بين السلطه والتسلط

عودة للموسوعة

بين السلطه والتسلط

مجلة فصلية تصدر عن اتحاد الكتاب العرب بدمشق - تعنى بنشر المواد الفكرية والسياسية والدبلوماسية والوثائق المتصلة بذلك - العدد الثالث السنة الأولى صيف 1998 فهرس العدد صفحة الدوريات http://www.tourathtripoli.org/phocadownload/dirasset_fi_3ilm_alijtima3_al3am/alssolta%20w%20altassalet.pdf

بين السلطة والتسلط: دراسة تحليلية د.علي أسعد وطفة

"الفيلسوف إنسان يبدع داخل نظام المفاهيم". يأتي التدخل بين مفهومي السلطة والتسلط، ليأخذ طابع إشكالية فهم تتميز بطابع الأهمية والخصوصية. وتتجسد أهمية هذه الإشكالية في الجهود التي بذلها المفكرون ويبذلها الباحثون في تحليل أبعاد هذه الظاهرة والكشف عن ماهيتها، حيث يجري الاعتقاد تأسيسًا على هذه الجهود الفهمية بأن الكشف عن الخط الفاصل بين مفهومي السلطة والتسلط، يشكل بدوره الكشف عن إشكالية الحد الفاصل بين مفهومي الحرية والعبودية، بين مفهومي العدالة والظلم، وبين مفهومي الخير والشر، وبين الحق والباطل. لقد عهدت الإنسانية جهودًا سياسية وفكرية مستمرة للبحث عن سلطة لا تتحول إلى تسلط، وعن تنظيم إنساني واجتماعي يسعى إلى تحقيق العدالة، ولا يتحول إلى صورة من صور العبودية والقهر، وفي هذه الصيغة التي تحقق التوازن بين الإنسان الذي يمتلك الحرية، والدولة التي تمتلك السلطة، تبرز جهود: أفلاطون وجان جاك روسووهوبس، وكوكبة من عمالقة المفكرين والمنظرين في تاريخ الفهم والفلسفة الإنسانية. Jean للمفكر الفرنسي جان جاك روسوDu Contract Social هذا ويعد العقد الاجتماعي 1762 1712-1778 )، من أبرز النظريات التي حاولت حتى ترسم حدود سلطة لا تتحول ) Jacques Rousseau .([ إلى تسلط وقهر وصورة حرية لا تتحول إلى فوضى وعبثية جارفة([ 1 John Dewey وتتبدى هذه الإشكالية واضحة وصريحة في أعمال الفيلسوف الأمريكي جون ديوي 1852-1959 ) - زعيز الترعة البرغماتية الذي حاول حتى يقدم تصورًا لتوازن ديمقراطي ممكن بين ) حرية الفرد وسلطة الدولة. فالديمقراطية التي يسعى ديوي إلى تحقيقها تتمثل في هامش الحرية الذي تتيحه الدولة لأفرادها أوفي مدى اشتراك الأفراد في مصلحة الدولة كتعبير عن روح توازن بين حرية .([ الفرد وسلطة الدولة أوالمجتمع([ 2 وإذا كانت هذه القضية قد وجدت عناية ملموسة في مدارات التأمل الفكري الخالص، فإن التأمل السوسيولوجي المعاصر يستجمع طاقته وينهض لمعالجة هذه القضايا في خضم الحياة الاجتماعية والتربوية المعاصرة، وما أكثر المحاولات الجارية في المجتمعات الغربية. ويكفينا هنا حتى نشير إلى ظلال هذه السوسيولوجي في الأبحاث العربية المعاصرة.

ففي أحد الأبحاث العربية التي أجريت عام 1972 ، على عينة قوامها ثمانين طالباً من طلاب الصفا لنهائي لقسم اللغات الأجنبية في كلية التربية في بغداد، عرض على الطلاب مجموعة من المفاهيم منها: ، السلطة والدين وحرية الإرادة، وذلك لتحديد تصورهم حول جميع مفهوم من هذه المفاهيم. وقد أعرب 33 %48 من الطلاب في الاختبار الأول مرة بأنهم لا يميزون بين السلطة والتسلط، فهما اسمان لحقيقة واحدة، تتمركز حول سلطان فئة من الناس تمارس التسلط بلا حدود عن طريق القسر والإكراه. بينما أعرب 30 % بأن السلطة هي تفويض اجتماعي من المجتمع لبعض أفراده (محتوى ديمقراطي) وقد أعرب %7.21 قدرتهم على تحديد أي موقف من السلطة القائمة، هل هي تسلط أم غير ذلك([ 3]). وفي هذه النتائج تتضح سمات وملامح إشكالية البحث الذي نجريه حول مفهوم السلطة والتسلط وما ينطوي عليهما هذان المفهومان من أبعاد تربوية واجتماعية.

وإذا كانت مهمتنا في هذا المجال تدور في مجال الطابع التربوي لمفهوم السلطة فإنه يتوجب علينا مع ذلك حتى ننطلق من الطابع العام للمفهوم بأبعاده السياسية والتربوية، ويترتب تأسيسًا على ذلك حتى نقدم محاولة للفصل بين مفهومي السلطة والتسلط من جهة ومن مفهوم التسلط وأبعاده اللغوية المتنوعة، وتأتي هذه المحاولة في إطار توجه تام لإعطاء هذا المفهوم صورته الفهمية من جهة ومن أجل تنمية مشروع عملنا الحالي حول قضايا السلطة والتسلط وما ينطوي عليه كلا المفهومين من أبعاد لغوية مختلفة. وفي هذا السياق يترتب علينا حتى نحدد مفهوم السلطة والتسلط في اللغة العربية التقليدية، وأن نحدد ملامح المفهومين في اللغات الأجنبية، ومن ثم حتى نعمل على تقديم رؤية واضحة لإشكالية التداخل بينهما من جهة، وبين الأبعاد اللغوية المتداخلة مع جميع من هذين المفهومين، ولاسيما فيما يتعلق بمفهوم التسلط التربوي على وجه التحديد.

في مفهوم السلطة

يدخل مفهوم السلطة بصورة واضحة في تنطقيد اللغة العربية التقليدية. فالقواميس العربية تقدم لنا إشارات مقتضبة غامضة حول مفهوم السلطة وصورة أخرى أكثر اقتضابًا فيما يترتب على هذا المفهوم من أبعاد الترادف والتجانس والتناظر التي تعبر عن اتجاهات هذا المفهوم وتجلياته المتنوعة. ويضاف إلى ذلك حتى هذه الإشارات على الرغم من اقتضابها وضبابيتها تأخذ طابع روح غريبة وغامضة بالنسبة للقارئ المعاصر الذي يحاول حتى يبحث في بنية هذا المفهوم ويرصد مقوماته. وهذا من شأنه حتى يدفع الباحث لتقصي حدود واتجاهات هذا المفهوم في اللغات الأجنبية التي تفيض بالأبحاث والدراسات حول بنية المفهوم ذاته.


السلطة في اللغة العربية

ينطوي لسان العرب على تلميح خاطف لمفهوم السلطة، حيث اتى فيه حتى "السلاطة هي: القهر، وقد سلطه الّله فتسلط عليهم، والاسم من السلاطة سلطة بالضم([ 4]).وتبدولنا صورة هذا المفهوم التي يقدمها لسان العرب حتى اللغة العربية المعجمية هجرز على جانب التسلط في مفهوم السلطة، وتسدل الستار على تجليات هذا المفهوم ومعانيه المتنوعة التي تبرز في اللغات العربية المعاصرة. اتى في قاموس الهادي لحسن سعيد الكرمي، وهوقاموس حديث نسبيًا، حتى السلطة هي القدرة والملك([ 5]).ويشير العمل منها إلى التسلط ومنه: تسلط الأمير على البلاد حكمها وسيطر عليها، وتسلط القوي على الضعفاء: تغلب عليهم قهرهم، وتسلط تمكن وتحكم، وسلط الله عليهم سلطانًا جبارًا: غلبه عليهم وجعل له عليهم السطوة والتقلب والقهر([ 6]). ويلاحظ في هذا السياق حتى الهادي لم يضف جديدًا في تعريف هذا المفهوم، حيث أخذ مفهوم السلطة أيضًا، كما هوالحال في لسان العرب، بمعناه التسلطي المشحون بالعنف والجبروت والسطوة والتغلب. ويضاف إلى ماسبق حتى اللغة العربية لم تقدم في بعدها المعجمي إشارات واضحة أوغامضة من الممكن إلى البعد التربوي لمفهوم السلطة.

