المقدمة

تتناول هذه الدراسة توطين البدووأثره على مكانة المرأة ودورها في هجرة الغطغط والمقصود بالتوطين هنا عملية تغيير اجتماعي موجه يهدف الى حث البدوعلى الاستقرار في حدود مكانية معينة ومساعدتهم على استغلال جميع الموارد الطبيعية والبشرية المتاحة لحمل مستوى معيشتهم وقد أطلق اسم الهجرة على التوطين غير المخطط تيمنا بهجرة الرسول عليه الصلاة والسلام من مكة الى المدينة كذلك فإن البدوهاجروا من حياة البداوة وما بها من فوضى جهل لحياة الاستقرار والفهم. ظهر مشروع توطين البدوفي المملكة مع بداية حكم الملك عبد العزيز عندما شجع الكثير من سكان البادية على الاستقرار في جزء من ديارهم قرب آبار المياه وأمدهم بالمشايخ والمعونات المادية. مما أدى الى توطينهم وتحول الكثير منهم للعيش في القرى والهجر. ويقصد بالمكانة هنا الوضع الذي يحتله الفرد في السلم الاجتماعي والأدوار المتسقط منه اداؤها في هذا المكان.
تبعد هجرة الغطغط 69 كيلومترا غرب مدينة الرياض. وهي جزء من ديار قبيلة عتيبية التي تمتد من اطراف الطائف شرقا في الحجاز , إلى الوشم والقصيم في نجد وينتمي معظم سكانها إلى قبيلة عتيبية.
تحتل قضية المرأة عامة والمرأة العربية بصفة خاصة اهتمام الكثير من الباحثين والاجتماعيين. فيرى الكثيرون حتى المرأة العربية تحتل مكانة دونية مقارنة بالرجل , وتؤكد معظم الدراسات التي تناولت مكانة في المجتمع البدوي على وجود عالمين منفصلين ( عالم الاقتصاد الأسري ) و( عالم السياسة القبلية ) أي حتى الأمور الخاصة بالشئون الداخلية للأسرة من اختصاص المرأة والأمور الخاصة بالشئون الخارجية مثل راعي الإبل وحمايتها وغزوالقبائل الأخرى من اختصاص الرجل فقط كذلك اختلف الفهماء في تحديد مكانة المرأة في الأسرة . فبعضهم يرى ان الاقتصاد الاسري في المجتمع البدوي يقوم على الاكتاف المتساوية للرجل والمرأة فيرى بارث حتى عملية اتخاذ القرارات الخاصة بالأسرة يشارك فيها الزوجان الرجل والمرأة معا ( 1960 . Barth ) كذلك يرى مصطفى الفال حتى المرأة البوشمانية تحتل مكانة جيدة وأن الرجل يحاول تلبية طلباتها بشتى السبل حتى ولوكلفه ذلك حياته , كما حتى الرجل يحرص على مساعدة زوجته بالأعمال المنزلية ( الفوال , 2002 ) في حين يرى طلال أسد في دراسته للكبابيش أنه حتى في الأمور الخاصة بالأسرة فإن السلطة واتخاذ القرار تكون عادة من نصيب الرجل أيضا وهوالذي يديرها كما يشاء ( 1970 , asad ) لذا سعت هذه الدراسة الى الى إعطاء فكرة وصفية تحليلية عن دور المرأة في المجتمع البدوي قبل التوطين وكيف أثرت الهجرة على دور المرأة في الأسرة.

أهمية الدراسة

يؤكد سهلين ( 1980 . sahlins ) على أهمية دراسة التاريخ لفهم الأنثروبولوجيا , بل أنه يرى حتى فهم الأنثروبولوجيا هوفهم دراسة التاريخ , فالتاريخ دائما معنا ووالثقافة مستمرة , ولا يمكن فهم ثقافة اليوم ما لم نفهم ثقافة الأمس , فنحن يمكننا فهم حاضرنا بالنظر إلى ماضينا ولما كانت الدراسات الاجتماعية والاثنوجرافية المهتمة بالمرأة والحياة الاجتماعية في عهد الملك عبدالعزيز قليلة إذا لم تكن نادرة , لذا فإن هذه الدراسة تعتبر من الدراسات الرائدة التي اهتمت بإلقاء الضوء على حياة المرأة البدوية قبل وبعد التوطين. وتستمد هذه الدراسة أهميتها من الحقائق التالية :

1)الدراسات الاثنوجرافية الخاصة بالمرأة البدوية في عهد الملك عبد العزيز قليلة جدا ان لم تكن نادرة. 

