جلجامش (گلگامش أوكلكامش وباللاتينية: Gilgamesh) يعتبر خامس ملوك أورك حسب قائمة الملوك السومريين كان گلگامش لزمن بعيد يعتبر شخصية اسطورية ولكن الأعتقاد السائد الأن انه كان بالعمل موجودا وذلك بعد اكتشاف الواح طينية ذكرت فيها اسم ملك كيش انمين باركاسي الذي ذكر ايضا في ملحمة گلگامش ولكن الاساطير تشكل جزءا مهما من المعلومات المتوفرة عن گلگامش.

استنادا على الأساطير السومرية كانت والدة گلگامش من الألهة واسمها نينسون وكان والده بشرا عاديا ومسماه لوگالباندا وكان لوگالباندا ثالث ملوك أورك وحسب ملحمة گلگامش فان گلگامش هوالملك الذي امر ببناء سور حول مدينة أورك الذي دمر فيما بعد من قبل سرگون الأكادي. بالرغم من عدم توفر أدلة مباشرة على كون گلگامش شخصية حقيقية الا ان معظم خبراء الأثار والباحثين في مجال الدراسات الشرقية القديمة لا يعارضون احتمالية كون گلگامش شخصية تاريخية حقيقية، طالما كونه ملكا حقيقيا فان اغلب الظن انه عاش في القرن 26 قبل الميلاد وبعض الألواح الطينية السومرية ذكرت اسمه على صيغة بلكامش وليس گلگامش.

ملحمة جلجامش

حسب ملحمة جلجامش، والتي حكي مغامرات أحد ملوك أوروك في غابر الأزمان وهوجلجامش، الذي أُشتهر سواء بالنسبة إلى مآثره التي حققها أوللصعوبات التي تغلب عليها، وشخصية جلجامش هي بالعمل نصف خرافية، وإن لائحة الملوك السومريين لتؤكد حتى مدة حكم جلجامش امتدت قرابة 127 سنة، وعلى هذا النحوقد يكون خامس ملك في السلالة الأولى مباشرة بعد الطوفان فمن الممكن إذًا حتىقد يكون الملك جلجامش قد لعب بالعمل دورًا هامًا في مدينة أوروك حوالي القرن الثامن والعشرين قبل الميلاد، وبعد موته، سرعن ما نشأت أسطورة حول شخصيته.

ويصف ول ديورانت جلجامش قائلًا:

عاش جلجامش كما اتى في الملحمة في مدينة أوروك فصار ملكها وبطلها، وكان ثلثه إله، وثلثاه إنسان، وقد مهرته أمه الإلهة نينسون بالجمال، عاش حياة اللهووالصيد والبطش بالناس، حتى لم يهجر ابنًا لأبيه، ولا ابنه لحبيبها، فشكاه الناس للآلهة، فطلب الإله آنومن الإلهة أروروالتي خلقت جلجامش حتى تخلق غريمًا له ليتصارعا معًا، وتستريح مدينة أوروك من شر جلجامش، فخلقت أروروإنكيدو، وبعد حتى تصارع إنكيدو مع جلجامش صارت بينهما صداقة حميمية، وقام الصديقان بعدة مغامرات، وفي إحدى هذه المغامرات تعرض أنكيدوللموت، فاستيقظ جلجامش على المأساة الحقيقية وهي موت الإنسان، فهام على وجهه في الصحاري والبراري باحثًا عن وسيلة يحصل بها على الخلود، إلى حتى وصل إلى أوتنابشتيم بطل الطوفان الذي حاز الخلود من قبل، فأرشده إلى نبات ينموفي المياه العميقة، واستطاع جلجامش الحصول على النبات، عاد به فرحًا، وفي طريق عودته عثر ماءًا عذبًا فنزل ليستحم فيه، وإذ بالحيَّة اللعينة تسرق هذا النبات، وتسلب الخلود من جلجامش، وهاك ملخص لما اتى في الألواح الاثني عشر والتي تضمنت الأحداث الآتية:

