الهويات القاتلة

عودة للموسوعة

الهويات القاتلة

الهويات القاتلة  
غلاف الكتاب
غلاف الكتاب
المؤلف أمين معلوف
البلد فرنسا
لبنان
اللغة الفرنسية
تاريخ النشر 1998
ISBN 0-14-200257-7
ملف:غلاف كتاب الهويات القاتلة.jpg
غلاف الترجمة العربية للكتاب.

الهويات القاتلة، هوكتاب من تأليف أمين معلوف. يدور الكتاب حول أزمة الهوية.

استعراض

المثقفون الكبار يتمايزون عن المثقفين الصغار بشيء أساسي: القدرة على اختراع مصطلحات جديدة ثم اقبال الآخرين عليها وأخذها عنهم حتى بدون ذكر اسمهم أحيانا. وينتج عن ذلك تعميمها على أوسع نطاق حتى لتصبح ملكا مشاعا للجميع. من بين هذه المفاهيم التي ظهرت قبل خمسة عشر عاما فقط: مصطلح “الهويات القاتلة” لأمين معلوف. ولكن يمكن حتى نذكر أيضا مصطلح “الجهل المقدس” لأوليفييه روا، ومصطلح “الانغلاقات التراثية، أوالسياجات الدوغمائية المغلقة” لمحمد أركون، الخ. . لقد ظهر كتاب أمين معلوف عام 1998 كجواب على التفجيرات الارهابية والمجازر الوحشية التي ارتكبت ليس فقط في العالم الاسلامي وانما أيضا في جميع المناطق التي انفجرت فيها العصبيات القديمة كقنابل موقوتة. نذكر من بينها منطقة البلقان وبالأخص يوغسلافيا السابقة، وكذلك رواندا، وكمبوديا، الخ. . فالعنف الأعمى ليس حكرا على الاسلام والمسلمين! ولكن لا ريب في حتى العالم الاسلامي هوالذي استقطب الأنظار أكثر من سواه بسبب استخدام حركات التطرف للاسلام كسلاح فعال لارهاب الغرب والأنظمة المعتبرة بأنها تابعة له.

للبرهنة على صحة نظريته يضرب لنا أمين معلوف المثال التالي: لوسألت أحد البوسنيين في الثمانينات عن هويته لأجابك بكل ثقة ودون أدنى تردد:أنا يوغسلافي قبل جميع شيء. ولكن لوطرحت عليه نفس السؤال في التسعينات أي بعد اندلاع الحرب الأهلية وتفكك البلاد لأجابك:أنا مسلم بوسني. ثم بعد حتى وضعت الحرب أوزارها وهدأت الأمور وتفككت يوغسلافيا الى عدة دول لأجابك: أنا بوسني أولا ثم مسلم ثانيا. لماذا،يا ترى؟ لانه يتمنى حتى تقبل بلاده في الاتحاد الاوروبي، ولذلك فلا يضع هويته الدينية في القابلة خوفا من الرفض.

والسؤال المطروح هنا على هامش أمين معلوف هوالتالي: هل ستتفكك دول المشرق العربي الى عناصرها الأولية كما حصل في يوغسلافيا وتشيكوسلوفاكيا،يا ترى؟ هذا هوالسيناريوالجهنمي الذي يرعب السوريين وكل المنطقة حاليا. بمعنى آخر: هل سيتفكك العراق الى ثلاث دول شيعية عربية، وسنية عربية، وكردية سنية،يا ترى؟ وهل ستتفكك سوريا الى أربع دول: سنية عربية، وعلوية عربية، ودرزية عربية، وكردية سنية،يا ترى؟ وماذا عن لبنان،يا ترى؟ ولكن لبنان صغير المساحة ويصعب تفكيكه لهذا السبب بالذات. وربما وصل التفكيك الى هجريا ذاتها على الرغم من قوتها كدولة مركزية. فهناك انشقاق سني/علوي كبير بالاضافة الى الانشقاق الهجري/ الكردي الكبير. ثم يقول لنا أمين معلوف أنه على الرغم من حتى الأكراد والأتراك هم مسلمون سنة الا أنهم عن طريق الدم يحسمون الخلافات فيما بينهم. وهذا يعني أنه ليس فقط العنصر الديني هوالذي يشكل الهوية وانما أيضا العنصر العرقي اللغوي. بل ان هذا الأخير هوالذي يتغلب على ما سواه في العصور الحديثة كما سنرى في نهاية هذه الدراسة. في الماضي كان الدين هوالذي يشكل العنصر الأهم لتحديد الهوية. وأما في العصور الحديثة فأصبحت اللغة أوالقومية هي التي تشكل العنصر الحاسم. على أي حال فان “الهويات النائمة” أخذت تستيقظ في جميع مكان كالقنابل الموقوتة. وهي تنفجر الآن في وجوهنا على هيئة حروب أهلية طاحنة.

