نصر الدولة

عودة للموسوعة

نصر الدولة

Sedsala 12'an da, ji pirtûka destnivîsa gerîdokekî Rojava da wêneya seroke أمير الدولة الدوستكية، أبوالنصر

أبوالنصر نصر الدولة أحمد بن مروان ( - 1061م) هوثالث ملوك الدولة الدُّوستكية المروانية الكردية في كردستان الوسطى (350 - 478 هـ).

عهد التأسيس

وما دمنا بصدد الحديث عن الملك نصر الدولة، فلا بد لنا من رحلة إلى منتصف القرن الرابع الهجري (العاشر الميلادي)، فهو– نصر الدولة – كان ملكاً يقود دولة، وكانت تلك الدولة في البداية إمارة صغيرة، ثم نمت وتطورت، فصارت دولة ذات مكانة، وذلك هوشأن معظم الدول عبر التاريخ، إذا لم يكن شأن كلها. وتسمى هذه الدولة باسم (الدولة المروانية)، وتسمى (الدولة الدوستكية) أيضاً، وقـد نشأت سنة (372 هـ / 982 م)، وظلت قائمـة إلى سنة (478 هـ / 1086 م)، وكانت عاصمتها مدينة فارقين (مَيّافارقِين)، وضم نفوذها ولايات: ديار بكر، وماردين، وسِعَرْد (سيرت)، وبَدْليس، وقسماً من ولاية مُوش، إضـافة إلى قضاء أَرْجِيش من ولاية وان، وأجـزاء من ولايات: آلَزِگ ( العـزيز)، وولاية أُورفـا (الرُّهـا)، ونصيبين وأطراف الموصل.

ويذكر الفارقي في تاريخه حتى اسم مؤسس تلك الدولة باد بن دُوستك الحاربختي، وهوأبوعبد الله الحسين بن دُوسْتِك، والأرجح حتى (باد) لقب للرجل، ويعني بالكردية (الريح)، ويسمى (باذ) أيضاً، وكان يمتاز بالحنكة وبرجاحة العقل وكرم الطبع، وقد التفّ حوله المعجبون به، فهاجم أرجيش، وكانت أول مدينة دانت لسلطانه، وأقام علاقات ودّية مع الملك البويهي عضد الدولة، بل إنه قدّم مساعدات قيّمة للجيش البويهي لكسر شوكة الأمير أبي تغلب الحمداني.

وحينما ولج البويهيون الموصل سنة (368 هـ) اتى أبوشجاع للقاء عضد الدولة، وما إذا اجتمع بالملك البويهي حتى فطن إلى أنه لن يبقي عليه، وكان ظنه صائباً؛ وذكر ابن الأثير في كتابه (الكامل في التاريخ، ج 9، ص 35) حتى عضد الدولة نطق بعد حتى خرج باد من مجلسه: " له بأس وشدة، وفيه شر، لا يجوز الإبقاء على مثله ". وأمر بالقبض عليه، لكن كان أبوشجاع قد غادر المدينة سراً، ولحق بجيشه. وسرعان ما تعاون البويهيون والحمدانيون للقضاء على أبي شجاع واغتياله، فخابت مساعيهم، ثم هاجم أبوشجاع الموصل، وخاض معركة ضارية ضد بني بويه والحمدانيين وبني عقيل، وجرح في المعركة إثر سقوطه حين قفز من على ظهر فرسه إلى ظهر فرس آخر، ثم قُتل، وكان ذلك سنة (380 هـ / 990 م)، نطق ابن الأثير: " وحُملت جثّته إلى الموصل... وصُلّي عليها بالموصل، ودُفنت، ولحق أهل الموصل من الحزن عليه والأسف لقتله ما لا يوصف، وعملوا عليه المآتم والنّدب والبكاء ".