• قام جلجامش ببناء سور مدينة أوروك، ومعبد عشتار إلاَّ إنه ظلم الشعب، فشكوه إلى "أنو" رب الأرباب فأمر الربة أروروفخلقت أنكيدوالمخلوق العجيب المخيف نظيرًا لجلجامش، فاتى في الملحمة أوروروأنتِ خلقتِ جلجامش.. فاخلقي الآن شبيهًا له.. لينافس قلبه الثائر.. وليتباريا فترتاح أوروك.. (أورورو) وهي تنصت إلى هذه الأقوال.. خلقته في قلبها مثل (آنو).. غسلت (أورورو) يديها.. فأخذت طينة ورمتها على الأرض.. فخلقت البطل.. المولود في منتصف الليل، جندي (ننورتا).. يكسوالشعر كله جسمه.
• أوفد جلجامش عاهرة إلى أنكيدو، فقادته إلى مدينة أوروك حتى التقى به جلجامس وتصارعا معًا.
• صارت صداقة حميمة بين جلجامش وأنكيدور، وقاما بثورة ضد خمبابا الذي يقيم في غابة الأرز.
• وصول جلجامش وأنكيدوإلى بوابة الأرز التي يحرسها حارس يتلقى أوامره من خمبابا، وخوف جلجامش وتشجيع أنكيدوله.
• جلجامش وأنكيدويتأملان أشجار الأرز المرتفعة، ويقبضان على خمبابا ويبتران رأسه.
• لقاء عشتار بجلجامش، وعرضها الزواج منه، إلاَّ أنه يرفض ويذكّرها بأحبابها السابقين الذين غدرت بهم، فترسل إليه الثور السماوي، ولكن جلجامش وأنكيدويقتلانه.
• موت أنكيدوبناء على قرار الأرباب.
• حزن جلجامش ونوحه على أنكيدو، وارتدائه جلد أسد وتجواله في البراري.
• ذهاب جلجامش إلى ماشوحيث الرجل العقرب.
• وصول جلجامش إلى حانة، وصاحبة الحانة تنصحه بعدم مواصلة السفر بحثًا عن الخلود، ثم يلتقي جلجامش بالملاح أورشنابى الذي يطلب منه حتى يبتر 120 عمودًا جميع منها 60 ذراعًا، فعمل جلجامش هكذا، وعبر مع الملاك مياه الموت.
• لقاء جلجامش مع أوتنبشتايم، الذي يحكى له سيرة الطوفان والخلود.
• عودة جلجامش إلى أوروك عاصمته فاشلًا بعد حتى سلبت الحيَّة منه شجرة الحياة.

صداقة جلجامش مع إنكيدوبعد صراعهما

عندما شكى سكان مدينة أوروك ملكهم الظالم جلجامش للإله آنوطلب الإله آنومن الإلهة أروروحتى تخلق غريمًا لجلجامش، فغسلت أرورويديها وأخذت بترة من الآجر وبصقت عليها، فخلقت إنكيدوالبطل، الذي اكتسى جسمه كله بالشعر، وكانت جدائل شعره كجدائل شعر المرأة، وعاش في الصحراء، يأكل العشب مع الغزلان، وفي يوم رآه صياد شرير فإرتاع من منظره وهرب، بينما نزع أنكيدوالشباك التي نصبها الصياد لصيد الحيوانات وتكرر اللقاء نحوثلاث مرات، فأبلغ الصياد أبيه بهذا الرجل المفتول العضلات، الذي لا يرتدى ملابس، ومنظره مرعب، فنصحه أباه بأن يمضى إلى الملك جلجامش ويخبره بهذا.

فمضى الصياد يخبر جلجامش حتى هناك رجل عجيب انحدر من المرتفعات.. إنه أقوى من في البلاد، وذوبأس شديد.. وهوفي شدة بأسه مثل عزم آنوإنه يجوب السُهوب ويأكل العشب.. ويرعى الكلأ مع حيوان البر، ويسقى معها عند مورد الماء.. لقد ذعرت منه فلم أقوى على الاقتراب منه.. لقد طمى الآبار التي حفرتها.. ومزَّق شباكي التي نصبت .