وغني عن البيان أيضًا حتى تطور المفاهيم الفهمية قد يتم بناء على صورة تطور معجمي، يمكن اللغة من احتواء التطورات الجارية لهذه المفاهيم في ميادين فهمية إنسانية مختلفة. وهذا يشكل إمكانية لتجاوز مواطن الضعف والقصور الذي تشهده اللغة في المجال الفهمي الخالص. ولكن اللغة العربية لم تشهد هذا التطور المعجمي الملحوظ الذي يستطيع حتى يعطي هذه اللغة إمكانية تخطي جوانب النقص والقصور في بنية المفاهيم والتصورات المعجمية.

وفي ظل غياب هذا التطور الملموس في بنية مفهوم السلطة في اللغة العربية، يترتب على الباحث في هذا الميدان، حتى ينطلق في بناء تصوراته السوسيولوجي، على أساس من تطور هذا المفهوم في اللغات الأجنبية، وفي سياق الأبحاث والدراسات الجارية في هذا الميدان، حيث يأخذ مفهوم السلطة مكانة مركزية. ويمكن الإشارة في هذا السياق إلى بعض المحاولات الجادة التي يقدمها بعض المفكرين العرب، ولاسيما هذه التي حمل لواءها جميل صليبا في قاموسه الفلسفي كنموذج لمحاولات جادة في مجال تطوير المفاهيم الإنسانية في اللغة العربية، حيث يحاول صليبا في معجمه الفلسفي هذا حتى يقدم لنا تعريفًا للسلطة على النحوالتالي: السلطة في اللغة: هي القدرة والقوة على الشيء، والسلطان الذيقد يكون للإنسان على غيره. ويطلق مفهوم السلطة النفسية على الشخص الذي يستطيع فرض إرادته على الآخرين لقوة شخصيته، وثبات جنانه، وحسن إشارته، وسحر بيانه. أما السلطة الشرعية فهومفهوم يطلق على السلطة المعترف .([ بها في القانون كسلطة الحاكم والوالي والوالد والقائد([ 7 ويلاحظ في هذا السياق أيضًا حتى لغة صليبا بقيت متشعبة بالطابع اللغوي التقليدي، على غرار ما نراه في المعاجم التاريخية القديمة، وهذا قد يقلل من شأن هذه المحاولة، حيث تبرز الحاجة اليوم إلى تقديم صورة لهذا المفهوم، وغيره من المفاهيم، التي تحمل طابع العصر الذي نعيش فيه وروح اللغة التي تسوده، هذه التي تخرج من منطق السجع والطباق والموازنة.

ومن المحاولات الجادة أيضًا، يمكن الإشارة إلى الموسوعة العربية العالمية، التي اشتملت على مفهوم أكثر جدة ومعاصرة للسلطة. اتى في هذه الموسوعة أن: السلطة في العلوم الاجتماعية تعني: قدرة أشخاص أومجموعات على فرض إرادتهم على الآخرين، إذ يستطيع الأشخاص ذووالنفوذ، إنزال عقوبات، أوالتهديد بها، على أولئك الذين لا يطيعون أوامرهم أوطلباتهم، وتكاد السلطة تكون موجودة .([ في جميع العلاقات الإنسانية([ 8 ويلاحظ أيضًا في هذا السياق حتى الموسوعة العربية لم تستطيع حتى تخرج أيضًا. بمفهوم السلطة عن دلالات التسلط التي تتبدى في العقوبات والتهديد وتتجلى في غائيان الطاعة والخضوع والامتثال لقوة قادرة قاهرة. وهذا يعني بصورة عامة حتى مفهوم السلطة مازال في اللغة العربية مشحونًا بطابع العنف والقوة والسلبية إلى حد كبير، ويتأسس على ذلك حتى التطور اللغوي للمفهوم لم يشهد حتى هذه الفترة إضافات تصميمية جديدة ترتبط بمفهوم السلطة ومشتقاته في صورته العربية.

وبعيدًا عن دائرة التحولات الذاتية في اللغة العربية التي لم تشهد تطورًا جوهريًا لمفهوم السلطة، يفيض هذا المفهوم بمعان ودلالات مقتبسة ومترجمة ومتضاربة عن لغات خارجية متعددة. والمشكلة هي حتى هذه الترجمات للمفهوم بقيت مبتورة الصلة بسياقها التاريخي والاجتماعي والمعجمي. فالمعجميون يرصدون المفاهميم اللغوية في اللغات الأجنبية ويقدمونها إلى خضم المفاهيم المعربة بصورة اعتباطية، تتنافى مع مقتضيات التنظيم والتعريب والتأصيل، حيث يستشعر القارئ والباحث مشقة كبيرة في امتلاك المعاني والدلالات التي تفيض بها هذه المفاهيم، ويصبح في حيرة من أمره حيث يحاول استخدامها وتوظيفها فهميًا. وهذا يعني حتى المفاهيم الإشكالية الكبرى تتحول في اللغة العربية إلى معضلات لغوية ودلالية، وذلك لغياب أسس التعريب الفهمية المتعبة فهميًا في الاحتفاء بوفادة هذه المفاهيم وتوطينها في اللغة العربية. وبعبارة أخرى يمكن القول بأن المفاهيم الوافدة مازالت تشعر بالغربة، وأن هذه المفاهيم مثل: السلطة والثقافة والديمقراطية والحرية وغيرها، مازالت تشكل جزرًا منعزلة على هامش حياتنا الثقافية واللغوية. وليس لنا حتى نستفيض في درس هذه القضية ويكفي حتى نلامس للتوما يتعلق بإشكالية بحثنا حول مفهوم السلطة والتسلط. هذا ولم تستطع الصيغ المتنوعة المترجمة لمفهوم السلطة حتى تتواءم فينسق متكامل يعطي للمفهوم صورته الفهمية الواضحة. ويمكن لنا في هذا المجال حتى نسوق أمثلة عديدة تنبه إلى هذه الفوضى الفهمية التي تنتاب مفهوم السلطة في ترجماته الأجنبية. اتى في الموسوعة الفلسفية المترجمة حتى السلطة: مفهوم أخلاقي يشير إلى النفوذ المعترف به كليًا لفرد، أولنسق من وجهات النظر، أولتنظيم، مستمد من خصائص معينة أوخدمات محددة([ 9]). وفي هذا المفهوم الجديد نجد نغمة غربية تتصف بطابع الغموض وغياب الأسس الفهمية لمفهوم يندرج في إطار موسوعي، ومع ذلك يلاحظ حتى مفهوم السلطة في هذه الترجمة يأخذ بالطابع الرمزي، وينفلت عنطقه إلى حد ما من إسار الاستبداد والقهر الذي تضفيه اللغة العربية التقليدية لمفهوم السلطة. يعهد أحمد زكي بدوي السلطة "بأنها القدرة على التأثير، وهي تأخذ طابعًا شرعيًا في إطار الحياة الاجتماعية، والسلطة هي القوة الطبيعية، أوالحق الشرعي في التصرف، أوإصدار الأوامر في مجتمع معين، ويرتبط هذا الشكل من القوة بمركز اجتماعي يقبله أعضاء المجتمع بوصفه شرعيًا، ومن ثم يخضعون لتوجيهاته وأوامره وقراراته([عشرة ]). ويلاحظ في هذا السياق حتى تعريف بدوي يقدم رؤية جديدة لمفهوم السلطة، الذي بدأ مع هذا التعريف وغيره يخرج من عزلته التاريخية، حيث يرتبط هذا المفهوم عند بدوي بطابع الشرعية وروح الحياة الاجتماعية التي تتبدى في المركز الاجتماعي المشروع اجتماعيًا. مفهوم السلطة في اللغات الأجنبية: وغني عن البيان حتى مفهوم التسلط، بأصوله التاريخية، لا يأخذ صورة متألقة في اللغتين الانكليزية والفرنسية التقليدية القديمة، ولكن هذا المفهوم شهد تطورًا ملحوظًا مع تطور الأبحاث والدراسات الاجتماعية والتربوية الجارية في المجتمعات الأوروبية الغربية، ولاسيما في مجال اللغتين الفرنسية والإنكليزية، وبدأ هذا المفهوم يكتسب أبعادًا وطاقات جديدة، لم يعهدها في اللغة العربية. لننظر الآن في صورة مفهوم السلطة ودلالاته في دائرة المعاجم الأجنبية. تسلط السلطة بصورة عامة مشتقة من Auto rite تفوق يمتلك عليه الفرد، ويمنحه القدرة على التأثير في الآخرين. وحدثة سلطة وهي تعني الذي ينصح ويملك ويساعد ويتصرف Augescere من حدثة ، Actor اللاتينية .([ وينمو([ 11 الفرنسي تعريفًا لمفهوم السلطة يشتمل على أبعاد متنوعة وغامضة Larousse ويقدم قاموس لا روس كما وردت في هذا القاموس "هي الحق والقدرة على التحكم، واتخاذ Auto rite في آن واحد. فالسلطة الأوامر، وإخضاع الآخرين، ومثالها سلطة مدير المدرسة([ 12 ]). ويتبدى لنا من خلال هذا التعريف أن مفهوم السلطة ينطوي على مفاهيم وقيم متنوعة، منها قيمة الحق، ومن ثم القدرة على التحكم، هذا بالإضافة إلى القدرة على إخضاع الآخرين، ومن ثم ينوه هذا القاموس إلى البعد التربوي للسلطة حيث يستأثر بمثال ينحصر في سلطة مدير المدرسة بوصفها سلطة تربوية. أن السلطة قدرة شرعية أوقانونية وهي حق يعترف به الجميع ويعهدها Andre Leland يرى لالاند أنها "التفوق أوالنفوذ الشخصي والذي Vocabulaire de philosophie في قاموسه الفلسفي بموجبه يتم التسليم والخضوع والاحترام لحكم الآخر وإرادته ومشاعره، وفي هذا السياق يلاحظ وجود .([ عنصر سيكولوجي قوامه الحق في اتخاذ القرار وفي تدبير القيادة([ 13 Power والقوة ،Authority حتى علينا حتى نفرق بين السلطة jaques maritaia يرى جاك ماريتا "فالسلطة والقوة أمران مختلفان: القوة هي التي بواسطتها تستطيع حتى تجبر الآخرين على طاعتك، فيحين حتى السلطة هي الحق في حتى توجه الآخرين، أوحتى تأمرهم بالاستماع إليك وطاعتك، والسلطة تتطلب .([ قوة غير حتى القوة بلا سلطة ظلم واستبداد، إلى غير ذلك فإن السلطة تعني الحق"([ 14 إلى علاقات النفوذ Mialaret Coston تشير السلطة التربوية كما يبين ميالاريه كاستون القائمة بين المفهمين والمتفهمين، والسلطة تشكل جانباً حيوياً في العملية التربوية، فلا يوجد هناك أبداً عمل تربوي من غير سلطة معترف بها من قبل المتربي، فالمربي يمارس السلطة على المتربي، ولكن هذه السلطة يمكن حتى يمارسها بطرق مختلفة تتنوع بتنوع شخصيات .([ المربين([ 15 ويتوجب علينا عندما نبحث في السلطة حتى لا ننظر فحسب إلى من يوجهها بل إلى هؤلاء الذين يخضعون L, ennemie في كتابه عدوالقوانين Baires لها ومنها يستفيدون، وفي هذا الخصوص يقول باري السلطة هي "علاقة بين كائنين ولا يمكن حتى يعترف بضرورتها إلا هؤلاء الذين يخضعون des lois لها". السلطة والنفوذ: ويشكل التدخل بين مفهومي السلطة والنفوذ جانباً من الإشكالية اللغوية لمفهوم السلطة هي القدرة على الإخضاع، في صيغتها الأدبية، فإن التداخل Auto rite بصورة عامة. وإذا كانت السلطة يصبح أمر لا مفر منه. ويمكن الفصل بينهما على أساس حتى السلطة هي pouvoir مع مفهوم النفوذ القوة الشرعية، بينما النفوذ هوالاستطاعة والقدرة على التأثير، فالسلطة تنطوي دائمًا على تعبير أخلاقي، بينما يفتقر إلى ذلك مفهوم النفوذ. فالسلطة هي نفوذ مشروع، بينما قد يحدث النفوذ سلطة غير .([ مشروعة، وهوفي نهاية الأمر القدرة على اتخاذ عمل وإنتاج أثر ما ومنها نفوذ القانون([ 16


