موت إيڤان إيليـِتش (بالروسية: Смерть Ивана Ильича, Smert' Ivana Ilyicha) نشرت لاول مره في عام 1886 وتعتبر من روائع خيال المحرر ليوتولستوي وخطت بعد فترة وجيزة من تحوله الديني في أواخر عقد 1870.

في نحوالستين من عمره خط تولستوي سيرة طويلة، لا ينظر إليها عادة باعتبارها واحدة من أعماله الكبيرة، إذ لا يمكن أحداً حتى يضاهيها بـ «الحرب والسلام» أو«أنا كارينينا» أو«البعث»، ومع هذا يمكن حتى تقول عنها إنها عمل مهم بالمعنى نفسه الذي ينطق فيه عادة إذا الأعمال الثانوية للكتاب الكبار تكون اكثر قدرة عادة على كشف أفكارهم في شكل مباشر، أوعلى الأقل كشف أسرارهم الأدبية. ومن هنا، مثلاً، إذا نقاداً كثراً يعتبرون «قشتمر» لنجيب محفوظ، رواية/مفتاح تساعد على فهم أسراره الأدبية، اكثر مما تعمل «الثلاثية» أو«الحرافيش» أو«بداية ونهاية». وطبعاً هذه مقاييس أدبية أكاديمية صرفة، لا تحاول حتى تحلّ الأعمال الصغرى محل الأعمال الكبرى. ثم إذا «موت ايفان ايليتش» لتولستوي ليست على أية حال «عملاً» صغيراً، إلا حين تقارن بشوامخ من طراز «الحرب والسلام».

فـ «موت ايفان ايليتش» في حدّ ذاتها عمل كبير لتولستوي له مكانته. وإذا كان الكونت الروسي الكبير ذوالنزعة الإنسانية قد اختار حتى «يؤخر» كتابة هذا العمل حتى الربع الأخير من حياته، فما هذا إلا لأنه كان يرى في هذه الرواية ما اكثر من العمل الأدبي بكثير. وإذا كنا في مناسبات سابقة قد اطللنا على هذا العمل لتوستوي مركزين على بعده الأدبي والفني، فإن له أيضاً جانباًَ قد تتمكن نظرة ثانية إلى العمل من سبره، على ضوء الأفكار التي راحت تعمل لدى تولستوي خلال القسم الثاني من حياته، محوّلة إياه من أديب كبير إلى مصلح إنساني صاحب ممضى في العدالة الاجتماعية فتن في زمنه كثراً، بما فيهم مفكرنا النهضوي الكبير محمد عبده (الذي راسل تولستوي زمناً)، كما أثار غضب كثر آخرين من ضمنهم الكنيسة الرسمية.

من هـنا يصح التعامل مع رواية «موت ايفان ايليتش» كعمل فكري، بمقدار ما يصح التعامل معها كعمل روائي. من الناحية الروائية يتناول هذا العمل إنسان الموسر البورجوازي المنتمي إلى شريحة أثرياء المدن في روسيا نهاية القرن التاسع عشر، ايفان ايليتش. إذا جميع ما لدى هذا الرجل يتحدث عن النجاح وعن الحياة العادية في استقامتها التي يعيشها أفراد طبقته، مصرّين على أنانيتهم وضيق أفقهم وتفاهتهم ونفاقهم - وجملة من صفات أخرى يلصقها تولستوي بهم -. وإيفان ايليتش هذا، ليس أسوأ ولا أحسن من أفراد طبقته. وما كان يمكن لمصيره حتىقد يكون أسوأ أوأحسن، خصوصاً انه اقترن بامرأة من الطبقة نفسها، وتعزز مركزه في وظيفة جيدة أسندت إليه في محكمة الاستئناف. حياة ايفان ايليتش العائلية لم تكن سعيدة، غير حتى الرجل لم يبادر بالشكوى، بل صبر على جميع ما يعيشه راضياً مكتفياً. ثم ذات يوم، وعلى طريق صعوده الاجتماعي والوظيفي المتواصل، يجد نفسه وقد نقل إلى منصب في منقطة ريفيه غير بعيدة من سانت بطرسبرگ. ولكن هناك، وفيما كان إيفان يركب بعض الستائر في البيت، يقع من على السلم فيحس ألماً في فخذه... في البداية لا يبالي بذلك الألم... غير حتى الألم سرعان ما يتفاقم ما يرغم الرجل على ارتياد عيادات الأطباء واحداً بعد الآخر... لكن جميع واحد من هؤلاء يشخص الحالة على مزاجه، من دون حتى يقرّ لهم قرار. إلى غير ذلك من طبيب إلى آخر ومن تشخيص إلى آخر يبدأ فخذ ايفان بالاهتراء وتتزايد آلامه، فيقرر ذات لحظة حتى يتوقف عن زيارة الأطباء واستشارتهم، مفضلاً الاكتفاء بتناول المخدرات كمسكنات. ولنا هنا حتى نتخيّل مقدار ما يفترض أن تزداد حال صاحبنا سوءاً، إلى درجة حتى زوجته لا تعود تبالي بحاله، وأصدقاءه يسأمون الاهتمام به، ولا يجد من يقف إلى جانبه في نهاية الأمر سوى خادم عجوز، هوأصلاً فلاح من الريف يدعى گراسيم.