فنصح جلجامش الصياد حتى يصطحب معه امرأة عاهرة، تحاول حتى تجتذبه بمفاتنها، حتى تسقطه، وعندئذ سيبتعد حيوان البر عنه، فأخذ الصياد المرأة ومضى إلى مورد المياه، وانتظرا إنكيدوحتى حضر، فظهرت له المرأة وأغرته قائلة إنك جميل يا إنكيدوكالإله، فلماذا تجوب البرية مع الحيوانات، تعالَ آخذك إلى أوروك واقتنع أنكيدوفمضى معها إلى المدينة وفهمته كيف من الممكن أن يكتسى ويعيش كإنسان وسط الناس، وكيف يأكل الخبز ويشرب المسكر، وأخذ أنكيدوسلاحه وانطلق يطارد الأسود ويصطاد الذئاب ليريح الرعاة، وعندما حدثته عن جلجامش الذي يعتقد بأنه أقوى الرجال، نطق لها أنكيدو: إنني أرغب في مصارعته، وعملًا مضى انكيدوإلى المدينة، وتصارع مع جلجامش حتى هدما العتبة وحطما عود الباب وارتج الحائط، وقد التوَت رجل جلجامش بينما بقيت رجل أنكيدوثابتة على الأرض، فاعترف جلجامش بقوة أنكيدو، وتعانق الاثنان وصارا صديقان.

صراع جلجامش وإنكيدومع همبابا

همبابا هوحارس شجر الأرز على جبل لبنان ذوهيئة مرعبة، زمجرته كالطوفان، وفمه كالنار، ونفسه الموت الزؤوم، الكل يرتعبون من مجرد اسمه، فأراد جلجامش حتى يقتله ليصنع له اسمًا، ويصير ملكًا على جميع البلاد، ولم يستجب جلجامش لتحذير أنكيدوولا لشيوخ أوروك، فنطق له شيوخ أوروك " ليكن معك إلهك الحارس " وصلى جلجامش إلى الإله " شمس " طالبًا معونته، فلم يطمئنه الإله، فأسرع جلجامش إلى أمه الإلهة " نينسون " التي اغتسلت، وفركت جسمها بالطيب، وتزينت بالعقد وتمنطقت بالزنار ولبست التاج، وصعدت إلى الإله " شمس " وأحرقت أمامه البخور وقدمت القربان فاستجاب لها ونطق " شمس " لجلجامش أسرع إلى همبابا قبل حتى يختفى في الغابة، وقبل حتى يلبس دروعه السبعة، فقد لبس واحدة منها فقط، فأمسك جلجامش بيد أنكيدووتوغلا معًا في غابة الأرز كالثور الوحشي، واحتدمت المعركة، وانتهت بقتل همبابا.

صراع جلجامش وإنكيدومع الثور السماوي

بعد حتى اغتال جلجامش وأنكيدوهمبابا عادا إلى أوروك ولبس جلجامش التاج، فأعجبت به الإلهة عشتار، وطلبت الزواج منه، ووعدته أنها ستهيئ له مركبة مضىية تقودها الزوابع، وستجعل الكهان يقبلون قدميه، وينحني أمامه الملوك والأمراء، ولكن جلجامش رفض طلبها لأنها غدرت بكل من أحبتهم قائلًا إني لن أقترن بك، أنتِ لستِ أكثر من موقد ينطفئ عند ملامسته الجليد، أنتِ كالباب الناقص لا يصد عاصفة ولا ريحًا، أنتِ قصر يتحطم عليه الأبطال.. وقير (زفت) يلوث من يحمله، وقربة تُبلل من يحملها.. أنتِ منجنيق حصاد يدمر البلاد.. أنتِ حذاء يقرص قدم منتعلة، من هوالعشيق الذي أحببتيه أبدًا،يا ترى؟ أي طير.. نجا من فخاخك، تعالِ أذكر لك عشاقك البؤساء وأخذ يعدد لها عشاقها الذي انتقمت منهم تموز، والأسد، والحصان، والراعي، والبستان أيشولانون.

ولما سمعت عشتار جلجامش غضبت وصعدت إلى أبيها الإله آنووأمها الإلهة آنتووطلبت الثور السماوي لينتقم لها من جلجامش وإلاَّ فإنها ستحطم باب العالم الأسفل وتقيم الأموات حتى يأكلوا الأحياء، فنطق لها أبيها آنوإذا أعطيتك الثور السماوي فستمر بلاد أوروك بسبع سنين عجاف، لا يبقى فيها غير التبن، فيجب حتى تجمعي الحبوب بوفرة استعدادا لهذه المجاعة، فأبلغته أنها عملت هكذا، فأعطاها " الثور السماوي " الذي استهلك من النهر سبع جرعات فجف ماءه، وعلى خواره انفتحت ثغرة سقط فيها مئات المحاربين، إلى غير ذلك خار ثانية، وفي الخوار الثالث انفتحت ثغرة بجوار أنكيدوفسقط فيها، ثم قفز منها وأمسك بقرني الثور، فرش الثور الزبد في وجهه، وضربه بذنبه الغليظ، فاستنجد بجلجامش، وتمكن الاثنان من اغتال الثور، فأخذت عشتار تنتحب وتنوح ففقدنها جلجامش بفخذ الثور قائلا: لوأمسكت بك لقتلتك مثله، وخرج جلجامش بنصرته على الثور السماوي قائلا لوصيفات قصره: من هوالأجمل من بين الشباب،يا ترى؟ من هوالرائع بين الذكور،يا ترى؟ إنه جلجامش الأجمل بين الشباب، إنه جلجامش الرائع بين الذكور.

