المرأة والديمقراطية

المرأة والديمقراطية لإسماعيل مظهر.

بالرغم من حتى الكتاب طُبع للمرة الأولى في-- أواخر أربعينات القرن الماضي؛-- إلا حتى المتابع لمضمونه، لن يجد صعوبة في اكتشاف حتى ما يطرحه المفكر إسماعيل مظهر من أفكار، بين دفتيه، حول ضرورة ---الارتقاء بالمرأة العربية والمسلمة، لا يزال راهناً في المجتمعين العربي والإسلامي.... والمؤلّف، -هوأحد أبرز رجالات الفكر والنهضة في النصف الأول من القرن الماضي، في الحديث عن راهن المرأة – في الفترة التي يتناولها الكتاب- يسهب في تقديم صورة عن واقعها في عصور بادت، فقد يكفي ---ن نعهد أنها بلغت من المكانة في ذلك المجتمع ما لم نر له مثيلاً في الحضارتين اليونانية والرومانية. فقد بلغت في مصر القديمة مرتبة الملك، وكفى بذلك دليلاً على أنها بلغت في مصر، وفي فجر التاريخ البشري، منزلة السلطة العليا في دولة استبدادية". ويعتقد مظهر أنه من أحب حقائق التاريخ "أن تتبوأ المرأة أعلى مدارج المجتمع في حكومة استبدادية كحكومة مصر القديمة، وتتوارى من أفق المجتمع كله في بلاد اليونان، التي ورثنا عنها النظم الديموقراطية".

وفي تطرقه لكيفية نظرة النهضة الأوربية للمرأة سنستغرب معه أن: "من أحب العجب حتى جان جاك روسو، على كثرة ما أشاد في كتابيه «العقد الاجتماعي» و«أميل» الذي خطه في أصول التربية، واستمساكه فيهما بنظرية أن--- الحرية حق طبيعي للإنسان، لم يذكر أن-- للمرأة حقاً ينطق له «الحق السياسي». وجاراه في ذلك بقية الكتاب الذين نحوا نحوه واتبعوا ممضىه". ليرى حتى جان جاك روسوقد خط ---"عن المرأة وفصل الفوارق التي تفصلها عن الرجل. ولكن لم ينزل محرر من كتاب القرن الثامن عشر إلى ذلك الدرك الذي انحدر فيه روسو، إذ نطق: "خلقت المرأة لتكون ملهاة للرجل"، وإن استدرك روسوقائلاً بشيء من التلطيف: "ينبغي حتىقد يكون تعليمهن متصلاً بحاجات الرجل، فتكون له تسلية وفائدة، وموضعاً لحبه واحترامه، ولتربي أولاده صغاراً، وتعنى بهم كباراً... إلخ".

غير حتى روسو، كما يرى إسماعيل مظهر، قيّد المرأة كثيراً، إذ لم: --"يجعل لها حق اختيار العقيدة التي تتصل من طريقها ببارئها،-- وقضى بوجوب ألاقد يكون لها دين غير دين زوجها،- فهي مقيدة به محصورة في حدوده. شأنه في ذلك شأن فلوطرخوس في العصر الروماني، وقد قضى كلاهما بأن على المرأة أيضاً حتى تعمل على غرس بذور دينها الذي هودين زوجها، في عقل بناتها، وإلا فإنها تكون قد قصرت في أداء واجب من أقدس الواجبات".

لم يكن جميع مفكري عصر النهضة الأوربية عامة، والثورة الفرنسية خاصة، ينتهجون نهج جان جاك روسو، في نظرتهم للمرأة. فالمفكر كوندورسيه، ظهر له في بعض كتابات 1787 ما من شأنه إنصاف المرأة نسبياً قياساً بغيره، فهويرى: "أنه من المحال حتى تستقر حقوق الإنسان على قاعدة ثابتة، ما لم يعترف بهذه الحقوق للمرأة، وأن جميع الأسباب التي أدت إلى الاعتقاد بأن لكل رجل الحق في حتىقد يكون له صوت مسموع في حكم بلاده، هي الأسباب التي تحملنا على إضفاء هذه الحقوق على النساء.. على الأقل للواتي هن أرامل أوغير متزوجات".

من الأمور الطريفة التي ترد في الكتاب حتى نابليون بونابرت، قابل ذات مرة زوجة كوندورسيه، وكانت من زعيمات الثورة، وخاطبها محتداً، قائلاً بنبرة الآمر الذي لا ينتظر جواباً: "مدام.. إني لا أحب حتى تتمحك المرأة في السياسة. فأجابته على الفور: لك الحق أيها الجنرال. ولكن من الطبيعي في بلد تحتز فيه رؤوس النساء، حتىقد يكون لهن الحق في حتى يسألن عن السبب في ذلك!". ينتقل المؤلف بعد ذلك للنظر إلى حال المرأة في الإسلام، ليرى أنه لما اتى الإسلام فقد "عطف إلى ناحية المرأة فاعتبرها نصف إنسان، وأضفى عليها من الكرامة والاحترام ذلك القدر الذي لا يزال حتى الآن موضع انبهار جميع المشترعين". عاطفاً القول: "إن ما اتى به الإسلام من شرائع في المرأة، كان أبلغ ما يمكن حتى تصل إليه الطفرة في عصر هذه صبغته. أما الذين يقولون بأن الإسلام لم يعط المرأة حقها الكامل فمخطئون. لأن الإسلام في الواقع منح المرأة أقصى ما يمكن حتى تعطى، بل أنه تطرف في عطائها، مع اعتبار حاجات الزمان والمكان، ومؤثرات البيئة والعقلية".

