالتكفل بمصاريف ختان 2336 غلام من أبناء الفقراء وأمر لكل غلام مختون بكسوة كاملة ودينار، ومع توالي قراراته العادلة الحكيمة افترض الناس أنهم وجدوا أخيرا حلمهم في حاكم عادل يدوم عدله إلى الأبد.

لكن الوالي قرر فجأة حتى يغير سياسته الإقتصادية في حكم البلاد، بناءا على نصيحة مدير إدارة ضرب النقود الذي كان يهوديا إسمه ياسف، ولأنه كان بارعا في مهنته وخبيرا بمفاتيحها، فقد استطاع حتى يقنع الوالي بخطة جديدة يقترحها لزيادة ما يتم تحصيله لخزينة الدولة، فأشهر الوالي النداء بالقرارات الجديدة في شوارع مصر، «فاغتم الناس وتوجه التجار وأعيان البلد إلى الأمراء وراجعوهم في ذلك، فركب الأمراء وطلعوا إلى القلعة وفاوضوا الباشا فجاوبهم بما لا يرضيهم، فقاموا عليه قومة واحدة، وسألوه حتى يسلمهم اليهودي فامتنع عن تسليمه»، وتصاعد الخلاف بين الوالي وأركان دولته الذين كانوا أكثر إدراكا منه لغضب الشارع، وبعد شد وجذب قرر الوالي حتى يضحي بمساعده فيضعه في الحجز إمتصاصا للغضب، لكن مطالب الشارع كانت قد تصاعدت وقتها بسبب تأخر الوالي في إتخاذ القرار، وهوما لم يدركه الوالي الذي كان يعتقد في قرارة نفسه حتى الناس لن تنسى له ما عمله من أجلهم عندما سيطر على أزمتي الغلاء والوباء، ولن تنكر له جميع ما قام به من مآثر كانوا يحكون ويتحاكون عنها حتى وقت قريب، كما أنه أيضا لم يكن يتصور أبدا حتى جنوده سينقلبون عليه، وسيقومون بالتوجه إلى السجن وإخراج مساعده منه ليقوموا بقتله وجره من رجليه في شوارع العاصمة، وهوما شجع الجماهير الغاضبة على التمادي، فقامت جماعات منها بخطف جثة الرجل وجمع حطب وقاموا بإحراق الجثة على الملأ بعد صلاة الجمعة. مع حتى مطلب هؤلاء الجماهير في البداية كان مقتصرا على الإطاحة بهذا الرجل من منصبه وإيقاف قراراته التي جلبت الخراب للناس، لكن تعنت الوالي وعناده النابع من ثقته في حب شعبه له، جعل مشاعر الغضب تتصاعد بداخلهم وتفقدهم إنسانيتهم ليرتكبوا عملا بشعا كهذا، وبدلا من حتى ينقذ الوالي نفسه بالإستجابة للناس منذ البداية، أدى به عناده إلى حتى يفقد هوحكمه شخصيا كما يخبرنا الجبرتي، ففي ثاني عشر ربيع الأول قامت العساكر المصرية وعزلوا الباشا وحاسبه الوالي الجديد، حسين پاشا، الذي تولى بعده فوجد أنه تأخر عليه خمسون ألف إردب دفع عنها خمسين كيسا واضطر لبيع منزله وبلاد البدرشين التي كانت وقفا له وتوجه إلى بغداد التي اتخذها منفى له، لينتهي حكمه بعد سنتين فقط لأنه لم يدرك خلالهما أبرز تفهم ينبغي حتى يتفهمه الحاكم «لا تأمن غضب فقراء شعبك لأنهم لنقد يكونوا لك على الدوام إلا لوكنت لهم على الدوام».

الهامش

  1. ^ بلال فضل (2013-05-19). "في حضرة الجبرتى". صحيفة الشروق المصرية. Retrieved 2013-05-19.
سبقه
علي باشا
الوالي العثماني على مصر
1695-1697
تبعه
حسين پاشا
تاريخ النشر: 2020-06-04 14:48:30
التصنيفات: ولاة مصر العثمانيون, 1695 في مصر, 1696 في مصر, 1697 في مصر

مقالات أخرى من الموسوعة

سحابة الكلمات المفتاحية، مما يبحث عنه الزوار في كشاف:

آخر الأخبار حول العالم

اشتباكات طرابلس: قتلى وجرحى في معارك بين قوات تابعة للحكومة الليبية

المصدر: BBC News عربي - بريطانيا التصنيف: سياسة
تاريخ الخبر: 2023-08-15 18:06:29
مستوى الصحة: 86% الأهمية: 99%

الجزائر تسحب فيلم "باربي" من الصالات بعد أسابيع من طرحه

المصدر: الأول - المغرب التصنيف: سياسة
تاريخ الخبر: 2023-08-15 15:25:59
مستوى الصحة: 51% الأهمية: 60%

ليبيا المنقسمة عاجزة عن وقف تدفق اللاجئين - الغارديان

المصدر: BBC News عربي - بريطانيا التصنيف: سياسة
تاريخ الخبر: 2023-08-15 18:06:30
مستوى الصحة: 92% الأهمية: 91%

وقف عرض فيلم "باربي" في صالات السينما الجزائرية بعد أسابيع من طرحه

المصدر: فرانس 24 - فرنسا التصنيف: سياسة
تاريخ الخبر: 2023-08-15 18:06:40
مستوى الصحة: 79% الأهمية: 85%

الجزائر تسحب فيلم "باربي" من الصالات بعد أسابيع من طرحه

المصدر: الأول - المغرب التصنيف: سياسة
تاريخ الخبر: 2023-08-15 15:26:05
مستوى الصحة: 60% الأهمية: 50%

تحميل تطبيق المنصة العربية