وفي سيرة مماثلة هاجم أكا ملك كيش مدينة أوروك فاستشار جلجامش شيوخ أوروك فرأوا الإذعان لأكا، ولكن مجلس محاربي أوروك رفض مشورة الشيوخ، فاحتدمت المعركة وهُزم جلجامش وعاتب الإله إنليل بعد حتى قدم له النذور، فأبلغه إنليل إذا أمر الحرب مع ابنته إنانا واستنادىها، فأعجبت بجلجامش، وحاولت التقرب إليه، ولكن جلجامش اعتذر لأنه يعهد ماذا تعمل إنانا بأحبائها إذ تنتقم منهم، فاحمرت عيون إنانا وزمجرت وأرعدت، وهددت وتوعدت، وطلبت من آن رب الأرباب المقدَّس حتى يهبها ثور السماء ليمح جلجامش مع مدينته، فنالت طلبها، وأخذ الثور يقتل ويدمر ويهدم، ففرَّ الناس مذعورين، وخرج جلجامش يحمل رمحه وشبكته وأسلحته قتاله، فألقى بشبكته على الثور ولكن الثور مزقها بقرنيه، فأطلق سلسلته على الثور فخر بين أقدامه وهزمه، فنطق جلجامش لأنانا " لقد هزمت ثورك. هزمت غضبك المقدَّس يا ابنه السماء، وإني لأسألك حتى تكفى عن ملاحقتي. إني لأسألك باسم أخيك (أوتو) حتى تكوني معي في الحرب ضد الأعداء، إذا أوروك مقدَّسة يا ابنه السماء، وأنت حارستها، فارجعي إلى رشدك " وتشفع جلجامش بأوتوفرجعت أنانا عن ثورة غضبها، ورضت عن جلجامش، وتوَّجته بطلًا على أوروك وسومر كلها، وتعهدت برعايته.

موت إنكيدووطلب جلجامش الخلود

بعد حتى اغتال جلجامش وأنكيدوالثور السماوي غضبت الآلهة، ونطق آنولإنليل: لما اغتال جلجامش وأنكيدوالثور السماوي، وقتلا أيضًا همبابا يجب حتى يموتا، فنطق "إنليل" يموت أنكيدوأما جلجامش فلا يموت، فاعترض الإله شمس قائلًا لإنليل: أليس بأمرك قتلا الثور السماوي وهمبابا،يا ترى؟ فلماذا يموت أنكيدوالبريء،يا ترى؟ فثار إنليل على الإله "شمس" قائلًا: إنك في يوم كنت تنزل إليهما، وكأنك رفيق لهما.

وتعرض أنكيدولسقم شديد، وأخذ يشتم الصياد والمرأة اللذان أخرجاه من حياته في البرية، وبكى أمام الإله شمس طالبا النقمة للصياد قائلًا لشمس " دَمِرْ رمحه وقلَّل من قدرته، فلتكن حصته أمامك ضئيلة، وبدلًا من حتى تدخل الطريدة شباكه، تخرج منها مثل سحابة، ونطق للمرأة التي أخرجته من حياة الصحراء: تعالِ إلى هنا أيتها البغي لأحددك لك قدرك.. سأنزل بك لعنة كبرى، وستحل عليك لعنتي فورًا، إنك لن تقيمي بيتًا يجلب لك السعادة.. ولكن الإله شمس احتج على أنكيدوقائلًا له: إذا هذه المرأة هي التي أطعمتك الخبز الذي يليق بالآلهة، وقدمت لك الجعة الناعمة التي تليق بالأمراء، وألبستك رداءًا فخمًا، وجعلت لك جلجامش الجميل رفيقًا، إذا أمراء الأرض يقبلون قدميك، فهدأت ثورة أنكيدووخاطب المرأة قائلًا: وأنتِ يا بنت الهوى تعالى لأحدد لك قدرك، وليباركك فمي الذي تجاوز وشتمك، وليمجدك الحكام والأمراء.. ويعطيك الحجر الأسود الكريم واللازورد، بأقراط من مضى مطروق يملأ حضنك.