في مفهوم التسلط

تفيض اللغات العربية والأجنبية بمفردات التسلط ومظاهره، وحسبنا في هذه الموضوعة حتى نقدم محاولة في مجال اللغة العربية، يستقيم لنا معها استخدام منظومة من المفاهيم المتداخلة مع مفهوم التسلط بصورة اعتباطية. ومني ستقرئ العربية يجد فيها مدًا لا حدود له من الحدثات والمفردات التي تشير إلى التسلط الذي نأخذه في هذه الموضوعة كمحور مركزي تدور حوله منظومة من المفاهيم الفرعية والثانوية التي تعبر عنه وتدخل في مكوناته. تضج اللغة العربية بمفاهيم القسر والشدة: مثل: الاضطهاد، والتعصب، والعدوان، والتشدد، والعنف، والغالب، والإرهاب، والقهر، والعبودية، والإكراه، والتسلط، والسلطوية، والاستبداد([ 17 ]). وفي المستوى التربوي تتعدد المفاهيم التي تشير إلى ظاهرة استخدام القوة والقسر حيث يجد الباحث نفسه إزاء مفردات عديدة متداخلة جدًا في وصف ظاهرة العنف والتطرف في توظيف السلطة. ومن هذه الحدثات على سبيل المثال وليس الحصر يشار إلى: العنف التربوي، القمع التربوي، الإرهاب التربوي، التسلط التربوي، الإكراه التربوي، الاضطهاد التربوي، الاستلاب التربوي، القهر التربوي، وهناك حدثات أخرى عديدة توظف من اجل هذه الغاية نفسها([ 18 ]). من حيث المبدأ يصبح أي مفهوم من المفاهيم السابقة ليوظف مكان الآخر فالخط الفاصل بين هذه المفاهيم لا يرى بالعين المجردة وقد يحدث هناك من الحدود التي لا تكتشف إلا بالمجهر. هذه المفاهيم يمكن حتى تشكل أبعادًا حقيقية لمفهوم التسلط فهي حدثات ومفردات وتعابير تعبر عن التسلط والقهر. ومن أجل حتى نكون موضوعيين في تناولنا لهذه المفاهيم يمكن لنا حتى نقول بأن أي منها يمكن أن يوظف عمليًا في مكان الآخر ولاسيما مثل حدثات: القمع العدوان الإرهاب التسلط والعنف. فهذه الحدثات تستخدم في مستوى واحد تقريبًا. ولا نعتقد بوجود محاولات سوسيولوجية عربية أومحاولات لغوية متطورة للفصل بين هذه المفاهيم. وإذا كنا نركز في سياق عملنا على مفهوم التسلط، ونجعل منه جذعًا لهذه المفاهيم التي ننظر إليها، بوصفها امتداداً لمفهوم التسلط فإننا بذلك ننطلق من الأهمية المركزية لمفهوم السلطة، ومدى التقارب بين مفهومي السلطة والتسلط. وخيارنا هذا يبقى مفتوحًا للحوار والمناقشة، وفي جميع الأحوال فإن هذا التصنيف يبقى مشروعًا وشرعيًا. وفي إطار دراستنا الحالية، حول مفهوم السلطة والتسلط. فالتحديد المنهجي هوتقديم صورة منظمة ذهنيًا ونظريًا لمجموعة من المظاهر المتداخلة. فالحدثات هي طريقة ساحرة لصنع العالم وإعادة صنعه من جديد، وهذا يعني حتى اللغة تتيح لنا بمرونتها حتى نعيد بناء العالم وتوصيفه، وذلك عندما نبحث له عن مفاهيم أكثر توازنًا وتكيفًا ومرونة. من هذا المنطلق نعمل على إعادة بناء هذه المفاهيم انطلاقًا من مفهوم التسلط بوصفه مفهوماً مركزيًا تدور حوله مفاهيم: الإرهاب والعدوان والإكراه والقمع بوصفها مفاهيم فرعية أوبديلة على الأقل طالما غياب مفهوم التسلط. فمفاهيم العدوان والقهر والإرهاب والاعتداء والقمع تدخل في بنية مفهوم التسلط. وبعبارة واضحة التسلط هوممارسة البطش والقوة والإكراه والإرهاب والقمع والعدوان، وتلك هي بعض من مظاهر التسلط في أبعاده اللغوية. ومع أهمية الوضوح الذي تجري عليه محاولتنا هذه لنتأمل في جوهر بعض المفاهيم الفرعية لمفهوم التسلط، وهذا قد يجعل محاولتنا أكثر غنى ورصانة. لنبدأ بمعالجة مفهوم العنف.

