جامعاتي

عودة للموسوعة

جامعاتي

هذا الموضوع مبني على
منطقة لابراهيم العريس
بعنوان .


ثلاثة أمور صنعت معاً شهرة المحرر الروسي الكبير مكسيم گوركي، في نظر قرائه، وبالنسبة الى تاريخ الأدب في القرن العشرين: مسرحيته «الحضيض»، وصداقته مع لينين، زعيم الثورة الروسية التي أوصلت البولشفيين إلى الحكم في العام 1917، وأخيراً الغموض الذي أحاط بموته في العام 1936، حينما كانت محاكمات موسكوالستالينية في أوجها، وتطاول بخاصة أولئك الذين صنعوا الثورة وآمنوا بها. ويقيناً حتى ذلك الغموض لا يزال حتى اليوم يطرح أسئلته من دون حتى تكون عنها إجابات قاطعة. غير ان هذا لا يظهر اليوم مهماً... وكذلك صارت صداقة غوركي مع لينين شيئاً من الماضي الذي بالكاد يذكره أحد. أما بالنسبة الى «الحضيض»، فهي هنا دائماً لتذكر بأن غوركي كان أيضاً محرراً كبيراً، وأن العمل السياسي، كان عبئاً عليه، في معنى حتى غوركي لولا انخراطه في النضال وفي الثورة، كتابة وفي شكل عملي، لكانت مكانته الأدبية في القرن العشرين، أكبر كثيراً مما تبدوعليه. وللتأكد من هذا، قد تكفينا قراءة «الحضيض» أورؤيتها تمثل، وقد يكفينا ان نذكر حتى «الأم» أيضاً من تأليف غوركي، حتى وإن اشتهرت باقتباس برتولد بريخت لها، على المسرح، أوباقتباس بودفكين لها في السينما. غير ان «الحضيض» و«الأم» ليسا طبعاً جميع شيء في حياة غوركي الأدبية. فغوركي خط كثيراً، في السيرة والرواية والنصوص الأدبية. ومن بين هذه الأعمال جميعاً، على رغم شهرة «الحضيض» و«الأم» يرى كثر من الباحثين ان النص الأكبر الذي خطه غوركي انما هوثلاثية سيرته الذاتية، التي تبدواليوم منسية بعض الشيء، مع انها كانت خلال النصف الأول من القرن العشرين، ذات شعبية هائلة، داخل الاتحاد السوفياتي وخارجه، ولا سيما بعدما غيرت الى ثلاثية سينمائية.

من بين أجزاء هذه الثلاثية، وعناوينها: «حياتي كطفل» و«فيما أكسب رزقي» و«جامعاتي»، يقف هذا الجزء الأخير نسيج وحده، كبترة أدبية استثنائية، فهماً حتى الغرب عهد هذا الجزء تحت عنوان غير دقيق هو«ذكريات حياتي الأدبية»، مع انه انما يتحدث عن ذكريات غوركي كطالب للفهم... كما يتحدث عن الكيفية التي انتقل بها من الدراسة الى الكتابة. والمهم حتى جوركي أصدر هذا النص في عام 1923، وكان بلغ ذروة في شهرته الأدبية، وارتبط اسمه باسم صديقه لينين، ما مكنه من حتى يعبّر دون خوف عن تحفظات عدة حول الكيفية التي تدار بها شؤون الثورة وشجون الدولة... ويبدوهذا معكوساً في ثنايا هذا الكتاب الجميل.