يرى أمين معلوف حتى الانسان قد يحدث ذا هوية مركبة في أحيان كثيرة. ويضرب على ذلك مثلا هونفسه. فهومن عائلة عربية عريقة اتىت من الجزيرة العربية واستقرت في جبل لبنان. وهي عائلة مسيحية منذ القرن الثاني أوالثالث للميلاد أي قبل ظهور الاسلام بكثير بل وحتى قبل حتى يعتنق الغرب المسيحية. وكونه مسيحيا ولغته الأم عربية أي اللغة المقدسة لاكثر من مليار مسلم يشكل احدى التناقضات الكبرى لحياته وهويته. ويشرح مردفا: علاقتي مع مليار مسلم هي اللغة العربية، وعلاقتي مع ملياري مسيحي هي الدين المسيحي. وبالتالي فأنا ذوهوية تناقضية. بل وعلاوة على ذلك فهوذوهوية مركبة ومعقدة. فبعد مجيئه الى فرنسا عام 1976 أصبح يخط بالفرنسية بعد حتى كان يخط بالعربية. وبالتالي فقد أضاف الى شخصيته هوية لغوية جديدة.

إلى غير ذلك أصبحت هويته مركبة من عدة عناصر أومكونات. ولذلك فعندما يسأله الفرنسيون بعد حتى استقر في فرنسا وأصبح محررا مشهورا:هل تشعر بأنك فرنسي أم لبناني،يا ترى؟ فانه يجيبهم: هذا وذاك في آن معا. أنا لبناني وفرنسي ولست لبنانيا فقط أوفرنسيا فقط. اني أضطلع بكلتا الهويتين ولا أرى أي معضلة في هذه الازدواجية: ازدواجية الهوية. انها تغني الشخصية ولا تفقرها. يضاف الى ذلك أنها تجعلنا أكثر تسامحا واتساعا في الرؤيا. ويرى حتى انغلاق الانسان في هوية واحدة وتعصبه الشديد لها هوما يؤدي الى كره الآخر المختلف. وأحيانا يصل هذا الكره الى حد تشكيل الهويات القاتلة. أحيانا لا تستطيع تحمل إنسان آخر مختلف عنك دينيا أولغويا فتذبحه أوتتمنى موته على الأقل.

ويعترف أمين معلوف بأنه ليس الوحيد في مثل هذه الحالة. فكل المغتربين الذين هاجروا من بلدانهم واستقروا في أوروبا أصبحوا ذوي هويات مركبة أوزدواجية. نضرب على ذلك مثلا الهجري في ألمانيا أوالجزائري في فرنسا. فالكثيرون أقاموا منذ زمن طويل في بلاد المغترب بل والكثيرون ولدوا فيه. فهل هم أتراك أم ألمان؟هل هم جزائريون أم فرنسيون،يا ترى؟ اذا نطقوا بأنهم ألمان فانهم يفقدون ثقة البلد الأصلي وتعتبرهم هجريا خونة أوحتى مرتدين عن الاسلام! نفس الشيء ينطبق على الجزائريين والمغاربة والتوانسة الخ في فرنسا. الكثيرون أصبحوا مشبوهين في بلدانهم الأصلية. ولكنهم اذا نطقوا انهم أتراك أوجزائريون فان البلدان الأوروبية تشتبه بهم ولا ترضى عنهم معتبرة حتى ولاءهم لبلدهم الأصلي وليس للبلد الذي يعيشون فيه ويأكلون من خبزه. انهم طابور خامس!