العنف والتسلط

اتى في اللغة العربية حول العنف: العنف: عنف: العنف: هوالاسم من العنف، وهوالشدة .([ والقوة. وهوالخرق بالأمر وقلة الرفق به وهوضد الرفق، أعنف الشيء أي أخذه بشدة([ 19 عنف(عنف، يعنف عنفا) الرجل بغلامه أخذه بالشدة ولم يرفق به، فهوعانق والغلام معنوف. عنف (عنف، يعنف عنافة) الرجل كان شديداً قاسياً فهوعنيف، وعنف الرجل بغلامه، أي كان .([ عنيفاً معه([ 20 ]). هذا ويعني العنف من حيث الجذر اللغوي "ممارسة للقوة على شيء ما"([ 21 وعلى هذا الأساس يقترح روبرت أودي تعريفًا للعنف قوامه: مهاجمة الأشخاص أواستغلالهم على نحو جسماني أونفسي شديد. ولكن الآراء الأكثر شيوعًا في المستوى الفلسفي هي: حتى العنف هوالإيذاء بطريق استخدام القوة المادية الشديدة([ 22 ]). هذا ويحدد قاموس ويبستر سبعة معان لمفهوم العنف أهمها حتى العنف هو"القوة الجسدية أوالنفسية التي تستخدم للإيذاء أوللإضرار"([ 23 ]). ومن Violence أي القوة وهي تعني في Vis مشتقة من الحدثة اللاتينية Violence الناحية التاريخية فإن حدثة العنف .([ سياقها التاريخي اللاتيني القديم حمل القوة تجاه إنسان أوشيء ما([ 24 فالعنف هواستخدام القوة المادية لإلحاق الأذى والضرر بالأشخاص والممتلكات. ويمكن الإشارة في هذا حول Kinneth Switzer ( و(كينيث سويتزر Charles Rivera ( السياق إلى تعريف (تشارلز ريفيرا العنف وهوالعنف هوالاستخدام غير العادل للقوة من قبل الأفراد لإلحاق الأذى بالآخرين والضرر .([ بممتلكاتهم([ 25 فالعنف هوكافة الأعمال التي تتمثل في استخدام القوة أوالقسر أوالإكراه بوجه عام ومثالها أعمال الهدم .([ والإتلاف والتدمير والتخريب وكذلك أعمال القتل والفتك والتعذيب وماشابه ([ 26 ويمكن القول أيضًا في تعريف العنف بأنه : استخدام القوة المادية أوالتهديد باستخدامها. ويمكن أيضًا ومفاده حتى العنف "هوSandra J,Ball - Rokearch استعراض تعريف ساندرا بول روكيرج الاستخدام غير الشرعي للقوة أوالتهديد باستخدامها لإلحاق الأذى والضرر بالآخرين([ 27 ]). ويأتي في هذا السياق تعريف بيير فيو: الذي نظر إلى العنف بأنه ضغط جسدي أومعنوي ذوطابع فردي أوجماعي .([ يترله الإنسان بالإنسان([ 28 "ويمكن التمييز بين نوعين من العنف هما: العنف المادي والعنف الرمزي. فالعنف المادي يلحق الضرر بالموضوع فيزيائيًا، أوفي الحقوق أوفي المصالح أوفي الأمن. أما العنف الرمزي. فيلحق ذلك الضرر بالموضوع سيكولوجيًا: في الشعور الذاتي بالأمن والطمأنينة، والكرامة والاعتبار، والتوازن.. الخ. ولا يقل الثاني عن الأول في فداحة العواقب، وهووإن لم يكن يمس حق الحياة لدى الفرد والجماعة-كما هو شأن العنف المادي أحيانًا- إلا أنه قد يصيب المتعرض له في ماقد يحدث مقدسًا لديه، بل قد يحدث هذا الضرب من العنف فترة نحوممارسة العنف المادي، وعلى العموم، لا يختلف معنى العنف في هذا النوع عن معناه في الثاني وهو: انتزاع المطالب بالقوة، وإكراه الآخر على التنازل عنها أوالاعتراف بها .([ بوسائط يتكبد خسائر من جراء استعمالها([ 29 يأخذ الطابع الرمزي للسلطة أهمية متزايدة في مجال الأبحاث الاجتماعية التربوية، وغني عن البيان أن السلطة الرمزية تشكل الجوهر الخفي لمفهوم السلطة([ 30 ]).فالإنسان كائن رمزي وهويتشكل بصورة Pouvoir واسعة على نحورمزي، وهذا التشكل يعتمد بالضرورة على قدر وأهمية السلطة الرمزية التي تحيط بوجوده الاجتماعي. فالإنسان في سياق حياته التربوية يتشبع بمنظومة من Symbolique المفاهيم ذات الطابع الرمزي وتتشكل فيه بناء على هذه المنظومة الرمزية توجهات سلوكية تكافئ أحيانًا القدرة الغريزية للسلوك الاجتماعي. فالرموز التي يتمثلها الإنسان بمثابة الشفرة السلوكية التي تعمل على توجيه السلوك والتي يمكنها حتى تفسره أيضًا. فالإنسان عندما يوجد في وسط ما يتمثله على نحورمزي فالمكان والزمان والعلاقات والأمور ومتغيرات الوجود في وعي الإنسان وفي منظومته عقله الباطن على نحورمزي وتتحول إلى طاقة برمجة داخلية تشرط سلوك الإنسان وتربطه بطابع من الحتمية الرمزية([ 31 ]). فطقوس الإنسان عبر التاريخ وأنماط سلوكه السحرية، ومنظومة مقدساته وأساطيره، هي منظومات من الفعاليات الرمزية اللاشعورية التي تمثلها عبر تاريخه الإنساني الطويل. وينظر التقليد الكانطي الجديد (هومبلت- وكاسيرر- وسابير- ووف) إلى مختلف العوالم الرمزية من .([ أسطورة ولغة وفن وفهم، بوصفها أدوات لبناء الفهم وعالم الموضوعات أي كأشكال رمزية"([ 32 فالمنظومات الرمزية باعتبارها أدوات للفهم تفرض نفسها كسلطة وسلطة تربوية وهي بالتالي تشكل .([ سلطة بناء الواقع، وهي تأخذ عند دور كهايم أدوات للتضامن الاجتماعي([ 33 هذا وينظر بورديوإلى "السلطة الرمزية من حيث هي قدرة على تكوين المعطى، عن طريق العبارات اللفظية، ومن حيث هي قوة على الإبانة والإقناع، وإقرار رؤية عن العالم أوتحويلها، ومن ثم قدرة على تحويل التأثير في العالم، وبالتالي تحويل العالم ذاته. وهي في النهاية قوة ساحرة تمكن من بلوغ ما يعدل تأثير القوة الطبيعية والاقتصادية، وذلك لما تمتلك عليه من قدرة على التعبئة. ولكن بورديويؤكد على أهمية مشروعية السلطة الرمزية لكي تأخذ طابعًا فاع ً لا في حياة الناس: "إن ما يعطي للحدثات وحدثات السر قوتها ويجعلها قادرة على حفظ النظام أوخرقه هوالإيمان بمشروعية الحدثات ومن ينطق .([ بها"([ 34 وغالبُا ما يجري الحديث في مجال الطاقة الرمزية للسلطة عن الصراع الرمزي والعنف الرمزي في آن واحد، فالطبقات الاجتماعية، وفقًا لعهد بورديووباسرون وماركس، تدخل في صراع رمزي من أجل فرض التصور الذي ترسمه جميع من هذه الطبقات عن العالم، "ويتم هذا الصراع عن طريق الإنتاج الرمزي الذي يشكل بدوره مجا ً لا مصغرًا للصراع بين الطبقات الاجتماعية. ومن هذا المنطلق فإن الطبقة الاجتماعية التي تسود اقتصاديًا وتمتلك السلطة الاقتصادية، ترمي إلى فرض مشروعية سيادتها رمزيًا .([ عن طريق إنتاجها الرمزي، أوعن طريق أولئك الذين يدافعون عن أيديولوجيا هذه الطبقة"([ 35 وغني عن البيان حتى السلطة الرمزية تأخذ مجالها الحيوي في مجال المؤسسة التربوية ولاسيما في مجال المدرسة التي تتحول إلى ساحة للصراع الرمزي بين مختلف القوى الاجتماعية الفاعلة داخل المجتمع. فالرمزية السائدة في المدرسة تشكل نوعًا من السلطة الاجتماعية التي تحاول حتى تشكل الأطفال على ديدن الأيديولوجي الاجتماعية السائدة. هذا ويعلن بورديو، في أعماله المتنوعة حول السلطة الرمزية والعنف الرمزي، بأن العمل التربوي عمل رمزي بالدرجة الأولى، وبالتالي فإن أي نشاط تربوي هوموضوعيًا نوع من العنف الرمزي، وذلك .([ بوصفه قوة تفرض من قبل جهة اجتماعية معينة([ 36 على حتى هذه التعريفات للعنف بحاجة إلى تحسب ضروري حتى لا يؤخذ بها على وجه الإطلاق، ذلك أن هناك حاجة أخرى إلى التمييز بين نوعين آخرين من العنف: العنف الشرعي والعنف غير المشروع، ينتمي إلى العنف الشرعي، جميع نوع من أنواع استعمال القوة لانتزاع الحقوق أولإقرارها على النحوالذي يحمل الظلم، ومن ذلك استعمال القوة لطرد الاحتلال واستعادة الأرض والسيادة، أواستعمال العنف لكف .([ الظلم الاجتماعي([ 37 ومن خلال هذه التعريفات للعنف في مستوياته المتنوعة يمكن القول بأن العنف هوبعد رئيسي من أبعاد التسلط. فالمتسلط رجل عنيف وهويلجأ إلى العنف في جميع مناسبة من مناسبات فعالياته التسلطية. فالعنف ممارسة للقوة والتسلط هوممارسة للعنف في أقصى درجاته ومختلف اتجاهاته. وهذا يعني أنه لا يمكن لفكرة التسلط حتى تقوم من غير العنف بكل ما يتضمن عليه هذا المفهوم الأخير من نوعه إلى القهر والأذى والعدوان.