عهد الازدهار

بعد مصرع أبي شجاع تولّى القيـادة ابن أخته الأمير أبوعلي حسن بن مروان، وكان شهماً جريئاً، ودارت معارك بينه وبين الحمدانيين جنوباً، وبينه وبين الأرمن شمالاً، هذا إلى جانب صراعه مع الدولة البيزنطية من ناحية الغرب، وكان ينوب عنه في شؤون الحكم سياسي كردي موهوب يدعى مَمْ، نطق الفارقي: " وكان شيخاً مقداماً مجرَّباً شهماً من الرجال، قد حنّكته التجارب، وبقي يسوس دولة أبي علي ويدبّرها أحسن تدبير". واغتيل أبوعلي سنة (387 هـ / 997 م)، وتولّى الإمارة من بعده الأمير سعيد بن مروان، ولقبه ممهّد الدولة، وفي عهده نالت الدولة المروانية الاعتراف من قبل القوى السياسية الكبرى حينذاك؛ إذ أوفد الخليفة العباسي القادر بالله وفداً رسمياً لتهنئته، كما اعترف بها جميع من الملك البويهي بهاء الدولة في العراق وفارس، والخليفة الفاطمي الحاكم بأمر الله في مصر، واجتمع ممهّد الدولة بالإمبراطور البيزنطي باسيل سنة (390 هـ) في المنطقة الحدودية بين الدولتين، واتفقا على التفاهم والتحالف. واغتيل ممهّـد الدولة حوالي سنة (401 هـ) بمؤامرة دبّرها حاجبه شَيرُوه بن مَمْ، وتعرّض كيان الدولة للخطر، فقد حاول شيروه الاستئثار بالحكم والقضاء على الأسرة المالكة، لكن رؤساء العشائر الكردية وقفوا إلى جانب الأمير نصر الدولة أحمد بن مروان، فتولّى الملك بعده أخيه ممهّد الدولة، وبدأ معه عهد القوة والازدهار في الدولة المروانية.

رجل دولة قدير

نصر الدولة، 405 هـ (ح. 1014 م)، سيلڤان، كردستان الشمالية.
نصر الدولة، 410 هـ (ح. 1019 م)، سيلڤان، كردستان الشمالية.

ونصر الدولة هوأعظم ملوك الدولة المروانية، واستمر حكمه من سنة (401 هـ / 1011 م) إلى سنة (453 هـ / 1061 م)، إنه بدأ بتنظيم أمور دولته على قواعد متينة، فعيّن الولاة والموظفين على أساس من الكفاءة والإخلاص، ليعيد إلى الدولة هيبتها، ويوطّد حكمه على نادىئم من العدل والمساواة، ويهيّئ لشعبه حياة يسودها الهدوء والاستقرار، وأعاد الأمور إلى نصابها بعد حتى تزعزعت بشدة إثر اغتيال سلفه وأخيه ممهّد الدولة.

ولما انتهى نصر الدولة من تنظيم أمور الدولة، وإرسائها على العدل والرخاء، اهتم بتعزيز المكانة السياسية لدولته على الصعيد الإقليمي، وكان حصيفاً في بناء العلاقات الخارجية المتوازنة، فكسب ودّ الدول المجاورة واحترامها، وتجنّب الانضمام إلى التحالفات المتعادية، واستعان بعلاقات المصاهرة لتأمين سلامة بلاده، وتعزيز مركزها السياسي، فتزوّج بالفَضْلونية بنت فَضْلُون بن مَنُوجَهْر الكردي صاحب أرّان وأرمينيا العليا، كما تزوّج بالسيدة بنت شرف الدولة قِرْواش بن المقلّد العقيلي، وبنى لها بجانب القصر دار السيدة والبستان، وأكرمها غاية الإكرام، وتزوّج بنت سنخاريب ملك السناسنة الأرمن، وكانت قبل ذلك زوجة أخيه الأمير أبي علي. واستطاع بهذا السياسة الحكيمة، وعبر هذه العلاقات المتوازنة، حتى يجنّب بلاده كثيراً من الويلات، ويحقق لرعيته الرخاء والهدوء والسلام، رغم حتى دولته كانت تقع في منطقة تتقاطع فيها مصالح سياسية إقليمية حادة (العباسيون، البويهيون، الأرمن، البيزنطيون، الحمدانيون، الفاطميون).

نصر الدولة، 416 هـ (ح. 1025 م)، سيلڤان، كردستان الشمالية.