في البداية يقوم غيراسيم بالمهمة كوظيفة وعمل، لكنه بعد ذلك ينصرف بكل جوارحه إلى مساعدة سيّده وقد أشفق عليه من آلامه ومن انصراف الناس عنه. الآلام سيخففها غيراسيم إذاً، كما انه هوالذي سيخفف من وحدة ايفان ايليتش وعزلته. سيقوم على خدمته ليلاً ونهاراً، معتنياً به، محاوراً إياه، متشاركاً معه في حب البلاد والأرض.

> واضح هنا حتى غيراسيم هذا، هوالشخصية المحورية والأساسية في رواية ليون تولستوي هذه: انه هنا يرمز إلى الشعب الروسي الطيب، الشعب الذي يتمسك بواجبه ولا يحيد عنه، ويقوم بما يتعيّن عليه القيام به، من دون حتى يطلب شيئاً أومكافأة لنفسه. إنه الأرض الطيبة المعطاء التي تعطي من دون حتى تأخذ، وتشفي من دون حتى تشكو.

هنا، بالنسبة إلى تولستوي، بيت القصيد، ليس في هذا العمل الروائي الطيّب، بل في فكره ككل، إذ خلال تلك السنوات كان قد بدأ يتجسد في شكل نهائي ذلك الإيمان المطلق لصاحب «آنا كارينينا» بالأرض وبالإنسان الطيّب الذي هوابن الطبيعة وابن الأرض وسيدهما. ففي ذلك الحين كان تولستوي قد بدأ يثور ثورته الفكرية الحادة على تفاهة الطبقات العليا في المجتمع من التي كانت قد بدأت تؤله، في شكل سقمي، الأفكار المتعلقة بالنجاح المادي والاجتماعي على حساب النجاح الروحي والفكري. وكان شعار تولستوي وممضىه في ذلك الحين قد بدأ يتجسد في شكل جيد: عودوا إلى الأرض وروعتها، وعودوا إلى الإنسان الحقيقي الأصيل وبساطته. وذلكم هو، على أية حال، الملخص المنطقي لممضى تولستوي ككل، الممضى الذي كلّفه منذ ذلك الحين غالياً. ونقول، منذ ذلك الحين، لأننا كنا قد أصبحنا في العام 1886، أي الحقبة التي أمعن فيها تولستوي سبراً للروح الروسية ولروح الإنسان الروسي. ومن هنا فإن الجانب الأهم في «موت ايفان ايليتش» إنما كان، ويبقى، المقارنة التي يندفع فيها القارئ راصداً الفوارق بين اندفاع غيراسيم وغيرته على إيفان ايليتش، وبين أبناء الطبقة التي ينتمي إليها هذا الأخير أصلاً... فهل يهمّ، بعد هذا، كثيراً، المجرى الحدثي الباقي في الرواية: هل يهم جميع تلك التطورات التي تطرأ على شخصية ايفان ايليتش في أيامه الأخيرة، وبدؤه الحنوعلى عائلته، وتغيّر لهجته ولغته واهتماماته، قبل حتى يصبح في نهاية الأمر مستعداً جميع الاستعداد لاستقبال الموت،يا ترى؟ يهمّ هذا كله ولكن بمقدار ما نفهم دلالاته وندركها. فالحقيقة حتى تبدلات ايليتش لا تحصل تحت وطأة السقم وتحت وطأة النهاية المحتمة، بل تحديداً - وهذا ما رمى تولستوي إلى قوله - تحت وطأة حوارات ايليتش مع غيراسيم ورصده تصرفاته. وبدء استعداده للعودة إلى الأرض، أمّ الطبيعة والشعب، كجزء مكون من علاقته بالكون.

من هــنا يصــبح مــوت ايفان ايليــتــــش موتاً طقوسياً رمزياً: يصبح نوعاً من العودة إلى الأرض وإلى الجذور، بعد سأم طويل من القيم الجديدة المفروضة على حياة اجتماعية بائسة ومريضة. وبهذا يصحّ حتى ننظر في نهاية الأمر إلى «موت ايفان ايليـــتش» بوصـــفها موقفاً فلسفياً وفكرياً، سيعبر عنه ليوتولســـتوي (1828 - 1910) أكثر وأكثر، في كتاباته، ولكن أكثر من هذا: في مواقـــفه الفكرية ومحاولاته الدؤوبة لخــلق ممضى روحي يرتبط بالطبيعة والإنســـان، وعودته نفسه إلى الأرض كفــعل ارتبـــاط بالجـــذور. وهـــذا كله نراه في هذه الرواية بأكثر مما نراه في الكثير من أعمال ليون تولســتوي، الذي يبقى، بعد هذا، واحداً من كبار الكتاب في تاريخ الأدب والفكر في القرنين الأخيرين.

انظر أيضاً

• Holy Sonnets
• Wit (play)
• Wit (film)

ملاحظات

المصادر

• دار الحياة
• Jahn, Gary R. (1999). Tolstoy's the Death of Ivan Ilʹich: A Critical Companion. Northwestern University Press.
• Nabokov, Vladimir Vladimirovich. Lectures On Russian Literature. Harcourt Edition.
• Tolstoy, Leo (1886). The Death of Ivan Ilyich. Penguin Red Classic edition, 2006.

وصلات خارجية

• Translated by Louise and Aylmer Maude
• Full text in the original Russian