يستنتج أمين معلوف من ذلك حتى الهوية على عكس ما نظن ليست معطى جاهزا مرة واحدة والى الأبد. الهوية ليست جامدة وانما هي تبنى وتغتني بمعطيات جديدة وتتحول على مدار الوجود. وفي رأيه حتى الهجري المهاجر في ألمانيا لا يمكن حتىقد يكون أصوليا متعصبا اذا ما هضم تماما كلا العنصرين المركبين لهويته: أي العنصر الهجري والعنصر الألماني. وقل الأمر ذاته عن الجزائري الفرنسي أوالمغربي الفرنسي أوالتونسي الفرنسي، الخ. . وحدهم الشبيبة المغرر بهم والفاشلون في فرنسا يرفضون بعنف العنصر الثاني المشكل لهويتهم أي العنصر الأوروبي ويصبحون أصوليين بل وحتى جهاديين دمويين. ولكن هل لوأعطتهم بلاد الاغتراب فرصة العمل واحترمت كرامتهم الانسانية كانوا سيصبحون متطرفين؟

وقل الأمر ذاته وان بمعنى آخر عن الكرواتي المتزوج من صربية. فلا يمكن حتى يشارك في المجازر لأنها تصيبه في كلتا الحالتين. فهي أما حتى تصيبه في عائلته الشخصية واما حتى تصيب عائلة زوجته. وفي كلتا الحالتين فهومن الخاسرين. فلماذا يشارك في المجازر اذن،يا ترى؟ وقد يتساءل بعضهم: الكرواتي مسيحي والصربي مسيحي فلماذا يقتلان بعضهما البعض اذن،يا ترى؟ والجواب لأنه يفرق بينهما العرق والممضى. فالعرق الكرواتي غير العرق الصربي وقل الأمر ذاته عن اللغة. يضاف الى ذلك حتى الكرواتي كاثوليكي والصربي أرثوذكسي، ومعلوم حتى العداء الممضىي مستحكم بينهما ولا يقل خطورة عن العداء بين السنة والشيعة في الاسلام. هكذا نلاحظ حتى للهوية وجوها متعددة لا وجها واحدا. ولكن نلاحظ حتى العاملين الأساسيين المؤثرين في تشكيل الهوية هما: اللغة والدين. فالانسان متعلق بدينه(أوطائفته) الى أقصى الحدود وكذلك بلغته. الانسان بطبيعته يحب التشابه ويكره الاختلاف. ولذلك ما ان يقع في أقاصي الأرض على إنسان من طائفته أويتحدث لغته حتى يشعر بالتقارب الفوري معه.

هل حقا حتى الاسلام هووحده دين التعصب؟

هذا السؤال يشغل الجزء الثاني من كتاب أمين معلوف. بل ويمكن القول بأنه يشغل الكتاب كله من أوله الى آخره. بل وأكثر من ذلك فانه يشكل هاجس الغرب والعالم بأسره من أمريكا الشمالية الى أوروبا الغربية الى روسيا فالصين والهند الخ. . كنا نتسقط حتى أمين معلوف بصفته مسيحيا لبنانيا يعاني من هيمنة مطلقة للاسلام على العالم العربي سيجيب فورا بالايجاب على هذا السؤال ويصفي حساباته مع دين محمد! ولكن الرجل أذكى من حتى يقع في مثل هذا المطب. فالواقع حتى العكس هوالذي حصل. فقد تعالى على جراحاته وأقلويته وأدهشنا وفاجأنا اذ نطق بأن الاسلام ليس دينا متعصبا في جوهره وأصله أكثر من بقية الأديان. بل ومضى الى حد القول بأن الاسلام كان أكثر تسامحا من المسيحية طيلة العصور الوسطى القديمة. فقد بقيت الأقليات اليهودية والمسيحية عائشة في أحضانه على مدار العصور. سليم أنها لم تكن تتمتع بنفس الحقوق التي يتمتع بها المسلم. ولكنها لم تكن محرومة من حقوق كثيرة على عكس الأقليات الاسلامية في أوروبا التي محيت محوا عن بكرة أبيها كما حصل في اسبانيا وصقلية بجنوب ايطاليا. من طبيعة الحال فان مكانة الذمي لم تعد مقبولة في هذا العصر. ولكنها كانت تشكل ضمانة وحماية للمسيحيين واليهود في العصور السابقة. سليم حتى الغرب أضحى أكثر تسامحا من عالم الاسلام بعد منتصف القرن العشرين:أي بعد حتى هضم الحداثة التنويرية وبلور حقوق الانسان ثم بالأخص بعد حتى قامت الكنيسة الكثوليكية بثورتها اللاهوتية الكبرى ابان الفاتيكان الثاني 1962-1965.