يرى، حتى أكثر رجالنا، وخاصة في الريف، وهم أولئك الذين غلبت عليهم العواطف البدائية واحتكمت في مشاعرهم وعقولهم العادات القبلية الأولى، لذا: "جرى أكثرهم على حتى يحتال على الشرائع حيناً، ويتسلح برخصها حيناً آخر في حرمان البنات من حقهم فيما يرثون عنه. فمنهم من هجر للبنات قسطاً من الثروة ولكن مقتراً عليهن فيه، ومنهم من حرمهن حرماناً كلياً، معتدياً بذلك على الشرع والعهد والآداب العامة". واما واقع التعليم في مجتمعاتنا مطلع القرن الماضي، ومثالها هنا المجتمع المصري، ليجد أن: "عهدنا بتعليم البنات قريب. ولا شك أننا أخذنا نفكر جدياً في تعليمهن قبيل الثورة المصرية في سنة 1919".

يقول واصفاً واقع حالهم: "كانت سيداتنا إلى ذلك العهد محجبات غير سافرات، وكن في حالة تشبه الأسر. اللهم إلا القرويات اللواتي كنا بحكم حياتهن محتاجات إلى العمل في الحقول وارتياد الأسواق. ولا مرية في حتى هذا الوضع قد عاق تعليم البنت ووقف حائلاً دون تثقيفها. فالسيدات المحجبات من الأسر الكبيرة كن يأنفن حتى تخرج البنت إلى المدرسة وإن رغبن في التعليم، والقرويات السافرات كن لا يدركن معنى التعليم".

أما طريقة الانتنطق من تلك الحالة إلى ما باتت تشهده مصر، أواسط القرن الماضي، من تهافت البنات على التعليم، وتهافت ذويها على تعليمها، فقد بدأ بخطوات بطيئة لم تلبث حتى تسارعت، معتبراً حتى الفضل في ذلك يعود إلى الإخوان المصريين غير المسلمين، فقد كانوا: "أول من توجه إلى تعليم البنت في المدارس الأجنبية، فظهر في المجتمع زهرات أخذ عبيرها يفوح حتى عم أريجه. ولقد أخذ أهل البيوت الكبرى من المسلمين يقدمون على تعليم البنت في المدارس الأجنبية، وفي مدرسة أومدرستين أنشئتا بعد الاحتلال البريطاني، وكانت المدرسة السنية واحدة منهما".

يعتقد إسماعيل مظهر، من الممكن محقاً، حتى التعليم كان في ذلك الوقت: "زخرفاً من زخارف الحياة، لا سلاحاً تتسلح به البنت لتكافح به في الحياة. فإن فكرة كفاح المرأة لم تقم في الأذهان إلا منذ عهد قريب جداً، أي منذ حتى دخلت البنت مدرسة الطب ثم الجامعة بكلياتها الشتيتة". ويرى المؤلف، في معرض تطرقه إلى انخراط المرأة العربية في العمل السياسي والحقل العام: "أنه من أكبر الظلم حتى نفتح للمرأة معاهد التعليم والثقافة ونصلها بالفهم العامة، ونجعلها تتصل بالعالم من طريق الإذاعة والصحف، ثم ننكر عليها ذلك الحق الذي نضفيه على ملايين من الرجال لا يعهدون من الدنيا إلا الدائرة الضيقة التي يعيشون فيها، وهم على جهل تام بكل ما يؤهل بهم لأنقد يكونوا مصوتين مستقلين في الرأي أوذوي رأي على الإطلاق". ليجد أننا في وضع غريب كهذا: "إنما نضعف من نظامنا النيابي وننكر على الديموقراطية أنها تعمل للمساواة لا للتفاضل. إننا بذلك نفهم الديموقراطية فهماً عكسياً. وما السبب في ذلك إلا تقليداً جرينا عليه".

يحاجج، اسماعيل مظهر- منطق بعض الفقهاء بخصوص قوامة الرجال على النساء، فيرى حتى المقصود بالقوامة هنا: "بأن الرجل قوام على المرأة حتىقد يكون بينهما تشارك في المصالح محدود بحدود العقل والحرية ومراعاة للواجبات والمسؤوليات، وعلى الجملة، قصد به حتىقد يكون أساساً لإقامة حياة تكافلية في ذلك العالم الصغير الذي نسميه الأسرة. ولن تقوم حياة تكافلية في جماعة من الجماعات إلا إذا كانت حرية الإرادة أساسها وسنادتها"...

لا يخفي المؤلف حتى الأسباب التي تدفعه على الدفاع عن حقوق المرأة في الحرية والعمل والمساواة في الحقوق المدنية والسياسية، هي ليست مسببات محصورة بالحال الاجتماعية فحسب، بل هي مسببات تتعلق: "بما يجري في هذا العالم من أحداث الاجتماع والسياسة. تلك الأحداث التي تلفنا لفا وتسوقنا سوقاً نحوالهدف المخبوء في صدر المستقبل".

ويحذرنا في نهاية كتابه بقوله لنا، من بعد حتى يجعل من تطور المرأة ورقيها هدفاً بحد ذاته: "ذلك الهدف الذي إذا جهلناه، فلسنا نجهل أننا نعيش في عالم أساس الحياة فيه قوة المصنع وقوة الاقتصاد، وعلى الجملة قوة الحشد التي تخرج من المصنع مصنعاً تام النفع"--- لقد كان اسماعيل مظهر صادقا القول حين نطق في عام 1911 كنت مكبا على الفلسفة القديمة انهل من موارد العرب باقصى ما تصل اليه استطاعتى وحينذاك سقطت في يدى نسخة من كتاب شبلى شميل - فلسفة النشوء وارتقاء - فأحدثت قرأتها في ذهنى من الانقلاب والاثر ما تعجز الحدثات واللغة عن التغبير عنه اووصفه ..