وأثمرت سياسته الحكيمة سلاماً ورخاء حقيقيين، فاعترفت الدول الشرق أوسطية الثلاث الكبرى في ذلك العصر بالدولة المروانية؛ وهي الخلافة العباسية، والخلافة الفاطمية، والدولة البيزنطية، ووطّدت علاقة الصداقة معها، وأوفدت جميع دولة ممثّلها إلى العاصمة ميّافارقين سنة (403 هـ / 1013 م)، مصحوباً بالهدايا والتحف الثمينة، لإبلاغ الملك المرواني اعترافها بحكومته حسب منطق السياسة آنذاك، وهذا مرشد واضح على أمرين اثنين: • أولهما حنكة الملك الكردي في بناء علاقات سياسية متوازنة مع دول الجوار المتعادية. • ثانيهما الأهمية الإستراتيجية التي كانت تحظى بها الدولة المروانية، وتأثيرها في التوازنات الإقليمية والحسابات العسكرية.

بلاط .. وسفراء

ومن الطريف حتى ممثلي هـذه الدول وصلوا إلى العاصمة مَيّافارقين في يوم واحد، ومما زاد في سرور الملك نصر الدولة مصادفة وصول الوفود مع الانتهاء من بناء القصر الملكي، ومـع إطـلالة عيد الأضحى؛ ولندع الفارقي يصف طرفاً من الأحـداث السياسية الهـامة التي ازدانت بها الدولة المروانية: " في ذي الحجّة من سنة ثلاث وأربعمـائة…، قبل العيد بثلاثة أيام، وصل خادم [موفد] من خدم الخليفة القادر بالله، ومعه حاجب من سلطان الدولة ابن بويه يسمّى أبا الفرج محمد بن أحمد بن مَزْيَد، ووصل معهما الخُلَع والتشريف والمنشور بديار بكر أجمع من الخليفة والسلطان، ولُقّب بنصر الدولة وعمادها ذي الصَّرامتين ". " وفي عشيّة ذلك اليوم وصل رسول من خليفة مصر، وهوالحاكم بأمر الله أبوعلي منصور، وورد معه من الهدايا والتحف والألطاف شيء كثير، ولقّب نصر الدولة بعزّ الدولة ومجدها ذي الصَّرامتين، فخرج جميع من في الدولة إلى لقائه، ودخل البلد. ومن بُكرة ذلك اليوم ورد رسول من ملك الروم باسيل الصقلّي وكان ملك القسطنطينية، فخرج الناس إلى لقائه، ووصل معه من القُود [الجياد الطويلة العنق] والجنائب [النُّوق] والتحف ما لا يوصف ". " وكان اليوم الرابع للعيد، وجلس نصر الدولة لهناء العيد على التَّخْت [كرسي الإمارة]، وحضر رسول الخليفة والسلطان، فجلسوا على اليمين، وحضر رسول مصر، ورسول ملك الروم، فجلسا على الشمال، وحضرت الشعراء والقرّاء، وكان يوماً عظيماً وعيداً مشهوداً، وقرئت المناشير على الناس بحضور الرسل والأمراء، ولبس الأمير الخلع، وخلع على الرسل من الخلع ما لم يمكن حتىقد يكون مثلها ". ونفهم مما أورده الفارقي حتى الدول المجاورة كانت تتعامل مع الدولة الكردية باهتمام، وتقدّر مناخ الأمن والاستقرار والعدالة والغنى الذي ساد في الدولة الكردية، فراحت تخطب ودّها، وتقيم معها أفضل العلاقات، ولا ريب حتى السياسة الحكيمة التي رسمها نصر الدولة لدولته كانت سبب ذلك الاهتمام، فقد قامت سياسته على الحياد وعدم التدخل في الصراعات والنزاعات الناشبة في المنطقة، وتجنّب الحروب، والانصراف إلى الشؤون الداخلية، والسهر على مصالح الشعب الذي كان آنذاك أغنى شعب وأسعده في المنطقة؛ هذا إضافة إلى ترسيخ مبدأ التسامح الديني بين الأديان والمذاهب والقوميات.