هنا أقلع الغرب حضاريا وتجاوز عالم الاسلام كثيرا. وهنا انكشف تخلف العالم الاسلامي قياسا الى الغرب. ولكن هذه ليست حالة أبدية سرمدية على عكس ما يتوهم اليمين الغربي. هذا الواقع المتخلف لا يعبر بالضرورة عن طبيعة الاسلام أوجوهره. فالاسلام في رأي أمين معلوف ليس دينا جامدا على عكس ما يتوهم الكثيرون. فهوأيضا قد يتقدم ويتطور ويهضم ثورة الحداثة كما عملت المسيحية الكاثوليكية بعد الفاتيكان الثاني. وبالتالي فالمستقبل مفتوح أمام الاسلام وسوف يدهشنا في مستقبل الأيام.

ولكن في الحالة الراهنة للأمور ينبغي الاعتراف بأن وضع البلدان الاسلامية لا يدعوللارتياح أبدا، بل انه مقلق حقا. وهنا يطرح أمين معلوف هذه التساؤلات المتلاحقة: لما جميع هذه الحجابات والتشادورات،يا ترى؟ لما جميع هذه اللحى الحزينة وأحيانا الكثة المخيفة،يا ترى؟ لما جميع هذه الخطابات الحامية والدعوات العنيفة الى القتل والذبح،يا ترى؟ لما تكفير البشرية كلها من على منابر المساجد في خطبة الجمعة،يا ترى؟ وهل حقا حتى الاسلام دين عاجز عن التصالح مع الحداثة على عكس المسيحية؟هل حقا أنه مضاد بطبيعته وجوهره للحرية، والديمقراطية، وحقوق الانسان، وحقوق المرأة، ولروح العصور الحديثة؟

على جميع هذه التساؤلات يجيب المحرر المسيحي أمين معلوف بالنفي القاطع. بل ويطرح أسئلة مضادة من نوع:هل المسيحية في جوهرها هي دين التسامح والديمقراطية واحترام الحريات الفردية؟ويجيب “بلا” واضحة. لماذا،يا ترى؟ لأنه يكفي حتى نستشير خط التاريخ لكي ندرك بأن المسيحيين على مدار العشرين قرنا الماضية كانوا قد مارسوا التعذيب والاضطهاد والمجازر باسم الدين. ثم لكي ندرك أيضا بأن أعلى السلطات الكنسية والأغلبية الساحقة من المؤمنين المتدينين لم يعترضوا اطلاقا على المتاجرة بالعبيد السود، ولا على احتقار المرأة. بل وتأقلموا تماما مع أبشع الأنظمة الديكتاتورية كنظام فرانكووسالازار وبينوشيه. كما ومارسوا باسم المسيحية أبشع أنواع محاكم التفتيش والحظر على حرية الفكر والضمير. كما ومارسوا الحروب الممضىية الطاحنة وتكفير بعضهم البعض. انظر الحروب الكاثوليكية – البروتستانتية التي اجتاحت أوروبا في القرنين السادس عشر والسابع عشر على وجه الخصوص. ولكن هل يعني ذلك حتى المسيحية هي في جوهرها استبدادية، عنصرية ضد السود، متخلفة، متعصبة؟أبدا لا. يكفي حتى ننظر الى ما حولنا لكي نرى أنها في المجتمعات المتقدمة قد أصبحت متصالحة تماما مع حرية التفكير والتعبير، ومع حقوق الانسان والديمقراطية. وأصبحت ضد العنصرية والطائفية. فهل ينبغي حتى نستنتج من ذلك حتى جوهر المسيحية قد تعدل أوتغير مؤخرا؟أم حتى “الروح الديمقراطية” التي تتحلى بها بقيت مخبوءة طيلة تسعة عشر قرنا ولم تتجلى الا في منتصف القرن العشرين؟!