ثم اشتد السقم على أنكيدو، ورأى حلمًا قصه على صديقه جلجامش الذي لم يفارقه قائلًا: حلمت بمخلوق عجيب يداه تشبهان قوائم الأسد، وأظافره تحاكى مخالب النسر، فأمسكني بخصلة شعرى، وحملني إلى الجحيم، فاكتست ذراعاي بالريش وكأني طائر، فأمسك بي وقادني إلى مسكن مظلم، حيث لم يكن لمدخله مخرج، إلى الطريق الذي لا رجوع منه، إلى الجحيم ورأيت الناس كالطيور يلبسون أردية من الريش حتى الذين حكموا الأرض، والأنبياء والقديسون والوزراء، يأكلون الطين، ورأيت ملكة الجحيم " أريشكيجال " وأمينة سر الجحيم " بعلى سيرى " هجرع أمامها.

وبعد نحواثني عشر يومًا توفي أنكيدو، فبكاه جلجامش بحرقة قائلًا: يا صديقي أنكيدوإذا الغزالة أمك، والحمار الوحشي أبوك اللذين أنجباك.. فلتبككَ مسالك أنكيدوفي حراج لغابة الأرز.. وليبككَ الشيوخ إلى شارع أوروك العريض، ولتبككَ رؤوس الجبال والتلال، التي اعتليناها سوية نحن الاثنان، ولتنتحب البراري.. ليبكك الدب والضبع والفهد والنمر والوعل والثعلب، والأسد والثور الوحشي والأيل والكبش والماشية والحيوانات المدهشة.. وليبكك الفرات العذب، وليات رجال أوروك ويبكوكَ، هؤلاء الذين شهدوا مآثرنا، ,المدينة حيث قتلنا الثور.. لقد قتلنا همبابا.. فما هوهذا النعاس الذي استولى عليك، لقد فقدت الوعي حتى أصبحت لا تسمعني، لم تعد تحمل رأسك، وقلبك توقف عن الخفقان، وغطى جلجامش وجه صديقه بحنان بالغ، وصار يدور بلا انقطاع حول صديقه أنكيدو، وصرخ بأهل البلاد: أيها الحدادون والنحاتون والصياغ وناقشوا الأحجار الكريمة، أصنعوا تمثالًا لصديقي، وسرعان ما صنعوا له التمثال.. صورة من اللازورد وجسمه من المضى. وبعد هذا أهمل جلجامش شعره، وارتدى جلد أسد وهام في البراري، وهوفي ثورة داخلية ضد الموت لأنه لا يريد حتى يموت، نطق أمضىُ إلى أوتنابشتيم بطل الطوفان واسأله كيف من الممكن أن حصل على الخلود.

وفي أسطورة أخرى اقتلعت الإلهة إنانا شجرة سنديان من على ضفاف الفرات وغرستها في مدينة أوروك فنمت وامتدت، وأوت تحتها حيَّة، ولكن جلجامش اغتال الحيَّة وبتر الشجرة، فقامت "إنانا" بتصنيع آلة موسيقية وعصى من جزع الشجرة، ومنحتهما لجلجامش الذي فرح بهما، وراح جلجامش يعزف على الآلة الموسيقية، ولكنها سقطت مع العصا في عمق الجحيم، فجلس يبكى، فنطق له أنكيدو: لما تبكِ،يا ترى؟ ولماذا قلبك في غم،يا ترى؟ أنا اليوم سأعيدك لك الآلة والعصا من جوف الجحيم.