التسلط والقمع

ويعد القمع أيضًا صورة من صور التسلط، ونموذجًا من نماذجه وبعدًا من أبعاده. "فالقمع في عمقه وهدفه هوأي قسر، ترغيبي أوترهيبي، يفرض على الإنسان إما القيام بعمل أوالامتناع عنه، سواء في التفكير أوفي القول أوالسلوك أوالعمل، أي أنه نقيض الحرية المطلقة التي هي انعدام القسر"([ 38 ]). وفي اللغة العربية: القمع: مصدر قمع، والرجل يقمع قمعًا، وأقمعه أي قهره وذله فذل، والقمع الذل. وقمعه قمعًا: ردعه وكفه([ 39 ]). واتى أيضًا قمع: قمع، يقمع قمعًا (الشيء في الشيء ولج واستكن، وقمع الرجل في بيته ولج متخفياً، وقمع الرجل غلامه، أي ضربه بالمقمعة، وقمع الأمير الفتنة أخمدها، وقمع الأمير فلانًا .([ أي ضربه على رأسه حتى يذلك، وقمع البرد النبات أي رده عن النمو([ 40 ترى الدكتورة نجاح محمد في تعريفها للقمع حتى القمع: هوجميع نظرة دونية لأي إنسان، وكل تعصب قبلي أوديني أوقومي أوطائفي أوممضىي أوسياسي، وكل تزوير وتضليل في جميع الميادين الحياتية، وكل نقد تجريبي غير موضوعي، وكل رفض للحوار والتعاون والتنسيق والتوحيد، وكل استهتار بالأخلاق .([ والحريات والقوانين، الخادمة للإنسان، وهذه المظاهر ما هي إلا بعض معطيات ومظاهر قمع الآخر([ 41 وهذا التعريف يتوافق مع مفهوم التسلط ويعبر عنه أيضًا. ويتضمن مفهوم القمع الذي سقط عليه اختيارنا ووظفناه في مجال التربية ثلاثة عناصر أساسية وهي: أ- فكرة الشدة (كما في العاصفة أوالإعصار). ب- فكرة الإيذاء (كما في الوفاة بحادثة). .([ ج- فكرة القوة العضوية أوالمادية([ 42 وفي جميع الأحوال مانعنيه بالقمع (وهذا ينسحب على المفاهيم السابقة) هواستخدام أقصى درجات الشدة والقوة الآخر لإخضاعه وإلغاء وجوده المعنوي والشخصي ماديًا أومعنويًا بصورة جزئية أوكلية. والقمع .([ قد يحدث نفسيًا أورمزيًا أوماديًا وقد يشتمل على جميع هذه الجوانب دفعة واحدة([ 43 يقوم مفهوم التسلط التربوي على مبدأ الإلزام والإكراه والإفراط في استخدام السلطة الأبوية ويقوم على مبدأ العلاقات العمودية العلاقات بين السيد والمسود بين الكبير والصغير بين القوي والضعيف بين التابع والمتبوع ويمارس العنف هنا بأشكاله النفسية والفيزيائية ويقوم:

-1 على أساس التباين في القوة بين الأب والأم.
-2 اللجوء إلى العنف بأشكاله.
-3 المجافاة الانفعالية والعاطفية بين الآباء والأبناء.
-4 وجود حواجز نفسية وتربوية بين الآباء والأبناء.

ويتم اللجوء هنا إلى أساليب القمع والازدراء والاحتقار والتهكم والامتهان والتبخيس، وأحكام الدونية والتخويف والحرمان والعقاب الجسدي، وهناك غياب تام لعلاقات الحب والحنان والتساند والتعاطف.

الإرهاب والتسلط

ويعد مفهوم الإرهاب من المفاهيم الأساسية التي تعبر عن اتجاه مفهوم التسلط. فالإرهاب التربوي صورة من صور التسلط ونتيجة من نتائجه، والإرهاب بالتعريف هو: "نسق الفعاليات والخيرات السلبية العنيفة التي يخضع لها ويعانيها من يخضع للسلطة أوالتسلط: كالعقوبات الجسدية، والاستهزاء، والسخرية، والتهكم، وأحكام التبخيس، وغير ذلك من الإحباطات النفسية والمعنوية التي تشكل المناخ العام لحالة من الخوف والتوتر والقلق التي يعانيها المتربون والتي تستمر عبر الزمن وتؤدي إلى نوع من العطالة .([ النفسية والفكرية وإلى حالة من الاستلاب وعدم القدرة على التكيف والمبادرة"([ 44 فالإرهاب هوممارسة للعنف والتسلط والإكراه والقسر والعدوانية، وهذا يعني بالضرورة حتى هذا المفهوم هوصورة من هذه الصور وهوفي النهاية بعد أساسي ونتيجة أساسية من نتائج مفهوم التسلط. ولابد من الإشارة في هذا السياق إلى أنه يمكن لنا حتى نستعرض عدداً كبيرًا من المفاهيم المتاخمة لمفهوم التسلط والعدوان والإرهاب والعنف وغير ذلك من المفاهيم المتجانسة والمترادفة. ومع ذلك نعتقد بكفاية ما أدرجناه من مفاهيم متقاربة، إننا نستطيع بالنتيجة حتى نخرج بتصنيف أساسي قوامه: حتى مفهوم السلطة يأخذ في نسق دراستنا هذه صورة مركزية لمنظومة مفاهيم التسلط وأبعاده المحورية والتي تتمثل في العنف والعدوان والإرهاب والقمع. وهذه المفاهيم تشكل أدوات أساسية تعتمد في صلب مفهوم التسلط. فالتسلط بالنتيجة هوممارسة سيكولوجية أومادية للعنف والقمع والإكراه والإرهاب والعدوان. وبالتالي فإن هذه المظاهر هي مظاهر ونتائج لعمل التسلط الذي يستجمع في ذاته مقومات هذه المفاهيم ويستخدمها.