ثم يضيف أمين معلوف: من الممكن كان السؤال مطروحا بشكل خاطيء. من الممكن كان من الأفضل حتى نصوغه على النحوالتالي:هل كانت الديمقراطية مطلبا ملحا على مدار التاريخ الطويل للعالم المسيحي،يا ترى؟ والجواب هوحتما:لا. ولكن هل استطاعت الديمقراطية على الرغم من ذلك حتى تترسخ في العالم ذي التراث المسيحي،يا ترى؟ والجواب هوحتما: نعم. كيف من الممكن أن حصل هذا التطور،يا ترى؟ الجواب على هذا السؤال يحتاج مجلدات! يفترض أن أقول فقط ما يلي: ان تشكيل مجتمع غربي يحترم الحريات الديمقراطية كان تدريجيا وغير مكتمل اذا ما نظرنا الى التاريخ الطويل بمجمله. كما وكان متأخرا جدا. وأضيف: اذا كانت الكنائس المسيحية قد وافقت على هذا التطور فانها عموما لحقت بالحركة التحريرية ولم تثرها. بل ولم تلحق بها الا بعد تردد كثير وتحفظ ومقاومة عنيدة. انظر تكفير الكنيسة الكاثوليكية للحداثة الليبرالية طيلة عدة قرون وحتى منتصف القرن العشرين أوبداية الستينات لكي نكون أكثر دقة. وعلاوة على ذلك فان الشعلة التحررية أتت من جهة أشخاص غير متدينين أوخارجين على اطار الفكر الديني غالبا. معظم فلاسفة الحداثة كانوا غير متدينين بالمعنى التقليدي للحدثة.

ثم يستدرك أمين معلوف قائلا: من الممكن أثلج كلامي هذا صدر كارهي الأديان بشكل عام. ولكن ينبغي علي حتى أذكرهم بأن أكبر الكوارث والآفات التي حصلت ابان القرن العشرين لم تجيء من جهة التعصب الديني وانما من جهة تعصب آخر لا علاقة له بالدين. لقد أتت من جهة أشخاص وأيديولوجيات معادية تماما للدين. نقصد بذلك هتلر وستالين أساسا: أي النازية والشيوعية. ويمكن حتى نضيف اليهما موسوليني وبقية الفاشيين. وقد حصدت هذه الجرائم عشرات الملايين من البشر. ولكن ينبغي الاعتراف بأنه بدءا من سنوات السبعينات من القرن المنصرم فان التعصب الديني الأعمى هوالذي ساد عالمنا المعاصر ولا يزال.

هل حقا حتى المسيحية أفضل من الاسلام؟

هذا ما يعتقده الغربيون عموما بل ويستغربون طرح السؤال من أساسه ويعتبرون الجواب تحصيل حاصل. بل وهذا ما يعتقده الكثير من المثقفين العرب الحداثويين بشكل سطحي هش. انظر الاستشراق معكوسا. ولكن ليست هذه هي حالة أمين معلوف. وهنا تكمن عبقريته والميزة الأساسية لكتابه. وللبرهنة على أطروحته القائلة بأن جميع الأديان يمكن حتى تمشي في طريق التعصب/ أوفي طريق التسامح طبقا للمنعطفات والظروف فانه ينخرط في دراسة مقارنة بين الاسلام والمسيحية كما رأينا. فهويرى حتى المسيحية تحولت من ضحية في القرون الأولى الى جلاد بعد حتى أصبحت الدين الرسمي للامبراطورية الرومانية في عهد قسطنطين ومن تلاه. نعم لقد تحول المسيحيون من مضطهدين الى جلادين بعد حتى امتلكوا السطة والقوة. فقد منعوا الدين الروماني القديم بحجة الوثنية ولاحقوا أتباعه عن آخر رجل. وأما الاسلام فقد كان متسامحا ابان العصر المضىي عندما كانت بغداد أولا، ثم قرطبة ثانيا، تشعان على العالم بأنوارهما الفهمية والفلسفية والأدبية. ولكن ماذا ينفع حتى نتغنى بالآباء والأجداد والأمجاد القديمة اذا كان الحاضر الراهن سوداويا مكفهرا؟