مسعد صادق
مسعد صادق ... تحول القلم بين يديه إلى سيف
قضى حياته محررًا صحفيًا، مُكرسًا قلمه للدفاع عمن ليس لهم من يُدافع عنهم، وكانت رسالته التي يضعها دائمًا أمام عينيه هي دفع الظلم عن المضطهدين. المحرر الصحفي الراحل الأستاذ مسعد صادق كان حقا صادقًا في التعبير عن هموم مجتمعه وكانت كتاباته دائمًا في الصميم.
** ميلاده ونشأته: ولد مسعد صادق في 14 مايو1916م في قصر في مدينة مطاي بمحافظة المنيا، وفي منتصف الثلاثينات من القرن الماضي، مُني والده بخسائر فادحة في تجارة الأقطان، فباع القصر واتىا إلى القاهرة ليسكنا شقة بالإيجار في شارع جزيرة بدران بشبرا. منذ حداثته كان شغوفًا بالقراءة، ولم يكن في وسعه في بداية حياته شراء الخط ليقرأها، فكان يقرأ جميع ما تصل إليه يداه من أوراق وخط وجرائد. بالإضافة إلى تردده بكثرة على دار الخط، وكان اسمها آنذاك "الخطخانة" وظل يتردد عليها إلى ما بعد دراسته الثانوية بصفة يومية حتى إغلاق أبوابها، وفيها تعهد على مديرها منصور فهمي باشا مدير دار الخط، وخط تحقيقًا في صفحة الثقافة العامة بجريدة "كوكب الشرق" عام 1936م عن الخطخانة، أبدى فيه بعض الملاحظات على سير العمل في دار الخط، فأوفد إليه منصور فهمي خطاب شكر وعد فيه بالأخذ بجميع المقترحات.
وفي العام نفسه نادىه المحرر "سلامة موسى" للعمل معه بجريدة مصر اليومية، وظل مسعد صادق يواصل الكتابة فيها إلى حتى توقفت عن الصدور. وعندما بلغ سن العشرين خط في الكثير من الجرائد والمجلات، منها الأهرام، وكوكب الشرق، ومصر، ثم أصدر مسعد صادق بعد ذلك جريدة الفداء لتحمل دعوته إلى المساواة والتنديد بالتطرف والرجعية وفي يناير عام 1952م تم تشكيل هيئة الوحدة الوطنية، واختير مسعد صادق سكرتيرًا لها، وأشادت الصحف وقتها بنشاطها لدعم الوحدة الوطنية. وفي يونيه 1952م أصدر جريدة الفداء، وكانت البلاد قبل ثورة 23 يوليوسنة 1952 كانت تعيش في ثورة فكرية، وكان المسئولون في ذلك الحين يضيقون بالأقلام الحرة، وما تكشف من أمور يريدونها حتى تظل خافية عن أنظار الجماهير، فارتفعت صيحات عالية في البلاد تندد بالفساد الذى استشرى، وتطال بمؤاخذة رؤوس مسئولة عما بدر منها، في تلك الأجواء قرر مسعد صادق إصدار العدد الأول من جريدة الفداء، وأحدث صدورها دويا هائلا، فقد كانت تحمل حدثات بأقلام عدد من الشخصيات وأصحاب الرأى أمثال إبراهيم عبد الهادى رئيس الوزراء السابق، ومكرم عبيد. والحقيقة حتى الفداء خاضت معارك أكثر جرأة في تاريخ الصحافة، فخطت سلسلة منطقات بعنوان " حينما كانت التفرقة سياسة عليا، وقد جهرت الفداء بهذا في الوقت الذى صمتت فيه بقية الصحف لتكون لسان حال المواطن البسيط الحالم بدور عبادة، وحينما حل صدور العدد الثالث من الفداء قامت ثورة الجيش وتقرر فرض الرقابة على الصحف، إلا حتى الفداء لم تستسلم للرقابة بل خاضت معركة فصل الدين عن الدولة منتهزة فرصة الإعداد لدستور حديث في ظل الحكام الجدد . وفتحت الجريدة عدة ملفات هامة للمناقشة وكانت أشبه بخوض المعارك، ومن هذه الملفات: قضية فصل الدين عن الدولة، وكان ذلك متواكبًا مع الإعداد لدستور حديث في ظل ثورة يوليو، واحتل العنوان الرئيسي لعدد 29 ديسمبر 1956م: "المطالبة بدستور قومي يصون الوحدة الوطنية".
وفي الوقت الذي كان فيه المحرر يؤدي رسالته في جريدة الفداء، كان هناك من يضيق بهذه الرسالة ويتحين الفرصة للإيقاع بها، ففوجيء مسعد صادق بدعوته لزيارة مخط عبد المنعم شميس بإدارة المطبوعات ومعه الدكتور لويس دوس الذي كان مدرسًا بكلية الطب وفُصل من عمله بسبب كتاباته الجريئة، وقد فوجئوا هناك بأن وزير الإرشاد القومي محمد فؤاد جلال ووكيل الوزارة في انتظارهم ومعهم أنور السادات "الذي كان آنذاك عضوًا في مجلس قيادة الثورة ومسئولاً عن الشئون الدينية"، وانتهى اللقاء بحظر الكتابة في الشئون الدينية، غير أنهم بعد أيام ساقوه إلى سجن الأجانب بباب الحديد ثم السجن الحربي بالعباسية، وأمضى هناك شهرين دون حتى يُوجه إليه أي إتهام، وقبيل الإفراج عنه، نادىه زكريا محي الدين وطلب منه حتى يُخفف من حدة كتاباته، وفي غضون ذلك، صدر أمر عسكرى بتعطيل جريدة "الفداء" وفصل المحرر من عضوية نقابة الصحفيين، ولكن بعد محاولات عديدة من المحرر، استطاع إعادة قيده بنقابة الصحفيين في أكتوبر 1955م.
في عام 1958م كان الإصدار الأول لجريدة "وطني" التي اشهجر في تحريرها صادق، وتعد "وطني" أول صحيفة حرة تصدر في فجر الثورة بعد حتى عصفت الأيام بصحف عديدة، غير حتى "وطني" صمدت وتمسكت بمبادئها في ترسيخ المواطنة بين أفراد الشعب. قدم صادق في جريدة "وطنى" باب "من الصميم" الذي اهتم فيه بفتح ملف الأديرة القبطية وما يصيبها من تلف وتبنى قضية إحياء التراث القبطي.
** خط وإصدارات أصدر صادق كتاب "حينما احتوتني الجدران السميكة" في سنة 1975م، سجل فيه مذكراته عن مدة اعتنطقه. ثم أصدر كتابًا آخر عام 1996 بعنوان "ظاهرة تجلي أم النور مع ألسنة من نار ونور ... معجزاتها في شبرا أثناء وبعد الظهور".
** تكريمات - مارس 1966م قدمت إليه نقابة الصحفيين شهادة تقدير مسقطًا عليها من النقيب حافظ محمود تقديرًا لما قدمه من خدمات في أسبوع العيد المئوى للصحافة الوطنية. - كما كرمته نقابة الصحفيين في شهر يونيه 2000، وسلمه إبراهيم نافع نقيب الصحفيين درع النقابة مُسجلاً عليه "تقديرًا وعهدانًا بعطاء وريادة شيخ الصحفيين الأستاذ مسعد صادق".
رحيله عن عالمنا: رحل مسعد صادق عن عالمنا بهدوء في 25 سبتمبر عام 2000 بعد حتى أمضى عمره ممسكًا بقلمه مدافعًا عن المظلومين، وعن الوحدة الوطنية.