نشاط حضاري

عُني نصر الدولة بالكثير من المشاريع العمرانية، منها بناء مدينة النصرية على ضفة نهر باطْمان، وصرف اهتمامه إلى بناء المساجد والجسور وقنوات المياه، والتحصينات الدفاعية، ولا سيما في المناطق المتاخمة للحدود البيزنطية. وقرّر تشييد قصر ملكي فخم في العاصمة ميّافارقين، يشير على أبّهـة الملك، فحشد له المهندسين ورجال العمارة والفن، وأجرى في حيطانه وسقوفه المضى، وعمل فيه ما لا نظير له، وزوّده بكل مسببات الراحة والعيش الرغيد، واشتمل القصر على قاعات للاجتماعات والاحتفالات، وأجرى إليه قناة الماء من رأس العين، وعمل فيه البرك والحمّام. ولما ذاعت شهرة نصر الدولة، وتناقلت الألسن أخبار عدالته وجوده، أقبل عدد كبير من الشعراء على بلاطه، وتغنّوا بأمجاد الدولة المروانية، ومدحوا نصر الدولة بالقصائد الرفيعة، وحظوا منه بالهبات والجوائز؛ ومنها القصيدة التي نطق فيها أبوالحسن علي بن محمد التهامي: إنْ نطق: لا، فهي آلاء مضاعفـةٌ وإن يقل نَعَماً أفضتْ إلى نِعَــمِ وكان لنصر الدولة شعراء عديدون يلازمون بلاطه، منهم ابن الظريف الفارقي، وابن السوادي، وابن الفطيري، والشاعر الكبير الأمير حسين بن داود البَشْنَوي، والمَنازي، ولم يكن الشعراء وحدهم هم الذين أعجبوا بنصر الدولة وعهده الزاهر، بل شاطرهم الفهماء الشعور ذاته، وكذلك أصحاب الفن، يقول ابن الأثير: " وكان [نصر الدولة] مقصداً للفهماء من سائر الأفاق، وكثروا ببلاده،... وقصده الشعراء، وأكثروا مدحه، وأجزل جوائزهم ".

رجل السلام

ولم يكن نصر الدولة محباً للحروب، إنه كان حريصاً على الأرواح من الهلاك، وعلى البلاد من الخراب، لذا اختار منهجاً سلمياً في علاقات دولته بالدول المجاورة، وحلّ المشاكل عن طريق التفاوض والتفاهم، نطق ابن كثير (البداية والنهاية، ج 12، ص87) في ذلك: " وكان [نصر الدولة] كثير المهادنة للملوك، إذا قصده عدوّ أوفد إليه بمقدار ما يصالحه به فيرجع عنه ". ونطق ابن الجَوْزي (المنتظم، ج 16، ص 70): " وكان إذا قصده عـدوّ يقول: كم يلزمني من النفقة على قتال هذا،يا ترى؟ فإذا نطقوا: خمسون ألفاً. بعث بهذا المقدار، أوما يقع عليه الاتفاق، ونطق: ادفعوا هذا العدوّ ". أما على الصعيد الداخلي فقد شهد المؤرخون لنصر الدولة بنشر العدل، وبالعطف على الشعب، فهذا ابن كثير يصف انتشار الأمن والعدل في ربوع الدولة المروانية: " وكانت بلاده آمن البلاد وأطيبها وأكثرها عدلاً ". ونطق ابن الأثير يشيد بسيرة نصر الدولة في رعيته: " وسيرته في رعيته أحسن سيرة ". ونطق الفارقي يصف ابتعاد نصر الدولة في حكمه عن الطغيان: " وعظُم شأن نصر الدولة، وكبُر أمره، وتقرّرت مملكته، وفَعَل الخير، وعَدَل في الناس،… وفَعَل من الخير ما لم يعمله أحد من بيته وأهله ". وبتحقيق العدل وحسن المعاملة مع الرعية ،وتوفير الأمن، تحقّق الازدهار الاقتصادي، فأصبحت كردستان الوسطى واحة وارفة الظلال، يقصدها التجّار والصنّاع وأهل الفهم؛ وهذا ما يؤكده الفارقي بقوله: " وانعمرت ميافارقين أيام نصر الدولة، وقصدها الناس والتجار وجماعة من جميع الأطراف، واستغنى الناس في أيامه، وكانت أحسن الأيام ودولته غير الدول ".