من سيصدقنا بأن الاسلام دين تسامح اذا كان الرهبان في الجزائر يذبحون من الوريد الى الوريد من قبل الأصوليين؟بل ورأينا حتى المثقفين الجزائريين أنفسهم يطعنون بالسكاكين أمام أطفالهم أحيانا! من سيصدق هذه الصورة المجيدة عن الاسلام اذا كان السياح يقتلون رشا بالكلاشينكوف في مصر وغير مصر،يا ترى؟ لهذا السبب ارتبط مفهوم التعصب الأعمى بالاسلام وحده في الآونة الأخيرة ونسي الناس ما عملته المسيحية أيام زمان. وبالتالي فاذا لم نموضع الاشكالية ضمن منظور تاريخي واسع فاننا لن نفهم الأمور على حقيقتها. وهذا ما ينقص المثقفين العرب عموما: الحس التاريخي. انهم يحكمون على الأمور بتسرع ودون القدرة على موضعتها ضمن منظور مقارن بعيد المدى. أما أمين معلوف عملى الرغم من جميع الهيجانات والتفجيرات الأصولية الاسلاموية المعاصرة فانه لا يستسلم لغرائزه الطائفية وانما يقول لنا ما يلي:سوف أناضل طيلة حياتي كلها ضد الفكرة التي تقول بأن المسيحية هي دين التسامح والاسلام هودين التعصب. ليس سليما اطلاقا بأن المسيحية هي دين الحداثة والحرية والديمقراطية، والاسلام هودين العبودية والاستبداد والظلامية. هذا ليس سليما أبدا. هذه فكرة خاطئة وخطرة لأنها تغلق باب المستقبل أمام مليار مسلم على الأقل. بمعنى آخر فانه لن ينغلق على نفسه داخل هذا القفص الايديولوجي المعادي للاسلام أزليا كما يعمل المحافظون الجدد في الغرب. وهنا تكمن ميزة أمين معلوف الشخصية. لماذا،يا ترى؟ لأن الغرب فتح له جميع أبوابه على مصراعيها من خلال فرنسا. وكان يمكن حتى يستسلم لنزعة مهاجمة الاسلام السائدة في الغرب بعد 11 سبتمبر على وجه الخصوص. ولكنه لم يعمل. لقد منحته فرنسا أحمل جوائزها الأدبية: غونكور. بل وأدخلته مؤخرا الى مجمع الخالدين، أي الأكاديمية الفرنسية. ومع ذلك فانه يرفض حتى يشتم الاسلام. يا له من ولد عقوق! في الواقع أنه ليس عقوقا. فهويحب فرنسا حقيقة ويعتبرها جزءا لا يتجزأ من هويته. كيف من الممكن أن لا وهويخط بلغتها روائعه الأدبية والفكرية،يا ترى؟ كيف من الممكن أن لا وهويشرب ماءها وخمرها المعتق،يا ترى؟ كيف من الممكن أن لا وهومتشبع بثقافتها وآدابها وفلسفتها،يا ترى؟ ولكنه لم ينس جذوره العربية لأن العربية هي لغته الأم كما ذكرنا ولأن العالم العربي هوالجزء الآخر من هويته وليس فقط لبنان. انه لبناني، فرنسي، عربي. . انه جميع ذلك دفعة واحدة. انه يغتني بلغتين وثقافتين وتراثين ولا يشعر بأي مشكلة. انه شخصان في إنسان واحد.