نصح جلجامش صديقه أنكيدوحتى لا يلبس ثيابًا نظيفة، ولا يمسح جسده بالزيت المعطر، لا يرمى بحربة ولا يحمل هراوة، ولا يلبس حذاء، وفي الجحيم عندما يرى زوجته أوابنه اللذين يحبهما لا يقبّلهما، وعندما يرى زوجته أوابنه اللذان يكرهما فلا يضربهما، حتى لا تحتجزه " أم نينازو" في الجحيم، ولكن أنكيدوعمل عكس وصية جلجامش له، فأيقظ "أم نينازو" التي احتجزته في الجحيم، وفشل في الصعود للأرض ثانية.

أما جلجامش فظل يبكى عليه، والتجأ إلى الإله " إنليل " فلم يبالى، إلى غير ذلك الإله " سين " لم يبالى أيضًا. أما الأب " آياد " فقد طلب من البطل " نرجال " حتى يفتح ثغرة في الأرض لتخرج منها روح " أنكيدو"، إلى غير ذلك التقى جلجامش بروح أنكيدووتعانقا الاثنان، ورقصا معًا إلى حد الإعياء، ثم سأل جلجامش صديقه أنكيدوعن حالة الذين يعيشون في الجحيم، فنطق أنكيدو:

إن الجسد يا جلجامش الذي كان يلذ لك حتى تلمسه أكله الدود وكأنه خرقة بالية، وإن المعاملة في الجحيم تتم بناء على عدد أولاد المحتجز في الجحيم، فالذي لديه ولد واحد يجلس منطرحًا منهوك القوى عند أسفل الحائط يبكى بمرارة، ومن له ولدان يعيش في بيت من القرميد ويأكل خبزًا، ومن له ثلاثة أولاد يشرب الماء من قدور الجحيم، ومن له أربعة أولاد فقلبه فرح، ومن له خمسة أولاد فإنه يسكن مع العظماء وله مداخلة في القصر، ومن له ست أولاد يجر المحراث وقلبه مبتهج، ومن توفي ميتة مجيدة يرقد على فراشه ويشرب ماء صافية، وأبوه وأمه يحملان رأسه وزوجته تحتضنه.. إلخ.

رحلة جلجامش للحصول على الخلود

بعد موت أنكيدوهام جلجامش على وجهه في الصحراء، وهويبكى بكاءًا مرًا قائلاَ: هل سأموت أنا أيضًا..،يا ترى؟ إذا خوفي من الموت يدفعني إلى حتى أهيم في الصحراء، فلأمضى إلى أوتنابشتيم الذي حصل على الخلود وأسأله عن سر الخلود، وبدأ جلجامش رحلته إلى أوتنابشتيم، فمر بسبع عقبات شديدة وهي:

عندما بلغ جلجامش ممرات الجبال مساءًا، ورأى الأسود تملكه الرعب، فصلى للإله "سين" إله القمر، وكانت الأسود تمرح مسرورة في ضوء القمر، فحمل جلجامش فأسه، واستل سيفه وانقض على الأسود فمزقها إربًا.

عندما وصل جلجامش إلى أسفل جبل " ماشو" العظيم المضاء بنور الشمس، وكان يحرس الباب " بشر عقارب " ارتعب جلجامش واصفر وجهه فزعًا، وخاطب الرجل العقرب سليل الآلهة جلجامش: لما حمَّلت نفسك عناء هذا السفر البعيد وأتيت إلى هنا أمامي،يا ترى؟ وبعد حتى اجتزت الأنهار ومعابرها العسيرة، أريد حتى أعهد إلى أين تقودك طريقك..،يا ترى؟ فأجاب جلجامش الرجل العقرب: إنني بترت طريقًا طويلًا للوصول إلى أوتنابشتيم، لأسأله عن سرد الخلود، ولغز الحياة والموت.

فنطق الرجل العقرب: يا جلجامش لم يقم قبلك رجل، يبتر مثل هذا الطريق، ولم يرَ أحد حتى الآن أغوار الجبال، ثم شجعه الرجل العقرب قائلًا: امضى ولا تخشى شيئًا بعد الآن، لقد أوضحت لك عن الجبال التوائم، فلتقدك سالمًا معافى إلى منتهى رجلتك، لأن باب الجبل مفتوح أمامك.

دخل جلجامش إلى طريق الشمس، وبعد سير ساعة إختفى النور، وواصل جلجامش مسيرته عبر ظلام كثيف، حتى إنه لم يعد يرى شيئًا، بعد تسع ساعات شعر بالريح تلفح وجهه، ثم سار عشر ساعات مضاعفة فأشرق عليه النور، وبعد اثنى عشرة ساعة مضاعفة صارت الأرض منيرة.