يحدثنا غوركي في هذا الكتاب، عن حياته بدءاً من عامه السابع عشر حين وصل الى مدينة قازان الجنوبية حيث سيتابع دراسته الجامعية. وهناك، لما كان الفن خالي الوفاض ومعرضا للموت جوعاً في أية لحظة، بحسب تعبيره. كان عليه حتى يعمل خلال جزء من يومه على ضفاف نهر الفولغا، وسط الحفاة البائسين المستضعفين الذين عثر لزاماً عليه حتى يشاطرهم بؤسهم وأحقادهم وإحساسهم بالعداء تجاه العالم كله، أوبحسب ما يخط: «لقد كنت أحب حقدهم تجاه الحياة. كنت أحب موقفهم العدائي الصاخب والوقح تجاه أنفسهم. فالحقيقة ان جميع ما كنت أنا عشته قبل حتى ألتقي بهم، كان يجتذبني الآن نحوأولئك الأشخاص ويعطيني الرغبة في الغوص في عالمهم الرهيب». غير ان الأمر لم يطل بغوركي هناك... إذ اننا سرعان ما نراه وقد تحوّل الى فتى عامل في فرن، في الوقت نفسه الذي راح يختلط بأوساط الطلاب، ويصبح جزءاً من حركتهم المتمردة والراديكالية، مشاطراً اياهم اجتماعات سرية يقوم نشاطهم الأساس خلالها على قراءة خط ممنوعة بأمر من الشرطة: لقد كانت تلك الأوساط أوساطا تهيئ للثورة، وسط صخب فكري يتجاور فيه الشبان الغاضبون مع فاقدي الإيمان المتعصبين، مع المتأثرين بأفكار تولستوي الانسانية اليوتوبية الحالمة... ويضج فيه الخطباء الصارخون بالأفكار الكبيرة. كان مناخاً في منتهى الغرابة والحيوية ذاك الذي يصفه غوركي في تلك الصفحات، من دون حتى يتوقف بين صفحة وأخرى عند مسقطه الخاص، هوالذي كان يشعر في ذلك الحين حتى فؤاده موزّع «بين أحلام تغرس الطيبة والعدالة والإيمان» و«يأس ولد، بخاصة، من رحم الفاقة»... سيكون هونفسه اليأس الذي يدفع به ذات مرة الى محاولة الإنتحار. غير ان هذا كله لم يمنع فتانا من حتى يقدم على إيجاد حلول لوضعيته الخاصة، تتمثل كلها في القراءة... إذ ها نحن نراه يُقبل على قراءة الخط وكل ما يقع بين يديه، حتى من دون حتى يدرك أول الأمر ان تلك القراءات ستكون جامعته الحقيقية. ففي أول الأمر كانت قراءاته الكثيفة مجرد استجابة الى صديق راح يحدثه عن كبار الكتاب الروس ويوفر له خطهم: من بيساريف إلى تشيرنيشيفسكي، ومن بوشكين إلى نيكراسوف... ولكن أيضاً في امتداد نحوالخارج كان من علاماته خط الفيلسوف الانكليزي لوك، ونصوص ماكياڤلي وسبنسر وداروين... جميع هؤلاء كانت قراءتهم، بالنسبة إلى گوركي، سبيله الأول الى الابتعاد عن فكرة الانتحار، إذ أصبح سؤاله الأساس هنا: كيف من الممكن أن كان يمكنني حتى أحرم نفسي من حياة تضم جميع هذه النصوص والاطلاع على جميع هذه الأفكار؟

لقد كان الفضل في ذلك، إذاً، الى ذلك الصديق الذي منح گوركي الشاب مذاق الحياة... والذي، في الوقت نفسه، جعله يدخل في أسرار الروح الفلاحية الروسية التي لم تكن لتعني له شيئاً من قبل... لكنها اليوم تبرز أمامه لكي تعطيه نوعاً من المصالحة مع الحياة. والحياة في ذلك الحين كانت أيضاً، صنواً للنشاط السياسي. فالشاب الروسي المثقف كان دائماً في روسيا ذلك الحين، ثورياً روسياً حقيقياً، حتى وإن بدت ثورته في معظم الأحيان فوضوية لا تملك أي برنامج عمل بنّاء للمستقبل. وگوركي بفضل قراءاته، كما بفضل العلاقة الجديدة التي راح ينسجها مع الروح الفلاحية الروسية كان من الطبيعي له حتى يصبح مشتبهاً به من الناحية السياسية. إلى غير ذلك راح يشعر في جميع لحظة ان الشرطة تراقبه. لذا بات كثير التنقل، يغيّر مكان اقامته باستمرار. ولقد مكنه هذا - كما يروي لنا - من الإفلات من قبضة شرطة أرادت غير مرة الامساك به لكي تودعه معسكرات الاعتنطق في أقاصي سيبيريا. وفي تلك الآونة تعهد غوركي على المحرر كورولنكوالذي راح يشجعه على الكتابة كخطوة تالية للقراءة. ولئن كان غوركي يعترف هنا بفضل هذا المحرر عليه في المجال الأدبي، فإنه يعترف في الوقت نفسه بأن دخوله عالم كتاب «رأس المال» لكارل ماركس كان هوما أنقذه من الغرق في «مثالية» بدا وكأن قراءاته جهزته لها. كتاب كارل ماركس أعاده الى الواقع. ومن هنا حين بدأ ينشر قصصه الأولى، كان ذلك كله محفوراً في ذهنه، فلقيت كتاباته الأولى ترحيباً، من المجلات الراديكالية الثورية التي راحت تنشرها، كما من الأوساط الأدبية. وفي ذلك الحين كنا وصلنا الى العام 1901، العام الذي بدأ فيه نجم غوركي يبرز في أفق الثقافة الروسية، محولاً فتى قازان البائس الى محرر يسير خطواته الكبرى الى الأمام... بفضل جامعاته الحقيقية: الخط.