مواقف إنسانية

اشتهرت الدولة المروانية في عهد نصر الدولة بالعطف على الغرباء، وأصبحت ملاذاً آمناً لعدد غير قليل من اللاجئين السياسيين في ذلك العصر، فيهم الملك والأمير والوزير، فكان نصر الدولة يرحّب بهم، ويعطف عليهم، ويبالغ في إكرامهم، ويوفّر لهم العيش اللائق بمكانتهم، لقد لجأ إليه- على سبيل المثال- الملك العزيز البويهي، والوزير أبوالقاسم المغربي، والوزير ابن جَهِير الموصلي، وابن خان الهجري نطق الفارقي في ذلك: " وقصده الناس من جميع جانب، وحصل كهفاً لمن التجأ إليه ". وفي سنة(450 هـ) خرج البَساسِيري الهجري (قُتل في 451 هـ) على الخليفة العباسي القائم بأمر الله، وكان البساسيري من مقدّمي الأتراك ومن مماليك الملك بهـاء الدولة البويهي، وخطب البساسيري للخليفة الفاطمي المستنصر بالله صاحب مصر، فهرب الخليفة القائم من بغداد إلى الحَدِيثة، وضاقت الدنيا بأسرته، فلم تجد أمّ ولي العهد الملاذ إلا في كنف الملك نصر الدولة، نطق الفارقي: " وخرجت السيدة ومعها أبوالعبّاس محمد بن القائم - وهوالذخيرة أبوالمقتدى- فقصدت السيدة ميّافارقين ومعها الذخيرة صغيراً، وخرج نصر الدولة إلى لقائهم، فأنزلهم واحترمهم وأضافهم، وأنفذهم إلى آمد، وأنزلهم في القصر، وتقدّم بما يحتاجون إليه ". والطريف حتى رعاية هذا الملك لم تقتصر على الناس، بل ضمت الحيوانات أيضاً، وبكيفية لم نعهدها من سائر الملوك، فقد بلغه حتى الطيور تجوع شتاء لكثرة الثلج، وأن الناس يصطادونها بسبب حاجتها إلى الحب، فأمر بفتح مخازن الحبوب، وإلقاء ما يكفيها من الغلات طوال الشتاء، فكانت الطيور في ضيافته طوال الشتاء مدة عمره.

أعياد

ومن تتبع سيرة الملوك المروانيين يجد حتى الغالب عليهم هوالنزوع إلى إشاعة الرخاء والهدوء والسلم، والشغف بالحياة الرغيدة، وإقبالهم على الترف واللهو، وذكر الفارقي أنه كان لنصر الدولة ثلاثمئة وستّون جارية حظايا، وكان لا تصل نوبة إحداهن في السنة إلا مرة واحدة، وكان في جميع ليلة له عروس جديدة، وكان له من المغنيات والرقّاصات وأصحاب سائر الملاهي ما لم يكن لسواه من سائر الملوك والسلاطين، وكان حدثا سمع بجارية مليحة أومغنّية مليحة طلب شراءها، وبالغ في مشتراها، ووزن أضعاف قيمتها. نطق الفارقي يلخّص النعيم الذي عاشه نصر الدولة: " واستقرّ نصر الدولة في الملك، وملك ما لا يملك أحد مثله، وتنعّم بما لا يتنعّم أحد غيره ". ونطق أيضاً: " وكانت أيامه كالأعياد ". ونطق ابن الأثير في هذا الصدد: " وتنعّم تنعّماً لم يُسمَع بمثله عن أحد من أهل زمانه ". ولا نستبعد حتىقد يكون في الأخبار المتعلقة بإقبال نصر الدولة على الملذات شيء من المبالغة، لكن مع ذلك يظهر أنه أسرف في الترف ورغد العيش، وأنفق كثيراً من المال في هذا الباب، في وقت كانت المخاطر تتربّص بدولته، ولا سيما من قبل السلاجقة الذين بسطوا نفوذهم على فارس والعراق، وكانوا يخططون لاحتلال كردستان الوسطى. إن الأوضاع الإقليمية حينذاك كانت تتطلّب من نصر الدولة حتى يشمّر عن ساعد الجد، ويتحلّى بالعزم والحزم، ويهيّئ لدولته من القوة الذاتية ما يجعلها قادرة على لقاءة الأطماع المتربّصة بها؛ فالتوازنات الإقليمية والعلاقات السياسية وحدها غير كفيلة بصيانة استقلال الدول، لأنها عرضة للاختلال في جميع وقت، وهذا ما لم يأخذه نصر الدولة بالحِسبان، فشهد في أواخر عهده بأم عينيه كيف من الممكن أن بدأ السلاجقة ينهشون دولته مرة بعد مرة.