وصل جلجامش إلى غابة الأحجار والمعادن، فرأى أشجارًا تحمل عقيق أحمر، والعنقود يتدلى لمَّاع المنظر، واللازورد قد أورق، وهويحمل ثماره ضاحكًا، فبتر هذه الغابة وواصل سيره.

صار جلجامش ساعات مضاعفة، وهويغطى ظهره بجلد الحيوانات إلى ساحل البحر، فوصل إلى حانة (مسدورى) وعندما رأته صاحبة الحانة أوصدت الباب وأحكمت غلقه بالمزلاج، فنطق لها جلجامش: يا صاحبة الحانة، ماذا رأيتِ حتى أغلقتِ مصراعك، وحتى أوصدت بابك،يا ترى؟ إني سأكسر مزلاجك، إذا أوصدت الباب في وجهي.. أنا جلجامش الذي اغتال الثور الهابط من السماء، وفي الغابة قتلت من كان يحرسها، صرعت " همبابا " الذي كان يسكن غابة الأرز، وفي الجبل قتلت أسودًا.

فنطقت له صاحبة الحانة: إذا كنت أنت الذي أمسك بالثور الإلهي وقتلته، فلِمَ ذبلت وجنتاك ولاح الغم على وجهك..،يا ترى؟ وعلام تملك الحزن قلبك وتبدلت ملامحك..،يا ترى؟ وكيف لفح وجهك الحر..،يا ترى؟ وعلآم تهيم على وجهك في البراري؟

فأجاب جلجامش: إذا كان وجهي قد امتقع، وذبلت وجنتاي، وامتلأ قلبي آسى.. فذلك لخوفي من الموت.. أين صديقي أنكيدوالذي كنت أحبه..،يا ترى؟ لقد أصبح شبيهًا بالطين.. لم أسمح لهم بدفنه، حتى أرى إذا كان صديقي سينهض على سقط صراخي، سبعة أيام وسبع ليالٍ، إلى حتى سقط الدود من أنفه، وبعد موته لم أعد أذق طعمًا للحياة.. والآن يا صاحبة الحانة وقد رأيتُ وجهك، أيمكنني ألاَّ أرى الموت الذي لا أنفك أخافه؟!

أجابت صاحبة الحانة: يا جلجامش إلى أين أنت سائر،يا ترى؟ إذا الحياة التي تريدها لن تجدها، لأنها لما خلقت الآلهة البشرية، قدَّرت لها الموت، واستأثرت هي بالحياة الأبدية.. أما أنت يا جلجامش فلتكن معدتك مملوءة، واسترسل بالفرح ليل نهار، وبالسرور جميع يوم.. ارقص ليل نهار واعزف الموسيقى، واجعل ثيابك نظيفة زاهية، واغسل رأسك واستحم في الماء، وانظر إلى الطفل الذي يمسك بيدك، وافرِح زوجتك التي بين أحضانك، هذا هوجميع ما تستطيع البشرية عمله..

نطق جلجامش: والآن يا صاحبة الحانة، أين الطريق إلى أوتنابشتيم..،يا ترى؟ بالإمكان حتى أجوز البحر، وإلاَّ سأعود إلى البراري.

نطقت صاحبة الحانة: ليس هناك من معبر آخر، ولا أحد من زمن بعيد تجاوز له حتى عبر البحر.. من أين يا جلجامش تستطيع حتى تعبر البحر، حتى تصل إلى مياه الموت ماذا تعمل،يا ترى؟ يا جلجامش يوجد هنا " أورشنابو" (سور سنابو) ملاح أوتنابشتيم.. إذا لديه تمثالين من حجر، وها هوالآن في الغابة يجمع الزحافات، أمضى كي يرى وجهك، وإن أمكن فأعبر معه، وإلاَّ فعد أدراجك..

حمل جلجامش سيفه، واخترق الغابة كسهم، حتى التقى باور شنابوالذي سأله عن حزنه الشديد، فشرح له جلجامش بالتفصيل سيرة موت صديقه أنكيدو، وسأله جلجامش حتى يدله على أوتنابشتيم، فطلب منه أورشنابوحتى يبتر 120 عصا من الغابة طول جميع منها 30 ذراعًا (وفي إنجيل بابا 60 ذراعًا) وأن يطلها بالقار، فعمل جلجامش هكذا.