لقد أخذ البعض على غوركي كون الحياة التي يصفها لنا في هذا الكتاب، فيها شيء من المغالاة... ولكن آخرين نطقوا ان هذا لا يهم. «حسبنا ان المحرر قدم لنا، من خلال مذكرات ممكنة الحدوث، صورة نموذجية تفصيلية لحياة شاب روسي عند نهاية القرن التاسع عشر» أي على عتبة العمل الثوري الكبير. أما غوركي نفسه، ومسماه الأصلي اكسل ماكسيموفتش بشكوف، (1868- 1936)، فإنه سيعيش لاحقاً، في موسكو، ثم في منفاه الإيطالي، حيث ارتبط بصداقته الشهيرة مع لينين، ويصبح واحداً من كبار الكتاب الروس... بل واحداً من أبرز الكتاب في العالم كله، وسيواصل الكتابة، في مجالات المسرح والسيرة القصيرة والرواية، عبر نصوص لعل أبرز ما نلاحظه فيها حتى شخصياتها الأساسية أتت في معظم الأحيان مستقاة مباشرة من بعض أبرز الشخصيات التي تطالعنا في ذلك الكتاب الغني والواقعي «جامعاتي».

العمل تحول إلى فيلم في 1940، من اخراج وسيناريومارك دونسكوي.

تاريخ النشر: 2020-06-04 15:23:01
التصنيفات: أعمال مكسيم گوركي, أعمال 1923

مقالات أخرى من الموسوعة

سحابة الكلمات المفتاحية، مما يبحث عنه الزوار في كشاف:

آخر الأخبار حول العالم

مجلس قضاء الجزائر يؤيد عقوبة 12 سنة حبسا نافذا في حق السعيد بوتفليقة

المصدر: صوت الشلف - الجزائر التصنيف: مجتمع
تاريخ الخبر: 2023-05-02 21:28:34
مستوى الصحة: 55% الأهمية: 60%

المنصوري: 60 مدينة بدون صفيح ونسبة تقدم البرنامج بلغت 74 في المائة

المصدر: كِشـ24 - المغرب التصنيف: سياسة
تاريخ الخبر: 2023-05-03 00:15:13
مستوى الصحة: 30% الأهمية: 49%

"قصر رياس البحر" جوهرة معمارية جزائرية مصنفة تراثا عالميا

المصدر: صوت الشلف - الجزائر التصنيف: مجتمع
تاريخ الخبر: 2023-05-02 21:28:27
مستوى الصحة: 54% الأهمية: 55%

حكومة أخنوش تراهن على سياحة الأعمال للترويج للدار البيضاء

المصدر: كِشـ24 - المغرب التصنيف: سياسة
تاريخ الخبر: 2023-05-03 00:15:16
مستوى الصحة: 36% الأهمية: 44%

خرائط طريق قريبا لإعداد استراتيجية القطاع

المصدر: صوت الشلف - الجزائر التصنيف: مجتمع
تاريخ الخبر: 2023-05-02 21:28:32
مستوى الصحة: 59% الأهمية: 68%

البنك الوطني الجزائري يمدد قرضه الموجه للحجاج

المصدر: صوت الشلف - الجزائر التصنيف: مجتمع
تاريخ الخبر: 2023-05-02 21:28:28
مستوى الصحة: 59% الأهمية: 51%

60 سنة سجنا تنتظر “حراگة” مغاربة بسبب اغتصاب نرويجية

المصدر: كِشـ24 - المغرب التصنيف: سياسة
تاريخ الخبر: 2023-05-03 00:15:10
مستوى الصحة: 44% الأهمية: 47%

انطلاق موسم زراعة أول محصول لـ”الكيف” بالمغرب

المصدر: كِشـ24 - المغرب التصنيف: سياسة
تاريخ الخبر: 2023-05-03 00:15:22
مستوى الصحة: 39% الأهمية: 50%

صالون الطالب والآفاق الجديدة "خطوة 2023" يحط الرحال بوهران

المصدر: صوت الشلف - الجزائر التصنيف: مجتمع
تاريخ الخبر: 2023-05-02 21:28:35
مستوى الصحة: 47% الأهمية: 65%

نادي الصحافة بالمغرب يخلد اليوم العالمي لحرية الصحافة

المصدر: كِشـ24 - المغرب التصنيف: سياسة
تاريخ الخبر: 2023-05-03 00:15:17
مستوى الصحة: 41% الأهمية: 45%

تفاصيل توقيف شخص تورط في انتهاك حرمة مسجد في بنسودة

المصدر: كِشـ24 - المغرب التصنيف: سياسة
تاريخ الخبر: 2023-05-03 00:15:12
مستوى الصحة: 42% الأهمية: 42%

كورونا: 13 إصابة جديدة مع عدم تسجيل أي وفاة

المصدر: صوت الشلف - الجزائر التصنيف: مجتمع
تاريخ الخبر: 2023-05-02 21:28:29
مستوى الصحة: 49% الأهمية: 50%

تحميل تطبيق المنصة العربية