في ذمة التاريخ

ولم يطل الأمد حتى بدأ السلاجقة بتطبيق مخطط احتلال كردستان الوسطى؛ وذكر الفارقي أنه في سنة (434 هـ) أوفد السلطان طُغْرُلْبَگ أميرين من أصحابه: أحدهما بُوقا، والآخر ناصغلي، وكانا من كبار الأتراك، ومعهما عشرة آلاف فارس إلى ديار بكر، فأغاروا على البلاد، وأعملوا فيها النهب والسلب، وكان هذا أول ظهور الهجر بهذه الديار، ولم يكن الكرد رأوا صورهم قبل ذلك. ولم يقر السلطان طغرلبگ عيناً ببقاء الدولة المروانية خارج نفوذه، وذكر ابن الأثير أنه (طغرلبگ) " أوفد إلى نصر الـدولة بن مروان يطلب منه إقامـة الخطبة له في بلاده. فأطـاعه وخطب له في سائر ديار بكر ".

إلى غير ذلك خسرت الدولة المروانية استقلالها، وأصبحت تابعة للدولة السلجوقية، ومع ذلك تولّى السلطان السلجوقي طغرل بگ بنفسه الهجوم على الدولة المروانية، واحتل أجزاء منها، حسبما ذكر ابن الأثير في أحداث سنة (448 هـ). وقد توفي نصر الدولة سنة (453 هـ)، وكان عمره نيّفاً وثمانين سنة، بعد حكم دام قرابة ثلاث وخمسين سنة، وخلف من الذكور نيفاً وعشرين ولداً، وتلاه في الملك من بعده ولده نظام الدين، ونافسه أخوه الأمير سعيد مستعيناً بالسلاجقة، وظل شأن الدولة المروانية يتناقص، تارة بعمل التناحرات الداخلية، وأخرى بتأثير أطماع السلاجقة، وسقطت العاصمة ميّافارقين بين أيديهم، وزالت الدولة المروانية سنة (478 هـ / 1086 م)، بعد حتى عاشت مئة وست سنوات.

المراجع

  1. ابن الأثير: الكامل في التاريخ، دار صادر، بيروت، 1975م، 1982م، الجزء التاسع.
  2. ابن الجوزي: المنتظم في تاريخ الملوك والأمم، تحقيق محمد عبد القادر عطا، مصطفى عبد القادر عطا، دار الخط الفهمية، بيروت، الطبعة الأولى، 1992م، الجزء السادس.
  3. ابن خلدون: تاريخ ابن خلدون، دار الكتاب المصري، القاهرة ، دار الكتاب اللبناني، بيروت، 1999م.
  4. ابن خلكان: وفيات الأعيان وأنباء أبناء الزمان، تحقيق إحسان عباس، دار الثقافة، بيروت، 1968م، الجزء الأول.
  5. عبد الرقيب يوسف، الدولة الدوستكية في كردستان الوسطى، مطبعة اللواء، بغداد، الطبعة الأولى، 1972م، الجزء الأول.
  6. الفارقي: تاريخ الفارقي، تحقيق عبد اللطيف عوض، الهيئة العامة لشؤون المطابع الأميرية، القاهرة، 1959 م.