بين السلطة والتسلط

بصورة إشكالية ولابد في هذا autoritarisme مفهوم التسلط Auto rite يتداخل مفهوم السلطة السياق من التعرض للمفهومين من أجل بناء الحدود الفاصلة بينهما. تعني السلطة في صيغتها الأدبية القدرة على الإخضاع والأمثلة على ذلك متعددة: مثل: استخدام السلطة، إظهار السلطة، امتلاك السلطة. وبعبارة أخرى: السلطة هي القوة التي يستشعرها المرء وتملي عليه نوعًا من العمل والسلوك. تكون السلطة عبودية وتسلطًا وذلك عندما يستخدمها الزعيم لمصلحته الخاصة، وتكون حرة عندما توظف في فالسلطة بالنسبة إليه Bernard Crasset خدمة الناس كافة، وتلك هي السلطة التي يمجدها بيرنارد كراسيه .([ هي هذه التي تضع أهدفها في خدمة الآخرين([ 45 وفي هذا السياق يميز بير داكوفي كتابه الفوزات المذهلة لفهم النفس ثمة فرق كبير بين مفهومي السلطة والتسلط، فالسلطة وسيلة تسعى إلى تحقيق هدف واقعي، وهي تحترم الأشخاص الذين تحكمهم كليًا، وهي القيادة الديمقراطية في صورته النقية. وتلك هي السلطة الأصيلة المعطاء لأنها غنى وقوة؛ أما التسلط فهوعلى العكس من ذلك تماماً إذ توظف ممارسات التسلط قوة السلطة كغاية بحد ذاتها حيث تنتفي في هذه الصورة إمكانيات الحوار مع الآخرين ويكون صاحب السلطة هوالمستبد المطلق، .([ والطاغوت المنفرد بالسلطة والقوة في مختلف الحالات([ 46 وللسلطة تجاوزات قد تصل إلى حد الاستبداد، وهي جميع الاستبداد بالنسبة إلى فوفوناركيس الذي يقول: هل يوجد هناك شيء أشد صرامة من القوانين؟! لقد أعرب شيشرون Vauvenargues شك ً لا خفيًا للسلطة تحت قناع من الوداعة: "فالطاغية المستبد ليس الرجل الذي يحكم عبر Chesteron .([ الرعب بل هوهذا الذي يحكم بالمحبة ويلعب كمن يعزف على قيثارة"([ 47 ومن الطبيعي أنه يجب على السلطة لكي لا تتعرض لمخاطر نفوذ غير شرعي حتى تعيد النظر في نفسها دائمًا من أجل التكيف مع صيغة العدالة الاجتماعية فالتطور يمثل ثورة سليمة دائمة. السلطة: "بأنها نوع من أنواع القوة التي تنظم واجبات Duncan Mitchell يعهد دينكن ميتشل وحقوق الأفراد، وتكون السلطة فعالة عندما تصدر عن أشخاص شرعيين، حسب اعتقاد الأشخاص الخاضعين لمشيئتها". ويحاول ميتشل في هذا السياق حتى يفصل بين مفهومي السلطة والتسلط حيث يرى السيطرة القسرية والجبرية)، من حيث حتى الأخيرة ) Autoritorisime بأن السلطة تختلف عن التسلط تلزم الأفراد على التكيف لمشيئتها من خلال العقاب أوالمكافأة([ 48 ]). فالسلطة الشرعية هي هذه التي تسعى إلى تحقيق المصالح المشهجرة لأفراد المجتمع، وبالتالي فإن التسلط هوالإسراف في استخدام السلطة لغايات لا تتحقق فيه مصالح الأفراد ولا تعبر عن طموحات الخاضعين لها. ونعني بالإفراط في استخدام السلطة الحالة التي تسرف فيها السلطة في استخدام أساليب القمع والإكراه دونما الأسباب الموجبة شرعيًا لذلك. وتتمثل الأسباب غير الشرعية أوالمشروعة التي يوظفها أصحاب السلطة فيتسلطهم نزعتهم المتزايدة إلى توكيد الذات والنفوذ، أوالانفراد بإمكانية السلطة، أوتحقيق مصالح خاصة لأعضاء الطبقة التي تمارس السلطة في المستوى الاجتماعي. هذا ويتفق أحمد زكي بدوي مع ميتشل في تأكيده على الترعة الاستبدادية للتسلط، فالتسلط هو"تأكيد جانب السيطرة والقوة والخضوع لأوامر .([ المتسلط ونواهيه، وإنزال العقاب للآخرين([ 49 ويشار في هذا السياق إلى السلطة التربوية بوصفها هذه الطاقة، أوالقوة المعنوية الشرعية التي توظف في خدمة القضايا التربوية ومساعدة الطلاب والمتربين بصورة عامة على تحقيق مبدأ نموهم وازدهارهم. وفي الوقت الذي توظف فيه هذه السلطة لتأكيد مصالح أخرى غير مصلحة التلاميذ تتحول إلى تسلط. فالمفهم الذي يمارس سلطته لتوكيد ذاته يجعله من سلطته تسلطاً، والمفهم الذي يعوض إخفاقه في الحياة بإنزال العقاب بالمتفهمين وصدهم يمارس تسلطاً، والمفهم الذي يفرغ شحنات غضبه وانفعاله على التلاميذ يمارس تسلطاً، المفهم الذي يجافي تلاميذه يمارس تسلطاً، المفهم الذي يحابي مجموعة من الطلبة دون الآخرين يحول سلطته إلى تسلط وقهر تربوي. أما السلطة فهي نسق من الإجراءات الأخلاقية والتربوية التي يمارسها المفهم لخدمة تلاميذه وتطوير إمكانياتهم التربوية والعقلية والذهنية. يرى محمد جواد رضا: "أن هناك خيطاً رفيعاً بين السلطة والتسلط ويمكن حتى يوظف الناس مفهوم السلطة بمضمون التسلط على الآخرين، هذا ويمكن الحديث عن نوعين من السلطة القاهرة .([ والسلطة المربية([ 50 فالسلطة القاهرة تعتمد على مبدأ العاطفة والانفعال ولا تعتمد على حقائق ومعلومات عقلية. ويمكن هنا أن نسوق مثلا ً لا يستخدمه رضا لتوضيح القصد من المبدأ العاطفي في استخدام السلطة: يقول الأب لابنه: يجب حتى تعمل هذا الشيء لأنك تحبني، والطفل يعمل هنا ما يريده الأب بأسلوب عاطفي مبطن بقناعة انفعالية، وهذه السلطة غير عقلانية. فالسلطة المربية يجب حتى تقوم على حقائق مثل: اعمل هذا الشيء .([ لأنه يعود عليك بالفائدة([ 51 ويشير محمد جواد رضا أيضًا إلى نوعين من السلطة، هما سلطة القهر المادي الذي يتمثل بالعقاب المادي، وسلطة الحق والحقيقة ومثالها من يسلم نفسه لمبضع الجراح لأنه قانع بأن هذا المبضع سينقذهم قدر الموت. يصف بيير فيوفي منطقة له حول "العنف والوضع الإنساني"، إشكالية تحول السلطة إلى تسلط بقوله:"إن السلطة مهما كانت استخدامها ضروريًا أوشرعيًا، تشكل إغراء، خفيًا أومعلناً، قلما ينجومنه من يمارسها، وأن العنف هوالثمرة المرة لمثل هذه التجاوزات"([ 52 ]). إذ يستحيل على أصحاب السلطة أومن يمارسها ألا تكون لهم أهواء وألا يعشقوا سلطتهم الخاصة"([ 53 ]). وعلى هذا الأساس تتضح لنا بصورة منهجية هذه الخطوط الفاصلة بين مفهومي السلطة والتسلط. فالتسلط هوإسراف في استخدام السلطة وتجاوز الحدود الشرعية وأساسه الانفعال والجهل وغياب المصلحة التربوية العامة. السلطة كما بينا ظاهرة طبيعية ضرورية للحياة الاجتماعية والتربوية ومن غير السلطة تتحول الحياة الاجتماعية ومنها التربوية إلى جحيم لا يطاق. أما التسلط فهوالإفراط السلبي في ممارسة السلطة ويعني ذلك استخدام أساليب القمع والإكراه وأساليب العنف في السيطرة على الآخر من أجل مجرد إخضاعه والهيمنة على وجوده. حيث تنحرف هذه الممارسة عن غاياتها الإيجابية الساعية إلى تنظيم الحياة بصورة إيجابية. ومن هذا القبيل يمكن الإشارة إلى الممارسات الديكتاتورية التي تجعل من مصالح بعضا لأفراد في مسقط السلطة غاية السلطة ومنتهاها.

  • فالسلطة تسعى إلى تنظيم الحياة وضبطها وتوجيهها بينما يسعى التسلط إلى مجرد الهيمنة والسيطرة والإخضاع.
  • في ممارسة السلطة توظف القوة لغايات اجتماعية بينما تستخدم هذه القوة بصورة عبثية في حالة التسلط.
  • القوة وسيلة السلطة في تحقيق الغايات بينما هي غاية في ممارسة التسلط.

باختصار السلطة هي التنظيم والعمل الغائي الهادف إلى البناء والتنظيم، وهي التوظيف المعتدل للقوة من أجل تحقيق الغايات.