2)معظم الكتابات التي تناولت عهد الملك عبد العزيز ركزت على الجانب السياسي أوالاقتصادي وأغفلت الجانب الاجتماعي.

3)معظم الذين خطوا عن تلك الحقبة من الرجال ومع وجود ظاهرة الفصل بين الجنسين تعذرت الكتابة عن المرأة من وجهة نظر المرأة نفسها.

4)كون الباحثة سعودية ساعدها على الدخول الى عالم المرأة ودراستها عن قرب

5)إن هذه الدراسة ركزت على حقبة زمنية مضىت ولم تعد , لذا فإن هذه الدراسة هامة لتقدم لنا صورة عن وضع المرأة والأسرة في الماضي.

منهج الدراسة

اعتمدت هذه الدراسة على المنهج الأنثروبولوجي القائم على الدراسة الحقلية والإقامة في مجتمع الدراسة لمدة ثلاثة أشهر من منتصف شهر إبريل وحتى منتصف شهر يولية من عام 1980 . استخدمت اللقاءة المتعمقة والملاحظة والملاحظة بالمشاركة , والوثائق والسجلات الخاصة بالهجرة , للتعهد على حياة المرأة البدوية عن قرب , والكشف عن الأعمال التي كانت تقوم بها ووطبيعة العلاقة بين المرأة والرجل في الماضي ومشاركة المرأة في اتخاذ القرار.

خطوات العمل الميداني

بعد الاطلاع على الكثير من الدراسات عن توطين البدوفي المملكة شعرت الباحثة بوجود نقص حاد عن أثر التوطين على المرأة , فمعظمهم ما خط عن توطين البدوفي المملكة العربية السعودية كان من وجهة نظر الرجل , من الجاني السياسي أوالاقتصادي , ولم يكن هناك أي دراسة عن التوطين من وجهة نظر المرأة البدوية السعودية , لذا فقد تم اختيار معضلة الدراسة للأسباب التي ذكرتها في أهمية الدراسة . بعد اختيار المشكلة اتبعت المراحل التالية:
أولا: قراءة معظم الدراسات والتقارير الرسمية والسجلات الخاصة بتوطين البدوبصفة عامة وبهجرة الغطغط بصفة خاصة . تم اختيار هجرة الغطغط لأنها أقرب هجرة الى مدينة الرياض ولأنها من أكبر الهجر التي تمت في عهد الملك عبدالعزيز.
ثانيا: الحصول على خطاب تعريف من الجامعة التي أعمل بها وهي جامعة الملك سعود مع طلب لتسهيل مهمتي كباحثة بعد الحصول على الخطاب كنت امام خيارين:

1)النزول للميدان بصفة شخصية دون أخذ إذن من أمير المنطقة ولقاءة معضلة رفض الناس وعدم التعاون معي.

2)النزول بصفة رسمية من خلال التعهد على امير المنطقة وطلب مساعدته بتعيين إخبارية من المجتمع لتقديمي للسكان.

ثالثا: لقاءة المسئولين.
رابعا: القيام بزيارات أولية للتعهد على مجتمع الدراسة.
خامسا: كسب ثقة الأهالي.
سادسا: جمع البيانات.
سابعا: تفريغ البيانات وتحليل النتائج.

الأوضاع الاقتصادية في المملكة قبل الطفرة الاقتصادية:

تقع شبه الجزيرة العربية في الجزء الجنوبي من لقارة اسيا وتشتهر جزيرة العرب بصحاريها الواسعة مثل صحراء الدهناء والنفوذ والربع الخالي ويوجد بها بعض الهضاب مثل هضبة نجد وحضرموت وبعض الأراضي الخصبة مثل حائل والقصيم ووالإحساء وعسير وغيرها . لذا فرضت الظروف الأيكولوجية القاسية على سكان البادية نمطا للحياة يقوم على التنقل والترحال بحثا عن الماء والكلأ ويعتمد البدوي في حياته على تربية الإبل والأغنام.
فمركب الأبل جزء لا يتجزأ من حياته. وكان نمط الملكية السائد هوالملكية الجماعية للأرض والملكية العائلية للحيوان أوالحلال كما هومتعارف عليه عند البدو.
واهم ما يميز الحياة في شبه الجزيرة العربية حتى بداية القرن العشرين هي الفوضى الاضطراب فقد كان الغزوجزء لا يتجزأ من نمط حياة البدوي . فالبدوي يغزومن اجل كسب المزيد من الحلال والمال والهيبة بين القبائل المجاورة استمر هذا النمط من الحياة لمئات السنين الى ان نادى الملك عبدالعزيز في العقد الثاني من هذا القرن الى وضع مشروع الهجر وشجعهم على حفر آبار عميقة لتزويدهم بالمياه بصفة دائمة بدلا من الاعتماد على مياه لأمطار المتذبذبة.