المصادر

  • مسقط جلجامش
تاريخ النشر: 2020-06-04 17:36:35
التصنيفات: وفيات 1061, مروانيون, أكراد

مقالات أخرى من الموسوعة

سحابة الكلمات المفتاحية، مما يبحث عنه الزوار في كشاف:

آخر الأخبار حول العالم

توقيع ومناقشة ديوان «حدي الغريب» لـ زين الرزيقي بثقافة الأقصر

المصدر: موقع الدستور - مصر التصنيف: سياسة
تاريخ الخبر: 2022-10-22 21:21:47
مستوى الصحة: 50% الأهمية: 52%

مانشستر سيتي ضد برايتون.. هالاند يمنح السيتينز هدفين فى الشوط الأول

المصدر: اليوم السابع - مصر التصنيف: غير مصنف
تاريخ الخبر: 2022-10-22 21:22:23
مستوى الصحة: 33% الأهمية: 43%

تعادل مثير لـ تشيلسي ضد مانشستر يونايتد في الدوري الإنجليزي.. فيديو

المصدر: اليوم السابع - مصر التصنيف: غير مصنف
تاريخ الخبر: 2022-10-22 21:22:19
مستوى الصحة: 45% الأهمية: 47%

ديانج…المرور منه أشبه بالمستحيل

المصدر: وطنى - مصر التصنيف: غير مصنف
تاريخ الخبر: 2022-10-22 21:21:57
مستوى الصحة: 51% الأهمية: 57%

أخلاقنا الجميلة.. إزاى تعلمى طفلك تحمل المسئولية منذ الصغر؟

المصدر: اليوم السابع - مصر التصنيف: غير مصنف
تاريخ الخبر: 2022-10-22 21:22:13
مستوى الصحة: 30% الأهمية: 47%

من ألحان بليغ حمدي.. علي الحجار: إطلاق أغنية «يا أرضنا» أكتوبر الجاري

المصدر: موقع الدستور - مصر التصنيف: سياسة
تاريخ الخبر: 2022-10-22 21:21:43
مستوى الصحة: 53% الأهمية: 59%

لحن شيري ني ماريا.. مرد الإبركسيس الكبير (١)

المصدر: وطنى - مصر التصنيف: غير مصنف
تاريخ الخبر: 2022-10-22 21:21:54
مستوى الصحة: 45% الأهمية: 51%

الريال ضد إشبيلية.. مودريتش يسجل الهدف الأول للملكي بعد 5 دقائق "فيديو"

المصدر: اليوم السابع - مصر التصنيف: غير مصنف
تاريخ الخبر: 2022-10-22 21:22:11
مستوى الصحة: 30% الأهمية: 42%

رايو فاييكانو يصعق قادش بخماسية بالجولة 11 من الدوري الإسباني

المصدر: وطنى - مصر التصنيف: غير مصنف
تاريخ الخبر: 2022-10-22 21:21:56
مستوى الصحة: 56% الأهمية: 70%

من ديوان بنات للألم

المصدر: موقع الدستور - مصر التصنيف: سياسة
تاريخ الخبر: 2022-10-22 21:21:48
مستوى الصحة: 52% الأهمية: 62%

بلد الوليد يفوز على ريال سوسيداد في الدوري الإسباني

المصدر: وطنى - مصر التصنيف: غير مصنف
تاريخ الخبر: 2022-10-22 21:21:56
مستوى الصحة: 51% الأهمية: 60%

بيرسي تاو يعود لقائمة الأهلي أمام أسوان فى الدورى الممتاز غداً

المصدر: اليوم السابع - مصر التصنيف: غير مصنف
تاريخ الخبر: 2022-10-22 21:22:15
مستوى الصحة: 30% الأهمية: 39%

غدًا.. بيت الست وسيلة يحتفى بالذكرى الـ90 لأمير الشعراء أحمد شوقى

المصدر: موقع الدستور - مصر التصنيف: سياسة
تاريخ الخبر: 2022-10-22 21:21:47
مستوى الصحة: 59% الأهمية: 66%

لإصابة النجم الملكي « كريم بنزيما » يغيب عن مواجهة إشبيلية

المصدر: وطنى - مصر التصنيف: غير مصنف
تاريخ الخبر: 2022-10-22 21:21:55
مستوى الصحة: 56% الأهمية: 54%

إثارة اللحظات الأخيرة… تشيلسي 1-1 مان يونايتد

المصدر: وطنى - مصر التصنيف: غير مصنف
تاريخ الخبر: 2022-10-22 21:21:57
مستوى الصحة: 56% الأهمية: 63%

تحميل تطبيق المنصة العربية