تنطلق السلطة كما تبين لنا في سياق المعالجة السابقة من أسس ثقافية وأخلاقية وتهدف إلى تحقيق مصالح الفرد والجماعة وتعبر عن الطابع العام للحياة السياسية والأخلاقية والاجتماعية. فالتسلط، كما تبين لنا، إفراط في ممارسة السلطة، وهويقوم على مبدأ الإكراه والقهر([ 54 ]). وتأخذ العلاقة التسلطية صورة العنف بإشكاله النفسية والفيزيائية والجسدية. حيث لا يسمح للأفراد الذين يخضعون لعلاقة التسلط بإبداء آرائهم أوتوجيه انتقاداتهم، وإن وقع ذلك فإن هذه الآراء والانتقادات قد تكون عقابًا بالنسبة لهم. وتبرز في العلاقة التسلطية قيم العنف والإكراه والقسر والخضوع والتراتب والعلاقات العمودية وغياب قيم المودة والتفاهم والحوار والمحبة. وبالتالي فإن العلاقات القائمة على المتسلط والأفراد الخاضعين للتسلط هي علاقات قوامها مركب العلاقة بين القوي والضعيف بين السيد والمسود بين الغالب والمغلوب بين الآمر والمأمور، وذلك كله دون وجود حدود وسطى لطبيعة هذه العلاقة. وفي المناخ التسلطي يفرض المتسلطون على الأفراد أنماط سلوكهم وحركتهم ولا يسمح لهم بإبداء الرأي أوالاعتراض. ولوحاولنا الآن حتى نفصل بين صورة مفهوم التسلط ومفهوم السلطة لكان بالإمكان حتى نميز بعض الخصائص التالية:

  • السلطة
  • التسلط
  • الشرعية القانونية أوالدستورية ويؤمنها من يخضع للسلطة.

شرعية القوة: تفرض بالقوة ولا يؤمن بها من تمارس عليهم ويرفضونها شعوريًا ولاشعوريًا. غائية: تهدف تحقيق غايات اجتماعية محددة تضم مصالح أفراد المجتمع غايات فردية لخدمة مصالح من يمارسا لسلطة. عقلانية تقوم على أسس عقلية متوازنة. تقوم على أساس الانفعال والاعتباط. العدالة والحق والخير والفهم. الظلم والشر والقهر. السلطة ضرورية للحياة الاجتماعية والتربوية. التسلط يتنافى مع هذه الضرورة ويهدد الحياة والأمن الاجتماعيين. ومن أجل صورة أوضح لمفهوم التسلط وأبعاده يمكن لنا حتى نستعرض سمات وخصائص الرجل المتسلط. ينظر إلى السلطة غاية في حد ذاتها. فالسلطة Daco Peirre ومن يمارس التسلط، حسب بيير داكو تمثل أمنًا داخليًا بالنسبة إليه، وهوفي أثناء ممارسته للسلطة يرفض أي محادثة ومناقشة لسيطرته، ويطالب الآخرين بالصمت المطبق. والسلطوي عدواني وضعيف أيضًا (والرأي مازال لداكو)، وهويهاجم خوفًا من حتى يهاجم وينال من الآخرين خوفًا من حتى يتعرض لأذاهم. وهذا يعني حتى السلطوية والسيطرة هما، بالنسبة إلى السلطويين، تعويضان نفسيان أساسيان للوجود والاستمرار، وهذا يعني حتى إذلال الآخرين يمنحهم وهم السمووالقوة، وهم بالتالي عندما يمارسون فعالية القهر والإذلال يشعرون بأنهم أنجزوا عم ً لا عظيمًا، ومع الأسف يكثر هؤلاء المتسلطين والقاهرون في الحياة اليومية الجارية. ويضيف داكوحتى "استمرار السلطويين في هذه الحياة الجارية ممكن بفضل عوامل عديدة. فهم يستمرون بسبب عدد كبير من العوامل النفعية التي تربطهم بالآخرين مثل المرؤوسين النفعيين وأصحاب المصالح والضعفاء والجبناء والمهزوزين والمغفلين ثم بسبب اللبس الأبدي بين مفهومي العدوانية والقوة فليس جميع ما عدواني مظهر من مظاهر القوة العدوانية في جل حالاتها نقيض للقوة والصورة من صور .([ الضعف المهين([ 55 وفي هذا السياق يميز بين القوة المسيطرة وبين الإرادة، فإرادة السلطوي صورة من صور الضعف، ففي الوقت الذي يظهر فيه السلطوي إراديًا إلى الحد الأقصى فإنه في الواقع لا يمتلك إرادة على الإطلاق، وذلك لأنه يفتقر إلى القوة النفسية الطبيعية التي تشكل مصدرًا للإرادة الحق. ونلاحظ من جهة أخرى حتى السلطوي يركب رأس لأتفه الأسباب، وعلة ذلك حتى أي معارضة تضعه أمام هاوية اللايقين والضعف الخاصة به، فتصلب السلطوي هوصورة للعناد وليس صورة للإرادة، وإذا كانت الإرادة على هذا لنحو .([ فإن إطلاق المتسلط نشبه أخلاق البغال والبهائم العتيدة([ 56 وفي معرض التمييز بين الشخصية السلطوية والشخصية الديمقراطية يصف إريك فروم الشخصية التسلطية بأنها رغبة الشخص في السيطرة والهيمنة على الآخرين: "والشخص السلطوي هوهذا الذي". تسيطر عليه مشاعر الإعجاب بالسلطة والميل الغامر إلى الخضوع لها، وهوفي الوقت نفسه يريد أن .([ يمتلك السلطة وأن يخضع الآخرين لإراداته([ 57 حول الشخصية T. Adomo لقد بينت الدراسات المشهورة التي أجراها الباحث الأمريكي أدورنو المتسلطة مجموعات من السمات والخصائص أهمها: الخضوع التسلطي: قبول مختلف أشكال السلطة والتعنت دونما نقد أوتذمر، وبالتالي هذا القبول يتكامل مع الميل إلى ممارسة القهر والتعنت عندما يوجد المتسلط في مسقط السلطة. العهدية: أي الالتزام بالعهد والقيم والعادات التي أجرتها القوى المتسلطة التزامًا شديدًا. الفوز للتسلطية: يوظف إمكانياته في إيقاع أشد العقاب على الأشخاص الذين يقفون موقفًا عدائيًا من السلطة وهؤلاء الذين ينتقدون السلطة القائمة أويعترضون على من يمارسها. ضد الذاتية: أي أنه يرفض جميع التصورات الذاتية والشخصية المعادية للسلطة وهي الهوامات والومضات النفسية المضادة للسلطة التي تتخطه أحيانًا. فسرعان ما يرفض مثل هذه الومضات الذهنية ويستبعدها من ساحة الوعي.

التصلب في الأفكار والخرافية: يؤمن الشخص المتسلط عادة بالأفكار والمعتقدات الأسطورية والخرافية التي تمجد السلطة والتسلط وتبرر بشاعتها. القوة والشدة والتطرف: لا يؤمن الشخص المتسلط بالحدود الوسطى فأشياء الكون كما تبدوله إما أن تكون سالبة أموجبة، شريرة أوخيرة، والإنسان إما حتىقد يكون حاكمًا أومحكومًا، غالباً أومغلوباً، ظالما أومظلومًا، قويًا أوضعيفًا. الإسقاطية: يسقط المتسلط مشاعره المتسلطة على الكون فهويعتقد حتى العالم مليء بالظلم والتوحش والخطر حيث يجب على الإنسان حتىقد يكون متحفظًا ومتحفزًا وحذرًا. التدميرية: توجد لدى المتسلط نزعة تدميرية وتعطشاً إلى إيقاع الأذى بالآخر وقمعه ولاسيما هؤلاء الذين .([ لا يظهرون ولاء للسلطة وتقديسًا لها([ 58 هذه الصورة المبينة أعلاه لشخصية المتسلط، وأبعاده النفسية والسيكولوجية، توضح لنا البنية السيكولوجية للمتسلط كما تقدم تصورًا موضوعيًا لمفهوم التسلط الذي لا يتناقض مع مفهوم السلطة فحسب بل يتنافى معه بصورة كلية ويتعارض مع قيمه ومعاييره. نحوتأصيل مفهوم التسلط التربوي: إن تسارع نطاق التسلط التربوي، وتعدد أشكال السلوك التي يتجلى بها، ومدى تأثيره في شخصية الضحية التي يقع عليها، يؤدي إلى الغموض ولاسيما في مستوى تداخله مع المفاهيم. ومن أجل حتى نقدم صورة تسقط منها أشكال الغموض حول مفهومنا عن السلطة والتسلط يمكن حتى ننطلق من هذه الأسئلة المنهجية:

-1 هل تعد جميع ممارسة لسلطة المربي تسلطا!؟!
-2 هل يمكن للجهود التي تبذل لتربية الطفل وتشكيل سلوكه، على الصورة التي يريدها المربي، والتي تتناقض مع المطالب النمائية للطفل تسلطًا؟! وبعبارة أخرى هل يقع التسلط التربوي في دائرة التناقض القائم بين المطالب النمائية للطفل وإستراتيجية التربية وفقًا لتصورات المربي الاجتماعية؟!
-3 وهل يعد جميع تأثير سلبي في سلوك الطفل تسلطاً، أم حتى هذا التأثير يجب حتى يصل إلى شدة معينة كي يصبح إرهابًا وتسلطاً؟!