نشأة هجرة الغطغط وتطورها

انتقل الشيخ بن حميد شيخ قبيلة عتيبية مع أبناء عشيرته المقطة للأستقرار في الغطغط , وشرعوا في بناء مساكنهم من الطين وأقاموا مساجد للتعبد وحثثم الملك عبدالعزيز على بيع إبلعهم ليضمن عدم عودتهم للبادية مرة أخرى.
وشجعهم على اقتسام الأراضي بينهم وتملكها كما أوفد المشايخ للهجر لتعليم أبنائها أصول دينهم وحثهم على العمل وكسب الرزق فعمل البعض منهم الزراعة والتحق الكثير منهم بالأعمال الحكومية العسكرية والمدنية في حين عمل البعض الآخر في الأعمال الحرة وغيرها , ثم حاولت الحكومة فيما بعد حفر الآبار الارتوازية العمية لتزويد المنازل بمياه الشرب النقية وتزويدهم ببعض الخدمات العامة كالمدرسة والمستوصف , لكن الكثير من السكان خاصة الشباب اعتبروا الهجرة فترة انتنطقية في حياتهم , انتقلوا بعدها للعيش في مدينة الرياض للأستفادة من الخدمات الامة التعليمية والصحية والوظيفية المختلفه المتوفرة فيها.

البناء الاجتماعي لهجرة الغطغط

القبيلة هي الوحدة الرئيسية لبناء المجتمع السعودي التقليدي والحمولة هي الحدثة المحلية التي تستخدم للتعبير عن جميع أفراد القبيلة الواحدة , فالحمولة هي مجموعة من العائلات التي ترتبط ببعضها البعض بعلاقات جينولوجية وينحدرون من أصل عرقي واحد يمتد الى خمس أوستة أجيال ويحرص الأهالي في منطقة نجد على فهم الأصل العرقي للفرد والمحافظة عليه من الأختلاط بأجناس أخرى.
تشكل العائلة المحور الأساسي والعمود الفقري للمجتمع السعودي , فالمجتمع السعودي يعد مجتمعا عائليا , تتمحور معظم علاقاته حول الأسرة FAMILY ORIENTED SOCIETY وتتكون العائلة من مجموعة من المراكز والأدوار التي تكتسب عن طريق الزواج وترتيب المكانات داخل المنزل الواحد التي يتم حسب الجنس والسن , فكبار السن يحتلون مكانة افضل من صغار السن والذكور يحتلون مكانة افضل من الأناث , الشكل السائد للعائلة في المجتمع البدوي قبل التوطين هوالعائلة الممتدة المكونة من ثلاثة أجيال وأكثر , لكن بعد التوطين تناقص عدد الاسر الممتدة وظهرت الأسر النووية المكونة من الأب والأم وأبنائهم غير المتزوجين وهذا الأنخفاض في الأسرة الممتدة لا يرجع لتفصيل البناء السكن في منزل منفصل عن ذويهم لكن يرجع الى حتى عائلاتهم مازالت تعيش في البادية أوفي مناطق أخرى.
الشكل السائد للمسكن في البادية هوبيت الشعر الذي تصنعه المرأة البدوية من شعر الأغنام والإبل وعادة ماقد يكون لونه اسود اوبني وبه خطوط بيضاء على الأطراف وينصب على عمود رأسي في الوسط أوعمودين حسب حجم البيت وتشد أطرافه بحبال الى اوتاد تدق في الأرض ويقسم من الداخل بفواصل تسمى ( القواطع )

تقسيم العمل بين الزوجين

يؤمن المجتمع السعودي نظريا بأن المرأة خلقت لتكون أما وربة منزل وانها مخلوق ضعيف جسميا وعقليا يسهل التغرير به , لذا يجب حتى تظل مصونة ومكرمة في منزلها , ويجب على الرجل فقط تولي مسئولية الإنفاق وتوفير جميع احتياجات الأسرة لكن واقعيا نجد حتى الفقر والجوع ذين كانا سائدين في المجتمع البدوي قبل التوطين , دفعا المرأة والرجل معا للعمل بجد واجتهاد لسد احتياجات أسرتهما فكانت المرأة البدوية تعمل منذ طلوع الفجر وحتى الغروب في خض اللبن وصنع الخبز وإعداد الطعام لأفراد الأسرة , كما كانت تقوم بصناعة جميع أدوات منزلها مثل الساحة ( نسيج تنسجه المرأة البدوية من شعر الحيوانات على شكل سجادة ) والخصف ( بساط يصنع من سعف النخيل على شكل مستطيل) أودائرة ويسمى في هذه الحل (السفرة ) ويستخدم في الأكل وألوانه زاهية وجميلة والمبرد ( تعبير عن طبق من سعف النخيل ) يستخدم في تبريد البن بعد تحميصه وبيت الشعر والبشوت للرجال , ومفارش مطرزة للبيت وكانت تحضر الماء من الآبار وتبتر الخشب وتحمله على ظهرها للطبخ , كما أنها كانت تساهم بشكل مباشر وفعال في رعي الإبل والماشية . فتقسيم العمل السائد في المجتمع البدوي كان على أساس السن والجنس ويمكننا ان نميز ثلاثة تقسيمات للعمل من حيث الجنس :