في الواقع حتى أمين معلوف يرفض حتى يدين الاسلام في المطلق كما يعمل معظم مثقفي الغرب. انه يحب الانصاف والعدل. والانصاف يقول لنا بأنه لاتوجد عقيدة سيئة بذاتها وأخرى خيرة بذاتها. جميع العقائد انحرفت في لحظة ما من تاريخها عن السراط المستقيم وارتكبت أبشع الفظائع وأعمال العنف. أوقل بأن معتنقيها هم الذين ارتكبوا ذلك. وهذا ينطبق على الاسلام كما على المسيحية. بل وينطبق على ما يدعى بالأديان الفهمانية كالشيوعية والنازية والفاشية بل وحتى الليبرالية. ماذا عملت القنابل الذرية في هيروشيما وناغازاكي. وماذا عملت القنابل الاميركية في فييتنام؟الخ. الفرق بين الاسلام والمسيحية هوحتى المسيحية تصالحت مع الحداثة مؤخرا في حين حتى الاسلام لم يتصالح بعد. ولكنه سائر على الطريق كما يؤكد أمين معلوف. انه يقول لنا ما معناه: الاسلام سيتصالح مع الحداثة يوما ما، لا تخافوا!

ثم يلح المؤلف على الفكرة التالية: وهي حتى الاسلام ليس وحده المسؤول عما يحصل حاليا من عنف وارهاب وفواجع. فقد نطقوا نفس الشيء عن المسيحية ابان محاكم التفتيش والحروب الممضىية الضارية. هناك عوامل أخرى تلعب دورها غير الدين. هناك العوامل السياسية والاقتصادية والديمغرافية. هناك شعور الشعوب العربية بالدونية تجاه الغرب. وهناك سوء التنمية والفقر المدقع الذي يعاني منه العالم العربي والاسلامي عموما. ثم يقول لنا أمين معلوف:يهتم المثقفون عادة بتأثير الدين على الشعوب وتاريخها وحياتها الاجتماعية. ولكنهم لا يهتمون كفاية بتأثير الشعوب والتاريخ على الدين. سليم حتى الدين يصوغ المجتمع ولكن المجتمع بدوره يصوغ الدين. وهذه فكرة مبرهن عليها منذ أيام عالم الاجتماع الفرنسي اميل دوركهايم. وقد وصل الأمر به الى حد القول بأن الدين هوالمجتمع: بمعنى أنه اذا ما آمن المجتمع بفكرة ما فانها تفرض نفسها عن طريق الاجماع الساحق وكأنها دين لا يناقش ولا يمس. نستنتج من جميع ذلك حتى المجتمع المتقدم المستنير بأضواء الفهم والفلسفة يفهم الدين بطريقة سمحة متسامحة. والمجتمع المتخلف الغاطس في عقلية القرون الوسطى والبؤس والفقر المدقع والتزايد السكاني الضخم يفهم الدين بطريقة ظلامية مرعبة. نقطة على السطر.

هل الدين أبرز من اللغة في تشكيل الهوية أم العكس؟

يقول لنا أمين معلوف ما معناه: هناك عنصران أساسيان متنافسان على تشكيل الهوية هما اللغة والدين. من طبيعة الحال اذا اجتمعا تكون الهوية أقوى ولاقد يكون هناك تنافس أوصراع بينهما. ولكنهما في أحيان كثيرة لا يجتمعان. وعندئذ تبدأ المشاكل. للبرهنة على حتى الدين وحده لا يكفي لتشكيل الهوية نضرب الأمثلة التالية: كلنا يفهم حتى العرب والأتراك والأكراد والايرانيين ينتمون في غالبيتهم الى نفس الدين: الاسلام. ولكن هل لهم نفس الهوية،يا ترى؟ من طبيعة الحال لا. لماذا،يا ترى؟ لأن اللغة تفرق بينهم وكذلك النزعات القومية. ولولا ذلك لما سالت الدماء أنهارا بين الأتراك والأكراد مثلا. فهم ينتمون الى الاسلام بل والاسلام السني في غالبيتهم ولكنهم يكرهون بعضهم بعضا بسبب اللغة. الأكراد كبقية خلق الله يحبون لغتهم الأم ويريدون من هجريا حتى تعترف بها وتفهمها في المدارس مثل الهجرية. ولكن هجريا لا يمكن حتى تضع اللغة الكردية على قدم المساواة مع الهجرية. وقل الأمر ذاته بالنسبة للعرب أوالايرانيين. من هنا ضخامة المشكلة الكردية.

ولكن باللقاء فان اللغة على الرغم من أهميتها لا تكفي لتشكيل الهوية. فمثلا في البوسنة الجميع يتحدثون نفس للغة سواء أكانوا صربا أرثوذكسيين، أم كرواتيين كاثوليكيين، أم مسلمين. ولكنهم لا يشعرون بأنهم يشكلون أمة واحدة. لماذا،يا ترى؟ لأن الدين أوالممضى يفرق بينهم. نفس الشيء ينطبق على العرب وان بدرجة أخف نسبيا. فجميعهم يتحدثون العربية ويحبونها كلغة أم. ولكن المشاكل الدينية أوالممضىية تفرق بينهم. بل وقد تسبب أحيانا حروبا أهلية ضارية. انظر الحرب الأهلية اللبنانية والمجازر التي حصلت بين المسلمين العرب والمسيحيين العرب. أوانظر حاليا الصراع السني الشيعي الذي يكاد يودي بالمنطقة كلها. عملى الرغم من أنهم ينتمون جميعا الى نفس اللغة ونفس القرآن ونفس النبي ونفس الأدب العربي من العصر الجاهلي وحتى اليوم الا حتى خلافهم الممضىي يمنعهم حتى الآن من تشكيل وحدة وطنية متراصة ومتماسكة سواء في العراق، أوسوريا، أولبنان، أوالسعودية، أوالكويت، أوالبحرين، الخ..

أخيرا لتبيان الطابع الاشكالي والتناقضي للهوية نروي السيرة التالية: ينطق أنه شاع في أوساط الاخوان المسلمين ابان الخمسينات الشعار التالي: مسلم في الباكستان ولا مسيحي في لبنان! والمقصود به حتى المسلم الباكستاني أقرب الينا من المسيحي اللبناني. ولكن كان يمكن حتى يشيع شعار معاكس على يد المسلمين التحديثيين أوالقوميين العرب: مسيحي لبناني ولا مسلم باكستاني! لماذا؟لأن المسيحي اللبناني يشاطرنا نفس اللغة الأم ونفس النزعة القومية العربية. أما المسلم الباكستاني فنحتاج الى مترجم لكي نتفاهم معه أونتحادث. هكذا تلاحظون حتى مسألة الهوية معقدة أكثر مما يجب. ثم انها تطرح بشكل مختلف اذا كنا نعيش في عصر الحداثة أوفي عقلية القرون الوسطى.