صنع جلجامش هذه السفينة البدائية، واصطحب معه أورشنابو، وأبحر في مياه الموت، وحذر أورشنابوجلجامش لئلا تمس يده مياه الموت، ونزع جلجامش ثيابه ونشرها بيديه كأنها شراع..

وأخيرًا وصلت السفينة إلى أوتناشتيم الذي سأل جلجامش عن سبب حزنه الشديد، فحكى له جلجامش جميع شيء بالتفصيل، فنطق له أوتنابشتيم: لما يتملكك الضيق إلى هذا الحد يا جلجامش،يا ترى؟ أنت الذي جسدك من مادة الآلهة والبشر، أنت الذي يعاملك الآلهة وكأنهم أمك وأبوك، وأخذ أوتنابشتم يسدى النصح لجلجامش لقبول الفلسفة الواقعية، وحكى أوتنابشتيم لجلجامش سيرة الطوفان بالتفصيل، وامتحن أوتنابشتيم جلجامش، بأن طلب منه حتى لا ينام ستة أيام وسبعة ليالي، ولكن جلجامش فشل في هذا الامتحان، وأخذته سُنة من النوم، فنطق أوتنابشتيم لزوجته: أنظري هذا الفتى الذي ينشد الحياة، والنعاس كالضباب ينتشر فوقه، فنطقت له: ألمس هذا الرجل لكي يستيقظ ويعود من حيث أتى سليمًا معافى.

وطلب أوتنابشتيم من أورشنابوحتى يصطحب جلجامش لكي يغسل شعره المتسخ ليصبح نظيفًا كالثلج، ويطرح عنه جلود الحيوانات التي يرتديها في البحر، ويلبس حلة جميلة، ويصنع عمامة فوق رأسه، وحدث هذا، ثم ركب جلجامش السفينة ليعود إلى وطنه.

فنطقت زوجة أوتنابشتيم لزوجها: لقد أتى جلجامش إلى هنا وقاسى المشقة والتعب، فماذا عساك حتى تمنحه وهوعائد إلى بلاده؟

فنطق أوتنابشتيم: يا جلجامش.. سأكشف لك عن سر، وأقول لك ما لا يعهده سائر البشر، فالأمر يتعلق بنبتة تنبت في البحر جذرها الشوك، إنها كالورد شوكه يغز في يديك، فإذا ما حصلت على هذا النبات، تكون قد حصلت على الحياة الأبدية.

وما حتى سمع جلجامش هذا القول، حتى ربط رجليه بأحجار ثقيلة، وألقى بنفسه في البحر، وغاص في الأعماق، واستولى على النبتة وإن كانت قد وخذت يده، وبتر الأحجار الثقيلة من قدميه، فقذفه البحر إلى الشاطئ الذي لم يلبث حتى غادره.

فنطق جلجامش لأورشنابوالملاح: يا أورشنابوهذه النبتة ضد الكرب، وبها يصل إلى تام الشفاء. أنا أرغب حتى أخذها إلى أسوار أوروك، وسأشرك الناس معي في أكلها إلى غير ذلك اختبرها، وسيكون اسمها: عودة الشيخ إلى الحياة..

وبدأت رحلة العودة إلى أوروك، وفي الطريق رأى جلجامش بئرًا مياهها باردة، فنزل إلى البئر ليغتسل في مائها.. شمت حيَّة عرق الثياب، فخرجت من الأرض واختطفت النبتة، وسرعان ما نزعت جلدها عنها، فجلس جلجامش يبكى.. لقد ضاعت جميع أتعابه هدرًا، وأخذ ينتحب ويقول: من أجل من يا أورشنابوكلَّت يداي،يا ترى؟ ومن أجل من استنزفت دم قلبي.. لقد حققت المغنم لأسد التراب، وأوصل أورشنابوجلجامش لمدينة أوروك، فعاش جلجامش وأنجب ابنه أوننجال، وحكم مائة وست وعشرين عامًا وهوسعيد، ثم توفي وخلَّفه ابنه أوننجال.

انظر أيضاً

• أترا-حاسيس
• إنوما إليش
• جلجامش في الثقافة الشعبية
• نصف إله
• إنكيدو
• هرقل
• شمشون
• داود
• أوديسيوس

المصادر

المراجع