• أعمال خاصة بالرجل فقط مثل الغزووالسفر للمدينة من وقت لأخر لشراء احتياجات الأسرة.
  
• أعمال خاصة بالمرأة مثل رعاية الأبناء والمسنين في الأسرة، الطهي، التنظيف، غسل الملابس، حلب الماشية، خض اللبن لأستخراج الزبد , صناعة الأدوات المنزلية , خياطة الملابس , نسج البشوت , احضار الماء من الأبار وحمل الحطب للطبخ.
  
• أعمال مشهجرة للجنسين مثل الرعي.

علاقة الرجل بالمرأة في المجتمع السعودي التقليدي:

على الرغم من مساهمة المرأة البدوية بشكل مباشر في اقتصاد أسرتها الا ان علاقة المرأة بالرجل داخل الأسرة لم تكن علاقة قائمة على الأحترام المتبادل والمساواة بل كانت علاقة رأسية تعتمد على اصدار الأوامر من جانب الرجل والسمع والطاعه من جانب المرأة وأكثر صفة يستحب حتى تتصف بها المرأة هي الطاعة , وأستمرت هذه العلاقة بين الرجل والمرأة حتى بعد التوطين. اذ تحرص المرأة البدوية قبل وبعد التوطين على ابداء الكثير من الأحترام والتقدير لزوجها فهي عندما تتحدث عنه تستخدم حدثة " أبونا " كنوع م التقدير وافضل الطعام يجب حتى يقدم للرجال , والرجال يجب حتى يتناولون الطعام أولا ثم النساء , والرجال يجب ان يتقدمون النساء في الأماكن العامة.

اتخاذ القرارات

يمتلك كبير العائلة من الرجال في المجتمع البدوي جميع القرارات الهامة للأسرة , فهوالذي يملك حق التصرف بملكية الأسرة وهوالذي يتولى تدبير ميزانيتها , وهوالذي يقرر زواج أبنائه وبناته , وهوالذي يهيمن على جميع شئون الأسرة الخارجية والداخلية أحيانا . فالرجل بحكم مكانته الاجتماعية والاقتصادية يمتلك سلطات كبيرة داخل الأسرة.
إلا ان ذلك لا يعني حتى المرأة ليس لها أي دور في اتخاذ القرارات. فالمرأة تستمد قوتها ومشاركتها في اتخاذ القرار من عدة مصادر أهمها المكانة الأجتماعية لأسرتها , اذ لوحظ حتى المرأة التي تنتسب لعائلة كبيرة كانت تتمتع بوضع أفضل من المرأة العادية من أفراد العشيرة وتساهم اكثر في اتخاذ القرارات , وحدثا تقدمت المرأة بالعمر حدثا زادت مشاركتها في اتخاذ القرارات , كما حتى انجاب المرأة للعديد من الأطفال خاصة الذكور يدعم من مكانتها في الأسرة , ويمنحها الكثير من الفرص للمساهمة في اتخاذ القرارات , بالإضافة الى شخصيتها وذكائها, فتحاول المرأة استغلال ذكائها لفرض أهميتها ومكانتها في الأسرة.

مكانة المرأة

تحتل مكانة المرأة مكانة جيدة في المجتمع البدوي قبل وبعد التوطين , فهي رمز الشرف والعزة والكرامة , والبدوي يفتخر بأنه أبوفلانة أوأخوفلانة وهذا يعني اعتزازه بابنته أواخته لمحافظتها على شرفها وأفضل مثال يوضح مكانة المرأة لدى بدوالغطغط هووضع فتاة من بنات القبيلة على ( العطفة) مقدمة المسيرة عند الغزوحتى تكون حافزا للقتال من اجلها وأستمرت هذه النظرة للمرأة التي تحافظ على شرفها وكرامتها حتى بعد التوطين.

المراجع

مقدمة في فهم الأنثروبولوجيا د.سلوى عبدالحميد الخطيب