محتويات الكتاب

الهويات القاتلة.لتحميل الكتاب، اضغط على الصورة.

في مقدمة الكتاب، يقول أمين معلوف

«منذ حتى غادرت لبنان للاستقرار في فرنسا، كم من مرة سألني البعض عن طيب نية إذا كنت أشعر بنفسي "فرنسياً" أم "لبنانياً". وكنت أجيب سائلي على الدوام: "هذا وذاك!"، لا حرصاً مني على التوازن والعدل بل لأنني سأكون كاذباً لوقلت غير ذلك. فما يحدد كياني وليس كيان إنسان آخر هوأنني أقف على مفترق بين بلدين، ولغتين أوثلاث لغات، ومجموعة من التنطقيد الثقافية. وهذا بالضبط ما يحدد هويتي...". يتساءل أمين معلوف، انطلاقاً من سؤال عادي غالباً ما طرحه عليه البعض، عن الهوية، والأهواء التي تثيرها، وانحرافاتها القاتلة. لما يظهر من الصعب جداً على المرء الاضطلاع بجميع انتماءاته وبحرية تامة،يا ترى؟ لما يجب حتى يترافق تأكيد الذات، في أواخر هذا القرن، مع إلغاء الآخرين في أغلب الأحيان، هل تكون مجتمعاتنا عرضة إلى الأبد للتوتر وتصاعد العنف، فقط لأن البشر الذين يعيشون فيها لا يعتنقون الديانة نفسها، ولا يملكون لون البشرة عينه، ولا ينتمون إلى الثقافة الأصلية ذاتها، هل هوقانون الطبيعة أم قانون التاريخ الذي يحكم على البشر بالتناحر باسم هويتهم،يا ترى؟ لقد قرّر المؤلف كتابة "الهويات القاتلة" لأنه يرفض هذا القدر المحتوم، وهذا الكتاب يزخر بالحكمة والتبصر والقلق، وكذلك بالأمل. »

المصادر

  1. ^ "تحميل كتاب الهويات القاتلة تأليف أمين معلوف". أربعة كتاب. Retrieved 2012-11-05.

وصلات خارجية

  • الصفحة الرسمية، غير روائية
تاريخ النشر: 2020-06-04 16:34:34
التصنيفات: صفحات تحوي وصلات ملفات معطوبة, كتب دراسات ثقافية, أعمال أمين معلوف

مقالات أخرى من الموسوعة

سحابة الكلمات المفتاحية، مما يبحث عنه الزوار في كشاف:

آخر الأخبار حول العالم

مصادر «عكاظ»:المسابقات ترفض طلب الوحدة - أخبار السعودية

المصدر: صحيفة عكاظ - السعودية التصنيف: مجتمع
تاريخ الخبر: 2024-02-28 09:24:32
مستوى الصحة: 58% الأهمية: 50%

"آبل" تتخلّى عن مشروع لتصنيع سيارة كهربائية

المصدر: الأول - المغرب التصنيف: سياسة
تاريخ الخبر: 2024-02-28 09:26:11
مستوى الصحة: 45% الأهمية: 70%

"آبل" تتخلّى عن مشروع لتصنيع سيارة كهربائية

المصدر: الأول - المغرب التصنيف: سياسة
تاريخ الخبر: 2024-02-28 09:26:19
مستوى الصحة: 51% الأهمية: 51%

حرب غزة: أهل القطاع يكافحون للبقاء رغم الليالي الباردة وشح الطعام

المصدر: BBC News عربي - بريطانيا التصنيف: سياسة
تاريخ الخبر: 2024-02-28 12:07:57
مستوى الصحة: 89% الأهمية: 95%

إيغالو.. 3 تجارب كسرت حاجز الـ «10» - أخبار السعودية

المصدر: صحيفة عكاظ - السعودية التصنيف: مجتمع
تاريخ الخبر: 2024-02-28 09:24:32
مستوى الصحة: 50% الأهمية: 52%

تحميل تطبيق المنصة العربية