وتأسيسًا على هذه الأسئلة المنهجية يمكننا حتى نؤسس لمفهومنا المركزي عن التسلط والمسافة التي تفصله عن السلطة. فالعرض السابق للإشكاليات المطروحة يحدد لنا الأرضية التي يتولد منها الإرهاب والتسلط ويحدد لنا المؤشرات الأساسية التي يمكن حتى تساعد على تأصيل مصطلح التسلط وهي:

  • المؤشر الأول: إذا التسلط عملية تستهدف غاية، وبقدر ما تكون الغاية التي يريدها المربي بعيدة عن

مطالب نموالطفل أوغامضة بالنسبة للمربي، أوعندما تقود إلى وعي زائف فإننا نضع أيدينا على واحد من حدود مصطلح التسلط.

  • المؤشر الثاني: ويتعلق بنوع التقنيات المستخدمة في ضبط سلوك الضحية فقد يستخدم المربي نوعين من

أساليب ضبط السلوك. ويعتمد الأسلوب الأول على العنف كالعقوبة الجسدية أوالتعزيز أوالتشهير، كما قد يلجأ إلى الحرمان البيولوجي والنفسي هذا من جهة، بينما يعتمد الأسلوب الثاني على استخدام مثيرات محببة كالتعزيز بأشكاله المتنوعة من جهة أخرى. دعونا نصطلح على حتى التسلط يعتمد على استخدام أساليب منفرة ومكروهة في تشكيل السلوك، والذي يدخل ضمن حيز الأسلوب الأول.

  • المؤشر الثالث: يتحدد هذا المؤشر على أساس النتائج التي يهجرها العمل التربوي ونوع السلوك المنتج والذي يتأرجح بين السلوك الاستلابي الذي أسقطه التسلط وبين السلوك التكاملي الذي تنجبه السلطة.

فالسلوك التسلطي يدفع الإنسان إلى إرهاب نفسه بنفسه، وربما تخلق شخصية انسحابية متقسقطة عدوانية أحيانا توجه عدوانها إلى مصدر الإرهاب ذاته، أوتبحث عن كبش فداء أوغير ذلك من الاحتمالات.

إن عرض هذه المؤشرات يفترض أن يقودنا منهجيًا إلى تعريف التسلط التربوي بصورة موضوعية. فالتسلط التربوي: تقنية من تقنيات تشكيل السلوك، تتوجه إلى تحقيق أهداف متناقضة مع مقتضيات نموالطفل أولاشعوري، أوغامضة بالنسبة لطرفي العلاقة وتستخدم هذه التقنية أساليب مؤلمة في ضبط السلوك، وتؤدي إلى تكوين شخصية غير فاعلة على المستوى الإجرائي، وغير متوازنة على المستوى النفسي. إن تشكيل سلوك الأفراد وفق أهداف محددة وصورة مثلى والتحكم بالشخصية يقتضي فيما يقتضي بالإضافة للأهداف، استخدام تقنيات ووسائل معتدلة لتشكيل السلوك: كما يقول المثل العربي بين سيف المعز ومضىه، أي أن العقوبة وبين أشكال التعزيز المتنوعة. وعندما تأخذ تقنيات ووسائل التشكيل صورة جدية قهرية شديدة الوطأة ينشأ التسلط. إن ما مطلوب في سياق تربية سليمة المرور بالممر الحرج بين شاريد وسيلا، أوتحقيق مايسمى عناق القنافذ، بحيث يراعي كما تقول كلاسيكيات الأدبيات التربوية والتوفيق بين أهداف الفرد وأهداف المجتمع والتي يجب حتى تؤول كما يرى ديوي إلى صيغة وسط تأخذ بالحسبان الأمرين معًا. إن علاقة السلطة التي تقوم بين الطفل والوالدين، يمكن حتى تأخذ شكلين أساسيين: سلطة قهرية وسلطة عقلية، حيث تقوم السلطة القهرية على مبدأ الطاعة، بينما تقوم السلطة عقلية على مبدأ التفاهم. ويمكن التمييز بين هاتين العلاقتين بأن العلاقة الأولى القهرية تأخذ طابع علاقة عمودية بينما تأخذا العلاقة الثانية العقلية طابع علاقة أفقية([ 59 ]). وعلى هذا الأساس يمكن التمييز بين نوعين من التنشئة الاجتماعية حيث يقوم التسلط التربوي على أساس العلاقة العمودية بينما تقوم العلاقة الديمقراطية على أساسا لسلطة العقلية. وفي الخاتمة يمكن القول حتى العلاقة القائمة على أساس السلطة العقلية أوالمؤسسة على المبدأ الأفقي هي العلاقات التي تنمي في الفرد سمات الاستقلال الذاتي والاعتماد على النفس والتعامل مع المجتمع والثقة بالذات وبالآخر. وعلى خلاف ذلك تنمي علاقات التسلط مشاعر الدونية والنقص وفقدان الثقة .([ بالنفس والاتكالية والجمود([ 60

وبقي علينا حتى نذكر بأن جهدنا في إطار هذه الموضوعة يمثل محاولة منهجية لفهمنة مفهوم التسلط وعقلنته، وأن هذه المحاولة مفتوحة للنقد والحوار والتطوير. وقد تشكل هذه المحاولة إثارة فهمية يمكنها حتى تشحذ عقول المهتمين والمفكرين الذين يمكنهم صقل مثل هذه المحاولة والارتفاع بها إلى مستوى المحاولة الفهمية الرصينة والجادة.

تاريخ النشر: 2020-06-04 16:34:55
التصنيفات:

مقالات أخرى من الموسوعة

سحابة الكلمات المفتاحية، مما يبحث عنه الزوار في كشاف:

آخر الأخبار حول العالم

رئيس الوزراء يصل إلى مطار الدوحة الدولي (صور) - أخبار مصر

المصدر: الوطن - مصر التصنيف: سياسة
تاريخ الخبر: 2023-02-26 21:20:53
مستوى الصحة: 55% الأهمية: 65%

برشلونة يسقط أمام ألميريا بهدف في الدوري الإسباني.. فيديو

المصدر: اليوم السابع - مصر التصنيف: غير مصنف
تاريخ الخبر: 2023-02-26 21:23:52
مستوى الصحة: 36% الأهمية: 35%

البرتغالي بيريرا يصل القاهرة خلال أيام لتولى رئاسة لجنة الحكام

المصدر: صوت الأمة - مصر التصنيف: سياسة
تاريخ الخبر: 2023-02-26 21:21:14
مستوى الصحة: 52% الأهمية: 50%

الأوقاف: حظر جمع أى أموال أو تبرعات أو مساعدات نقدية بالمساجد

المصدر: اليوم السابع - مصر التصنيف: غير مصنف
تاريخ الخبر: 2023-02-26 21:23:54
مستوى الصحة: 38% الأهمية: 43%

الأوقاف تعلن إطلاق مشروع صكوك الإطعام بقيمة 300 جنيه للصك

المصدر: اليوم السابع - مصر التصنيف: غير مصنف
تاريخ الخبر: 2023-02-26 21:23:50
مستوى الصحة: 41% الأهمية: 36%

وزير التعليم يوجه بصياغة أسئلة امتحانات الثانوية بصورة دقيقة

المصدر: اليوم السابع - مصر التصنيف: غير مصنف
تاريخ الخبر: 2023-02-26 21:23:14
مستوى الصحة: 45% الأهمية: 44%

القناة الوثائقية تعرض الفيلم الوثائقى "اختراعات شكّلت عالمنا"

المصدر: اليوم السابع - مصر التصنيف: غير مصنف
تاريخ الخبر: 2023-02-26 21:24:23
مستوى الصحة: 32% الأهمية: 41%

الجيش الملكى يتقدم على فيوتشر بهدف نظيف فى الشوط الأول

المصدر: اليوم السابع - مصر التصنيف: غير مصنف
تاريخ الخبر: 2023-02-26 21:23:49
مستوى الصحة: 42% الأهمية: 36%

الرئيس السيسى: عندما اجتمعت قلوب الناس قضينا على الإرهاب

المصدر: صوت الأمة - مصر التصنيف: سياسة
تاريخ الخبر: 2023-02-26 21:21:24
مستوى الصحة: 50% الأهمية: 51%

تحميل تطبيق المنصة العربية